saadahnews

سورة المائدة ـ الدرس الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

نحن بعد لم نستكمل الآيات في [سورة المائدة]، وصلنا إلى قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة:55).

قد تحدثنا حول هذه الآية وذكرنا أيضاً مما ذكره السيد [محمد حسين فضل الله] حول الآية أيضاً.

وقد يبدو للكثير منا بأن الموضوع قد استُكمل، أو قد يبدو للبعض أيضاً تساؤل من نوع آخر.

والذي أريد أن أقول: بأن هذا الزمن، هذا العصر لا نعلم بأنه مر في هذه الدنيا عصر أزهى منه، ولا أكثر تضليلاً وضلالاً مما يحدث فيه، ضلال بشكل رهيب، وبشكل دقيق، وبانتشار كثير على نطاق واسع، وبشكل أوسع من انتشار الضلال ربما في أي زمن من الأزمنة الماضية، الضلال ينتشر في هذه الدنيا من أقصاها إلى أقصاها في لحظة واحدة وفي ساعة واحدة، بينما كانت الكلمة الباطلة، الكلمة المضلة، أو الموقف الضال في العصور الماضية لا تنتشر في منطقة كالجزيرة العربية إلا في أشهر حتى تصل من أقصى الجزيرة إلى أقصى الجزيرة.

وعندما تصل لا تصل إلى كل قرية، عندما تصل لا تصل إلى كل بيت، في هذا الزمن يصل الضلال، التضليل، الخداع، التزييف إلى داخل – تقريباً – كل بيت، وفي لحظة واحدة، وبسرعة هائلة، حتى إلى داخل المساجد أنفسها، زمن رهيب جداً.

نعود إلى أنفسنا نحن [الزيدية] هذا الشيء الذي يزعجنا جداً, نحن الطائفة ربما الوحيدة في هذه الدنيا، وفي هذا العصر الرهيب، الطائفة المعرضة للتضليل بشكل رهيب جداً أكثر من غيرها؛ لأن كل ما نتلقاه ليس على أيدينا، حتى أبناءنا في مدارسنا لا يتثقفون على أيدينا، أليس كذلك؟.

الصوت الذي نسمعه ليس منا، الصوت أو الموقف أو الكلام الذي نراه أيضاً ليس من داخلنا، الصحيفة التي نقرأها ليست من داخلنا، ليس لنا أعلام واضحة، ليس لنا هداة نلتزم بهم، ليس لنا مدارس قائمة هي التي تتولى إخراج مرشدين يتحركون في أوساط مجتمعنا، ليس لدينا شيء، فكلما يدور في داخلنا في داخل بيوتنا، في داخل مساجدنا، في داخل مدارسنا، في داخل ساحتنا هو ليس منا ولا على أيدينا.

ونحن في نفس الوقت مُفَتَّحِين كل واحد منا له [أريل] أو إثنين يستقبل من كل الجهات يعني ذلك بأننا قد نكون نحن الضحية، الضحية الكبيرة للتضليل في هذا الزمن. طوائف أخرى لديها ضوابط، مازال لديها ضوابط معينة، لديهم عالم يمثل مرجعيتهم الكبرى أو العليا، وسائل إعلامهم من داخلهم، مناهجهم في المدارس هي على أساس مذهبهم وعقائدهم وتاريخهم، الصحيفة هي من داخلهم، السلطة هي سلطتهم، المرشدون هم منهم، الكُتَّاب هم منهم، المكاتب مملوءة بكتبهم، أليس كذلك؟.

لكن نحن الزيدية ماذا نملك؟ إذهب إلى أي مكتبة من المكتبات في صنعاء أو حتى في صعدة كم تجد؟ ربما أقل من 1% من الكتب التي أمامك، كلها 99% كتب أخرى، من كتب الآخرين.. أليس هذا مما نراه؟. مكتبات طويلة عريضة أدخل تجد 99% منها كتباً ليست زيدية، ليس لدينا شيء، لا ثقافة هي تمثل ثقافتنا تسود في الساحة، ولا ثوابت داخل أنفسنا تقينا من أي ضلال يأتي من هنا أو من هنا أو من هناك!.

لولا أن الآخرين من الطوائف الأخرى أو الكثير من الطوائف الأخرى لولا أنهم هم على ضلال فيما بين أيديهم لما تعرضوا هم للتضليل، ولما كانوا ضحية للضلال، لولا أن ما بين أيديهم هم ضلال؛ لأن ما بين أيديهم هو يُفعَّل، أليس كذلك؟ تراثهم هو الذي يُفعَّل, هو الذي يملأ المكتبات، هو الذي يرفع في المسجد، هو الذي يدرس في المدرسة، هو الذي يُكتب في الصحيفة إذا كان هناك صفحات عن قضايا إسلامية هو الذي يكتب في الصحيفة هو، هو الذي يتحرك لولا أنه من أصله لا يقوم على أسس صحيحة لما تعرضوا للتضليل والإضلال، ولما أصبحوا على ما هم عليه؛ لأنهم لا ينقصهم شيء، هم أساساً لا ينقصهم شيء بالنسبة لما هم يعتقدونه ويؤمنون به، ويثقفون أنفسهم به إسلامياً، هل ينقصهم شيء؟ لا.

ألا يعني هذا بأننا نحن الزيدية في هذا الزمن الرهيب قد نكون نحن الضحية الكبرى للتضليل، نحن من نرى أبناءنا هذا يسير كذا وهذا يسير كذا، أبناء الطائفة هذه، هذا وهابياً وهذا أصبح اثنى عشري، وهذا أصبح لا ديني! ونرى أبناءنا من داخل مدارسنا يتخرجون على نحو آخر. ألا يعني هذا بأننا نحن بحاجة إلى وعي إلى فهم؟ بحاجة إلى مزيد من المعرفة، بحاجة إلى مزيد من المعرفة بالثوابت التي نقف عليها، ونتحرك على أساسها، أو أنه لا تعنينا أنفسنا, لا يهمك أن تصبح ضحية للضلال، أو لا يهمنا أمر ديننا لا يهمنا، لسنا مسؤولين أمام الله.

تحدثنا في كلام سابق بأن المسؤولية على الزيدية تبدو أكبر من المسؤولية على أي طائفة أخرى، أكبر من المسؤولية على أي طائفة أخرى؛ لأننا – في نفس الوقت – نقول: نحن أهل الحق، ونحن من بين أيدينا مبادئ الإسلام وقيمه بشكل صافٍ ونقي لم نتعرض في تاريخنا إلى أن نحمل عقائد باطلة ندين لله بها، فنحن أهل الحق. إذاً فأنت أنت المسؤول الأول عن هذا الحق أن تعلي كلمته، أن تعلي صوته، أن توسع دائرته في هذه الأرض.

ثم مع هذا نبدو أكثر الناس مللاً, وأقصر الناس نظرة، – وتقريباً – أضيق الناس صدراً، لا نريد نسمع كثيراً، لا نريد أن نفهم كثيراً، متى ما تحدث أحدنا عن علي بن أبي طالب مرتين ثلاث قلنا [خلاص، يكفي] متى تحدث عن أهل البيت قلنا: [يكفي]. إذا تحدث عن قضايا المسؤولية وإشعارنا بمسؤوليتنا قلنا: [يكفي]. ملل وضيق أفق.

ألسنا نرى الآخرين لا يملون من أن يسمعوا ما هو حديث عن معتقداتهم؟ أحياناً حتى داخل مدارسنا العلمية هذه التي عمرها لا تزال ناشئة نسمع أن في داخلها من يقول: [خلاص – يا أخي – يكفي]. أنت أول من تَملْ وأنت من يراد منك أن تخرج داعية للأمة، مرشداً للمجتمع، مرشداً للناس فإذا كنت أول من يمل، أول من يقول: [يكفي] فلن تتحدث مع الآخرين حتى يقولوا: [يكفي] مثلما قلت أنت. ألا يعني هذا بأنا يجب أن نُفَتّح أكثر وأن نفهم أكثر، حتى لا نكون تحت أقدام منهم تحت أقدام منهم تحت أقدام من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، حتى لا نبوء بغضب من الله، حتى لا نتعرض لعقوبة الله في الدنيا قبل الآخرة.

وغير صحيح غير صحيح أن تقول: نحن نعيش مستضعفين أذلاء لكن إن شاء الله يوم القيامة ندخل الجنة، ونعيش أعزاء، ونعيش سعداء، ونرى الآخرين وهم في قعر جهنم. ليس صحيحاً هذا. إذا لم تكن أنت من تعمل هنا في الدنيا؛ لأن الجنة هي كما قال الله: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (آل عمران: من الآية136) مجرد خداع فقط نخادع أنفسنا.

إذاً فلنعي ولنفهم ولنحاول أن نسمع أكثر، ولكن من أين؟ نحن نسمع كثيراً وتسمع أحياناً بغير إرادة منك، أليس الكلام في هذه الدنيا كثيراً؟. أليس الكلام كثيراً في الدنيا هذه؟ تسمع حتى على غير إرادة منك وتشاهد رغماً عنك، تسمع رغماً عنك، وتشاهد رغماً عنك، أنت تمشي في الشارع وذلك الميكرفون في الجامع فيه إنسان مضل يتحدث فتمشي أنت في السوق ورغماً عنك تسمع كلامه.. أليس كذلك؟ يتحرك وراءك بعربية الأشرطة أو سيارة فتسمع رغماً عنك، تلتفت إلى الأرض ترى قطعة صحيفة، قطعة كتاب تقرأها رغماً عنك، لافتة هنا أو هناك [يافطات] تقرأها رغماً عنك، أليس كذلك؟ حتى يصبح الإنسان يتعرض لبعض الأشياء رغماً عنه فيضل رغماً عنه.

عندما نقول: نفتح نسمع أكثر.. نسمع من قناة واحدة، لا يعني بأن نسمع من هنا ونسمع من هناك، كل شيء حاصل من هنا وهناك وهو الذي عانينا منه، إذاً فالزمن بكله والمرحلة بكلها هي نفسها ما سماه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): ((فتن كقطع الليل المظلـم يمسي المـرء مؤمنـاً ويصبح كافـراً يصبح مؤمنـاً ويمسي كافراً)) ما المخرج؟.

هل المخرج كما يقال: [أن تتثقف أكثر] فتنظر هذا، وتسمع هذا، وتذهب إلى ذاك وتسير عند ذاك، وترجع إلى هذا، وتنظر عند هذا فيقال توسع ثقافتك على أساس أن يكون لديك معرفة ويكون لديك رؤية وأن يكون لديك خبرة، وتطور معلوماتك، وكلام من هذا القبيل.. هل هذا هو الحل؟. لا.

سيكون هذا مفيداً متى ما بدأت تمشي في طريق واحدة وتثقف نفسك أولاً من قناة واحدة فتصبح لديك ثوابت صحيحة، يصبح لديك رؤية صحيحة, مقاييس صحيحة، معايير صحيحة، ثم حينها انطلق في هذه الدنيا، اقرأ أي شيء، تسمع ولو كل قنوات العالم هذا تسمعها أو محطات الإذاعات كلها فيما بعد ستفيدك فعلاً خبرة وبصيرة، سترى كم هي ضالة، سترى كم فيها ما يشهد بصحة ما أنت عليه، حينها لا تكون عرضة إطلاقاً لأن تضل.

بعد أن أخبر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بأنه سيأتي بعده فتن كقطع الليل المظلم على هذا النحو هل سكت؟ هو من هو حريص على هذه الأمة أن يرشدها أن يبصرها حتى وإن كان في آخر أيامه، والمرض ينهك جسمه، والموت يدب في أعضائه، ما يزال يحمل حرصاً على هداية أمته.

من خلال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) سنعرف ما هي هذه القناة، ومن خلال القرآن أيضاً. وأولاً نعرف ما هي هذه القناة التي نعطيها أهمية كبرى أولاً، الله قال في القرآن الكريم يتحدث عنه بأنه هدي {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(الاسراء: من الآية9) {هُدىً لِلنَّاسِ}(البقرة: من الآية185) {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ}(المائدة: من الآية16) سبل السلام، سلام من ماذا.؟ السلام من الضلال السلام من الهلاك، السلام من الخزي، السلام من العار، السلام من جهنم.

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}(الأنعام: من الآية153) في أكثر من آية يذكر الله سبحانه وتعالى أن هذا القرآن هو هدى {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}(البقرة: من الآية2) {هُدىً لِلنَّاسِ}، إنه الهدى الذي قال عنه: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}(طـه: من الآية123).

أثناء الفتن وعند تراكم الفتن هذه التي كقطع الليل المظلم ما الذي يحدث؟ ليست الخطورة فيها في أنه كم قتلى يحصل هنا، كم دمار يحصل هناك لأنه قال فيها، يبين وجه الخطورة فيها على أمته ((يمسي المرء مؤمناً ويصبح كافراً, يصبح مؤمناً ويمسي كافراً)) أي الخطورة فيها خطورة تضليل رهيب والتباس في الأمور، وضلال رهيب، وضلال دقيق، ويأتونك من بين يديك، ومن خلفك وعن يمينك، وعن شمالك {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي}(طـه: من الآية124).

ألم يقل الله بأن هذا ذكر؟ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طـه:124) لماذا يحشر أعمى؟؛ لأنه كان ضالاً عندما أعرض، أعرض فضل. {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ}(طـه: من الآية127) هكذا يكون جزاؤه أن يحشر يوم القيامة أعمى، وأن يعيش في الدنيا عيشة ضنكا.

الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول في حديث رواه الإمام علي (عليه السلام), عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال سمعت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول: ((ألا إنها ستكون فتنة.. فقلت ما المخرج منها يا رسول الله؟. قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم)).

قلنا أكثر من مرة بأن القرآن الكريم يستطيع أن يكشف لكل أمـة واقعها، يستطيع أن يكشف لك الواقع.

((فيه خبر ما بعدكم)) خبر ما سيأتي بعدكم لكن ليس على سبيل الإخبار التاريخي بأنه سيأتي في عام كذا وكذا يحصل كذا وكذا.. لا. بطريقة أخرى بطريقة أخرى لا يستطيع أحد أن يعملها.

((ألا إنها ستكون فتنة.. فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟. قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم)) ونبأ ما قبلنا فيه عبرة ودروس لنا في مقام الهداية {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}(يوسف: من الآية111).

((وخبر ما بعدكم، وحَكَم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل)) فيجب أن نتعامل مع القرآن بجدية، هو فصل في كل القضايا، فصل في مقام الهداية يرشد للتي هي أقوم.

((ليس بالهزل)) هـو كتاب عملي, كتاب عملي، كتاب للحياة، كتاب للنفوس، كتاب للهداية، ليس فيه مفردة واحدة لا تعطي هداية، ليس فيه آية واحدة لا تعطي هداية، حتى تلك التي يقول عنها أصحاب الناسخ والمنسوخ, أو أصحاب [قواعد أصول الفقه]: هذه الآية منسوخة. ما الحكمة من بقائها؟ قال: لمجرد التعبد بتلاوتها. ليس من هـذا القبيل كتاب الله، كل مفردة فيه فيها هداية كبرى، كل آية تهدي هداية، أحياناً تفتح كثير من الآيات أبواباً واسعة من أبواب الهداية.

((من تركه من جبار قصمه الله)) حتى وهو جبار متى ما ترك القرآن يتعرض لأن يقصمه الله، فكيف بأولئك المستضعفين الذين ليس لديهم ما يحميهم إذا ما تركوا القرآن سيُقصمون سريعاً على أيدي الجبارين، هذا هو جبار أي يمتلك قدرة أن يحمي نفسه بل هو من يتسلط على الآخرين متى ما ترك القرآن فإنه يتعرض هو لأن يقصمه الله. لكن هناك سنن ثابتة في القرآن الكريم في قصم الجبارين.

((ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله)) حتى عندما تعرف الواقع الذي أنت تعيش فيه، وتعرف المرحلة السيئة التي أنت تعيش فيها، والضلال الذي ينتشر من يمينك وشمالك، وأنت هناك من يهتم بنفسه فتبحث عن الهدى، وإن كان لديك حرص كبير على أن تهتدي فإنك عندما تبحث عن الهدى في غير القرآن، وعن غير القرآن تضل، بل يضلك الله، وكلمة: ((ابتغى)) يعني طلب الهدى.. من الذي يطلب الهدى؟؟. من يشعر بحاجة إلى الهدى، حتى من يشعر بحاجة إلى الهدى متى ما انطلق ليهتدي من هنا أو من هنا سيضل.

((وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن ولا يشبع منه العلماء)). متى ما اختلفت الألسن وهي تتلوه، متى ما اختلفت الألسن وهي تعبر عنه لا يؤثر هذا عليه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9). وما أكثر ما حصل من التباس الألسنة حول القرآن الكريم، التباس رهيب على أيدي المفسرين، على أيدي أصحاب فنون كثيرة من الفنون التي يقال بأنها تخدم القرآن الكريم، التباس كثير حصل، ولكن القرآن ما يزال هو, هو, لا يمكن أن يمسه أحد بسوء، ولا  يزال هو هو يرفض كلما يلصق به مما لا ينسجم معه.

((ولا يشبع منه العلماء)) لا يشبع منه العلماء؛ لأن فيه المعرفة الواسعة، هو بحر لا يدرك قعره.

لكن أصبحنا في موقف عجيب، الشخص منا متى ما كان فقيراً يقول للآخرين: ما معي إلا الله. أليس هكذا يقول؟ يقال للشخص الذي يتعلم القرآن: أنت بتقرأ؟ أنت تتعلم؟ يقول: نعم. في ماذا؟ يقول: في القرآن، أتعلم حصة في القرآن. وماذا؟ أليس الواحد يقول: وماذا هل معك شيء آخر، لم يعد هنا شعور بأن القرآن يكفي إلى درجة أنه لا يشبع منه العلماء. ومن العلماء؟. العلماء الذين يغوصون في أعماق أعماقه، لا يزالون مهما عُمِّرُوا لا يشبعون منه. أي هو بحر علوم.

((ولا يَـخْلَقُ على كثرة الرّد)) مهما تردد الحياة تتردد من حولك وتتغير، وتحدت أحداث متعددة والقرآن كلما ترجع إليه يفيدك يعطيك هدى، يكشف لك شيئاً.. كل يوم ترجع إليه. أليست الحياة هكذا تتحرك؟ الحياة كلها تتحرك متغيرات تطرأ، أحداث تطرأ، القرآن يكشف لك الكثير الكثير عنها، وكيف تنظر إليها، وكيف تتعامل معها.

((ولا تنقضي عجائبه)) حكم عجيبة يعطيها، أمور عجيبة يكشفها، سبل عجيبة يهدي إليها قيم عجيبة.

أيضاً ((هو الذي لم تنـته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} (الجـن: من الآية2))) هؤلاء جن [قُبَلِيين] على ما بنقول نحن: قُبَلِي. {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} (الاحقاف:30) كذلك قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباًً} عجيب فيه العجائب، {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}.

حاولوا أن تربطوا أنفسكم في عملكم هذا بالقرآن وأنت ترشد حاول أن تدور حول القرآن وتنـزل القرآن للناس وتعرض آياته للناس وتذكرهم به؛ لأنك هنا لن تقع في باطل، لن تقع في باطل إذا كنت تقول به، وليس تتقوّل عليه. هناك من يرجع إلى القرآن ولكنه يتقوّل على القرآن من منطلق عقائد فاسدة لديه، أو قواعد باطلة ينظر من خلالها إلى القرآن الكريم فيصبح مُتَقَوِّلاً عليه، لكن لا.

((من قال به صدق، ومن عمل به أُجِر، ومن حَكَم به عدل)) فيعني ضمانات هذه مادمت تتحرك في إطار القرآن فكل شيء يأتي من عندك سيكون صحيحاً، عندما تقول به تصدق، تعمل به تريد الأجر من الله يحصل لك أجر، تحكم به تعدل.

((ومن دعا إليه فقد هَدى إلى صراط مستقيم)) ألسنا بحاجة إلى أن نهتدي إلى الصراط المستقيم؟. إذاً فالقرآن الكريم هو فعلاً القناة التي يجب أن نتلقى منها البينات التي يجب أن نهتدي بها في هذا العصر. في هذا العصر الذي تحدثنا عنه, عن واقعه, وعن واقعنا فيه, وعن وضعيتنا فيه. نحن قلنا: مما نعاني منه الملل, أو تساؤلات بالمقلوب.

تحدثنا بالأمس حول ولاية الإمام علي (عليه السلام) من خلال الآيات الكريمة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة:55) وتناولنا الآخرين أيضاً بكلام من خلال المقارنة, عمر أبو بكر عثمان وأضرابهم.

العادة في طرح كهذا؛ لأنه أصبح غير مألوف، أصبح غير مألوف عند الكثير، وغير مسموع عند الكثير أن يتحدث الإنسان بشدة حول أبي بكر وعمر وعثمان وتلك المجموعة التي لا نزال نعاني من آثار مخالفتها لله ولرسوله, قد يبدو بعض الناس يتساءل: [أنه لماذا ولاية علي بالذات ممكن نتولى علياً وأبا بكر وعمر وعثمان والكل ونرضِّى عليهم جميعاً وكلهم باهرين] ما احنا قد تولينا علي؟ إذاً هل هناك مانع من دخول الآخرين معه؟ وبذلك سنبدو سمحين ونبدو قريبين من الآخرين ونبدو ونبدو.. الخ.

هذا يحصل مثل هذا كثيراً حتى في أوساط علماء ومتعلمين، وقد يكون – ربما والله أعلم – من أوساط العامة أنفسهم ممن تراه لا يتسامح في شبر واحد من [مَشْرَب] أو قطعة أرض، أو [مَحْجَر] مع صاحبه, أو مع أخيه من أمه وأبيه! ولكنه سيبدو متسامحاً مع أبي بكر وعمر وعثمان، وسَهْل لو أخذوا علينا ثلثين الدين.

لكن بالعودة إلى القرآن الكريم سنعرف أننا بحاجة إلى أن نتحدث بهذا الأسلوب, وبهذا المنطق، وإلا فنحن لسنا ممن طبائعهم حمقى أو ضيقة أو شديدي اللهجة على أي إنسان أو يتطاولون بألسنتهم على أي إنسان.. ليس هذا من طبعنا. ولكن هي الحاجة الماسة التي جعلتنا نتحدث حتى على الرغم من أننا نعلم أننا سنجرح مشاعر كثير من المسلمين بهذا الكلام.

لكننا نقول: نحن أمة مجروحة يجب أن تبحث عن العلاج وعن سبب المرض، عن السبب الذي جعل هذا الجرح ينـزف دماً ولا نجد هناك من يلتئم الجرح على يديه. ليس عصر مجاملة، ليس عصر مداهنة، ليس زمن تغطية وتلبيس، زمن يجب أن تكشف فيه الحقائق على أرقى مستوى، وأن يتبين فيها بدءاً من هناك من مفترق الطرق من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من هـو السبب في كل ما نحن نعاني منه؟ حتى وإن كان علياً، حتى وإن كان عماراً، حتى وإن كانت فاطمة ناهيك عن أبي بكر وعمر وأضرابهم.

ليست المسألة تحامل على الآخرين إنما هي شيء يجب أن نصل إليه من خلال, من خلال ثقتنا بأن هـذا القرآن هو وحده الذي يهدي، من خلال اعتماد القرآن الكريم بأنه هدى الله الذي يهدي للتي هي أقوم، وبروحية القرآن نتحدث عن الآخرين، وبأسلوب القرآن نتحدث عن الآخرين أيضاً.

إذاً فليس هناك مجالاً أن تبدو أكثر تسامحاً من الله، أو أكثر رحمة بالآخرين من الله، أو أكثر حرصاً على وحدة الأمة – فتقول من أجل الأمة تتوحد – من الله، إن الله سبحانه وتعالى هو الذي لم يراع مشاعر أولئك الذين يقول الكثير: لا بد أن نراعي مشاعرهم، بل خاطبهم بلهجة قاسية في قضية تبدو عادية للبسطاء تبدو عادية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (الحجرات:2) سننسف أعمالكم.

أليس هكذا؟ هذا منطق شديد والاّ لا؟ يقل: [كانوا وكانوا مع رسول الله, ويقال كانوا يجاهدوا، وكان باهر… وكان.. وكان..] الله الذي يعلم الأعمال ويكون للأعمال قيمتها عنده، يقول: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} عندما تخاطبوه: يا محمد. بعبارات نحو هذه.

{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} سنحبط أعمالكم. ماذا وراء إحباط الأعمال ماذا؟ أليس وراءها جهنم أن تحبط أعمالك الصالحة؟ الإنسان لا يبقى صفر لا سيئات ولا حسنات معناه سترتكب خطيئة وجريمة تحبط كل حسناتك، وتملأ كل ذلك الفراغ سيئات. الإنسان لا يعيش في لحظة لا حسنة ولا سيئة، لا أحد يعيش صفر من هنا ومن هنا.

{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} قالوا: هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر, ودعها تنـزل في الصحابة كلهم.. أليس هذا منطق ولهجة شديدة؟ ألا تدري لماذا؟ لأن في رفع صوتهم فوق صوت النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) ما يخل بالأدب في مجلسه ومحضره, ما يكشف عن عدم إجلال واحترام وتقدير له بالشكل الذي يليق به، فإذا كان محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) رسول الله ليس له المكانة العظيمة في نفسك التي تجعلك تتأدب في مجلسه إذاً فلن يكون لكلامه وتوجيهاته أهميتها في نفسك، ولن تقع موقعها في نفسك، وبالتالي فسيكون من السهل أن تخالفها، من السهل أن تتملص عنها، من السهل أن تؤولها، من السهل أن تبتكر من عندك ما تعتقده بديلاً عنها وتقدمه بديلاً عنها، وهنا مَكْمَن الخطورة.

فكيف بمن رفعوا صوتهم فوق صوت النبي, وخالفوا النبي, ورفعوا صوتهم فوق صوته وهو في حالة المرض وفي قضية مهمة.

{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} ارجع إلى القرآن الكريم تجد أسلوبه يقوم على هذا النحو: يلعن الكافرين، يلعن الفاسقين، يلعن الظالمين، يلعن المؤذين لله ولرسوله, أليـس القرآن مليء بهذا؟ أم أنه فقط كتاب أخلاق وتساهل، وليست مشكلة وإن كان ظالم ما عليك منه، وفاسق تتمشَّى معه، وكافر اتركه لوحده، وكلٌ سيدخل قبره وحده. هو هكذا منطق القرآن؟ أم أن منطقه صرامة وشدة مواقف. والقرآن كتاب عملي، ليس فقط للترانيم كتاب عملي للحياة وللنفوس تهتدي، وتتحرك على أساسه، كل شيء فيه مهم، فهو يوجه حتى بأساليبه.

الله الذي يسمي نفسه بأنه أرحم الراحمين، رحيم بعباده يلعن هذا، وسيحبط عمل هذا، ويضرب هذا. المسألة ليست مسألة رحمة كما نتصورها نحن، أو تسامح مع كل الأطراف كما نتصورها نحن. لا.. له منهج واحد {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}(الأعراف: من الآية156) أليس كذلك؟ له هدي واحد: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طـه:124) من أي الأوساط كان، وفي أي مرتبة كان حتى وإن كان نبياً من الأنبياء فإنه يقول له: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الأنعام:15) ليس هناك مجاملة إطلاقاً من قبل أرحم الراحمين.

أنت قد تتجنى يا من يبدو في منطقه أو في تفكيره أكثر تسامحاً، عندما تسمع منطقاً شديد اللهجة غير مألوف ولو على مسامعنا، نحن أصبحنا كما قلت سابقاً لا نتثقف بثقافتنا، وإلا فهذا المنطق ليس جديداًَ هو منطق السابقين من أئمة أهل البيت، هو منطق فاطمة الزهراء التي أوصت أن لا يحضر جنازتها ولا الصلاة عليها أبو بكر ولا عمر، حتى خرج علي (عليه السلام) مع عمار ومجموعة خاصة من أوليائه ليدفنوها في الليل ويعملون عدة قبور ليعمّوا حتى قبرها عنهم، أليس هذا شدة من فاطمة؟.

فاطمة هي كما قال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ((هي سيدة نساء العالمين)) ((فاطمة بضعة مني يُرِيـبُني ما رابها، يؤذيني ما يؤذيها، يغضبني ما يغضبها، من آذاها فقد آذاني، من أغضبها فقد أغضبني)) على اختلاف ألفاظ الحديث أو تعدد رواياته.

قد تتجنى على حكمة الله سبحانه وتعالى، فتبدو وكأنك أكثر حكمةً من الله، الله الذي قال: سيحبط أعمالهم، أعمالاً صالحة. وأنت تريد أن تتغاضى عن أعمال سيئة ترفعها إلى مقام الأعمال الصالحة، كم هو الفارق؟ كبير‍. الله قال: سيحبط أعمالاً وإن كانت أعمالاً صالحة فعلاً، وإن كان فيها جهاد وعبادة وإنفاق، سيحبطها إذا رفعتم صوتكم فوق صوت النبي، فكيف إذا رفعت خطاً ومنهجاً بأكمله خلاف منهج النبي فتجعل حركة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وما بذله من جهد كبير أيام حياته تجعله لا شيء في الأخير. وهو الذي ساد في هذه الأمة من ذلك الزمن إلى الآن، أليس أبو بكر وعمر ومن ورائهم هم الذين سادوا المجتمع المسلم؟ أليسوا هم أغلبية الأمة؟.

قل: إذاً أولئك لم يرفعوا فقط أصواتهم فوق صوته بل رفعوا أشياء أخرى خلاف ما جاء به، رفعوا أمة أخرى غير الأمة التي كان يريد أن تكون هي التي ترتفع، رفعوا أمة. هذه الأمة التي كان يريدها النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) أن تكون هكذا على مستوى عال، على مستوى عال في واقع حياتها، في تفكيرها، في هديها، في زكاء نفوسها أصبحت أمة دُنِّسَت بالعقائد الباطلة، تحت أقدام الجبارين من الخلفاء في مختلف العصور، على يد من حصل هذا؟.

يُظلم أول من يُظلم أهل بيته: علي وفاطمة والحسن والحسين أول من ظلم في هذه الأمة، على يد من حصل هذا؟ على يد أبي بكر وعمر.

يصل معاوية إلى حكم الأمة، ويصل يزيد إلى حكم الأمة، ويصل من كانوا يسبحون في أحواض من الخمر فيشرب حتى الثَّمَالة وهو أمير المؤمنين! على يد من حصل هذا؟ وبسبب من حصل هذا؟.

القرآن الذي جاء به محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) كان هكذا يريد أن يكون من يلي أمر أمته التي هو حريص عليها أن يكون من هذا النوع: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(المائدة: من الآية55) فكان هناك من لا يصلي، من يسبح في أحواض من الخمر، من يسهر في السهرات الحمراء الراقصة – كما يقولون في زماننا هذا – على يد من حصل هذا؟ بسبب من حصل هذا؟.

رفعت أشياء رهيبة جداً، جداً خلاف ما كان يريد القرآن ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يرتفع في الأمة، أليس هذا أعظم من رفع الصوت فوق صوت النبي؟ أليس هذا يؤلم النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) أكثر من أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته؟.

بل هو كان سمحاً في أخلاقه وإن حصل في مجلسه ما لا يليق من ناحية الأدب معه (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يستحي أن يتحدث. كان يجلس في مجلسه ناس فيستحي أن يخرج من عندهم إنما يأتي الله هو يقول لهم: يا جماعة خففوا على النبي، خففوا على نبيكم. ألم يحصل هذا من قِبَل الله هو الذي فَرَعْ فيه.

كان يستحي أن يتكلم هو، يرفعوا أصواتهم فوق صوته فيتحمل، يجلس في حجرته الشخص منهم أو الأشخاص فترة طويلة يستحي أن يقول لهم اخرجوا، يستحي أن يخرج من عندهم. كانت أخلاقه عالية وكريمة وصدره فسيح، لكن القضايا هذه ليست عادية فقال الله سبحانه وتعالى هو لعباده يحذرهم ويؤدبهم.

فأيهما أشد عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وعلى مشاعره، وعلى نفسه أن يرفع صوت فوق صوته في مجلسه أو أن يرفع شخص آخر غير من رفعه هو ورفع يده فوق أقتاب الإبل [يوم الغدير]؟. أيهما أشد عليه؟ مخالفته في قضية كهذه أو أن يرفع أحد صوتاً فوق صوته؟ معلوم أن مخالفته في قضايا كهذه المهمة هي التي تؤلمه جداً.

قد تبدو متسامحاً أكثر من الله. الله لا يتسامح مع الذين يَتَجَـنَّون على عباده، ويظلمون عباده، ويحرفون دينه.

هل تسامح مع آدم؟ أول رجل في هذه الأمة أخرجه هو وزوجته من الجنة التي كان قد أعدها لهم في هذه الدنيا ليقيموا فيها فترة حتى يتكاثر نسلهم، عندما أكل شجرة، ما هي هذه الشجرة؟ هل هو شرب خمراً؟ لا. شجرة.. قال المفسرون: شجرة حنطة، أو أنها الشعير أو أنها التينة، أو أنها الكَرْمة، شجرة عادية من هذه التي نأكلها، لكنه خالف فشقي {فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}(طـه: من الآية121) أُخرجا من الجنة، اهبطا منها، ونُزِع عنه وعن زوجته لباسهما فخرجا عاريين، نُزِعت ملابسهما من فوقهما {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (طـه: من الآية121). شقي آدم بسبب مخالفة؛ ليعطي دروساً لبني آدم من بعده أن مخالفته لا يمكن أن تكون كطاعته.

فتأتي أنت تسوي بين من خالف أمره في أمور مهمة جداً وبين من يطيعه وهو يقول: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} (السجدة:18) {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} (الحشر:20) يجب أن نهتدي بهدي الله، وأن نقف موقف القرآن, وأن ننطق بأساليب القرآن وأن نكون أقوياء بقوة القرآن، وإلا فسنكون نحن من يَتَجَنّى على حكمة الله وعدله ورحمته فيـبدو وكأنه أكثر حلماً من الله، أكثر رحمة من الله، أعظم حكمة من الله، أوسع علماً من الله، ستبدو هكذا فتسيء أنت إلى إلهك، وتسيء إلى نفسك إساءة بالغة، إساءة بالغة.

كيف تريد أن تتسامح مع أشخاص هم ضربوا هذه الأمة؟‍ بل لا مخرج لهذه الأمة إلا بأن تصحح وقفتها معهم ونظرتها إليهم من جديد. والله هو الذي يقول لنبيه سيد المرسلين: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الأنعام:15) هل هناك أحد في هذه الأمة أرفع من محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو الذي يقول: لو عصيت لعذبني، أخاف إن عصيت أن يعذبني. طيب لو عصى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) سنقول: طبيعي، هو نبي هو كذا. حتى هذا أليس منطقاً رفيعاً؟ هل هو مقبول عند الله؟. لا.

تنـزل إلى شخص آخر ما كان ربما يدري من هو الذي يخاطبه، مقام الذي يخاطبه، عظمة الذي يخاطبه، جلال الذي يخاطبه فيرفع صوته فوق صوته ويعارضه في من‍زله في داخل بيته أثناء مرضه في قضية تهمه جداً، هل تريد أن تمنحه ما لم يُمنح لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) من قِبَل الله؟. فتؤمّنه مما لم يأمن منه محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) إن عصى ربه؟!!. تبدو أنت ترتكب جريمة أخرى، تبدو أنت من يغطي على منابع الفساد في هذه الأمة.

ثم نأتي إلى من يقول: [ممكن نتولى علياً وأبا بكر وعمر وعثمان والصحابة جميعاً ونرضي عليهم ونبدو أكثر تسامحاً، ويمكن أن نتوحد مع الآخرين..] الخ.

هل هذا صحيح؟. هل هذا ممكن؟. لو كان ممكناً، لو كان يبرّئ الذمة، لو كان فيه الحل، لو كان هو هدى الله ما الذي يمنعنا من ذلك، هل هناك ما يمنعنا؟ يمكن أن نصلي عليهم وليس فقط نرضي عليهم لو كانت القضية هكذا ممكنة، لكن ارجع إلى الآيات هذه نفسها، أليست تتحدث عن قضية مهمة جداً بالغة الخطورة علينا في إسلامنا، في أنفسنا في إيماننا في أنفسنا؟ وفي واقع حياتنا؟ قضية أهل الكتاب مواجهة اليهود والنصارى، ما يحصل من جانبهم، أليست القضية خطيرة؟ تضربنا في إيماننا فنكون قد ارتكبنا جريمتين أضعنا إسلامنا وأضعنا مسؤوليتنا.

ألم تذكرنا آيات [آل عمران] بأن القضية هي على هذا النحو: محافظة على إسلامكم، وتأهيل لأنفسكم لتكونوا بمستوى أداء مسؤوليتكم. ما هي المسؤولية هذه؟ مسؤولية كبرى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: من الآية110) مسؤولية كبرى، أن تكونوا ممن قال عنه: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(المائدة: من الآية54) إذاً ففي هذه الآية أرشد إلى تولي من نوع خاص ولطرف خاص: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة:55).

إن المراد هنا: أن تتولى جهة، تولي تنظر إليها أنها الجهة التي تعتبر ولي أمرك ولاية أمر منها تتلقى الهداية، منها تتلقى التوجيهات، بها تقتدي, بها تهتدي؛ إن المقام مقام يتطلب هذا فعلاً، ولهذا قال بعدها: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة:56) هو يفترض أننا يجب أن نكون في مقام تأهيل أنفسنا لنكون حزب الله ولنغلب، إذاً ماذا يعني هذا؟ هو أنك تبحث عن من تتولاه به تهتدي، به تقتدي، له تطيع، له تَأْتَمِر، له تتبع، منه تقتبس، به تتأسى. قيادة، ولاية أمر، هذه تختلف عن الولاية فيما بين المؤمنين أنفسهم {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}(التوبة: من الآية71) هذا هو جانب معناه أن يكونوا مع بعضهم أولياء بعض, أن يكونوا صفاً واحداً وموقفاً واحداً متعاونين متكاتـفين كالجسد الواحد فيما بينهم، يَهُمّ بعضهم أمر بعض، تسودهم حالة من الألفة، من الأخوة، من المحبة.

لكن هنا يرشد إلى جانب الجهة التي تتولاها لتتلقى منها الهداية، تتلقى منها التوجيهات؛ لأنك عندما تريد أن تكون كما قال الله سبحانه وتعالى تريد أن تكون من حزبه أليس يعني هذا أنك تريد أن تكون جندياً من جنوده في مواجهة طائفة خبيثة من خلقه هم أهل الكتاب: اليهود والنصارى.. إذاً كيف جندي بدون قيادة؟ كيف جندي لا يتلقى أوامر ولا توجيهات من طرف معين؟ كيف يوجهك إلى أن تكون جندياً من جنوده فتكون واحداً من أفراد حزب يسمى [حزب الله] هو الحزب الموعود بالغلبة ثم لا يتحدث لك عن قيادته من هي؟ وكيف يجب أن تكون قيادته؟ هل هذا ممكن؟ لا يمكن لا يمكن؛ ولهذا قال هنا: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}(المائدة: من الآية56) حزب الله ماذا يعني؟ جنود, أليسوا جنود لله؟ جنود لله يسمون حزبه في ميدان المواجهة، في ميدان الصراع، في ميدان الكفاح بمختلف الوسائل.. كيف جنود بغير قيادة؟ هل هذا ممكن؟ هل ممكن لأي ملك من ملوك الدنيا أو زعيم من زعماء هذا العصر أن يرسل كتيـبة إلى منطقة بغير قائد، هل هذا يحصل؟ يضعون قائداً حتى للطقم الواحد، سيارة واحدة يضعون لها قائداً، أليس هذا هو ما هو معروف؟.

هذا الذي قال عنه القرآن الكريم: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ}(المائدة: من الآية16) {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(الإسراء: من الآية9) هو يهدينا إلى كيف نكون جنوداً في مقام مواجهة عليا، مواجهة على مستوى راقٍ، ثم لا يتحدث عن الجهة التي نتلقى منها التوجيهات، عن الجهة التي تقودنا، عن الجهة التي بها نقتدي، عن الجهة التي لها نطيع ونأتمر، هل هذا ممكن؟. لا يمكن, لا يمكن.

ولهذا تجد أنه كيف في الآيات في [سورة آل عمران] في مقام الحديث عن أهل الكتاب كيف وجهنا إلى نقطة مهمة هي: أن نكون متوحدين داخل من يجب أن يكونوا حزب الله ثم هنا يتحدث عن القيادة, القيادة هي تبدأ من عند ولي العباد هو الله سبحانه وتعالى.

قلنا في جلسة سابقة بأنه يبدو لمن يتأمل هذه الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل، وعن ما يراد للأمة في مواجهتها، وعن خطورة هذه القضية يبدو وكأن الله سبحانه وتعالى هو من يقود هو من يتصدر لقيادة المهمة فعلاً، ماذا يعني؟. وكأن القضية تولى رسم معالمها, تولى تبيينها بشكل يعني هو تولى قيادة – كما يقولون – [غرفة العمليات] تولى هو القيادة لخطورة القضية. فكيف لا يوجه؟

{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} تهتدون بهديه، تسيرون على تعليماته ووفق خططه في هذه المواجهة، أنتم يا من تريدون أن تكونوا حزبه لتغلبوا، وليكم الله ورسوله والذين آمنوا علي بن أبي طالب، فتولي علي بن أبي طالب هو تولي قدوة، تولي ولي أمر، تولي هادي للأمة من بعد نبيها (صلوات الله عليه وعلى آله).

[علم للأمة بعد نبيها لم يقل علي وفلان، وفلان، وفلان] لم يرض عمر هو، قال: (لا يجتمع سيفان في غِمْدٍ واحد) أو بهذا المعنى، هو نفسه لا يرضى هو؛ لأن معناه أن ترفع أبا بكر وعمر وعثمان في نفس المقام الواحد لتعطيهم هذه الولاية التي لا تصح إلا لعلم واحد.. هل يمكن أن يكون هناك أكثر من قائد واحد لكتيبة واحدة؟. أكثر من قائد لشعب واحد؟. أكثر من قائد لأمة واحدة؟ أليس هذا يوجد خللاً؟.

عمر نفسه رفض عندما قال الأنصار: [منا أمير ومنكم أمير]. قال: لا.. وأنت تريد أنت أن تضيف عمر وهو يرفض من حيث المبدأ ما تريد أن تعمله له، تضيفه إلى علي والذين آمنوا، نقول: علي وأبو بكر وعمر وعثمان وهكذا.. لا.

المسألة هي مسألة ولاية هدى، ولاية اهتداء واقتداء من جهة عُليا، منها تتلقى الهداية، أنت يا من أنت جندي في ميدان المواجهة، من أنت تسمي نفسك أو تريد أن تكون من حزب الله يجب أن تتلقى من هذه الجهة، وأنت تتولاها ولاية اهتداء واقتداء، ولاية طاعة، ولاية أمر، إذاً فلا مجال لسحبها على الآخرين. لأننا هنا نخاطَب بخطاب يختلف نوعاً ما عن قول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}(التوبة: من الآية71).

ثم نعود إلى ما تحدثنا عنه بالأمس لأن البعض قد يقول: لماذا لم يقل فلان؟ لماذا لم يقل ملككم أو رئيسكم أو زعيمكم: الله ورسوله وعلي، أو حتى يقول والذين آمنوا بعد ما يقول زعيمكم. لماذا قال: (وليكم)؟.

يجب أن نفهم كيف يجب أن تكون العلاقة، وكيف هي العلاقة فعلاً من وجهة نظر القرآن، وعلى وفق رؤية الإسلام، كيف هي العلاقة بين الله ملكنا وبيننا نحن عبيده وشعبه – إن صح التعبير – ليست العلاقة بيننا وبين الله، ولا بيننا وبين رسوله، ولا بيننا وبين علي على نمط العلاقة بيننا وبين الرئيس أو الملك أو الزعيم الفلاني، هل تفهمون هذه؟.

العلاقة بيننا وبين الله هي علاقة أسمى وأرفع، بيننا وبين رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) علاقة أسمى وأرفع، بيننا وبين علي (عليه السلام) كذلك علاقة أسمى وأرفع، بيننا وبين أئمة أهل البيت كذلك علاقة أسمى وأرفع من هذه.

ماذا يعني هذا؟ هي أنك خليفته في أرضه، أنت في واقعك خليفة له في أرضه، أنت بمسؤولياتك الكثيرة بمهامك الكثيرة في الحياة، أنت طرف تنطلق أنت من جهة نفسك لتبحث عن كيف تتلقى التوجيهات، عن كيف تتلقى الهداية، عن كيف تكون خطط عملك، عن كيف تهتدي وبمن تقتدي. تتلقى التوجيهات من فوق؛ ولهذا جاءت بلفظ (ولي).

كمثال لنفهم المسألة أكثر: أنت هنا علاقتك بعلي عبد الله كعلاقة المحافظ بعلي عبد الله؟ لا.. لكن نحن تحت اسم واحد [رئيس] أليس هكذا؟ تحت هذا الاسم الواحد؟ لكن علاقة المحافظ به ما هي؟ أليست علاقة طرف يتحمل مسؤولية، مَنُوط به مسؤوليات ومهام؟.

لاحظ كيف يبدو المحافظ مع الرئيس؟ أليس يبدو أكثر اهتماماً في متابعة أخباره، والبحث عن كيف يتلقى التوجيهات منه، وعلى علاقة دائمة به واتصال مستمر به. أليس هذا الذي يحصل؟ أنت كيف علاقتك أنت بهذا الشخص؟ لا شيء، ألست هكذا في ذهنيتك غافل عنه؟ فقط عندما يأتي أمر ممكن تقابل، ما هكذا يحصل؟.

إذاً نحن المسلمين في واقعنا في ما يتعلق بالعلاقة فيما بيننا وبين الله في هذا الجانب في كونه ملكنا وإلهنا ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو ولي أمرنا وعلي (عليه السلام) هو ولي أمرنا، هي من هذا القبيل، أنت في موقع المحافظ، مسؤوليات كبرى، مهام كبرى، فأنت أنت من جهة نفسك من ينطلق ليبحث وهو في ميدان تنفيذ المهام وأداء المسؤوليات والمواجهة مع أطراف متعددة، يتلقى التوجيهات من الجهة العلياء هذه. هل تفهم الفارق بين دورك أنت ودور المحافظ؟ أنت في دور المحافظ.

لهذا تجد القرآن الكريم عندما ترجع إليه يعبر عن ولاية الله سبحانه وتعالى لعباده بمختلف الأساليب، فهو وليهم يتلقون منه الهداية {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}(البقرة: من الآية257) فهو وليهم يتلقون منه التأييد بالنصر {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} (آل عمران: من الآية13) هو وليهم وهو يدبر شؤونهم، هو وليهم وهو يرعاهم.

تجد كلمة (ولي) في القرآن الكريم استخدمت بشكل كبير في مجال العلاقة فيما بين الله وبين الإنسان وبين عباده بالذات المسلمين لتعبر عن أن مصاديقها متعددة. وليست معانيها – كما يقول البعض – متعددة (مولى) تأتي بمعنى كذا وبمعنى كذا وبمعنى كذا!. كلمة (مولى) هي كلمة واسعة مصاديقها متعددة، مصاديقها متعددة في ميدان الهداية هو وليك يهديك، في ميدان المواجهة هو وليك يـنصرك ويؤيدك. هكذا المحافظ يعمل مع الرئيس، أليس كذلك؟.

في ميدان المواجهة اتصال مستمر [ألو فندم] ماذا نعمل، كيف نتحرك. أليس كذلك؟ في ميدان الثقافة في ميادين أخرى أليس على اتصال مستمر به، هو وليه يستمد منه كذا، ويتلقى منه كذا، ويتحرك على وفق ما يرشده إليه. وليست فقط على نحو ما نتصور هكذا كنظرة الشخص منا للعلاقة بينه وبين الرئيس.

القضية الآن معروفة؟.

فلهذا نفهم كم هي قيمة كلمة: (ولي), هو من يتولى مختلف الشؤون، الشؤون المتعلقة بك في إطار المهمة الكبرى المنوطة بك في مختلف مجالات الحياة وأنت تتحرك. هي نفسها ما أعطاه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) علي (عليه السلام) يوم الغدير عندما قال: ((فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه)). فيأتي بعد من لا يفهم فيقول: لماذا لم يقل [خليفتي].! نفهم السلطة، نفهم العلاقة على أضيق نطاق، نفهمها ضيقة جداً، نفهمها من خلال ما فهّمنا الخلفاء الجبابرة والسلاطين الجبابرة عن العلاقة بيننا وبينهم. ومن خلال ما فُهِمنا فعلاً من داخل كتب [علم الكلام]، وكتب [علم أصول الفقه]، تجعل علاقتي بالله كعلاقة أي واحد منا بعلي عبد الله.

انحطينا بشكل رهيب، أضعنا مسؤوليتنا فلم نعد نعرف ما هي العلاقة بيننا وبين الله فنرى كم هي متشعبة، ثم نرى كم هي واسعة، ثم نرى كم شؤونها متعددة، أو أن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ما كان يفهم ما كان يعرف كلمة [خليفة] وكلمة [سلطان] وكلمة [ملك]، وما كان يسمع هذه ولا يعرفها؟. هو يعرف، لكنه يريد أن يقول: أنت أيها الإنسان أنت أيها الإنسان خليفة لربك في هذه الأرض، أنت أيها المسلم، أنت أيها العربي المسلم مَنُوطٌة بك مهمة كبرى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(آل عمران: من الآية110) أليس هذا إطار واسع جداً جداً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ يشمل كل مجالات الحياة، يشمل كل المجالات: ونحن نتجه إلى الإنسان لنبنيه، كيف نربيه، كيف نثقفه، كيف نعلمه، كيف نصنعه. ويشمل كل مجالات الحياة، ونحن نبنيها. {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران: من الآية110) إذاً المسألة ليست مسألة تسلط. مسألة هداية، الله يصف نفسه بهذا.

أليس الله سبحانه وتعالى وهو يهدينا ويرشدنا داخل كتابه الكريم، يصف نفسه بالرحمة؟ أو أنه يقول أنه يسطر إرشاداته بشكل قوانين بشكل مرسوم ملكي، أو قرار من رئاسة الجمهورية: [مادة اثنين يعمل به من تاريخ صدوره، وينشر في الجريدة الرسمية]. مـا هكـذا يصدر؟.  أم أنه يقول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة:1) {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (غافر:2) {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (فصلت:2) {هُدىً لِلنَّاسِ} {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَـعَ رِضْوَانَهُ سُبُـلَ السَّلامِ} (المائدة: من الآية16)  {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107).

ما هذا؟ منطق ماذا؟. منطق ولي، لا ينظر إليك نظرة تسلط وتجبر وهيمنة على النحو الذي تفهمه أنت من خلال علاقتك برئيس أو بملك من زعماء الدنيا، ليس على هذا النحو.

أليس الله هو من يعرض كيف يحسن إلينا؟ {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}(النحل: من الآية53) {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}(لقمان: من الآية20) أليس هو من يدللنا ويسير بنا على نحو معين لننطلق في السير على صراطه المستقيم وهو يلفنا برحمة وبرفق ولين، هَلُمّ إلى هنا إلى الصراط المستقيم، تكاد – وأنت تتأمل – أن تنسى أن الله يتعامل معك كملك على النحو الذي أنت تفهم من خلال تعامل زعماء الدنيا معك.

[ولي] يرعاك، يدبر أمرك، يهمه أمرك، يحرص عليك، يرحمك، يرفق بك، لا يريد أن تضل، لا يريد أن تشقى {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ}(آل عمران: من الآية108) وهكذا كان رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهكذا العلاقة مع رسوله، وهكذا العلاقة مع علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه).

إذاً فعلي ولايتنا لـه ننظر إليه كولي أمرنا.. ما هو أمرنا؟ مهامنا في الحياة، مهامنا ونحن نربي أنفسنا ونرشدها لنـزكيها.

وليس كما يقال: الإمامة رئاسة عامة يعني إقامة الحدود، نقتل هذا ونقطع يد هذا ونجلد هذا. ما هذه أوامر, أوامر. أمر, الأمر الذي هو وليك فيه هو الأمر الواسع، هي المهام الواسعة في مقام تزكية نفسك، في مقام أداء مسؤولياتك في الحياة، هذه هي الأمور (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) ماذا يعني هنا كلمة (أمر)؟ هل تعني من لم يهتم بأن يأمر المسلمين فإذا لم ينفذوا ضربهم. هي هكذا؟.

بأمر المسلمين بأمورهم التي يجب أن تكون محط اهتمامه، أمورهم تلك المتعلقة بنفوسهم لتزكو، تلك المتعلقة بحياتهم لتبنى وتعمر على الصلاح والعزة، تلك الأمور التي يجب أن تتهيأ لهذه الأمة وتجتمع عليها لتكون أمة عزيزة قوية. ألم تأتِ هنا: (من لم يهتم بأمر المسلمين) كما نقول: [ولي أمر المسلمين]. {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}(الأحزاب: من الآية6) ماذا تعني: {أولى بهم من أنفسهم}؟. هل أنك دائماً تتعامل مع نفسك أوامر، كيف يتعامل الواحد منا مع نفسه؟. هل أصدرت مرة أمراً على نفسك؟ أمر, اسرح يا حسين الهم الله اسرح يا حسين السوق!! سيقال له مجنون من يتعامل مع نفسه على هذا النحو.

لكن نفسك هذه ما هي؟ ماذا يُراد لها؟ أليس يُراد لها أن تتعلم وأن تزكو، أن تنطلق قائمة بالقصد، أن تكون عضواً في حزب الله, أن تكون جندياً من أنصار الله. أليست هذه نفسك؟ طيب من الذي سيـبنيها على هذا النحو؟ دع النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) يبـنيها على هذا النحو فهو أولى بك من نفسك؛ لأنك أنت لن تستطيع، لا تملك أيضاً أن تجعل من نفسك هذا الإنسان على هذا النحو. {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ}(آل عمران: من الآية164) ألم يقل: {يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}(البقرة: من الآية129)، أليست هذه ما تكررت في أكثر من آية: {يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} فهو يعلم نفسك، يزكي نفسك، يؤهل نفسك، يبني نفسك يثقفها ينورها.

{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} على هذا النحو، هو الذي يتولى بنايتها، وبالطبع أنت إذا لم تدع النبي يتولى هو أن يبني نفسك، ويتولى شؤون نفسك ليجعل منك عنصراً صالحاً في هذه الدنيا، فستصبح ماذا؟ عنصراً باطلاً، عنصراً ضالاً، عنصراً مخرباً، تكون خبيثاً.. أين مكان الخبيث؟ جهنم، أليس كذلك؟ في يوم القيامة يميز الله الخبيث من الطبيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً ثم يجعله في جهنم، أليس كذلك؟.

أنت في هذه الدنيا إذا لم تجعل وليك هو الله ورسوله والذين آمنوا، ووليّك بمعنى تسلم له نفسك هو الذي يعلمها هو الذي يزكيها، هو الذي يؤهلها لتكون من حزب الله, لتكون من أنصار الله {فإنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُوْنَ}(المجادلة: من الآية22) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14) {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}(النساء: من الآية135) فتكون ممن يقومون بالقسط، هو يؤدبك، هو يربيك، هو يثقفك، إذا لم تسلم نفسك له وتشعر بأنه أولى بنفسك منك، أو أولى بك من نفسك – التعبير متقارب – ستصبح ماذا؟ شيطاناً وضالاً وفي الأخير تتحول إلى خبيث، وفي الأخير يكون مصيرك جهنم.

من هنا نعرف الفرق بين أن نفهم أن الحياة – كما يقول البعض أو كما نُفَهّم – مطبوعة هكذا: طاعات ومعاصي وأنت مخير هنا في الوسط إما تمشي هناك والاّ تمشي هناك، أليس هكذا يبدو الكلام؟. ونعرف هكذا؟، خاصة طلاب العلم عندما نقرأ [أصول الفقه] أو نقرأ في كتب [علم الكلام].

الحياة ليست مطبوعة بالمعاصي، ليست مطبوعة بالضلال، إنما أنت من سينطلق أنت من سينطلق، وحتى عندما يقول: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (البلد:10) هي هداية تتجه في قناة واحدة هي أنه إذا لم تكن أنت على هذا النحو فستصبح على هذا النحو، أليس كذلك؟.

{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}(الأحزاب: من الآية6) فإذا لم تدع النبي هو الذي يتولى شؤون نفسك وأمر نفسك. ماذا يريد النبي هل سيقول لك: هيا، تسرح تشتغل مزارعه، والاّ تعمل له أعمال، والاّ ماذا يريد منك النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. ما هو دوره؟. ما هو ليعلم الناس، ويزكيهم، وينورهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويجعل منهم أفراداً صالحين، يجعل منهم أعزة على الكافرين، يجعل منهم أمة قوية، أمة متوحدة، أمة تنطلق في ميادين الحياة لتأمر الأمم الأخرى بالمعروف وتنهى عن المنكر. إذا لم تدعه هو فستصبح تلقائياً في ماذا؟ في جانب الشر وفي جانب الخبث، فتصبح خبيثاً.

إذاً فلنأتِ إلى الآخرين [أبي بكر وعمر]، بل الكل من الصحابة أنفسهم ليس لأحد هذا المقام، وحتى فيما يتعلق بمثل هذه الآية، ليس فقط موقفاً من أبي بكر وعمر فقط، بل ومن الكل أنهم هم ملزمون بأن يتولوا علياً عليه السلام؛ لأن أول مهمة ستكون لعلي (عليه السلام) – هذه المهمة الكبرى – هي من بعد أن تفارق روح رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الحياة الدنيا.

إذاً فنحن حتى عندما نتولى عمار بن ياسر أليس تولينا لعمار يختلف عن تولينا لعلي؟ أليس عمار هو نفسه يتولى علياً كما نتولاه نحن؟. بل أعظم مما نتولاه نحن، فيعد نفسه جندياً من أخلص جنود الإمام علي عليه السلام، وهو عمار من السابقين في الإسلام، وهو من قال فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ((أنه مُلئ إيماناً من قمة رأسه إلى أخْمُص قدميه)). إذاً فكيف تريد مني أن أمنح هذه الولاية التي لم أمنحها لعمار أن أمنحها لمن خالف الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فيها، من خالفه فيها: أبا بكر وعمر وعثمان وآخرين. أليس هذا من الأشياء العجيبة؟ تريد مني أن أتولاهم كما أتولى علي وأنا لم أتولّ عماراً بعد كما أتولى علياً وعمار هو نفسه يتولى علياً بأعظم مما نتولاه نحن.

إذاً فهمنا بأن مسألة الولاية هنا الذي نحن موجهون إليها في هذا المقام المهم، في مقام أن تكون الأمة، أو يكون المجتمع الفلاني من حزب الله الذي سيغلب في ميدان المواجهة، ألم نفهم بعد بأنها لا تعني أولئك ولا علاقة لهم بها، لا أبا بكر ولا عمر ولا عثمان؟ إذاً فالمقام ليس مقام أن تقول با يسبر أننا نتولى علي وأبا بكر وعمر وعثمان، والنتيجة تجي تسحب هذه الآية عليهم جميعاً.

لهذا جاء المفسرون ليسحبوها على المؤمنين جميعاً، أي {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ}(المائدة: من الآية55) يعني يؤدونها، {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}(المائدة: من الآية55) وهم خاشعون لله. حتى ما عاد يدروا من يريدوا من مرة, كل المؤمنين, والمؤمنون كما قلنا – في كـلام سابق([1]) – من هـم معرضون لأن يرتدوا بعد إيمانهم كافرين، ألـم يُخاطبوا بمخاطبة إيمان (يا أيها الذين آمنوا)؟ هـم الذي خُوطبوا بـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}(المائدة: من الآية51) – وكما قلنا سابقاً([2]) – قد تصبح المسألة [يا أيها الذين آمنوا تولوا الذين آمنوا] وهذا منطق غير مقبول.

قد يقول البعض: إن الله قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}(الحشر:10) إذاً لا أحد يتكلم في أحد ممن قد سبقوا بل يستغفر لهم. أليست هكذا؟ لأنهم جينا من بعدهم وهم سبقونا! السبق ليس سبق زمني، ليس المقصود هنا مجرد السبق الزمني، إنما السبق بالإيمان، إذاً فنستغفر ونحب وندعو لمن سبقونا بالإيمان فعلاً، لكن من سبقنا إلى مخالفة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) والضرب بجهوده عرض الحائط وضرب أمته، هل هذا هو الذي نستغفر له؟ هل سبقنا بإيمان أم سبقنا بمخالفة؟.

القرآن حكيم قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا}(الحشر: من الآية10) يعني كانوا قبلنا بزمن أم سبقونا بإيمان؟ بإيمان. من كان يؤمن بعلي (عليه السلام)، بولاية علي هذا هو سبقني بإيمان فعلاً، لكن من كان لا يؤمن بهذا بل انطلق ليخالف علياً، ويظلم علياً وفاطمة والحسن والحسين، ويظلم الأمة كلها، هل هذا سبقني بالإيمان أم بماذا؟ سبقني بماذا؟ بمعصية وبمخالفة؟ أليس كذلك؟.

من هم إخواننا الذين سبقونا بالإيمان؟ نحن في واقعنا مع الصحابة جملة ألسنا مخاطبين سوياً؟ مخاطبين بخطاب واحد {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}(المائدة: من الآية55) هل هذا الخطاب لمن بعد القرن الأول فقط؟ أم خطاب من بعد ما نزلت الآية لكل من كان موجوداً, من البشر من المسلمين من ذلك العصر إلى آخر أيام الدنيا.. أليس خطاباً لهم جميعاً؟.

طيب، من يتولى الله ويتولى رسوله ويتولى {الَّذِينَ آمَنُوا} – الذي هو علي بن أبي طالب – أليس هذا أمر موجه إلى الصحابة وإلينا جميعاً؟ إذاً فهم ملزمون بما نحن ملزمون به، بل بطريق الأولى؛ لأن موقفهم هناك موقف من يـبني أو يهدم؛ ولهذا جاء في الآية: {الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}، أليس الإيمان هو الذي يبني الحياة ويبني النفوس؟ من كان منهم يؤمن، ونحن وهم شأننا واحد نؤمن جميعاً بما هو مطلوب منا أن نؤمن به فهم إخوتنا، أليس كذلك؟ هم إخوتنا نستغفر لهم، ندعو الله لهم، نحبهم، نتولاهم باعتبار أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، هم سلسلة واحدة متواصلة عبر الأجيال وتوالي السنين. لكن من سبقونا بمخالفة لا علاقة لنا بهم بل هم من نحملهم مسؤولية معاناة الأمة، وما انتشر في الأمة من ضلال بسبب مخالفتهم.

أين الأولى أن نبارك جهود من يهدم أو أن نصيح في وجهه؟ هل أن نرفع يده عن الهدم أم أن نصفق له؟ كيف هو الموقف الصحيح؟ أليس أن نرفع يده؟ أليس أن نلقي به من فوق الجدار الذي انطلق ليهدمه؟ أليس هذا هو ما يعمل الناس؟ أليس هذا هو الموقف الطبيعي للناس؟. أمام من يبني ويهدم. من يبني يشدون أزره ويعطونه اللبنات ليبنيها واحدةً بعد واحدة، ومن يهدم يلقون به من فوق الجدار، هذا هو الموقف الذي لابد منه، والحقائق لابد أن ننطلق لنتعرف عليها؛ لأن لها علاقة بواقعنا كما أن لعلي علاقة بواقعنا – وهو الذي تحدثنا عنه أكثر من مرة – أن ولايته – على الرغم أنه قد قتل واستشهد رحمة الله عليه وبيننا وبينه أكثر من ألف وأربعمائة عام تقريباً – مازال واقعنا مرتبطاً به، مازال الحل مرتبطاً بتوليه.

إذاً، إذا كان يُقدم لك في الساحة أطراف أخرى تتولاهم بديلاً عنه فالإشكالية ما تزال قائمة، والحل ما يزال ضائعاً.

ونحن الزيدية من يجب أن نعي نحن الزيدية من يجب أن نفهم قبل غيرنا، نحن الذين يجب أن ألاَّ نسمح لقلوبنا أن يتخلل إليها ذرة من ولاءِ أولئك الذين يُقَدَّمون للأمة وهم من هدموا صرح هذه الأمة.

ثم ننطلق في الآيات هذه، لنعرف كيف أنه توسط الحديث عن قيادة الأمة عن هداية الأمة لتجعل من نفسها حزب الله الغالب يأتي في إطار الحديث عن بني إسرائيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا} (المائدة: من الآية57)   وهذه جاءت بعد قول الله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة:56)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يرجع بك من جديد للموضوع المهم {لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(المائدة:57) ما هذا المنطق المهم، العبارات المهمة، الخطاب الشديد اللهجة {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

كيف تتولون قوماً هم هكذا كما عرضناهم لكم في أكثر من آية: حُسّاد لكم، يعضون أناملهم من الغيظ. أليست هذه هي ضائعة أيضاً؟. فعلاً هي ضائعة. من الذي يغضب لدين الله؟ هم القليل، من الذي يؤلمه أن يجد من يسخر من دين الله, من يسخر من أعلام دين الله؟ من يسخر من هداة عباد الله؟ أليس القليل؟ والكثير هو من يغضب لنفسه، هو من يغضب لأبيه أو أمه ولا يغضب لأعلام دينه، ولا يغضب لهداة عباد الله، ولا يغضب لهداة الأمة إلى الحق، ولا يغضب للدين أن يصبح ديناً يُسخر منه فيقال: هو [دين التخلف] هو [أفْيُون الشعوب]. أليست هذه العبارات تأتي من قبل أهل الكتاب من قبل اليهود والنصارى؟. وعلى ألسنة من يتثقفون على أيديهم؟.

{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} (المائدة:58) الصلاة التي هي خير الأعمال، الصلاة هذه التي أنتم تتسابقون إليها في كل يوم خمس مرات تؤدونها من منطلق أنكم تشعرون بأنها هي خير الأعمال، وأنها أبرز العبادات التي تجسد العلاقة فيما بينكم، أو تشكل همزة وصل فيما بينكم وبين الله، علاقة روحيةً فيما بينكم وبين الله هل يغضبكم فيدفعكم هذا الغضب إلى أن تنفصلوا عمن يتخذون النداء إلى صلاتكم هزؤاً ولعباً، أي هل بقي هناك من الدين ما يمكن أن يثيركم ويثير حميتكم فيجعلكم على أقل تقدير تفكرون في كيف تحملون العداء، وكيف تكونون بعيدين جداً عن أن تتخذوا هؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزؤاً ولعباً؟. ويسخرون منكم إذا ناديتم إلى الصلاة أن تتخذوهم أولياء؟.

لاحظ، كيف في هذه الآيات المهمة حول الحديث عن بني إسرائيل كيف يذكرنا بالمسؤولية، كيف يذكرنا بعظم الخطورة، كيف يدفعنا بأي وسيلة إلى أن ننفصل عنهم.

لماذا لماذا هذا الاهتمام الكبير؟؛ لأن اليهود والنصارى وخاصة اليهود الإسرائيليين خطيرين جداً على الأمة، هذه الحملة الرهيبة داخل القرآن الكريم التي تعمل على إبعادك بأي وسيلة بأي طريقة عنهم، وأن تتأثر بهم تدل على أنه يمكن أن تكون بسهولة وأنت تحمل اسم الإيمان وأنت تنطلق لتصلي وأنت تسمي نفسك باسم هذا الدين، يمكن أن تكون ضحية لهم فتصبح في واقعك يهودياً أو نصرانياً أو كافراً بأساليب خبيثة بأساليب ملتوية. هذا الأسلوب جاء في سورة آل عمران في سورة البقرة في سورة المائدة في سورة النساء في كثير من سور القرآن.

ثم لماذا من جديد لتعرف أن القضية على هذا النحو؛ أنه يمكن أن تقع ضحية من حيث لا تشعر فتقدم على الله وأنت في واقعك كافر أو يهودي أو نصراني، وأنت تظن بأنك ستقدم عليه وتدخل الجنة مع أوليائه؛ أنه يتحدث معنا على هذا النحو الرهيب، على هذا النحو العجيب الشديد، الذي يدل على اهتمام بالغ وإشعار بخطورة هذه القضية، مع أننا نعرف اليهود ونعرف النصارى، ونعرف الكافرين ونحن نلعنهم، أليس كذلك؟ ألسنا نلعنهم؟.

يعني هل يتوقع منك أن تقول أنت يهودي وتتيهود؟. فهو فقط يريد منك أن تصل إلى درجة أن تكون يهودياً فعلاً فتصبح يهودياً [بزنانير] وتطلق على نفسك اسم يهودي؟ هل هذا سيحصل من أحد؟. لا. وحتى اليهود لا يدعونا إلى هذا. أو تصبح كافراً على النحو الذي يقولون: [إلا أن تروا كفراً بوَاحاً]. لاحظوا حتى كلمة [بَوَاحاً] ليست من قِبَل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لأنه هنا يحذرك من كفر قد يحصل في أعماق الأعماق؛ ولذا قال: [أن تطيعوهم إلا أن تروا كفراً بواحاً] من الذي سيعمل كفراً بواحاً!!، أليس الله يقول: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (آل عمران: من الآية100) ثم يقول هناك: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (آل عمران: من الآية106).

إن كانت القضية هي فقط موجهة إلينا على أساس أن لا نصل فقط إلى مرحلة التصريح بالكفر إلى مرحلة التصريح بأن فلان يهودي، بأن فلان نصراني أن يتحول ويعلن عن نفسه، فهذا لا يحصل إلا في النادر النادر، هل هذا يحصل؟. من الذي أعلن عن نفسه بأنه يعبد الشيطان إلا النادر من البشر الحمقى الذين يلعنهم الناس كما يلعنون الشيطان؟ أوليس الكل ممن يعبد الشيطان في واقعهم؟. {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}(يـس: من الآية60) يا بني آدم.. يحدث أهل المحشر {أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}(يّـس: من الآية60) عبدوه.

لو كانت المسألة على هذا النحو فقط الخطورة هي بأن تصل إلى درجة التصريح فتصل فعلاً إلى أن تكون كافراً صريحاً منهم؛ لما كان هناك ما يوجب إلى أن يأتي بمعشار ما أتى من آيات عن بني إسرائيل من التوجيهات الشديدة اللهجة والدقيقة إلى هذه الأمة فيما يتعلق بمواجهتهم، هل تفهمون هذا؟. من يفهم القرآن الكريم سيقطع بهذا أنه ما كان هناك حاجة ولا حتى إلى آية واحدة؛ لأنه اطمأن نحن لن نعلن عن يهوديتنا، ونحن لن نعلن عن نصرانيتنا، ونحن لن نعلن عن كفرنا، أليس هذا مما يطمئن؟ حتى من يذهب إلى بلدانهم ويرجع، أليس يرجع وجوازه فيه مكتوب [مسلم]؟ ويرجع وهو مسلم، هل هو يعلن بأنه كافر؟. لا. بينما هو في داخله قد صُبِغَ صبغةً أخرى، وصِيْغَ صياغةً أخرى.

فلنفهم أن هذه القضية بالغة الخطورة وحسَّاسة جداً، وأن من الضمانات – وكما قلنا أكثر من مرة – هو أن نتولى علياً (عليه السلام) على هذا النحو الذي فهمناه من خلال هذا الكلام تولياً صادقاً، تولياً عملياً، نتولى الله تولياً صادقاً تولياً عملياً نحب الله، ونخاف من الله، ونحرص على رضى الله، ونتولى رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) تولياً صادقاً نحبه ونعظمه ونجلّه، يكون له في نفوسنا وَقْعٌ، يكون له في نفوسنا مكانة عظيمة، كذلك الإمام علي (عليه السلام). ثم نعرف خطورة المسألة.

وإن شاء الله سنكون ممن يحصنون أنفسهم، وسيكونون بتوليهم لله ولرسوله والذين آمنوا من حزبه الغالب، وأن نبتعد عن كل أسباب التضليل، عن كل مصادر التضليل سواء عن وسائل التضليل من قِبَل اليهود والنصارى مباشرة أو من طريق أولياءهم.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وأن يهدينا وأن يبصرنا وأن يلهمنا رشدنا إنه على كل شيء قدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

([1]قال ذلك في الدرس الأول من سورة المائدة.

([2])  المصدر السابق.

التعليقات مغلقة.