سورة المائدة ـ الدرس الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
لا يزال الكلام هو حول موضوع الآيات التي تحدثنا حولها من خلال اليومين الماضيين، الآيات من [سورة المائدة].
وكنت أريد اليوم أن يكون بداية الحديث عن كيف نتولى الله، وكيف نتولى رسوله, وكيف نتولى علياً (عليه السلام). كيف نكون من أولياء الله. ومن أولياء رسوله ومن أولياء وصي رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وسنبدأ بالحديث عنها إلا أنه ظهر أنه من المناسب أن نتحدث عن نقطة واحدة لها علاقة بما نتحدث عنه حول قضية أبي بكر وعمر باعتبارها قضية ذات صلة كبيرة بولاية الإمام علي (عليه السلام).
ونحن – كما قلنا أكثر من مرة – في مرحلة يجب أن نناقش فيها كل شيء، وأن نقف على الحقائق.
نحن الزيدية سكتنا قروناً, وليس فقط أجيالاً، وكان متأخرون من الزيدية يرون بأنه من الممكن التوقف والسكوت حول قضية أبي بكر وعمر، من أجل الحافظ على التوحد مع الآخرين، ومراعاة مشاعر الآخرين.
وكانت هذه فكرة جيدة لو كان هناك من يقدرها، وكان بالإمكان أن نلتزم بها لو كان الآخرون يقدرونها أيضاً، لكن ما الذي حصل؟ سكتنا قروناً، مئات السنين.. وكان السكوت عن هذه القضية ليس على أساس إقرار بشرعية خلافتهما، ولا من منطلق التعامل باحترام وتعظيم لهما، وإنما من أجل تهيئة الأجواء لوحدة المسلمين مع بعض، واحترام لمشاعر الآخرين من السنيّة، سواء من كانوا في اليمن أو خارج اليمن.. كنا نسكت مع اعتقاد أنهما – أي الشيخين أبا بكر وعمر – مخطئون عاصون ضالون، كما قال الإمام عبد الله بن حمزة قال: [نعتقد أنهم أخطئوا وعصوا وضلوا في ما وقع منهم بعد موت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).] بهذا المنطق قال الإمام عبد الله بن حمزة.
ما الذي حصل؟ لما سكتنا عنهم كمخطئين قُدِّمُوا لنا من قبل الآخرين – الذين لم يبادلونا الشعور الجيد ويقدروا لنا أننا سكتنا من منطلق احترام مشاعرهم وحفاظاً، أو تهيئة أجواء، إن كان هناك أي فرصة للتوحد معهم – انطلقوا هم ليقدموهم لنا ولأبنائنا كخلفاء، ويقدموهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، سكتنا عنهم كأسماء: أبي بكر وعمر فتحركوا هم عندما تغير الزمن وعندما أصبحت الدولة لهم يقدموهم لنا بأسماء كبيرة: [الصديق والفاروق]، سكتنا عنهم, سكتنا عن أبي بكر وعمر فأصبحوا يقدمون لنا معاوية ويزيد أيضاً!.
مناهجنا الدراسية، ما يقال على المنابر، ما يقال في المعاهد، ما يقال في المدارس، ما يقدم في كل هذه المراكز العلمية والدينية والثقافية، داخل البلاد الزيدية هو كله عمل يعلّم أبناء أولئك الذين سكتوا جيلاً بعد جيل يعلمون أبناءهم كيف أن أبا بكر وعمر [خلفاء وصديق وفاروق]، بل تفضلوا نقدم لكم أشخاص آخرين: عائشة ومعاوية ويزيد وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري والمغيرة ابن شعبة, وهكذا.. لم يراعوا مشاعرنا, لم ينطلقوا هم ليتعاملوا معنا – في الوقت الذي أصبحت الدولة لهم – كما تعاملنا في الماضي من منطلق الحفاظ على الوحدة, أو تهيئة الأجواء للتوحد معهم.
الشيعة في تاريخهم الطويل كانوا هم أكثر الطوائف حرصاً على تهيئة الأجواء للتوحد مع الآخرين، ولكن الآخرين لم يكن لديهم ذرة من حرص على أن يتوحدوا مع الشيعة، أو يلتفتوا إلى الشيعة، أو يحملوا ذرة احترام للشيعة.
وفي هذا أذكر كلمة لمحمد جواد مغنية – أحد علماء الشيعة الاثنا عشرية – قال: إنه يكفي الشيعة, يكفيهم مئات السنين دليل على أنه ليس بالإمكان التوحد مع الآخرين، مهما انفتحنا نحن، مهما فتحنا قلوبنا، مهما عدّلنا منطقنا، مهما سكتنا عن ذا أو ذك, أو هذه المسألة أو تلك، هم هم لن يقدروا لنا أي شيء من ذلك.
يوم كان أئمة الزيدية هم الذين يحكمون اليمن كانوا لا يفرضون على المناطق الشافعية، على المناطق السنيّة في اليمن لا يفرضون عليهم مؤذناً، ولا خطيباً، ولا إمام جامع، ولا قاضياً، ولا مفتياً، كانوا يجعلون القاضي من الشافعية، مفتي للشافعية من الشافعية، حتى وإن كان زيدياً يفتي بمذهب الشافعي للشافعيين، يؤذن في بلدانهم بأذانهم، يصلون بصلاتهم، لا يتعرضون لهم.
وما الذي حصل عندما تغير الوضع؟ يعملون على ما سماه أحدهم بـ[فتوحات], سماه أحدهم فعلاً فتوحات عندما سمع التأمين أصبح يَرِنّ في مساجد صنعاء وصعدة وغيرها، قال: هذا يعتبر فتحاً. التأمين في الصلاة لم يراعوا مشاعرنا وهم في مساجدنا، في بلداننا.
نحن سكتنا عن قضايا كبيرة، حساسة لديكم من أجل مشاعركم، فكيف أصبحتم أنتم ترون قضية ليست إلا مندوبة عندكم أنتم، التأمين, فتزحفون به زحفاً في المساجد، وتعتبرونه زحف فتوحات.
سكتنا عن أبي بكر وعمر فلم تسكتوا عن التأمين.. سكتنا عن الإمامة فلم تبادلونا بالسكوت عن شيء واحد وإن كان من المندوبات أو الهيئات التي ليست واجبة لديكم.
هل هذه الأطراف يمكن أن يتوحدوا معنا, أو نلتف نحن معهم تحت راية واحدة وهم على ما هم عليه؟. لا.. سكتنا عنهم فلم يسكتوا عن أئمتنا، ولا عن علمائنا، ولا حتى عن الإمام علي (عليه السلام).
إذاً فالمسألة أي شخص يتوهَّم بأن بالإمكان أن يُعدَّل منطق من هذا النوع، ونتحدث بلين عن القضايا هذه مراعاة للآخرين نقول: لا, هم أثبتوا هم في تاريخهم الطويل أنهم ليسوا مستعدين إطلاقاً أن يقدروا أي شيء لنا، أي شيء يصدر منا مهما كان عظيماً، مهما كان كبيراً، مهما كان دليلاً على حرص من قِبَلِنا على توحد أو مراعاة شعور.
ومن يدري أنها قد تكون غلطة من المتأخرين من الزيدية أن ينطلقوا على هذا النحو، ولم ينطلقوا على ما كان عليه الأئمة القدامى من أهل البيت (عليهم السلام)، من أمثال الإمام الهادي، وعبد الله بن حمزة وغيرهما من الأئمة الذين عرفوا الواقع، عرفوا أولئك، عرفوا تثقيفهم من أين، عرفوا بأنه لا يمكن أن يلتئموا معهم، مع أن دعوتهم كانت دعوة توحد، ودعوة لتوحيد الأمة، ومراعاة لمشاعر الأمة، واحترام لأي طائفة يحكم فيها أحد من أئمة أهل البيت لا تُظلم، لا تُهْظَم، لا يتعدى على حقها الفكري والثقافي، حتى اليهود أنفسهم وهم ذمّيون حظوا بالأمن في ظل دولة أهل البيت، وهم من هم في خبثهم، وعرف أهل البيت كيف يتعاملون معهم بالشكل الذي يحفظ لهم حقوقهم، ويبعد المجتمع الإسلامي عن التأثر السيئ بهم، هم فيما هم عليه، ونحن في ما نحن عليه.
موقفهم يشهد بأنه ليس بالإمكان أن نقول – على نحو مما تساءلنا بالأمس عنه – بأن بالإمكان علي وأبو بكر وعمر وعثمان والكل نتولاهم، وسنلتقي هنا تحت هذا العنوان، هذا لا يحصل. هم أثبتوا بأننا لو انطلقنا نحن نتول أبا بكر وعمر وعثمان وآخرين إضافة إلى علي لن يرضوا بهذا منا، لازم ننزل علي ونخليه رقم أربعة, لازم أن ننزل سيدة نساء العالمين، ونطلّع عائشة التي يسمونها الصديقة بنت الصديق، ننزل سيدة نساء العالمين بنت سيد المرسلين ونطلع عائشة بنت أبي بكر الصديقة بنت الصديق, لازم.!!
لا يقبلونك إطلاقاً ولا يتوحدون معك ولو كان على يديك سيتم فتح القدس، ما لم تُنَزّل هذا وتطلع هذا، هم أثبتوا هم – وكما قلنا لبعض زملائنا – بأنه ليس بالإمكان أن يبادلونا نفس الشعور، وإلا كان بالإمكان أن نسكت لو أن القضية كان سيكون لها ثمرة، ولو من باب التجربة لنعرف هل أن بالإمكان أن نقدم شيئاً بديلاً عما قدمه القرآن الكريم، وأن نقدم أنفسنا كمتسامحين بديلاً عن حَدِّية القرآن وصرامته، ولو كان على سبيل التجربة، وقد جربت الزيدية فعلاً، وجربوا وليس فقط عشر سنين بل مئات السنين جربوا وسكتوا.
والآن ماذا جنينا نحن من السكوت؟. نقول – لأولئك من أسلافنا الذين سكتوا – هاهم من سكتم مراعاة لشعورهم، هم يجرعون أبناءكم, أبناء أبنائكم جرعات مركزة من الولاء الخاص لأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبه بل ومعاوية، هاهم يعملون على طمس فضل الإمام علي (عليه السلام) وفضل أهل البيت بل هاهم يتجاوزون على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، فماذا جنينا نحن؟.
وكما قلت أكثر من مرة أن ألف وأربع مائة سنة فيها عبرة كافية، وفيها دروس كثيرة جداً لكل شيء والواقع هذا شهد كل شيء، وحقائق تجلت على طول القرون الماضية وفي هذا العصر بالذات بشكل يساعد جداً على كشف الحل، أو البحث عن الحل الإسلامي الصحيح لمشاكل المسلمين، وهم من يقولون بأن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، قال: ((لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)). صلح أول هذه الأمة على يد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وبالقرآن الكريم.. أو كان ما قُدم لإصلاحها وإن لم تصل إلى الدرجة المطلوبة فعلاً، ما قُدم لصلاحها هو ماذا؟ هو القرآن الكريم والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، فلنرجع إلى القرآن الكريم، وإلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، وما نبحثه، وما نتحدث عنه إنما هو في إطار أن نعود إلى القرآن الكريم وإلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في هذا العصر الذي بدا أننا بأمس الحاجة إلى العودة إليهما، وحتى يكون لدينا ولاء للإمام علي (عليه السلام)، وحتى لا يبقى لدينا ذرة من ولاء للآخرين الذين ضربوا هذه الأمة.
هذه الأمة – في الواقع لو تفهمون أنتم – أو هذا العالم بكله هو عالم أبي بكر وعمر.. تعرفون ماذا تعني هذه العبارة: [هذا العالم بكله هو عالم أبي بكر وعمر]. لو أن علي هو الذي تولى أمر المسلمين من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، لقدم هذا العالم على نحو آخر، على نحو آخر.
لم يكن تأثيرهم فقط هو داخل المنطقة العربية أو داخل العرب فقط؛ لأن العرب كانوا هم من قد أهِّلوا بالقرآن وبالرسول لأن يحملوا لواء الإسلام للأرض كلها, للعالم كله، فما حصل من تقصير داخلهم وما حصل من خلل كبير داخلهم هو نفسه الذي نتج عنه هذا الخلل في العالم كله.
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}(آل عمران: من الآية110) ما كانت هذه هي المسئولية التي أنيطت بهم؟ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} للعالم، من الذي وقّف هذا الظهور, وهذا الإخراج؟ من الذي مسخ صورة هذا العالم؟ إنهما الشيخان: أبو بكر وعمر، وعمر بالذّات عمر بالذات هو مهندس هذا العمل.. فالعالم الذي نحن فيه الآن، وجه العالم الآن هو وجه أبي بكر وعمر فعلاً ليس عالم محمد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ليس عالم الإسلام، ليس عالم علي.
من أجل أن نفهم هذا كله نعود إلى التحدث عن قضية نحن نقول: بأنه لا يمكن أن تصل الأمة إلى حل إلا بعد تحديد موقفها وتصحيح نظرتها ابتداء من مفترق الطرق من هناك من عصر رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ومن بعد وفاته، هناك بداية مفترق الطرق.
أليست الطريقة الصحيحة أنك عندما تخطئ وأنت تتجول في شوارع مدينة لا تعرفها أن تحاول أن ترجع, ترجع إلى نقطة الصح, إلى حيث أنت تتذكر المكان الذي هو صواب لديك، وتعرفه، ثم تتحرك من جديد باتجاه تكون واثقاً بأنه يؤدي بك إلى المكان الذي تريده، أما أن تتخبط بعدما قد نزلت من مفترق الطرق وأنت تغلط فربما لا تجد حلاً، إلا بأن ترجع من الشارع الذي غلطت فيه، ارجع ارجع إلى نقطة الصواب ثم تحرك بشكل صحيح من هناك.
قد يقال: لكن حصل فتوحات في أيام عمر فلو أن القضية مرتبطة بعلي لما حصل فتوحات وانتصارات للمسلمين. أليس هذا هو ما يردد لعمر: فتوحات وفتوحات إسلامية في أيام الفاروق، وهكذا.. هذه العبارة تردد وترسخ في أذهان الطلاب، وكلكم تسمعونها.
نريد أن نعرف هذه النقطة.
كنت قد تحدثت مع بعض الشباب عنها، لكن تذكرت بأني لم أتحدث عنها حديثاً عاماً معكم فمناسب أن نخرج بشيء منها لنعرف هذه الفتوحات وما هي؟ وكيف تمت؟.
عبارة (فتوحات) نفسها تقدم بشكل كبير تعطي المسألة أكثر من واقعها، ولكن فلندعها فتوحات، ولندعها عظيمة، ثم لنقول لأولئك: من الذي قاد هذه الفتوحات؟.
سيقولون: عمر. سلمنا: عمر.
من الذي تحرك في تلك الفتوحات؟ هل هم الجيش الذي تحرك مع النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) في [غزوة تبوك]؟ هل هم أصحاب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. هل هم أولئك الناس الذين كانوا في أيام النبي؟. سيقال: نعم الصحابة، هم أولئك. سلمنا أيضاً، ولكن قفوا لنتأمل قليلاً.
تحركوا في أيام عمر بنشاط أليس كذلك؟ تحركوا بنشاط وفاعلية، بينما سورة التوبة التي تحدثت عن آخر غزوة جماعية للأمة.
ومن خلالها تلاحظ حنكة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وتحركه القرآني ونظرته العميقة إلى الأمة إلى آخر أيام التاريخ، كيف وضع الدروس؟.
سورة التوبة تحدثنا عن وضع غير طبيعي حصل في أيام إعداد الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أولئك الناس، ذلك المجتمع لمواجهة الروم في غزوة تبوك، ما الذي حصل؟ تثاقل، تباطؤ، تخلف، قعود، وآيات القرآن في سورة التوبة تهاجم، وتدفع بعبارات قاسية، بعبارات تعتبر بالنسبة للشخص الذي يتقاعد ويتخلف إهانة تعتبر إهانة له، عملية دفع، عملية زعزعة، محاولة تشجيع، وحركة نفاق تبدو على أوسع نطاق. لاحظوا [سورة التوبة] – عندما ترجعوا إليها – كيف مُلأت بحديث عن المنافقين؛ لأنهم تحركوا بشكل كبير.
وعادة عندما يتحرك منافقون بأعداد كبيرة منهم معروفون، ومنهم غير معروفين، ومنافقون ألوان: منهم من هو لا يزال كافر في باطنه مظهر للإسلام، ومنهم من هو مسلم، ولكنه مازال من النوعية التي في قلبه مرض، من النوعية التي يؤثر مصالحه، من النوعية الذي يؤثر أنانيات، ونظرات معينة لديه، أعداد كبيرة تحركت, وعندما يتحرك المنافقون في ظروف كتلك يدل على أن المجتمع أصبح في ما ظهر عنه قابل لأن يُزعزع، ويُثبَِّط.
سنرى كيف أن أولئك الذين انطلقوا فيما بعد في أيام عمر بنشاط ومعنويات مرتفعه هم الذين كانوا متثاقلين، قعد منهم من قعد، وتخلف من تخلف، وتثاقل من تثاقل، وتأتي التوجيهات القرآنية الحامية، الساخنة بالدفع بهم، ما الذي حصل؟ وكيف يمكن أن نحلل هذه المسألة؟.
نقول: لا تخلوا – بعد أن سلمنا أن القائد هو عمر, وأن أولئك الجيش الذين تحركوا في [اليرموك والقادسية] هم هؤلاء – إما أن يكون عمر أقدر على قيادة الأمة من النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، وكانت توجيهاته ومنطقه أكثر فاعلية من القرآن إذاً فلماذا لم يكن عمر هو النبي؟ ولماذا لم نكتفِ بتوجيهات عمر عن القرآن؟ هل بالإمكان أن نقول أن عمر كان أقدر على قيادة الأمة؟ وأكثر حَنكَة, وأكثر شجاعة من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ وأن توجيهاته كانت تعطي فاعلية للأمة أكثر من توجيهات القرآن في سورة التوبة؟.
إن سلّموا, ما الذي عملوا؟ ألم يجنوا على محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. ألم يجنوا على حكمة الله؟. على قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}(الأنعام: من الآية124) لكن كيف ساغت هذه المسألة عند الكثير؟. لأنه بعد أن قُدّم محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) كمُوَعِّظ مسكين, ملان أخلاق، لا يعرف كيف يتحرك، [جواد الله] ليس لديه حنكة سياسية ولا قدرة قيادية عسكرية، هكذا قُدم محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، إنسان [جواد يرحم الله] موعِّظ، مرة في المسجد، ومرة في الشارع، ومرة في أوساط الجيش.. لكن عمر, عمر هو.. عبقرية عمر, وسياسة عمر، وحنكة عمر.. و.. إلى آخره.
فعلاً احتاجوا – ونحن نقول أنهم يتجنّون على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) – أن يصنعوا لرسول الله شخصية.. سواء من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون. إن قلنا من حيث لا يشعرون لأن حرصهم على ترميز هؤلاء وتكبيرهم أنساهم أن يهتموا بالشخص العظيم بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) فعملوا على تقديمه في ذهنية الأمة بشكل آخر حتى يتسنّى بأن يصعد عمر في مجال آخر.
بل بلغ بهم الأمر إلى أن قالوا: إن عمر كان مُلْهم، وأن القرآن كان يتنزل ليوافق عمر في أشياء كثيرة..! حتى في ما يتعلق بحياة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) الخاصة وبأموره الخاصة: يا رسول الله لو أنك سترت نساءك أو عملت لهن ملابس أو حجبت نساءك، فنزل القرآن يأمر النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) بأن يأمر نسائه وبناته ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن. قال: يا رسول الله إن نسائك يدخل عليهن البر والفاجر فلو حجبتهن، فنزلت هذه الآية.
إذاً فإما أن يكون عمر هو أعظم قيادة وحنكة وتوجيهاته أكثر فاعلية من قيادة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ومن توجيهات القرآن، وإما أن نقول بأن عمر لم يكن كذلك.. فلنرجع إلى الآخرين إلى الصحابة أنفسهم وإلى ذلك المجتمع الذي تحرك بتثاقل في غزوة تبوك، ثم تحرك بفاعلية ونشاط في [القادسية] وفي [اليرموك].
هل عندما انطلقوا بفاعلية ونشاط هل كانوا – وهم الذين تباطئوا مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وتـثاقلوا – هل كانوا أكثر طاعة لعمر من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟! فهذه سُبّة لهم، يثاقلون تحت قيادة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو أعظم من عمر, ويتثاقلون على الرغم من توجيهات القرآن، وتوجيهات القرآن أعظم من كلمات عمر القليلة حتى، وغير البليغة, وغير المشجِّعة.
فإذا كانوا أطوع لعمر من محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) رسول الله فماذا يعني هذا؟. هل يستحقون أن تقال كلمة واحدة في التعظيم لشأنهم، أوفي التقدير لهم إذا كانوا أطوع لعمر من محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) إذاً فما المخرج من هذا؟ كيف يمكن أن يخرجوا من هذه؟.
إن كان ذلك من أجل عمر إذاً فعمر أقدر من محمد! إن كان ذلك عائد إلى الجيش نفسه، إذاً فالجيش أطاع عمراً أكثر مما محمد، وكل واحدة منها تعتبر بالنسبة لهم سُبّة.
ما الذي حصل؟ ومن الذي صنع تلك المعنويات؟ من الذي صنع ذلك الانتصارات؟. إنه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله), هو الذي صنع ذلك الانتصار الذي وقع في [اليرموك والقادسية] وغيرها، هو الذي عمل طول حياته وخاصة بمرافقة القرآن الكريم وخطةٍ موحدة من قِبَل القرآن ومن قبل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) [أعد تلك الأمة لتكون هي من تضرب] الأمم الأخرى الطاغية الظالمة من تضرب الدول الكبرى في عصرهم وفيما بعد هو الذي عمل على رفع معنوياتهم.
فالقرآن دفعهم دفعاً رهيباً في غزوة تبوك، مع أن الله يعلم أنهم لن يواجهوا بقتال، أخرجوا، حتى ثلاثة أشخاص عندما تخلفوا ماذا كان موقف النبي منهم (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. قال: لا تكلموهم.
كان استنفاراً عاماً لأن المسألة كان الجانب التربوي فيها للأمة أكثر من احتمال المواجهة العسكرية من خلال القرآن نفسه، خرجوا متثاقلين، ووضع اقتصادي سيئ، ومعنويات هابطة جداً، هم عدد قليل سيواجه أكثر من مائة ألف أو من مائة وثلاثين ألف جندي حشدتهم دولة الرومان. خرجوا بتثاقل، وتباطؤ ومعنويات هابطة وزحزحة. ما الذي حصل؟.
ولم يحاول الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يعود إلى دولة كسرى, إلى دولة الفرس وهي كانت أيضاً الدولة العظمى الثانية في ذلك العصر ليستمد منها؛ لأنه سيواجه دولة كبرى، والدولة هذه لا تزال في صراع مستمر مع دولة الفرس فتكون فرصة مهيأة له بأن يحصل على دعم من الفرس، من الأكاسرة فيشدوا أزره فيهاجم دولة الرومان، لم يحصل هذا، ولم يحاول، بل لم يفكر في هذا. أراد أن يربي هذه الأمة كيف تكون معتمدة على نفسها، وعلى ربها، وعلى كتابها، وعلى نبيها؛ لأنها تملك ديناً قيِّماً يستطيع هذا الدين أن يجعلها تقف على قدميها دون أن تحتاج لا إلى شرق ولا إلى غرب، ولا إلى أمريكا ولا إلى روسيا، ولا إلى أطراف أخرى.
خرجوا متثاقلين، جمعوا نحو ثلاثين ألفاً بعد الحشد والاستنفار العام, والحشد الهائل والدفع الهائل، ثلاثين ألفاً توجهوا على بعد سبع مائة وخمسين كيلوا من المدينة باتجاه الشام.
فبدا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) شخص وكأنه – أمام الآخرين – لا يدري من سيواجه، إذاً أحشد هذا الحشد، لكن حاول أن تضع هذا الحشد في أماكن تحصن منه البلد الإسلامي الذي قد أصبح بين يديك، واتسعت رقعته بين يديك.. لا. هو الذي هاجم وبادر بالهجوم هو، ليهاجم بأولئك الجيش، أو بذلك العدد، ذا النفسيات الهابطة، والمعنويات المنحطة، على بعد, إلى أعماق, إلى أقرب منطقة للدولة الرومانية، إلى تبوك.
الروم أزعجهم هذا أزعجهم فقرروا عدم المواجهة، ما الذي حصل؟. وتحرك رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو ما يزال في تبوك تحرك بسرايا هنا وسرايا هناك، وعمل أعمالاً يتحدى, يتحدى فارتفعت معنويات الناس بشكل رهيب جداً، خرجوا وهم يرون الروم مستحيل أن يواجهوهم.
بل كان المنافقون, وبعض من تخلفوا من الأعراب تشجعوا إلى أن يدبروا مؤامرة ضد رسول الله في المدينة نفسها ليمسحوا الدولة الإسلامية بكلها فترك لهم علياً، علي هو صمام الأمان للدولة الإسلامية سيبقى في المدينة بعده، وهو من يخرج إلى أقصى منطقة.
ولهذا المنافقون عملوا دعاية ضد علي (عليه السلام): أنه إنما خلفه في النساء والأطفال، أنه إنما استثقله، كره خروجه معه. فلحق علي (عليه السلام) برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فقلده ذلك الوسام الذي أبكم المنافقين, وكمم أفواههم: ((أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) فعاد علي (عليه السلام) إلى المدينة ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) توجه لقيادة الجيش إلى (تبوك).
رجعوا من تبوك وهم كل واحد أصبح اثنين، ثلاثة في داخل ردائه وإزاره، قهروا الدولة العظمى في ذلك العالم وبدون مواجهة.. ففيما بعد بقيت معنوياتهم مرتفعة.
رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يريد شيئاً عظيماً للأمة، يرفع معنوياتها، يربيها، يشد من أزرها، يقوي إيمانها، يربيها كيف تعتمد على نفسها، وفي نفس الوقت يخـتار لها القائد المُهِم العظيم الذي هو جدير بقيادتها علي بن أبي طالب في يوم الغدير.
لكن لما خسرت القائد هذا وبقي معها جانب من أثر ما رتبه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لها كأمة، أمة معنوياتها مرتفعة، وتمتلك قائداً عظيماً، خسرت ذلك القائد فطلع عمر.
وكيف يمكن أن يكون عمر بطلاً عالمياً وهو الذي لم يستطع أن يكون بطلاً أمام حصن واحد في خيبر، أمام أقلية من اليهود في خيبر، يصبح بطلاً عالمياً!!. لا.لا. لا يمكن.
فلنقل فعلاً لأولئك الذين يتحدثون عن الفتوحات: لو تعلمون كم خسرنا، وما نسبة هذه الفتوحات التي تتحدثون عنها لو كان علي هو الذي قاد الأمة، وبتلك المعنويات التي رسخها النبي في نفوسها، في غزوة تبوك، لما كانت هذه الفتوحات التي حصلت على يد عمر تساوي معشار معشار ما يمكن أن يحصل في علم الله سبحانه وتعالى لو أن علي هو الذي قاد الأمة.
فنحن من يجب أن نبكي وليس من نفخر بأن عمر عمل فتوحات، وفتوحات. أنتم تجهلون كيف كان يمكن أن يكون الواقع لو أن علياً هو الذي قاد. لكن عمر هو الذي قاد الأمة فحصلت تلك المعركتان: [اليرموك والقادسية] بمنطقتين، حصل أشياء لا تعد شيء فيما لو كان علي هو الذي قاد، في ما نعتقد بحسب فهمنا.
الذي جعل أولئك يتحركون بفاعلية هو رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هي ما زالت معنوياتهم مرتفعة لما صنعه فيهم في غزوة تبوك.
إذاً فليس عمر, وليست توجيهات عمر، عمر هو نفسه الذي حاول أن يخرج، وهم أثناء مواجهة الفرس فقال له الإمام علي (عليه السلام): لا.. أُقعد. هو يعرف ماذا سيحصل إذا خرج عمر، هناك في الجيش منهم أشجع ومنهم أقدر، إذا خرج سيكون هو القائد الأعلى وبالتالي سيعود يجَبِّن أصحابه وهم يُجَبِّنُونه إن عاد هو وأصحابه، سيؤدي إلى هزيمة منكرة. قال له الإمام علي: لا. إجلس, ينصحه أن يجلس.
إذاً فالذي صنع انتصارات القادسية واليرموك هو محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وليس عمر.
وينبغي لأولئك الذين يقولون فتوحات, فتوحات أن يبكوا أنه فقط لم تحصل الأمة إلا على تلك الفتوحات وما نسبتها وما قيمتها لو كان علي هو الذي قاد الأمة.
إذاً فلا تُعَد مسألة فتوحات أو ما فتوحات شبهة في نفس الموضوع الذي نـتحدث عنه، إنه خسارة، خسارة بسبب عمر فعلاً، وإلا لو كان علي (عليه السلام) هو الذي قاد لكانت الأمة هي الغالبة فعلاً، {هُمُ الغَالِبُونَ} ولم يحدد المسألة. اليهود والنصارى حركات أما الكافرون فكانوا أقل خطورة.
كانوا في ميدان المواجهة أقل خبرة من اليهود الإسرائيليين، حتى الفرس أنفسهم كانت روحيتهم أشبه شيء بروحية العرب، لم يكن لديهم خبث اليهود، يضربك ثم يأتي ليدوس من فوق ظهرك وأنت تتبسم له، لم يكن عندهم هذه الخبرة وهذه الحنكة.
إذاً – من وجهة نظري أنا – لم يبق في مسألة فتوحات ما يمكن أن يكون شبهة لمن يعقلها ولمن يستطيع أن يفهمها، ومن أراد أن يجعلها بسبب عمر ستحصل الإشكاليات التي تحدثنا عنها سابقاً. هذا مفهوم أو لا؟ وبإمكاننا أن نتحدث مع أي شخص يقول: لكن عمر كانت له فتوحات.. فكيف لازم علي؟ قولوا له ما قلنا وما سمعتم.
ولنعد بعد استكمال هذا الموضوع إلى محاولة أن نفهم كيف نتولى الله ورسوله والذين آمنوا. كيف نكون من أولياء الله؟. ومنهم أولياء الله؟.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
بعد أن عرفنا من قول الله سبحانه وتعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة:55) التوجيه لنا – إضافة إلى ما تقدم في الآيات قبلها من التحذير عن تولي اليهود والنصارى – التوجيه الذي يبعدنا عن أن نتولّ اليهود والنصارى، أو تكون وضعيتنا بالشكل الذي نقبل فيه – من حيث نشعر أو لا نشعر – أن نتولّ – من حيث نشعر أو لا نشعر – اليهود والنصارى.
بعدها {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة:56) يقول: ومن يتولى.. نريد أن نعرف كيف نتولى الله ورسوله والذين آمنوا؟ وكيف نكون من أولياء الله؟.
الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم مخبراً عن حال أوليائه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(يونس:64) {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} أليس هذا تعريف بأوليائه؟ {الَّذِينَ آمَنُوا}: صدَّقوا، ووثقوا، وفهموا ووعَوا، صدَّقوا بوعد الله لهم، وثقوا بالله ربهم.
الوعود سواء ما كان منها متعلقاً بحالة المواجهة مع أعدائه وأعداء المسلمين، أو ما كان منها متعلقاً بالآخرة، أو ما كان منها متعلقاً بمغفرة الذنوب، أو ما كان منها متعلقاً بسعادة الأمة في الدنيا.
الذين آمنوا وصدَّقوا ووثقوا بمثل قول الله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد: من الآية7) أليس هذا وعد؟. يتطلب إيماناً. صدَّقوا ووثقوا بمثل قول الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}(الحج: من الآية40) صدقوا بوعد الله, ووثقوا بقوة الله وعزته.
صدقوا وهو يتحدث عن واقع أعدائهم حيث يقول في ما يتعلق باليهود والنصارى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ}(آل عمران: من الآية112) أليس يتحدث عن واقع أعدائهم؟. وكيف سيكونون هم في ميدان المواجهة معهم؟. صدقوا ووثقوا، آمنوا.. وبمثل قوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ}(الفتح: من الآية22) صدقوا بمثل قوله تعالى وهو يأمرهم بالجهاد: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(التوبة: من الآية41) فعلموا وصدقوا ووثقوا.
صدقوا بوعد الله للشهداء حيث يقول: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169). آمنوا, صدقوا، ووثقوا.. وصدقوا أيضاً بمثل قوله تعالى وهو يتحدث عن أوليائه في هذه الآية نفسها: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(يونس:64) أليس هذا وعد إلهي؟ آمنوا وصدقوا.
وكم في القرآن الكريم من الوعود المهمة، من الوعود العظيمة، التي لها قيمتها وأثرها في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لو وَجَدَتْ من يؤمن بها، لو وَجَدَتْ من يُصدق ويثق بها، وعود تأتي من قِبَل الله، وعود من قِبَل من له ملك السماوات والأرض، وله الدنيا والآخرة.
ولكن الشيء المُدْهِش والغريب هو أننا كيف نصدق وعوداً تأتي من قِبَل آخرين نحن نعرف أنهم كذبوا علينا في السنة الماضية، وقبل السنة الماضية، ثم يحدثونا بأنه من الآن وصاعداً سنفتح صفحة جديدة، فنصدق ونثق ونصفق.
لم نتعامل مع الله سبحانه وتعالى، ولم نصدق تلك الوعود المهمة، تلك الوعود العظيمة، وَعَدَ المسلمين حتى بغنائم، وَعَدَهم بمناطق أخرى سيفتحونها {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا}(الفتح: من الآية21).
فلهذا كان من ميزة أولياء الله, الميزة العظيمة هو أنهم يؤمنون بما تعنيه الكلمة أي يصدقون ويثقون.. ثم {وَكَانُوا يَتَّقُونَ} {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}؛ لنعرف أن الذي يصنع التقوى هو الإيمان، متى ما آمنت، متى ما صدقت، متى ما وثقت، متى ما فهمت أهمية هذا الوعد، أهمية هذا الأمر، أهمية هذه المسئولية هناك سترى كم يكون التقصير مزعجاً، كم سيكون التقصير مخلاً، كم سيكون التقصير سيئاً، فأنت حينئذٍ ستعمل من منطلق إيمانك الواعي، وفهمك الواعي إلى أن تكون متقياً من أن يحصل منك تقصير نحو الله سبحانه وتعالى، تفريط في المهام التي أصبحت تعرف من واقع إيمانك أهميتها, تخاف من تلك العقوبات التي توعد بها من قَصَّر وفَرَّط وخالف وعاند، فأنت تعمل على أن تتقي الله من أن يحصل منك ما تستوجب به غضبه، وما يجعلك أيضاً جديراً بأن ينزل عليك عقوبته، تلك العقوبة التي أوعد بها.. القرآن مليء بالوعد والوعيد، مليء بالوعيد الذي يعني التهديد على التفريط الذي يحصل من جانب الناس.
{آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} ولهذا نفهم كيف أن التقوى فعلاً هي حالة نفسية يخلقها الإيمان الواعي، يخلقها التصديق العملي في نفس الإنسان وهو ينطلق من واقع إيمانه، ومن صدق وعيه وفهمه، نحو كل قضية؛ لأنه يعرف أهميتها، وخطورتها, ومسئوليته الكبيرة فيها؛ فيخاف الله من أن يقصر فيتقيه. إذاً آمن واتقى {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.
إذاً فكيف نكون من أوليائه إلا إذا كنا نثق به، نثق بالله, نعتمد على الله، نتوكل على الله، نعمل على الحصول على أن نكسب ونحصل على رضا الله، نخاف من الله، نستعين بالله، نسترشد بالله، نستهدي بالله، نعتبره ولي أمرنا، هو هادينا، هو مرشدنا، هو من سيرعانا، من سينصرنا، من سيؤيدنا.. ولكن ليس مجرد كلام، ليس مجرد لقلقة ألسنة، تكون أنت فاهماً وواعياً من هو هذا الذي تريد أن تعتمد عليه، إنه الله القوي العزيز القاهر فوق عباده، الذي له ملك السموات والأرض، وبيده خزائن السماوات والأرض، بيده الأولى والأخرى، بيده الدنيا والآخرة، تثق به وثوقاً صادقاً عملياً لا يتزعزع أبداً أمام أي دعاية أو إرجاف، أو تخويف، تعتمد عليه، تتوكل عليه.
وما أكثر ما كان يردد الإمام الخميني (رحمة الله عليه) كلمة [يجب أن نعتمد على الله] يقول للإيرانيين: اعتمدوا على الله، توكلوا على الله، بالاعتماد على الله نستطيع أن ننتصر، بالاعتماد على الله نستطيع أن نقف على أقدامنا دون حاجة إلى أن نستعين بهذا أو هذا ممن لا تمثل استعانتنا به شيئاً، ممن لا يمكن الاستعانة بهم إلا وندفع من إيماننا، ومن ديننا ثمن الاستعانة بهم.
كيف لو فهم زعماء العرب الاعتماد على الله، والتوكل على الله، لو كانوا بهذا المستوى كيف كانوا سيكونون في هذا العالم، لكن لا. انطلقوا كلٌ منهم يحاول أن يستعين بهذا أو بهذا بتلك الدولة أو بتلك، في كل أموره، حتى في مجال الخبرة في كيف ينظف مدينته، في كل شئون الحياة، أصبحوا يعتمدون عليهم.
إذاً فلِنكون صادقين في إيماننا يجب أن يكون إيماناً واعياً بالشكل الذي يخلق لدينا هذه المقومات المهمة، ثقة بالله، اعتماداً على الله، حباً لله، استعانة بالله، توكلاً على الله، ألم يقل هو: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(آل عمران: من الآية122) {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}(الطلاق: من الآية3) أليست هكذا الوعود الإلهية؟. وهي وعود أصبحنا في واقعنا – كباراً وصغارا ً- لا نثق بها.
من يمثلون أولياء الله حقاً في واقع إيمانهم وتقواهم لهم مواصفات في القرآن الكريم تتجلى في سلوكهم، مواصفات تعكس واقع نفسياتهم، تتجلى في أعمالهم في واقع الحياة.
فلنعد إلى جملة آيات من القرآن الكريم تتحدث عن صفات أولياء الله، الذين هم المؤمنون، والمؤمنون الذين هم على هذا النحو، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(الشورى: من الآية36) أليست هذه واحدة؟. اتكالاً على الله من منطلق الثقة بالله. والاتكال على الله لا يعني أن نُوكِل الأمور إليه فندعه هو يعمل بدلاً عنا، ننطلق نحن في ميدان الحياة, في واقع الحياة في أداء المسئوليات، في أداء المهام، ونحن نتكل عليه حيث نهتدي بهديه، حيث نلتجئ إليه، حيث ندعوه.
{آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} من منطلق إيمانهم بأن الله هو ربهم، من يهمه أمرهم، من يعمل على تدبير شؤونهم.
{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}(الشورى:37) لاحظ كيف سلوكياتهم تكشف واقع نفسياتهم، التي ملؤها الإيمان الواعي، الإيمان الراسخ، الإيمان الذي لا ارتياب معه، هم يجتنبون كبائر الإثم حياء من الله، ولما لكبائر الإثم من أثر في جعلهم غير جديرين بتحقيق وعود الله على أيديهم ولهم.
{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} لا يتجاوزون الحق، لديهم اهتمامات كبرى، لديهم حرص على رضى الله سبحانه وتعالى، فسيصفح وسيغفر لأخيه إذا ما بدرت منه إساءة أو زلة، هو لا يريد أن يغرق المجتمع في مشاكل ثانوية تصرفه عن القضايا المهمة التي يجب أن يعطيها كل اهتمامه، فهم عادةً إذا ما غضبوا لا يدفعهم الغضب إلى التجاوز، ولا إلى الباطل، بل يغفرون أيضاً.
{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ}(الشورى: من الآية38) لأنهم مؤمنون بربهم فاستجابوا له في كل ما أرشدهم إليه، وكل ما أراد منهم، وطلبه منهم.
{وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(الشورى: من الآية38) أمورهم وهم في ميادين المواجهة، في ميادين العمل على إعلاء كلمة الله، في كيف يحافظون على صلاح المجتمع، في كيف يحققون التعاون على البر والتقوى، في كيف يؤهلون أنفسهم ليكونوا أمة تدعو إلى الخير, وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، يتشاورون في أمورهم كيف نصنع؟ ما الذي ينبغي أن نعمل؟ يشعرون بمسئوليات كبيرة وعظيمة، وهم في نفس الوقت نفوس متآلفة قريبة من بعضها بعض، كلٌ منها ينصح، كل منها لديه رؤية من واقع اهتمامه بواقع الحياة، وبوضعية الأمة، ليسوا من أولئك الذين تمر الأحداث، وتمر الوضعيات السيئة وهم لا يلتفتون إليها، ولا يحملون أي رؤية عملية نحوها، ولا يفكرون في ماذا يصنعون من أجل المخرج منها، فأنت لا تجد لديهم أي فكرة، أما هؤلاء فاهتماماتهم تجعلهم جديرين بأن يكون لديهم أفكار ذات قيمة في مجال بناء الأمة، في مجال المواجهة لأعداء الأمة، في مجال الحفاظ على صلاح المجتمع، لديهم رؤى، ومتى يمكن أن يكون لديك رؤى؟. عندما يكون لديك اهتمامات كبرى بواقع الأمة.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(الشورى: من الآية38) يبذلون أموالهم، ومما رزقناهم ينفقون: من علمهم، من مالهم، من خبراتهم، بأقلامهم، بأيديهم، بكل ما رزقهم الله من إمكانيات ينفقون، ينفقون في مجال ماذا؟ في المجالات التي يجب أن تهمهم كمسلمين، كمسئولين أمام الله، كمؤمنين مصدقين بما وعد الله المؤمنين به في الدنيا وفي الآخرة، فهم لا يبخلون؛ لأنهم يثقون بمثل قول الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}(سـبأ: من الآية39) {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}(الأنفال: من الآية60) أليست هذه وعوداً؟ لكنها تتطلب إيماناً، وتتطلب أن تكون أنت ممن يحمل اهتماماً من واقع إيمانك حتى تعرف مدى أثر ما تنفق، وتعرف أنه يجب أن تبذل مالك، وتبذل من كل ما رزقك الله من خبراتك، وإمكانياتك.
فهم هكذا شأنهم كمؤمنين واثقين بوعد الله، حريصين على رضا الله، عارفين أثر الإنفاق في تحقيق ما يَصْبُون إليه وما يريدون تحقيقه، فهم ينفقون.
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}(الشورى:39) لديهم وعي إيماني بأن الصبر على الظلم لا يمثل إلا الضَّعَة والذلة والخنوع، لا قيمة له عند الله إذا لم يكن صبراً عملياً، إذا أصابهم البغي إيمانهم، تربيتهم الإيمانية, ثقافتهم القرآنية جعلتهم يمتلكون نفوساً عالية، نفوساً أبيّة، نفوساً تفهم كيف ستكون العاقبة السيئة إذا ما خنعوا، إذا ما خضعوا إذا ما استُذِلوا وقُهروا, كيف ستكون الحياة، كيف سيصبح الدين، كيف سيضيع الحق، كيف سيسود الباطل، كيف سينتشر الفساد، فهم ينتصرون، ينتصرون إذا أصابهم البغي في أنفسهم؛ لأن نفوسهم أبية، نفوسهم كبيرة, لا يطيقون السكوت على أن يُظلموا، وأن يُهضموا، وأن يُذلوا، ينتصرون لدينهم.
وعادة ما يكون أحياناً البغي عليهم هدفه البغي عليهم باعتبار ما يحملون في دينهم, في كونهم هم طائفة محقة، في كونهم من يحملون اهتمامات بأمر الدين فالبغي عليهم هو عملية ضرب للدين من خلال ضربهم هم، فهم ينتصرون على من بغى، وليكن هدفه ما كان.
هكذا آية واحدة تعرض مثل هذه القيم المهمة، والصفات العليا لأولياء الله، هذه الصفات التي تجسد إيمانهم الحقيقي الصادق، الراسخ، الواعي.
يقول أيضاً سبحانه وتعالى عن المؤمنين، وهم بالطبع أولياؤه؛ لأنه قال في مقدمة وصف أوليائه مَنهم؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} آمنوا، كيف هذا الإيمان؟ هو هكذا إيمان من هذا النوع: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}(الحجرات:15) وهؤلاء هم أولياء الله، الصادقون هم: أولياء الله، الصادقون في إيمانهم، آمنوا بالله, آمنوا برسوله إيماناً واعياً لا ارتياب معه، ولا يمكن أن يتعرض لأي ارتياب أمام هذه الشبهة، أو هذه الدعاية، أو أمام هذه الإغراءات، أو هذا الترهيب، أو هذا الترغيب، إيماناً عملياً يفهمون الإيمان، الإيمان العملي الذي يجسدونه في التزاماتهم، وفي اهتماماتهم، أنه إيمان بقضايا، بمبادئ, بعقائد، بأحكام تتطلب الالتزام بها, وتتطلب أيضاً الدفاع عنها، وتتطلب أيضاً نشرها والعمل على إعلاء كلمة الله في سبيل تطبيقها وسيادتها في أرضه.
{وَجَاهَدُوْا}، جاهدوا.. من أجل ماذا جاهدوا؟ وبماذا جاهدوا؟ بأموالهم وأنفسهم، وهي أغلى ما يملك الإنسان: ماله ونفسه، فلتكن الأموال رخيصة، ولتكن النفوس رخيصة في سبيل من؟ في سبيل الله.
هؤلاء هم الصادقون، وحدهم هم الصادقون، والصادقون من هم؟ هم أولياؤه.. أولياؤه من هم؟ هم الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. هم من لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
المؤمنون من هم؟ هم من ينتفعون بالذكرى إذا ما ذكروا، لماذا؟ لأن نفوسهم مهتمة، قلوبهم مفتحة لتستقبل الهدى لتنتفع بالذكرى؛ ولهذا قال الله لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله): {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}(الذاريات:55) وهم من سيحتاجون إلى الذكرى، وهم من تنفعهم الذكرى؛ لأنهم دائماً في عمل، في عمل وهم يزكون أنفسهم، وهم يصيغون نفسياتهم على أساس من هدى الله سبحانه وتعالى، وهم ينطلقون في سبيله، في سبيله يجاهدون بأموالهم وأنفسهم، يواجهون في مختلف ميادين المواجهة لأعداء الإسلام, وأعداء الأمة، فهم من تنفع فيهم الذكرى، من تنفع فيهم الذكرى المستمرة، هم من تبنيهم الذكرى {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
هم من قلوبهم التي ملئت إيماناً أصبحت على هذا النحو: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}(الأنفال: من الآية2) لشعورها بعظمة الله، لخشيتها من الله، وخوفها من الله, ورغبتها في رضاه، ورغبتها في أن تحظى بقربه، ورغبتها في ما عنده.
وَجِلَت قلوبهم, توجل، تخاف، ترتجف، قلوب ما زالت مفتوحة لم يطبع الله عليها، لم يختم عليها، لم يضَع عليها أكِنَّة، لم تُدَنِّسْها السيئات, لم تدنسها الخطايا والمعاصي، لم تهيمن عليها العقائد الباطلة، لم تقفلها العقائد الباطلة، إنها قلوب تتعامل مع الله سبحانه وتعالى وتتلقى هداه، فكانت على هذا النحو تَوْجَل إذا ما ذكر الله.
{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً}(الأنفال: من الآية2) ففي كل جلسة يزدادون إيماناً، ومع كل آية يسمعونها، ومن خلال كل آية من آيات الله يسمعونها يزدادون إيماناً، فليسوا من أولئك الذين يقولون: {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً؟ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}(محمد: من الآية16) هؤلاء قلوبهم ليست ممن طبع الله عليها، بل قلوب مستنيرة، [تتلى عليهم آيات الله] فيزدادون إيماناً، وهم يرون أنفسهم دائماً بحاجة إلى أن يزدادوا إيماناً؛ لأنهم يعرفون ما هو الإيمان، وهم في ميادين العمل الإيماني يحتاجون دائماً إلى زيادة الإيمان.
لماذا؟ لأن كل إيمان في الإسلام هو عملي، وكل عمل في الإسلام لـه غاية إيمانية، فيزدادون دائماً إيماناً، فتتجلى لهم الغايات, فتتجلى لهم الوقائع والأحداث من خلال آيات الله سبحانه وتعالى التي تُتْلَى عليهم، تتجلى لهم من واقع الحياة، ومن خلال آيات الله في كتابه الكريم، تلك الحقائق التي ترسخ الإيمان في قلوبهم بصدق وعد الله لهم.
{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(الأنفال: من الآية2) ومن الذي يحتاج إلى أن يتوكل على الله إلا من لديه اهتمام بأمر الله، من هو دائم اللجوء إلى الله، من هو عظيم الثقة بالله، فتصبح صفة لديه، وتصبح صفة لديهم، هؤلاء المؤمنين أنهم دائماً على ربهم يتوكلون، لكن ليس – كما قلنا سابقاً – إيْكَال الأمور إليه فلينطلق هو، فيكون واقعهم كما قال بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة: من الآية24).
يتوكلون على الله وهم في ميادين العمل لإصلاح الأمة, والإهتمام بأمر الدين, وإصلاح أنفسهم، اتكالهم على الله، اهتداؤهم به، استرشادهم به، التجاؤهم إليه، رجاؤهم العظيم فيه، أن يوفقهم, ويرشدهم, ويهديهم, ويلطف بهم ويرعاهم.
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} وما أكثر ما كُرر التأكيد على إقامة الصلاة، لم تأت حتى بلفظ [يصلون, يصلون] {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} هي تشبه في ما يتعلق بالزكاة {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، فالزكاة لأنك مؤمن أنت من تنطلق لتؤتيها فتدفعها أنت لا تنتظر إلى من يأتي ليأخذها قسراً منك، من واقع إيمانك وشعورك بالمسئولية أن تؤدي هذا الواجب العظيم عليك، الذي فيه رضى لله سبحانه وتعالى، كذلك الصلاة هم حريصون على أن يصلَّوا، ولكن صلاة قيَّمة، حريصون على أن تكون صلاة لها قيمتها فيقيمونها على النحو الذي شرعت له، ويعملون على أن يحصلوا من خلالها على تحقيق الغاية التي شُرعت لأجلها. والصلاة لها معانيها العظيمة، لها قيمتها الكبرى، لها أثرها العظيم، إذا ما فهمنا معاني الصلاة وكيف نقيمها.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} نفس الكلام السابق تجد ليس هناك إيمان بدون إنفاق، بل أنت لا تحتاج إلى من يدفعك إلى الإنفاق في ما إذا فهمت مسئوليتك أمام الله سبحانه وتعالى، إذا ما أصبحت إنساناً تهتم بأمر دينه وعباده، إذا ما عملت كعضوٍ في أمة تنطلق في الدعوة إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، سترى ماثلاً أمام عينيك أهمية الإنفاق في هذه المجالات، إنما الذي يتقاعس عن بذل المال هو ذلك الذي لا يحمل أي اهتمام، وليس ربما في قلبه حتى مثقال ذرة من إيمان، يقرن الإنفاق هنا بالصلاة، الصلاة التي هي خير الأعمال، وأنت في ميدان الإقبال على الله سبحانه وتعالى يبرز الإنفاق في الجانب المالي من أهم الأعمال في ميدان العمل في سبيل الله تعالى.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} هذه طبيعتهم، وهذه عادتهم.. لاحظوا هنا يعرض صفات هم عليها أصبحت شبه تلقائية لديهم، صفات أصبحت غرائز في نفوسهم: مجاهدين صادقين، يزدادون إيماناً، يتوكلون، يقيمون، ينفقون. لم تأتِ بشكل أوامر. هكذا أصبحوا، وهكذا يصبح من يكون إيمانه بالله إيماناً صادقاً؛ لأنه هنا يقول هكذا يكون المؤمنون عندما يقول: {إنما المؤمنون} هكذا يكون المؤمنون، وهكذا هم المؤمنون حقيقة، الذي يكون شأنهم هكذا، إيمان بالله ورسوله لا ارتياب معه، جهاد في سبيله بالمال والنفس، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، إذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً، يتوكلون على الله، يقيمون الصلاة ينفقون مما رزقناهم، هكذا شأنهم.
{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً}(الأنفال: من الآية4) كما قال هناك:{أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُوْنَ} هنا:{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً}. {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}(الأنفال: من الآية74) والمؤمنون عادةً من يكون إيمانهم صادقاً بالله سبحانه وتعالى, ويفهمون ماذا يعني الإيمان به، ماذا يعني، وما يتطلب من أعمال، وما يترتب عليه من مسئوليات، ينظرون إليها نظرة شرف وافتخار واعتزاز بها، أنهم أصبحوا من يحملها، هم فيما بينهم كالجسد الواحد، كلٌ منهم يحرص على أن تكون علاقته بأخيه علاقة قوية.
إنما المؤمنون هكذا شأنهم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}(التوبة: من الآية71) من واقع ماذا أصبحوا هكذا بعضهم أولياء؟ بعض بعضهم مع بعض، يقفون مع بعض يتعاونون، يـبذلون معروفهم لبعضهم بعض، يقفون صفاً واحداً، كلمة واحدة، كتلة واحدة، جسداً واحداً، يهمهم أمر بعضهم بعض؟ لأنهم نوعية تحمل شعوراً بمسئوليات كبرى، فينطلقون في البداية لتأهيل أنفسهم, والحفاظ على وضعية تؤهلهم لأن يؤدوا مسئوليتهم التي ينظرون إليها كمسئولية كبرى لا يتحقق لهم صدق الإيمان مع التفريط بها، وأنها ليست من النوع الذي يـبحثون عن المبررات للتقاعس عنها.
هكذا هم بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف, وينهون عن المنكر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر – كما قلنا أكثر من مرة – دائرة واسعة يشمل كل مجالات, وشئون الدنيا والدين.
{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(التوبة: من الآية71) ولاحظوا كيف يأتي الوعد بالمغفرة وبالرزق الكريم, بالرحمة والجنة لهؤلاء الذين يقول عنهم هم الصادقون, هم المؤمنون حقاً، بعضهم أولياء بعض ليشعرنا بأن هؤلاء هم وحدهم الذين سيكون لهم هذا الجزاء العظيم.. وليسوا ممن يضعون لأنفسهم صِيَغاً إيمانية يُفَصِّلُونها على حسب وجهة نظرهم، وعلى الواقع الذي يريدون أن يكونوا عليه هم، هؤلاء ليسوا ممن يقول عنهم: {أُولَئِكَ}، ليسوا من أولئك الذين لهم مغفرة ورزق كريم, ولا من أولئك الذين سيرحمهم الله في دنياهم وآخرتهم لأن الله هو ربهم وهو العزيز الحكيم.
المؤمنون بلغ بهم إيمانهم إلى درجات عليا من الإنشداد نحو الله سبحانه وتعالى، والرغبة في الحصول على رضاه, والرغبة فيما وعد به أولياءه المؤمنين فأصبحوا لا يحتاجون – تقريباً – إلى من يعرضهم على الله ليبيعهم منه، بل هم من ينطلقون ليبيعوا أنفسهم من الله، ليبيعوا أنفسهم, وأموالهم من الله، فالله يأتي ليشتري، وبالشكل الذي يوحي، وكأنها لم تحصل مساومة بل هم انطلقوا ليعرضوا أنفسهم, وأموالهم في سوق الله؛ ليحصلوا على ذلك الثمن العظيم [الجنة]، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}(التوبة: من الآية111) ماذا يريدون من أنفسهم وأموالهم عندما باعوها؟ هم يريدون الجنة.. باعوها منه ابتغاء رضاه فمنحهم رضاه, ومنحهم الجنة.
وعندما باعوها باعوها بصدق [بيع صَرْم نافذ] كما نقول [وطرقوا صَبّ وصَلَب وسَيْل وغَيْل] كما نقول نحن في مبايعنا على هذا النحو.. فانطلقوا ليقاتلوا في سبيل الله، وليس فقط بيع وعاد فيه خيار، وعاد با أشوف الوالد إذا با يرضي، والوالدة إذا هي با توافق إذا أعجبها السعر وأعجبها الثمن لا بأس سيبيع وإلا فلا. لا, بيع صَرْم نافذ يريدون الجنة، يريدون رضا الله.
ففيما تَجَسُّد هذا البيع؟ تجسد في قتالهم في سبيل الله، ذلك الميدان الذي يتطلب بذل النفس والمال، فهاهنا يكون البيع، وهاهنا يكون الشراء من الله سبحانه وتعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة: من الآية111) وعندما ينطلقون للقتال في سبيل الله لا يتصورون بأن مجرد البيع هو أن يحضروا ميدان المواجهة بل ينطلقون في خوض الصفوف في غَمَرَات الأهْوال يقاتلون, وليس فقط يتفرجون كما كان بعض أولئك ممن يوصفون بأنهم عظماء فيقال عنهم بأنهم كانوا يحرسون رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في معركة بدر ومعارك أخرى فنراهم عندما تصول الصولة من جانب الكافرين يكونون هم من أوائل من ينهزمون فيتركون النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، فليسوا هم من قاتل في الميدان، وليسوا هم من حافظ على النبي في وقت الخطر، هذا ليس بيعاً.
هؤلاء ينطلقون ليقاتلوا بجدية في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم، هم باعوها من الله، لم يبيعوا مجرد تحرك وهْمِي لينتظروا هذا الطرف أو هذا الطرف من الذي سيدفع أكثر لنـتحرك معه؟. لا.. ليحصلوا على أموال؛ لأنهم قد خرجوا بشكلهم كمقاتلين, خرجوا بشكلهم, بآلتهم كمقاتلين هم يريدون من الذي سيشتري، من الذي سيدفع أكثر من الأموال من الذي سيعطي بنادق، من الذي سيعطي ذخيرة، من الذي سيعطي رتب، من الذي سيعطي كذا ننطلق معه.
هؤلاء ليسوا من هذا النوع، رأوا أن أنفسهم غالية، وفعلاً ((إن نفوسكم غالية ليس لها ثمن إلا الجنة)) هكذا ورد حديث بهذا المعنى عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن النفوس عظيمة وغالية ليس لها ثمن إلا الجنة، ماذا يعني؟ أبذلها في سبيل أن تحصل على الجنة.
هؤلاء انطلقوا يقاتلون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فأمام إغراءات أعدائهم لا يفكرون أن يميلوا يميناً أو شمالاً؛ لأنهم لا يبحثون عن المال, هم من باع المال، وأمام إرهاب وتخويف أعداء هم أيضاً ليسوا ممن يخاف الموت؛ لأنهم من باعوا النفس أيضاً. فماذا يصنع معك العدو أكثر من أن يُرغِّبْ أو يُرهب، أكثر من أن يعد أو يتوعد؟. فتصبح كل الوعود لا قيمة لها، وكل التَّوَعُّد أمامك لا قيمة له.
{أَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}، وعدٌ إلهي صدقوا به أيضاً. هكذا هو شأن أولياء الله الذين آمنوا، تصديق بثقة بأن لهم الجنة، ويؤكد الوعد {وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ}(التوبة: من الآية111) أنني سأمنحهم الجنة فصدقوا وانطلقوا {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}(التوبة: من الآية111) من الذي يمنعه من أن يفي بعهده؟ ومن الذي يمكن أن يحول بينه وبين أن يفي بعهده؟، ومن هو ذلك الطرف الذي يملك ما يملك الله؟ حتى يمكن أن يكون مثله بالوفاء بعهده، من هو ذلك الطرف الذي يمكن أن يكون أوفى من الله بعهده؟ لا، {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ}(التوبة: من الآية111) هذا ليس خسارة، هو بشارة {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة: من الآية111).
المؤمنون الذين دفعهم إيمانهم, وترسخ في نفوسهم من خلال هذا العمل, ومن خلال هذا العمل، ومن خلال هذه الآية، ومن خلال تلك الكلمة، ومن خلال ذلك الموقف الذي تجسد في عمل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لم يكن وليدة لحظة بل ترسخ في نفوسهم؛ لأنهم كانوا هكذا: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ}(التوبة: من الآية112) هم هؤلاء المؤمنون الذين قال عنهم بأنهم باعوا أنفسهم من الله، كأنه قال: هم الذين يمكن أن يصلوا إلى هذه الدرجة، هم أولئك الذين هم {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.. ما هي البشارة من جانب الله؟. رضوانه، والجنة، والفوز في الدنيا والآخرة، الكرامة في الدنيا والآخرة، العزة في الدنيا والآخرة.
وهم من كان إيمانهم إيماناً كاملاً، إيماناً وهم يتجهون نحو الله سبحانه وتعالى فتبرز من كل جوارحهم ما يجسد إيمانهم حتى وهم يتحركون في الأرض سائحون في أعمال التجارة في مختلف الأغراض يسافرون فيكون سفرهم أيضاً مما يصبح عبادة من خلال تأملاتهم، ومن خلال اهتماماتهم بواقع الحياة، ومن خلال اهتمامهم ببناء الأمة، فخبرات من هنا, ومن هنا يحصلون عليها في مجال بناء الأمة. سواء في تعاملهم مع الآخرين أو تعاملهم مع الله، هكذا {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}(الرعد: من الآية21) لأنهم مسلِّمون، ومستسلمون ونفوسهم سليمة، ومستسلمة لله ربهم وملكهم، وإلههم، وسيدهم، فهم لا يأنفون من أن يصلون ما أمر الله به أن يوصل؛ لأنهم عبَّدوا أنفسهم لله.
{وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}(الرعد: من الآية21)، قلوبهم مملوءة بالخشية من الله، والخوف من يوم الحساب، أن يقفوا بين يديه فيحاسبوا حساباً عسيراً؛ لأنهم يعرفون ماذا وراء الحساب العسير أن وراءه النار.
{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}(الرعد: من الآية22) أليست هذه الصفات يحكيها كواقعة؟. صفات متجسدة فيهم, في مختلف المجالات. {صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} هذا هو الصبر العملي: الصبر على نقصٍ، في الأنفس على نقصٍ في الأموال، صبر على شدائد، صبر وهم يواجهون حصارات اقتصادية، صبر وهم يواجهون هجمات إعلامية؛ لأنهم في ميدان العمل بوعي وثقة بالله وصدق مع الله، منطلقين في أعمالهم من واقع الوفاء بعهد الله، ومواثيقه، والحرص على أن يصلوا ما أمر الله به أن يوصل فلا ينقطع في نصف الطريق الذي أمرهم الله بأن يواصلوا السير عليه، إلى الغاية المنشودة التي يجب أن يسعوا لأن يصلوا وهم في طريقهم إليها.
وهم عندما يصبرون يصبرون ابتغاء وجه ربهم؛ لأنهم مخلصون له فلا ينتظرون ثناء من ذا أو من ذاك. {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}، فهذا هو الصبر العملي، الصبر الذي منـزلته من الإيمان بمنـزلة الرأس من الجسد. أما ذلك الصبر على الذل، الصبر على الخضوع، الصبر على القهر، الصبر والباطل يسود، والفساد ينتشر، والحق ضائع، والناس يظلمون، ويقهرون، وعباد الله يستضعفون، واليهود والنصارى يتحركون هنا وهناك، وأمريكا وإسرائيل تتحرك هنا وهناك، الصبر في هذه المرحلة هو ذل، لا يمكن أن يسمى صبراً، إنه ذل بكل ما تعنيه الكلمة، إنه ضياع للإيمان، إنه انحطاط في النفوس. هؤلاء المؤمنون يصبرون في ميادين العمل في مواجهة أعداء الله، ويتحملون مختلف الشدائد، مهما كانت؛ لأنهم صبروا ابتغاء وجه ربهم.
سواء طالت المرحلة أو قصرت، هم حتى لم يضعوا لأنفسهم حداً معيناً هناك، أننا نتحرك إلى هذا المستوى، إلى هذه النقطة، لا بأس سنصبر إلى هنا.. لا. هم صبروا ابتغاء وجه ربهم، وهذا هو الصبر في المجالات المفتوحة، في المجالات نحو الغايات الطويلة، نحو أداء المهام الكبيرة، فهم لا يقولون: فقط سنصبر إلى هنا ثم بعد لا. {وجه الله} الله لا يزال باقياً، وحاجتهم إليه كمؤمنين في أن يحصلوا على رضاه ما تزال أيضاً قائمة، فليس هناك حدود في ما بينهم وبين الله، ليس هناك نقاط تحدد ما يطلبونه من الله، وما يعملونه ابتغاء وجهه.
ولأنهم يصبرون ابتغاء وجه الله يصبح للصبر طعمه الحلو لديهم فعلاً. كان يقول أحد الأئمة وهو يتشرد بأنه يرى نفسه في نعمة عظيمة، أنه أصبح يرى أنه استطاع أن يخيف الظالمين, وأن يتخوف منهم، وهو يتشرد ويواجه التعب والجوع، أصبح بتلك الحالة التي تعتبر مظهراً من مظاهر الصبر وهو في ميدان العمل, أصبح يراها نعمة، أوليس الإنسان ينظر إلى النعمة نظرة يرتاح لها ويلْتَذ بها كأنهم – لأنهم صبروا ابتغاء وجه ربهم – لا يرون أنفسهم، ولا ينظرون إلى واقعهم وهم في ميدان العمل فيرون أنفسهم أنه قد أجهدهم هذا فأصبحوا على حافَّةٍ من الملل ومن التخلي. ومهما بلغت الأمور إليه، فالمسألة هي ازدياد من الصبر والازدياد من الصبر ابتغاء وجه الله، يعني الحظوة برضاه أكثر، والقرب منه أكثر.
{وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ}(الرعد: من الآية22) لاحظوا كم تتكرر هذه الآيات وعلى هذا النحو: الصلاة والإنفاق، الصلاة والإنفاق، الصلاة والإنفاق, فأين أولئك الذين يزعجون الناس بالصلاة, وبمكرفوناتهم ثم لا ينفقون في سبيل الله، ليفهموا أنه لا قيمة لصلاتهم إذا لم يتحركوا للإنفاق في سبيل الله. حين تصلي صلاة جديرة بأن ترفع لها ولو عدة أجهزة من مكبرات الصوت، صلاة ولو تريد أن يسمعها الناس على بعد, على مسافات بعيدة فلتكن صلاة معها ذلك المُقَوِّم الآخر الذي يجعلها قيّمةً هو الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى.
وتأمل هنا في كم آيات يقرن الإنفاق في سبيله بالصلاة: {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً}(الرعد: من الآية22) في كل الحالات, في كل الظروف، وهم أيضاً هؤلاء المؤمنون ممن يهمهم أمر دينهم، وأمر أمتهم فيحرصون جداً على وحدة كلمتهم، وصلاح ذات بينهم.
{وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}(الرعد: من الآية22) يدفعون بالكلمة الحسنة، بالقضية الحسنة، بالموقف الحسن السيئةَ، الكلمة السيئة البَادِرَة السيئة، الزلة السيئة من طرف آخر منهم يدفعونها؛ لأنهم يعرفون قيمتها، أنه لا بد أن نتعامل هكذا فيما بيننا؛ لنحافظ على صلاح ذات بيننا، لنبقى أمة تستطيع أن تؤدي ما أوجب الله عليها، وما حملها مسئوليته من الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل على إعلاء كلمته، وإصلاح عباده، ونشر دينه.
فهم حريصون, وهم يعرفون قيمة ما يتركه الدرء بالحسنة، ما يتركه من أثر في الطرف الآخر، من خلال قول الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت:34).
أنا سأدفع السيئة التي بدرت منك بشكل زلة أدفعها بالكلمة الحسنة، ولا أبادلك بالكلمة عشراً، عندما تكون أنت طرف لا تزال إنسان لا تزال يمكن أن تسمى إنسان فأنت ستبادل الشعور وسأراك وأنت منكسر الخاطر أمام موقفي الحسن، فتصبح تنظر إليّ، وتصبح وأنت تشعر بقربك مني وكأنك وليٌ حميم صديق مقرب لي، هكذا يترك كظم الغيظ والعفو والدرء للسيئة بالحسنة، الدفع.
{وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}(الرعد: من الآية22) الجنة، العاقبة الحسنة في الدار في الدنيا وفي الآخرة، في الآخرة جنات عدن إقامة وخلود {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}(الرعد: من الآية23). لاحظوا كيف حظوا بهذا التكريم الإلهي العظيم، الذي لم يتوقف على تكريمهم هم شخصياً بل أصبح جزء من تكريمهم أن يُقَرّب إلى مكانتهم أفراد أسرتهم، وطبعاً أولئك الأفراد الذين يدفعون بك إلى هذه الميادين، وليس أولئك الذين يثبطونك، أولئك الذين يوبخونك، أولئك الذين يُكَبِّلُون أيديك من أن تنطلق في التحلي بصفات أولياء الله.
لو عرف الآباء والأمهات والأبناء أنه من النعمة العظيمة عليّ أن يكون لدي ابن صالح ينطلق في هذه الأعمال الصالحة، في هذه الميادين التي ترضي الله سبحانه وتعالى فيحظى على المكانة العظيمة، وأنا أشده، وأنا أشجعه، وأنا أدعمه، وأنا أؤيده، وأنا أقف معه قد يحظى ابني هذا بمكانة عظيمة عند الله، فيكون قربه هو الذي يساعد – من منطلق التكريم له – أن أحظى أيضاً بالقرب من المكان الذي هو فيه، والجنة درجات عظيمة {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً}(الإسراء: من الآية21).
هذا بالنسبة للأب أمام ابنه الصالح، كذلك الابن أمام أبيه الصالح وأنت ترى أباك يتحرك في هذه الميادين، لا تحاول تثبطه، لا تنطلق منك كلمة تثبطه. إذا كنت ترى أباك وهو ينطلق في ميدان من هذه الميادين فتشجعه إذا كنت مؤمناً، قد يكون أبوك في ما هو عليه هو مؤهل لأن يصل إلى درجة عالية فإذا ما لحقته بإيمان ستكون من المقربين معه في تلك الدرجة، تكريماً لأبيك. {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}(الطور: من الآية21).
كذلك الزوجات، كذلك الأزواج {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}(الرعد: من الآية23) تلك الزوجة التي تشد زوجها، وهو في هذه الميادين ينطلق ليعمل، تشجعه حتى لو خرج مقاتلاً في سبيل الله، لا تَبْكِي، بل تشجعه, تودعه بعبارات التشجيع، بعبارات تبقى حَيّةً في نفسه، تدفعه، تشد من أزْرِه، تلك الزوجة التي لا ترهق زوجها بتصرفاتها العشوائية داخل منزله، فتبعثر الكثير من أمواله فترهق كاهله فلا يكاد كل ما يجنيه يوفر إلا حاجات منزله لا يستطيع أن يُسْهِم في مجال الإنفاق في سبيل الله، ليكتمل له دينه من خلال صلاته وإنفاقه.
تلك الزوجة التي لا تزعج زوجها وهو يفكر في ما يهم أمر الأمة، فيما يجب أن يهتم به من أمر دينه وأمته، تلك الزوجة التي لا يكون همّها أن يبقى يسامرها ساعات بعد ساعات، زوجة صالحة.
وما أعظم دور الزوجات الصالحات في الدفع بالرجال، ما أعظم إسهام – المرأة الصالحة التي تربي – في صنع الأبطال، صنع الرجال، صنع المجاهدين في سبيل الله.
يقال أن الإمام الخميني (رحمة الله عليه) ذلك الرجل العظيم الذي استطاع بإيمانه وشجاعته وقوة نفسه أن يكون على هذا النحو الذي خلق فعلاً تجديداً في العالم، وخلق صحوة إسلامية، وأرعب أعداء الله، وعمل على إعادة الثقة لدى المسلمين بدينهم، يقال: أن خالته – وهي من تولت تربيته – كانت تقول له: [أنت عظيم، أنت بطل، أنت ستكون شجاعاً، أنت ستكون بطلاً، أنت ستكون عظيماً]. تلقنه هذه العبارات وهو ما يزال طفلاَ فنشأ فعلاً عظيماً كبيراً، نشأ فعلاً بطلاً شجاعاً مقداماً أرعب أمريكا, وأرعب دول الاستكبار كلها.
وليست تلك الأم, أو تلك المربية التي همها فقط أن يسكت ابنها, فبأي عبارات مزعجة مقلقة تحاول أن تسكِّته.
المرأة تقع عليها مسئولية كبرى جداً، وهي زوجة، وهي أم، وهي قريبة من هذا الطفل تربيه, وهي قريبة من هذا الرجل تؤيده وتدفع به وَتصبِّره وتشجِّعه.
لقد بلغ الأمر بالنساء الإيرانيات أن أصبحن يفتخرن، تفتخر إحداهن بأنها أصبحت أم أربعة شهداء، وأخرى تفتخر بأنها أصبحت أم ثلاثة شهداء، وهكذا أصبحن يتفاخرن بأنهن أمهات شهداء، وزوجات شهداء.
مثل هذه الزوجة وهي في بيتها هي من سيكون لها ذلك الموقع العظيم إذا ما لحقت زوجها بإيمان وصلاح، وتقوى, أن تحظى بالقرب منه في درجته كشهيد مجاهد، وهي درجة عالية {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً}(النساء: من الآية96) فهي في بيتها تحظى بهذه المكانة.
ذلك الزوج أيضاً الذي يرى لدى زوجته اهتماماً من خلال ما تقرأ أو تسمع مما ترك لديها عمقاً إيمانياً فأصبح لديها اهتمام بأن تُسْهِم بمالها، بأن تُسْهِمَ في مجال تربيتها لأولادها، فهي تحرص على أن ينشئوا رجالاً صالحين، رجالاً جنوداً لله، أنصاراً لله فلا يثبطها, ولا يشغلها بأعمال قد لا تكون تمس الحاجة إليها، ولا يرهقها بأعمال قد يكون في غنى عنها، فيما يتعلق بمعيشته، يفسح لها المجال.
أفراد الأسرة إذا ما انطلقوا هكذا يشد بعضهم بعضاً، فقد يحضون كلهم بالقرب بأن يصلوا إلى تلك الدرجة التي يصل إليها واحد منهم عظيم، أليست هذه نعمة عظيمة داخل الأسرة؟. بواسطة الأب قد تلتف الأسرة في جنات عدن في مقام واحد، بواسطة الابن قد تلتف الأسرة ويجتمع شملها في مكان واحد في الجنة، وقد يكون مكاناً عالياً ببركة ذلك الابن. الأسرة ببركة تلك الزوجة، ببركة ذلك الزوج، ببركة تلك الأم قد يصلون إلى تلك الدرجة. لكن فيما إذا كانوا على هذا النحو يشدون بعضهم بعضاً.
وفعلاً يختلف الأفراد في الأسرة أحياناً باعتبار واقع عملهم فيكون بعضهم له دور كبير يحظى بمكانة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى، فتكرم كل أفراد الأسرة من أجله، فتصل إلى تلك الدرجة العظيمة التي وصل إليها؛ لأنها كانت تشجعه، كانت تؤيده، كانت تقف معه.
أما أولئك الذين يثبطون بعضهم بعضاً فسيكون البَوْنُ بينهم شَاسِعاً قد لا يكون ولا حتى داخل الجنة، قد يكون خارجها, هذا في النار، في قعر جهنم، وهذا في الدرجات العليا في الجنة، هذا هو شتات الشمل الرهيب، هذا هو شتات الشمل الرهيب في العالم الأبدي، في الآخرة.
ولمكانتهم العظيمة عند الله، ولعظم ذلك النعيم الذي أصبحوا يحظون به في جنات عدن، الذي ليس نعيماً مادياً فقط بل تكريم تكريم، وعلى أيدي أولئك المكرمين من عباد الله. الملائكة {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}(الرعد:24) فهؤلاء هم المؤمنون، هؤلاء هم من يكونون إخوة كما قال الله سبحانه وتعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(الحجرات: من الآية10) لأن واقعهم في اهتماماتهم، في توجههم، في شعورهم بمسؤولية واحدة هو الذي يجعل منهم فعلاً إخوة، أخوة إيمانية.. وما أعظم وأقوى روابط الإيمان بين أفراد المجتمع فيصبحون إخوة بما تعنيه الكلمة، أكثر من علاقة الأخوة التي سببها الصُّلْب والبطن الواحد. إن هذه أخوة الدين الواحد، والهَمّ الواحد، والمسئولية الواحدة, والمصير الواحد هكذا {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الذِينَ آمنُوا}(يونس:62). هؤلاء هم المؤمنون {وَكَانُوا يَتَّقُوْنَ}.
يعرض في آية واحدة بعض صفات المتقين، ونحن فعلاً – كما قلنا لكم – نفهم المؤمنون هم المتقون المتقون هم المؤمنون، إنما التقوى حالة يخلقها الإيمان الواعي الصادق؛ لأن كلمة [التقوى] تتقي أي تحذر، فتصنع وقاية تنطلق لتَقِيَ نفسك من غضب الله، من عقوبته، عقوبة التفريط، الغضب للتفريط سواء بارتكاب معصية، أو التفريط في أداء عبادة، أو التفريط في أمر من الأمور التي الله يريد منك أن تتحرك فيها، في آية واحدة يقول عنهم: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}(آل عمران:15).
من هم المتقون؟. {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}(آل عمران:17) صدق الله العظيم.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن يجعلنا من المؤمنين الذين يَتَحلَّون بهذه الصفات المهمة في مختلف مجالات حياتهم وأعمالهم، ومن عباده المتقين الذين يحظون بالجنة وبالرضوان منه سبحانه وتعالى، إنه على كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.