ثلاث قصائد بردّونية في رحاب الرسول الأكرم ص وآله
الشاعر الكبير عبدالله البردّوني
يقظة الصحراء
حيَّ ميلاد الهــــــــــــدى عاماً فعاما
واملأ الدنيا نشــــــــيداً مستهاما
وامض يا شعــــــــرُ إلى الماضي إلى
مُـــــلتقى الوحي وذُبْ فيه احتراما
واحمل الذكــــــرى من الماضي كما
يحمل القلبُ أمـــــــــــانيه الجساما
هات ردّدْ ذكــــــــــريات النور في
فـــــــنك الأسمى ولقـــنها الدواما
ذكـــــــــــــرياتٌ تبعث المجد كما
يبعث الحــــسنُ إلى القلب الغراما
فارتعشْ يا وتــــر الشعــــر وذُبْ
في كؤوس العبقـــــــــريات مداما
وتنقل حول مـــهــــــد المـــــصطفى
وانشدِ المـــــــجـد أغانيك الرِّخاما
زفتْ البشــــرى مـــعــــــانيه كما
زفـــــت الأنســــام أنفاس الخزاما
وتجـــــلّى يـــــــوم ميلاد الهــــــــدى
يـــملأ التاريخ آيـــــات عـــــــــظاما
واستفاضــــــت يقظة الصحرا على
هــــجعة الأكـــــــوان بعثاً وقياما
وجـــــلا للأرض أســـرار الســــــــــــما
وتـــــراءى في فم الكون ابتساما
جــــــل يـــومٌ بـــــــــعـــــــث الله به
أحــــــمــــداً يمحو عن الأرض الظلاما
ورأى الدنــــــيا خِـــــصاماً فاصطفى
أحمداً يفـــــني من الدنيا الخصاما
مُرْســــلٌ قد صـــــــــــــاغه خــــــالقه
مـــــن معاني الرســل بدْءاً وختاما
قد ســــــــعــى – والطرقُ نارٌ ودمٌ
يعبر السهــــــــل ويجتاز الأكاما
وتحــــــــدى بالهـــــــدى جهد العِدا
وانتضى للصــــــارم الباغي حُساما
نـــــــزل الأرضَ فأضـــحـــــت جـــــنةً
وسماءً تحـــــــــمـــــل البدر التماما
وأتى الدنــــــيا فـــــــقـــيراً فأتت
نحـــــــــوه الدنيا وأعطته الزماما
ويتيمــــاً فتبــنــتــهُ الســـــمــــــا
وتــبــنــى عطــفه كــــــل اليتامى
ورعــــى الأغــــــنام بالعــــدل إلى
أن رعــــى في مــــرتع الحق الأناما
بـــــــدويٌ مـــــــــدّن الصــــحـرا كما
عـــــلم الناس إلى الحــشر النظاما
وقــــضـى عـــــــــــدلاً وأعــــــــلى مِلةً
ترشــــد الأعمى وتُعمي من تعامى
نشـــرتْ عدل التساوي في الورى
فعلا الإنســـــــــــان فيها وتسامى
يارســـــــــــــول الحق خلدت الهدى
وتركـــــــــت الظلم والبغي حُطاما
قم تجد في الكــــــون ظلماً محدَثاً
قـــــتلَ العدلَ وباسم العدل قاما
وقـــــــــــوىً تختطـــــف العُزْلَ كما
يخـــطـــــــف الصقر من الجو الحماما
أمـــــطر الغرب على الشرق الشقا
وبدعـــــــــوى السم أسقاه الحِماما
فمـــعاني الســـلــــــــم في ألفاظه
حِـــــــيَلٌ تــبــتــكر الموتَ الزؤاما
يارســــــــول الوحدة الكبرىويا
ثورةً وسّـــــــــــــدَتِ الظلم الرّغاما
خــــــــــــذ من الأعماق ذكرى شاعرٍ
وتـــقـــبـــلـــهـــا صـــلاة وســــــلاما
وهذا القصيدة الأخرى
بشرى من الغيب ألقت في فم الغـار
وحيا و أفضت إلـى الدنيـا بأسـرار
بشرى النبوّة طافت كالشـذى سحـرا
و أعلنت في الربـى ميـلاد أنـوار
و شقّت الصمت و الأنسـام تحملهـا
تحـت السكينـه مـن دار إلـى دار
و هدهدت ” مكّة ” الوسنـى أناملهـا
و هـزّت الفجـر إيذانـا بإسـفـار
***
فأقبل الفجر من خلف التـلال و فـي
عينيـه أسـرار عشـاق و سمـار
كأنّ فيض السنى في كـلّ رابيةمـوج
و فـي كـلّ سفـح جـدول جـاري
تدافع الفجر في الدنيـا يـزفّ إلـى
تاريخهـا فجـر أجيـال و أدهــار
واستقبلـت طفـلا فــي تبسّـمـه
آيـات بشـرى و إيمـاءات إنـذار
و شبّ طفل الهدى المنشـود متّـزرا
بالحـقّ متّشحـا بالنـور و الـنـار
في كفّه شعلـة تهـدي و فـي فمـه
بشرى و في عينـه إصـرار أقـدار
و في ملامحـه وعـد و فـي دمـه
بطـولـة تتـحـدّى كــلّ جـبّـار
***
و فاض بالنـور فاغتـم الطغـاة بـه
و اللّصّ يخشى سطوع الكوكب الساري
و الوعي كالنور يخزي الظالمين كمـا
يخزي لصوص الدجى إشراق أقمـار
نادى الرسول نداء العـدل فاحتشـدت
كتائـب الجـور تنضـي كـلّ بتّـار
كأنّـهـا خلـفـه نــار مجنّـحـة
تعـدو قدّامـه أفــواج إعـصـار
فضجّ بالحقّ و الدنيـا بمـا رحبـت
تهـوي عليـه بأشـداق و أظـفـار
و سـار و الـدرب أحقـاد مسلّخـة
كأنّ في كلّ شبـر ضيغمـا ضـاري
وهبّ فـي دربـه المرسـوم مندفعـا
كالدهـر يقـذف أخطـار بأخـطـار
***
فأدبر الظلـم يلقـي هـا هنـا أجـلا
و ها هنـا يتلقّـى كـفّ … حفّـار
و الظلم مهما احتمت بالبطش عصبته
فلم تطـق وقفـة فـي وجـه تيّـار
رأى اليتيـم أبـو الأيتـام غايـتـه
قصوى فشـقّ إليهـا كـلّ مضمـار
وامتدّت الملّة السمحـا يـرفّ علـى
جبينهـا تـاج إعـظـام و إكـبـار
***
مضى إلى الفتح لا بغيـا و لا طمعـا
لكـنّ حنـانـا و تطهـيـرا لأوزار
فأنزل الجـور قبـرا وابتنـى زمنـا
عـدلا … تدبّـره أفكـار أحــرار
***
يا قاتل الظلم صالـت هاهنـا و هنـا
فظايع أيـن منهـا زنـدك الـواري
أرض الجنوب دياري و هي مهد أبي
تئـنّ مـا بيـن سفّـاح و سمسـار
يشدّهـا قيـد سجّـان و ينهشـهـا
سوط … ويحدو خطاها صوت خمّـار
تعطي القيـاد وزيـرا و هـو متّجـر
بجوعها فهو فيهـا البايـع الشـاري
فكيف لانت لجـلّاد الحمـى ” عـدن
“و كيف ساس حماها غـدر فجّـار ؟
وقـادهـا وعـمــاء لا يـبـرّهـم
فعـل و أقوالهـم أقــوال أبــرار
أشباه ناس و خيـرات البـلاد لهـم
يا للرجـال و شعـب جائـع عـاري
أشبـاه نـاس دنانيـر البـلاد لهـم
ووزنهـم لا يسـاوي ربـع دينـار
و لا يصونون عنـد الغـدر أنفسهـم
فهل يصونون عهد الصحب و الجـار
ترى شخوصهـم رسميّـة و تـرى
أطماعهم في الحمـى أطمـاع تجّـار
***
أكـاد أسخـر منهـم ثـمّ تضحكنـي
دعواهـم أنّهـم أصـحـاب أفـكـار
يبنـون بالظلـم دورا كـي نمجّدهـم
و مجدهم رجس أخشـاب و أحجـار
لا تخبر الشعـب عنهـم إنّ أعينـه
ترى فظائعهـم مـن خلـف أستـار
الآكلـون جـراح الشعـب تخبـرنـا
ثيابـهـم أنّـهـم آلات أشـــرار
ثيابهـم رشـوة تنبـي مظاهـرهـا
بأنّهـا دمــع أكـبـاد و أبـصـار
يشـرون بالـذلّ ألقابـا تستّـرهـم
لكنّهـم يستـرون الـعـار بالـعـار
تحسّهم فـي يـد المستعمريـن كمـا
تحـسّ مسبحـة فـي كـفّ سحّـار
***
ويـل وويـل لأعـداء الـبـلاد إذا
ضجّ السكون وهبّت غضبـة الثـار !
فليغنـم الجـور إقبـال الزمـان لـه
فــإنّ إقبـالـه إنــذار إدبـــار
***
و النـاس شـرّ و أخيـار و شرّهـم
منـافـق يـتـزيّـا زيّ أخـيــار
و أضيع الناس شعب بـات يحرسـه
لـصّ تسـتـره أثــواب أحـبـار
فـي ثغـره لغـة الحانـي بأمّـتـه
و في يديـه لهـا سكّيـن جـزّار !
حقـد الشعـوب براكيـن مسمّـمـة
وقودهـا كـلّ خــوّان و غــدّار
من كـلّ محتقـر للشعـب صورتـه
رسـم الخيانـات أو تمثـال أقــذار
و جثّـة شـوّش التعطيـر جيفتهـا
كأنّهـا ميتـه فـي ثـوب عـطّـار
***
بين الجنـوب و بيـن العابثيـن بـه
يوم يحـنّ إليـه يـوم ” ذي قـار ”
***
يا خاتم الرسل هـذا يومـك انبعثـت
ذكراه كالفجر فـي أحضـان أنهـار
يا صاحب المبدأ الأعلى ، و هل حملت
رسالـة الحـقّ إلاّ روح مخـتـار ؟
أعلى المباديء ما صاغـت لحاملهـا
من الهدى و الضحايا نصـب تذكـار
فكيـف نذكـر أشخاصـا مبادئـهـم
مباديء الذئب في إقدامه الضاري ؟ !
يبـدون للشعـب أحبابـا و بينـهـم
و الشعب ما بين طبع الهرّ و الفـار
مالي أغنّيك يا ” طه ” و فـي نغمـي
دمع و في خاطـري أحقـاد ثـوّار ؟
تململـت كبريـاء الجـرح فانتزفـت
حقدي على الجور من أغوار أغواري
***
يا ” أحمد النور ” عفوا إن ثأرت ففي
صدري جحيم تشظّت بيـن أشعـاري
” طه ” إذا ثار إنشـادي فـإنّ أبـي
” حسّان ” أخباره في الشعر أخبـاري
أنا ابن أنصارك الغـرّ الألـى قذفـوا
جيش الطغـاة بجيـش منـك جـرّار
تظافرت في الفدى حوليـك أنفسهـم
كأنّهـنّ قــلاع خـلـف أســوار
نحن اليمانين يا ” طـه ” تطيـر بنـا
إلـى روابـي العـلا أرواح أنصـار
إذا تذكّـرت ” عـمّـارا ” و مـبـدأه
فافخر بنا : إنّنـا أحفـاد ” عمّـار ”
” طه ” إليك صلاة الشعـرر ترفعهـا
روحـي و تعزفهـا أوتـار قيـثـار
وهذه القصيدة الثالثة بعنوان فجر النبوة
صور الجلال وزهوة الأمجاد | سكبت نمير الوحي في إنشادي |
صور من الأمس البعيد حوافل | بالذكريات روائح و غوادي |
خطرت تعيد مشاهد الماضي إلى الـ | يوم الجديد إلى الغد المتهادي |
حملت من الميلاد أروع آيه | غمرت متاه الكون بالإرشاد |
زمر من الذكرى تروح و تغتدي | و تشقّ أبعادا إلى أبعاد |
و تزفّ وحي المولد الزاهي كما | زفّ النسيم شذا الربيع الشادي |
*** |
|
يا فجر ميلاد النبوّة هذه | ذكراك فجرا دائم الميلاد |
و تهلّل الكون البهيج كأنّه | حفل من الأعراس و الأعياد |
و أفاقت الوثنيّة الحيرى على | فجر الهدى و على الرسول الهادي |
فمواكب البشرى هناك و ها هنا | تنبي الوجود بأكرم الأولاد |
و المجد ينتظر الوليد كأنّه | و المجد و العليا على ميعاد |
و ترعرع الطفل الرسول فهبّ في | دنيا الفساد يبيد كلّ فساد |
و سرى كما تسري الكواكب ساخرا | بالشوك بالعقبات و الأنجاد |
بالغدر يسعى خلفه و أمامه | بالهول بالإبراق بالإرعاد |
لا … لم يزل يمشي إلى غاياته | و طريقه لهب من الأحقاد |
فدعى قريشا للهدى و سيوفها | تهفو إلى دمه من الأغماد |
فمضى يشقّ طريقه و يطير في | أفق العلا و الموت بالمرصاد |
و يدوس أخطار العداوة ماضيا | في السير لا واه و لا متمادي |
لا يركب الأخطار إلاّ مثلها | خطر يعادي في العلا و يعادي |
نادى الرسول إلى السعادة و الهنا | فصغت إليه حواضر و بوادي |
و تصاممت فئة الضلالة و اعتدت | فأتى إليها كالأتيّ العادي |
واهتاجت الهيجا فأصبحت العدا | خبرا من الماضي و طيف رقاد |
لا تسكب الأوغاد إلاّ وثبة | ناريّة غضبى على الأوغاد |
و من القتال دناءة وحشيّة | حمقى و منه عقيدة و مبادي |
*** |
|
خاض الرّسول إلى العلا هول الدجا | و لظى الهجير اللّافح الوقّاد |
واقتاد قافلة الفتوح إلى الفدى | و المكرمات دليلها و الحادي |
و هفا إلى شرف الجهاد و حوله | قوم تفور صبابة استشهاد |
قوم إذا صرخ العراك توثّبوا | نحو الوغى في أهبة استعداد |
و تماسكوا جنبا وارتموا | كالموج في الإغراء و الإزباد |
و تدافعوا مثل السيول تصبّها | قمم الجبال إلى بطون الوادي |
و إذا تساجلت السيوف رأيتهم | خرسا و ألسنة السيوف تنادي |
هم في السلام ملائك ولدى الوغى | جنّ تطير على ظهور جياد |
و هم الألى الشمّ الذين تفتّحت | لجيوشهم أبواب كلّ بلاد |
الناشرون النور و التوحيد في | دنيا الضلال و عالم الإلحاد |
الطائرون على السيوف إلى العلا | و الهابطون على القنا الميّاد |
*** |
|
بعث الرسول من التفرّق وحدة | و من العدا القاسي أرقّ وداد |
فتعاقدت قوم الحروب على الصّفا | و توحّدت في غاية و مراد |
و تحرّكت فيها الأخوة مثلما | تتحرّك الأرواح في الأجساد |
و محا ختام المرسلين عن الورى | صلف الطّغاة و شرعة الأنكاد |
فهناك تيجان تخرّ و هاهنا | بين السكون مصارع استبداد |
و هناك آلهة تئنّ و تنطوي | في خزيها و تلوذ بالعبّاد |
و المرسل الأسمى يوزع جهده | في الحقّ بين هداية و جهاد |
حتّى بنى للحقّ أرفع ملّة | ترعى حقوق الجمع و الأفراد |
و شريعة يمضي بها جيل إلى | جيل و آزال إلى آباد |
*** |
|
يا خير من شرع الحقوق و خير من | آوى اليتيم بأشفق الإسعاد |
يا من أتى بالسلم و الحسنى و من | حقن الدّما في العالم الجلّاد |
أهدي إليك و منك فكرة شاعر | درس الرجال فهام بالأمجاد |
التعليقات مغلقة.