تطويع سعودي إسرائيلي لنظام البشير في السودان على حساب فلسطين واليمن
تقارير|27 يناير| إبراهيم السراجي :
تتويجاً للوساطة الإسرائيلية في سبتمبر من العام الماضي، أعلنت الولاياتُ المتحدة الأمريكية قبلَ أيام رَفْعَ بعضِ العقوبات عن نظام عمر البشير بالسودان، والأخير توجّه بالشكر للسعودية وتحديداً لابن سلمان، حيث نقلت وسائل إعلامية سعودية أن الأخيرَ أيضاً كان له دورٌ كبيرٌ في رفع العقوبات عن الخرطوم.
ففي 13 يناير الجاري، أصدر الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، قبل أيام من انتهاء ولايته، أمراً قضى برفع العقوبات الاقتصادية والتجارية التي تفرضها بلادُه على السودان.
أوباما برّر قراره بأنه لتشجيع الحكومة السودانية على مكافحة الإرهاب، الذي سيتضح فيما بعدُ أن يتمثل في مكافحة تسليح المقاومة الفلسطينية في غزة والذي تعتبره الولايات المتحدة أحد أوجه الإرهاب الرئيسية.
بعد القرار الأمريكي أجرت صحيفة سعودية حواراً مع السفير السوداني لدى الرياض، وقال الأخير إن “السعودية بشّرت السودان خلال الفترة الماضية بقُرب صدور القرار الأمريكي برفع العقوبات”، مشيراً إلى أن الملك السعودي وولي ولي عهده ووزير الخارجية عادل الجبير “بذلوا جهودًا كبيرةً في سبيل رفع العقوبات عن الخرطوم، حتى تحققت هذه الغاية أخيرًا”.
الرضا الذي منحته الولايات المتحدة لنظام البشير في السودان لم يكن مجانياً ولا الجهود السعودية لرفع العقوبات عن السودان كانت مجانية أيضاً، فهناك الكثير مما قدمه البشير لنيل هذا الرضا.
قبل ثلاثة شهور أي في سبتمبر الماضي، كشفت صحيفة هآرتس العبرية عن جهود يبذلها المسؤولون الإسرائيليون لتحسين العلاقات بين السودان والدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة والدول الأوربية البارزة مثل بريطانيا وفرنسا، هذه الجهود جاءت مع الجهود السعودية التي أعلن عنها مؤخراً وتوّجت جميعُها برفع العقوبات عن الأمريكية عن السودان.
السودان.. وثمنُ القبول الإسرائيلي
تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل ومعها النظام السعودي، أن الواقع العربي لم يعد مؤهلاً للشعور بالصدمة تجاه التقارب بين النظام السوداني الإخواني وبين الكيانِ الصهيوني؛ لأنه واقعٌ بات معقّداً ومشغولاً بالحروب التي أشعلتها الولايات المتحدة بأموال النفط الخليجي، وبالتالي فقد كانت الفرصة مواتية لكل تلك الأطراف للتقدم خطوة في هذا الإطار.
بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية التي كشفت عن الخبر، فقد دفعت السودان عبرَ نظام البشير ثمناً للوساطة الإسرائيلية، بعدما كانت إسرائيل في العقود الماضية مستعدة لدفع أي ثمن مقابل الحصول على مثل هذا الإنجاز.
وتقول الصحيفة إن المساعدة الإسرائيلية للسودان بالوساطة لدى الغرب للرضا عن الخرطوم ورفع العقوبات جاءت كمكافأة على خطوتين رئيسيتين قام بهما الرئيسُ البشير لإرضاء إسرائيل والنظام السعودي معاً.
وكانت الخطوة الأولى، بحسب الصحيفة الإسرائيلية، تطبيق الخرطوم لتعهُّدٍ بموجبه أوقفت تهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية في غزة، أما الخطوة الثانية تلبية لرغبة إسرائيلية سعودية مشتركة تمثلت بإعلان الخرطوم قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.
لم تكن إسرائيل لتصر على خدمة السودان ورفع العقوبات عن كاهله دون أن تكونَ قد حصلت على إشارات مسبقة من الخرطوم تفيدُ بتحوُّل في السياسة السودانية من العداء إلى الصداقة مع إسرائيل.
وتكشف الصحيفة الإسرائيلية أن المسؤولين الإسرائيليين قاموا بمحادثات طويلة وهامة مع الأمريكيين لإقناعهم برفع العقوبات عن السودان، مشيرة إلى أن زيارة توم شانون مساعد وزير الخارجية الأمريكي لإسرائيل في سبتمبر الماضي ولقائه بالمسؤولين الإسرائيليين تركزت النقاشات خلال اللقاء حول قضية رفع العقوبات عن السودان، وأصر الإسرائيليون على الأمريكيين أن يقدموا خطوةً لصالح الخرطوم التي قالوا إنها غيّرت اتجاهها نحو المحور السعودي الذي تصفه إسرائيل بأنه “المحور المعتدل” قبل أن ينتقل رئيس الحكومة الإسرائيلية لوصف تلك الدول بالحليفة في مواجهة إيران.
على مدى العقود الماضية وُضِعَ السودان تحت ضغوط أمريكية إسرائيلية أخذت طابعاً اقتصادياً وعسكرياً؛ بهدف تطويع نظام الخرطوم الذي خضع مؤخراً بعدما حصل على أموالٍ سعودية نظير مشاركته في العدوان على اليمن، وحماية أمريكية من أية احتجاجات تسعى لإسقاط النظام القائم على غرار الدول العربية التي شهدت الثورات وخصوصاً بعد إسقاط النظام الإخواني في مصر.
خلال العام 2016 أعلنت إسرائيل عن عدة خطوات ودية تجاه السودان فيما مارس النظام السوداني سياسة الصمت المتعمد تجاه تلك الخطوات ووجهت إليه انتقادات إعلامية لصمته على الإعلان الإسرائيلي حول الوساطة لدى الولايات المتحدة التي توجت برفع العقوبات عن السودان.
نقاشٌ سوداني معلَنٌ للتطبيع مع إسرائيل
قبيل الوساطة الإسرائيلية والإعلان عنها، كانت العاصمة السودانية تشهد حدثاً هاماً خرجت فيها الدعوات للتطبيع مع إسرائيل بشكل علني ورسمي، في تتويج لما يبدو أنه لجهود ومحادثات سرية للتقارب الإسرائيلي السوداني، لعبت فيه السعودية والولايات المتحدة دوراً كبيراً.
في مطلع العام 2016 وتحديداً في 19 يناير الماضي، ناقش مؤتمر الحوار الوطني في السودان والذي أقامته الحكومة السودانية، مسألة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
وأجرت لجنة العلاقات الخارجية بمؤتمر الحوار السوداني نقاشاً معلناً حول العلاقات السودانية مع إسرائيل، ونقلت وسائلُ إعلامية رسمية وحزبية في السودان آنذاك أن النقاش شهد تقديم 40 مداخلة من أعضاء المؤتمر وفي نهايته أيّدت الغالبية العظمى إقامة علاقات طبيعية بين السودان والكيان الصهيوني باستثناء فئة قليلة، لم تمنع إقامة العلاقات مع إسرائيل ولكنها طرحت آراء حول تلك العلاقة ورأت أن تكونَ علاقة مشروطة وليست علاقةً طبيعية.
ورغم أن مؤتمر الحوار الوطني جاء بفكرة ورعاية الحكومة السودانية إلا أن النقاش في أروقته حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل ربما لم تكن لتحدث لولا الإشارة الرسمية الصادرة عن وزير الخارجية السوداني قبيل انطلاق مؤتمر الحوار.
ولم تكن المرة الأولى التي يناقش فيها المؤتمرُ في السودان مسألة العلاقات مع إسرائيل، حيث كانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قد ذكرت في نوفمبر الماضي “أن مؤتمر الحوار الوطني في السودان ناقش لأكثر من مرة إمكانية تطبيع العلاقات السودانية مع إسرائيل”، مشيرة إلى أن أحد الأحزاب السودانية المشاركة في المؤتمر قال إنه لا مبرر لإظهار السودان للعداء مع إسرائيل أَوْ اتخاذ مواقف معادية لها.
ورأت الصحيفة أن الخطوات السودانية المُرضية لإسرائيل والتقدم المفاجئ في هذا المضمار ستمنح السودان عوائدَ ماليةً ضخمةً من السعودية، وأن السودان قد يجد نفسه معنياً بتطبيع العلاقات مع إسرائيل لتحسين وضعه الاقتصادي.
قبل النقاش الأخير مؤتمر الحوار السوداني للتطبيع مع إسرائيل بثلاثة أيام، أي في 14 يناير من العام الماضي، قال وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، بأن بلاده لا تمانع من دراسة مسألة التطبيع مع إسرائيل.
التوجّه السوداني نحو إسرائيل والعدوان على اليمن
تزامن العدوان السعودي الأمريكي على اليمن بخطوات غير مسبوقة من قبل الدول الخليجية تجاه إسرائيل، وباتت اللقاءات المعلَنة بين الإسرائيليين والسعوديين تجري بشكل علني وتغاضٍ متعمد من قبل النظام السعودي والذي كان آخرها لقاء تركي الفيصل آل سعود مع وزير الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني والزعيمة الحالية للمعارضة في إسرائيل.
ولم تكن الانعطافةُ السودانية نحو إسرائيل بمعزلٍ عن العدوان على اليمن وانضمامها لحلف العدوان، كما أن الوساطة الإسرائيلية والسعودية لرفع العقوبات الأمريكية عن السودان، لم تكن كلها لتتشكل لولا العامل المشترك الذي تمثل بالعدوان على اليمن.
في تناولها لتصريح وزير الخارجية السوداني حول إمكانية دراسة التطبيع مع إسرائيل، قالت صحيفة “رأي اليوم” اللندنية إن نشر وكالة الأنباء الرسمية في السوداني لذلك التصريح يعني أن “الحكومة السودانية تتبنى هذه الخطوة التطبيعية، وتمهّد لها تدريجياً، ولن يكون مستبعداً أن نصحوَ قريباً على زيارة وزير سوداني إلى تل ابيب، أَوْ إسرائيلي إلى الخرطوم، أَوْ الاثنين معاً”.
الصحيفة اعتبرت التصريح الرسمي ونقاش مؤتمر الحوار للتطبيع مع إسرائيل يأتي في ظل تغيير جذري للسياسة السودانية والتقارب بالتقارب مع السعودية والانضمام إلى تحالف العدوان على اليمن عبر إرسال مئات الجنود السودانيين إلى اليمن.
تحرّكاتٌ سرية ما قبل الظهور العلني
منذ تأسيس الكيان الصهيوني سعى مؤسّسو الكيان إلى كسر المواقف العربية المتصلبة والرافضة للوجود الإسرائيلي في الأراضي العربية، كان السودان يمثل أحد أهم الدول العربية التي اتخذت موقفاً صارماً من الكيان واستضافت العاصمة السوداني في خمسينات القرن الماضي القمةَ العربية التي أكدت على ثلاثة أمور تتمثل في أنه لا تفاوض ولا تصالح ولا اعتراف بالكيان الصهيوني.
خلال العقود الماضية مارس الكيان الصهيوني، الترغيبَ والترهيبَ ضد السودان؛ بهدف إخضاعه بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن السنوات الأخيرة شهدت حراكاً سرياً للإسرائيليين تجاه السودان تحول في نهاية المطاف إلى حراك وُدّي بعد إشارات من النظام السوداني اعتبرها الكيان الصهيوني إيجابية وتوجهاً بمنع تهريب الأسلحة للمقاومة الفلسطينية في غزة، كما أعلنت الصحف والمسؤولون الإسرائيليون الذين جاء توسطهم لرفع العقوبات الأمريكية عن الخرطوم مكافأة عن تلك الخطوة.
التحرّكات الودية المتبادلة والمعلنة من الكيان والنظام السوداني، لم تكشف عن كُلّ فصولها، ففي مطلع سبتمبر الماضي وبعد جولة أجراها رئيسُ الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لبعض الدول الأفريقية، تعمد المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلي دوري غولد التلميحَ لزيارة سرية أجراها نتنياهو للسودان دون أن يتم الإعلان عنها.
وكتب غولد في صفحته بموقع تويتر أن جولة نتنياهو لأفريقيا شملت دولة مسلمة لا تقيم علاقاتٍ رسميةً مع إسرائيل، فيما أشارت صحيفة “هآرتس” العبرية إلى أن الجولةَ تهدفُ لتغلغل إسرائيل في الدول الأفريقية على حساب تراجع النفوذ المصري في القارة السمراء.
ويمكن القول إن التكتل الذي تم تشكيله للعدوان على اليمن قد دشن مرحلة جديدة تمثل فيه دول العدوان الظاهرة حلفاً مع إسرائيل في مواجهة محور المقاومة الذي تراه إسرائيل العقبة الوحيدة أمامها، وقد عبر عن ذلك نتنياهو في أكثر من حديث تلفزيوني يعتبر أن الكيانَ والسعوديةَ ودولاً خليجية وعربية باتت عملياً ضمن تحالف غير معلَن لحماية المصالح المشتركة، ويعمل هذا التكتل بشكل واضح وجلي اليوم في باب المندب في محاولة لتبديد المخاوف الإسرائيلية المعلنة أيضاً.
التعليقات مغلقة.