سورة آل عمران ـ الدرس الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
قد يكون من مظاهر الضياع بالنسبة لنا كمسلمين، من مظاهر الضلال في نفوسنا أن يصبح الحديث عن قضايا مهمة جدا هي من صميم الدين، الحديث عن مشاكل كبيرة جداً وخطيرة جداً هي عامة لجميع المسلمين قد تبدو عند الكثير شيء ليس هناك حاجة للحديث عنه، أو شيء ليس هناك حاجة لمعرفته، شيء لا يهمنا عمله.
هذه الحالة النفسية في حد ذاتها ضلال كبير، وخطورة بالغة على الإنسان. يعود الواحد إلى تشغيل البرنامج المألوف لديه:[ما لنا حاجة با نصل ونصم، ونِلْهَم الله بين أموالنا].
إذا كانت هذه النظرة عند إنسان فليعرف بأنه في خطورة بالغة، ويعيش في حالة رهيبة من الجهل بدينه، وقد يكون فعلا سائر إلى طريق جهنم وهو يعتقد أنه هو الذي رسم لنفسه طريقا سليمة هادئة إلى الجنة، لكن محمدا(صلوات الله عليه وعلى آله) رسول الله احتاج إلى أن يسلك الطريق الشاقة إلى الجنة.. أليست هذه حماقة؟.
حماقة في النظرة إلى الدين، وفي النظرة إلى الجنة، في النظرة إلى الله سبحانه وتعالى، أن أتصور أنا، ومن أنا؟. أن باستطاعتي أن أرسم لنفسي طريقاً هادئة، طريقاً لا تشغلني عن أي شيء من أمور ديني، لا تشغلني عن أي شيء من أمور دنياي وأصل إلى الجنة بكل هدوء، لكن أولئك الأنبياء (صلوات الله عليهم) كانوا مساكين احتاجوا إلى أن يسلكوا الطريق الشاقة إلى الله.
سيد الأنبياء والمرسلين (صلوات الله عليه وعلى آله) الله يقول له: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}(النساء: من الآية84) {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ}(هود: من الآية1121) {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}(الأحقاف: من الآية35) {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}(التحريم: من الآية9). رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو سيد المرسلين، وهو من هو في إيمانه بالله، وقربه من الله.
إذاً فالإنسان يقيس نفسه برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه لماذا ذلك الرجل العظيم الذي قال الله لنا في مقام النظرة إليه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21).
أصبحت المأساة جداً لدى المسلمين أنه ليس فقط مجرد تقصير في قضية هم يؤمنون بأهميتها، ويؤمنون بأنها جزء مهم من دينهم: الاهتمام بأمر المسلمين، الاهتمام بأمر الدين، محاربة أعداء الله من اليهود والنصارى وعملائهم، لم يعد هناك شعور تقريباً عند كثير من الناس وخاصة داخلنا نحن الزيدية، من أصبحوا في أحط مستوى من الوعي.
قد نشعر بأن هذه القضية مهمة ولكن نبدو مقصرين فهذا لا بأس يمثل نقلة جيدة، بل أحياناً وعند الكثير، بل وعند بعض المتعبدين أيضاً تبدو قضايا لا أهمية لها، وأشياء خارج إطار ما يجب أن نهتم به من أمر ديننا، إذا كان هناك حالة مثل هذه تحصل عند أي شخص منا فلينظر إلى ما حكاه الله سبحانه وتعالى عن رسوله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه هو كُلّف بأن يمشي ولو بمفرده في الطريق الشاقة.
الطرق الأخرى قد تكون كثيرة عند الناس، وقد ينطلق بعض الناس فيها بإعجاب أيضاً، بإعجاب بأنه قد رسم لنفسه طريق سلام من أحسن الطرق، ما الذي ينتج منها؟ ينتج منها تقصير في القضايا التي هي بالغة الأهمية عند الله، عدم شعور بأهميتها، وقد يرى نفسه في الأخير في وضعية سيئة جداً، بسبب تقصيره، قد يكون قد رسم لنفسه طريقاً ويرى نفسه أيضاً أنه مسلم، وقد يأتي الواقع فيكشف ولو لم يكن إلا يوم القيامة فيرى أنه كان قد كفر فعلاً، أصبحت تلك الطريقة التي رسمها لنفسه إنما هي طريق أبعدته عن الله، طريق جعلته بعيداً عن الجنة، طريق أدت به إلى النار.
من هذه الآيات نعرف هذا في قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102)
أمس وصلنا في الكلام حول هذه الآيات إلى قول الله تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) وتأتي كلمة {يَعْتَصِمْ} و{اعْتَصِمُوْا} في هذه الآيات مرتين بالشكل الذي يوحي أن القضية خطيرة جداً جداً إلى درجة أنك يجب أن تبحث عمن تعتصم به، عمن تلتجئ إليه فيهديك، وينقذك، ويهديك إلى ما فيه خروجك من هذه الأزمة الشديدة، أم أنها لا تعتبر قضية كبيرة إذا كان الإنسان في الواقع قد يصل إلى أن يكون كافرا؟.
{إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران: من الآية100) كلمة {كَافِرِينَ} هل هي سهلة لدينا وعلى مسامعنا؟ ماذا تعني كافرين في الأخير؟ تعني ماذا؟ أذلاء في الدنيا، مقهورين في الدنيا، تعني في الأخير جهنم، جهنم، أيمكن أن يكون الإنسان من الكافرين وليس هو من كافري جهنم؟!.
ليست كلمة عابرة أن يقول: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران: من الآية100)؟ ليست كلمة عادية {كَافِرِينَ} يجب أن تَهُز ضمير كل شخص، أن تقشعر منها جلودنا، أن تملأ قلوبنا خوفاً ورعباً من أن هؤلاء قد يصلون بنا إلى حالة خطيرة جداً هي حالة الكفر، الكافرون أليس مثواهم جهنم؟ جهنم هل هي قضية عادية لا تمثل أي خطورة، لا تمثل أي شيء يثير الخوف في نفوسنا والقلق؟.
{يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران: من الآية100) أي فتصبحوا من أهل جهنم، جهنم التي وصفها الله في القرآن الكريم بأوصاف رهيبة جداً {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}(البقرة: من الآية24) بالنسبة للوقود، طعامها الزقوم، شرابها الحميم، {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (الزخرف:75-78).
جئناكم في الدنيا بوسيلة نجاتكم وهو الحق لكنكم كنتم كارهين للحق، فإلى ماذا أدت بهم كراهتهم للحق؟ أدت إلى أن يكونوا كافرين، فاسقين، ضالين، عاصين، تحت أي عنوان من هذه العناوين التي كلها تسير بأهلها إلى جهنم.
إذاً فالقضية من أساسها قضية يجب أن تبعث في نفوسنا حالة من الخوف؛ لأنها تحكي أننا في مواجهة مع طائفة تعمل دائماً على تَطْوِيْعِنا لنصبح كافرين، تطويعنا لما تريد أن تصل بنا إليه إلى أن نكون كافرين ونصبح كافرين.
فيجب أن يبحث الناس عمن يعتصمون به، عمن يلجئون إليه..الله يقول: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(آل عمران: من الآية101) ليس هناك أي وسيلة للنجاة سوى الإعتصام بالله.
الإعتصام بالله يُقدم في ساحة المسلمين من زمان طويل أن معناه [العمل بكتاب الله وسنة رسوله] ما هكذا يقال؟ وهي آخر ما يمكن أن نتصور للمسألة باعتبارها هي هذه, لا يوجد غير هذا. هذه حق، لكن ما معنى {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} بالله؟.
وصلنا أمس إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل شيئاً بديلاً عنه في علاقتنا به، وحتى القرآن الكريم ليس بديلاً عن الله إطلاقاً, بل هو من أكثر ما فيه، وأكثر مقاصده، وأكثر ما يدور حوله هو أن يشدك نحو الله.
الله ليس كأي رئيس دولة، أو رئيس مجلس نواب يعمل كتاب قانون فنحن نتداول هذا الكتاب ولا نبحث عمن صدر منه، ولا يهمنا أمره، ما هذا الذي يحصل بالنسبة لدساتير الدنيا؟ دستور يصدر، أنت تراه وهو ليس فيه ما يشدك نحو من صاغه، وأنت في نفس الوقت ليس في ذهنك شيء بالنسبة لمن صاغه, ربما قد مات، ربما قد نفي، ربما في أي حالة، ربما حتى لو ظلم هو لا يهمك أمره.
لكن القرآن الكريم هو كل ما فيه يشدك نحو الله، فتعيش حالة العلاقة القوية بالله، الشعور بالحب لله، بالتقديس لله، بالتعظيم لله، بالالتجاء إليه في كل أمورك، في مقام الهداية تحتاج إليه هو، حتى في مجال أن تعرف كتابه.
{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}(الأنفال: من الآية29) ألم يتحدث القرآن عن التنوير، والنور, والفرقان، التي يجعلها تأتي منه؟ ليس هناك شيء بديلاً عن الله إطلاقاً. فأن تأتي للقرآن الكريم هو هو وليس في ذهنك الله سبحانه وتعالى, العلاقة القوية بالله، الثقة القوية بالله؛ فإن القرآن في الأخير لا تستفيد منه.
ما أكثر ما يُقرأ القرآن في أوساطنا، ما أكثر ما يسجل القرآن، ما أكثر الدارسين للقرآن خاصة في أوساط السنية، أليسوا أكثر منا تلاوة للقرآن؟ أشرطتنا تأتي من عندهم، ومصاحف من عندهم، وكل شيء من عندهم من الطبعات للقرآن الكريم ما كلها من هناك؟ إلا من بعد ما قامت الجمهورية الإسلامية في إيران وطبع القرآن طبعات أخرى في إيران وإلا كلها جاءت من عندهم. لكن هذه النظرة القاصرة التي تفصل القرآن عن الله جعلت المسلمين يفصلون أنفسهم عن الله، وعن كتابه فعلا.
الذين يقولون: قد معنا كتاب الله وسنة رسوله, نفس الشيء بالنسبة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو هاديا إلى الله، أليس كذلك؟ هاديا إلى الله، فُصل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في ذهنية الأمة عن القرآن، وهو رجل قرآني بكل ما تعنيه الكلمة، فُصل عن القرآن، ثم قسموه هو فأخذوا جانباً من حياته، جانباً مما صدر عنه وسموه سنة، فأصبحت المسألة في الأخير: الله هناك، رسوله هناك! هناك بدائل نزلت: قرآن، وكتب حديث.
ولاحظنا كيف أصبح الخطأ رهيباً جداً جداً في أوساطنا؛ لأننا فصلنا كتاب الله عن الله، وفصلنا رسول الله، جعلنا شيئاً سميناه سنته، ثم سنته جعلناها بديلاً عنه! لاحظوا في القرآن الكريم كم يتكرر [الله ورسوله، في طاعة الله ورسوله، إتباع الله ورسوله، استجابة لله ورسوله] ألم يتكرر كثيراً في القرآن بهذه العبارة: [الله ورسوله] أكثر من كلمة: [كتاب الله، أو كلمة سنة رسوله]، هل ورد شيء عن سنة رسول الله في القرآن الكريم؟.
المسألة من أساسها يجب أن تترسخ في ذهنيتك العلاقة بالله، العلاقة برسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) الثقة بالله، الثقة برسوله. رسوله نفسه يكون له مقام عظيم عندك، تعرفه هو، تعرف حياته، تعرف مواقفه، وتنظر إليه كرجل قرآني، تنظر إليه كرجل يدور مع القرآن, {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (الأنعام: من الآية50) {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ} (الأنعام: من الآية106) ألم يقل هكذا الله عنه؟ {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ}(الزخرف: من الآية43) أليست هذه آيات صريحة؟.
فُصِل رسول الله, قسَموه، وتصبح المسألة في الأخير مجموعة كتب حديث، تطْلع في الأخير أصحابها هم الحاكمون عليها، هم المقدَسون لدى الأمة، تصبح هي البديل عن النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)! ألم يحصل في هذه الكتب أحاديث نحن نقول وعلماؤنا يقولون: بأنه لا يمكن أن تصدر من رسول الله؟.
ما الذي حصل؟ أنها جُعلت بديلاً عنه، ولم يلحظ جانبه،لم يلحظ مسألة العلاقة به، ولم يلحظ جانب التعرف عليه هو (صلوات الله عليه وعلى آله)، لم يلحظ جانب أن تترسخ له عظمة في نفوسنا، وإجلال، واحترام، وتقدير, الأمر الذي سيصل بنا إلى أن ننزهه من مثل هذا الحديث، أو هذه العقيدة، أن تكون صدرت منه.
لكن إذا لم تكن لك علاقة قوية برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وقالوا: هذا الحديث هو منه، وهذا الرجل الذي دوّن هذه الأحاديث هو فلان، وهو كذا، وهو.. وهو.. وهو, أئمة السنة، إمام في السنة، أعلم الأمة بالسنة.
أنت تعمل بالحديث وإن كان فيما يترك في نفسك من اعتقاد، أو نظرة مما لا يمكن إطلاقاً أن ينسب إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ لأنك فُصِلت عن النبي، فُصِلت عنه فقدم لك بديلاً عنه، هذا البديل صنعه الآخرون، أمكن أن تنطلي عليك الخدعة، وتقول: خلاص: نحن متمسكون برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).أي متمسكون بكتب حديث معينة، أو بأشخاص معينين جعلناهم هم أعلاماً للسنة، فأصبحوا هم بدائل عن النبي (صلوات الله عليه وعلى آله).
هنا {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} يشعر بأنه لاشيء ينقذه من هذا الوضع السيئ إلا الله فيلتجئ إليه، وعندما تلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى ليس على أساس أن يقوم هو بالقضية بديلاً عنك، عندما تلتجئ الأمة إلى الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون على أساس أن يقوم هو بدلاً عنها، الحالة التي نحن نعبر عنها بالدعاء، ألسنا نستخدم الدعاء؟ [اللهم أهلكهم، اللهم دمرهم، اللهم عليك بهم، واتركنا مكاننا] أليست هكذا؟ هكذا واقع صريحاً، ويهتمون بالقضية فيقنتون في ظهر، وعصر، ومغرب، وعشاء، وفجر: [اللهم دمرهم، اللهم رد كيدهم في نحورهم، اللهم.. اللهم..].
هذا لا يمثل حالة الالتجاء الصحيح إلى الله، أنت إذا انطلقت هذا المنطلق فأنت في نفس الوقت تفترض لنفسك حالة هي لم تحصل لسيد المرسلين (صلوات الله عليه وعلى آله) لم تحصل لسيد المرسلين! هذه ثاني وحدة.
نحن تحدثنا سابقاً وقلنا: أن الإنسان يرسم لنفسه طريقة هي لم تتهيأ للنبي هو فنقرأ عن حياته، وما واجه من مصاعب، ومشاكل، وكأنه بَس ما كانه بصير مثلنا، ما كان ذكياً مثلنا يعرف كيف يرسم له طريقاً إلى الجنة سهلة، [مقربة] توصلك بسرعة إلى الجنة، أما الرسول فجاء من الطريق البعيدة إلى الجنة، جاء من الطريق التي يراه الكفار, التي عبر منها فاحتاج إلى جهاد وحركة.
نحن نعمل هذا, نلتجئ إلى الله لكن بطريقة غير صحيحة، بنظرة قاصرة، نحن نريد أن الله يقوم هو بالمسألة بدلاً عنا: [قم أنت يا الله انصر دينك أما نحن فنحن مشغولون. اللهم دمرهم، اللهم أهلكهم، اللهم دمر إسرائيل], ذاك [شارون] يظهر في التلفزيون وهو يزن حوالي 95 كيلو، [شارون] ما هو مثل الثور؟. كم تنصبُّ من دعوات؟. من جو قدو مثل الريشة، و إسرائيل قد انتهت.
هل أن الله لا يسمع دعاءنا؟ هو يسمع السر والنجوى، ويعلم السر والنجوى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} إذا دعاني أجيب لكن {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: من الآية186) استجابة إيمان من منطلق أن نسترشد بالله سبحانه وتعالى، هو يرشدنا كيف نعمل، ونحن سنعمل هنا سيستجيب إن استجبنا له، هو يريد أن نعمل، وقال في الجنة: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}(الزمر: من الآية74) في الآية التي قرأناها في دروس السابقة: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (الزمر: من الآية74).
{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} أنا دعوتهم إلى طريق معين، إلى هدي معين {فَلْيَسْتَجِيبُوا} هم وأنا سأستجيب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال: من الآية24) أليست هذه آية صريحة؟ هو دعا فلنستجب له، فمتى ما دعوناه ونحن قد استجبنا سيستجيب لنا، ما هذا هو المنطق الطبيعي الذي سيقوله أي واحد لشخص آخر؟ {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة: من الآية186) ومن رشادهم عندما يدعون استجيب لهم.
رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ألم تكن دعوته مستجابة؟ كان بالإمكان أن يجلس في زاوية مسجده، وهو أول ما عمل في المدينة – عندما وصل إلى المدينة – بنى المسجد، لكن ما بنى المسجد ليجلس في الزاوية، بنى المسجد كقاعدة عسكرية، قاعدة للجهاد، بنى المسجد ليؤاخي – داخل هذا المسجد – بين أصحابه، بين جموع المهاجرين والأنصار، بنى المسجد ليكون منطلقا ليوحد بين الأمة، بنى المسجد لينطلق منه لمقارعة الظلم والطغيان، أم أنه اهتم أن يجلس ويقول لعائشة تكون تخرج له فنجال قهوة، ويجلس في المسجد، ويدعو: [اللهم اهلك قريشا] فيمسحون من هناك, اللهم اهلك [هوازن] فيمسحون، اللهم اهلك [ثَقِيْفاً]، اللهم دمر الروم، اللهم دمر كسرى. ما هو سيد الأنبياء والمرسلين ودعوته مهمة؟. ولكن لا ليست هي الطريقة.
إذاً نحن كلنا بما فينا أولئك الذين يقولون وهم مهتمون بالقضية أن يقنتوا داخل الصلاة – الوهابيين وهؤلاء السنية – يقنتون في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر كلها دمر أمريكا، دمر روسيا، وهم شغََّالين في خدمة أمريكا وإسرائيل من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
فليستجيبوا لي أولا كما قال الله: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة: من الآية186) متى ما استجابوا استجابة صحيحة فالدعاء سيكون له أثره. ومعنى فليستجيبوا لي يعني أنه دعانا إلى شيء، والشيء الذي دعانا إليه ما هو؟. هل شيء نعمله له هو؟. لا، دعانا إلى أعمال، أعمال قلبية، أعمال في واقع الحياة، قِيَم نتحلى بها، قضايا نهتم بها، سلوك نسير عليها، سلوك معينة من الأخلاق الحسنة نتحلى بها، أعمال في واقع الحياة كثيرة جداً نؤديها، تتحقق الاستجابة.
أليست هذه من الحماقة أن يفترض الناس أو تفترض الأمة لنفسها حالة هي لم تحصل للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ أن نفترض لأنفسنا مقاماً هو لم يحصل للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ ألم يقل الله سبحانه وتعالى لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله): {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(النساء: من الآية84) ما معنى قاتل؟ ما هي كلمة صريحة؟ أصرح من كلمة [جاهد] التي تفسر في زماننا بأنه جهاد الكلمة، جهاد القلم، جهاد النفس، نصف أنفسنا بأننا مجاهدون لكن نريد بالقلم؛ لأنه أسهل.. ما هو أسهل؟.القلم يعتبر جهاداً إذا كان هو يصدر خطوطاً تؤدي إلى القتال فهو جهاد، أما إذا كان يصدر سطوراً تجمد الأمة، وتخدع الأمة فيعتبر ماذا؟ يعتبر منافيا للجهاد، يعتبر حربا على كل ما تعنيه كلمة [جهاد].
الكلمة نفسها إذا لم تأخذ بالبال أن تكون كلمة تحرك في مشاعر الأمة أن تصل بنفسها إلى درجة القتال لأعداء الله فهي كلمة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار، لا تترك أي أثر، ليس لها قيمة، إذا كانت الكلمة التي تصدر من فمي، ومن فمك، ومن أفواه الآخرين هي كلمة، هي دعاء لله.. ألم يأتِ في الأحاديث أن الدعاء هو مخ العبادة؟ الدعاء أليس من الكلمات الطيبة؟ إذا كانت هذه الكلمات الطبية لا تترك أثرها، ولا قيمة لها عند الله، إذا لم تنطلق من حناجر تهيئ نفسها للعمل، فكيف بالكلمات الأخرى سيكون لها اثر؟.
الدعاء أليس كلاماً طيباً؟ [اللهم دمر الكافرين، اللهم دمر أمريكا وإسرائيل] أليست هذه كلمات جميلة؟ دعاء لله، لكنها أيضا لا أثر لها عند الله، إذا لم تكن كلمات تنطلق من حناجر هي في ميدان المواجهة كما كان الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، كان يهيئ، ويلبس لامة حربه، ويدعو المسلمين إلى الإنفاق، وإلى الخروج في سبيل الله، ثم يدعو وهو في الطريق، ويدعو وهو في ميدان القتال، هنا الدعاء يقبل.
لكن أفواج من العلماء، أفواج من العباد في كل مساجد الدنيا: اللهم.. اللهم.. اللهم.. وفي يوم الجمعة، من فوق المنبر: [اللهم احفظ قادتنا، اللهم أيدهم بنصرك، وأصلح بهم الدين، وارزقهم البطانة الصالحة]، وأشياء من هذه. ما هذا تناقض في المواقف؟ تناقض.
عملاً نعمل ضد الله، ودعاء ومجرد كلام ننطلق به مع الله، كلام مجرد كلام مع الله، وعمل وخدمة مع أعداء الله. من يكون واقعه على هذا النحو يصبح واقعاً سيئاً. حتى علماء على هذا النحو، التعامل مع الله مجرد كلام، والتعامل مع أعداء الله عمل وبإخلاص.
إذاً فلماذا لم يعتصم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) بالله على هذا النحو الذي نزلت عليه الآية: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} فيقول: [والله هذا صدق اعملوا لي مكان في زوة المسجد ولا يدخل أحد عليّ إلا إذا جاء واحد معه سؤال، وأخرجوا لي زادي إلى هنا، وأنا بادعى من هنا من زاوة المسجد]؟!.
لا, كان هو (صلوات الله عليه وعلى آله) حتى لا يحاول أن يتعبد كل عبادته في المسجد بل هو في بيته؛ ليوحي للأمة أن المساجد لها أهميتها، لها قيمتها، لكن لا يجوز أن تتحول إلى دار عجزة، لا يجوز أن تتحول إلى [مَكَاسِل، مَكْسَلة]، لا يجوز أن تتحول إلى منابر تجمِّد المسلمين. فكان مسجده أشبه شيء بثكنة عسكرية، قاعدة عسكرية، كان منبره صوت يهز الكفر، يهز الطغيان، يهز الظلم، هكذا فهم هو الإعتصام بالله سبحانه وتعالى.
لكن نحن الأذكياء، وعلى طول وعرض الساحة الإسلامية.. لا.. نرجع إلى الدعاء، يخرج المطوع في السيارة الفخمة إلى المسجد الحرام، والجنود من يمينه وشماله ويدعو – أو في أي بلد من البلدان يكون هذا النمط تشاهده – ثم يعود في السيارة الفخمة إلى الشقة، والعمارة الفخمة المكيفة المجهز فيها كل وسائل الراحة، وانتهت المهمة، دعونا الله فلينطلق هو! كما قال بنو إسرائيل: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة: من الآية24) الله حكى هذا عن بني إسرائيل في مقام السخرية من أمة يصدر منها كلام مثل هذا {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا}(المائدة: من الآية24) فليخرجوا هم ونحن سندخل، نحن مستعدون أن ندخل {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة:24)
{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} اعتصام حقيقي، أي يهتدي بهديه، يرجع إليه، يثق به ليرشده كيف يعمل، يرشده كيف يعمل، وليس كيف يقوم بدلا عنه، ومتى ما انطلقت على ما أرشدك إليه كيف تعمل هو سيقف معك.
ما هو الإعتصام بالله؟ [العمل بكتاب الله، وسنة رسوله! لو أن المسلمين مشوا على كتاب الله، وسنة رسول الله لكان كذا وكذا] لكن ما حال بينهم وبين أن يعملوا بكتاب الله، وسنة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو أنهم فصلوا أنفسهم عن الله، وعن رسوله, فصلوا أنفسهم عن الله, عن الثقة به، عن العلاقة به، وعن رسوله على هذا النحو أيضاً.
فيجب أن تترسخ في أذهاننا هذه القضية، وعندما نرجع إلى القرآن الكريم نجد بأنها من أهم ما دار حوله القرآن الكريم هو شد الناس إلى الله، وشدك أنت إلى الله، فلم يقدم كتابه بديلاً عنه، ولم يجعل رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) بديلاً عنه، بل رسول الله أليس هو – وقد هو رسول الله بنفسه – كان يهتدي بالله، يلتجئ إلى الله، يرجع إلى الله، ويهتدي بهدي الله؟. فلم يكن رسول الله بدلاً عن الله، ولا رقم ثاني ننظر إليه منفصلاً عن كتاب الله، وعن الله.
فمن يعتصم بالله على هذا النحو فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم، تلاحظ أن المسألة هي أنك تعتصم بالله يهديك أنت إلى شيء؛ ولهذا قال: {فقد هُدِيَ}، أي أن اعتصامي بالله هو على النحو الذي أريد منه أن يهديني إلى كيف أعمل.
الإنسان الذي لا يتحرك، الذي لا يعمل هل يحتاج إلى هداية؟ أنت لا تحتاج إلى أن تسير إلى القرية الفلانية هل أنت في هذه الحالة تحتاج إلى من يهديك إليها؟ لا, أنت عندما تتحرك، وتريد أن تسافر إلى بلد معين، وأنت في الطريق تحتاج إلى من يهديك، وتبحث عمن يهديك. فقوله: {فقد هُدِيَ} فعلاً يفيد بأنه قد اهتدى وعبارة {هدي} أي أن هذا طرف اعتصم بالله من منطلق أنه ينطلق في ميدان العمل، فهو يحتاج إلى أن يهديه الله إلى كيف يعمل عملاً، كيف يتحرك.
{فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(آل عمران: من الآية101) طريق واضحة، طريق تؤدي إلى النجاة، تؤدي إلى الفوز، تؤدي إلى الغلبة، تؤدي إلى العزة، تؤدي إلى الرفعة والمكانة، تؤدي إلى الفلاح، {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قَيِّم ليس فيه عوج، ما فيه [مطبّات] قد تقفز من فوقه يحطم نفسك فيوقعك في الضلال.
طريق لا تضل وأنت تسير عليه، طريق لا تخزى وأنت تسير عليه، طريق لا تُقهر ولا تذل وأنت تسير عليه، وهو في نفس الوقت مستقيم، قَيِّم، ذو قيمة، يجعلك أنت تستغني عن أي طرق أخرى متى ما سرت عليه، لا تحتاج إلى الالتجاء إلى أي طرف آخر متى ما سرت عليه، يستطيع أن يقف بك على قدميك، يستطيع أن يقف بالأمة السائرة عليه على قدميها، مستغنية عن أي قوى أخرى، مستغنية عن أي طرق أخرى، مستغنية عن أي خبرات لتهديها نحو الطرق التي توصلها إلى الفلاح والفوز والنجاة.
عندما كانت البلاد العربية مستعمرة من قِبَل البريطانيين، والفرنسيين، والإيطاليين، وغيرهم كيف كان يحصل؟ كان معظم ما يحصل – عندما كانت النظرة كلها منعدمة نحو الثقة بالله سبحانه وتعالى، الثقة بالله منعدمة في نفوس المسلمين – كان من يريد أن يتحرر من هذا البلد يلجأ إلى هذا، يتحرر من بريطانيا يلجأ إلى روسيا، يتحرر من روسيا يلجأ إلى بريطانيا، يتحرر من إيطاليا يلجأ إلى فرنسا، من فرنسا يلجأ إلى إيطاليا وهكذا. ما هي النتيجة في الأخير؟ ما هي سواء؟ تخرج من تحت بريطانيا تدخل تحت روسيا، كله واحد.
الله سبحانه وتعالى أراد أن يعلمنا بأن دينه يستطيع أن يجعلنا أمة مستقلة، تقف على قدميها، عزيزة، رافعة رأسها، تقهر الأمم الأخرى، ما الذي يحصل الآن؟ أليس كل العرب يتجهون إلى أمريكا لتفكهم من إسرائيل؟ ولو أن أمريكا هي المحتلة وإسرائيل هناك للجئوا إلى إسرائيل تفكهم عن أمريكا! يلجئون إلى أمريكا وروسيا راعيتا السلام أن تفك فيهم من إسرائيل.
النظرة القاصرة التي أراد الله أن يمسحها من أذهان العرب – لو تربوا على دينه، لو تربوا على نهج نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله), لو عرفوا سيرته وهو في جهاده من بدر إلى آخر غزوة لم يلجأ إلى طرف آخر، لم يلجأ إلى الفرس، أو يلجأ إلى الروم، وهما القوتان التي كانت تمثل القوى العظمى في العالم في ذلك العصر لم يلجأ إلى الفرس ليساعدوه ضد الروم، ولا إلى الروم ليساعدوه ضد الفرس، ولا إلى الفرس ليساعدوه على قريش، ولا إلى الروم ليساعدوه على قريش، ربى الأمة تربية توحي لها بأن في استطاعتها أن تقف على قدميها وتقارع الأمم الأخرى.
وكان أبرز مثال على هذا ما عمله هو في ترتيبات [غزوة تبوك]؛ لأنه كان رجلاً قرآنياً (صلوات الله عليه وعلى آله) يتحرك بحركة القرآن، ويعرف ماذا يريد القرآن أن يصل بالأمة إليه في مناهجه التربوية وهو يربي نفوسهم كيف تكون كبيرة، كيف تكون معتزة بما بين يديها من هذا الدين العظيم فلا تحتاج إلى أي قوى أخرى.
حتى نحن على مستوانا في أعمالنا لدينا مثلاً مراكز صيفية، نقول: [لننظر إلى المؤتمر إذا كان سيساعدنا، أو ننظر إلى ذلك الطرف إذا كان سيعيننا أو ننظر إلى هذا أو ذاك] تصبح حالة سائدة لدينا حتى كمواطنين من عند الكبار كمسئولين وحكام، ثم إلى عند المواطنين حتى إلى عند الدعاة في سبيل الله، الذين هم دعاة في سبيل الله يجب أن يفهموا أولاً ما يدعوهم إليه الله، في كيف يكونون معتمدين على أنفسهم حتى لا يقعوا في أحضان هذا الطرف أو أحضان هذا الطرف فتصبح في الأخير تخدم هذا أو تخدم هذا، ولم تخدم دينك بشيء، الأمر الذي يؤدي بالأمة إلى أن تضحي بدينها.
وهكذا تأتي آيات كثيرة تتحدث عن صراط الله بأنه صراط مستقيم بما تعنيه الكلمة من أنه قيِّم، وفيما تعنيه الكلمة من أنه يستطيع أن يجعل السائرين عليه قادرين أن يستقلوا بأنفسهم، وأن يقفوا على أقدامهم فلا يعتمدوا على هذا ولا على هذا, دينا قَيِّماً {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً}.
نعود إلى أصل الموضوع ولأن الآيات من أولها {يَا أيُّها الَّذِيْنَ آمَنُوْا…} بل الآيات التي تسبقها في أهل الكتاب توحي بأن القضية بالغة الخطورة وأن القضية هامة جداً جداً عند الله سبحانه وتعالى فيقول للناس ويذكرهم بإيمانهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102)
القضية مهمة جداً يجب أن تخافوا من الله من أن يحصل من جانبكم تقصير فيها، أن يحصل من جانبكم أي إهمال، أي تقصير، أي تفريط, القضية مهمة جداً جداً، هو يقول لنا هكذا، يذكرنا بأن نتقيه فالقضية لديه مهمة، وبالغة الخطورة، وبقدر ما تكون هامة لديه، وبالغة الخطورة أي أنه سيكون عقابه شديداً جداً على من فرط وقصر فيها، فيجب أن نتقيه أبلغ درجات التقوى {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} أقصى ما يمكن فالقضية خطيرة جداً، وهامة جداً لديه، ولن يسمح لمن يقصر، لن يسمح لمن يفرط، لن يسمح لمن يهمل.
وهكذا تأتي عبارات: {اتَّقُوا اللَّهَ} في القرآن الكريم في مقامات كثيرة، في مقدمة كل قضية هامة ليوحي للناس بأن المسألة هامة لديه، فلينطلقوا من منطلق الحذر من الله من أن يقصروا في هذه القضية سيضربهم هو، سيكون عقابه شديداً عليهم، سيكون غضبه شديداً عليهم كما في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}(الأنفال: من الآية1).
وهكذا تأتي في القرآن الكريم مكررة في معظم المقامات المهمة؛ لينطلق الناس من منطلق أن هذه قضية مهمة لدى الله سبحانه وتعالى، وهي في واقعها بالغة الخطورة فأي تقصير من جانبنا نحوها سيجعلنا عُرضة لسخط الله ونعوذ بالله من سخطه.
فقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} أنتم في مواجهة مع طرف يمكن أن يصل بكم إلى أن تكونوا كافرين، أنا لا أريد أن تكونوا كافرين، أن تكونوا كافرين يعني أن تصبحوا من أهل جهنم، أن تتحولوا إلى أطراف، تهملوا فتصبحوا فعلاً في واقعكم كافرين، أي أن تضيِّعوا الرسالة التي حُمِّلْتُمُوها من جانب الله سبحانه وتعالى. أليس هذا الذي حصل بالنسبة للعرب؟ العرب ألم يُذِلِّوا الإسلام بذلتهم؟ ألم يقهروا الإسلام بقهرهم؟ ألم يضيِّعوا كتاب الله بضياعهم؟ لأنهم فرطوا في الرسالة، فرطوا في الرسالة، إذاً فكانت القضية فعلاً بالغة الخطورة.
وتقوى الله سبحانه وتعالى معناها الحذر منه، تكون دائماً تعيش حالة الحذر من جانبه فيما إذا حصل منك تقصير فيما يوجهك إليه، وفيما يرشدك إليه، وفيما يأمرك به وينهاك عنه، ليست سواء, القضايا ليست سواء أن تشرب [كوب] شاهي على واحد آخر ما هذا حرام؟ لكن لا يقال لك في هذا المقام: اتق الله حق تقاته, حرام واتق الله لا تأخذ هذا.
لكن مقامات مهمة جداً، مقامات مهمة جداً أي تفريط من جانبك فيها هي قضايا عند الله بالغة الخطورة يعلم سوء آثارها على دينه، وعلى عباده وأنت وهذا وذاك أنتم يا هؤلاء هذه الأمة بكلها هي المعنية بأن تكون هي الطرف الذي يَدْرَأ هذا الخطر، ويدفع هذا الفساد، ويعلي هذه الكلمة.. أليس هذا هو الطرف المسئول؟.
إذاً فانطلقوا من منطلق الحذر؛ لأن مسئوليتكم كبيرة، وأن القضية خطيرة يجب أن تتقوا الله أبلغ درجات التقوى، أي أن تخافوه وتحذروه هو لن يسمح إطلاقاً.
وهذا فعلا شواهده قائمة، شواهده قائمة أنه غضب غضباً شديداً على الأمة أن جعلها تحت أقدام من قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة، وجعلها أمة تائهة، تمتلك الأموال الكثيرة، تمتلك الخيرات الكثيرة ومع ذلك لا تزال أمة جاهلة، ما تزال تبعث منح دراسية إلى الخارج، منح دراسية، منح دراسية، وخبراء جايين من هناك وناس رايحين يدرسوا هناك، الخبراء بيروحوا ولم ينفعوا بشيء، والطلاب يعودون إلى هنا ولا يعملون شيئاً بل يعودون حرباً لأمتهم الكثير منهم, حالة من الضياع، حالة توحي بأن الأمة تواجه ضربة قاضية من الله سبحانه وتعالى، غضبة شديدة من جانبه.
لأن الله سبحانه وتعالى هو رحمن، هو رحيم يهمه أمرنا، لا يريد أن نُظْلم، لا يريد أن نكون كافرين فنستحق جهنم، هو عندما وعد بجهنم للمجرمين لم يقل: تلك جهنم فأي مجرم، أو واحد يريد أن يضل فمصيره جهنم، لا يهمه أمره, هو يهدي الناس، ويرشدهم إلى كيف يبعدهم عن مقتضى سخطه، وعقابه، كيف يبعدهم عن طريق جهنم، عن الوقوع في جهنم، هو رحيم بالناس، هو رحيم بعباده.
دينه هذا الذي هو لا يساوي عند الكثير منا [الدخان الذي نعمره يومياً]، لا يساوي الاهتمام به الاهتمام بالدخان الذي يتحول من نقود إلى دخان في الهواء. أمره عظيم عند الله، هو يعلم أنه نعمة عظيمة لعباده، يعلم أنه متى ما ضاع في وسطهم سيضيعون هم، ويهلكون هم، متى ما ضاعوا هم، متى ما هلكوا سيضيعون هداه لعباده, للبشر كلهم.
كم صعدت أصوات تقول: [يجب أن نلحق بركاب الغرب] من قبل مائة سنة بدأت من مصر، ومن بلدان أخرى [يجب أن نتثقف بثقافة الغرب، يجب أن نلحق بركاب الغرب، يجب أن نعمل على كيف نتطور مع الغرب].طيب نساء العرب [تخلْوَسِنْ] وأصبحن يقلدن الغرب تماماً هل تطوروا؟ هل وصلوا إلى ما وصل إليه الغربيون؟. لا، لا؛ لأنهم يتصورون أن المسألة هي أن بإمكاننا أن نصل إلى ما وصل إليه الآخرون، ونحن العرب، نحن العرب من لدينا مسئولية مهمة كان بالإمكان أن تجعلنا – لو نهضنا بها – فوق أولئك الآخرين ويكونون هم من يفكرون في اللحاق بركابنا، فالمسألة لا تتأتى، لن تحصل.
فمازال المصريون الذين انفتحوا على دول الغرب قبل أن ينفتح الصين عليها، وبعثوا بطلاب إلى الغرب قبل أن يبعث الصينيون بطلاب إليها، أصبحت الصين دولة عظمى صناعية، والمصريون مازالوا شغالين في التمثيل قطاع التمثيل مجبر مازالوا يبعثون بطلاب إلى الغرب، طلاب على طول، منح دراسية يرجع قد هو فرنسيا بتفكيره يكون حربا لأمته، لدرجة أن من يرسلوا ويعودوا يتحولون إلى ساخرين من أمتهم.
أي أن الوضعية التي يعيش فيها العرب هي وضعية سخط، الوضعية التي يعيش فيها المسلمون وضعية سخط من الله لماذا؟ لأنهم أضاعوا دينه الذي فيه ذكرهم، وفيه شرفهم، وفيه عزتهم فلا يمكن أن يتحقق لهم شيء إلا بعد أن يعودوا هم، ومتى ما عادوا سيصبحون هم سادة الدنيا، سيصبحون هم من يفكر الآخرون باللحاق بهم، بالاهتداء بهم، بالتقليد لهم، بالتـثقف بثقافتهم، بالتحلي بأخلاقهم، فيعم الهدى الدنيا كلها.
{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} لاحظ {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} لو نأتي إلى النظر إلى الآية من منظار آخر أن يأمرك بأن تكون على أعلى درجات التقوى، ثم يقول لك: انتبه لا تموت وأنت كافر.. ما هذه حالة من التباين في التعبير تقريباً؟ عند من يفهم اللغة العربية حالة من التباين في التعبير، ولهذا يأتي بعض المفسرين فيقولون: معناها ولا تموتن إلا وأنتم مستسلمون لله، خالصون لله! من أجل أن يجعلوا كلمة: {مُسْلِمُونَ} تنسجم مع كلمة {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}.
المسألة هي على وضوحها، أنتم في مواجهة فريق من أهل الكتاب، بل أنتم الآن في مواجهة أمم من أهل الكتاب تعمل على أن تردكم بعد إيمانكم كافرين, أليس هذا شيء؟ هناك طرف يعمل على أن يصل بنا إلى درجة الكفر، إلى أن نكفر، وطرف خطير سيعرف كيف يصل بنا إلى أن نكفر ونحن نشكره على ما عمل معنا، إلى كيف نكفر ونحن نتلهف على أن نلحق بركابه، كيف نكفر ونحن نثقف أنفسنا بثقافته ونعتبرها هي التحضر والتقدم والتطور، وتعني هي العقل، والسمو الروحي والبشري، والارتقاء الإنساني.. ما هذا الذي يحصل الآن في بلاد المسلمين؟ نكفر طواعية ولهذا قال: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (آل عمران:100).
إذاً فمعناه أنه فعلاً سيحصل هذا، كفر صريح. ألم يجعل الله تولي اليهود والنصارى كفراً في قوله: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}(المائدة: من الآية51)؟. أليس اليهود والنصارى عند الله كافرين؟. أو فقط أنهم لم يتقوا الله حق تقاته؟. بل كافرين.
فمعنى هذا أنتم في مواجهة قضية خطيرة جداً عليكم هي بالغة الخطورة عند الله، وبالغة الأهمية عند الله، يجب أن تتقوا الله أولاً حق تقاته هو تحذروه أقصى درجات الحذر من أن تقصروا فيها.. لماذا؟. القضية خطيرة، ثم لتفهموا بأن تحرصوا وتنتبهوا، قد تموتوا غير مسلمين هذا الإسلام العادي، ليس فقط غير مستسلمين الذي هو أعمق درجات الإسلام، وأرقى درجات الإيمان، التسليم المطلق لله سبحانه وتعالى.
تصبحوا غير مسلمين بهذا المعنى الذي يكتب في جوازاتكم، أو يتردد على ألسنكم تصبح كافرا بمعنى الكلمة؛ ولهذا قال: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: من الآية102) أي تنبهوا أنتم في مواجهة قضية خطيرة قد يموت الواحد منكم وهو كافر، فكونوا متيقظين، حريصين على أن تنتبهوا لأنفسكم حتى لا يحصل الموت إلا وأنت مسلم، أي لا يحصل الموت وأنت كافر، لا يأتيك الموت وأنت كافر, أي أن هناك من سيأتي ليطبعك بالكفر فتعيش كافراً وتموت كافراً، والأمة معرضة إلى هذه الحالة، وما أكثر – ربما في علم الله – من يكون قد وقع في هذه الحالة، في حالة الكفر.
وما هو الكفر؟. هل متى ما أصبح الإنسان كافراً فستخرج له قرون في رأسه يعرف بأنه كافر؟ أو يصبح – مثلاً – لونه متغير إلى لون أزرق فعرفنا بأنه كافر؟ الكفر والإيمان هو في النفوس، في القلوب، في الأعمال, تتحول كافراً وأنت أنت ما ترى بأنك تغيرت شيئاً، أنت فلان بن فلان صاحب ذلك البيت، وصاحب تلك الأموال، والذي يسوق ذلك السوق، والذي يدخل المسجد يصلي، لكن تصبح كافرا فعلا.
ولهذا تأتي العبارة: {وَلا تَمُوتُنَّ} {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: من الآية102) أي أن القضية بالغة الخطورة على طرف معين بالذات أكثر من غيره، هو من يمسح من ذهنيته روح الجهاد فليس مستعداً أن يقاتل أهل الكتاب، ليس مستعداً أن يقاتل أعداء الله، هو يريد أن يجلس على حاله لا يمسه شيء؛ لكي يموت على فراشه، أي هو يريد أن يموت.
لكنه يقول لك: أنت بهذه الروحية تواجه خطورة بالغة يحتمل أن تموت كافراً, لكن وأنت تنطلق في ميدان القتال لأعداء الله أنت أبعد ما يكون عن الخطورة؛ ولهذا لم يقل: [ولا تُقتلوا إلا وانتم مسلمون] هل جاءت عبارة [ولا تقتلوا؟.] القتل غير الموت؛ ليقول لأولئك الذين يرسمون لأنفسهم طريقا يتهربون به عن ميدان المواجهة مع أعداء الله، مع هذا الفريق الذي يسعى إلى أن يراك تموت فوق فراشك وأنت كافر، من يتهرب عن ميدان المواجهة هو هو من يتعرض لخطورة الموت كافراً وبسهولة.
وأنتم عندما تتأملون فعلاً كيف ستنطلق أصوات من حناجر مسلمة، بعضهم هو الذي يؤذن للصلاة، أو هو الذي يصلي بالناس، أو هو الذي يظهر أمام الناس بمظهر أنه متدين قد يصدر من حنجرته كلاماً يهيئ الناس إلى أن يكونوا كافرين، قد يكون هو من حيث لا يشعر كافراً؛ ولهذا جاءت الآية تحذر من قضية بالغة الخطورة أنه أنت انتبه لنفسك قد يأتيك الموت وأنت غير مسلم.
هذا هو مسار الآيات، مسار الآيات حول قوله: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران: من الآية100) {لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: من الآية102) ما معنى هذا؟ قضية مترابطة، انتبهوا هم ناس يسعون بكل جد واجتهاد، ولديهم خبث شديد، وإمكانيات هائلة ليردوكم كافرين، انتبهوا لا تموتوا إلا وأنتم مسلمون، لا يأتيكم الموت إلا وأنتم مسلمون، متى ما حصل لديك هذا الشعور فأنت ستنطلق إلى ميدان المواجهة، ستنطلق إلى ميدان القتال فإما أن تقتل وأنت مؤمن، وإما أن تموت فيما بعد وأنت مؤمن.
أنت تعرف عدوك وماذا يعمل، أنت تعرف عدوك ماذا يريد منك، يريد أن يلغي روح الجهاد من داخلك، يريد أن يمسح روح الجهاد من أوساط أمتك، وهذا الذي حصل بالنسبة لليهود، ألم تحصل من جانبهم أن ألغيت كلمة [الجهاد] في مواثيق [منظمة المؤتمر الإسلامي]؟ أي مجموعة الدول الإسلامية التي وصلت إلى قرار عدم التحدث عن الجهاد واستخدام كلمة [جهاد]، قالوا: نظهر مسالمين للغرب، ونكشف أنفسنا أمة يمكن أن تعيش مع الأمم الأخرى في سلم، واحترام متبادل!.
أُلْغِيت كلمة [الجهاد]، فحل محلها [مناضل، مقاوم، حركة مقاومة، مناضلين، انتفاضة]، ومن هذا النوع، ألم تغب كلمة[الجهاد] من أوساط المسلمين؟ على يد من غابت؟ على يد اليهود هم الذين يفهمون كيف تترك المصطلحات القرآنية أثرها في النفوس فيعملون على إلغائها، يعملون على نسفها من التداول في أوساط المسلمين.
ثم تتطور المسألة لديهم أن يصبح المجاهد إرهابياً، أن يصبح إرهابياً ثم يكون جهة تقلق حتى المسلمين أي ينظر إليه نظرة قلق، وأنه شاذ في هذه الأمة، حالة شذوذ قد حصلت لديه، فهو إرهابي يجب أن يزال، يجب أن يُسلم لأمريكا! هكذا تلغى كلمة [جهاد]، ثم يريدون أن تنسف روح الجهاد، ثم ليغيب المجاهدون عن المجتمع تحت عنوان أنه إرهابي فمتى ما قالوا: هذا إرهابي خذوه، ما هذا يعني نسف للجهاد والمجاهدين؟ للجهاد من داخل ثقافة الأمة وفكرها، وللمجاهدين من وسط الأمة وصفوفها.
حالة رهيبة جداً، حالة خطيرة جداً, فلنفهم بأن التقصير فيها ليس عاديا، التقصير في النظر إليها، التقصير في الاهتمام بها، ولا يتصور أحد بأنه ليس في استطاعته أن يكون فاعلاً في ميدان مواجهة هذا الفريق من أهل الكتاب وأوليائهم، كل مسلم يستطيع أن يعمل، وكل مسلم يكون لعمله أثر.
الحالة التي تأتي تترسخ عند الناس أنه [ماذا سنفعل بهم؟ ما هو جُهدنا أمام قوتهم؟] ألسنا نقول هكذا؟ الله يعلم أن كتابه هذا سيسير في أمة وسيلاقي صفوف من هذا النوع، لكنه يعلم بأن باستطاعة عباده المؤمنين أن يعملوا الشيء الكثير الذي يؤهلهم إلى درجة أن يقهروا أعداءه، ألم يضرب شواهد في واقع الحياة؟ ألم تكن إيران كمثل للدول الإسلامية؟ ألم يكن حزب الله كمثل لكل الطوائف، ولكل المجتمعات؟.
حزب ألم يقهر أمريكا وإسرائيل؟ أخرج أمريكا من لبنان، ضرب بارجاتها وجعلها تنسحب ذليلة ببارجاتها التي كانت تضرب بقذائف كبيرة جداً, أخرجهم من لبنان، ثم أخرج إسرائيل من لبنان، ويضربهم بمختلف الأسلحة التي يمتلكها، فقهر أمريكا وإسرائيل، حزب واحد.
اليهود يعرفون بأنك أنت الذي تفكر بأنك لا تستطيع أن تعمل شيئاً ضدهم أنه متى ما أفسدوا أسرتك، أولادك الصغار. أليس أولادك الصغار من أضعف من تتصور بأنه ممكن أن يعملوا شيئاً ضد إسرائيل؟ أليس هذا مما يتبادر إلى أذهاننا؟ لكن هم يعرفون بأن إفسادهم شيء مهم بالنسبة لهم، وبالنسبة للحفاظ على مصالحهم، وإلى الاستمرار في عملهم في تحويل الأمة إلى أمة كافرة، هم عندما يحرصون على إفساد أسرتك.. أليس ذلك يعني أنهم يعرفون أن إفساد أسرتك هو في صالحهم، أليس كذلك؟.
وهم عندما يعملون على أن تنزل [الدشات] هذه بأسعار رخيصة من أجل كل أسرة يمكن أن تأخذ لها [دُش] فتفسد المرأة: زوجتك، وبناتك، وأخواتك، وأولادك، وكل أقاربك. هم ساهموا معك في قيمة [الدش] حقك فعلا ساهموا بما تعنيه الكلمة. الدش قيمته حقيقة قد تكون مائة ألف مثلا تأخذونه بعشرين ألف, من الذي دفع الباقي؟ الصهيونية هي التي دفعت الباقي نقدا فعلا إلى الشركات المصنعة.
الدش الذي فوق سطح منزلي أو منزلك اشتريته أنا ومن؟ أنا وإسرائيل حقيقة بما تعنيه الكلمة، شراه لي الإسرائيليون، ودفعوا مبلغا أكثر مما دفعت؛ لأنهم يفهمون أن هذه الأسرة متى ما فسدت سيصبح فسادها في صالحهم. لأن المسألة وصلت إلى صراع صراع شامل وليس صراعا في جانب واحد، صراع إعلامي، فكري، ثقافي، سياسي.
أم أنهم يرتاحون جداً لنا، ويريدون أن نعيش حياة مرفهة، ونرتاح جداً فنتفرج على العالم من خلال ما تبثه القنوات الفضائية في مختلف بلدان الدنيا، يريدون أن يقدموا لنا خدمة؟! ما عندنا مثل معروف يقول: [ما قد نصح يهودي مسلم]؟.
هذا قد حصل لآبائنا وأجدادنا، قد جربوا العيش مع اليهود، وعرفوا اليهود، وأنه [ما قد نصح يهودي مسلم]، فاليهودي هو الذي دفع ثلاثة أرباع قيمة الدش الذي فوق منزلك، لأنه عارف أن ابنك عندما يفسد، وابن هذا عندما يفسد، وابن هذا عندما يفسد أن المجتمع مكون من لبنات هي الأسر ومتى ما فسدت هذه الأسرة وهذه، وهذه، وهذه… يعني فسد المجتمع، ومتى ما فسد المجتمع أصبح لا يشكل أي خطورة عليهم، وأصبح ميدانا يمشي عليه كل ما يريد أن يعمموه عليه.
هذا جانب مما تعنيه آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}(آل عمران: من الآية102) وهي من منظار آخر بعد أن قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) يقدم هو الهداية فهكذا كونوا, هكذا كونوا.
تلحظ في الموضوع جانب المبادرة من قبل الله سبحانه وتعالى أنه لا يتركك حتى تقول: ها نحن اعتصمنا بك، ثم يبحث للهدى إذا عاد معه باقي هدى في [المخزان] هذا أو ذك ثم يقول: خذ هذا, لا.. يهديك، يهديك من قبل أن تفكر في الإعتصام به، وقد قدم الهدى إلى بين يديك ليقول للناس، ليقول للأمة، ليقول لكل من يهمهم أمر الدين وإن كان مجتمعاً صغيراً: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} تحلوا بالتقوى، كونوا متقين لله فيما تعنيه كلمة التقوى من مشاعر الحذر من التقصير فيما أمرنا الله أن نهتم به، فيما يأمرنا الله أن نعمل من أجله. التقوى فيما تعنيه الابتعاد عما يوقعنا في سخطه وعقابه.
ويأتي القرآن الكريم يتحدث عن المتقين، وما وعد الله به المتقين من النعيم العظيم، من الرضوان، ومن المكانة لديه، من القرب لديه، ومن النعيم العظيم الجنة {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ} (المرسلات:41) {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً وَكَأْساً دِهَاقاً لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً} (النبأ:30-36). {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:133) {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} (القمر:54-55) كم ورد من آيات في القرآن الكريم تبين ما وعد الله به المتقين.
وفي ميدان المواجهة مع أعدائه يأمر المؤمنين بالصبر والتقوى {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا}(آل عمران: من الآية125) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}(آل عمران: من الآية200) التقوى لابد منها، التقوى كحالة نفسية تسيطر على مشاعرنا, الحذر الشديد من أن نقصر، أو نهمل، أو نبتعد عن ما أرشدنا الله سبحانه وتعالى إليه، التقوى فيما تعنيه من انطلاقة في التحلي بالفضائل، من انطلاقة في كل العبادات التي شرعها الله سبحانه وتعالى لنا نؤديها كاملة بشكل واعٍ، نفهم مقاصد الله سبحانه وتعالى، ومقاصد كتابه في تشريعها.
إذا فقد الناس التقوى في نفوسهم في أعمالهم فلن يكونوا أبداً جديرين بنصر الله سبحانه وتعالى، وسيكون أول من يواجههم هو الله، سيكون أول من يضربهم هو الله، متى ما قصروا، متى ما أهملوا، متى ما ضيعوا.
فهنا بدأ يرشد المسلمين، يرشد المؤمنين كيفما كانوا, الأمة بكاملها، أو مجتمعاً خاصاً – وهو الذي يهمنا – إذ يهمنا نحن الآن نتحدث مع الزيدية بخصوصها, لماذا؟ لأنه فيما أعتقد أن بقية طوائف الأمة ميئوس منها فيما هي عليه الآن، وأن الطائفة التي لم تعمل حتى أبسط ما يمكن أن تعمله ولو أن تعمل مثل ما عملته طوائف أخرى ممن فشلت أيضاً هي طائفة الزيدية الذين يجب أن يكونوا هم من يتقوا الله حق تقاته، ويجب هم أن يكونوا أول من يهتدي بكتابه.
ألم يقل الله لأهل الكتاب: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}(البقرة: من الآية41) هذه العبارة تعني لا يليق بكم وأنتم أهل كتاب تعرفون الرسالات، تعرفون الكتب أن تكونوا أول من يكفر بهذا الكتاب بالقرآن الذي أنزلته، وبهذا النبي الذي تعرفون أنه نبي كما تعرفون أبناءكم، عبارة {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ} أي لا ينبغي لمثلكم أن يكون أول من يكفر وهو على ما هو عليه من المعرفة، وبين يديه ما يؤكد أن هذا الذي جاء من جديد ليس بِدْعاً من الرسل، وليس بِدعاً من الكتب.
فالزيدية هم الطائفة الذين يجب أن يكونوا أول من يحمل الاهتمام بأمر الإسلام، الاهتمام بأمر المسلمين، الاهتمام بالعمل لإعلاء كلمة الله، ونحن في وضعيتنا التي نحن عليها ممن يجب أن نكون أكثر انتباها, أن لا يأتينا الموت ونحن غير مسلمين، أو – كما قلت سابقاً – نتصور بأنه ليس هناك شيء يصل إلينا؟ هناك ما يصل إلينا, كل ما يعمله اليهود والنصارى، كل آثاره تصل إلينا.
ثم تواصل الآيات الكريمة في إرشاد الناس إلى ما يكونون مؤهلين به لمستوى مواجهة أعدائه، إلى ما يكونون مؤهلين به إلى أن يحافظوا على أنفسهم من أن يتحولوا إلى كافرين {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران:103) تأتي الكلمة: {وَاعْتَصِمُوا}الإعتصام معناه الالتجاء للامتناع بمن التجئ إليه من خطورة بالغة تهددني.
نعتصم بالله متى ما اعتصمنا به فهو سيهدينا، وهاهو يهدينا في آياته المباركة، فيوجهنا إلى أن نعتصم بحبله، بهذا التوجيه الذي يوحي بأن الأمة وهي في ميدان المواجهة إذا لم تكن يقظة ستصبح في مستنقع، ستصبح في هوّة من الضلال، هي فيها أحوج ما تكون إلى شيء تتشبث به فيقول لنا: هذا حبلي تمسكوا به، اعتصموا به لتنجو من هذا الضلال، تنجو من هذه الذلة، تنجو من هذا الخزي، تنجو من أن تتحولوا إلى كافرين.
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} هو يمثل لنا دينه، يمثل لنا هداه أنه بمثابة الحبل المدلّى من عنده نستمسك به ليرفعنا من مستنقع الضلال، والضياع، والكفر، والذلة، والهزيمة، والجهالة، والحالة السيئة التي تعيشها هذه الأمة.
أليس هذا من أبلغ العبارات التي توحي بعظم رحمته لنا، التي تدل على أن الله سبحانه وتعالى لا يريد لنا أن نُظلم، لا يريد لنا أن نضل، لا يريد لنا أن نضيع لا في الدنيا ولا في الآخرة، فاعتصموا بحبل الله، ولتكن اعتصامتكم بحبل الله اعتصامة جماعية، لابد من أن تتوحدوا، لابد من أن تجتمع كلمتكم، تجتمع كلمتكم على أساس من هدى الله، وفي مجال الإعتصام بحبله الواحد.
لاحظوا أنه لم يأت ليقول: [واعتصموا بحبال الله] ويدلّي حبلاً إلى مصر، وحبلاً إلى اليمن، وحبلاً إلى تونس، وحبلاً إلى الجزيرة، مثل ما يأتي عندما تغرق سفينة في البحر تأتي طائرات الهيلوكبتر وكل طائرة تدلي حبلاً، أو تدلي عدة حبال، أو سلالم من الحبال لتنقذ من يتعرض للغرق في البحر.
الله له طريق واحد، هو الواحد الطريق إليه واحدة، السبيل إليه واحد، الحبل الذي إذا استمسكت به الأمة سيرفعها من هوّة الضلال، وهوة الذلة والمسكنة، يرفعها من حالة التعرض إلى أن تكون كافرة تستوجب غضبه وناره هو حبل واحد.
عندما يقول: {بِحَبْلِ اللَّهِ} تصور كيف سيكون حبل الله، حبل لا يتسع لأيدينا، لأيدي الأمة أن تستمسك به؟ سيتسع، أو حبل دقيق عندما يتمسك فيه قليل من الناس سينقطع, لا, هو يوحي لنا بأنه حبل، وحبل متين، حبل هو يتسع للأيدي كلها أن تمسك به، ومتى استمسكت به فهو حبل لا يمكن أن ينقطع بها فتعود إلى الهوة من جديد، سيرفعها نحو كمال الله، سيرفعها إلى الله ورفعتها إلى الله هو أن ترتفع فتحظى بنفحة من كماله، من عزته، من علمه، من جبروته، من قدرته، من حكمته.
هو حبل وحيد في واقع الأمة، لم يقل: [ابحثوا عن أي حبل تستمسكون به أو تعتصمون به]، أنتم في حالة تستوجب عليكم أن تفكروا في أن تبحثوا عن أي شيء تتشبثون به لكن ليس هناك إلا شيء واحد هو حبل الله، هو حبل واحد وليس هناك ما يمكن أن ينقذكم إذا اعتصمتم به إلا حبل الله، كما قال ابن نوح: {سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ}(هود: من الآية43) في حالة الطوفان الذي اجتاح الأرض {سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ}(هود: من الآية43) يمنعني من الغرق {قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}(هود: من الآية43) ليس هناك ما يمكن أن يمنع من أمر الله، هو ظن بأن ذلك الجبل الشاهق سيعصمه من الغرق، لم يعصمه من الغرق, وأبوه يتحدث معه فحال بينهما الموج فكان من المغرقين.
خطاب للأمة بصيغة الجمع، هو خطاب للأمة سواء كان على مستوى الأمة الإسلامية يشملها هذا الخطاب، وخطاب لأي مجتمع أن المسألة أيضاً لا يُنجي منها إلا اعتصام جماعي؛ لأنه سيأتي في مقام الهداية نحو الحيلولة من أن نغرق في الضلال الذي يصل من جانب أهل الكتاب وأن نصل إلى الكفر الذي يريدون أن يصلوا بنا إليه، سيأتي مهام جماعية فيما بعد، في نفس الآية، فلم يأتِ الحديث ليقول: [وليعتصم كل واحد منكم بحبل الله].
أنتم في مواجهة، مواجهة مع أمة هي متوحدة، تتوحد ونحن نراها تتوحد عالمياً، تتوحد كلها تحت قيادة أمريكا.. ألم تتوحد كلها تحت قيادة أمريكا؟ وتصادق على إعطاء أمريكا مقام القائد للتحالف الدولي العالمي ضد الإرهاب.. ما هذا الذي حصل؟. هم يتوحدون كدول، ثم تتوحد الدول فيما بينها في مواجهتنا، فهل من المعقول، ومن الممكن أن تنطلق أنت فردياً لتواجه هذه الأمم من أهل الكتاب الأمم الكافرة التي تريد أن تكون كافرا؟. تنطلق لمواجهتها أنت لوحدك، وهذا لوحده، وآخر لوحده؟!. لا.. لا ينقذ من هذا الضلال، لا يخرج الأمة من هذا المأزق، لا تكون أي طائفة في مستوى أن تواجه إلا إذا اعتصم أفرادها بصورة جماعية بحبل الله، فحبل الله هو الذي سينقذهم، وحبل الله هو هدايته للناس، هدايته التي تأتي لعباده المتمثلة في كتابه، وفي رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، فيما يرسخه القرآن من إنشداد روحي، وشعوري نحو الله سبحانه وتعالى، وتعلق كبير وانشداد كبير نحو رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله).
لن تنقذ حتى أنت إذا انطلقت بنظرة فردية، أنني سأعتصم بحبل الله وما عليّ أي شيء، فستضل أنت رغما عنك، وستُساق إلى الضلال رغما عنك، وستنطلق من فمك عبارات الكفر رغما عنك؛ لأنك أمام واقع يفرض نفسه عليك، وأنت في حالة تقصير لا تمنحك مبرراً أمام الله سبحانه وتعالى، فستغرق وستهلك، ولن تستطيع أن تعصم نفسك بمفردك.
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} يؤكد، عبارة: {وَاعْتَصِمُوا} فيها [واو الجماعة] الذي يوحي باعتصام الجميع، ثم {جميعاً} تأكيد من جديد، {وَلا تَفَرَّقُوا} تأكيد من جديد بالنهي عن التفرق، ثلاث عبارات توحي بأهمية وحدة المسلمين، وحدة أي أمة تتحرك في مواجهة أعداء الله، وحدة تقوم على أساس الإعتصام بحبله، اعتصام جماعي بحبله.
{وَاعْتَصِمُوا} [واو الجماعة] يفيد اعتصام جماعي {بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} أليست هذه ثلاث عبارات؟. هذا التأكيد من قبل الله سبحانه وتعالى يوحي بل يدل بما لا غبار عليه أن هذه القضية لا بد منها لأي أمة في أن يتحقق لها الإعتصام بحبل الله؛ فتكون في مستوى أن يسود فيها دين الله، في مستوى أن تواجه أعداء الله، لابد أن تكون متوحدة. ونحن نلمس آثار التفرق في حياتنا، كيف تضيع كثير من قيم الدين في حياتنا، ليس شيء من أسباب ضياعها إلا تفرقنا، تسود قيم فاسدة، يسود ضلال، يسود ظلم، تحدث ظواهر كثيرة من الفساد والظلم، وليس هناك سبب صريح في سيادتها في أوساط المجتمع إلا تفرقنا، أليس هذا واردا وحاصلا؟.
متى ما تفرقت قرية واحدة أمكن أن يظهر فيها فساد، وينتشر حتى يصل كل بيت فيها، توحد الكلمة لا بد منه في ميدان مواجهة أعداء الله، لابد منه في تطبيق دين الله في المجتمع، لابد منه في أن تبرز أنت كفرد ملتزما بدين الله، متى ما حصلت فرقة في الأمة ما الذي سيحصل؟ ستكون النتيجة أنه هذا فاسد، وهذا مقصر، الجميع عند الله ماذا؟. يستوجبون غضبه، الجميع عند الله عاصين. من الذي يتصور أن يكون هناك مجتمعاً متفرقاً يمكن أن يكون متقياً لله كامل التقوى، لا يحصل هذا. أنت أقل أحوالك إذا لم تكن أنت فاسد في حد ذاتك فأنت عنصر مساعد على الفساد أن ينتشر في مجتمعك لماذا؟ لسكوتي، لتقصيري، لإهمالي، لانزوائي بمفردي.
ولأهمية الموضوع كلنا نقول: [لو أن كلمتنا واحدة ما من حصل كذا وكذا، لو كلمتنا واحدة ما انتشر الفساد في المنطقة الفلانية، لو كلمتنا واحدة لما كان مدرس أو مدير يلعب كيفما يشاء]. ما الناس يقولون هذا؟ يعرفون هذا؟ [لو أن الكلمة واحدة]. كلمة من؟! الناس يقرون بأن تقصيرهم هم، وهم الذين لم ينطلق من جانبهم هذا العمل التخريبي، وهذا العمل الفاسد، يقرون بأن إهمالهم هو مما ساعد على انتشار الفساد، وظهور الفساد، وظهور الظلم، وغياب مبادئ الإسلام.
أي في الأخير لا أحد يستطيع أن يحكم لنفسه في مجتمع متفرق أنه ملتزم بدين الله؛ لأن أقل ما أنت عليه هو أنك مقصر، هو أنك لا تأمر بمعروف، لا تنهى عن منكر، لا تتعاون مع أخ على بر ولا تقوى، أنك منزوي على نفسك إذا فأنت عامل مساعد على ظهور الفساد، وانتشار الفساد. الإعتصام الجماعي بحبل الله لابد منه حتى بالنسبة لكل فرد في أن يصح أن يقال بأنه ملتزم بدين الله، أنه متقي لله، أنه مطيع لله, ولا ينطلق واحد من منطلق آخر.
اذكر بحين واحد من الكبار قلنا له: المفروض أن الناس يحاولون أن يعملوا جميعا، في أن تتوحد الكلمة – وهذا كان في بلد آخر غير بلادنا هذه قبل ربما عشرين سنة – قال: [أما أنا، أنا متوحد، الآخرين يتوحدوا معي، يأتوا الناس يتوحدوا معي]!.
هذه النظرة غير طبيعية، غير صحيحة أنت تنطلق تتوحد مع الآخرين، حاول أن تعزز في المجتمع كل ما يؤدي به إلى الوحدة في العلاقات، والروابط، والقيم, أنت اعمل في هذا الميدان، أنت تحرك في هذا الميدان، أن تحقق داخل الأمة الإعتصام بحبل الله جميعاً.
البشر كلهم يعرفون أهمية التوحد، لكن تختلف النظرة إلى كيف تكون هذه الوحدة التي ستحقق هذه النتيجة المهمة. القوميون كانوا يهتفون بوحدة عربية، ومن منطلق أننا أمة عربية لغتها واحدة، أمة عربية على صعيد واحد، المنطقة الجغرافية لها هي واحدة، بقي هذا الصوت فترة طويلة ولكنه غاب ولم يكن مجدياً، وحدة قومية، ووحدة عربية، كقوم كعرب، ليس على أساس من الدين بل على أساس من العروبة أننا عرب؟.
تنطلق أيضا هتافات وحدة [أن ننطلق على نهج السلف الصالح] وهم الذين يسمونهم السلف الصالح هم من لعب بالأمة هذه، هم من أسس ظلم الأمة، وفرق الأمة؛ لأن أبرز شخصية تطلع في ذهن من يقول السلف الصالح يعني أبو بكر وعمر عثمان معاوية عائشة عمرو بن العاص المغيرة بن شعبة وهذه النوعية هم السلف الصالح! هذه أيضاً فاشلة.
نتوحد على أساس – وهي أرقى ما يطرح في الساحة – على أساس [أن يرجع الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله لكن من المنظار المحدد لديهم، ووفق القواعد المحددة لديهم، ومن المنافذ التي عن طريقها، وقد رسموها أن تمر من خلالها لتكون متمسك بالكتاب والسنة.
أو أن ندعو إلى الوحدة, ما كل مسلم يدعو إلى الوحدة – حتى ولو باسم حدة دينية – لكن ونحن في مناهجنا، في ثقافتنا نعزز حالة التفرق في أوساطنا، فيطلع هذا الشخص الذي يقرأ سنة بعد سنة مع شخص أخر وثالث ورابع يطلعون متفرقين ديناً، من منطلق أن لهذا حق هو أن ينطلق وفق ما يقتضيه نظره، وعلى ما أداه إليه اجتهاده، ويتعبد بما غلب في ظنه، ثم في الأخير يرى – ديناً – بأنه لا يجوز له أن يقلد أحداً، لا من الماضين ولا من الحاضرين، فلا يجوز أن يقلد هذا، ولا يقلد هذا، ولا يتبع هذا، ولا يستمسك بهذا. الثقافة التي نطرحها ثقافة في أوساط المسلمين ونحن نتعلم الدين تجعل كل شخص منا يطلع بمفرده، ثقافة لا تعزز روحية الإعتصام بحبل الله جميعاً.
حبل الله هو هداه، هداه هو دينه، دينه هو خط واحد وحبل واحد.عندما نأتي نفرق دينه بشكل مواقف وأحكام فتطلع حبال متعددة تأتي النتيجة في الأخير أنت تمسك من عندك بحبل وأنا أمسك من عندي بحبل, وهذا يمسك من عنده بحبل.. نكون في الواقع غير متمسكين بحبل الله إلا طرف واحد، يكون فقط طرف واحد هو المستمسك بحبل الله. والآخرين يمسكون حبالاً وهمية ليست حبال الله؛ ولهذا يرونها لم تنزعهم من هوة الضلال والكفر والذلة.
[فالوحدة بين المسلمين التي تقدم في الساحة] إما أن نهتف بها ونحن نعمل على صعيد الواقع إلى ما يعارضها ويضادها في أهدافها وفي نتيجتها، أو أن نقدمها بشكل ناقص ونحن نتحدث عنها.
الله هنا في هذه الآيات الكريمة حدد بوضوح بيِّن لا غبار عليه كيف هي الوحدة المجدية، كيف هي الوحدة التي تعطي ثمرتها، التي تنطلق فيها أمة، ينطلق فيها مجتمع على أساس من الإعتصام الجماعي بحبل واحد، أي منهج واحد، موقف واحد، خطة واحدة، عَلَم واحد، قيادة واحدة.
ليس هناك أدق تعبير في فردية الشيء من كلمة {حَبْلِ} حبل واحد. لو قال مثلا: [واعتصموا بشجرة الله] قد نتصور بأنه كل واحد سيمسك بغصن هذا يمسك بغصن، وهذا بغصن، وهذا بعرق منها.. حبل واحد لا يوجد أدق من هذه العبارة في أن تعطينا فهم أن الطريق هي واحدة فقط، وقناة واحدة فقط، ومنهج واحد فقط، منهج واحد يُقدم في ساحة العمل، منهج واحد يستطيع أن تكون ثمرته واحدة يطلِّع أشخاص على قلب رجل واحد.
انظر إلى مدارسنا نحن الزيدية ماذا تقرأ فيها؟ تقرأ فيها ما يجعلك من أول ما يتفتح ذهنك لفهم المسائل تنطلق لحالك، ويصبح هذا هو واجبك، ويصبح هذا هو العلم، فتنطلق لحالك، وزميلك ينطلق لوحده، أصبحت تدين بشيء، وهو يدين بشيء، أصبحت تتعصب لشيء، وهو يتعصب لشيء آخر ضده.
توحي الآية بأنه يجب على المسلمين، أو يجب على المجتمع خاصة من هو محمل مسئولية كبيرة أمام الله أن ينطلق في الإعتصام بحبل الله، وفي نفس الوقت هي حالة تستدعي المحافظة عليها أثناء العمل للوصول إليها، ثم بعد الوصول إليها فينهى عن التفرق، التفرق في الطريق، والتفرق بعد الوصول إلى تحقيق هذه الحالة، حالة الوحدة الإعتصام بحبل الله جميعا {وَلا تَفَرَّقُوا}. و{جَمِيعاً} توحي لكل فرد بأنه مسئول هو، ولا يقل [أولئك فيهم الكفاية]، أليست تحصل هذه؟.
انطلاقة فردية وأولئك قد فيهم الكفاية لا عندما يقول: {جَمِيعاً} توحي لكل فرد بأنه مسئول هو أن يتحرك من جانبه ليكون ضمن هذه الجماعة، لا يقل: [فيهم الكفاية، وهم قد أصبحوا كثيراً]، يجب َأن تلغى مشاعر أن الآخرين يمكن أن يكونوا بديلاً عنك، عندما يقول: {جَمِيعاً}أليس هو يخاطب كل فردٍ منا أن ينظم نحو هذا المجموع؟.
عندما تقول: [فيهم الكفاية] سيقول الآخر مثلك والثالث مثلك، يصبح في الأخير أن الجميع هؤلاء لا يوجدون [الوحدة التي يريدها الإسلام]. ما الذي يصنع هذه؟. يصنعها حسن تعامل، ويصنعها ثقافة واحدة، ويصنعها شعور واحد، ويصنعها اهتمام واحد.
غير صحيح أن بالإمكان أن يتوحد المسلمون توحداً على هذا النحو الذي الآية توحي بأنه لابد منه في ميدان المواجهة مع الآخرين، مع أهل الكتاب لابد منه، وأهل الكتاب – من يتأمل كتاب الله سبحانه وتعالى – يرى بل يصل تقريبا إلى درجة القطع بأن هنا في القرآن ما يوحي بأن الجهة التي ستكون هي من يمثل خطورة على الأمة، وهي الطرف الذي سيصارع الأمة على امتداد تاريخها هم طائفة أهل الكتاب اليهود والنصارى.
في مواجهة هؤلاء لابد لمن ينطلق في ميدان مواجهتهم من عباد الله سواء الأمة بكلها، أو مجتمع من المجتمعات لابد أن يتحقق لديهم وحدة على هذا النوع من الإعتصام بحبل الله جميعا، وحدة يحافظون عليها، ووحدة تقوم على أساس من الألفة فيما بين أنفسهم، والروابط التي تعزز حالة الإخاء والمودة فيما بينهم.
أنت تقول من هناك: [ممكن كل واحد ينطلق وكل واحد على مذهبه] غير صحيح أن بالإمكان أن تقف هذه المذاهب التي هي فيما بينها يكفر بعضها بعضاً، ويفسق بعضها بعضاً، والتي أفرادها فيما بينهم لا يحملون مشاعر الحب والإخاء والألفة مع الآخرين، ولا يصلون إليها بحكم تباينهم في معتقداتهم، في ثقافتهم، تباينهم أعلامهم, في قدواتهم، تباينهم في نظرتهم إلى الدنيا، في نظرتهم إلى الحياة. لا يمكن حتى أن يصل إلى هذه الدرجة فيما بينهم.
إذاً فلا يمكن أن تتحقق الوحدة، فكل شعار أو كل نداء يهتف بوحدة الأمة على ما هي عليه هو نداء وشعار لا جدوى من ورائه، هو يدعو إلى حالة وهمية، إلى حالة لا ثمرة لها، لا تتحقق على صعيد الواقع، وإن تحققت شكليا فلن يكون لها أي جدوى.
لهذا ولأن الآخرين من اليهود والنصارى يعرفون أن تفرقنا كمذاهب هو مما يساعد على ضعفنا حتى ولو بدت أصوات تهتف بوحدتنا كمذاهب، هم يعرفون بأنها ستكون فاشلة، فهم يعززون التفرق المذهبي فيما بيننا، هم وراء دعم الوهابيين، هم وراء دعم طوائف متعددة، هم وراء إحياء التفرق المذهبي. التفرق المذهبي حاصل في الأمة من قبل لكنهم عرفوا بأنه يخدمهم فليغذوه وليبقى هذا التفرق على ما هو عليه.
طيب ما هي المعالجة؟ قد يقول البعض: إذاً مادام أن أعداء الإسلام يخدمهم تفرقنا كمذاهب إذاً فيجب أن نسكت عن بعضنا بعض وأن ننطلق كأمة واحدة، ويرى البعض بأن هذا يمثل حلا لكن الواقع أنه لا يمثل حلا. وإذا كنا نعرف بأن التفرق المذهبي من أساسه هو يخدم أعداء الإسلام إذا فلنلغيها ولنرجع إلى حبل واحد. ما هذا هو الصحيح؟
أو أن نأتي ونقول: نتقارب أنا وأنت، وأنا وأنت مختلفين في عقائدنا بدءاً من الله إلى يوم القيامة، لك أعلام تقتدي بهم، ولي أعلام أقتدي بهم، لك أشياء تهتم بها، ولي أشياء اهتم بها، ليس بيننا ألفة، ليس بيننا تقارب فكيف يمكن أن يقال أن بالإمكان أن يجتمع هؤلاء شكلا ثم هم سيعملون ضد الآخرين. لا. الله تعالى يقول للناس وهم مؤمنون قبل أن يتحولوا إلى مذاهب بأن عليهم وهم أفراد قبل أن يتحولوا إلى مذاهب: أن يعتصموا جميعا جميعا بروح جماعية على هذا النحو الذي تسود داخل نفوسهم حالة المشاعر المتبادلة من الإخاء، والألفة، والحب، والود.
فغير صحيح أن يقول الإنسان: إذاً فلا ينبغي أن نثير القضايا لأن أصحاب المذهب الآخر هم حساسين، وهذا يعزز حالة التفرق. نحن قد تفرقنا من زمان، نحن قد اختلفنا من زمان، وأصبح تفرقنا واختلافنا مما يخدم أعداء الأمة، فما هي المعالجة الصحيحة؟ هي أن نرجع إلى حبل واحد، وإلا فنحن جميعا نكذب بكتاب الله، ونتصور بأن الحبل الواحد هو الاجتماع الشكلي.
الحبل الواحد هو هدى من الله، هو هدى من الله، لا مجرد أشخاص وتجمع شكلي، حبل الله هو هداه، إذا فهداه يرجع الناس جميعا إلى هدى هو هدى الله وهو هدى واحد. ولن يجدي إطلاقا – فيما اعتقد – أي صوت يقول: [أصحاب المذاهب هؤلاء يسكتون من بعضهم البعض وسيتوحدون جميعاً ضد مدري من].
تجمعت جيوش عربية انطلقت من عدة دول ولم تجد شيئا، وهم فيما بينهم سُنِّيّة، لكن حتى نفس التفرق باعتبارهم كل شعب وطن مستقل بنفسه عن الآخر كان لهذا التفرق الذي داخل أذهانهم أن هذا له رئيس ورئيسه فلان، وهذا قائده فلان، لدينا قوانين هي كذا وآخر قوانينه كذا، بلادنا حدودها كذا، شكلها كذا، والآخر حدوده كذا.
حالة تفرق من هذا النوع التي هي أقل من التفرق المذهبي أثرت سلبا في تلك الجيوش فلم تكن مجدية، اجتمعت من مصر وسوريا وعدة بلدان، اجتمع المصري مع السوري مع العراقي مع الأردني مع اللبناني لكن كل واحد هو يرى نفسه ليس منصهرا في مشاعره مع الآخرين، أنا رئيسي فلان، وأنت رئيسك فلان، بلادي اسمها كذا، بلادك اسمها كذا، بلادي حدودها كذا بلادك حدودها كذا. أليست هذه فرقة؟. انظر كيف أثرت هي داخل من؟. داخل السنيّة أنفسهم.
ففرقة المذاهب هي أشد بَوْناً واتساعاً من فرقة الأوطان، وفرقة أسماء الرؤساء والزعماء، وفرقة عناوين البلدان، أنا بلدي اسمه مملكة، وأنت بلدك اسمه جمهورية، وذلك اسمه سلطنة. أليست فرقة المذاهب أبعد وأشد؟. أين ساحة فرقة المذاهب؟. أين هي؟. أليست هي النفوس؟. ساحة فرقة المذاهب ميدانها هو نفوسنا نحن المسلمين، فما دامت النفوس هذه متفرقة أي هي متفرقة ليست مجتمعة على هدي واحد، أليس كذلك؟.
مذاهب متعددة وكل مذهب لحاله أي هو يسير على هدى لحاله، وهذا على هدى لحاله، وهذا على هدى لوحده أليست هكذا؟. ألم يطلع الهدى متعددا؟. إذاً حبال متعددة داخل أنفسنا، وهذه هي نقطة الخطر، لو أنها حبال متعددة في ساحة خارجية خارج ساحة أنفسنا لكانت أقل ضرراً، لكنها حبال متعددة داخل ساحات أنفسنا كمسلمين فهي أشد ضررا في أن تحول بيننا وبين أن نصل إلى حالة يكون اجتماعنا فيها مجديا في مواجهة أعداء الله.
لماذا؟ لأن المطلوب أن يصل أفراد المجتمع الذين يعتصمون بحبل واحد ويتوحدوا على هذا الهدي الذي وجههم الله إليه أن تسود داخلهم مشاعر الألفة والمحبة؛ ولهذا قال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ}(آل عمران: من الآية103).
أليس هناك عداوة مذهبية قائمة؟ من الذي يستطيع أن يمسحها؟ من الذي يستطيع أن يجعل القلوب متآلفة؟. إلا متى ما اجتمعت هي على الإعتصام بحبل واحد؛ لهذا جاء في مقدمة التوجيه نحو الوحدة الإعتصام بحبل واحد، والحبل الواحد هو هدى، الهدى هو ثقافة وفكر، أليس كذلك؟. في داخل نفوسنا مشاعر، وثقافة، وفكر، وتوجهات. أليس الهدى هو داخل النفوس؟ الحبل هذا أليس في الواقع داخل النفوس؟.
يمتد من يد الله إلى أعماق نفوسنا، فمن الذي يستطيع أن يصنع حالة تمسح العداء وتخلق حالة من الألفة بين أفراد المذاهب المتعددة المتعادية فيما بينهم ديناً؟ ماذا يعني ديناً؟ أنا أدين الله بأنك خبيث رافضي؛ لأنك لا تتولى أبا بكر وعمر.. أليس هكذا يحصل؟.
أليسوا يقولون عنا نحن الشيعة بأننا مشركون، وأننا روافض، أننا من أهل النار؟ وما هي جريمتنا؟ أننا لا نتولى أبا بكر وعمر، وأننا نحب أهل البيت. إذاً أليسوا هم يعيشون حالة العداء لنا إلى درجة أن من يُقتل منا في مواجهة إسرائيل لا يتحدث عنه، ولا يلتفت إليه، فليقتل عباس الموسوي.. أليس شيعيا مجاهدا، قائد حزب الله في لبنان؟. يقتل في عملية رهيبة، عملية مؤسفة، وتقتل معه زوجته، وابنه، ثم لا يتحدث الآخرون عنه؛ لأنه شيعي قتله يهودي، يهودي يقتل شيعي، شيعي يقتل يهودي كلها واحد!.
من يستطيع أن يمسح حالة العداء في نفوس السنية قبل؟ نحن شخصياً لا نحمل حالة من العداء نحوهم كما يحملون هم حالة العداء نحونا. يقوم الإمام الخميني تصدر أصوات من جانبهم يكفرونه رأساً [وجاء دور المجوس] هكذا، يأتي شخص من أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يدعو الأمة إلى كيف تواجه أمريكا وإسرائيل، إلى التحرر من هيمنة دول الاستكبار من اليهود والنصارى، رجل مؤمن، تقي، رجل مجاهد، شجاع، يعرف كيف يضع الخطط الحكيمة، ينطلق انطلاقة قرآنية، ثم تأتي أصوات، وتطبع كتب من داخل بلاد السنية [وجاء دور المجوس]! الخميني يعني أكبر مجوسي، وبدأت حركة المجوس.. ما هكذا قالوا؟. كتاب [وجاء دور المجوس] هل عرفتموه؟.
إذاً فنحن عندما نقول: نحن لازم أن يكون منطقنا ليناً، ونحن جميعا مسلمين، والمذهب على ما هم عليه، وأنا على ما أنا عليه، وأنت على ما أنت عليه، ونتوحد، ألسنا أول من يكذب الله؟. الذي أمرنا أن نعتصم بحبل واحد، وقال: أنه لا سبيل إلا هذا الشيء أن نعتصم بحبل واحد، نحن قدمنا فكرة أخرى وقلنا: بأنها هي المجدية أن بالإمكان أن تكون على ما أنت عليه، وأنا على ما أنا عليه، وهذا على ما هو عليه, مذاهب متعددة، ويمكن أن نتوحد، وأن نعمل الشيء الكثير في الآخرين.. أليس هكذا قُدم؟. أي نحن قلنا: لا يا الله ليس صحيحا أن من الضروري أن نعتصم بحبل واحد.
لو كان الحبل هذا هو حبل مادي نازل من السماء إلى الأرض، أو كان هذا الحبل شيء غير هدى الله لكان بالإمكان أن نقول: يمكن أن يتعدد، لكن هدى الله ما هو؟. هدى الله بما فيه الأحكام الشرعية ما هي من هدى الله؟. العبادات بكلها إنما هي آلات لتصل بالإنسان إلى هدى الله. فهدى الله هو شيء واحد. فمن جاء ليقول: ممكن كذا، وممكن كذا، ثم نتوحد، يتصور بأنها ستكون وحدة مجدية، ستكون وحدة شكلية فإنه أول من يكذب الله عندما يقول الله: لا.. لن يحصل شيئا مجديا إلا اعتصاما بحبل واحد هو حبلي، لأنه متى ظهرت أشياء أخرى فليست من قِبَل الله، من قِبَل الله شيء واحد فقط سماه حبله.
تحصل مثل هذه الأصوات داخلنا نحن الزيدية ما هذا الذي يحصل؟ نقول: ليكن منطقنا ليناً مع الآخرين، تتسع صدورنا للآخرين، وألفة فيما بين المسلمين، وانفتاح على الآخرين, أليس هذا يحصل؟.
طيب ضع لي حلا للمشكلة وأنا أول من يستجيب لك، قدم لي هذا الطرح كشيء مجدي فعلا وفكني عن هذه الآيات التي تقطع بأنه لا مجال إلا على هذا النحو وأنا سأمشي وراءك. لن يجد سبيلا إلى هذا إلا مجرد البقاء في الإشكالية، وفي المستنقع الذي غرقت الأمة فيه.
{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} (آل عمران: من الآية103) أي أن العداوة نفسها تجعل الأمة ساحة قابلة لماذا؟ قابلة لأن تضرب من قبل أعدائها، ساحة قابلة لأن يسود فيها الضلال والكفر المُصَدّر من قبل أعدائها. العداوة هي التي تهدم الأمة، فعندما يأمرنا أن نعتصم بحبل واحد هو أقرب ما يمكن أن نكون قادرين على مسح حالة العداوة فيما بيننا، ليس هناك أقوى من الاجتماع على منهج واحد في التأليف فيما بين نفوس الناس، إذا ما كان لهذا المنهج أهميته الكبرى في نفوسهم، أي أن حالة العداء أن تُمسح، والأسباب التي تؤدي إلى العداء أن يقضى عليها، بما فيها المذاهب المتعددة التي تصنع عداوة دينية، فيأتي طرف على باطل، على ضلال، ويدين لله بعداوتك أنت، وأنت صاحب الحق، وأنت من أنت على الحق، وهو يحمل الاسم الذي تحمله [مسلم]، ويدعي أنه أرقى منك في الاسم الذي تحمله [مؤمن].
فأن يكون هناك حالة من العداوة، عداوة تخلقها مذاهب، عداوة تخلقها اختلافات شخصية فيما بين الناس يجب أن يعمل الناس على أن تنهى هذه الحالة، لابد من ألفة القلوب {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} وعدها نعمة من نعمه الكبرى؛ لأن الألفة فيما بين النفوس أن يغيب من النفوس حالة العداوة والبغضاء هي شرط أساسي في تحقيق وحدة معتصمة بحبل الله، يكون لها أثرها الكبير في الحفاظ على الدين، وفي ميدان المواجهة مع أعداء الله، وإلا ما قيمة أن يذكر هنا بأنها نعمة من نعمه أنهم كانوا أعداء فألف بين قلوبهم، أي أن الألفة بين القلوب لابد منها في تحقيق وحدة يكون لها أثرها.
متى تحصل ألفة بين قلوب منهم مذاهب متعددة؟ هل يحصل هذا؟. هل السني، هل الوهابي قلبه متآلف معي؟. لا، هو يدين الله ببغضي، وأنه متى قتلني يهودي ربما يفرح أن اليهودي قتلني، سواء قتلت يهودي أو اليهودي قتلني، المسألة عنده واحدة.
هل هم انطلقوا ليسموا شارعاً باسم [عباس الموسوي] أمين عام حزب الله وهو عالم، مجاهد، شجاع، إنسان حكيم، يملك قدرة هائلة من التدبير، والتخطيط في مواجهة إسرائيل، يهتدي بالقرآن، قُتل في حادث مأساوي تضربه الطائرة الإسرائيلية بصاروخ، تضرب سيارته وهو فيها هو وزوجته وطفل صغير، هل سموا شارعاً باسمه؟ أو سموا مصنع تحلية مياه باسمه، أو سموا مطعما، أو سموا قاعة محاضرات، أو سموا أي شيء باسمه؟. لا, ليست مشكلة. لكن أن يقتل طفل آخر [محمد الدرة] هذا طفل قُتل، قُتل أطفال كثيرون، يجتمع مجلس الوزراء في اليمن، ويقرر بأن يسمى الشارع من [مذبح] إلى ملتقى طريق عمران صعدة [شارع الشهيد محمد الدرة].
كنت أتوقع أن [محمد الدرة] هذا قبل أن أعرف من خلال المشهد التلفزيوني أنه كان بطلا، كان شجاعا، عمل أعمالا رهيبة بإسرائيل؛ لهذا أصبح صوته، وأصبح اسمه هكذا، وسميت شوارع باسمه، وسميت مقاهي، وسميت حتى معامل تحلية مياه باسمه، ومطاعم، وبنشر، وأشياء من هذه باسمه، أشاهد المشهد في التلفزيون فإذا هو طفل قتل. لاحظوا كيف؟ هذا هو نفسه من التضليل اليهودي أن يقتل [يحيى عياش]، يحيى عياش هو مجاهد، وبطل، وعمل أعمالا رهيبة ضد إسرائيل، قتل، هل سمي في اليمن، أو في مصر، أو في السعودية، أو في أي بلد مسلم سمي شارع الشهيد يحيى عياش؟. لا، هل سُمي شارع الشهيد عباس الموسوي؟.
قُتل ابن حسن نصر الله في الجهاد هل سمي شارع باسمه؟ هل سمي شارع باسم ابن عباس الموسوي؟ إذا كانت المسألة مسألة عاطفية مع أطفال، هل سميت شوارع أخرى بأسماء أبناء مجاهدين، أو مجاهدين ضد إسرائيل؟ لا. لماذا؟.
هذا من العمل الذي يخدم إسرائيل أن يُقتل شهيد بطل ثم لا يخلد ذكره؛ لأن تخليد ذكره في أوساط المسلمين يعني استلهام روح ماذا؟ روح القتال لإسرائيل، والعداوة لإسرائيل، والمواجهة مع إسرائيل، لكن يُقتل طفل فلتعمم الدنيا باسمه ما الذي سيحصل؟ تفاعل عاطفي معه فقط. [الله يلعنهم الله أكبر عليهم] أليس هذا الذي سيحصل اليهود يعرفون كيف، وأولياؤهم أيضا يعرفون أنهم أن يعمموا اسم الشهيد عباس الموسوي، أو الشهيد يحيى عياش فتسمى شوارع بأسمائهم أن هذا يزعج إسرائيل، لماذا يزعج إسرائيل وقد قتل هذا الرجل؟ لأن هذا يبعث في الأمة، في الشباب مشاعر ماذا؟ البطولة، والتضحية في مواجهة إسرائيل. فهكذا يصنع تخليد الشهداء.
فلهذا يقولون: ذكرى استشهاد الإمام علي بدعة بدعة، يريدون أن تموت الأمة باسم الدين، وأن تذبح باسم الإسلام، لكن محمد الدرة وأطفال آخرين يؤلم قتلهم، لكن هذا له أثر آخر لا يضر إسرائيل، غاية ما يصدر مني أن أقول: [الله يلعنهم، الله أكبر عليهم].
لكن شهيد من خلال أن تعرف شارع سمي باسمه فتعرف ماذا كان يعمل، تعرف كيف كان يخطط، سيظهر من أوساط المسلمين من يحاول أن يقلده، ويتشبه بروحيته، أليسوا يخدمون إسرائيل بهذا؟.
أن تغيب أسماء الشهداء، أن يغيب أسماء المقاتلين الأبطال ضد إسرائيل من شيعة وسنة كيحيى عياش، وكعباس الموسوي، ثم يشاد بأسماء أطفال آخرين على أساس تكون المسألة غير حساسة بالنسبة للصديقة إسرائيل؛ من أجل أن لا نجرح مشاعر إسرائيل، من أجل أن لا نسيء باسم ذلك الرجل العظيم الذي قد يكون فيه إساءة إلى مشاعر إسرائيل. وهكذا يُصنع الرموز بشكل لا يضر بهم، يشدونا إلى طفل يجعلون رمزنا طفلا محمد الدرة، ثم نحن ننشد، نحن في أناشيدنا هنا في المدرسة، وفي مدارس أخرى محمد الدرة، محمد الدرة.
أول مرة اسمع أنشودة لم تعجبني إطلاقا، لماذا؟ لأنه كان الذي يجب أن ننشده هو أن ننشد في الأبطال الذين سقطوا في ساحة المواجهة، لأن هذه أعلام لا تترك أثراً في نفسك، لا تترك أثراً يجعلك تستلهم منهم روح الجهاد.
طفل قتل وهو متمدد وشخص عنده آخر متمدد عند فرن أو شيء آخر، مشهد عاطفي فقط، أنت بحاجة ماسة من أجل أن يكون حتى لهذا المشهد أثره أنت بحاجة أن تنشد إلى أعلام من المجاهدين، المقاتلين، فأرى ماذا؟ يترافق الأمران وتصبح المسألة إيجابية، عباس الموسوي، يحي عياش يكون أسماؤهم مترددة في أذهاننا، ثم أرى ماذا عملوا، هنا سيكون لي وأنا أرى طفلا مثل هذا، أو امرأة، أو أي شيء آخر يثيرني، يصبح لدي استلهام روح الجهاد، والاستبسال، والاستشهاد من ذلك البطل الذي ترسخ في ذهني، وتكرر اسمه أمام عيني، وأنا في الشارع الفلاني، أمام القهوة الفلانية، أمام القاعة الفلانية, أمام البنشر الفلاني أمام صالون الحلاقة الفلاني.
أليس هذا هو ما يجعل للأشياء قيمة؟ لكن مشاهد عاطفية بحته لا يوضع هناك أعلام يرافقها تخلق في نفوس الناس استلهام مشاعر البطولة، والتضحية تصبح هذه عاطفية بحتة، والجانب العاطفي لحاله يصبح في الأخير مظهراً مألوفاً، ثم في الأخير لا يثير شيئاً، ثم في الأخير لا يضر إسرائيل بشيء.
{وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}(آل عمران: من الآية103) وهؤلاء يريدون أن يعيدوكم فيها.. أليس هذا ما تعني الآية؟ نحن الآن أمام آية تقول من البداية: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران: من الآية100) الله يقول: هو استنقذكم من النار بكتابه، برسوله، بهدايته. ألا يعني هذا أن هذه نعمة عليكم كبرى أن استنقذكم من النار؛ فاذكروا نعمة الله عليكم، لتكون المسألة لها قيمتها في نفوسكم؛ لأن هناك من يعملون جادين على أن يعيدوكم في حفرة النار من جديد.
{وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}(آل عمران: من الآية103) وهؤلاء سيردونكم إلى هذه الحفرة، وهاهو من جديد الله ينقذنا منها، ويوجهنا إلى ما ينقذنا منها، ما هذا يحصل؟. هو من جديد يوجهنا إلى ما ينقذنا منها، مظهر من مظاهر رحمته العظيمة، بعد أن يردونا بعد إيماننا كافرين يعني أن نكون من أهل النار، أليس كذلك؟. إذاً قد أنقذناكم أول مرة, انتبهوا، ما معناها هكذا؟.
هؤلاء يعملون على أن يردوكم في الحفرة، ثم ها أنا الآن اعمل على إنقاذكم من النار، كأنه يقول لنا هكذا، وهو يوجهنا إلى أن نتقيه حق تقاته، وأن نعتصم بحبله، وأن نكون هكذا في مستوى مواجهة هؤلاء الذين يريدون أن يردونا إلى حفرة جهنم من جديد {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}(آل عمران: من الآية103) إذاً استنقذوا أنفسكم من جديد في مواجهة هؤلاء بما أقدمه لكم من هدايتي، هكذا معني قول الله سبحانه وتعالى.
ثم يقول أن المسألة هي أشياء مؤكدة، القضية آيات ومعنى آيات أعلام لحقائق واضحة، حقائق لابد منها أن تقع في واقع الحياة، إذا سمحتم لها أن تقع، حقائق من قِبَله يتحدث عنها {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ} بعبارات لا أوضح منها بيان {آياته} أي حقائقه، هذه الآيات التي هي ترشد إلى حقائق أنكم إذا لم تكونوا على هذا النحو ستكونون كافرين.. أليست هذه حقيقة؟ أنتم إذا لم تكونوا على هذا النحو ستوقعون أنفسكم من جديد في حفرة جهنم، هذه حقيقية.
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران: من الآية103) إلى ماذا؟ تهتدون إلى ما ينقذكم من جهنم أن تعودوا فيها من جديد {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ}(آل عمران: من الآية103) كدتم أن تقعوا فيها. إذاً هؤلاء هم يدفعونكم إلى أن تكونوا كافرين من أجل ماذا؟ يوقعونكم في جهنم.
وهو يريد سبحانه وتعالى أن نهتدي بهداه؛ ولهذا قال: {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} تهتدون إلى ما يريد أن تكونوا عليه كأمة تسير في طريق الجنة، في طريق رضوان الله، تسير في طريق العزة، في طريق الرفعة والمكانة، طريق العلو، السمو الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون لعباده المؤمنين.
{لَعَلَّكُمْ} لأجل أن تهتدوا إذا كنتم تريدون أن تهتدوا. هل هناك أوضح من هذه الآيات التي تبين لنا كيف أن الله سبحانه وتعالى يرعانا، كيف أنه يرحمنا، كيف أنه يهمه أمرنا، كيف أنه حريص على هدايتنا، – إن صحت هذه العبارات لكن لا نملك إلا هي، كلمة [حريص] ونحوها – أنه رحيم بنا أقصى ما يمكن أن يتصور الإنسان من معاني الرحمة. صدق الله العظيم
أسال الله أن يوفقنا جميعا لما فيه رضاه ويهدينا بهديه ويجمع كلمتنا على الإعتصام بحبله،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.