الأدوية البديلة للوجع الأصل
استطلاع / سوسن الجوفي
يتكأ المواطن اليمني على عصا الصبر التي اختزلت عدوان ست سنوات ومثلها حصار خانق تقلصت فيه فرص النجاة من المرض الى الاحتضار والموت واللاحياة وحتى اللحظة يحاول الكثير اقتناص بعض من هذه الفرص وايجاد البدائل لتقبلها والتعايش معها حتى في الأدوية.
فرض واقع الحرب العلاج البديل عن الأصل لكثير من الأمراض المزمنة والمفاجئة ويعلن المريض مضاعفة وجعه من تركيبة الدواء في حين يؤكد دكتور الصيدلة ان التركيب الدوائي في العلاج الأصل لا يختلف بتاتاً عن البديل له وانما الاختلاف في الشركة المصنعة فقط.
سطور (سبأ) اقتربت من مستخدمي الأدوية البديلة وشكواهم ، ومن الصيدليات التي تنوعت أدويتها بتنوع منشأها وشركاتها ، ومن مندوبي الأدوية الذين يروجون لأسماء تجارية ، لكل داء مستوطن صنف جديد يجزم مصنعه بفاعليته في تخفيف الألم وتسكينه .
شركاء الألم
توثق ذاكرة عائشة النويرة الكثير من الوجع والألم قبل وبعد عملية زراعة الكلى التي كلفتها الكثير من المال خارج البلاد ، لكن الالم خلال هذه الفترة تحديداً يتضاعف مع استخدام العلاج البديل والذي يفترض على كل من زرع كلى استخدامه مدى الحياة .
ولان عائشة تتقاسم مع شركاء الوجع المعاناة تطوعت للعمل مندوبة عن زارعي الكلى ومتطوعة تتحدث وتطالب نيابة عن ضحايا الفشل وزارعي الكلى في أمانة العاصمة ، فهي تشير الى ان العلاج الذي تصرفه المنظمات مجاناً قد تغير وان الاصل الذي كان يصرف قبل فترة توقفت المنظمات عن صرفه والبديل يسبب لزارعي الكلى الكثير من المضاعفات بل اودى بحياة الكثير بعد خسارة كل ما يملك في جمع مالا للسفر لعمليات الزرع والبعض تسبب له العلاج في فشل كلوي وعاد لعملية الغسيل الكلوي وتذهب الملايين التي صرفها في الزراعة ادراج الرياح .
يصنف دكتور الصيدلة مصطفى الحبابي مسؤول اللوجستيات وسلسلة الإمداد بشركة أرض الجنتين للأدوية والمستلزمات الطبية العلاج الأصل والبديل بأن لهما نفس التركيب ، إلا ان الأدوية الأصلية منشأها منشأ أوروبي ، بعض البدائل تكون هندي أو مصري وتكون المادة العلمية ليست بتركيز ونظافة الأصلي .
ويدلل الحبابي على ذلك بعلاج البندول الغير موجود في الصيدليات بسبب ان الشركة نفسها اغلقت سوقها في اليمن والموجود على الأغلب مهرب وهناك شركة انجليزية نفس الشي ويعتقد المواطن ان لا مثيل للبندول.
الدكتور الحبابي يقول ان الشركات البديلة في الغالب ارخص من الشركات الاصلية ذات المنشأ الاوروبي وهناك عدد من الشركات اوقفت تصديرها الى بلادنا لان لديها شروط محددة لاستيراد العلاج مثل ظروف التخزين والتبريد ووصولها آمنة للمخازن وبسبب ظروف الحرب والحصار تفتقر بلادنا لهذه الشروط ولذا اصبح الدواء البديل موجود بشكل اكبر وسعر ارخص.
يتفق المدير التنفيذي لمؤسسة ساري للأدوية الأستاذ اسعد ساري مع الحبابي في أن التركيبة العلمية للدواء هي نفسها ولكن الأسماء التجارية تختلف وله نفس قوة التأثير وليس هناك مشكلة بالبديل ، المشكلة هي ان كثير من الأطباء يتعاملون مع شركات محددة في بيع علاجاتها مقابل هدايا ومبالغ مالية وعندما يعرض المريض علاجه على الطبيب يرفضه ويفضل استبداله بالشركة المتفق معها مسبقاً بحجة الجودة والفعالية ، وهذه تجارة يظل ضحيتها المريض .
ساري يقول ان الذي يحصل في الوطن العربي كله هو ان الطبيب وظيفته تشخيص المرض فقط ، لأن دراسته تضمنت علم الأمراض ليصل الى تشخيص وتحديد العلة في جسم الإنسان وليس كتابة الدواء التي تقع هذه المهمة على الصيدلي الذي يدرس علم الدواء خمس سنوات ابتداءً من التركيب الى المفعول والأضرار والجرعات والأثار الجانبية والسميات المتضمنة للتركيب ، والمفارقة العجيبة ان بعد هذه الدراسة يعمل الصيدلي على بيع العلاج فقط مثله مثل موظف البقالة يأخذ العلاج المحدد من قبل الطبيب ويبيعه للمواطن .
اسرف عادل المطري في وصف علاجه البديل لضغط الدم الذي يلازمه منذ 25 عاما وقبل سنتين لم يعد لعلاجه أثر في الصيدليات رغم ارتفاع سعره قبل اختفاءه ولكنه اضطر لشراء العلاج البديل لحبوب الضغط التي سببت له ارهاق وتعب طوال اليوم حتى وان لم يبذل اي مجهود حاول اقناع نفسه ومغالطتها بما جادت به الظروف لكن ذلك اصبح على حساب صحته وعافيته.
وتقمصت الخاله ام شاهر “50 عاما” دور المقتنعة بعلاج الغدد البديل كما فعل عادل تماما ولكن الطفح الجلدي الذي اصابها اقنعها بالتخلي عن الدواء والبحث عن مسافر من خارج البلاد للعلاج الاصل الذي اصبح ارتباطها به ارتباط نفسي وارجعت كل اوجاعها وآلامها الى العلاج البديل الذي بدل عافيتها وصحتها ، وبهذا اصبح علاج أم شاهر مرهون بمغادر من البلاد وعائد الى ارض الوطن .
العامل النفسي باستخدام والارتباط بالعلاج اشار اليه المدير ساري الى انه قد تحدث اثار جانبية بسيطة من علاج بديل مثل الحساسية او اسهال بسبب بعض الاختلاف في تركيب المواد الحافظة عند بعض الشركات للعلاج واي شيء بسيط يحدث للمريض يرجعه للعلاج وهذا بالطبع عامل نفسي يلزم المريض بارتباطه بعلاج معين .
أول صيدلية في التاريخ
كان الاطباء المسلمون في العصر العباسي هم أول من رأى أنه لا بد من فصل مهنة الصيدلة عن الطب في ظل التطور الكبير الذي وصل اليه الطب والدواء في ذلك الوقت وبالفعل اصبح علما منفصلا وأول صيدلية تم انشاؤها في التاريخ كانت ببغداد في القرن السابع الميلادي في عهد الخليفة المنصور ، والكيمائي العربي جابر بن حيان كان اول من استحضر الحمض الكبريتي وسماه الزاج وهو من اكتشف الصودا الكاوية.
تشير الترجيحات الى ان شعوب ما قبل التاريخ من المحتمل انها استعملت الأدوية قبل ظهور أول حضارة على سطح الأرض فقد يكونوا قد اكتشفوا قدرة بعض النباتات على تسكين الالام وشفائهم من بعض الأمراض ، ومن الممكن أنهم لاحظوا التهام بعض الحيوانات المريضة لأنواع من الأعشاب وشفائها من ثم قاموا هم بتناول هذه الاعشاب ايضا .
اول سجل مكتوب لاستعمال الدواء كان عبارة عن لوحة صلصال يعود تاريخها للحضارة السومرية عام 2000 قبل الميلاد ، هذا اللوح يحتوي على 21 وصفة علاجية وهناك ورقة بردي فرعونية يعود تاريخها الى عام 1550 قبل الميلاد ، تحتوي على اكثر من 700 دواء ومن بين الادوية الناجحة التي استخدمتها الحضارات القديمة كان استخدام الإغريق للأفيون لتسكين الالام.
السوق الدوائي والأرباح
الدكتور نجيب ابو اصبع استشاري أمراض وزراعة الكلى ، يرى أن العلاج البديل المصنع من شركة ليست الأم أو المنتجة الأساسية للعلاج لا يمكن مقارنته بالعلاج الأساسي ، ومن يقول غير ذلك فهو غير أمين على اعطاء مثل تلك المعلومات ، فالشركة عندما انتجت دواء معين لم يأتي من فراغ بل بعد جهد وعمل شاق وعمل دراسات وابحاث على الحيوانات والفئران ومن ثم عمل ابحاث وتجربته على الإنسان ، وبعد اثبات نجاحه يتم اخذ الاعتراف والمصادقة على العلاج ، اما الشركات المقلدة فهي تعمل ابحاث ودراسات لها من منبع مقارنة علاجها المنتج مع علاج الشركة الأم وقد تصل بهذا الى العلاج بنتائج قد وصل بمفعوله الى نسبة جيدة مقارنة بالعلاج الأصلي ولكنه ليس بنفس الكفاءة.
الدكتور ابو أصبع اردف ” نحن لاحظنا من خلال بعض العلاجات ومنها علاجات زارعي الاعضاء ومن خلال النتائج ومتابعة فحوصات المرضى انها ليست بنفس الفعالية والكفاءة وهناك مرضى تأثروا من تغير العلاجات التي كانت تصرف من الشركات المقلدة وما زاد الطين بله ظهور ودخول شركات بالعشرات وبأسماء جديدة وتاريخ بعض الشركات لم يتعدى سنين معدودة حتى ان السوق اليمنية اصبحت من اكبر الأسواق لتجارة الأدوية وظهور اسماء تجارية جديدة ليس لها علاقة بالصيدلة أو الطب او بالسوق الدوائي ، فقط لأنهم لاحظوا ووجدوا أن الأرباح كبيرة جدا من العمل بهذا السوق حتى اصبح على الطبيب حفظ اسماء العلاجات من كثرتها في السوق وكل شركة تخترع تسمية جديدة بإضافة حرف او حرفين او تنقصهما مأخوذة تلك التسمية من العلاج الأصل”.
واضاف ” حتى أن اسعار العلاجات غير منطقية مقارنة بعلاج الشركة الأساسية ، وفيما يخص ان بعض الشركات العالمية لم تعد متواجدة في اليمن قد يكون الكلام قريب للحقيقة و لكنها ما زالت تصنع الى كل دول العالم بما فيها دول العالم الثالث وفي ظروف الحرب والحصار ممكن لتجار الأدوية استيرادها وقد تكلف ماديا اكثر بقليل ولكنهم للأسف الشديد يفكرون بالربح المتعودين عليه وكذلك الجهات الحكومية المختصة بتسجيل الدواء وفحصه ومراقبته ليس لديها خطط واضحة لذلك ( ….) مع العلم ان الشركات العالمية مازالت متواجدة في السوق اليمنية ووكلائها متواجدين من عشرات السنين وحاليا ولكن غياب الموازانات التشغيلية وكذلك الموازنات التي كانت ترصد لوزارة الصحة وبعض المستشفيات لمثل تلك العلاجات أثر على القوة الشرائية مما جعلها تبحث عن بديل اضطراري للشركات”.
تكتظ صيدلية الدكتور عدي شريان بأنواع واصناف متعددة للعلاج الواحد ، وزبون شريان يحدد طلبه على الأغلب من حيث السعر ، بعض من المرضى يطلب أرخص نوع لصنف معين ليس فقط لأن سعره رخيص ولكن لأن تأثيره ومفعوله يرضي المستخدم بشكل كامل وهناك من يتردد في الشراء ويحتار في الاختيار فيلجأ الى مشورة عدي الذي ينصح المشتري بما يعرفه من معلومة عن الشركة والصنف ومفعوله ، ويشير الدكتور عدي الى ان هناك بعض الأدوية اليمنية مثل الفيلازول فعاليته أفضل من الفيلاجين الخارجي وليس بالضرورة ان يكون العلاج الخارجي صنف مميز بل على العكس احيانا .
الصناعة الدوائية المحلية
بالنسبة للإجراءات الحكومية في هذا الجانب فقد تم انعقاد المؤتمر العلمي الأول للبحوث الصيدلانية في ديسمبر الماضي لانطلاق الصناعة الدوائية المحلية وصولا الى الاكتفاء الذاتي .
وقد ناقش المؤتمر أولويات البحوث العلمية الصيدلانية ودورها في توطين الصناعات الدوائية ، واشار المؤتمر الى التحضيرات الجارية لبدء تنفيذ مشروع مصنع وطني للأدوية بمساهمة كافة الصيادلة اليمنيين وفق معايير التصنيع الجيد .
وخلال انعقاد المؤتمر اكد وزير الصحة الدكتور طه المتوكل على تذليل الصعوبات التي تواجه الصناعات الدوائية والاهتمام بالصناعة المحلية بشقيها الكيمائي والعشبي والنباتي حيث وان اليمن يزخر بالاعشاب الطبية التي تحتاج الدراسة والأبحاث العلمية ، كما نوه الوزير المتوكل الى ان الوزارة اصدرت قرارا بتحديد 14 صنفاً من الأدوية ستكون حكراً على الصناعة الدوائية في اليمن ويمنع استيرادها من الخارج منذ مطلع العام الجاري.
لفتة تحدي
يصنع المواطن اليمني من بخار احلامه احلاماً اخرى ويتكيف على الوضع احياناً ، وغالباً ما يكون مجبوراً على التكيف والتفاؤل في نفس الوقت ليبتلع أوجاعه أو يتناساها واحياناً أخرى يتقمص دور القناعة بما فرضه الواقع واوجدته الظروف حتى وان كان ذلك وجعاً .
التعليقات مغلقة.