saadahnews

معرفة الله-وعده ووعيده-الدرس الرابع عشر

اضغط هنا للتحميل pdf

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد.

السلام عليكم ـ أيها الإخوة ـ ورحمة الله وبركاته

كل نفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، كل إنسان يصدر منه عمل {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (الزلزلة7 ـ8) آثار الأعمال، آثار عملك كإنسان كفرد، آثار عمل الأمة، آثار عمل المجتمع أي مجتمع كان، عمل الإنسان كإنسان، وعمل المجتمع كمجتمع، عمل الأمة كأمة كله مرصود، وكله له آثاره هنا في الدنيا، له عواقبه هنا في الدنيا، كما له آثاره الطيبة أو عواقبه الوخيمة في الآخرة أيضاً.

نحن نقرأ في كتاب الله الكريم: قصة أبينا آدم ـ أول إنسان ـ أكل من شجرة نهاه الله عنها، فلم يسلم من آثار مخالفته لنهي الله، أكل منها فشقي هو وزوجته، وأُخرجا من الجنة، ونُزعت عنهما ملابسهما، وقال الله لهما: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}(الأعراف: من الآية22) أكل من شجرة نهاه الله عنها فناله في الدنيا آثار مخالفته لنهي الله، عمله ذلك الذي يبدو عملاً بسيطاً، أكل من شجرة يقال: إنها شجرة البر، أو شجرة العنب، أو شجرة التين، فشقي.

تكررت هذه القصة في القرآن الكريم كثيراً، ويقال أيضاً: إنها تكررت في كتب الله القديمة أيضاً؛ لأن فيها عبرة مهمة، فيها درس عظيم لنا ـ نحن بنو آدم ـ أن نعرف أن كل أعمالنا هنا في الدنيا نحن ننال جزاءها، أو نموذجا من جزاءها، ومن عواقبها الوخيمة هنا في الدنيا قبل الآخرة، وهذا هو الشيء الطبيعي، وهو الشيء الصحيح.

الله الذي خلق الإنسان وهو يعلم أن الإنسان يخاف من العاجل أكثر مما يخاف من الآجل، ويحب العاجل أكثر مما يحب الآجل {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} (القيامة:21).من الطبيعي: أن الله سبحانه وتعالى الذي عمل كل شيء من أجل أن يدفع بهذا الإنسان إلى صراطه المستقيم، أن يجعل هنا في الدنيا وعداً ووعيداً.

إذا كان الإنسان هو ممن يحب العاجلة فإن الله أيضاً يعجل جزاءً طيباً لأعماله الصالحة هنا في الدنيا، إضافة إلى ما وعده به في الآخرة من النعيم والجزاء العظيم، وهو أيضاً ينيله عقوبة أعماله هنا في الدنيا؛ ليخاف من المعصية، ليخاف من التقصير، ليخاف من التفريط، كما أنال أبانا آدم عاقبة أكله من تلك الشجرة.

أوليست معصية تبدو بسيطة؟ تاب عليه فيما يتعلق بالإثم، فيما يتعلق بالجزاء الأخروي، لكن كان لا بد أن ينال جزاءه فيما يتعلق بالأثر لمعصيته في هذه الدنيا؛ ليفهم أبناؤه: أن كل معصية تصدر منهم سواء من الفرد، أو معصية مجتمع، أو معصية أمة، المعاصي تختلف: هناك معاصي لأفراد، ومعصية مجتمع بأكمله، ومعصية أمة. ويقال: أنه أيضاً هكذا يكون الحساب يوم القيامة يحاسب الناس كأفراد، ثم يحاسبون كمجاميع، ويحاسبون كأمم {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}(الإسراء: من الآية71) بقائدهم الذي كانوا يعتزون إليه في الدنيا، يا أتباع فلان، يا أصحاب فلان.

قضية مهمة جداً: أن نعرف أن هناك وعداً ووعيداً في الدنيا، إضافة إلى الوعد والوعيد في الآخرة، وكما أسلفت في أثناء درس من الدروس: أن جهلنا بهذه النقطة، جهلنا بأن هناك وعيداً على كل عمل نقترفه، على كل طاعة نقصر فيها، على كل واجب نفرط فيه، على كل أمر إلهي لا نستجيب له، أن هناك وعيداً.

تقصيرنا في فهمنا لهذه القضية هو ما جعلنا نجهل وضعيتنا التي نحن فيها؛ لنعرف أن ما نحن فيه هو عقوبة لتفريط حَدَثَ منا، لتفريط حصل منا فيما يتعلق بأوامر الله سبحانه وتعالى، جَهِلْنَا هذا حتى آل الأمر إلى أن أصبحنا نتعبد الله سبحانه وتعالى بالبقاء على وضعية هي في واقعها عقوبة! والعقوبة أساساً هي للازدجار، ليرتدع الإنسان، ليخاف.

فلماذا نظل في حالة هي عقوبة على تفريطنا؟! ثم نقول لأنفسنا: هكذا حال الدنيا! الدنيا هكذا يكون حالها، يكون فيها بلاوي مصائب، وأهل الحق يكونون هكذا مستضعفين، مستذلين، مساكين، وهكذا. فنحمِّل المسؤولية الله، أو نحمل المسؤولية الدنيا!.

الأشاعرة يقولون: هذا كله من الله هكذا؛ لأنه ملك يعمل ما يريد، حسناً هل هذه عقوبة فلنفهمها إذا كانت من الله إذاً فهي عقوبة؟ أو هي ماذا؟ أو كان هذا هو حال الدنيا، هل أن الدنيا بطبيعتها هي تنتج هذه الأوضاع؟ أو أن الدنيا هي مرتبطة بالله؟ الله هو الذي يدبر أمورها، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}(هود: من الآية123) فهل هو الذي طبع هذه الدنيا على أن تكون على هذا النحو المزعج؟! أن يعيش فيها أولياؤه أذلاء مستضعفين أن يعيش فيها أولياؤه مقهورين مغلوبين على أمرهم، أن يعيش فيها الحقُ الذي أراد أن يحكم هو عبادَه في هذه الدنيا أن يعيش فيها ضائعاً غائباً، وأن يكون الباطل هو الذي يسود ويعاني الناس الأمرين من سيادة الباطل وانتشار الفساد؟! هل هو الذي طبع الدنيا على هذا النحو؟!. حاشى لله.

الله هو الذي خلق كل شيء على أجمل ما يمكن أن يكون {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}(السجدة: من الآية7) {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}(هود: من الآية7) {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(الإسراء: من الآية9) {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}(الزمر: من الآية23) كل عمل من جانب الله كله أحسن، أحسن… إلى آخره.

نسينا أن ننظر إلى واقعنا هل هو واقع خزي أم واقع عزة؟ ـ لو سألنا أنفسنا ـ ما هو؟ أليس واقع خزي؟ أن يتهددنا رئيس أمريكا، يتهدد العالم الإسلامي بكله حكومات وشعوبا، أن يمتد تهديده إلى أن يصل إلى حكام المسلمين فينطلقون هم يهددون المسلمين بتهديداته: [توقفوا عن أن تقولوا كلمة تجرح مشاعر اليهود والنصارى.]!.

إذا كان هذا هو واقع خزي فإن الله ذكر الكثير في القرآن الكريم: أن ذلك إنما يحصل للعاصين، إنما يحصل للمفرطين، {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(البقرة: من الآية114) بل أصبحت المقاييس معكوسة، والفهم مغلوطا: الناس الذين ينظرون إلى وضعيتهم في هذه الدنيا وضعية شقاء، وخزي، وذلة، بعد أن جعلوا أن هذا هو الشيء الذي طبعت به الدنيا من قبل خالقها، أو من أي جهة كان: أن هذه مرحلة مؤقتة فلنصبر عليها، وسنحصل على الرفعة، والعزة، والنعيم، والمكانة العظيمة في الجنة، في الآخرة!!.

مع أن الله يربط في القرآن الكريم: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} تكررت أكثر من مرة يتحدث عن العقوبات في الدنيا، ويتحدث عن الوضعية السيئة في الدنيا أنها تنذر بمثليها وأعظم منها في الآخرة، فمن أين جاء لنا نحن هذا؟.

أو عندما نرى أنفسنا تحت أقدام اليهود والنصارى: أن الصبر على ذلك هو نفسه الوسيلة لأن نحظى بالعزة والرفعة في الآخرة؟.. لا.. بل أقرب ما يمكن أن يكون الأمر هو: أن الله ربط بين الشقاء في الدنيا والشقاء في الآخرة، فإذا كنت شقيا في الدنيا فاحذر أنك قد تكون شقيا فعلا في الآخرة، إذا كانت هذه الأمة تعيش ذليلة، مقهورة مهزومة، تعيش في حالة خزي في الدنيا، فلتحذر أن ذلك ينذر بأن وراء ذلك عذابا عظيما في الآخرة {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}(طـه:123) لاحظوا الربط:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً}(طـه: من الآية124) ثم ماذا؟ ثم ندخله يوم القيامة الجنة؟! ربط بين الشقاء في الدنيا، بين ضنك المعيشة وبين الشقاء في الآخرة {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طـه: من الآية124).

من أين جاء هذا الفهم لكثير من المرشدين، لكثير من علمائنا أيضاً؟ أن ننتظر بعد الخزي في الدنيا، بعد الذل في الدنيا، بعد الشقاء في الدنيا، وهو شقاء ليس في إطار عمله في سبيل الله، بل لا يسمى ذلك شقاء عناء ليس في مجال عمله في سبيل الله له، وفي ميادين العمل لله، خزي وذل وشقاء، ومعيشة ضنكا، هكذا بدون مقابل في الدنيا، لا من أجل جهد بذلناه في سبيل الله، ولا من أجل مواقف عظيمة وقفناها ضد أعداء الله.

بل لا يحصل وأنت تقف المواقف ضد أعداء الله، لا يحصل ضدك ما تعتبره خزياً وإن كان ـ من وجهة نظر الآخرين ـ إذلالاً لك، وخزياً لك، وأنت تعاني من أجل الحق فهذا ليس خزياً، أنت من ينظر إليك أعداؤك حتى وأنت في زنازينهم في السجون ينظرون إليك كبيراً، وعظيماً وقوياً، وتكون كذلك عند نفسك قويا، وعظيما، وكبيرا. ليس هذا.

الشقاء الذي نحن فيه، الخزي الذي نحن عليه كمسلمين، المعيشة الضنكى التي نحن نعاني منها مقابل ماذا هي؟ هل هناك شيء؟ إنها هي التي تأتي لمن أعرض عن ذكر الله {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً}.

فلماذا يأتي الكثير فيقولون: [إن شاء الله بعد هذه الحياة نصير إلى الجنة، هذه دنيا نصبر على هذه الحالة وهي أياما وتنتهي ثم ندخل الجنة]؟ لماذا لا تتأملون الربط الخطير جداً بين الشقاء في الدنيا وبين الشقاء في الآخرة؟{فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (طـه:126). {وَكَذَلِكَ}(طـه: من الآية127) أي: وهكذا يكون{نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ}(طـه: من الآية127). شقاء في الدنيا، وعمى، وعذاباً، وخزياً في الآخرة.

تكرر في آيات كثيرة في القرآن الكريم، الحديث عن الوعيد يبدأ من الدنيا وينتهي في الآخرة، يكون هنا في الدنيا بأشكال متعددة، عقوبات تأتي بأشكال متعددة منها ما هي عقوبات معنوية، ومنها ما هي عقوبات مادية، ومنها ما هي آلام نفسية، ومنها ما يتمثل بقسوة في القلوب، لها أشكالها الكثيرة.

أنواع العذاب في الدنيا له أشكاله الكثيرة تعرض له القرآن الكريم ليخوفنا بها. من الذي فهمنا هذا الفهم المغلوط: أن الدنيا طبعت على هذا النحو، والمؤمن هو من يرضى بالحالة التي هو عليها، والتي الدنيا عليها؟! فكلما ازداد الوضع سوءاً كلما رأى نفسه أقرب إلى الله، وكلما رأى نفسه أقرب إلى الجنة!. من أين جاء هذا الفهم؟ أوليس الربط واضحا في هذه الآية:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} الربط واضح.

ولأهمية هذا الموضوع، ولنفهم المسألة فهما صحيحاً ـ إن شاء الله ـ نحاول أن نستعرض الكثير من آيات القرآن الكريم التي تدل على: أن الإنسان هنا يلقى جزاء أعماله، ينال جزءاً من العقوبات على أعماله في هذه الدنيا ومن أول معصية حصلت.

لاحظوا من أول حادث وقع مخالفة لأمر الله من جانب بني آدم والذي كان على يد أبينا آدم حين أكل من الشجرة ألم يشق؟ شقي فعلاً، لكننا نقرأ هذه الآية، ونقرأ [قصة آدم] ونمر عليها، وإذا ما جاء أحد المفسرين كان همه هو أن يبحث عن كيف يخرج من هذه القصة دون أن يلحق آدم إثم، يحاول أن يحافظ على آدم أن لا يلحقه إثم فمعصيته حصلت على جهة التأويل، أو أنه كان ناسياً، أو ربما أنه نهي عن جنس الشجرة، ولم ينه عن شجرة بعينها مخصصة!.

ولكن الله قـال في القرآن الكـريم:{وَلا تَقْرَبَا هَذِه ـ هذه ـ الشَّجَرَةَ}(البقرة: من الآية35) نهاهما عن أكل شجرة معينة، وحذرهما من الشيطان أنه عدو لهما، وأنه سيعمل على أن يحملهما على الأكل من هذه الشجرة فليكونا متيقظين. جاء إبليس{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ}(الأعراف: من الآية22) زيّن لهما المسألة حتى أكلا منها {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}(الأعراف: من الآية22).

لم يتعقل بعض المفسرين قضية {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا}(الأعراف: من الآية27) أنه فعلا ملابسهما نزعت منهما، يخرج من الجنة ولا يحمل حتى خيط، يخرج من ذلك النعيم، من الجنة في الدنيا هنا وليس جنة الآخرة، جنة في الدنيا كانت قد أعدت لهما ليقيما فيها وليأكلا فيها رغداً من حيث شاءا ـ كما قال الله ـ ، وفيها ما يحتاجون إليه، فيها ملابسهما، فيها كل شيء، حتى إذا أكلا من تلك الشجرة طُرِدا من الجنة، وخرجا إلى الحياة ليسيرا في الحياة هذه في الحصول على معيشتهما على النحو الذي نحن نعمله: زراعة، وحراثة، وأعمال كثيرة حتى يحصل على قوته، ونزعت عنهما ملابسهما، حتى الملابس لا تبقى لهما {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} ليسترا عورتيهما ولو بالورق. أليست هذه أول معصية؟ تحدث نتيجتها في الدنيا على من اقترفها أن يشقى، وأن تنزع عنه حتى ملابسه فيخرج من الجنة.. فشقي فعلا، وتعب في الحياة.. هذه أول معصية.

وتكررت في القرآن الكريم؛ لأن فيها عبرة مهمة، ودرساً مهماً، كذلك تكرر في القرآن الكريم آيات كثيرة من هذا النوع التي تبين: أن الناس يحصل لهم في هذه الدنيا عقوبات أعمالهم.

نحن كطلاب علم إذا ما اتجهنا لنرشد الناس دون أن نذكرهم دون أن نرشدهم وفق منهجية القرآن؛ فسنكون نحن من يصرف الناس عن القرآن، ويصرف الناس عن ما يريد القرآن منهم أن يفهموه في مجال التذكير بالله، في مجال التخويف من الله. نحن نخوف الناس بجهنم أليس كذلك؟ لكن الإنسان بطبيعته يخاف العاجل أكثر من الآجل، يتوقف عن عمل يكون فيه نجاته من جهنم لخوفه من سجن في الدنيا، أليس كذلك؟ يقترف عملاً سيئاً سواء يتمثل بعمل يرتكبه، أو قعود عن حق ينصره، فيكون قعوده ذلك مما يؤدي به إلى جهنم. لماذا؟ خوفاً من سجن في الدنيا.. أليس هذا هو ما يحصل؟.

ما الذي يقعد بالكثير من الناس قعوداً قد يؤدي بهم إلى جهنم إلا خوفهم من ماذا؟ خوفهم من الوعيد العاجل, وأي مقارنة بين الوعيد العاجل الذي تخافه من جانب هذه الدولة، أو من جانب ذلك الشخص، سجن، أو أن تفقد مصلحة معينة تخاف على مصلحتك، تخاف من سجن، تخاف من تعذيب في سجن؛ فتتوقف ولا تحسب حساب جهنم.. أليس هذا هو ما يحصل عند الكثير من الناس؟.

الله الحكيم، الله الذي يعلم النفس البشرية لم يدع هذا الأسلوب، لم يدع الإنسان دون أن يضع له في الدنيا هنا ما يجب أن يخاف منه فيكون أمامه دائماً ما يخيفه من التفريط، وما يخيفه من ارتكاب المعصية: عقوبات في الدنيا، وعقوبات في الآخرة ينفع فيك الخوف من الآجل، وإلا فأمامك ما تخاف منه في العاجل.

وهكذا عمل أيضاً في جانب الهداية، في جانب الترغيب: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(الأعراف: من الآية96) أليس كذلك؟ ماذا يعني هذا؟ إيمان وتقوى سيكون مما نناله في هذه الدنيا هو أشياء مما نحب، أشياء مما نرغب إليه؛ لأننا نحب العاجلة فستكون هناك أرزاق مبسوطة، يكون هناك رغد من العيش، وهذا هو ما يهم كل إنسان: قضية العيش، المعيشة {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} أليس هذا وعدا من الله؟ {وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(الأعراف: من الآية96) ما معنى:{أخذناهم}؟ أن يحدث نقص في البركات. عبارة:{أخذناهم} أخذ, أي أخذ كان: نقص في البركات، أو خزي في الدنيا، أو ذلة، أو.. كم أنواع العقوبات من جانب الله كثيرة جداً.{فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

ألسنا هنا في اليمن نسمع من قبل سنين من قبل نحو عشرين سنة، أو خمسة وعشرين سنة، كانت مياه الأودية تتدفق في كل مكان، وكان الناس لا يرون أنفسهم بحاجة إلى أن يحفروا خزانات، وكان إذا كان هناك [بركة] في منطقة تقريباً لا أحد يحتاج إليها إلا في النادر، وكانت بركة واحدة قد لا يكون عمقها أكثر من ثلاثة أمتار تكفي قرية بأكملها، الأمطار كل أسبوع، كل ثاني أسبوع، كل شهر، كل ثاني شهر، وهكذا والأودية الماء يتدفق فيها, لا أحد يحتاج إلى أن يسقي.

ما الذي حصل الآن؟ الماء كاد أن يختفي كاد أن يغور، حتى أمام أولئك الذين يحفرون مئات الأمتار في عمق الأرض يغور الماء ويختفي ما هذا؟ ما هذا؟ هل أن هناك أحواض؟ [صحنة] تحت صنعاء أو [صحنة] تحت صعدة فيها ماء، الإرتوازات تأخذ منها تكاد أن تنجح؟ الله هو الذي جعل في الأرض يوم دحاها، يوم هيأها للمعيشة {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (النازعـات:31) هو هو من قال:{فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أخذناهم بما كانوا يكسبون، أخذناهم في [صعدة]، أخذناهم في [فوط]، أخذناهم في [زبيد]، أخذناهم في مناطق أخرى، أخذناهم في محافظات أخرى، أليس هذا هو ما نشاهده؟.

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} (الملك:30) ويأتي الآخرون ليحللوا لنا الأشياء سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة تحليلات لا تذكرنا بالعودة إلى الله، [اقتصدوا في استعمال الماء، كاد حوض صعدة أن ينتهي، [الصحنة] التي تحت صعدة لم يعد فيها إلا محط إصبعين ستنتهي، وهذا ما تجمع منذ آلاف السنين، اقتصدوا في استخدام الماء].

فنفكر كيف نقتصد في استخدام الماء. بل الماء هو الذي اقتصد من تلقاء نفسه، اقتصد هو من تلقاء نفسه، لم نعد بحاجة إلى أن ننظم استهلاك استخدام المياه، الماء هو الذي فرض علينا وضعية معينة فخفض من مستوى الأشجار التي نزرعها، ومن مستوى المساحة التي نزرعها، بل خفض من مستوى عدد المزارعين أيضا فالكثير منهم هجروا مزارعهم وغادروا وتركوا المضخات وتركوا الآبار، وتركوا الأشجار حطاما.

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} هل أولئك الذين يتجهون لبناء سدود لنا هم من سيأتون بماء معين؟ السدود على من تعتمد؟ أليست معتمدة على الأمطار؟ والأمطار هي ممن؟ من الذي ينزل من السماء ماء؟ هو الله. إذاً السدود نفسها ستلحق باطن الأرض، فحينها لا من باطن الأرض ولا من السماء {فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وكم كرر في القرآن للناس أن يفهموا: أن معاناتهم في الدنيا هي بسبب إعراضهم عن ذكر الله.

لكن لا حكوماتنا تذكرنا بهذا، ولا كثير ممن ينطلقون لإرشادنا على منابرنا يذكروننا بهذا، ويرسمون لنا كيفية العودة إلى الله، أو متى ما انطلقوا ليذكرونا بالعودة إلى الله، بحثوا عن الأشياء السهلة وتركوا القضايا المهمة التي هي وراء كل مصيبة، التي تقصيرنا فيها هي وراء كل مصيبة نعاني منها، يوجهوننا للأشياء البسيطة التي لا تثير هذه السلطة ولا تثير أولئك الآخرين، ولا تكلف هذا، ولا تشق على هذا.

لنعود إلى هذه الآيات يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}(البقرة: من الآية279) ماذا يعني هذا؟ عقوبة في الدنيا أليس كذلك؟ بل حرب الله سبحانه وتعالى سيتجه إلى طرف يحارب عباده إذا لم يدعوا الربا، إذا لم يذروا الربا.

{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا} بعباراتنا: [الوجه ابيض، إشعار، نحيطكم علما بأننا سندخل في حرب معكم]. وحرب الله إذا ما دخل في حرب مع الناس له جنود السماوات والأرض، يحاربك من كل جهة، من حيث تشعر ومن حيث لا تشعر، يحاربك في نفسك، يحاربك في داخل أسرتك، يحاربك في سيارتك، يحاربك في مضختك، يحاربك في مزرعتك، يحاربك داخل مصنعك، يحاربك في كل شيء، ألسنا نرى آثار الربا حتى فيما يتعلق بالتصنيع؟ ألم يهبط مستوى الإنتاج، مستوى الجودة؟ هبطت مستوى الجودة في الإنتاج فأصبح ما في أسواقنا منتجات مما نسميها تقليد، مما كان قد لا يقبله الإنسان قبل زمان ولا بالمجان، غابت المنتجات الجيدة، وتدنت مواصفات المصنوعات في مختلف المجالات، والغلاء أصبح منتشرا في الدنيا كلها، غلاء منتشر، لم يفهموا ما هي أسبابه؟.

في [اليابان] نفسه التي هي من الدول المصنعة الكبرى، يقال إن الغلاء في [طوكيو] نفسها في العاصمة وصل ببعض البلدان الضعيفة أو الصغيرة أنها لم تستطع أن تستأجر لأنفسها سفارات داخل طوكيو وإنما خارج، غلاء شديد في كل بقعة في العالم. وعندنا أليس هناك غلاء؟ وكل سنة ترتفع الأسعار. لماذا؟ من أين جاء هذا؟ والمعيشة تتدنى، ألم نر الأشياء تصغر؟ ألم تصغر علب الحليب؟ تحول إلى قراطيس صغيرة، علب الشامبو كثير من المنتجات صغرت، صغرت أليس كذلك؟ والصابون بدأ في قراطيس صغيرة وهكذا تصغر، تصغر فنصبح كما كان زمان يوم لم يكن هناك في الأسواق مشمعات، كان يذهب الشخص يأخذ له [المعوي] من عند [الجزار] ويعبيه قاز، ويعود إلى البيت هل أحد منكم يذكر هذه؟.

كنا قد وصلنا إلى أن نشتري القاز أو نشتري المحروقات بمختلف أنواعها في [جراكل] الآن الأشياء تتدنى إلى أسفل! كان الناس زمان يأخذون شوالات البر, من يأخذ خمسة أكياس، عشرة أكياس دفعة واحدة، أليس كذلك؟ ثم كيساً واحداً رغماً عنا، ثم نصف كيس، وكانوا يستحيون من أن يأخذوا نصف كيس أليس كذلك قبل فترة؟ أصبح هو السائد نصف كيس، ثم نزل أيضاً فأصبح ربع كيس، والآن بدأ بيع الدقيق بالكيلو, يشتري كل وجبة [قٌبَالَها..] ألسنا في حرب؟ لأن كل المنتجات يمول شراؤها بأموال مدنسة بالربا.

وكما يقال بأنه: في آخر الزمان لا تجد درهماً حلالاً. فالنقود التي في جيوبنا من أين تأتي؟ من البنوك، البنوك هي من تتعامل بالربا, تتعامل في الداخل وتتعامل في الخارج بالربا, كل ما نأكل مصبوغ بالربا، كل النقود التي في جيوبنا مصبوغة بالربا كيف نعمل؟ ماذا نعمل؟.

تأملوا جيداً لنرى الحرب التي يشنها الله على الناس؛ لأنهم استساغوا الربا، المسلمون أنفسهم استساغوا الربا، وهذا من آثار عمل اليهود، اليهود بخبثهم، اليهود هم المعروفون بالربا من مئات السنين، لكن بطريقتهم الخبيثة بالإضلال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} (النساء:44)

لكن هكذا بطريقتهم الخبيثة حتى يصبح الربا مستساغاً في أوساط المسلمين، ومستساغاً في التعامل بين تجار المسلمين وفي بنوك أموال المسلمين، ويصبح طبيعياً ولا حتى الاستنكار الكثير من جانب علمائنا، من جانبنا كطلاب علم أيضاً، لم يعد هناك قضية تدفعنا على الاهتمام أن نستنكرها، والربا شديد جداً، الربا من أكبر الجرائم.

أوليس شيئاً مرتبطاً بالجانب الاقتصادي؟ هذا مما يؤكد أن الإسلام يهتم جداً فيما يتعلق بالمسلمين بالجانب الاقتصادي لعباد الله، بالجانب الاقتصادي للمسلمين.

الربا أضراره كثيرة جداً، في واقع الحياة بالنسبة للمسلمين يؤدي إلى تفكيك العلاقات فيما بينهم.

جاء الإسلام ليقضي على الربا، ويضع بدلا عنه أجراً عظيماً على القرض، القرض المشروع الذي لست ملزما فيه بأن تدفع فوائد إضافية. رأس المال ترده، أقرضك مائة ألف تعيد إليه مائة ألف، فجعل القرض بمثابة صدقة كل يوم إلى أجله المحدد, ثم إذا أضفت أجلا لصاحبك باعتباره معسراً يعتبر بمثابة صدقتين في اليوم الواحد عن كل يوم.

القرض جعل الله عليه أجراً كبيراً لينطلق المؤمن لمساعدة أخيه، لإعطائه رأس مال ليستطيع أن يتحرك فيتجر أو يزرع، وهو يرى نفسه ليس ملزما بأكثر من رأس المال.

الفوائد تكفل الله بها هو للمقرضين، لكن الربا قد ترى الفائدة نسبة بسيطة 5% أو 2.5% أو حتى 1% فإذا بك ترى نفسك بعد سنين قد تصبح الفوائد نفسها أكثر من المبلغ، وترى نفسك مرهقاً وأنت تعمل على أن تتخلص من الفوائد الإضافية، أما رأس المال فهو ذاك ما يزال قائما وما يزال ينتج ما يزال يحملك إضافات كل سنة، كل سنة.

من الذي سيحمل ودا أو يرى جميلا لذلك الشخص أو لذلك البنك الذي أقرضه على هذا النحو؟ من هو؟ ألست ستلعنه، وترى نفسك في حالة أنه أرهقك بهذا التعامل لكن ذلك الذي يقرضك قرضاً حسناً، قرضاً لا ربا فيه سترى له الجميل، وترعى له الجميل، وتقدر له ما عمل وترتبط به، فيكون ذلك من أهم الروابط فيما بين المسلمين وهم يعطفون على بعضهم بعض، أما الربا فإنه هو الذي يحطم العلاقات فيما بين المسلمين ناهيك عما يؤدي إليه من تكديس الأموال في فئة محدودة كما هو ظاهر، وتكديس الأموال في فئة محدودة وهي هي من تستطيع أن تتغلب على كل شيء، ثم تتحكم في الموقف والقرار السياسي للأمة.

الربا شديد حتى ورد في الحديث ((لدرهم من ربا أعظم عند الله من خمسة وثلاثين زنية، أهونها أن تزني بأمك عند الكعبة)) درهم واحد من ربا، لماذا؟ لأن الجانب الاقتصادي بالنسبة للمسلمين مهم في أن يستطيعوا أن يقفوا في مواجهة أعدائهم، في أن يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم وبمسئوليتهم أمام الله من العمل على إعلاء كلمته ونصر دينه، ونشر دينه في الأرض كلها.

الإنسان إذا كانت معيشته صعبة، المجتمع إذا كانت معيشته قلقة يكاد هذا هو ما يصرفه حتى أن يرجع هو نفسيا إلى الله، منشغل بكيف يوفر لأهله القوت، كيف يوفر لأسرته حاجياتهم، ولا يفكر بأن يستمع إلى مواعظ إلى أن يهتدي إلى أن يحضر إلى مجلس علم، أو يحضر إلى مدرسة يستفيد منها. بل تأتي لتعظه وذهنه مشغول، ذهنه مشغول، تأتي الأمة في زمن كزماننا هذا فترى أعداءها يهددونها وترى الضربات داخلها هنا وهناك ثم ننظر إلى أنفسنا فإذا بنا لا نستطيع أن نقف على أقدامنا، الجانب الاقتصادي لنا منهار.

لأهمية المال في بناء الأمة, وفي أن تنطلق الأمة في مواجهة أعدائها وأن تنطلق الأمة في القيام بمسئوليتها، ولأثر الربا السيء فيما يتعلق بهذا الجانب الله قال: إنه سيحارب. أليس هذا أقصى ما يمكنك أن تصل إليه مع الطرف الآخر الذي بينك وبينه خلاف حول قضية ما؟ [إما أن تترك وإلا فالوجه ابيض] أليست هذه العبارة هي آخر شيء؟ يدل على أن هذا الشيء مهم لديك. هذه القضية لا أتسامح فيها أبداً. هل يسمعها أصحاب البنوك؟ هل يسمعها التجار؟ هل يسمعها الناس جميعاً؟ هل يرون آثارها في أنفسهم وفي الحياة؟ آثار الحرب الإلهية؟ نحن نرى آثار الحرب الإلهية في كل شيء.

{فَأْذَنُوا} إيذان أي: إعلام {بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أليست المعيشة كل عام تكون أصعب؟ والبركات كل عام أقل؟ والنفوس كل عام أشد تبايناً؟ والقلوب أشد اكتظاماً وأشد ضيقاً؟ الصدور تضيق، النفوس تتباين، المعيشة تشتد، والمنتجات تتدنى، و[الحَب] هذا نفسه الذي لا نحصل عليه إلا من الخارج نرى أنفسنا نرى الكثير لا يستطيع أن يشتري إلا نصف كيس، و هو كل ما يملك داخل البيت، هل هناك احتياط من الحبوب داخل البيوت؟ لا. بل ولا كيس واحد، نصف كيس دقيق، ثم ربع كيس ثم سيصل الناس إلى الكيلو، وقد بدأ البيع بالكيلو للدقيق.

ثم أين البدائل؟ هل هناك في أموالنا، هل هناك من محافظات أخرى داخل بلادنا منتجات أخرى؟ نحن أصبحنا نحارب حتى في قوتنا.. من الذي أوصلنا إلى هذا؟ هم المرابون الذين ثقفهم اليهود والذين استساغوا الربا على أيدي اليهود. ونحن قلنا أكثر من مرة أنه هكذا يعمل اليهود يضلونا من حيث لا نشعر، يضربوننا من حيث لا نشعر، يفسدوننا من حيث لا نشعر، يدوسوننا بأقدامهم ونحن لا نحس بشيء. هذا هو ما يحصل.

كيف لو بعث رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من جديد إلى هذه الحياة ورأى أمته هذه المنتشرة في متخلف بقاع العالم تأكل ربا وتتعامل بالربا.. كيف سيكون شعوره أمام هذه الأمة؟ سينظر هل ربما أن القرآن غير موجود، ربما هم لم يطلعوا على آية كهذه، ثم يرى أن القرآن أيضاً ما يزال داخل بيوت أعضاء المجالس الإدارية للبنوك، أو مجموعة من التجار أصحاب بنك يتعاملون بالربا، المصاحف داخل بيوتهم وهم من يبنون أيضا حجرات خاصة للصلاة في بعض البنوك، وفيها مجموعة من المصاحف داخل مبنى البنك! يحصل هذا في بعض البنوك.

أين نحن من آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} (البقرة:279) وقد أصبح الربا عندنا مستساغاً.وأصبح شيئاً مألوفاً لدينا.. هذا هو الترويض من قبل اليهود الذين يروضوننا شيئاً, فشيئاً, فشيئاً إلى أن يصبح كل فساد من جانبهم مستساغاً، ويلطموننا لطمة بعد لطمة، صغيرة، ثم أكبر منها ثم أكبر ثم أكبر حتى تصبح الركلة بالقدم مقبولة ومستساغة، خبثهم شديد.

لاحظوا كيف يسيرون على هذه الطريقة حتى في فلسطين، الانتفاضة من يوم ما بدأت اثنين شهداء, ثلاثة، واحد, أربعة.. يومياً، يومياً وهكذا.. لا يأتي بعدد يثير الآخرين، ولا يتوقف، وهم يعرفون بأنه اثنين كل يوم ثلاثة كل يوم كم سيطلع في السنة؟ وكم وصل إلى حد الآن قتلى الانتفاضة داخل فلسطين كم؟ تقريباً أكثر من ثلاثة آلاف شخص.

لو جاءوا يضربوا ضربة يقتل فيها ثلاثمائة شخص أليس هذا سيزعج العالم؟ لكن لا.. حسنا هل انزعجنا يوم ما رأينا ثلاثة آلاف، رقم ثلاثة آلاف انزعجنا؟ لا.. لكن لو قتلوا ثلاثمائة شخص دفعة واحدة، ربما كان سننزعج ويحصل استنكار شديد اللهجة ويحصل مظاهرات وتحدث أشياء كثيرة.

إذاً فواحد على اثنين على ثلاثة يومياً وهكذا، وسيرون هؤلاء الناس الذين نروضهم على أن يقبلوا هذا التعامل سيرون في الأخير سيرون في الأخير أرقاما كبيرة ثم لا تثيرهم وهذا أفضل فنسمع عن إحصائيات ثلاثة آلاف قتيل وجرحى بالآلاف هل استثارنا خبر الإحصائيات هذه؟ لا.. طبيعي هكذا يعملون في كل شيء.

ومن هنا نعرف: كيف أن اقتراف الأمة لمعصية من هذا القبيل كالربا أن الأمة ستنال عقوبة من الله على ارتكابها، هذا هو وعيد وجانب من الوعيد في الدنيا.

يقول الله سبحانه وتعالى أيضاً:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(البقرة: من الآية85) ألم يذكر هنا وعيداً في الدنيا وفي الآخرة؟ ما بال المرشدين دائماً لا يتحدثون عن الوعيد في الدنيا وهو جانب مهم في تخويف الإنسان من معصيته جانب مهم {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}(البقرة: من الآية120) أنت ذاهب ـ وأنت تريد أن تؤثر في نفسيات الناس ـ على منهاج هدي الله، تجد أن الله يخوفهم في الدنيا من عقوبات أعمالهم فخوفهم بها، واذكر لهم ماذا ستكون هذه العقوبات، وكيف ستكون، وعلى أي نحو ستكون؛ لأن الناس هكذا يخافون العاجلة أكثر مما يخافون الآجل، فسيدفعهم خوفهم من العاجل إلى أن لا يقعوا في العقوبة الآجلة، أليس هذا من رحمة الله؟ إذا خفنا عقوبات في الدنيا سيدفعنا خوفنا من العقوبات في الدنيا إلى أن نحذر من تلك المعاصي التي تؤدي إليها وبالتالي سنسلم العقوبة الشديدة في الآخرة وهي جهنم.

{فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ}(البقرة: من الآية85) يؤمن ببعض من الكتاب ويكفر ببعض، كما نحن المسلمون في واقعنا عليه، نأخذ الصلاة من الكتاب ونترك الجهاد! نأخذ الحج ونترك وحدة الكلمة! نأخذ جزءاً بسيطاً من داخل القرآن الكريم ونترك الجزء الأكبر! بل المجتهد هو همه من داخل القرآن خمسمائة آية على أكثر تقدير ويترك الآلاف من الآيات الأخرى لمجرد التعبد بتلاوتها!.{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(البقرة: من الآية85).

حسناً كيف هو الكفر ببعض؟ هل أن أهل الكتاب يقولون: إن نصف التوراة من الله، ونصفه الآخر ليس منه؟ لا.. يقولون: هي كلها من الله. أليس كذلك؟ نحن نقول أيضاً: القرآن كله من الله, ونحن في واقعنا نؤمن ببعض ونكفر ببعض.. ماذا يعني كفرنا بالبعض الآخر؟ إنه رفضنا، رفضنا له، ابتعادنا عن تطبيقه، نسياننا حتى عن تصنيفنا له بأنه جزء من ديننا, وأن عليه تتوقف نجاتنا.. هكذا نصبح في واقعنا كافرين ببعض وإن لم نكن ننكر أن هذا البعض هو من الله.

من الذي ينكر أن هذه الآية: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} هي من الله؟ هل أحد ينكرها؟ حتى ولا المرابون أنفسهم لا ينكرونها، لكن أليسوا عندما ينطلقون في التعامل بالربا كافرين ببعض الكتاب: رافضين، والرفض هو: كفر، هكذا يقول عن العقوبة في الدنيا:{فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

الخزي هل هو سهل؟ الخزي يجب أن يزعجنا كلمة:{خزي} يجب أن ينزعج الإنسان إذا ما سمع كلمة خزي في الدنيا، أوليس الناس قد يقاتل بعضهم بعض؛ لأن ذلك الشخص جاء على لسانه كلمة تمس عرضه، أو يكون الكلام الذي قاله فيه أو نسبه إليه يعني أن ينسب إليه مما يجعله يخزى فينفعل ويغضب ويقاتل.

الخزي شديد.. أوليس واقع هذه الأمة هو واقع خزي؟ من أين جاء هذا الخزي؟ هكذا؛ لأنه حصل إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض، والبعض الذي كفروا به, أو أصبحت الأمة في واقعها كافرة به هو الجزء المهم والأكثر أهمية..

أليست المساجد قد ملئت الدنيا؟ مساجد والمصلون يملئونها أفواجا، حتى المرابون يصلون أيضاً؟ نحن نصلي ونبني مساجد ونحن نطبع القرآن الكريم، ونعمل أعمالاً أخرى لكن هناك أعمالاً نتركها هي المهمة وهي المهمة التي لا تقبل الصلاة إلا بها ولا تعطي الصلاة ثمرتها إلا معها وبالتوجه إلى أدائها. فالخزي الذي الأمة فيه يعني ذلك أنه كان بسبب كفرهم ببعض الكتاب الذي تمثل بصورة رفض لأشياء مهمة جاءت في هذا الكتاب لم نتجه إليها.

إذاً فليس الخزي هو من الطبيعة التي جبلت عليها الدنيا من يوم خلقها الله، وإنما بسبب ما يحصل من جانبنا نحن من تقصير في أداء جوانب مهمة من هدي الله، ورفضنا في عملنا وفي واقعنا للعمل بأشياء كثيرة مما تضمنتها آيات الله في كتابه.

فإذا ما قيمنا وضعيتنا فوجدنا أن وضعية الأمة هي في حالة خزي.. من الذي يستطيع أن يقول أن الأمة ليست في حالة خزي؟ اسمع التلفزيون سترى كيف مواقف الخزي، كيف الكلمات المخزية تنطلق من الكبار، وكيف الوقوف المخزي يحصل ممن يجب عليهم أن يتحركوا في أوساط الأمة؛ لإنقاذها، ولتبيين كتاب الله لها انظر كيف هي المواقف المخزية للأمة بشكل عام أمام التهديدات التي تأتي من قبل أعدائها، انظر كيف السكوت المخزي أمام ما يحدث من ضربات في كل جوانبها، وداخل كل بقعة، انظر كيف الحياة المخزية أن يصبح عيشنا تحت رحمة أعدائنا، وقوتنا من تحت أيدي أعدائنا.. أليس هذا خزياً؟.

إذا فهمنا أننا في حالة خزي، وفهمنا أن الخزي إنما يأتي إذا ما انطلقنا نحن على هذا النحو: نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، حينها سيكون فهمنا لواقعنا وفهمنا بأن هذه نتيجة لتقصيرنا سيدفعنا ذلك إلى أن نصحح وضعيتنا ونرجع إلى الله رجوعا عمليا صحيحا، لكن إذا فهمنا أن هكذا الدنيا، وأن علينا أن نصبر وإن كنا نعرف أن هذا خزي, هذا حال الدنيا والمسلمون هكذا يكونون مستضعفين، وإذا قلنا نحن أهل الحق وجدنا أنفسنا مستضعفين أكثر قالوا هذا هو الدليل على أننا على حق، أن أهل الحق هم يكونون عادة مستضعفين أكثر، ومساكين، وأذلاء، ومقهورين!! إذاً فيصبح الخزي علامة أنك محق.. أليس كذلك؟ كلما كنت في خزي أكبر كلما كان ذلك يعني: أنك على الحق أكثر وأكثر!.

لكنا هنا القرآن الكريم يقول:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ثم يأتي الربط الذي تراه كثيراً في القرآن الكريم بين الحالتين، لا تتوقع بعد الخزي في الدنيا رفعة في الآخرة, توقع بعد الخزي في الدنيا عذاباً عظيماً في الآخرة نعوذ بالله {خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(البقرة: من الآية85) هكذا يجب أن نفهم، وهكذا نرد على من ينطلق ليعلمنا: أن هكذا الحياة خزي وراءه رفعة في الآخرة، غير صحيح. القرآن في أكثر من آية يربط على هذا النحو.

ويقول سبحانه وتعالى:{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (البقرة:59)، بدلوا كلمة.. قال: {وَقُولُوا حِطَّةٌ}(البقرة: من الآية58) {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ}(البقرة: من الآية58) حطة بما تعنيه: حط عنا ذنوبنا، حط عنا سيئاتنا، ما أعجبهم أن يقولوا هذه الكلمة بطيبة نفس وغيروها [حنطة] أو بعبارة أخرى، ألم يزيدوا [نوناً] على{حِطَّةٌ}؟ هذا النون ماذا أدى إليه؟ أصبح ما قالوه تبديلاً بإضافة نون كما يقول بعض المفسرون أنهم قالوا: حنطة. ولم يقولوا: حطة. أصبح النون هنا لذيذاً، النون أصبح له طعماً لذيذاً.

{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}(البقرة: من الآية59) فما الذي حصل؟ {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ}(البقرة: من الآية59) استحقوا رجزاً من السماء، أي سماء؟ سماء جهنم أم سماء الدنيا؟ رجزاً من السماء: عذاباً من السماء، والكلمة تعني: عذاب بأي نوع كان من أنواع العذاب {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}(البقرة: من الآية59) زيادة نون جعلت اللفظة التي أمروا بها أصبحوا بها مبدلين للقول الذي أمروا بأن يقولوه عندما يدخلون الباب، أصبحوا مستحقين أن ينالوا عقوبة إضافة نون إلى حطة فيأتي بعد النون هذه رجز من السماء، ويحكم عليهم بأنهم قد فسقوا {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} ويأتي بحرف [الفاء] الذي يفيد سرعة حصول هذا وترتبه بتعاقب: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا} [الفاء] تفيد التعاقب السريع أيضا {فَأَنْزَلْنَا} تختلف عن [ثم] لم يقل [ثم أنزلنا] هذا قد يوحي بأنه بعد فترة، تحصل عقوبة بسرعة كما قال:{فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}(طـه: من الآية121) في آدم وحواء سريعا.

هذه قضية يجب أن نتنبه لها: أن الناس متى ما كانوا مقصرين، فليفهموا أن العقوبة المكتوبة جزاءً لذلك التقصير تأتي سريعا {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}(النساء: من الآية160) وقد تكون العقوبة أيضا بشكل تشريعات شاقة {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ}(النساء: من الآية161) وهكذا فقال إنه عندما شرع حرم عليهم طيبات أحلت لهم، أليس هذا فيه عذاب؟ نوع من العذاب ولم يعدهم برفع هذا التحريم عنهم إلا إذا آمنوا برسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، كما قال: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}(الأعراف: من الآية157) كان هناك إصر: أثقال جاءت بشكل تشريعات لأنهم كانوا يتمردون، فيستحقون عقوبات.

وقد تأتي العقوبات بشكل دائم تأتي بشكل أن يحرم عليهم شيئاً من الطيبات فيكون شاقا عليهم، ألم يحرم عليهم كل الشحوم؟ حرم عليهم الشحوم إلا شيئاً معينا من الشحوم الذي لم يحرمه، الحوايا أو ما اختلط بعظم. وقد تأتي العقوبة بشكل شيء معنوي يتجه إلى القلوب كما قال الله سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل، وبنو إسرائيل في تاريخهم الطويل داخله عبر لنا ولم يحك عن أولئك! يقول ما يحصل لأولئك سيحصل لنا نحن، القرآن ليس كتابا تاريخيا يتحدث عن قصص للتسلية، ولأن تاريخ بني إسرائيل هو رصيد مهم حافل بالعبر والدروس قدمه لنا {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}(المائدة: من الآية13).

هكذا الإنسان قد يقترف معاصي، أو قد يعرض عن هدى، أو قد يقصر في عمل مما عليه أن يعمله فتكون النتيجة هو أن يقسو قلبه، وقسوة القلب ليست قضية هينة، قسوة القلب ماذا وراءها؟ وراءها كل الشقاء في الدنيا، وراءها جهنم، بل عندما يقسو قلبك بسبب معصية واحدة معينة ستنطلق أنت إلى المعاصي؛ لأنك قد خذلت من جانب الله ولم تعد تحظى برعايته، ستنطلق أنت في معاصي كبيرة، ومعاصي كثيرة تضل وتزداد ضلالا، وتتحول إلى إنسان يحمل نفسا خبيثة يتراكم الخبث داخلها.

قسيت قلوبهم فانطلقوا يحرفون الكلم عن مواضعه، وحصل أن نسوا حظاً كثيراً مما ذكروا به، ثم كما قال الله: {وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ}(المائدة: من الآية13) خيانة، خداع، مكر، إذا ما قسى القلب انطلق الإنسان شرا في هذه الحياة، انطلق إلى عمل المعاصي بكل جرأة، بلغ بهم الحال إلى أن يحرفوا الكلم عن مواضعه فيفترون على الله الكذب؛ لأن قلوبهم قد قست.. لماذا؟ وبماذا قست؟{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}؛ لأنهم لم يفوا بالميثاق الذي بينهم وبين الله، لأنهم لم يفوا بالمواثيق التي بينهم وبين الآخرين، فنقض الميثاق معصية تأتي بعده هذه العقوبة: أن يقسو القلب.

ثم يقول سبحانه وتعالى في آية أخرى بعد أن طلب نبي الله موسى من قومه أن يدخلوا القرية التي كتب الله لهم أن يدخلوها ـ القصة مهمة جداً ـ: {يَا قَومِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا}(المائدة: من الآية24) أليست هذه معصية؟ رفضوا! ما الذي حصل من عقوبة في الدنيا؟{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة: من الآية24) {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ}(المائدة: من الآية26) بعد هذا جاء بالعقوبة عليهم في الدنيا:{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة:26).

أليس هذا وعيداً في الدنيا حصل لبني إسرائيل؟ تاهوا أربعين سنة في صحراء [سينا] لا يبنون مساكن ولا يزرعون.. بالآلاف تائهين مثلما نحن، نحن الآن في حالة تيه، لكن تيهنا تيه فكري، تيه ثقافي نرى المشاكل، ونرى المصائب من كل جهة ولا ندري ماذا نصنع، ويصل الحال بنا في حالة تيهنا أنه متى ما أحد قال لنا: هذا حل أو قولوا هكذا.. سخرنا منه، ماذا سيجدي هذا؟!. لا.. دعنا هكذا. دعنا نتيه. ألسنا في حالة تيه؟.

حتى تتأكد أننا في حالة تيه ـ كلنا نحن المسلمين ـ انظر إلى وسائل الإعلام في التلفزيون تتحدث عما يعمل الأمريكان وعما يعمل اليهود في كل منطقة وعما يعمل النصارى، ثم انظر هل هناك حديث عن حل، أو حديث عن موقف إسلامي أو موقف عربي؟ لا.. تائهين، فقط يهمنا أن نسمع، أن يقال حتى كلمة واحدة قولوها قد ربما تزعج أولئك قد تزعجهم أو تقلقهم قليلا، يكون موقفا لا بأس لا بأس أقل قليل [ماذا يعمل هذا؟.. لا. دعنا هكذا نتلذذ بالتيه. دعنا هكذا رضينا بهذه الحالة.. ملطام هنا وملطام هنا. وإذا أحد انطلق قلنا له: اسكت. وإذا أحد يريد أن ينبهنا على أن يكون لنا موقف أو أن يقول شيئا أن نصرخ في وجه هؤلاء الأعداء لنزعجهم لنقلقهم. قالوا: لا.. اسكت.. دعنا].

هكذا التيه، بنو إسرائيل تاهوا أربعين سنة؛ لأنهم امتنعوا عن أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم في ذلك الزمان، بل قالوا تلك العبارة القليلة الأدب:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.

ولاحظوا.. كيف أنه لم يكن هناك إلا رجلين إضافة إلى نبي الله موسى وهارون دفعوا بهم إلى أن يشجعونهم لدخول هذه الأرض التي كتب الله لهم، رجلين فقط، الأغلبية كلهم ليسوا حول هذا الموضوع، لكن ألم يكن كلام أولئك الرجلين كلاما كان مهمًّا عند الله سبحانه وتعالى فسطره في كتابه وخلد ذكره. رجلين, وحتى رجل واحد ألم يسطر كلام رجل واحد مؤمن آل فرعون؟ ويأتي بصفحة كاملة لمؤمن آل فرعون في [سورة غافر] لأنه لا عبرة بالمجاميع التي لا تقول شيئاً مهما كانت ثقافتهم مهما كانت مكانتهم، مهما كانت قدراتهم، وأن رجلاً واحداً ينطلق ليرشد الأمة له قيمته العظيمة عند الله، وهو حجة على الأمة.

لسنا بحاجة إلى أن ننتظر إجماعاً كما قد يقول البعض ينتظر العلماء كلهم أن يقولوا، والعلماء كلهم أن يقفوا والعلماء كلهم أن يتحركوا. أليس هذا هو ما يدور عند البعض؟ المهم هو: أن يكون هناك من يقول ولو رجل واحد، كمؤمن آل فرعون أن يكون هناك من يقول ولو رجلان فقط كما حصل لقوم موسى هنا: {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} يخافون الله ويخافون عقوبته، عقوبة عدم الاستجابة والتفريط في الاستجابة لنبي الله.{أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا} أنعم عليهما بالإيمان، بالوعي، بالفهم، بالتقوى، بالاهتداء.

وضعوا لهم خطة:{ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} لأنه كما في الأثر (ما غزي قوم في عقر دورهم إلا ذلوا) اهجموا عليهم الباب فإذا دخلتموه فهم سينهزمون نفسياً وسيضعفون ويتفرقون وستغلبونهم. أليسوا هنا وجهوا لخطة حكيمة؟

نبي الله موسى أمرهم بأن يدخلوا هذه الأرض، وهذان الرجلان تحدثا عن خطة عندما وجدوهم يتهربون من الدخول {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} توكلوا على الله وادخلوا وستغلبون.. ألم يذكر الله كلام الرجلين كما ذكر كلام موسى، ألم يسطر كلام الرجلين هنا مع كلام موسى، وكلام مؤمن آل فرعون مع كلام موسى في المقام الآخر أيضاً؟ لأن الكلمة لها أهميتها، الكلمة التي توجه، الكلمة التي ترشد، الكلمة التي تضع خططا عملية، للحفاظ على الأمة ولبناء الأمة، ولتكون الأمة ملتزمة بدينها لها أهميتها.

ألم يضرب الله مثلا للكلمة الطيبة{كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}(إبراهيم: من الآية25)؟ وإن لم تكن إلا من رجل واحد لا تنتظر الجميع أن يقولوا، لا تنتظر الكل أن يقولوا من العلماء، أو من المثقفين، لا تنتظر للحكام للزعماء جميعاً أن يقفوا. انظر إلى من يتحرك، انظر إلى من يقف فتحرك معه وقف معه، ألم يسطر كلام الرجلين على أساس أنه كلام مطلوب من بني إسرائيل أن يتجهوا على أساسه وأن يعملوا به؟ لو كانت خطة خاطئة لما سطرت ولما دونت، {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ} هذه خطة عملية عسكرية {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

هذه خطة صحيحة سطرت؛ لأنه أصبح مطلوباً من بني إسرائيل أن يسيروا عليها؛ فكانت لها قيمتها وإن لم تصدر من أعيان ونقباء بني إسرائيل جميعاً، وإنما أتت من رجلين. وقد يكونا رجلين من أوسط الناس من أطرف الناس، لم يذكر أنهما كانا من الملأ, كما يقول عن الملأ من كبار الناس، أو من أعيان الناس أو من نقباء بني إسرائيل رجلين لكن رجلين فاهمين، أنعم الله عليهما بالإيمان أنعم عليهما بالهدى.

الله كأنه يقول لنا: لو أنهم نفذوا كلام هذين الرجلين لما تاهوا أربعين سنة. ألم يتيهوا أربعين سنة عندما امتنعوا عن تنفيذ طلب نبي الله موسى أن يدخلوا وعن الدخول بعد وضع الخطة من قبل الرجلين، فتاهوا أربعين سنة؟ وكأن هذا يقول للكثير من الناس الذين يقولون: [سننتظر للعلماء جميعاً أن يقولوا أو ننتظر زعماء العرب جميعا حتى يتحركوا، أو المشايخ جميعاً حتى يقولوا] انظر إلى أي رجل أو رجلين يقولا كلاماً صحيحاً يؤدي إلى موقف صحيح وتأكد بأنه مطلب من الله كما كان هنا كلام الرجلين مطلب لله من بني إسرائيل أن يسيروا عليه وإلا لما سطره في كتابه مع كلام نبيه موسى.

وهذه قضية مهمة؛ لأن الكثير قد يدخل في نفسه ريب وشك نحن هنا نقول: [الموت لأمريكا والموت لإسرائيل لكن هناك مدينة علمية هناك مجاميع من العلماء لا يتكلمون بها. هل كان هذان الرجلان ـ اللذان حكى الله عنهما من بني إسرائيل ـ هل كانا قمة بني إسرائيل؟ أو أن هناك الباقي الكثير ممن هم رافضون وممن هم ساكتون ألم يكن في بني إسرائيل علماء؟ على أقل تقدير ممن يسمعون موسى وهو يتكلم وهو يرشد وهو يوجه فيعلمون ما يقول.. ألم يكن فيهم علماء ووجهاء؟ لكنهم كانوا ساكتين أو كان موقفهم كموقف الآخرين{لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا}.

هل كان مقامهم بالشكل الذي لم يلحظه الله؟ فيقول: [ما دام قد جلس أعيان بني إسرائيل وسكتوا أو كان هذا هو رأيهم فما قيمة كلام الرجلين, لا شيء]. لا.. اعتدَّ بكلام الرجلين وجعل له قيمته، وجعله كلاماً عظيماً، وجعل أولئك لا شيء، الذين قعدوا من علمائهم من وجهائهم، من عبادهم، رجلين فقط والباقي ماذا؟ إما أن يكونوا ساكتين أو يكونوا ممن يقولون: {لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}؛ لنعرف أنه في كل زمان هل سيكون الله مع أولئك الذين يسكتون من علماء وعباد ووجهاء وزعماء؟ أو أنه سيكون مع رجل أو رجلين من هنا، أو هناك ينطلقون ليضعوا خططاً عملية للأمة تسير عليها، وخططاً لتوعية الأمة ولإرشاد الأمة.

أنت عندما تقول: [لو كان هذا عملا صحيحا لكان العلماء في المقدمة] أنت في ذهنيتك تتصور وكأن الله هو مع المجاميع الأخرى الجالسة والساكتة أليس كذلك؟ تتخيل وكأنه هو مع أولئك, وهذا هو شاذ هناك.

رجلان الله كان معهما وأثنى عليهما، وجعل الخطة التي قالوها خطة حكيمة مطلوبة من بني إسرائيل ولم يعتد بالعلماء، ولا بالأعيان، ولا بالعباد، ولا بالوجهاء الآخرين من بني إسرائيل.. هل اعتد بهم؟ لا.. بل تاهوا كما تاه الآخرون، وتحملوا أوزار قعودهم وسكوتهم، سواء كانوا هم ممن قال:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} الكلمة القبيحة هذه.. أو قالها آخرون فمشت.

إذا ما جاءت كلمة سيئة من أطراف الناس وسكت أولئك الذين يجب عليهم أن يقفوا ضدها فكأنها هي كلمة تعبر عن موقف المجتمع كله؛ لأنه هاهنا قال يحكي عن بني إسرائيل {قالوا} قالوا.. وكم تحت [الواو] في كلمة {قالوا} تفهم وكأنه ما عدا الرجلين.

{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا} فهل تتوقع بأن الذين قالوا هذه العبارة هم من علماء بني إسرائيل وعباد بني إسرائيل، قد لا يكون البعض ممن قال هذه العبارة، قد يتحاشى عالم من علمائهم، أو عابد من عبادهم أن يقول هذه العبارة، لكنها قيلت ونحن علماء وعباد ووجهاء وأعيان سكتنا، فكانت هي الموقف الذي يعبر عن الجميع.

ففي هذه النقطة عبرة لنا نحن.. لا ننتظر للعلماء أن يتحركوا كلهم، لا ننتظر للزعماء أن يتحركوا كلهم، لا ننتظر للمشايخ أن يتحركوا كلهم، لا ننتظر للأمة أن تتحرك كلها، تحرك بحركة رجل أو رجلين يقف مواقف صحيحة وستلمس أنت أن ذلك موقفاً صحيحاً، وأقل ما يمكن أن تلمسه: أن هذا الموقف له جدوائيته وينفع فيكفي هذا. شيء أفضل من لاشيء أليس كذلك؟.

ثم إذا ما عرفنا بأنه يقال: إن عملاً كهذا خطير، إذًا فاعرف أنه عمل خطير أيضاً يعني: عظيم له قيمته.

إذا قيل لك بأن هذا عمل خطير عليكم، ماذا يعني هذا؟ أليس ذلك يعني: أن عملك له قيمته وله أثره البالغ على أعداء الله؟ إذاً هو ما تريده. أو أننا نريد أن نبحث عن أعمال لا تضر بالآخرين!. هل هذا معقول؟ كيف بإمكانك أن تقف في مواجهة أعداء الله وبأعمال لا تكون خطيرة ولا تضر بآخرين! ما هو العمل هذا؟ ربما النوم، النوم هو لن يضر بالآخرين لكن سيضر بك.. أليس كذلك؟

إذا ما انطلقنا في عمل معين، فقيل لنا: هذا عمل خطير، فجلسنا، انطلقنا في عمل آخر، فقيل: هذا خطير، جلسنا، أي أننا نريد أن نبحث عن عمل نقف معه ضد أعداء الله لكن لا نريد أن يكون خطيرا علينا، فإذا لم يكن خطيرا علينا يعني أنه ليس شديد النكاية بأعداء الله.. أليس كذلك؟

فهذا يسمى جهاد ماذا يمكن أن نسميه؟ جهاد من نوع لين، أو جهاد انتساب كطلاب الجامعة، يدرس في الجامعة عن بعد، متى ما قيل لك: عملك هذا خطير فإنه شهادة أن عملك هذا مؤثر ضد أعداء الله.

فإذا كنت مجاهداً ويهمك أن تبحث عن الأعمال التي ترضي الله، والتي تكون مؤثرة ضد أعداء الله فإنه متى ما قيل لك: إن عملك هذا خطير، فهو شهادة أنك على النهج الصحيح في مواجهة أعداء الله، وهو شاهد أيضاً على أن عليك أن تبحث أكثر وأكثر عـن ما يشكل أكثر خطورة عليهم، وإن كـان أيضاً أكثر خطورة عليك؛ لأنه أحياناً ـ وهذا هو ما نجهله جميعاً ـ ننظر إلى الخطورة التي تحدث من وراء ذلك العمل من جانب الآخرين، ولكننا لا ننظر إلى خطورة القعود وما توعد الله على القعود وعلى السكوت من عقوبات أقلها الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، لا نخاف من ذلك أليست هذه هي الخطورة البالغة التي يجب أن نخافها؟ أليس هذا هو الخطر الحقيقي الذي يجب أن نخافه؟ فحينئذ قارن بين سكوتك وبين عملك أيهما سيكون أخطر عليك من جانب من؟ الخطورة من جانبه أشد والعقوبة من جانبه أعظم وهو الله. هل سكوتي أو انطلاقي في العمل أيهما أخطر علي؟ من جانب الله سبحانه وتعالى؟ ستجد أن السكوت هو الذي يشكل خطرا عظيما عليك.

نظرة خاطئة، نظرة لا تلتفت إلى جانب الوعيد لا في الدنيا ولا في الآخرة، متى ما انطلق الناس في عمل فقيل لهم: هذا خطير، اتجهت أذهانهم وأنظارهم إلى ذلك الخطر المحتمل من جانب جهة داخلية، أو خارجية وجعلوه كل شيء وارتعدت فرائصهم، واضطربت قلوبهم.

إذا كان الناس على هذا النحو فسيكونون هم ممن قال الله عنهم:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ}(العنكبوت: من الآية10) {آمنا} لكن إذا الدنيا سلامات {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}(العنكبوت: من الآية10) وجعلها نكالا لما بين يديها وما خلفها، ثم لا يعد يرفع له رأساً، ولا يعد يرفع له يداً ولا تنطلق من فمه كلمة. [ألم نقل لكم أن هذا عمل خطير, ألم نقل لكم اتركوا هذا العمل.. ما رضيتم؟] أليس هكذا يقول الناس؟.

أنت قل للآخرين قل لهم ما قال الله في كتابه من وعيد لمن يقعدون لمن يتخاذلون، لمن يسكتون وما وعدهم به من أجر عظيم، ومن جزاء حسن في الدنيا وفي الآخرة، إذا ما انطلقوا يعملون ذلك الجزاء العظيم الذي يجعل كل خطر من جانب الآخرين لا شيء، كلم الناس بهذا، ذكر الناس بهذا، الذي يقول لك: عملك هذا خطير، قل له: لكن أنت سكوتك أيضاً هو خطير، وتعال نجلس معا أنا وأنت، نعرض سكوتك ونعرض عملي على كتاب اللهن، فننظر أيهما أشد خطراً، وحينها سنسلِّم أنا وأنت، ونحن مستعدون إلى أن نقف، إلى أن نمتنع، إذا كان عملي هو أكثر خطرا عليّ من جانب الله سألتزم بكلامك، وإن كان سكوتك هو الأكثر خطرا فإنه يجب عليك أن تتحرك بحركتي، لماذا لا تقول للآخرين هكذا؟ من يقولون: (اسكتوا كلامكم خطير، عملكم هذا خطير). لماذا لا تقول لهم هذا؟ نحن ننسى.

ألم أقل قبل يومين في شرح كلام زين العابدين: ((وبلغ بإيماني أكمل الإيمان)) أننا بحاجة إلى أن نكون جنودا لله، نعي كيف نتحدث مع الآخرين، نعي كيف نخاطب الآخرين. من هو ذلك الذي قد يقول مثل هذا الكلام إذا ما انطلق شخص آخر ليثبطه عن عمل ـ قد يكون القليل منا ـ ونحن ما تزال أعمالنا بسيطة، فإذا ما انطلق أحد يثبطه عن عمل تاه بفكره وسكت، من سيقول لك عملك هذا خطير قل له: سكوتك أنت أيضا خطير عليك أمام الله.

الخطورة البالغة هي في سكوتك؛ خطورة عليك وخطورة على الأمة وخطورة على الدين. لكن عملي قد يكون فيه خطورة على شخصي فقط وهو بناء للأمة وهو نصر للدين. فأيهما أشد خطورة ذلك الذي هو ضرب للدين وللأمة وللإنسان نفسه، أم هذا الذي قد يكون لشخصك لكنه نصر للأمة، ونصر للدين، وفوز لك في الدنيا والآخرة؟.

يجب أن نصل نحن في وعينا إلى أن نعرف كيف نتحدث مع الآخرين عندما ينطلقون ليثبطونا عن أي عمل، وما زالت أعمال الناس بسيطة، لنكون جنداً من جنود الله لا يستطيع أحد أن يوقفنا أبداً لا بتضليله، ولا بإرجافه، ولا بأي أسلوب كان.

كلام الرجلين ـ{قَالَ رَجُلانِ} ـ يدل على أن المجاميع الأخرى كانت متخاذلة أليس كذلك؟ أنها كانت متخاذلة. لم يقل هنا حتى قال عالمان أو قال كبيران، بل{قَالَ رَجُلانِ} وأنت انظر كما قلت سابقا ستجد إذ كنت تفترض أن هناك مجاميع من العلماء والعباد داخل بني إسرائيل.. أين هم؟ أليسوا في ذلك الجانب الآخر المتخاذل؟ خذ عبرة من هذا، خذ عبرة من هذا أنه هكذا في كل زمان، والتاريخ يشهد أنه في كل زمان ليس العلماء جميعا يتحركون، ولا الوجهاء جميعا يتحركون، ولا المؤمنون جميعا يتحركون، ولا كل من يمتلك فما ينطق ويتحدث.. هذا هو الشيء المعروف من خلال القرآن الكريم ومن خلال التاريخ، تاريخ الأمة.

يقول الله سبحانه وتعالى أيضا: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(المائدة:41) أليس هذا وعيدا يبدأ من الدنيا وينتهي بالآخرة على نمط واحد؟ خزي في الدنيا يكون وراءه عذاب عظيم.

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} (المائدة:80) ألم يسخط عليهم في الدنيا؟ ألم يلعنهم في الدنيا؟ اللعنة في الدنيا ماذا تعني؟ طردا من رحمة الله، ورحمة الله عندما تأتي لتتلمس الكثير الكثير من مظاهرها تجد كم هي خسارة كبيرة جدا عليك أو على أمة من الأمم أن يلعنها الله، طرد من رحمة الله، لم يعد يحظى برحمة من قبل الله، تطرد من عالَم التوفيق والألطاف، من عالم العناية والرعاية الإلهية؛ فتصبح فريسة للشيطان، فريسة للمضلين، تصبح إنسانا شريراً تنطلق كما انطلق الشيطان.

ألم يلعن الله الشيطان بعد تلك المعصية التي اقترفها عندما استكبر عن السجود لآدم؟ بعد أن لُعِن ماذا حصل؟ ألم يتعزز لديه الضلال والإضلال والخبث حتى أصبح شيطاناً لعيناً، رجيماً، أصبح رمزاً للشر، أصبح رمزاً للسوء، أصبح رمزاً للضلال، أصبح رمزا للباطل؛ لأن الله لعنه، وأمة إذا لعنها الله تخذل، وتذل، وتقهر وتهان.

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} وما تزال اللعنة قائمة عليهم.. لكن لماذا نراهم هكذا أقوى منا ونرى أنفسنا نحن المسلمين تحت أقدامهم؟ لماذا؟ لأننا لو أتينا إلى دراسة واقعنا نحن، وإلى عظم الجريمة التي ارتكبناها نحن المسلمين لوجدنا أنفسنا أننا قد طردنا أكثر منهم ولعنا أكثر منهم. حقيقة هذه.

هل أن اللعنة رفعت عن بني إسرائيل؟ فلماذا رأينا أنفسنا تحت أقدامهم؟ إلا لأن هذه الأمة فيما اقترفته من جرائم في إعراضها الكبير عن دين الله، في تخليها عن مسؤوليتها وهي آخر الأمم، والمسؤولة عن إصلاح الأمم الأخرى جميعا، عن النهوض بهذا الدين، عن أن تقطع أيدي اليهود والنصارى الذين قد لعنوا.أصبحت وضعية هذه الأمة أسوأ بكثير من وضعية بني إسرائيل التي لعنوا بها فكأن الأمة في لعنة أشد من لعنة بني إسرائيل.

إذا ما غلبك ضعيف فماذا يعني ذلك؟ ألا يعني أنك أضعف منه، إذا ما أذلك ذليل ماذا يعني ذلك؟ أليس هذا يعني أنك أذل منه؟ هكذا.. أو نقول بأن هناك ربما اللعنة قد ارتفعت عن بني إسرائيل؟ هل أن بني إسرائيل اتجهوا إلى الأفضل؟ أم أنهم ازدادوا سوءاً وازدادوا ضلالاً وإضلالاً، وحركة في الدنيا بالإفساد؟ فأصبحوا مستحقين للعنة أكثر وأكثر، لكن وستلعن أمة؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يلعن أشخاصا لألوانهم، أو لأسمائهم، أو لمواقعهم في هذه الدنيا، إنما لأعمالهم فكما لعنت بنو إسرائيل لأعمالهم ستلعن أمة أي أمة كانت، إذا ما اقترفت تلك الأعمال أو أسوأ منها، وستكون اللعنة عليها أشد وأعظم إذا ما اقترفت أعظم مما اقترفه بنو إسرائيل.

تعالوا إلى هذه الآية: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ} أين هم اليهود الذين هم كافرون بالتوراة بأنها ليست من الله أو كافرون بالله كإله؟ هل هناك أحد؟ هم ما يزالون إلى الآن يطبعون التوراة ويهتمون بالتوراة، لكن الكفر ذلك الرفض، الرفض الذي هو موجود لدينا ولديهم، لعنوا لماذا لعنوا على لسان داوود وعيسى بن مريم؟ {ذَلِكَ} وتجد كلمة:{ذَلِكَ} أمامك في كل مقام و{ذَلِكَ} تعني تعليلاً.. لأنهم كذا. والله لا هوادة بينه وبين أحد من عباده.

إذا ما انطلق منك ما استحق به الآخر اللعنة فستُلْعَن كمثله {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} لعنوا بماذا؟{بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} هل أن الآخرين إذا ما عصوا واعتدوا لن يلعنوا؟ سيلعنون، وإن كانوا من أهل بيت رسول الله سيلعنون، بل الحديث عن بني إسرائيل هو عبرة لأهل البيت أنفسهم، أنهم لا يعتمدون على مسألة أن الله فضلهم في هذه الأمة، فيركنون على هذه وحدها، هو فضّل قبلهم بني إسرائيل، لكن التفضيل إذا ما حصل معه عصيان، إذا ما حصل معه تفريط، إذا ما حصل معه واقع هو في نفس الوقت يعتبر كفراً من حيث أنه رفض لشيء من كتاب الله، مما هو منوط بهم وهم ورثته، فسيلعن أولئك الفضلاء كما لعن أولئك الفضلاء، هذا شيء لا شك فيه ولا هوادة بين الله وبين أحد، وهو الذي يقول هنا:{ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} لأنهم عصوا؛ لأنهم اعتدوا، وإلا فليس لي موقف منهم أن اسمهم [بنو إسرائيل] أو أن اسمهم [يهود] أو أنهم من سكان المنطقة الفلانية، لا.

هو فضلهم هو اصطفاهم، جعل فيهم النبوة والكتاب، والحكمة، والملك، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين. لكن عندما حصل منهم عصيان، وعندما حصل منهم اعتداء، عندما كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ولا ينهون الآخرين عن منكر يفعلونه، وعندما انطلقوا يتولون الذين كفروا.

هل هنا في واقعنا من هذا النوع أم لا؟ هناك عصيان هناك اعتداء، هناك قعود عن النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، هناك تولي للكافرين، هناك تولي للظالمين، أليس هذا الذي هو موجود في الأمة هذه وبشكل ربما أكثر وأسوأ مما هو عند بني إسرائيل، ويعتبر أسوأ اعتباريا أيضا من حيث أن هذه الأمة كان المفترض منها هي أن تنطلق لتصحح وضعيتها، فتكون هي التي تنشر هذا الدين في العالم كله، فكانت المعصية والاعتداء والتولي، بما أنه أيضا قعود عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بما أنه معصية في نفسه هو أيضا معصية من جانب أمة جعلها تتخلى عن مسئوليتها الدينية، وعن مسئوليتها في قيادة الأمم الأخرى، وهداية الأمم الأخرى فكانت الجريمة هنا أكبر، لهذا رأينا أنفسنا ـ نحن كمسلمين ـ تحت أقدام من لعنوا أي: أن واقع هذه الأمة خطير وسيء جداً.

فكيف يقال: بأنه ليس هناك حاجة إلى أن نتحدث عن كيف نعرف وضعيتنا، وكيف نعي واقعنا، وكيف ننطلق إلى أي عمل مهما كان لنعمل على إرضاء ربنا حتى يفك عنا تلك اللعنة التي هي في واقعها أعظم من اللعنة التي وقعت على بني إسرائيل؟! ألا يجدر بنا أن نبحث عن أي عمل كان ولو بشكل صرخة نعلنها وشعار نردده نعبر فيه عن موقف.

{تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ}(المائدة: من الآية80) هذه عبارة مؤلمة جداً{لَبِئْسَ} مهددة جداً{لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ}(المائدة: من الآية80) ألم يقل الله في آية أخرى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}(الحشر: من الآية18) ما أسوأ ما قدمه هؤلاء لأنفسهم عندما كانوا على هذا النحو: عصاة، معتدين، لا يتناهون عن منكر فعلوه، يتولون الكافرين {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}(المائدة: من الآية80) وهناك تتحدث بأنه لعنهم {أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} في الدنيا وكيف ستحظى أمة بتأييد الله أو نصره، كيف ستحظى برعايته وعنايته إذا كان قد سخط عليها {وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}(المائدة: من الآية80).

أليس هناك في أوساطنا تولي لليهود والنصارى وللكافرين؟ أي دولة أيُّ زعيم لا علاقة له بالكافرين وباليهود والنصارى علاقات صداقة حميمة، واتفاقيات اقتصادية، اتفاقيات دفاع مشترك، اتفاقيات ثقافية، اتفاقيات تجارية، اتفاقيات تبادل خبرات حتى في المجال التربوي، صداقة حميمة قائمة بين من يفترض منهم أن يكونوا هم من يقفون في وجه أولئك من أعداء الله الكافرين واليهود والنصارى.

ونحن نتولى أيضاً ولكن بأسلوب آخر إما على طريق التدريج نتولى من يتولى، أو تولي مباشر, وقد يصل الناس إلى التولي المباشر من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون فيكون الناس حينئذ {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ}(المائدة: من الآية81).

لو كنا نحن المسلمين، مؤمنون بالله وبالنبي محمد، وبكتاب الله القرآن الكريم ما اتخذنا اليهود والنصارى أولياء، بل لوقفنا ضدهم، ولطهرنا الأرض من فسادهم {وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}(المائدة: من الآية81).

ويقول سبحانه وتعالى:{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ}(البقرة: من الآية55). أليست هذه عقوبة؟ {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}(البقرة: من الآية55) ويقول أيضا عن بني إسرائيل:{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية61)، هكذا تجد ذلك هذا يعني: أن الحديث عن بني إسرائيل قدم لنا عبرة نحن: أنه إذا لم نكن بعيدين عما كانوا عليه فسيكون واقعنا كواقعهم وسيكون موقف الله منا كموقفه منهم، وتعامله معنا كتعامله معهم، هم أبناء نبيه إبراهيم، خليله إبراهيم، هم من فضلهم، من آتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين، فإذا كان قد أوصلهم إلى هذه الحالة، فهل سيرحم آخرين وصلوا إلى هذه الحالة نفسها؟ اقترفوا ما اقترف أولئك، هل سيرحمهم؟ إن كان سيرحم ويتغاضى عن أحد فإن أولئك أبناء خليله إبراهيم ومن جعلهم ورثة كتابه، ومن جعل فيهم النبوات طيلة التاريخ تاريخ النبوات، لكانوا هم الجديرين بأن لا يلعنهم، وألا يؤاخذهم، وألا يضرب عليهم الذلة والمسكنة.

هل العرب يرون مقامهم بالنسبة لله أعظم من مقام بني إسرائيل؟ بنو إسرائيل بلغ بهم الحال عندما لمسوا مقامهم العظيم الذي وضعهم الله فيه أن قالوا:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}(المائدة: من الآية18).

العرب أنفسهم هل يرون لأنفسهم ذلك المقام عند الله، أنه آتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين، وجعل فيهم أنبياء، وجعلهم ملوكا، وفضلهم على العالمين بأشياء كثيرة جداً؟ لا.. العرب في واقعهم لم يحظوا بما حظي به بنو إسرائيل، لكنهم شرفوا، شرفوا بأن كان نبي الله عربي منهم سيد الأنبياء، وخاتم الأنبياء (صلوات الله عليه وعلى آله)، وشرفوا بأن كان القرآن الكريم بلغتهم، وشرفوا بأن كانوا هم الأمة التي أراد الله أن تنطلق هي لتحمل هذه الرسالة العظيمة إلى العالم كله، فكان هذا الشرف هو الذي سيأخذ كل الشرف الذي أعطيه بنو إسرائيل، وسيكون العرب بكتابهم الكريم الذي جاء بلغتهم مهيمناً على كل الكتب سيكونون هم مهيمنين على كل الأمم.

ألم يكن هذا مقاماً عظيماً جداً أعطوه في لحظة واحدة؟ يوم بعث الله محمدا (صلوات الله عليه وعلى آله) في لحظة واحدة، في يوم واحد أعطي العرب هذا الشرف العظيم، ولكنهم رفضوه وتنكروا له، وتخلفوا عنه، وتخلوا عنه، فاستحقوا أن نرى واقعا فيهم هو أسوأ من الواقع الذي فيه من قد ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله من بني إسرائيل، ماذا يعني هذا؟ أن جريمتنا أعظم من جريمة بني إسرائيل، أن تخلينا عن هذه المسئولية هي نفسها الذي أتاح الفرصة لبني إسرائيل أن يسعوا في الأرض فسادا، وأن يشمل فسادهم الدنيا بكلها.

قضية مهمة أن نتعرف على واقعنا، كما أكرر كثيراً لنجدّ جميعاً علماء ومتعلمين ومسلمين ومؤمنين نخاف الله جميعاً في دنيانا وآخرتنا، أن واقعنا سيئاً إلى أسوأ ما يمكن أن نتصور، لننطلق في تصحيح وضعيتنا.

نعود إلى بني إسرائيل، ونعود إلى واقعنا، ولا نخرج من القرآن فقط باللعنة لبني إسرائيل، تتذكر كلمة{ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(البقرة: من الآية61)،{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا}(البقرة: من الآية275) ذلك بما كذا ألم يأت كثيرا؟{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(البقرة: من الآية61)، مرتين يذكر {ذَلِكَ} يعني للتعليل لهذا استحقوا أن تضرب عليهم الذلة والمسكنة وعندما يقول:{ذلك} هو خطاب لمن؟ يخاطبنا بالكلام كله نحن العرب، نحن أبناء هذه الأمة يخاطبنا بأنه هكذا حصل عليهم بكذا وكذا ولكذا وكذا، حصل عليهم هذا، سيحصل عليكم مثله وأعظم منه إذا ما كنتم على هذا النحو الذي كان عليه بنو إسرائيل أو أعظم مما كان عليه بنو إسرائيل.

ثم يقول أيضاً:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (البقرة:65) أليست هذه عقوبة في الدنيا؟.

وهكذا يجب أن نفهم، يجب أن نطّلع على وعيد الله في الدنيا، على المعاصي والتفريط لنخاف منها، لنحسب لها ألف حساب، ليدفعنا ذلك إلى فهم واقعنا، وتقييم واقعنا. حتى نفهم أننا في حالة عقوبة على تفريطنا أو أننا في حالة جزاء حسن على طاعة عملناها لترضى بهذا وتشكر الله عليه، أو تخاف من ذلك فتنتقل عن الوضعية التي أنت عليها لنسلم الخزي في الدنيا ونسلم العذاب في الآخرة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينجينا من الخزي في الدنيا، ومن عقوباته في الدنيا،

ومن الخزي والعذاب في الآخرة إنه على كل شيء قدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

التعليقات مغلقة.