ثمنُ الحماية الباهظ: النظامُ السعوديّ يضعُ 500 مليار في جيب ترامب
صحافة محلية | 17 مايو | صدى المسيرة :
أعلن البيتُ الأبيضُ عن صفقة أسلحة جديدة للنظام السعوديّ بقيمة 100 مليار دولار، يجري الإعدادُ لإنجازها قبل زيارة الرئيس الأَمريكي دونالد ترامب للعاصمة السعوديّة الرياض وفي 19 مايو الجاري، وهي الصفقة التي تؤكد إدَارَة ترامب أنها لن تمنحَ أي تفوق عسكري للنظام السعوديّ في المنطقة وخصوصاً على إسرائيل.
بحسب وكالة رويترز يقول مسؤول كبير بالبيت الأبيض إن الولايات المتحدة على وشك استكمال سلسلة من صفقات الأسلحة للسعوديّة تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار وذلك قبل أسبوع من زيارة يعتزم الرئيس دونالد ترامب القيام بها للرياض.
كما يشير المصدر إلى وجود إمكانية لحزمة أسلحة أُخْـرَى تباع للسعوديّة بقيمة 300 مليار دولار أُخْـرَى خلال السنوات العشر المقبلة، لكن البيت الأبيض يؤكد الحفاظ على النظام القائم الذي يحفظ تفوّق إسرائيل عسكرياً، حيث يؤكد مسؤول البيت الأبيض لرويترز أن الولايات المتحدة ستحافظ لإسرائيل على التفوق النوعي والعسكري على جيرانها.
من جانبٍ آخر وبالإعْلَان عن هذه الصفقة تكون الولايات المتحدة قد تحصّلت على 400 مليار دولار من أَمْوَال النفط السعوديّة خلال أقل من شهرين، حيث أعلن النظام السعوديّ بالتزامن مع زيارة ولي ولي العهد محمد بن سلمان لواشنطن، منتصف مارس الماضي، منح ترامب 200 مليار دولار تحت غطاء “استثمارات”.
وفي مطلع الشهر الجاري، نقلت شبكة CNN الأَمريكية عن مصادر حكومية أن وزير الإسكان السعوديّ ماجد الحقيل، التقى نظيره الأَمريكي بين كارسون، وهذه المرة جاء العرض السعوديّ للولايات المتحدة بالاستثمار في البُنية التحتية في المملكة لمدة 5 سنوات، وبقيمة مالية تصل إلى 100 مليار دولار.
الإعْلَان الأخير عن الاستثمار الذي يمنح الولايات المتحدة 100 مليار دولار، جاء بعد أقل من 48 ساعة على تصريحات، وُصفت بأنها “ابتزازٌ جديد”، وهي التي صدرت عن ترامب في مقابلة صحفية قال فيها إن السعوديّة لا تدفع المال الكافي نظير الحماية التي تقدمها بلاده للنظام.
وفي هذا السياق تقول صفحة “العهد الجديد” المعارضة للنظام السعوديّ في موقع تويتر “تصريح ترامب بأن السعوديّة لا تعامل أَمريكا بعدالة جعل محمد بن سلمان يرسل عبر الحقيل 370 مليار ريال، وهي مضافة للدفعة التي سبقتها بقيمة 750 مليار ريال”.
ورغم أن ترامب لم يقضِ سوى أَكْثَر من مائة يوم بأيام قليلة، إلا أن مجموعَ ما حصل عليه من النظام السعوديّ لم يقتصر على مبلغ 400 مليار دولار، حيث شهدت الفترةُ الإعْلَانَ عن صفقات في مجالات أُخْـرَى بعشرات المليارات، بالإضافة لالتزام النظام السعوديّ بتمويل العمليات الأَمريكية في سوريا والعراق، وهو الأمر الذي أكّد عليه ترامب في بيان للبيت الأبيض أعقب الاتصال الذي جرى بينه وبين ملك السعوديّ، إلا أن هناك صفقاتٍ أُخْـرَى أو بالأصح مليارات أُخْـرَى حصل عليها ترامب من السعوديّة دون إعْلَان رسمي وسُرِّبت عبر وكالات الأنباء.
وضمن الأَمْوَال التي حصل عليها ترامب في فترته القصيرة بالبيت الأبيض، تقول وكالة الأنباء الدولية “بلومبيرغ” ومقرها الولايات المتحدة، في تقرير أمس الجمعة: إن السعوديّة أضافت استثماراتٍ جديدةً في الولايات المتحدة بقيمة 40 مليار دولار.
وأشار التقرير إلى أن من المتوقع أن يعلن الصندوق السيادي للسعوديّة عن خطة لتوفير المبلغ الجديد.
كيف تحوّلت أَمْوَالُ النفط إلى عامل تهديد للسعوديّة؟
يجتهد النظام السعوديّ بشكل كبير، سواء عبر تصريحات أمرائه ومسؤوليه أو عبر آلته الإعلامية الضخمة، لإثبات نجاحه في احتواء ترامب وتحويل وعوده خلال حملته الانتخابية إلى مجرد شعارات، غير أن تلك الجهودَ لم تفلح في تحقيق أَهْدَاف النظام، ويظهر ذلك من خلال ارتفاع الأصوات المعارضة والإعلام المعارض التي تسخر من تلك الادعاءات.
وبحسب تلك الأصوات، فإن وعود ترامب الانتخابية لم تتضمن العداءَ للنظام السعوديّ، بقدر ما تضمنت تعهدات من قبل ترامب بالحصول على أَمْوَال النفط التي يجاهر في إعْلَان موقفه بأن النظام السعوديّ لا يستحقها؛ لأنه بدون الحماية الأَمريكية لم يكن ليبقى أو يستمر إلى الآن، ولذلك فإن حصوله على قرابة 500 مليار دولار خلال 100 يوم من النظام السعوديّ، بمعدل 5 مليارات دولار كُلّ يوم، يؤكد أنه يفي بوعوده الانتخابية، وأن النظام السعوديّ لم يتمكن من احتوائه بل استسلم لتلك التهديدات.
وسَطَ زحمة الإعْلَانات عن تدفق الأَمْوَال السعوديّة إلى واشنطن، يجد النظام السعوديّ أن أَمْوَالَ النفط تحوّلت لمصدر خطر عليه، وأَصْبَحت “ذريعة أَمريكية” لتهديده وجوده على غرار الذرائع الأَمريكية، بينها “ذريعة أسلحة الدمار الشامل” التي زعمت واشنطن امتلاك النظام العراقي لها وضلّلت العالم لتقوم بعد ذلك بغزو العراق عام 2003.
استثماراتٌ في واشنطن وتجميد مشاريع في الرياض
هذا النداءُ لم يكن الأولَ بل كان آخرَ نداءات الأُمَـم المتحدة التي تؤكّدُ أن التعهُّداتِ الماليةَ لدول العدوان والدول الغربية لم تكن سوى مسرحية سَرعانَ ما انكشفت للعالَم، فالنظامُ السعوديُّ سيفي بتعهداته لواشنطن بدفع 500 مليار دولار قبل أن تطأ قدما ترامب العاصمةَ السعوديّةَ بعد أيام.
فشل النظام السعوديّ في تضليل شعبه وتضليل العالم حول قدرته على احتواء ترامب، لم يكن بسبب حجم الأَمْوَال التي قدمها له وحسب، فهناك أَسْبَاب أُخْـرَى منها أن تلك الأَمْوَال التي طارت إلى الولايات المتحدة جاءت تزامناً مع إلغاء الحكومة السعوديّة لمشاريع بمئات المليارات من الدولارات انسجاماً مع خطة التقشف لمواجهة العجز الناجم عن انهيار أسعار النفط.
بالنسبة لتوقعات الانتخابات الأَمريكية كان النظام السعوديّ أَكْثَر المتفاجئين بفوز ترامب، وقد وقع في فخ تضليل شركات الاستطلاع وقياس الرأي التي استبعدت فوزه بنسبة كبيرة، ومع الإعْلَان عن انتصار ترامب بالانتخابات أدرك النظام السعوديّ أن عليه توظيف أَمْوَال النفط والاحتياطيات لتنفيذ مطالب الرجل الذي سيحكم الولايات المتحدة التي تتولى حمايته وحماية ممالك الخليج.
ولم يكن غريباً أن يعلن النظام السعوديّ عبر وكالة الأنباء الرسمية في 8 نوفمبر الماضي إلغاء مشاريع حكومية في المملكة بقيمة ترليون ريال (270 مليار دولار) في نفس يوم إعْلَان فوز ترامب بالانتخابات.
وقالت وكالة الأنباء السعوديّة في حينه إن مجلس الشؤون الاقتصادية أوقف التعاقد على تنفيذ مشاريع عديدة تصل قيمتها إلى تريليون ريال وزعم النظام أن السببَ هو أن حجمُ الإنفاق عليها لا يتناسَبُ مع العائد الاقتصادي والتنموي المرجو منها.
ومع إلغاء المشاريع واجه السعوديّون أيضاً حزمة إجراءات تقشفية فرضها النظام، كما أن تجميد المشاريع في السعوديّة لم يتوقف، حيث تم الإعْلَان منتصف أبريل الماضي عن تجميد مشاريع حكومية أُخْـرَى تقدر قيمتها بعشرات المليارات، الأمر الذي يضع الشعب في السعوديّة أمام مرحلة جديدة يجدون فيها أَمْوَال النفط في بلادهم وهي تسافر لخزينة ترامب؛ ثمناً لـ “الحماية الباهظة” فيما تنتظرهم قرارات مرتقبة بفرض مزيد من الضرائب ورفع دعم المشتقات النفطية والسلع الغذائية وسلسلة من إجراءات التقشف؛ بسبب انهيار أسعار النفط، ومطالب ترامب التي لن تتوقفَ عند هذا الحد.
مسرحية إعمار اليمن بـ100 مليون دولار
مؤخّراً شاركت الأُمَـم المتحدة في مسرحيات من صُنع النظام السعوديّ عبر مؤتمر واجتماع لمساعدة وإعمار اليمن، بعدَ ما وجهت منظماتٌ أُمَـمية نداءً عاجلاً لإغاثة اليمن، لكنها لم تتلقَّ تعهداتٍ إلا بنسبة 19% من حجم المبلغ الذي طالبت به ولكنها أيضاً ظلت مجرد تعهدات.
وقبيل يومين من إعْلَان البيت الأبيض عن صفقة أسلحة للسعوديّة يوم السبت الماضي بقيمة تزيد عن 100 مليار دولار، كان النظام السعوديّ يقيم مسرحية أُخْـرَى في الرياض تحت عنوان “اجتماع التعافي وإعمار اليمن”، وهناك أبدى النظام السعوديّ استعداده لتقديم 100 مليون للأُمَـم المتحدة باعتبار أن هذا المبلغ الذي يظل مجرد تصريح إعلامية سيعيد إعمار ما دمره العدوان في اليمن والذي تجاوزت قيمته المادية مئات المليارات.
وقال وزير المالية السعوديّ محمد الجدعان في مؤتمر صحفي في الرياض: “اقترح البنك الدولي محفظة بـ 500 مليون دولار لضمان الواردات من التجار اليمنيين. قدم البنك الدولي 200 مليون دولار واستعدت المملكة لتقديم 100 مليون دولار”.
ولأن النظام السعوديّ والدول الغربية المتحالفة معه، أرادت من تلك المسرحيات الظهور بصورة أُخْـرَى تختلف عن الصورة الحقيقية لما ارتكبه العدوان من جرائم بحق اليمنيين والبُنية التحتية، ولم يكن لديها أيّة جدية في تقديم أي شيء لليمن، ناهيك عن كونها من يحرم اليمنيين وينهب ثروات وعائدات النفط والغاز في اليمن عبر المرتزقة، فقد تلاشت تلك المسرحيات أمام التصريحات الصادرة عن مسؤولي الأُمَـم المتحدة التي تؤكد أن التعهدات المالية من قبل تلك الدول لم يتم الوفاء بها.
الأسبوع الماضي الموافق 7 مايو الجاري وجهت الأُمَـم المتحدة دعوةً إلى سرعة الوفاء بالتعهُّدات المعلنة في مؤتمر المانحين لمساعدة اليمن.
وبحسب الموقع الرسمي للأُمَـم المتحدة قال جيمي ماكغولدريك منسق الشؤون الإنْسَانية في اليمن: إن تمويل عمليات الإغاثة أَصْبَح ضرورة ملحة من أجل إنقاذ الأرواح في اليمن، داعياً الدول الأعضاء إلى تمويل خطة الاستجابة الإنْسَانية بشكل عاجل.
وفي بيان صادر عنه شدّد ماكغولدريك على ضرورة الوفاء فوراً بجميع التعهدات التي تم الإعْلَانُ عنها في مؤتمر المانحين مؤخّراً في جنيف.
كما أَكَّـد ضرورة أن تكون جميع الموانئ والطرق متاحة للعاملين في المجال الإنْسَاني لمواجهة تهديد المجاعة وعودة تفشّي وباء الكوليرا، ولتيسير وصول المساعدات المنقذة للحياة دون تأخير للأَكْثَر احتياجاً في جميع أنحاء اليمن. وأبدى المسؤول الدولي القلقَ بشكل خاص إزاء التقارير التي تفيدُ بأن الأدوية والمستلزمات الطبية لا تصلُ إلى من يحتاجون إليها في الوقت المناسب؛ بسبب التأخير الإداري في الموانئ.
التعليقات مغلقة.