عناوينُ المرحلة
سند الصيادي
ثمة توجّـُهٌ ملموسٌ نحوَ تصحيح المنظومة الإدارية في البلاد لا تخطئُه العينُ وَلا يتجاوزه الراصد، وَهذا التوجّـه يبدأ من رأس الهرم الإداري في البلد، وهو ما يجعلنا نستشرفُ آفاقاً أرحبَ من التطلعات والطموحات.
وفي كلمة الرئيس المشاط خلال اللقاء التشاوري لبناء القدرات والتنسيق بين قيادات أجهزة الدولة وما قد سبقها وَما سيلحقها، دلائل نظرية لهذا التوجّـه الذي أصبح برنامج عمل وَيؤسس لثقافة مستقبلية للنظام السياسي في البلاد، وهذا مكسب استراتيجي بحدِّ ذاته، ناهيك عن توقعاتنا بالتماس مخرجاته وثماره على الصعيد الراهن رغم المنغصات الكبيرة والتحديات.
الإرادَةُ تخلُقُ الحلولَ، وَتدفعُ عجلةَ الإنتاج وَتشجّعُ الابتكارَ، وكل ذلك تحت عنوان عريضٍ هو “المسؤولية” التي يجبُ أن تحكُمَ مسارَ المرحلة والمستقبل، وَعلينا جميعاً أن نعيَ معناها، وَنسقطها على أنفسنا، فَـإنَّ وجدنا عجزا في تحملها، وجب علينا أن نترجل عن دفتها وَنترك للآخرين اختبار قدراتهم ورهاناتهم، وذلك أسلم لنا، ورحم الله امرأ عَرَفَ قدر نفسه، فتعاطى مع طموحاته وتطلعاته بذات القدر، وَبقلق التداعيات الناجمة على شعبه ووطنه، غير مقامر بنزوة الـ”أنا” التي قد تجعله عرضة للتقصير وَالمحاسبة وَالتشهير.
وكلٌّ من موقعه، يجب أن يكون حارساً أميناً لهذا التوجّـه القيادي وَيحفر بجهده ومسؤوليته مكانا له في التاريخ يليق بعظمة التحولات وَمستوى التطلعات وَحجم التضحيات التي قدّمها هذا الشعب، وَأحق بها أن تُصان وتُحفظ وَتترجم مضامينها إلى وفاء عملي لما بذل لأجله الرجال الصادقون أرواحَهم وَدماءهم، وكانوا به أكرمَ من بذل وَأصدقَ من استوعب حجم المسؤولية وَلها حمل.
وحريٌّ بنا أن نمارسَ النقد الذاتي الإيجابي والبنّاء، واضعين في الاعتبارِ ما تحقّق من إيجابياتٍ في ظروف غير اعتيادية، وليس بالهين الحراك الحثيث نحو تفعيل المنظومة العدلية وَتأسيس وتفعيل إدارة الشكاوى وَالإصرار المتعزّز نحو مكافحة الفساد، غير غافلين عن السلبيات الباقية التي يمكن تلافيها في ذات الظروف، والتركيز على الجانب السلبي يكون هنا بدوافع اكتمال مشروع النضال الوطني وسدِّ كُـلّ الثغرات التي يمكن أن تنفذ منها رياح التعثّر وَالمؤامرات، وَتصيب بدن الوطن الثائر بروماتيزم الفشل.
وَكمؤشرات وجب على كُـلِّ من تبوأ المسؤولية أن يقارن أداءَه وَيراجعه من خلالها، هو مدى انعكاس ذلك في التقليل من هموم المواطن وتحقيق الخير له، وَإلا لا خير فيه وَأعماله إذَا انحرف مؤشر بوصلتها عن هذا الهدف، وَبات يجدّف خارج دائرة النتائج المرجوة منه.
على المسؤول مهما اختلف حجم مسؤوليته أن يفعّل الرقابة الذاتية على نفسه، وَأن لا ينتظر حتى ترصده جهات الرقابة والمحاسبة وَتتعاظم نكساته وَسوء سمعته، أَو يستمر في ممارسة إخلاله بالمسؤولية متسلحا بانتمائه وَحزبه وَنسبه ومنطقته، كلها رهانات من الماضي غير حاضرة في ذهن قيادتنا الثورية والسياسية التي تعلن في كُـلّ وقت وحين أن البقاء للأصلح والأكفأ وَالأكثر حرصا على شعبه ووطنه، وَصدى كلمات السيد القائد عن كُـلّ ما سبق يجب أن تتردّد في آذان كُـلّ متحذلق، وفيها نصح وَصدق وعد وَوعيد.
لقد أثبتت ثورةُ الحادي والعشرين من سبتمبر أن الدساتيرَ والقوانين مهما كانت أنموذجيةً وَمتكاملةً وَفضفاضةَ المعاني وَالمبادئ، فَـإنَّها لن تسير البلاد من تلقاء نفسها وَتظل حبرا على ورق مهجور وَمكوم في رفوف المكاتب والأدراج، إذَا لم يقف خلفها رجال صادقون عاهدوا الله وَشعبهم على أن يكونوا بمستوى مقرّراتها وَالقدرة على إنفاذها واقعا، وليس التشدق بمصطلحاتها زيفا وَاستعراضا، كما حصل وَهو حاصل مع أدعياء الدولة وَالجمهورية الذين باعوها رخيصة في أقرب مزاد وَأول فرصة أُتيحت لهم، وَراكموا بهذا الفعل خيباتِ الوطن وَأوجاعَه وأثقلوا ظهره بالمنهكات الثقال، ثم تركوه يواجه حاضره وَمستقبله، متنكرين لماله الذي نهبوه وَمقدراته التي استنزفوها، قبل أن يشاء الله لهذا الوطن أن يبعثَ من بين الرماد من جديد.
التعليقات مغلقة.