قراءةٌ في تقرير المفوّض السامي للأمم المتحدة عن حالة حقوق الإنْسَان في اليمن.. مغالطاتٌ بالجُملة ومقاربات مضلّلة وتناقضات فاضحة
تقارير|1 أكتوبر| عباس السيد:
ناقش مجلسُ حقوق الإنْسَان في دورته الـ 33 المنعقدة بين الـ 18 ـ 28 سبتمبر الجاري بجنيف حالة حقوق الإنْسَان في اليمن كما قدّمها المفوض السامي للأمم المتحدة في تقريره السنوي الذي يتضمن رصداً للانْتهَاكات خلال الفترة من 1يوليو2015م إلى 30 يونيو 2016م.
وقد تردّدت كَثيراً في كتابة مادة حول التقرير نظرا للملل الذي كنت أشعر به كلما قلبت صفحات “التقرير الأممي“ وقرأت ما ورد به من تضليل ومغالطات يمكن وصفها بأنها مجرد “ضحك على الدقون“ لا تستحق إضاعةَ الوقت في قراءتها أَوْ الرد عليها.
وبحسب ما جاء في المقدمة، فقد ركز التقرير بشكل رئيسي على “النزاع الدائر بين قوات هادي المدعومة من قبل التحالف من جهة، واللجان الشعبية التابعة للحوثيين ووحدات الجيش الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة أُخْـرَى. وبحسب التقرير ـ يعتبر هذا النزاع، هو الأكبر والأخطر والأكثر تأثيراً على السكان والبنية التحتية الهشة”.
وبناء على تلك الرؤية “للنزاع وأطرافه“ نُسج التقرير بعناية، وبدت المفوضية السامية مثل محل خياطة يعمل بحسب قياسات الزبون ورغباته.
وجاء في المقدمة أن التقرير يقدم أَيْضاً عرضاً عن مدى وجودة التعاون بين المفوضية السامية واللجنة الوطنية للتحقيق في الانْتهَاكات “التي شكلها هادي“ إلا أن التقرير نفى في ثلاثة مواضع تسلمه لأية معلومات أَوْ وثائق من اللجنة الوطنية حول منهجية عملها واستنتاجاتها، أَوْ عن ما حققته من تقدم بشأن إجراء تحقيقات شاملة ونزيهة.
وأرجع التقرير أَسْبَـاب ذلك إلى الصعوبات والظروف الأمنية المزرية وعدم اعْترَاف أطراف النزاع باللجنة الوطنية.
ويأتي هذا النفي الذي تكرر ثلاث مرات ـ في الفقرات 2، 17، 70 ـ من التقرير، كمحاولة فاشلة لصبغ التقرير بالحياد والنزاهة. وعلاوة على حجم المغالطات والتضليل التي تقود إلى هذا الاستنتاج، أكد وزير حقوق الإنْسَان في سُلطة هادي، عزالدين الأصبحي، في مقابلة بصحيفة الشرق الأوسط السعودية، نشرت في 7 سبتمبر الجاري، عكس ما جاء في التقرير، وقال: “قدمنا كُلّ الوثائق والأدلة التي توضح الحقائق“.. فهل يعني هذا أن تقرير المفوضية السامية تمّت صياغته دون أية معلومات من لجنة تحقيق هادي؟!
محتوياتُ التقرير
إحتوى التقرير على سبعة بنود، تضمنت المقدمة والمنهجية والإطار القانوني والسياق والتعاون مع اللجنة الوطنية ـ التي شكلها هادي ـ. واحتل البند سادسا معظم صفحات التقرير، وقد شمل: ادعاءات الانْتهَاكات والتجاوزات. وجاءت الاستنتاجات والتوصيات لأطراف النزاع في البند سابعا.
المنهجيةُ والإطارُ القانوني
اعتمد التقرير في منهجيته ومصادِرِه على 29 موظفاً تابعاً للمفوضية ثم توزيعهم على محافظات الجمهورية 7 منهم في العاصمة صنعاء وتسلمت المفوضية 194 تقريراً من 37 منظمة وطنية وَ67 تقريراً من منظمات دولية بالإضافة إلى تقارير وكالات تابعة للأمم المتحدة.
وتقول المفوضية إنها تستخدم معياراً له “أساس مقبول” في تصميم تحقيقاتها من بينها مصداقية المصدر ونوعية البيانات التي قدمها من قبل ومقارنتها بمصادر أُخْـرَى وهذا يعني إقرار المفوضية لأية معلومات طالما وردت في تقرير لمنظمتين أهليتين من الدكاكين الأهلية وما أكثرها.
أما الإطار القانوني الذي اعتمد عليه التقرير فيتمثل بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحقوق الإنْسَان واتفاقيات حقوق الطفل التي وقعتها اليمن. وبموجب ذلك يعتبر كُلّ أطراف النزاع داخل اليمن ملزمين بهذه الاتفاقيات بما في ذلك “أفراد قوات التحالف”، أي أن القوانين الدولية الخَاصَّـة بالجرائم والانْتهَاكات لا تشمل دول تحالف العدوان على بلادنا وَالتي ترمي بثقلها الجوي والبحري في المعركة وتسري فقط على أفرادها المتواجدين على الأراضي اليمنية.
وسنركز هنا على البند السادس في التقرير الذي تضمن ادعاءات الانْتهَاكات والتجاوزات، وقد توزّعت في تسعة أقسام: العمليات العسكرية، الحصار والتطويق، هجمات على أعيان لها حماية خَاصَّـة، حرية التعبير وسلب الحرية، حالات القتل، التأثير على الأطفال، العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس، وأخيراً، التشريد القسري والإخلاء.
حصارُ اليمن وحصارُ تعز
في كُلّ حالات الانْتهَاكات التي أوردها التقرير، كان واضحاً محاولة التقليل من حجم الجرائم التي ارتكبها تحالف العدوان السعودي الأمريكي في اليمن وتقليصها إلى أدنى مستوى. وفي حالات أُخْـرَى، عمل التقرير على إيجاد مقاربات بين حجم الجرائم والانْتهَاكات التي ارتكبها تحالف العدوان وتلك المنسوبة للجيش واللجان الشعبية. وعلى سبيل المثال: أختزل التقرير الحصار الجائر المفروض على اليمن جواً وبحراً وبراً منذ عام ونصف عام في خمسة أسطر فقط، بينما تناول «حصار تعز” في عشرة أسطر.
التشريدُ القسري والإخلاء
وفي حالات التشريد القسري والإخلاء، لم يشر التقرير إلى ما حدث لآل الرميمة الذين هُجّروا من مديرية مشرعة وحدنان بتعز وهم بالمئات، ولا إلى تهجير آل الجنيد من قراهم في مديرية صبر الموادم. مع أن هاتين الجريمتين حدثتا خلال الفترة المشمولة بالتقرير ـ بين يوليو 2015م وَيونيو 2016م ــ.
واكتفى التقرير بالإشارة إلى الإخلاء القسري الذي طال مواطنين شماليين في عدن، وعددهم بحسب التقرير أقل من 500 شخص، ولم يغفل التقرير إدانة هادي لتلك العمليات التي أعتبرها أعمالاً فردية، ووعده بإعادة المرحّلين.
مئاتُ الآلاف من اليمنيين شردوا من مدنهم وقراهم بسبب الغارات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي للتحالف الذي تقودُه السعودية في محافظات صعدة وحجة والجوف ومَأرب، لم يشر إليهم التقرير باعتبارهم مشرّدين أخلوا ديارهم قسرا، بل تحولت مدنهم وقراهم إلى أطلال بفعل القصف المستمر.
مقارَباتٌ مضلّلة وعدساتٌ مخادعة
وفي تناوله للجرائم والانْتهَاكات خلال «العمليات العسكرية” أخفى التقرير الكثير من المجازر المروعة التي ارتكبتها طائرات التحالف بحق المدنيين. واكتفى بعدد محدود «يكفي لإظهار التعادل أَوْ المساواة مع الطرف الآخر”.
وعلى سبيل المثال قدم التقرير أربع صور لما قال إنه دماراً الحقته اللجان الشعبية بقصفها حيا في دار سعد بعدن في يوليو 2015م، مقابل صورتين للدمار الذي ألحقته غارات التحالف على سوق الخميس بمحافظة حجة في مارس 2016م.
هذه المقاربة لا تخلو من خبث بقصد التضليل باسْتخدَام ابسط اساليب الخداع البصري. فاخْتيَار الصور من حي سكني وسوق شعبي، يهدف لإظهار الدمار الذي تسببت فيه اللجان أكبر من ذلك الذي أحدثته الغارات الجوية على سوق شعبي “ليس فيه عمارات منهارة” وآثار القصف على سوق شعبي ستظهر مجرد حفر على الأرض وخردات متناثرة. وعلاوة على ذلك تبدو الصورة الأوْلى من الأربع الصور التي قال التقرير بأنها للدمار في دار سعد ملتبسة.
كل جريمة أَوْ مجزرة للتحالف، أوجد لها التقرير ما يقابلها للجيش واللجان، فقصف حي دار سعد حدث في يوليو 2015، بينما قصف سوق مستبا بحجة حدثت في مارس 2016، وكأن طائرات التحالف لم تقم بأية غارة خلال الثمانية الأشهر بين الحالتين ـ دار سعد ومستبا.
وفي بند الهجمات على أعيان لها حماية خَاصَّـة، كالمنشآت الطبية والتعليمية مثلاً، تضمن التقرير ثلاث صور لواجهات مستشفى الثورة بتعز، تظهر عليها آثار قذائف أطلقها الجيش واللجان – بحسب التقرير – فيما لم يقدم أيّة صورة للمنشآت المشابهة الأُخْـرَى التي دمرها القصف الجوي في طول البلاد وعرضها، مع أنه ذكر عدداً من المنشآت التي دمرها القصف الجوي، كمستشفى حيدان، ومركز المكفوفين بصنعاء. وعيادة أَطْبَاء بلا حدود في تعز. لكنه لم يقدم صوراً لأيٍّ منها.
الاختلال في اسْتخدَام الصور داخل التقرير كان واضحاً لمن صاغوا التقرير، ولذلك، جاء في أحد الهوامش ما يلي: “جميع الصور التي تضمنها هذا التقرير تم التقاطها بواسطة موظفي المفوضية”. بمعنى “لا يروح حسكم بعيد” الصور لم تفرض علينا ولم تقدم لنا من مصادر خارجية.
التناقُضُ في أرقام ضحايا الهجمات الجوية
وفي الفقرة رقم 24، الخَاصَّـة بالهجمات الجوية، جاء ما يلي: «… تشير الحالات التي رصدتها المفوضية إلى أن الهجمات الجوية، هي أكبر سبب مفرد للإصابات، إذ أسفرت عن نحو ثلث الوفيات والإصابات التي سجلتها المفوضية”. بينما جاء في الفقرة “١٠” أن المفوضية وثقت خلال الفترة من ١ يوليو ٢٠١٥ إلى ٣٠ يونيو ٢٠١٦ مقتل ٢٠٦٧ مدنياً، ١١٥٩ منهم لقوا حتفهم بسبب القصف الجوي لقوات التحالف – أي ما يزيد عن النصف!!
تدميرُ الآثار والمواقع التأريخية
وفي البند الخاص بالهجمات على المعالم الأثرية والتأريخية، أغفل التقرير الأممي كُلّ الهجمات التي شنتها طائرات التحالف الذي تقوده السعودية والتي طالت عشرات المعالم والمواقع التأريخية في عدد من المحافظات، واكتفى بإيراد ثلاث حالات فقط، وهي: مقابر حضرموت وأتهم “الجماعات المسلحة” المرتبطة بالقاعدة بتدميرها، واتهم التحالف بتدمير جامع في الوهط بمحافظة لحج بغارة جوية. وبلغت المغالطات ذروتها في اتّهام التقرير للجان الشعبية بتدمير قلعة القاهرة ـ أبرز المعالم التأريخية في محافظة تعز ـ وجاء في التقرير: أن قلعة القاهرة تعرضت لتدمير جزئي من قبل اللجان الشعبية في أغسطس 2015. وفي تناقض واضح، لم يفطن إليه من صاغوا التقرير، جاء في مرفقات التقرير جدولاً يوضح الأماكن والمواقع الأثرية والتأريخية التي تعرضت للدمار، أن القلعة دمرت في 11 مايو 2015، أي قبل شهرين من التأريخ الذي ورد في التقرير.
ولم يشر التقرير، أَوْ مرفقاته إلى أيّة مسؤولية لتحالف العدوان السعودي الأمريكي في تدمير القلعة، على الرغم من متابعة الداخل والخارج للغارات الجوية التي استهدفت القلعة خلال ثلاثة أشهر.
يشار الى أن قلعة القاهرة تعرضت لسلسة غارات جوية شنتها طائرات التحالف السعودي، الأوْلى في 11 مايو 2015، حيث تم استهداف القلعة بـ 7 غارات، كما عاودت القصف للمرة الثانية في 21 مايو 2015، تلتها ضربات جوية للمرة الثالثة في 31 مايو 2015، وتم استهداف القلعة من قبل التحالف السعودي للمرة الرابعة في 7 يونيو 2015.
التعليقات مغلقة.