مشاهدُ أليمةٌ في الذاكرة
سند الصيادي
في بدايات شهر الله المعظم، نضع أقدامنا على أعتاب سنة جديدة من العدوان والحصار، نعيد تمرير شريط شيء من المشاهد الباقية في الذاكرة.. نلملم أشلاء طفل ممزقة بين الحطام وإلى جانبه أمه التي غفت وهي تترنم بالابتهالات لمستقبل وليدها قبل أن يموتان معاً، وتغرب شمسه قبل أن تتفتح جفونه على نهار الحياة، عن بثينة الطفلة التي انبعثت من بين البارود والرماد تحاول فتح عينيها لتلقي نظرة على رفات أمها وأبيها قبل الوداع.
عن أطفال ضحيان الذين لم يناموا فرحاً ليلة الانتظار للنزهة الأخيرة وبعيونهم الناعسة ووجوههم المستبشرة قتلوا جميعاً، وَتم مصادرة حياتهم وَفرحتهم ونومهم في الدنيا لتتكفل السماء بذلك.
عن الجدة التي ارتقت وهي تعانق مسبحتها، والجد الذي احتفى ذات ليلة بضيوفه فاستكثر العدوّ عليهم هذا الجمع وقضى عليهم جميعاً، قبل أن يشرق الصبح على أشواق التي كانت تختال بزيها المدرسي تسابق العصافير نحو طابور الصباح وفي خيالها البريء أحلامٌ لم تكتمل؛ إذ كان المجرم لها بالمرصاد، عن نماذج واقعية لثلاثة آباء، مات الأول في مجلس عزاء، وَقضى الثاني نحبه في صالة أفراح، بينما عاد الثالث إلى بيته سالماً غير أنه وجد كومة أنقاض على أشلاء زوجته وأطفاله.
عن بائع متجول ومواطن يجولان في السوق والجميع يصارع الحياة ولقمة العيش، كانت عائلاتهم تنتظرهم على مائدة الغداء، قبل أن يطول الانتظار وتستوطن الأحزان والفجيعة القلوب، عن صياٍد أبحر فجراً يداري خطر الأمعاء الخاوية لأسرته التي ترقب عودته، فلا عاد ولا عرف مصيره، عن مسافرٍ كان يعرف أن السفر مشقة وغاب عنه أن الإجرام خطيئة كبرى تتربص به في منحنيات الطريق وفي دهاليز السجون التي نصبها القاتل على امتداد الوطن المحتلّ.
عن راعي أغنام اعتزل المدينة والريف واستوطن الجبال، انقطعت عنه أخبار العالم إلَّا من غارة أنهت حياتَه وقضت على رأس ماله وَأولاده من بعده، عن ناجٍ أَو ناجية من لظى الغارات التي استهدفت جيرانه، التجأ إلى مخيم أَو مشفى تحت شعار الأمم المتحدةـ معتقداً أن شيئاً من حصانةٍ يمكن أن يمنع عنه لعبة الموت، وَتحت خيمة الأمم المتحدة ارتقت روحه وَتحت غطاءها أَيْـضاً تم تبييض صفحة قاتليه.
لا تزال القائمة طويلة حافلة بالمشاهد القاتمة، ولا يزال اليقين بأن الله حاضر، وبأن محاكمةً مقامةً دون مجلس أمن أَو فيتو، وبأن للظالمين يوماً ليس على الله ببعيد.
التعليقات مغلقة.