الإبراهيمية شماعة للتطبيع
فضل جحاف
كتبت سابقًا مقالًا بعنوان: (التطبيع الديني استراتيجية إسرائيلية) مطلع العام 2017
تبنت الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاستراتيجية الإسرائيلية التي أخذت معالمها تتضح من خلال التحولات السياسية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط التي شكلت عاملًا مهمًا وفاعلًا في التحولات السياسية في منطقتنا العربية وفي العلاقات والصراعات، وإعادة بناء التحالفات، وكما ظهرت أبعاد التحولات الأمريكية وانعكاساتها الحيوية على الصراع العربي – الإسرائيلي والعلاقات العربية – الإسرائيلية التي مهدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنقل العلاقات القائمة سرًا إلى المرحلة العلنية المطلوبة إسرائيليًا حيث أدركت قيادات الكيان الصهيوني في تل أبيب أن الخروج بالعلاقات مع الدول الخليجية إلى العلن بات هدفًا ملحًا يجب تحقيقه سريعًا في ظل التطورات الأخيرة في المنطقة وظروفها الموضوعية؛ الأمر الذي يمكن تل أبيب من الانتقال إلى مرحلة متقدمة مع السعودية تحديدًا لجهة التنسيق والتحالف لـ”مواجهة الأخطار المشتركة” ويعد هذا الانتقال بالتبعية انتصارًا لمنطق اليمين الإسرائيلي الذي يترأسه (نتنياهو) تجاه القضية الفلسطينية؛ إذ يروج الأخير لنظرية أن رفع مستوى العلاقات مع السعودية، وغيرها من (دول الاعتدال العربي) هو المدخل لحل القضية الفلسطينية وبلا أثمان، بدل أن يكون حل القضية الفلسطينية هو المدخل للتطبيع، الأمر الذي يمكّن الكيان الصهيوني من فرض تسوية على السلطة الفلسطينية من دون تقديم تنازلات إسرائيلية، وفي هذا السياق دعمت إدارة ترامب رؤية نتنياهو لحل القضية الفلسطينية، وإحلال السلام في المنطقة العربية من بوابة التطبيع وصياغتها في شكل اتفاقيات كإطار بديل ممّا يسمى (صفقة القرن) التي سعت إدارة ترامب في تمريرها تحت مسمى السلام الاقتصادي من خلال مؤتمرات بمشاركة إسرائيلية وعربية قوبلت تلك المساعي بمواقف وتحركات شعبيه قادتها دول محور المقاومة والممانعة دعمًا لمواقف حركات المقاومة الإسلامية الفلسطينية الرافضة بشدة للخطة الأمريكية، وهو ما يراه مراقبون أنه سبب أدى إلى تأجيل واشنطن صفقة القرن إلى أجل غير مسمى ودفعها للتركيز على استمالة الدول الخليجية للتطبيع مع إسرائيل على أساس المشترك الديني التاريخي المفترض في مسعى سياسي وفكري؛ لترسيخ وجود إسرائيل في محيطها العربي والإسلامي. وهذا المسعى ضمني في معظمه، وإن تضافرت أدلته دون تصريح علني قاطع، ولكن بما يكفي لرسم معالمه، أما خروجه للعلن فكان في تسمية (معاهدات) السلام بين الكيان الصهيوني والإمارات وغيرها باتفاقيات “إبراهيم” وذلك على خلفية تعود لأكثر من عقدين من الزمن ترى في “الإبراهيمية” وسيلة ذات أبعاد دينية ودلالات تاريخية لتحقيق قبول وتقارب لتبديد العداء العربي الإسرائيلي، ومن ثم توظيفها في سياق الترويج للمنطق الإسرائيلي – اليميني إزاء عملية السلام الذي يرى أن التطبيع مقدمة للتسوية النهائية لحل القضية الفلسطينية؛ لذلك لم تكن مسألة تغيير رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تسمية اتفاقيات التطبيع بين كلٍ من الكيان الصهيوني من جهة، والإمارات والبحرين من جهة أخرى، من اتفاق (ترامب) إلى اتفاق (إبراهيم) من قبيل المصادفة أو خوفًا من انتقادات الإعلام حسب تعبيره، بل إنها تمثل خطوة تم اتخاذها عن قصد، وبناءً على توجهات فكرية وسياسية مقررة منذ عقود تعتمد بالأساس على توظيف الدين لخدمة السياسية الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وكوسيلة من أجل تكريس التطبيع مع إسرائيل من باب المحبة والسلام والحوار بين الأديان، ولم يكن وصف الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) لاتفاق السلام المسمى (إبراهام) بـ(التاريخي) محض صدفة بل تبنّي للاستراتيجية الإسرائيلية ولمنطق اليمين الإسرائيلي الذي يعتبر التطبيع مع الدول العربية هدفًا سياسيًا يجب ألا يُعزل عن الأبعاد الدينية، التاريخية، ومن هذا المنطلق نجح مستشارو ترامب من اليهود الصهاينة في مواءمة السياسية الأمريكية مع الطرح الإسرائيلي لمفهوم الإبراهيمية الذي أخذ بُعدًا تاريخي يذهب باتجاه إقرار حقوق وراثية من وحي أسفار التوراة للشعوب المذكورة فيه، ولاسيما حق إسرائيل بأرض الميعاد، وعقب توقيع الاتفاق وصف رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو الاتفاق باليوم (التاريخي) في دلالة واضحة على تمكن اليمين الإسرائيلي من فرض معادلة السلام مقابل السلام بدلًا عن معادلة الأرض مقابل السلام التي ارتبطت بالمبادرة العربية في إطار تنفيذ الاستراتيجية الإسرائيلية الرامية إلى تكريس النهج الإبراهيمي بأبعاده المختلفة كفلسفة المستقبل لمنطقة الشرق الأوسط عمومًا، والعالم العربي خصوصًا من خلال المسار الإبراهيمي كمدخل للاعتراف بإسرائيل كدولة تستمد شرعيتها من الدين، ويكون انتماؤها زورًا إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام.
ومع أن الإبراهيمية مصطلح ديني عقائدي يرتبط برمز ديني بالإجماع فإن الطرح الإسرائيلي للإبراهيمية في هذه المرحلة لم يكن بعيدًا عن مرامي الاستراتيجية الإسرائيلية للتطبيع الديني على أساس المشترك الديني لتحقيق الأهداف الإسرائيلية وفي مقدمتها اعتراف الدول العربية التي سارعت لتطبيع علاقتها مع إسرائيل بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل مع السماح للمسلمين المطبعين بزيارة المسجد الأقصى وأداء الصلاة الإبراهيمية فيه،
خاصةً أن إبرام اتفاقيات إبراهام جاءت عقب اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.
التعليقات مغلقة.