saadahnews

سورة المائدة ـ الدرس الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

أي شيء مهما كان مهماً، مهما كان عظيماً لا بد أن يسمع الإنسان حوله كلاماً معاكساً، كلاماً مثبطاً، كلاماً مشوهاً، والقرآن الكريم عرض علينا نماذج مما حصل، القرآن الكريم هو كتاب من عند الله سبحانه وتعالى وهو أعظم كتبه التي أنزلها إلى عباده، ماذا قال الآخرون في مقابلة القرآن؟ ماذا قالوا؟ {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} (المدثر: 24) {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الفرقان: 5-6) جاء الأنبياء من عند الله سبحانه وتعالى نعمة للبشر، هدى للعالمين، كل أمة كان يأتي من بينها نبيها، وقد يكون الكثير يقول للنبي الذي هو أكمل الناس عقلاً وأزكاهم نفساً: مجنون, شاعر، مفتري، كذاب، ساحر.

هذه أيضاً عرضها القرآن الكريم؛ لأنه لم يحدث أن أرسل رسولٌ إلى أمة إلا وجاء من بينها من يقول: مجنون أو ساحر {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} (المؤمنون: من الآية 24) أن يتكبر عليكم.

العبرة في هذا هو أن تفهم أنه من الطبيعي أن يقال أمام كل شيء مهما كان عظيماً أن تسمع كلاماً يعمل على الحط من مكانته وتشويهه وإبعاد الناس عنه، ماذا قالوا لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو سيد البشر، سيد الأنبياء والمرسلين الكامل في نفسه، الزاكي في نفسه الحريص على هداية البشر، الناصح العظيم لهم قالوا عنه: [مجنون، مفتري، ساحر، شاعر، كذاب، مفتري على الله] يسخرون منه أحياناً {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً. إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} (الفرقان: 41-42) لقد كاد أن يغوينا لولا أننا كنا رجالاً وتمسكنا بآلهتنا.

هذا الموضوع طرحناه سابقاً وقلنا أنه من العجيب أن نكون نحن المسلمين من لدينا كتاب الله سبحانه وتعالى هذا الدين العظيم دين الإسلام ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ثم لا يحصل لدينا حمية لهذا القرآن ولذلك النبي العظيم ولهذا الدين العظيم مثل ما كان يحصل عند بعض عبّاد الأصنام، ذكرنا لكم قصة قوم إبراهيم عندما كان يسرح كل واحد منهم يقطع حطباً حتى جمعوا جبلاً من الحطب… اهتمام، {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} (الأنبياء: 68) ليس الوقت وقت نوم الأصنام في خطر، وهم منذ لحظات رأوا أصنامهم محطمة.

كذلك هؤلاء في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} (الفرقان: 41-42) لو لم نقف وقفة رجال عندها لكسرها {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} (ص: من الآية 6) امشوا، تحركوا، واصبروا على الآلهة، جاهدوا في سبيلها، كافحوا في سبيلها، لا تتركوها تتعرض لأي كلام يصرف الناس عن عبادتها، وهي أنها أحجار مركزة أو أخشاب مركزة مالها قيمة، فكيف بالمسلمين وإلههم رب العالمين الذي سيقف معهم إذا وقفوا، سينصرهم إذا نصروه، سيضربهم إذا توانوا.

نرجع إلى أصل الموضوع، وهو أنه هكذا تسمع في كل زمان أمام كل عمل مهما كانت الأمة في أمس الحاجة إليه في أي مرحلة من مراحل تاريخها، ومن أي جهة يكون مهما كانت عظيمة لا بد أن يأتي من هنا وهناك من يتكلم، من يثبط، من يشوه، من يحارب، هذا شيء ذكره القرآن الكريم ولم تكن آية أو آيتين بل في آيات كثيرة، لأن معرفة هذا نفسه يمثل جانباً مهماً من وعي القضية وفهمها، أن تعرف أنك قد تسمع كلاماً على هذا النحو ومن جهات أخرى، فليكن لديك، ولتكن على مستوى تجعل ذلك الكلام لا أثر له عندك.

الكلام لا يخلو عن: إما أن يكون تخويفاً, أو يُقدم بأسلوب نصح من جانب الذين يواجهون أي عمل مهما كان عظيماً، فليكن لديك قاعدة ثابتة عندما يخوفونك هي أن الله هو الذي يجب أن تخافه، الذي يجب أن تخشاه لأنه هـو القادر على أن يضر بك ولا يحول أحد دون إرادته فيك، هـو الذي يمتلك جهنم، هـو الذي بيده جهنم – الذي يخوفك بأي شيء آخر – هل هناك ما يمكن أن يرقى إلى درجة البقاء يوماً واحداً في جهنم؟. ليس هناك أي شيء يساوي غمسة واحدة في نار جهنم. إذاً تخوفني بماذا؟ يجب أن أخاف مَن لا أستطيع أنا ولا غيري يستطيع أن يصرف عني عذابه وسخطه ومقته.

كان جواب نبي الله إبراهيم عندما كانوا يخوفونه بأنه ستضره الأصنام, سيحصل عليه كذا: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ}؟ (الأنعام: من الآية 81). تخوفوني بماذا؟. أنتم الذين يجب أن تخافوا وأنتم تشركون بالله، أنتم من تتعرضون للخطورة العظيمة لنار جهنم ولسخط الله.

لاحظوا نبي الله إبراهيم كيف كان إنساناً واعياً على درجة عالية من الوعي، انطلق من مقاييس المقارنة، من قواعد ثابتة لديه، يخوفونه بهذا ويخوفونه بهذا، وكل تخويف يبدو تخويفاً بشيء لا يشكل خطورة مع المقارنة بما يجب أن نخافه من قِبَل الله سبحانه وتعالى {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ}؟ أنت تريد أن تخوفني من أجل أن تدفع بي إلى جانب الأمن، أليس كذلك؟. وأنا أخوفك بالله أريد أن أدفعك إلى جانب الأمن {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ}؟ أي الفريقين يصح أن يقال: هو الآمن؟ من يكون في واقعه آمناً من عذاب الله وسخطه أو من يحاول أن يأمن من عذاب الناس وسخطهم، ويوقع نفسه في عذاب الله وسخطه، هل هو أَمِنَ؟ لم يأمن، أمن من شيء في الواقع لا يقارن بينه وبين ما يمكن أن يحصل من قبل الله؛ ولهذا جاءت الآية بالسخرية من التخويف بشيء من دون الله {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} (الزمر: من الآية 36) يخوفنك بأنه سيحصل عليك كذا وكذا، تهديد من قبلهم أو سيحصل عليك من الأصنام ما يضرك، لا، أي تخويف بشيء من دون الله لا يشكل خطورة.

فالآمن هو من يأمن من عذاب الله وسخطه، وكل شر وكل عذاب، وكل أمر مخوف هو دون جهنم لا قيمة له، بل هو بالنسبة للواعين الفاهمين للخطورة العظيمة التي يجب أن يأمنوا منها، أنه إذا لم يحقق له الأمن من عذاب الله إلا أن يخوض هذه الغمار التي تبدو مخيفة للكثير، يخوضها بارتياح؛ لأنها لا تشكل شيئاً بالنسبة لما يخاف منه، وسيكون خوضها مما يحقق له الأمن يوم القيامة، الأمن من نار جهنم، الأمن من أهوال القيامة، الأمن من شدة الحساب؛ ولهذا قال الله لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) ليخاطب الناس {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الأنعام: 15) هذا الذي يخيفني، فلا بد أن أنطلق في طاعته، وفيما يحقق لي الأمن من ذلك الشيء المخيف من نار جهنم، مهما كان الأمر، لا يقعد بي أي أمر مخيف من أمور الدنيا، أي شيء مخيف على أيدي الآخرين، أو ألسنة الآخرين {أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.

هذا فيما يتعلق بجانب التخويف أن يكون لديك قاعدة ثابتة من ينطلق ليخوفك كيفما كان هدفه من تخويفك، فارجع إلى القرآن الكريم تعرف ما هو الأمر الذي يجب أن تخافه فعلاً وبيد من هو؟ هذه واحدة، تتأمل في القرآن الكريم عندما يتلو الإنسان القرآن الكريم تجد ما كان يحصل من تخويف للأنبياء للمصلحين، وكيف كانوا يواجهون من يخوفونهم بأنهم يخوفونهم بلا شيء بما ليس مخيفاً مقارنة بما يجب أن نخافه مما هو بيد الله، الله القاهر فوق عباده، الذي لا يستطيع أحد أن يحول بينك وبين أن يوقعك في هذا الأمر المخوف، نار جهنم.

أليس الإنسان يولد رغماً عنه؟ ثم يموت رغماً عنه؟. وستبعث رغماً عنك، وتساق إلى المحشر رغماً عنك، وتساق إلى جهنم إذا كنت من أهلها رغماً عنك، من الذي يستطيع أن يسحبك من أيدي الملائكة وهم يسوقونك إلى جهنم؟ لا أحد؛ لأن من كان يملك أعظم قوة في هذه الدنيا سيأتي يوم القيامة وهو في حالة رهيبة {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} (البقرة: 166) كل واحد يكون مشغولاً بنفسه، من كان هنا يمثل في الدنيا قوة جبارة من المجرمين سيأتي يوم القيامة وهو أكثر الناس خوفاً ورعباً وانشغالاً بنفسه.

فالقرآن الكريم يثقفنا ويعلمنا كيف يجب أن نواجه من يخوفنا بما دون الله، هذه واحدة؛ لأنه في هذا الجانب الله هو الجبار، الله هو الذي بطشه شديد {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} (البروج: 12).

ثم لنعد إلى الجانب الأخر الذي قد نفسر به كلام من يتكلم معنا ليثبطنا عن أي أمر من الأمور التي هي طاعة لله سبحانه وتعالى، وأداء لمسؤوليتنا أمامه في مقام نصر دينه أن يكون يتحدث معك من جانب أنه ينصح، وأنه شفيق عليك، وأنه رحيم بك، فتأتي شفقته ونصحه ورحمته بك متركزة على أن لا تتحرك في أمر من هذه الأمور.

نعود إلى القرآن الكريم لنحصل من خلاله على ما يجعلنا واعين أمام هذا الطرح، القرآن يعلمنا بأن الله الذي يأمرنا ويرشدنا لمختلف الأعمال الصالحة مهما بدت أمامنا ثقيلة على أنفسنا أنه فيها ومن خلالها تتجسد رحمته بنا، أليس هو الرحمن الرحيم؟ هو الرحيم بعباده، هو الناصح لعباده، هو اللطيف بعباده، هو الخبير بما يصلح عباده، إذاً أثق, أثق فعلاً لأقُول لأي شخص – سواء قلت له مشافهة أو أقول له بلسان الحال – : إن الله هو أرحم بي منك، الله هو أنصح لي منك حتى وإن كنت رحيماً وإن كنت ناصحاً فقد توقعني في الهلكة من حيث لا تشعر، أما الله سبحانه وتعالى فهو رحيم بعباده رحيم بنا، وهو الذي يعلم ما هو فعلاً رحمة بنا ويحقق لنا الأمن.

هناك في القرآن الكريم – إذا كنت تتدبر آياته وتعي وتفهم، وتريد أن يكون لك موقف في هذه الحياة – ستجد من خلاله ما يحول بينك وبين أن تتأثر بأي كلام يقال للتثبيط أو للصرف عن قضية يصورها لك بأنها تبدو غير ذات أهمية. مثلاً ولاية الإمام علي عليه السلام قد يأتي من يقول: [ما أهمية قضية ولاية الإمام علي بن أبي طالب في إعطاء عمل معين إيجابية كبرى؟ أو في حل مشاكل المسلمين في هذا العصر الذي بينه وبين علي ألف وأربع مائة سنة؟ علي الله يرحمه قد قتل ذاك اليوم، ونحن نتولاه، لكن لا نشغل أنفسنا بأولئك أو نفرق الآخرين عنا من أجل علي أو.. أو..] كان يأتي كلام مثل هذا، بل أمام أهل البيت متى تحدث الإنسان عن أهل البيت يقول: [ليس وقت الحديث عن أهل البيت نحن مشغولون بالناس] أليس هكذا يحصل؟. يتكلم معك عن قضية هي مهمة ليصرفك عنها وقد يكون بحسن نية، لكنه كلام ينبئ عن جهل بأهمية الأمور وعلاقة بعضها ببعض: [ما هو وقت الحديث عن هذا الموضوع، سننفر هذا، وذا يزعل منا، وذا يرح مننا، وستجلب علينا مشاكل، المفروض الآن نمشي في عملنا ما هو وقت ذا]. ما هي أعمالك؟ أعمالك لا تمشي إلا بهذا الشيء الذي تريد أن ترمي به بعيداً عنك.

علي عليه السلام كما تحدثنا بالأمس حول عمل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في خيبر وقلنا أكثر من مرة بأن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كان في حركاته إنساناً واعياً على أرقى مستوى يعطي الهداية من كل حركة من حركاته. لمن؟. للأمة كلها، لم يكن فقط همه تلك المجاميع من البشر في عصره في سنوات معدودة محدودة من عمر هذه الأمة، كان ينظر إلى الأمة بكلها ليرسم لها طريق الهداية، ألم يكن الإمام علي عليه السلام) في أيام خيبر مصاب بالرمد لا يبصر موضع قدميه وهناك من أعينهم مفتحة، هناك من أعينهم سليمة ليقول للأمة أنها بحاجة إلى علي حتى وإن بدت – باعتبار وضعيته – غير محتاجة إليه فليس صحيحاً.

أرسل أبا بكر فعاد منهزماً – والقضية هي في مواجهة اليهود – أرسل عمر فعاد منهزماً كذلك، ثم أرسل إلى علي ونادى بعلي وهو أرمد، كيف يكون الرمد نفسه يعطينا هداية، الرمد وهو مرض يتعرض له الإنسان، أن يُصاب الإمام علي بالرمد في تلك الأيام لها دلالتها المهمة في واقع الحياة بالنسبة للأمة، أولئك الذين أعينهم سليمة كثيرون لكنه لا بد من علي.

ومن يقول: [نحن الآن مشغولين بمواجهة إسرائيل وأمريكا لسنا مشغولين بعلي، علي سلام الله عليه قد قُتل ذالك اليوم ونحن نحبه، ومع السلامة، نحن مشغولون بعمل، ونحن مشغولون بالإسلام ومشغولين بمواجهة أمريكا وإسرائيل]. هذه هي جهالة، أن يكون علي قد مات بالنسبة لنا كما كان أرمد في خيبر بالنسبة لأولئك، ستحتاج الأمة إلى أن تتولى علياً وإن كان علي قد تحول إلى تراب في قبره، ستحتاج إلى أن تتولاه لتهتدي؛ لتسلم قلوبها، لتسلم في حياتها، تحتاج إلى أن تتولاه؛ لأن توليه شرط في تأهيل نفسها لتكون من (حزب الله) ما لم فلن يتحقق شيء، والله متى ما رسم شيئاً وحدده فلا يمكن أن يكون هناك شيء بديلاً عنه مهما بدا لك أنه يمكن أن يكون بديلاً عنه، فلا يمكن.

{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة: 56) الذين آمنوا هنا هو الإمام علي عليه السلام، بدون ولاية الإمام علي عليه السلام لن تتحقق هداية، ولن يتحقق للأمة ولأي جماعة وضعية تكون عليها جديرة بأن تسمى بـ(حزب الله) فتحظى بتأييد الله فتصبح هي حزبه الغالب.

كلمة {الْغَالِبُونَ} هي جاءت في واجهة الحديث عن مواجهة اليهود والنصارى وهم أعداء الأمة على امتداد التاريخ، لماذا؟ بالنسبة لله سبحانه وتعالى كلنا متفقون على الله، أليس كذلك؟ حتى المشركين كانوا يعترفون بالله، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (الزخرف: 87). بالنسبة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) نحن جميعاً متفقون عليه أنه هو محمد بن عبد الله هو رسول الله الذي أنزل الله الكتاب الكريم إليه وهو نبينا، أليس المسلمون متفقون على هذا؟ لكن لله سبحانه وتعالى منهج هداية ينزل بواسطة كتابه ورسوله، ليست المسألة مسألة أسماء، ولو أن المسألة مسألة أسماء فقط مجرد اعتقادات ليس وراءها شيء لكنا نحن والمشركين متفقين في [الله]أليس كذلك؟ [الله] نحن متفقون بأنه إله، لكن لا يكفي هذا؛ لأن الله هو ملكنا يأتي من قِبَله منهج محدد لهدايتنا.

رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) نحن متفقون عليه لكن ليست المسألة مسألة اتفاق على اسم أو على إعطاء مكانة لشخص هو رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، المسألة مسألة هداية له منهج وهداية ممتدة من عند الله سبحانه وتعالى مرتبط بنا، يتجه نحونا، إذاً فمِن تحت النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) ستتشعب الطرق، أليس كذلك؟ ويتركز الكثير أمامك رجالاً ونساءً، هناك تحصل إشكالية، ألم تظهر قنوات كثيرة، وكلٌ يدعي أنه بواسطته يوصلك إلى محمد ثم إلى الله تعالى، بواسطته يرشدك إلى هدي الله ورسوله.

تأتي الإشكالية من هنا؛ ولهذا جاءت الآيات الكريمة نفسها تتحدث عن هذا، لم تأت فقط لتقول {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ثم تنتهي القضية ويقول: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة: من الآية 56) فعلاً من يتولّ الله سيكون هو الغالب لكن عن طريق من أتولّ الله؟ عن طريق من تكون ولايتي لله هي ولاية حقيقية تسير على هديه؟.

لأن المسألة ليست فقط مسألة أسماء. ممكن أن يهتدي الواحد حتى من حركة الناس، يعرف. عندما تذهب إلى الأسواق سترى في السوق نفسه ما يمكن أن يفيدك في قضايا عمرها ألف وأربع مائة سنة، لكن هل المسألة هي تعود إلى قضية التّنميق وإزالة التراب والتزيين وأن تكون بضاعتك في مكان مرتفع وبارز؟.

في مقام الدين، أعلام الدين هي قضية تأتي من قِبَل الله سبحانه وتعالى، أنه هو يبدأ يصطفي من داخل ملائكته رسلاً {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً} (الحج: من الآية 75) ليقوم بالمهمة إلى من؟ إلى البشر، يصطفي من البشر رسلاً {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} (الحج: من الآية 75) إذاً فهو هو الذي يحدد لنا من هم الأعلام الذين نتولاهم ونسير على هديهم ونتمسك بهم؛ لأن القضية دقيقة جداً، ومحكومة جداً، ومضبوطة جداً وهدي واحد، تميل كذا أو كذا تقع في ضلال، وليست القضية متروكة لك مثلما عندما تدخل إلى السوق فتسمع هذا يُرَوِّج وهذا يُرَوِّج، وهذا يتلطف لك، وذلك نقص لك ريالين فتتجه إليه، أو نَمَّق بضاعته وجعلها بادية أمامك أكثر فتتجه إليه.

المسألة تأتي من قبل الله سبحانه وتعالى إلى رسوله، من قِبَل رسوله هو ليحدد للناس من هم الأعلام الذين يتمسكون بهديهم، وسيظلون بحاجة إلى التمسك بهديهم وتوليهم، وإن كان بينه وبينهم آلاف السنين؛ لأنه أليس هدي الله هو للحياة كلها؟.

ذلك العَلَم الذي وضعه الله لك هو رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أنت بحاجة إليه وإن كان بينك وبينه ثلاثة آلاف سنة، العَلَم الذي وضعه للأمة من بعده.. وهي بداية نقطة الإفتراق، بداية مفترق الطرق، الموقع المهم هناك؛ لأنه متى ما بدأت من نقطة الإفتراق ومفترق الطرق تميل كذا فستبقى فلتَتُك إلى آخر الحياة وآخر عمر الدنيا، من هناك، هناك مفترق الطرق، هناك علي، وعلي يمثل طريقاً يمثل هدياً، الميل عنه يميناً أو شمالاً يشكل خطورة بالغة، هي نفسها التي تراها ماثلة آثارها أمام أعيننا في هذا العصر، وعندما تعود إلى كتب التاريخ ستراها ماثلة أمامك في كل عصر.

فعندما تقول: [ما شأننا {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} ونحن الآن مشغولون بعصر جديد، الآخرين طلعوا إلى القمر ونحن مشغولون بعلي وأبي بكر، نحن أمام خطورة بالغة، وأنت مشغول بأهل البيت وبعلي وفلان وفلان والآخر مشغول بأبي بكر وفلان وفلان]. نقول: لا، نحن مسلمون وأعداؤنا يواجهوننا كمسلمين وينطلقون في حربهم لنا من منطلق عداوتهم لنا لأن يضربوا إسلامنا قبل أن يضربونا شخصياً، فمتى ما ضُرب إسلامنا واستطاعوا أن يحرفونا يميناً وشمالاً عنه ويبعدونا عنه سهل عليهم ليس فقط أن يضربونا، بل أن يستعبدونا ويستذلونا.

فإذا كان هذا الدين، كان هذا الكتاب، كان ذلك الرسول هو للأمة كلها إلى آخر أيامها فما يزال هو وحده الهادي لها في كل مواقفها. القرآن الكريم يربط الأمة في كل مرحلة من مراحل حياتها أنها لا بد أن تتولّى – علياً (عليه السلام) – الله ورسوله – أليست هذه قضايا معروفة، مُسلّم بها؟ – وطرف ثالث من هو؟. الذين آمنوا.

ونحن قلنا بالأمس أن كلمة {الَّذِينَ آمَنُوا} لو أنها عامة كما يقولون لكانت القضية عائمة، والله لا يُعمّي علينا، الله سبحانه وتعالى رحيم بنا، يهدينا إلى صراط مستقيم إلى طرق واضحة جداً، كيف يُعَمَّي علينا ويتركنا نختلف على ماذا يريد منا، يبين {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران: من الآية 103) لا يعمي علينا وهو يتحدث عن خطورة بالغة علينا، ألم يتحدث عن خطورة بالغة؟ قد ترتدوا قد تتحولوا إلى يهود ونصارى، قد ترتدوا بعد إيمانكم كافرين، فهو من يعلم السر في السماوات والأرض وهو الرحيم بنا لا يمكن أن يحدثنا عن قضية بالغة الخطورة جدا علينا ثم يعمي علينا ولا يبالي. لا. هذا ليس عمل الحكيم، ليس عمل الرحيم الحكيم العليم، هو يعمل على أن يبين آياته للناس لعلهم يهتدون، أليس هو الذي قال لنا {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} نقول إذاً بيِّنْ لنا هنا، وبَيَّن لنا هنا فعلاً {الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة: من الآية 55).

قد يقول البعض: لماذا لم يقل [علي] حتى تكون واضحة كالشمس؟.

قلنا هذا أسلوب القرآن الكريم متى ما تناول قضية ليس لها فقط اتجاه واحد في مقام الهداية، تهدي من هنا ومن هنا ومن هنا ومن هنا، كل آية وأنت تراها وكأنها تحدثت لك عن إشكالية معينة، كم تلمس في داخلها هداية لجوانب أخرى.

القرآن الكريم يتجه – بالنسبة لله سبحانه وتعالى، بالنسبة لرسوله، بالنسبة لأوليائه – يتوجه إلى ترسيخ مبدأ الكمال، الله سبحانه وتعالى بدءاً منه ملأ كتابه الكريم بالحديث الذي يرسخ في أذهاننا كماله هو، هل قدم لنا اسمه في القرآن الكريم بأنه [الله] فقط؟ [الله] الذي هو الإسم للذات المقدسة له سبحانه وتعالى، قدم لنا نفسه كاملاً ويرسخ في أذهاننا كماله.

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر: 22-24) ما مسار هذه الآيات؟ أليست كلها إبراز كمال الله سبحانه وتعالى، وإظهار كماله وعظمته؟ لأنها نقطة مهمة، وقضية مهمة لها أثرها العظيم في مقام الهداية، فيما تخلقه في النفوس، ولها أثرها العظيم في مقام الهداية فيما تخلقه من وعي وفهم ومقاييس ثابتة.

إن تقديم القرآن لله سبحانه وتعالى بالشكل الذي يرسخ كماله هو كان الوسيلة المهمة في القضاء على الشرك، ونسفه من أوساط العرب الذين كانت الأصنام تكاد تكون في كل قرية، وفي كل بيت من بيوتهم، ترسيخ مبدأ كمال الله، حتى أصبح العربي ينظر إلى ذلك الصنم الذي كان يمسحه آباؤه وأجداده ويقبِّلونه ويسجدون أمامه وينذرون له بالنذور ويبخرونه بأغلى البخور أصبح محط سخرية وازدراء واحتقار قد يدوسه بقدمه أو يبول عليه.

من أين جاء هذا؟. ألم يكن العرب هم يعرفون الله من قبل؟ الله، الله يعرفونه، لكن لم يكن يدور في بالهم ربما أن الألوهية لا تكون إلا لمن هو كامل، أن الأكمل هو الجدير بأن يُعبد، أنه هو المستحق لأن يكون هو الإله. ألم يتحدث القرآن بالنسبة للأصنام ليحطها أمامهم باعتبارها ناقصة {أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} (الأعراف: من الآية 195) وهكذا {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ  أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (الأنبياء: 66-67).

على ذلك النحو حديث عن كمال الله سبحانه وتعالى، على هذا النحو الذي ورد في هذه الآيات: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} إلى آخر [سورة الحشر]، ترسيخ مبدأ الكمال في أذهاننا في قلوبنا كان هو الكفيل بنسف الشرك.

بالنسبة للأنبياء أنفسهم، رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وربما كانت هذه الأمة بالذات أحوج الأمم إلى ترسيخ مبدأ الكمال في ذهنيتها ونفوسها أكثر من أي أمة مضت؛ إذاً سيبدو هذا المبدأ مهم جداً جداً هو كفيل بأن يخلق لديها وعياً واستقامة وثباتاً على امتداد تاريخها إلى يوم القيامة مهما طال الزمن.

تلاحظ، ألم يُعرض الأنبياء بأسمائهم في القرآن الكريم؟ [موسى، إبراهيم، نوح، عيسى] وهكذا إلا محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) فيُقدم في القرآن الكريم [رسوله، رسول الله، رسول، رسولنا]، أليست كلمة: [رسول] في حد ذاتها هي صفة عظيمة لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ كم جاءت كلمة: [محمد] في القرآن؟. في ثلاثة موارد {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} (الأحزاب: من الآية 40) {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (آل عمران: من الآية 144) في ثلاثة موارد ولأن المقام يتطلب أن يذكر باسمه فيها ليس فقط على طريق أنه كان بالإمكان أن يقول [محمد] أو أن يقول: [رسول] بل لأن المقام نفسه يتطلب في واقع الهداية أن يذكر باسمه فيها، ويأتي القرآن الكريم في الآيات الأخرى يقدم محمداً ليس باسمه، لم يقدم محمداً باسمه في المقامات المهمة مثل {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} يأتي القرآن الكريم ينادي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): {يَا أَيُّهَا الرَّسُول} {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ}.

وكلمة [نبي] وكلمة [رسول] أليست تُقدم باعتبارها صفة عظيمة لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ أليست تنبئ عن كمال عظيم هو له أنه رسول لله؟ لأن الله هناك قد ذكر لنا هناك ما يبين لنا أن كون فلان رسول الله هو مقام عالي وعظيم جداً، {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام: من الآية 124) حتى لا نفهم بأنه فقط يخاطبه بمجرد كونه موظف وباسم وظيفة معينة مثل [يا مدير، يا فندم] وأشياء من هذه، وإنما خاطبه بشيء هو كمال له، هو من كماله، فيقول: رسولاً، أن يكون فلان رسولاً له هو مقام عالي جداً، جداً, مرتبة عظيمة جداً {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} (الحج: من الآية 75) اصطفاء، واصطفاء الله الذي يعلم بالكمال، وبمحيط دائرة الكمال بكلها سيكون اصطفاؤه على نحوٍ عالٍ جداً.

أن يكون رسولاً لـه أن يكون نبياً له أليس هـذا يدل على كماله؟ عندما تأتي إلـى القرآن الكريم كـم يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} حتى وهو يخاطب محمداً نفسه {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} لا يقول [يا محمد، يا محمد] على أساس أننا قد عرفنا أن محمداً هو رسول، بل يجب في خطابنا نحن أن لا نكثر من كلمة [محمد] إلا ونرفقها بكلمة [رسول الله] (صلوات الله عليه وعلى آله) إلا في مقامات تستدعي ذلك، نستخدم كلمة (الرسول) كلمة [النبي] لندور في الإطار الذي يركز القرآن عليه ويجعله مهماً جداً.

وكلمة [يا أيها الرسول، رسولي، رسولنا, الرسول] {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} هل فقط مجرد عبارة يرددها أم أنه يريد من ورائها أن يترسخ في ذهنيتنا كمال هذا الشخص باعتباره رسول ونبي؟ غاب اسمه تحت تكرير كلمة [رسول ونبي]، استعرض في القرآن الكريم كم عُرضت هذه الكلمة العظيمة[رسول, رسول] وكلمة [نبي] تأتي كلمة محمد – تقريباً – في ثلاث أو أربع أماكن فقط.

وقد تجد في نفس السورة خطاب للنبي بأنه نبي ورسول أكثر بكثير من تلك الكلمة التي وردت بذكر اسمه فقط التي هي في [سورة الأحزاب]، وفي [سورة الفتح]، وفي [سورة محمد]، في داخل السورة نفسها يخاطبه كثيراً كثيراً باسم [نبي ورسول]، متى ما جاءت كلمة [محمد] في مقام معين لأن المقام يستدعيها فهي واحدة في مقابل عدد كبير من إطلاق كلمة رسول ونبي.

طيب، كلمة رسول وكلمة نبي، أليست تقدم محمداً بغير اسمه؟ ولأن كلمة رسول وكلمة نبي يعني ترسيخاً له في ذهنيتنا بكماله، حتى نفهم أن ارتباطنا به هو باعتباره رجلاً اصطفاه الله وأكمله واختاره فجعله رسولاً له.

في الجانب العاطفي نفسه أن أكرر هكذا: محمد، محمد.. هل تستطيع أن تخلق في نفسك ما يشدك نحوه أو عندما أتحدثت عنه بصفات كماله: رسول الله, هو رسول من عند الله، هو كذا، هو كذا هو كذا؟ ألست سأغيب اسمه وأنا أتحدث عن كماله؟ هو نبي الله، لكن عندما أقول لك: محمد، ومحمد، هو محمد, ومحمد هو.. محمد هل هذا سيعطيك شيئاً في ترسيخ عظمته في نفسك، وفي ترسيخ مبدأ الكمال، هذا المبدأ المهم؟.

حتى عندما يذكر الله سبحانه وتعالى بأنه مَنّ على المؤمنين بهذا النبي العظيم الذي نعلم أنه محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) أليس يقدمه بأنه رسول؟ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} (التوبة: من الآية 128) {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (آل عمران: من الآية 164)، وعندما يتحدث معه فيتحدث عن صفات أخرى، تأتي كلمة رسول في مقدمة الصفات المهمة له التي تدفعنا إلى أن نعتبره عظيماً وننشد إليه {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} رسول, وكلمة رسول هنا في إطلاقها على هذا النحو من [الإفراد والتنكير] يفيد التعظيم {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 128) أين اسم [محمد] هنا؟. لو نقرأها من جديد: (لقد جاءكم محمد من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم)، لاحظ أليست ستهبط كثيراً في التعبير عن عظمة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟.

إن (محمد) هو الاسم الذي سمته به أمه، أو سماه جده عبد المطلب، هو اسمه كاسم أي واحد منا يكون له اسم يختص به، اسم عَلَم، لكن ارجع إلى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} أليست كلمة رسول تعطي شعوراً بكماله؟

إذاً أريد أن أرتبط بمبدأ كمال فأنظر إلى هذا من خلال كماله، أعظمه لكماله، أجلّه لكماله، أحبه فيترسخ في ذهنيتي رجلاً كاملاً، كاملاً، محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) يترسخ في ذهنيتي أنه رسول الله، أنه نبي الله، أنه هادي للأمة {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} (الفتح: 8) وهكذا.

لاحظوا كيف عندما جاء من يتعامل مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كمحمد، ومع كلمة: [رسول] أنه رسول من طرف القرية يأخذ مكتوباً ويسيره للآخرين ومع السلامة ثم مات.

الوهابيون عندما انطلقوا هذا المنطلق فعملوا على أن لا تُخْلق لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عظمة في النفوس كيف تَجَنَّوْا عليه، وكيف أصبحوا هم في أنفسهم أجلافاً غلاظاً قساة، ترى [المطوع] فعلا أليس المطوع هو الذي هو عادة رجل الدين الذي يجب أن تبرز على ملامحه سيماء الدين والتقوى والخلق الحسن واللطف واللين والبشاشة؛ لأنه يجب أن يتحلى بأخلاق يقتبسها من عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي قال الله عنه {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4)، تجدهم هناك جفاة غلاظ قساة! مَن منكم رأى مطوُع ينشد إليه قلبه ويرتاح له كل من راحوا يعملوا هناك أو حجوا؟ تراه ترى ظلمة، ترى جفوة، ترى قسوة، ترى غلظة، ترى جفاء. أحيانا أرى فعلاً مطوعاً وأرى شخصاً آخر بدون ذقن ويبدو لي هذا إنساناً دَمْثاً لطيفاً عليه سيماء هدوء ورزانة لين، ترى أنك قريباً له, تراه طبيعي بالنسبة لك، وذلك المطوع تراه مظلماً في شكله، في كلامه، في حركاته.

تراهم عند قبة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يحاولون أن لا يظهر في أوساط الزائرين له (صلوات الله عليه وعلى آله) ما يكشف عن تعظيمهم له، أصبح التعظيم في نظرهم شركاً، التعظيم الذي هو الغاية التي تراد من خلال ترسيخ مبدأ كمال هذا الرجل (صلوات الله عليه وعلى آله) أن نجِلّه أن نحترمه، أن نعظمه، أن نقدره، أن نذوب في ولاءنا له، يركلون الناس بأقدامهم، متى وقف شخص يريد أن يمسح ويقبل حجراً متصلة بتربة لها علاقة على بعد أمتار بجسد الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، أليس هذا يعني أنه يحبه منشد إليه؟. هؤلاء بجفوتهم بغلظتهم بوحشيتهم عند قبره يركلون الناس بأقدامهم؛ لأنهم تربوا على ماذا؟ على مسح الشعور بأنه عظيم.

من هذا نعرف بدءاً من الله سبحانه وتعالى كيف قدم نفسه لنا، وارجعوا أنتم إلى الآيات التي تذكر صفات الله وملكه وكل الأسماء التي تدل على كماله المطلق سبحانه وتعالى، ثم كيف بالنسبة لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، تجد أن المسألة هي مسألة ترسيخ كمال، لما لترسيخ هذا المبدأ من أثر مهم في نفس كل إنسان وفي الأمة بكلها.

نأتي إلى علي (عليه السلام) ونأتي إلى هذه الآية نفسها هل قال: ومن يتول الله ومحمد وعلي؟. قال {وَرَسُولَهُ} ألم يقدم محمداً بصفته رسولاً، قدم علياً بنفس الأسلوب قدمه باسم الإيمان، ويتحدث عن صفتين مهمتين فيه هي تمثل العلاقة بالله سبحانه وتعالى في أسمى ما هي عليه، وتمثل العلاقة بالناس في الجانب الآخر، وهذا هو ما تلمسه كثيرا عندما ترى بعض صفات المتقين تُعرض في مقام ولا تذكر صفات أخرى، وفي مقام آخر تذكر تلك الصفات ولا تذكر صفات أخرى، وهكذا؟. لأنه يذكر ما له أهمية متعلقة بالموضوع في الأمر الذي سياق الآيات حوله، فهنا تبدو أهمية – وانسجاماً مع هذا المبدأ الإلهي المهم – ترسيخ مبدأ الكمال، مبدأ التكامل؛ فلم يذكر علياً باسمه كما لم يذكر محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) باسمه في نفس الآية.. يذكره بماذا؟ بصفته التي هي صفة كمال {والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} لاحظوا كيف كرر صفات كمال؛ ليقدمه إلينا عظيماً، لو أتى بكلمة (علي) مكررة لما أفادتنا أكثر من اسم [علي].

{والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة: من الآية 55) ولنأت إلى الصفة الأولى التي تمثل علاقة الإمام علي بالله وهي {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} الصلاة.. أليست خير الأعمال؟. الصلاة فيما تعطيه من آثارها المهمة في العلاقة بالله سبحانه وتعالى وفي ميدان العمل في الحياة بكلها، تعتبر فعلا خير الأعمال لأثرها الكبير، أثرها المهم فيما تحتويه من دلالات مهمة، فيما تعطيه من إشارات مهمة، فيما تترك من آثار مهمة.

ألسنا ننادي في الأذان بــ[حي على الفلاح، حي على خير العمل] هل هناك عبادة أخرى ينادى لها بهذا النداء إلا الصلاة؟. حي على الفلاح، حي على خير العمل. والصلاة متى ما أُدِّيَتْ قَيِّمَةً ذات قيمة {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} ليست ركوعاً وسجوداً أجوفاً.. ركوع وسجوداً باتجاهٍ، بإقبالٍ، بخشوع، بفهم لمعاني الصلاة, لآثار الصلاة, لأهمية الصلاة التي نحن ننادي بأنها خير الأعمال، ووصفها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في حديث صحيح عنه ((خير أعمالكم الصلاة)) ألم يكن المصلون كثيرين؟ لكن ما أقل من يقيمون الصلاة.

كيف نعرف بأننا لا نقيم الصلاة؟ أننا نصلي والكثير يصلي ولو التفت التفاتة بسيطة إلى ما تعنيه تلك الأذكار في الصلاة وتلك السورة التي يجب قراءتها في الصلاة، وذلك القيام، وذلك الركوع، وذلك الاصطفاف صفاً واحداً، خلف إمام واحد، وفي مكان واحد، واتجاه واحد، لو حصلت التفاتة بسيطة منا – ونحن نصلي كل يوم خمس مرات – لتركت أثرها الكبير في نفوسنا، ولكانت مفتاحاً لكثير من أبواب الهداية أمام قلوبنا.

{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} الزكاة: تعني هنا الصدقة.. الزكاة في القرآن الكريم تُستعمل بمعنى الصدقة النافلة. وتستعمل الصدقة أيضاً بمعنى الزكاة التي أصبحت عَلَماً على النسبة المحددة من المال المفروضة المرتبطة بعين المال، وإلا فكلها تسمى زكاة باعتبار أن الصدقة من حيث هي زكاة للنفوس وزكاة للمال.

{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} أدى الزكاة أي تصدق بماله أثناء ركوعه.. وتقدمه بما هو أهم من أن يذكر باسمه في مقام ترسيخ النظرة إليه كإنسان كامل نرتبط به، وهذا هو ما افتقده السنية عندما لم يرتبطوا بعلي (عليه السلام) لماذا؟. لأنهم اعتبروا أن الآخر هو أكمل منه، ألم يقولوا بأن أبا بكر أفضل من علي؟. فهم ارتبطوا بمن؟ بأبي بكر بعد أن جعلوه الأفضل، لما لم ينظروا إلى علي (عليه السلام) ويلحظوا كماله ويؤمنوا بكماله لم يفدهم اسم [علي]، هل أفادهم اسم علي، لما فقدوا الارتباط بعلي باعتبار كماله فقدوا ما كان سيعطيهم الارتباط به ولم يعد اسمه ينفعهم، بل جعلوه رابعهم وقدموا عليه أبا بكر، قدموا عليه عمر، قدموا عليه عثمان؛ لأنه أصبح [علي, علي, علي] في نفوسهم هكذا.. أصبحوا ينظرون إليه علي , علي, نزلوه أول مرة, ثاني مرة, ثالث مرة، ولولا أن الآخرين هم حالوا لربما جاء واحد ثاني ونزلوه لما البادي من الخلافة تجي له بأي طريقة.

أليس اسم علي معروف لدينا ولديهم؟ ما الفارق بيننا وبينهم؟. هو أننا نظرنا إلى علي كرجل كامل، هو أفضل الناس بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، هو أكمل الناس بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، هو من رباه القرآن ومحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وكان جديراً بتلقي تلك التربية المهمة، نحن ننظر إليه كإنسان كامل أم أننا فقط الذي عرفنا اسم [علي] والآخرون لم يعرفوا اسم [علي]؟. هم يعرفون اسم [علي] أليسوا يقولون هكذا: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟. لكن ما الذي جعلنا نختلف عنهم وفرق بيننا وبينهم؟ هو أنهم لم ينظروا إلى علي كرجل كامل، كشخص كامل اختاره الله ليكون علماً للأمة بعد نبيه، فمن هنا يظهر لنا فعلاً أثر النظرة لهذا الشخص الذي ترتبط به باعتبار كماله، أما إذا لم تعتبره كاملاً فسيصبح لديك مجرد اسم على جسد, حبر على ورق, كما يقولون.

ما في هذا من كمال أيضاً؟ كنت أتصفح كتاب للسيد محمد حسين فضل الله فجاء لي فائدة مهمة في هذا الموضوع قال فيها: تنبئ هذه: أن يتصدّق علي بخاتمه وهو يصلي تدلنا نحن على جدارته العظيمة بأن يقود الأمة؛ لأنه هو من يهتم بها، من يؤلمه فقير واحد منها فلا ينصرف وهو في مقام التوجه نحو الله سبحانه وتعالى، ويقول: [احنا مصلين ما هو وقتك] فلا ينصرف بعيداً عن ذلك الفقير بل تهمه قضيته ويعالج مشكلته كفقير يسأل فيتصدق بخاتمه وهو يصلي، هذا هو من يهمه أمر الأمة، هذا من هو حريص على الأمة ورحيم بها حريص عليها وشفيق بها، هذا هو الجدير بأن يتزعم الأمة ويقودها.

ما أكثر من يقولون: [ما احنا في واديك, احنا في وادي عبادة, هذا أفضل, هذا أحسن!] علي (صلوات الله عليه) أليس ممن يقيم الصلاة وهو يصلي؟ لكن وهو يصلي يفهم أن الدين أعمال متكاملة وتوجه نحو الله سبحانه وتعالى له علاقته المهمة في نظرتي الحسنة واهتمامي بالآخرين، ومن أبرز من أهتم بهم ويهمني أمرهم: الضعفاء والمساكين وفقراء الأمة، فهو هنا لم يقل: [أنا في عبادة هي خير الأعمال، بعدين, رحلك]. يهمه أمره، ويقلقه وهو داخل الصلاة؛ لأنه لم يلحظ أن أحداً أعطاه شيئاً فيؤشر له بخاتمه وهو أثناء ركوعه فيأتي الفقير هذا ويأخذ الخاتم من يده.

لاحظوا كيف قدم لنا أعماق علي، ألم يقدم لنا أعماق نفسية الإمام علي عليه السلام بأنه الشخص الذي يهمه أمر كل شخص في هذه الأمة، فكان هذا من أبرز كماله أن يقدم لنا علياً باعتباره كاملاً، وهذا هو شيء مما يمشي عليه الناس، وسُنّة يسير عليها الناس حتى في أعمالهم الخاصة، أنت عندما تقول تريد معلم يعمل كذا أقولك فلان ما هو سيطلع في رأسك صفات كمال أو عدمها؟ عنده خبرة هو جدير بكذا أو لا؟. أليس هذا الذي سيحصل؟. عندما يقال: جاء محافظ. هل سيهمني اسمه أم يهمني أن أتساءل عن كماله؟ عسى يكون رجال جيد، عسى إنشاء الله يكون رجال باهر يهتم بالناس ويعطينا كذا وكذا.. أليس هكذا يحصل؟.

مدير ناحية، نفس الشيء هل يهمك اسمه أو يهمك أن تعرف الكمال الذي هو عليه, ما لديه من مقومات تجعله أهلاً لأن يَلِيَ أمرنا ويدير منطقتنا، أليس هذا الذي يحصل؟ يأتي حاكم نفس الشيء. أنت في شريعة فيقال لك: فلان وكّلْه. ما الذي سيطلع في نفسك؟. هل أنه جدير بهذه المهمة ولديه خبرة ولديه معرفة و .. و .. الخ، أليس هذا الذي يحصل؟ عامل يشتغل بين مالك ما الذي سيحصل؟. يهمك اسمه أم يهمك أنه ناصح ويشتغل بجد، وبصير يشتغل؟. والاّ يهمك اسمه فقط؟. هذه سنة من سنن الحياة إذا فهمناها نحن نعملها، ونحن ننظر إلى الكمال في كل شخص حتى وأنت تبحث لك عن زوجة، هل يهمك اسم الزوجة التي تريد أن تتزوجها فتقول أريد أن يكون اسمها (مريم) لا يكون اسمها(علوة) يكون اسمها كذا.. لا.. يهمك أن تعرف صفاتها فتقول: أرجو أن تكون ممتازة، أن تكون طبيعتها جيدة، لا أريد أن تكون كذا. أليس الإنسان يبحث عن صفات كمال؟.

هكذا يرسخ الله هذا المبدأ الذي هو مبدأ مهم.

فعندما يربطنا بعلي عليه السلام يربطنا بعلي من باب تقديم علي كرجل كامل جدير بأن نرتبط به، وهو من يصلح أن نتولاه هو من هو – إذا كنا ناصحين لأنفسنا – الجدير بأن نتولاه، وأن يكون هو باب مدينة علم الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهو الباب الذي منه ندخل إلى محمد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).

يقول لك لماذا ما ذكر [علي] حتى يكون النص صريحاً؟. هذه هي من سلبيات [أصول الفقه] التي دائماً نصيح منها، من سلبيات أصول الفقه الرهيبة، التي تصرفك عن النظر إلى الأشياء من منظار الهداية [أريد يقول لي فلان حتى يكون نصاً صريحاً يلزمني].

يا أخي القرآن كتاب هداية، الدين كله هداية، أعماله كلها هداية حتى عندما ينصب لك محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) الرسول هو هداية، والقرآن هداية، وعلي هداية، وكل شيء في هذا الكون هو يخاطبك بمنطق الهداية. يريد نصاً صريحاً يقول: اسمه (علي).

أن يرتبط الناس فقط بمجرد اسم تأتي إشكاليات أخرى فينسوا الكمال، هو ما ضربنا وضرب أهل السنة، وضربنا الآن كلنا، أننا لم نعد نلحظ ضرورة أن يكون من يَلي أمرنا رجلاً كاملاً.

وعندما ننظر إلى كماله ننظر بالمعيار الديني بالمعيار الإلهي {والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} أليس هذا هو تقديم لهم بمقامات دينية وصفات دينية؟ [تَصَدّق]، لماذا لم يقل (والذين آمنوا الذي سيقدم لك مشاريع ويعمل لك مشاريع ويعمل لك إزفلت ويعمل لك كهرباء ويعمل لك) هل قال هكذا؟.

من تتوفر فيه الصفات الدينية باعتبار الدين هو هدى للناس، من يهمه أمر فقير هو من سيهمه أمر الأمة كلها فيعمل على أن يوفر لها ويؤثرها على نفسه في جميع شؤون حياتها، على يد مثل هذا يتحقق بناء الأمة، تأتي المشاريع، تأتي الخدمات على أرقى ما تكون عليه، والواقع يشهد بهذا.

الإمام الخميني عندما جاء – وهو رجل من هذا النوع [يقيم الصلاة]، رجل كماله كمالاً دينياً، كمالاً على وفق هدى الله سبحانه وتعالى – ما الذي حصل في إيران؟. كان في أيام ملك إيران الذي يسمى (شاه إيران) فترة طويلة حكم إيران، وفي أثناء فترته ودولته – وكانت إيران تنتج نحو خمسة ملايين برميل في اليوم الواحد – كانت ما تزال أحياء كثيرة من [طهران] العاصمة ما تزال بغير ماء ولا كهرباء ولا نظافة ولا أي خدمات أخرى.

كان ما تزال الخطوط في إيران ليست أكثر من أربعة عشر ألف كيلو، بعد الثورة الإسلامية ماذا حصل؟ وتحت قيادة هذا الرجل الديني – الذي يفهم الدين أيضاً، وليس رجل ديني ممن يفهم الدين فهماً قاصراً بعيداً عن الحياة – جاء ما الذي عمل في خلال سنوات محدودة؟ أربعين ألف كيلو متر من الخطوط مقابل أربعة عشر ألف كيلو، في فترة قصيرة يبني المستشفيات، يبني الجسور، يبني السدود، يبني المصانع، المزارع, المدارس، الكهرباء، التلفون.

ونحن نزور في إيران متجهين إلى منطقة في شمال إيران اسمها (آمُل) ومعنا أشخاص إيرانيين ونحن نرى الكهرباء وكل الخدمات أمامك للقرى، – ألسنا هنا نطالب لمنطقة بأكملها ويعطونا مشروعاً واحداً فقط بعد ست سنين سبع سنين من المتابعة – هناك هم ينزلون بأنفسهم إلى القرى ليوفروا لكل قرية الخدمات التي تحتاجها: صحة وكهرباء ومياه ومدارس وطرقات كلها متوفرة، واهتمام بالمزارعين، قلنا لماذا؟.

قالوا: نريد أن يتوفر لأهل الأرياف كما يتوفر لأهل المدن فيظلوا في بيوتهم متوفر لهم كل أسباب الحياة، فيهتمون بالزراعة ويهتمون بكل شيء ويعيشون كما يعيش الآخرون؛ ولأننا بهذا العمل نواجه خطة خبيثة لليهود هم يحاولون أن تنهض المدن فقط, أن تنهض المدن من أجل أن يفلّت الناس الأرياف ويتجهوا إلى المدن وهذا هو ما يحصل، لاحظ صنعاء قبل عشر سنوات، الآن ادخل صنعاء ترى أحياء كثيرة تُبنى بطريقة عشوائية، وذا من [أرحب] وذا من [ريمة] وذا من [صعدة] وذا من [تعز] وذا من [حجة] زحمة مهاجرين من الأرياف إليها قالوا: أن هذه خطة مقصودة من خطط اليهود الغربيين من أجل أن يزدحم الناس في المدن، وازدحام الناس في المدن سيعطل الأرياف، وهي المساحات الكبرى في الشعوب فتتعطل الزراعة ويتعطل كل شيء.

ثم عندما يتجهون إلى المدن بحثاً عن ماذا؟ يريدوا [معنا كهرباء ومعنا تلفون, ومستشفى قريب] أليس هكذا بحثاً عن الخدمات؟. طيب ما الذي يحصل في المدن؟. في المدن يتجمع الناس بأعداد كبيرة ولا يكون بينهم أي علاقات ولا روابط، بيت عند بيت ولا أحد يلتفت إلى أحد، ولا أحد يسأل عن أحد، شقة فيها ناس وشقة فيها ناس آخرين وشقة هنا.. لا يتعارفون في الغالب، ولا يدري هذا من أين هذا، ولا لهذا علاقة بهذا، فيتجمع المسلمون تجمعات تتفكك بينهم كل العلاقات الأخوية والإسلامية، ويتجمعوا في تجمعات ثم يبدأ الفساد ينتشر داخل المدن بهذه الأعداد الهائلة التي تتوافد, تتوافد بأعداد كبيرة بدون تنظيم وبدون رعاية وبدون اهتمام فيظهر الفساد الكبير داخل المدن، فساد في الحياة العامة، فساد في الأخلاق، فساد في كل شيء يعيشون هناك فيروا لازم يبحث كيف يدخل، لأن المدينة تتطلب حياة أخرى تريد فلوس كثيرة، يبحث له عن وظيفة بأي طريقة، متى ما توظف أصبح مختلساً؛ لأنه يريد فلوس كثيرة، أليس هو هنا يضحي بأخلاقه، ويضحي بدينه من أجل محاولة إشباع متطلبات الحياة في المدينة؟. لكن يوم كان في الريف كانت عنده مزرعة، وعنده كثير من الخضراوات التي يزرعها، ومعه بقر ومعه دجاج ومعه أغنام.. أشياء كثيرة تتوفر له فيبقى محافظاً على نزاهته، على دينه، على أمانته، على قيمه. لكن في المدينة يفقد هذه كلها ويصبح همه الفلوس، لا يوجد هنا أي شيء والمدينة كما يقولون (صنعاء شمسها بفلوس).

إذا وُفرت الخدمات في الأرياف تفادينا كل هذا. وفعلاً لم توفر الخدمات حتى في المدن دع عنك الأرياف.

هناك في إيران أبدوا اهتماماً كبيراً ورعاية كبيرة للناس في كل منطقة؛ لأنهم من يحمل هذه الروحية فيهمه أمر فقير وهو أثناء الصلاة، وهي خير الأعمال [لم يقل إيش با تجي صدقة أعطيه خاتمي وأنا أسبح الله داخل الصلاة؟ ما هذه أثوب؟] لا.. وهذا وهذا.. لأن الصلاة هي من أجل أمثال هذا, الصلاة هي من أجل هذا الفقير وأمثاله من المستضعفين من عباد الله. فمن يهمه فقير، من يهمه مستضعف، من يهمه أمر المواطنين وأبناء أمته ودينه ماذا سيعمل؟ سواء كان فقيراً في المدينة أو في الريف أو في أي منطقة؟. سيوفر له خدمات وتحت يديه أن يوفر في أي منطقة كان.

الإمام الخميني الذي كان لا يملك هو إلا [البشت] حقه كما يقولون الدجلة حقه الذي كانت ممتلكاته بسيطة قدم للفقراء ما جعلهم يعيشون عيشة أرفه من حياته فعلاً. اقرؤوا كتاب (مدافع آيات الله) لكاتب مصري (محمد حسنين هيكل) وهو يتحدث عن بيت الإمام الخميني الذي دخله، عن مطبخه وعن ثلاجته وعن أكله وعن ممتلكاته عادية بالنسبة له لكنه قدم الخدمات للآخرين بشكل رهيب؛ لأنه كروحية علي (صلوات الله عليه) الذي كان يأكل ما يتسهل له، ويهمه أمر الفقراء، وأوصى ولاة أمور المسلمين بأن عليهم أن يقيسوا أنفسهم بفقراء الناس، أن تعيش كما يعيش فقراء الناس، تحاول أن ترفع بالفقراء إلى مستواك أو تعيش بعيشتهم، لا تَلِي أمرهم ثم تعيش في ترف، في قصور فخمة، ممتلكات فخمة والناس الفقراء المساكين هناك يعانون من شظف الحياة وصعوبة الحياة لا يتوفر لهم جزء مما يتوفر لك، قال: (حتى لا يَتَبَيَّغَ بالفقير فقره) الفقير يتألم عندما يرى الكبير ولي أمر، عندما يرى رئيس، عندما يرى مسئول أرى فين حياته وأرى فين أنا، أرى أولاده في العيد وأرى أولادي في العيد، أرى زوجتي وهي تتجه إلى أسواق البالة تشتري ملابس لأولادي في العيد وهو يرسل بنته أو زوجته أو خادم خادم زوجته إلى أرفع وأرقى معارض عرض الأزياء ليشتري الفساتين الفخمة والأحذية الفخمة.

هكذا حاصروا الناس، أسواق [البالة] في صنعاء وفي كل مكان، أصبحنا شعب نتلقى البالة في كل شيء، سيارات مستعملة من كوريا تدخل بالة اليمن كفرات بالة أحذية بالة ملابس كل شيء أصبح بالة، وهناك معارض للأزياء الفخمة، وهناك معارض للسيارات الفخمة. إلى أين تتجه هذه؟. وإلى أين تتجه هذه؟. انظر إلى الأسواق، أدخل تلك المعارض، ثم ادخل هذه المعارض معارض البالة ومعارض الأزياء الفخمة والأحذية الفخمة تجد من يرتادها، هنا يحس الفقير بوطأة الفقر، يحس بالألم، وذلك لا يبالي، ولا يهتم، ولا يفكر، ينسى أن في الدنيا ناس.

الإمام الخميني الذي كان لا يملك إلا ممتلكات بسيطة جداً كوّن جيشاً بأكمله سماه جيش [جهاد البناء] هناك جيش مجاهدين يحملون البنادق والبوازيك وفي الدبابات وفي الطائرات وكوّن جيشاً يحمل المطارق والفِرَس والكُرَيْكات ومفاتيح الهندسة ويقودون الحراثات ويقودون مختلف الآلات الثقيلة لعمل الجسور، وعمل السدود، وبناء المصانع، وبناء المدن، جيشاً بأكمله سماه [جهاد البناء].

كنا نقول قفزة كبيرة أصبح يقال: (مجالس محلية)، وسيوكل لهذا المجلس المحلي يوكل له أن يهتم بخدمات المنطقة ويهتم بحاجات المنطقة، ونرى كيف واقعنا مجلس محلي لا يمتلك ما يُؤثِّث به مكاتبه، ثم يقال للناس: نحن قد جعلنا صلاحية مطلقة للمجالس المحلية، وأوكلنا إليها الاهتمام بخدمات الناس وحل مشاكلهم و.. و.. الخ.. مهام جميلة لكن ما الذي أعطيتم المجالس المحلية حتى تكون قادرة على أن تنهض بهذه المسئولية؟. أين هي المقاييس الإلهية التي وضعتموها في الأشخاص الذين لا بد أن يكونوا هم من يصلون إلى المجالس المحلية حتى يكونوا جديرين بتوفير الخدمات للناس؟. لا شيء من هذا.

لنعرف كيف أن الله سبحانه وتعالى عرض الصفات المهمة التي على يديها تسعد الأمة، على يديها تسعد الحياة، على يديها تزكو النفوس وتزكو الحياة بأكملها.

وكما قلنا في هذا العصر تقريباً لا تتحدث عن شيء إلا وتجد الشواهد عليه في مختلف المجالات شواهد نعرفها جميعاً. عندما يأتي المترشحون سواء لرئاسة الجمهورية أو لعضوية مجلس النواب أو للمجالس المحلية أليس المترشحون كلٌ منهم يحاول أن يخاطبنا بأنه سيفعل، وسيعمل لكم كذا ونفعل لكم كذا مدارس ومستشفيات وخطوط وأشياء من هذه؟. أليسوا كلهم يتحدثون بهذا المنطق؟ هذه نفسها هي مطالب للحياة لكن نحن نريد على يد من ستتحقق مثل هذه بصدق؟ على من يد تتحقق؟. على يد من يهمه أمرنا، نحن مسلمون من الذي يهمه أمرنا؟. هو من يمتلك مقومات إلهية مثل هذه، من يمتلك مبادئ مترسخة في أعماق روحه في أعماق نفسيته فتجعله مهتماً بأمر المسلمين، مهتماً بضعفاء المسلمين مهتماً بالأمة بأكملها.

سنُخدع لأنهم يخاطبوننا كما يخاطب الصياد السمك، ما الذي يعمل الصياد للسمكة؟. ما هو يقدم لها لحم؟ يقدم لحم يقدم لها طعام ويرسل الشبكة إلى هناك فتلتف حوله السمك، ألم يقل للسمك: أنا أعطيكم طعاماً، أعطيكم لحماً أفضل من أن تبحث عن عشب من أعشاب البحر تأكلها؟ نحن سنعطيك لحمة هي هذه، فتلتف السمك حوله فمن وقع في شراكه يأكله هو، هذا الذي يحصل، تقع في شراك هؤلاء فيأكلوك، ولكن بأساليب متعددة.

ما الدليل على أنه يأكلني؟ أنه عندما يطلع أراه بعد فترة وإذا لديه سيارات فخمة، وقصور فخمة، وممتلكات كبيرة وكان جندياً مسكيناً ثم يتحول إلى تاجر صاحب رأس مال كبير فعرفت أنه هو أصبح كذلك الصياد الذي قد سَمُنَ وأصبح جسمه كبيراً من خلال ماذا؟ وهو يأكل أسماك تلك الأسماك التي تتجه نحو الشراك نحو شبكته التي فيها قطعة لحم من عجل تبدو للسمك جميلة ولذيذة؛ لأنها لا تعرف مثلها في البحر، لهذا لما كانت القضية هذه هامة أن الناس يُخدعون بمثل هذه الأشياء.

الإمام الخميني جاء بكلمة مهمة قال: (يجب علينا أن تكون معاييرنا إلهية) هي هذه المعايير الإلهية التي قُدِّمَت هنا {والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} شخص يهمه أمركم، حتى الواحد منكم وإن كان داخل أهم عبادة من العبادات لا ينشغل عنكم؛ لأن ما يُقدم لنا في الانتخابات وفي تنميق الآخرين لأنفسهم لدينا ما هي؟. هي معايير ليست إلهية معايير مادية، هي ليست أكثر من تقديم قطعة لحم لسمك لتُؤكل هي، نقول: تمام.. ثم نرى في الأخير أنه حتى ولا وعد واحد يحققه من الوعود التي وعد بها: إن شاء الله في عام 1986 م كما قال علي عبد الله يوم زار صعدة ستكون صعدة كلها شبكة واحدة بالكهرباء!.. [87 و 89 و90 و91]، ونحن لنا كم؟ سبع سنوات متابعين في كهرباء لمنطقة, سبع سنوات! جلسنا سبع سنوات نتابع في الكهرباء.

يجب علينا أن تكون معاييرنا إلهية، هذه في هي حد ذاتها تستدعي لها وقتاً طويلاً نتفهم جميعاً كيف يجب علينا أن تكون معاييرنا إلهية في مختلف الأشياء حتى لا نخدع؛ لأن فرعون إنما خدع قومه في مواجهة موسى بمعايير مادية {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ . أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} مسكين {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ}، أليست هذه كلها مظاهر مادية؟ أن يكون معه حاشية وخدم وموكب مثل ما معي يكون معه موكب من الملائكة, وأساور من ذهب وأشياء من هذه، هكذا يُخدع الناس دائماً بالمعايير المادية، التي هي في حد ذاتها لا يعطى إلا القليل منها على أيدي من يخدعون بها أو ينمقون أنفسهم أمامنا بالحديث عنها.

متى ما كانت المعايير التي نتعامل من خلالها مع الآخرين معايير إلهية فسيتحقق الكثير على يد من لديهم مبادئ إلهية مترسخة في أعماق نفوسهم، تجعل نفوسهم محطاً لأن يهتموا بالآخرين وإن لم يكن يعرفون الآخرين ولا يعرف الآخرون أسماءهم ولا أشكالهم. لاحظوا، الإمام علي هو آتى الزكاة وهو راكع؟ هل هو يتلفت إلى الفقير ويعرف من هو؟ أو الفقير نفسه يعرف من هو هذا؟. أليست هذه هي في حد ذاتها تبين لنا؛ لأنه أحياناً قد يقدم لك هذا خدمة لأنه يعرفك وتعرفه معرفة فيستحي منك أن تعرفه ثم لا يعطيك شيئاً، علي وهو أثناء الركوع ميزة أكثر من لو أعطاه وهو أثناء القيام، لو تعرّض له الفقير وهو أثناء القيام في الصلاة ربما لاتجه الفقير إليه لمعرفة ملامحه ربما يكون لديه شيء، أو ربما رأى الفقير فرأى حالته الرثّة فأشفق عليه.. لكن لا.. هو في حالة الركوع وعادة يكون الإنسان الذي يركع لا يبصر إلا الأرض، سمع بفقير يسأل، هذا الفقير لا يراه وهو لا يراه فيؤشر بيده إليه ليأخذه. هكذا يكون من نلحظ فيهم أن تكون نظرتنا إليهم من منطلق المعايير الإلهية, التكامل الإلهي من خلال ما ترسخ في نفوسهم من قيم الإسلام ومبادئه، هم من سيهتمون بمن لا يعرفهم ولا يعرفونه.

ألسنا نقول دائماً: أبحث لك عن وساطة؟ ما معنى وساطة؟ أي شخص يعرف فلاناً ويعرفه فلان، أليست هكذا؟. من أجل يمكن أن تحصل على كذا، يمكن أنه يسهل لك معاملة المشروع الفلاني، ابحث لك عن وسيط. ما معنى وسيط أليس معنى الوَسِيط أن هذا يعرف هذا؟ هي هذه.

الإمام الخميني اهتم بمن لا يعرفهم، وبمن لا يعرفون ربما إلا صوره بعدما صعد، اهتم بهم فملأ إيران بالمشاريع في مختلف المجالات، وأصبحت إيران تكاد أن تشرف على أن تكون دولة صناعية، أصبحت تنتج إلى مختلف البلدان إنتاجات كثيرة تصدر حتى السيارات، ترى شوارع [طهران] كلها سيارات من صناعة محلية لا ترى سيارات يابانية أو كورية إلا نادراً، ترى كل ذلك السيل الذي يظهر أمامك في الشوارع كله سيارات إيرانية، ونحن كنا نحرث زمان على إثنين أثوار وكان يقدم هذا المظهر مظهراً متخلفاً أمام الحرّاثة ثم نقص ثور ثم غاب الثور وطلع بدله حمار.

{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} ثم هؤلاء على أيديهم هم.. لاحظوا، متى ما كانت قيادة الناس من هذا النوع فهم من يعرفون كيف يبنون الأمة لتصبح فعلاً أمة قوية. ما الذي يحصل في البلدان العربية؟ أليس الزعماء يقدمون أنفسهم هم – فقط – أمامنا كأقوياء، لكن لم يقدمونا كأمة قوية أمام الآخرين فلا يعملون أي عمل يسهم في أن نكون أمة قوية في مواجهة الآخرين.

إيران فتحت المعسكرات للتدريب رجالاً ونساء، اهتمت ببناء الاقتصاد في مختلف مجالاته، التعليم في مختلف مجالاته، احتاجوا ثورة علمية من جديد، ثورة من جديد بعدما انتصرت الثورة الإسلامية؛ ليعيدوا المناهج ويجعلوها بالشكل الذي يفيد.

نحن لا نجد في واقعنا أي شيء يؤهلنا لأن نكون أمة قوية في مواجهة الآخرين، أي نحن لا نجد من يبنينا بناءً لنكون حزب الله؛ لأنه من يمكن أن يبني أمة لتكون حزب الله التي تقهر الآخرين من أعدائها، إذا لم يكن هو ممن يمثل رقم واحد داخل ولاية الله ورسوله، ممن يمثل رقم واحد داخل حزب الله. أعضاء حزب الشيطان لا يمكن أن يبنوا أعضاءً في حزب الله، لا يمكن إنما يبني حزب الله من هو يحمل الأرقام الأولى في بطاقات حزب الله.

في [بغداد] ترى في منعطف الطريق هنا وهناك في الصحراء صورة كبيرة [للسيد الرئيس] صورة كبيرة جداً، ومعها شبك عليها مكلف وماطور كهرباء خاص، وكشافات فوقها.. هناك في الصحراء.

ترى الشخص الذي يمكن على يديه فعلاً أن تبنى الأمة بناء أمة عظيمة.. وهكذا من يكون على هذا النحو هم من يبنون الأمم العظيمة فأين إيران الآن عن إيران قبل الثورة الإسلامية بفارق بسيط هو أقل من عمر ملك واحد ممن سادوها وحكموها قبل الثورة الإسلامية. أليس هؤلاء هم من يبنون الحياة ويبنون الرجال ويبنون الأمم؛ لأنه يهمهم أمر الحياة بالنسبة للناس أكثر مما تهمهم أنفسهم، هم من يهمهم أن يجعلوا الأمة قوية وعزيزة فيبنوا الأمة فتصبح أمة قوية تمثل في بناءها حزب الله.

ارجع حتى تتأكد من هذا إلى الأمثلة الكثيرة في واقع الحياة أمامك هنا وهناك تجد فعلاً أن {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} أليس هذا الرقم الثالث {وَالَّذِينَ آمَنُوا} هو بداية التولي الحقيقي لرسول الله ثم لله سبحانه وتعالى على نحو تصاعدي، التولي للذين آمنوا تولياً صادقاً يجعلك فعلاً بالشكل الذي أنت فيه متولٍ للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) عن هذه القناة يجعلك بالشكل الصحيح الذي تكون عليه صادق الولاء لله سبحانه وتعالى.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}أي {وَهُمْ رَاكِعُونَ}: وهم خاشعون، كما يقول المفسرون الآخرون لكن تعال إقرأها وأنت ممن يدين بولاية الإمام علي كم ترى فيها من أبواب الهداية في آية واحدة، لكن إذا لم يكن أمامك إلا أبا بكر لا يعطيك القرآن شيء بكله, بل تخرج منه وأنت ضال، تجعل القرآن حرباً لله سبحانه وتعالى، تخرج وأنت تعتقد بأن الله هو مصدر كل فاحشة, وكل ظلم بقضائه وقدره، تخرج منه وهو يوجب عليك طاعة أي ظالم يحكمك أو أي مجرم كيفما كان ما لم يظهر كفراً بواحاً؛ لأنه قال {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء: من الآية 59) وهذا هو أولي الأمر، هكذا يعطي تولي الآخرين ضربة للأمة من ذلك اليوم إلى الآن.

فمن هنا نعرف عندما يقول الإمام الهادي رحمة الله عليه: (إنه يجب على كل مسلم أن يتولى علي بن أبي طالب) على كل مسلم؛ لأن ولاية علي تعتبر حصناً مهماً بالنسبة لك، هل لمجرد اسم علي؟ لأن ولاية علي ستفتح أمامك آفاقاً واسعة في مجال الهداية، تفتح أمامك أبواب الهداية فتهتدي بالقرآن وتهتدي بالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ لأن ((علي مع القرآن والقرآن مع علي)). فمن هنا نعرف كيف كان مهماً فعلاً – باعتبار أن الإسلام هو دين يربي الناس، ودين هداية للناس – أن المهم هنا جداً جداً أن يُقدم علي بمواصفاته، بتلك الصفات التي تبين لنا أعماق أعماق نفسه، وتبين لنا كيف اهتماماته وكيف نظرته للدين وللأمة. ثم يأتي من يقول: [لماذا لم يذكر علياً باسمه؟ لو كان هو المراد لقال علياً]. هذه نظرة قاصرة جداً تعتبر من الأخطاء التي هي نتاج أخطاء ثقافية من هنا وهناك.

الشيء الثاني مما يمكن أن نستفيده من هذا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} هو أن الأمة تحتاج إلى أعلام, ترتبط بهم – بهؤلاء الأعلام – هدايتها في دينها ودنياها، ولا بد أن يكون الله سبحانه وتعالى هو من يحدد، هو من يبين لنا من هم الأعلام من بعد نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله) لنرتبط بهم، فمن خلالهم نهتدي، وعلى أيديهم نهتدي؛ لأن المسألة ليست مسألة مفتوحة، إذا لم يضع هو سبحانه وتعالى فالآخرون سيضعون، بل وضعوا على الرغم من أنه قد وضع، سيضع أهل الباطل أعلاماً؛ لأن الباطل يحتاج إلى أعلام، هل تعرفون هذا؟. تقريبا عندما تجد القنوات نفسها أو الأساليب من حيث هي كلها أساليب واحدة.. الباطل يحتاج إلى أعلام فلهذا يحتاج أهل الباطل إلى أن يركزوا أمامك شخصيات أو مجاميع فيكبرونها وينمقونها، وينفضون التراب عن خدودها لتبدو أمامك لماعة؛ لتنفق بضاعتهم فينفق الباطل فينفق الضلال من خلالهم.

لا بد للإنسان من أعلام ومتى ما أنت حاولت أن تنصرف عن علي فإنك ستنصرف إلى عَلَمٍ آخر لا محالة، عندما تقول: [لا أنا لا أريد هذا ولا هذا] فأنت فعلاً ستنصرف في الأخير إلى الشيطان؛ لأنه آخر واحد. إذا تهربت عن علي بن أبي طالب وعندك [ما انا بحاجة لا علي ولا أبو بكر ولا عمر]، ما أنت رفضت علياً؟ رفضت حقاً فماذا بعد الحق إلا الضلال، إذا أنت فقط.. فقط أنت لم ترضَ بالضالين الصغار فهذا معناه أنك تريد الضال الكبير ترتبط به رأساً فقط ما هي إلا هذه, [لا أريد معاوية ولا أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي]. أنت اختصرت المسافة فقط, فكأنك تقول: أنا لا أريد أن أتعامل مع هؤلاء الصغار مباشرة أنا سأتعامل مع الكبير تقع في أحضان الكبير بكله ستجد الشيطان هناك في الأخير, هو في الآخر, في المضيق، تتهرب من هنا ولاّ ما يعجبك ذا ولا ما يعجبك ذا فأنت في طريقه ستلقاه ما معك إلا هو ليس بالإمكان أن يبقى الإنسان بدون أعلام يرتبط بهم.

نجد هذه الآيات نفسها تشهد بأنه لا يمكن أن تهتدي الأمة إلا على أيدي أعلام حتى تصبح بمستوى أن تكون حزب الله، أو أي مجموعة؛ ولهذا جاءت العبارة بلفظ {وَمَنْ يَتَوَلَّ} من يتولّ سواء الأمة بكلها أو مجاميع من الأمة تولياً صادقاً على هذا النحو العملي فسيجعلون أنفسهم حزب الله فعلاً.

أنهم بحاجة إلى أن يكونوا حزب الله ويكونوا غالبين لا بد أن يرتبطوا بأعلام، فالهداية التي هي في واقع النفوس فتسلم النفوس من أن ترتد بعد إيمانها، من أن توالي أعداءها لا بد لها من الارتباط بأعلام تتولاهم، وهي تهتدي في ميدان المواجهة للآخرين لا بد أن ترتبط بأولئك الأعلام الذين وضعهم الله سبحانه وتعالى ووضعهم رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) لنا من بعده أن نرتبط بهم حتى نهتدي في ميدان المواجهة؛ ولهذا قال هنا: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.

فمن هنا نعرف كطلاب علم، ونعرف كمسلمين بصورة عامة أنه لا يمكن أن تتصور بأن بإستطاعتك أنت شخصياً أن ترسم لك منهجاً وتسميه هداية من جهة نفسك, وتنطلق عليه وتظن أنك ستهتدي إذا لم ترتبط بأعلام للهدى، لا بد من الارتباط بأعلام للهدى تتولاهم وتذوب في شخصياتهم.

وهم بالطبع من يضعهم الله أعلاماً لأمته.. إنما يضعهم كاملين {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} (القصص: من الآية 68) هو الذي يختار وليس لنا نحن أن نختار، هو الذي إذا آمنا بهذا المبدأ – مبدأ الكمال فارتبطنا بالله الكامل الكمال المطلق وارتبطنا برسوله الذي اصطفاه واختاره فأصبح كاملاً وارتبطنا على وفق هذا النهج بالكامل – فالله سبحانه وتعالى هو الذي سيقدم لنا الكامل بدأً من علي عليه السلام.

حتى مقاييس الكمال هي دقيقة جداً جداً، ليس حتى في صلاحيتي أنا أن أقول: إذاً الكمال هو كذا كذا كذا..إلى آخره، سيأتي آخرون يقولون: لا, الكمال كذا هو كذا وكذا.. الخ، نثق بالله ونثق برسوله ثم نمشي على ما يهدينا إليه، والله سبحانه وتعالى هو من سيضع لأمته أعلاماً يختارهم ويؤهلهم ليكونوا جديرين بهداية الأمة وجديرين بقيادتها.

ألم يكن علي عليه السلام هو الرمز الواحد من بين كل تلك المجاميع الكثيرة التي كانت تقف أمام النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) فبرز هو علماً حتى أصبح كل شخص من أولئك ملزماً بأن يتمسك بذلك العَلَم ويتولاه ويهتدي بهديه ويسير على نهجه.

هذه المسألة في حد ذاتها الإرتباط بمبدأ الكمال هو وحده الذي يعطي الضمانة بالنسبة لنا أن تبقى المسألة بيد الله سبحانه وتعالى، أن تبقى مسألة من هو الجدير بأن يهدينا، من هو الجدير بأن يَليَ أمرنا مرتبطة بالله سبحانه وتعالى كما قال الإمام الهادي عليه السلام: (أن الله هو الذي يختار، هو الذي يؤهل).

[إذا لم نعمل على] مراعاة الارتباط بهذا المبدأ العظيم الذي عمل القرآن الكريم على ترسيخه في أذهاننا فسيُقدم لنا أشخاص كثيرين، ويُقدم رموز كثير وهميُّين لا يعتبرون كاملين ممن أختارهم الله سبحانه وتعالى، وليسوا جديرين باختياره.

عندما تتحدث الزيدية في كتبهم عن شروط الإمام أليسوا يضعوا شروط كمال؟ [أن يكون عالماً وأن يكون مدبراً وأن يكون سليماً وأن يكون سخياً وأن يكون شجاعاً يكون تقياً ورعاً زاهداً رحيماً بالأمة وعادلاً..] إلخ، ألم يضعوا شروط كمال؟. لماذا الكمال؟ ومن أين مصدر الكمال؟.لأن الكمال هو يأتي من قبل الله سبحانه وتعالى هو الذي يختار هو الذي يصطفي {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} (فاطر: من الآية 32) الاصطفاء الإلهي يأتي دائماً في كل مقام يرتبط به سبحانه وتعالى بالنسبة لعباده.

فإذا أصبحت المسألة لدينا هي على هذا النحو فمعنى ذلك أن هذا هو الضمان الذي يجعل القضية بيد الله، هو الذي يؤهل، هو الذي يكمل، هو الذي يختار، فإذا ما نسفنا مبدأ الكمال هذا بكله ظهر على السطح, الكثيرون, الكثيرون جداً.

لاحظوا في قضية الإمامة، عندما يحاربون الإمامة هل تظنون بأنهم يحاربون اسم [إمامة] هذا واحد من مقاصد الصهيونية في محاربة العناوين والمفردات – مع أن كلمة إمام أطلقت في القرآن الكريم على البر والفاجر {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} (القصص: من الآية 41) وهناك {أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} (السجدة: من الآية 24) – هم حاربوا مبدأ كمال أن لا يترسخ في ذهنية الناس، لماذا؟. لأنه متى نسفنا هذا الكمال الذي لا بد منه فسنصل إلى أن نحكم الناس، سأصل أنا إلى أن أحكم الناس متى ما نسفت شروط الكمال، أليس هذا هو الذي حصل؟. ما هذا الذي يقدم في كل دساتير البلدان الإسلامية، لا يُشترط في زعيم البلد الفلاني إلا أن يكون من نفس الوطن، وأن يكون عمره كذا، وأن لا يكون قد صدر في حقه حكم شرعي يخل بالشرف ما لم يُرد إليه اعتباره. هذه هي الشروط فقط.

أليس الكثير سيكون على هذا النحو وإن كان من الشارع، وإن كان ممن لا يهمه إلا مصلحة نفسه، وإن كان ممن لا يعرف كيف يدير شئون أمة، بل ممن لا يعرف كيف يدير شئون أسرة.

أليست الدساتير فتحت المجال أمامهم؟ وعن أي طريق؟ عن طريق نسف الكمال الذي لا بد منه، عندما يقولون: يجب أن يكون كذا وأن يكون كذا وأن يكون. أليست هذه معايير دينية معايير إلهية؟. لماذا تجعل المعايير إلهية؟. نربط المسألة بالله سبحانه وتعالى وهو الذي سيصنع هو الذي سيؤهل، هو الذي سيكمل هو الذي سيختار كما نص الإمام الهادي عليه السلام.

بل تأثرت الزيدية نفسها عندما غابت عن المعايير التي وضعها الإمام الهادي باعتبارها معايير إلهية في بداية كتاب (الأحكام) فظهر لنا أئمة حتى داخل الزيدية ليسوا جديرين بأن يحكموا الأمة، وصُدروا في تاريخنا كأئمة من أهل البيت وليسوا كاملين ولا مؤهلين، فعلاً وهم لا زالوا كثيرين في سلسلة أئمة الزيدية في كتب تاريخنا لكن جاؤوا هم فيما بعد يجعلوا مقاييس مغلوطة للكمال هذا نفسه [أن يكون عالماً، ويعني أن يكون مجتهداً، ومعنى أن يكون مجتهداً أن يكون قد قرأ كذا كذا كذا إلخ].

ألم تصبح المقاييس مادية في الأخير؟ بينما الإمام الهادي قدم نحو صفحة وهو يتحدث عن مواصفات من هو الأولى في ولاية أمر المسلمين, صفحة كاملة، وقال في الأخير: أن الله هو الذي يؤهل على النحو، إذا ما ارتبط الناس بالله من هذا المنطلق هو الذي سيؤهل لكن جئنا فيما بعد وقدمنا معايير مادية لنسف المعايير الإلهية فانحطينا فظهر لنا أئمة فعلاً كانوا ممن رسخ مبادئ الاختلاف داخل هذه الطائفة نفسها وبدلاً من أن يقدموا لنا علوم أهل البيت وحدهم أضافوا لنا ركاماً من علوم الطوائف التي هي طوائف ضالة فشغلوا أوقاتنا، وشغلوا بيوتنا بركام الكتب من هذا القبيل بدل أن ينتقوا لنا علوم القرآن الكريم وعلوم العترة الطاهرة، ركام من أقوال الآخرين تضيع عليك سنين من عمرك، تضيع حياتك تضيع وقتك تضيع الكثير من أعمالك.

ولنعرف أن المسألة هامة فعلاً أنها: إما أن تكون ضمانة تجعل القضية بيد الله, أو أن يكون نسفها يُهيئ الواقع لتكون في متناول كل من هب ودب، أنه ما الذي يحصل؟. حتى لو قلنا ليس شرطاً أن يكون من يلي أمر الأمة من أهل البيت تعالوا إلى الشروط الأخرى ضعوها في الدستور لتكون هي شروط في من يلي أمر الأمة، لن يقبلوا هذا، أتظنون أن المسألة فقط هو محاربة لأن يكون الشخص من أهل البيت الذي يلي أمر الأمة ليس هذا فقط يحاربوا أن يكون كاملاً كمالاً إلهياً وفق معايير إلهية.

عندما تقول يجب أن يكون من يلي أمرنا عالماً بالدين، عالماً بالله، متقياً لله، رحيماً بالأمة، تقياً، ورعاً، زاهداً، أليست هذه المعايير قرآنية؟ حاول أن تضعها في قاعة مجلس النواب لأن تكون ضمن النص الدستوري في مواصفات من يلي أمر هذا البلد أو ذلك البلد لن تقبل بل تحارب.

أولئك الذين يحاربون الإمامة باعتبار إمامة أهل البيت نقول: تعالوا: خلاص أسكتوا إذا كنتم ترون بأن المشكلة هي مشكلة أهل البيت لكن قدموا للأمة أنه يجب أن يكون من يلي أمرها تتوفر فيه المعايير الإلهية الأخرى، لا, مشغولون بأن يحاربوا مسألة أهل البيت وهم في نفس الوقت يؤمنون ببقية الشروط فلماذا لا تقدموا الشروط الأخرى هي وإن سكتم عن أهل البيت، لأنكم تعرفون أن الآخرين لن يسمحوا إطلاقاً أن تكون هذه ضمن الشروط التي لا بد منها في من يلي أمر الأمة، لماذا؟. لأنها معايير إلهية، لا تتوفر إلا على يد الله سبحانه وتعالى ونحن لا نريد أن نربط المسألة بهذا النحو، نريد أن نحكم، أنا أريد أن يكون المجال أمامي مفتوحاً أحكم بدون شرط ولا قيد. عندما يقال: لا بد أن يكون عالماً أنا لست عالماً إذا فكيف أحكم، إذاً ما هذا شرط جديد علي نصفر عليه، وهكذا وهكذا.. هذا الذي يحصل.

ولهذا نفس الآية هذه عندما تعرض معايير إلهية في المؤمن الذي نتولاه {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}(المائدة56) بعد أن قال: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} وعادة ما يعرض القرآن صفتين أو ثلاثة هي نموذج يدل على ما وراءها؛ لأنه عرض مجمل نواحي شخصيته في صفتين تدلك على ما بعدها من صفات الكمال والمعايير الإلهية.

وأين تأتي هذه الآية؟ ألم تأت في إطار الحديث عن خطورة بني إسرائيل، وأن خطورة بني إسرائيل تتمثل في اتجاههم نحو إفساد القلوب والنفوس لصنع ولاءات، لصنع أعلام، لصنع ثقافات، أليس هذا مما عمله بنو إسرائيل والله قال في القرآن الكريم بأنهم يمتلكون قدرة رهيبة في مجال لبس الحق بالباطل {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ}(آل عمران99) ثم يقول: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (آل عمران: 71).

إذاً إذا لم نلتزم نحن بأن نسبق الآخرين إلى قلوبنا نسبق نحن الآخرين إلى قلوبنا إلى مشاعرنا لنملأها بالولاء الصحيح وفق المعايير الإلهية فإنهم هم سيأتون ليضعون لنا أعلاماً آخرين يصلون بهم إلى أعماق نفوسنا فتكون أعلاماً للباطل، أعلاماً للضلال أعلاماً لا تقدم ولا تؤخر، ليست أكثر من تزييف لعقولنا، تزييف لمشاعرنا، صرفاً لاهتماماتنا عن المحل الذي يمكن أن يكون لها جدوى إذا ما اتجهت إليه، ألم يركزوا أسامة بن لادن وتصيح منه أمريكا، ما هم صاحوا منه أنه.. وأنه.. وأنه.. ألم يكبروه جداً أمام الناس؟ كبروه كبروه جداً.

إذاً كان من المحتمل لو أن المسألة على هذا النحو يشكل خطورة بالغة عليهم وقائد إسلامي صحيح مخلص للأمة ويحمل رؤية صحيحة في مواجهة أعداء الله لكان تعاملهم معه تعاملاً آخر، ولما احتاجوا إلى أن يحركوا ولا قطعة واحدة فالمخابرات الأمريكية واسعة جداً تستطيع أن تضربه أينما كان.

تعرض السعودية في التلفزيون عن وزير سوداني بأن (كلنتن) رفض عرضاً بتسليم أسامة بن لادن.

ألم يقل الأمريكيون لطالبان في أفغانستان أنها لا بد أن تسلمه وإلا فسيضربون أفغانستان؟. قال: هم رفضوا عرضاً أيام (كلنتن) الذي تولى قبل الرئيس هذا (بوش) وأمريكا من زمان ترمز أسامة هذا، بأنه رفض عرضاً بتسليم أسامة يعني أنه كان بالإمكان أن يسلموا أسامة لأمريكا ولكنه رفض، لا نريد أن تسلمه نحن نريد أن نرمزه فنجعله علماً نخدع به هؤلاء المساكين من المسلمين، أليس هذا لبس للحق بالباطل، أليس هذا صنع ولاءات يجعلك تتولى أشخاصاً وهميين أشخاصاً لا يشكلون أي خطورة على أعدائك، أشخاصاً يكون ولاؤك لهم ولاءً لا يسمن ولا يغني من جوع، يكون اهتمامك بهم اهتماماً ليس في محله، اهتمام يتبخر في الأخير، تنطلق حتى تقتل بين يديه لا يصبح لدمك أي قيمة، حتى لو بذلت أموالك إليه لا يصبح لمالك أي قيمة في الأخير، خداع رهيب، تزييف رهيب، يجعل كل شيء لا قيمة له، حماسك كله يوجهونه إلى حيث يتبخر فلا يصل إليهم حتى ولا رذاذ من ذلك البخار.

هنا تبدو القضية مهمة إذا لم نتولى علياً عليه السلام ثم نمشي في الخط المرسوم لنا أن نتولّى أعلامه سنصبح عرضة لأن يصنع لنا الآخرون أعلاماً وهمية نتولاها، أعلاماً للباطل وتساند الباطل وتضع الباطل وتصرف عن الحق نتولاها.

أنت قد تقول: ربما فلان عالم، لأنه عالم الله يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (التوبة: من الآية 34) هذا يبين بأن المسألة حتى غير متروكة لك فتتأثر بهذا أو بهذا دون مقاييس إلهية وأنت تتولى الأعلام الذين الله سبحانه وتعالى هو الذي اختارهم وعينهم وحددهم حتى تتولاهم فتسلم من أن تكون عرضة لزيف الولاءات وصنع أعلام هي في الواقع تضر القضية التي أنت تتولاه من أجلها، تضر بالقضية نفسها التي أنت تتولاه من أجلها، أما هنا فالتولي صحيح حيث تكون الولاية للأعلام الذين رسمهم الله للأمة ونصبهم للأمة فإن الولاية تعطي ثمرتها، ألم يقل هنا {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} طالبان ماذا عملوا؟ ألم ينسحبوا من المدن ويتبخروا؟ ولم ندر أين ذهبوا؟ هل غلبُوا أم غُلبُوا؟ غُلبُوا أو تَغَالبوا لأن القضية هي كلها خداع ووهم، كلها تزييف وتضليل، حتى لا يبقى منفذ للآخرين لأن يضعوا هنا أو هنا من جانبهم شخصاً آخر وهمياً علماً من أعلام الباطل؛ لأن الآخرين شغالين حتى وإن كان الله قد وضع هم يحاولون أن ينصبوا، ألم يختر علياً علماً للأمة فنصبوا لنا آخرين؟ ألم يختر الزهراء لتكون علماً بالنسبة للنساء وقدوة للنساء سيدة نساء العالمين فنصبوا أخرى؟. هكذا يعمل بدو أهل الضلال خلي عنك الخبثاء والمحنكين والدهاة منهم. إذاً فالمسألة مهمة.

وهذه الآيات يجب أن ننظر إليها نظرة جادة فعلاً، قد تقدم مقاييس معينة هي في الواقع مغلوطة لكن القرآن الكريم هو نفسه أيضا إذا ما اهتديت به وسرت على ولاء صحيح لمن نصبهم لك من أعلام الهدى لتهتدي بهم هو الكفيل بأن يفضح أمامك الآخرين، هو الكفيل بأن يعرفك الله من خلاله وبتوفيقه فيكشف ويفضح لك الآخرين الذين هم أعلام وهميين عندما تراهم ينتصبون هنا أو هناك تصيح منهم جهة هنا وهناك، القرآن الكريم لم يغفل أي شيء، في الوقت الذي هو يوجهك هو يبين لك أيضاً كيف تكون طريق الباطل، ألم يقل الله {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (البلد: 10)؟ يعني بين لك وضح لك كيف طريق الحق ثم بين لك أيضاً كيف طريق الباطل.

أحياناً يتجلى لك من خلال الأشياء التي لا بد منها في جانب من هو عَلَم من أعلام الحق يتبين لك عكسها في الآخر الذي يُرفع أمامك كعَلَم، لتقول هو فاضي من هذه إذاً لا يصح أن يكون علَماً.

نأتي إلى عمر، ألم يُقدم عمر وكأنه أزكى شخص بعد الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أبو بكر إنما قدموه هكذا باعتبار سُلَّم الخلافة لأن عمر قدمه وإلا فالولاء الحقيقي عندهم هو لعمر، في هذه الآية ألم يعرض لنا القرآن نفسية الإمام علي في اهتمامه بالأمة في حرصه على الأمة فيهمه أمر فقير لا يراه ولا يراه لا يرى علياً ولا يرى هو ذلك الفقير إنما يسمع صوته فيتصدق بخاتمه وهو أثناء الركوع، أليس هذا إنسان رحيم بالأمة؟. حريص على الأمة؟. يهمه أمرها؟ أليست هي مواصفات الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 128) وهو الذي ربى علياً عليه السلام ليكون هكذا تتجسد فيه هذه الأخلاق، هذه المعايير الإلهية.

قالوا عمر هو عمل كذا وقالوا فعل كذا قالوا كذا.. إلخ. نحن نعرف أن القرآن الكريم فيما يركز عليه يعمل على أن يكشف لك الأعماق؛ لأنه يرى أن الأشياء هي من داخل وليست من الخارج، ألم يكشف لنا هنا نفسية محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} أين موضع الإشفاق على الأمة والحرص والرأفة والرحمة أين هي؟. فوق العمامة, فوق الغترة ولاّ داخل في النفس؟. هل قدم لنا محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه يَتَرَكَّعُ كثيراً؟. أو أنه يسبح كثيراً؟ أو أنه كان يقرأ القرآن كله في سجدة؟ أو أنه.. من هذا القبيل، هل قدمه بهذا الشكل؟. هذه شكليات سطحية يمكن أن أنمق شخصاً آخر هو خبيث فأقول هو كان كذا, وكان كذا في الشكليات هذه.

من الذي يعرف أعماق النفوس؟ أليس هو الله سبحانه وتعالى؟ هنا كشف لنا نفسية علي عليه السلام التي نحن الأمة بحاجة إليها؛ لأنه ماذا نريد فيمن يتولّى أمرنا؟ هل نريد أن يكون شخصاً يعز عليه أي مشقة أو مصيبة تحصل لنا {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} يعني يؤلمه جداً ويعز عليه أي مشقة تحصل لكم، أي ألم يصيبكم أي شيء يؤلمه جداً كما يؤلمه أن يرى واحداً من أطفاله, واحداً من أهل بيته, من أسرته {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ألم يقدم هذه الأشياء التي تكشف لك نفسية محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، داخلها يصلي مائة ركعة؟؟ داخلها يقرأ القرآن داخل ركعة؟؟. هذه شكليات، النفس متى صلحت فهي المهم بالنسبة للأمة، ومن يكون على هذا النحو هو الذي ينفع الأمة، وهو في نفس الوقت إنما يكون من منطلق علاقته القوية بالله سبحانه وتعالى التي تجعل حتى لتلك الصلوات المحدودة قيمتها في نفسه وقيمتها عند الله سبحانه وتعالى.

وهؤلاء يقولون عن أعلامهم أنه كان يصلي ألف ركعة! الليل لا يتسع ينسوا أن الليل محدود.. كان يقرأ القرآن في سجدة!. خليه يصلي ألف ركعة في ثلاثة أيام تكون صلاة على طول، أين هذه الثلاثة الآلاف أو الألف ركعة من ثلاث ركعات من نفسية كنفسية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في انشدادها القوي نحو الله سبحانه وتعالى وفي ما تتركه الصلاة من أثر في نفسه، تبدو الألف ركعة أو الثلاثة آلاف ركعة لا قيمة لها لا عند الله ولا في نفس هذا الشخص ولا في واقع الأمة.

رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يتعبد لله لكن تلك العبادة التي لها قيمة تلك العبادة التي لها قيمة فيما تتركه في نفسه وفيما يكون لها من أثر في واقع الأمة.

وعندما نأتي إلى الإمام علي عليه السلام {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} فكشف لنا ما كشف عن واقعه في نفسه مما لا بد منه بالنسبة لنا ونحن في أمس الحاجة إلى أن يكون من يلي أمرنا على هذا النحو، ويأتي من قبل الله ما يدلنا ويرشدنا إلى أنه على هذا النحو، وتتجلى أحيانا الأشياء بمظاهر معينة صادقة حيث قد لا تكون عادة مظاهر جذابة كما حصل من علي وفاطمة عليهما السلام في إطعامهم المسكين واليتيم والأسير.

ألم يكشف هناك أيضاً كيف أنهم يؤثِرُون الآخرين وكيف أنهم ينطلقون في إطعام الآخرين والاهتمام بهم وإيثارهم على أنفسهم من منطلق ابتغاء وجه الله، وإن كان هذا الشيء الذي أعطوه وقدموه هم في أمس الحاجة إليه؛ ولأنهم أعطوا من؟ مسكين ويتيم وأسير، هذه مظاهر جذابة؟ خليهم يقولون لك: أن فلان أطعم مسكيناً لن يكفيهم هذه.

لاحظ لما أصبحت القضية حتى لدى من يحاولوا يلمعوا الآخرين في أذهاننا كيف يعملون؟. يظن أنه لو قال أن أبا بكر أطعم مسكيناً أو أعطى يتيم وآثره بقرص ما هي فضيلة كافية له يريد يعطيه آلاف إما يقول لك ألف مسكين ولا يقول لك ألف ركعة، ولا يقل لك أشياء… ما هو يريد يكبر مثل هذه؟. لكن المسألة ليس المقاييس فيها هي الشكليات أنه هذا أطعم ألف مسكين وهذا أطعم فقط مسكيناً واحداً، أن هذا أعطى في غزوة ثلاثين ألفاً وهذا أطعم مسكيناً واحداً. القرآن الكريم يهمه أن يركز على المظاهر وإن كانت صغيرة التي لها دلالاتها المهمة بالنسبة لأعماق النفوس؛ ليكشف لك نفسية هذا، هذا هو الذي يهم.

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} (الإنسان: 8) لاحظوا حتى التقليل في العبارة هنا: مسكين واحد أول ليلة, يتيم واحد ثاني ليلة, أسير واحد ثالث ليلة. ما هم هنا ثلاثة أشخاص؟. ثلاثة أشخاص! يستحق أنه أعطى ثلاثة أشخاص!. يعني أعطى كذا.. كذا.. أعطى مئات الناس! لكن عطاء مئات الناس أحياناً لا يكون له قيمة يصفر عليه عند الله سبحانه وتعالى، ولا قيمة حتى عند الإنسان نفسه الذي بذله، لأن العطاء إذا لم يكن من داخل، وتبتغي به وجه الله، وإن كان لفرد واحد، العطاء إذا لم يكن على هذا النحو تبتغي به وجه الله ومن أعماق نفسك يكون له أثره في تزكية نفسك أنت، لكن متى ما أعطيت مراءات لو تعطي مليوناً لن يصنع في نفسك أثراً أبداً ولن يزكي نفسك مهما عملته مراءاتاً أو لأي غرض آخر ليس على هذا النحو: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} (الإنسان: 9) ولا من الآخرين أن يثنوا ولا أن يمدحوا، لأنه بالطبع من الذي سيثني على أنه أطعمنا يتيماً، يتيماً واحداً لا يبدو جذاباً صحيح؟ لكن ألف شخص يعمل لهم وليمة يبدو جذاباً هذا، صحيح؟. القضية ليست على هذا النحو, يكشف لنا أعماق نفسيات هؤلاء الذين يشدنا إليهم كأعلام.

أطعم مسكيناً ويتيماً وأسيراً، فقط ثلاثة! ليس المهم هو العدد فقط ثلاثة! المهم أجواء العطاء والنفوس التي انبعث منها.. الدوافع نحو العطاء هي التي أردنا أن نكشفها لك، فتعرف من هم هؤلاء، الذين يعطون على هذا النحو سيعطون الأمة كلها كلما يملكون، أليس هذا هو المهم؟.

إذاً فلنرجع إلى (أمير المؤمنين عمر) – ما هكذا يقولون؟ – لنكشف فيه قضية واحدة هم يعرفونها وينقلونها ويروونها هم ويعترفون بها: أثناء مرض النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) أليس النبي هو الشخص الذي يجب أن يحترمه الناس ويجلوه ويقدروه وتكون قلوبهم مملوءة بالرحمة والرأفة والعطف عليه؟ أثناء مرضه أليس مرضه في تلك المرحلة وبعد تلك المؤشرات التي تدل بأنه يوشك أن ينتقل إلى ربه، مما يترك الخوف والرعب والإشفاق في نفوس الناس فتكبر لديهم المسألة فيكون إنشدادهم نحوه أكثر عطفهم عليه أكثر أن يرونه مرة واحدة يركزون بأنظارهم على وجهه ليتمتعوا بما يمكن أن يروه من وجهه في بقية أيامه، يطلب مطلباً أي مطلب كان أن ينفذوه.

ماذا حصل؟. ولأنه (صلوات الله عليه وعلى آله) كما وصفه الله: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} يهمه أمر الأمة من بعده لا تضل لا تختلف لا تتمزق لا تتفرق، لا يبرز أشخاص يضلونها يدمرونها يهلكونها، وعلى الرغم مما قد عمل في الغدير وغيره يقول: ((هَلُمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)) والحمى تلهب جسمه، لكنه ما يزال يحمل اهتماماً بأمر المسلمين بأمر الأمة يريد أن يعمل ما يمكن أن يعمله حتى في اللحظات الأخيرة من حياته، أليس هذا هو يهمه أمر الأمة؟ حريص عليها مشفق عليها؟ في مجلسه عمر ومجموعة كبيرة، يقول عمر: لا، حسبنا كتاب الله ويثير ضجة وآخرون يلتفون نحو عمر ويفهمون ماذا يريد عمر ويفهمون ماذا يمكن أن يقول رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هم عارفين دائماً بيركز حول علي، يرمز علي يشد الناس نحو علي إذاً هو سيكتبها لعلي، لا. لا، حسبنا كتاب الله، دعوا الرجل فقد غلبه الوجع، دعوا الرجل فإنه يهجر.

آخرين يقولون قربوا قلماً ودواة قربوا كذا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده يقول عمر لا, وبإصرار: لا. لا. ألم يسمع أن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول (لا تضلوا بعده)؟. إن كان يهمه أمر الامة فسيكون حريصاً جداً جداً على شخطة قلم كلمة واحدة يكون فيها أمان للأمة من الضلال، والسلامة للأمة من الضلال لأنه يعلم أن الذي تكلم بهذه العبارة هو رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، لكن لا، هو يعلم ما سيعمل النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وسيعارض له أهدافاً، له آمالاً أخرى، هو لا يهمه أمر الأمة تضل أو لا تضل يحول بين أن يكتب الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هذا الكتاب بعد أن سمع (أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده) ألم يكشف لنا هنا نفسية عمر أنه إنسان لا يهمه أمر الأمة، أنه إنسان لا يتألم فيما إذا ضلت الأمة، أنه إنسان يحول دون كتابة كلام يحول دون ضلال الأمة, يؤدي بالأمة إلى أن لا تضل؟.

هل هذا إنسان في أعماق نفسه يهمه أمر الأمة وأمر الدين؟. لا. إذاً فهذه النوعية هي التي لا تصلح إطلاقاً أن تحمل لها ذرة ولاء وإن نُمِّقَتْ أمامك وادّعوا لها الآلاف من الفضائل من هذه الشكليات ألف ركعة، القرآن في سجدة، يتبخر من فهمه رائحة الشَّواء من خوف الله وعناوين من هذه.

لا، رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي هو إنسان قرآني يتحرك بحركة القرآن ويعرف قدرة القرآن على كشف الآخرين، يكشف للناس في آخر أيامه نفسية عمر، ويكفينا أن يكشف لنا نفسية عمر لأن عمر أصبح عَلماً للخط الآخر، عمر هو مهندس كل تلك المتغيرات من الصعود بأبي بكر، والإمام علي كشف المسألة أيضاً قال لعمر ((إحلب حلباً لك شطره، شدها له اليوم يردها عليك غداً)). هو الذي قال لأبي بكر: (أمدد يدك أبايعك) أليس هو الذي رفع أبا بكر بين الضجة؟. هو الذي هندس أن تصل الخلافة إلى عثمان؟ هو الذي هندس ورتب أوضاع معاوية أن يكون في الشام هو الشخص الذي يمكن يكون مؤهلاً لأن يضرب علياً متى ما تحرك هو أو أحد من أهل بيته في أي فترة، هو الذي رفع بني أمية بعد أن وضعهم الإسلام، وأصبحوا مجتمعاً منحطاً في نظر الأمة؟ هو الذي رفعهم من جديد فأصبحوا يمتلكون الأموال الهائلة، وأصبح لهم علاقات واسعة في أوساط كثير من زعماء العشائر في هذه الأمة!.

إذاً من خلال أن يكشف لعمر سيعرف عمر وكل من يدور في فلك عمر أنهم ليسوا جديرين بأن يلوا أمر الأمة ولا أنهم يهتمون بأمر الأمة، أليس هذا ما حصل؟. وبعد ذلك فليقولوا ما يقولون: فاروق، صدّيق أشياء من هذه لو يقولوا ما يقولون. كلمة (فاروق) ما هي كلمة كبيرة؟ فاروق.. فيظهر لك عمر يرتفع إلى هناك، لكن تعال إلى القضية التي رواها البخاري وغيره رووها هم مؤرخين ومحدثين أنه عارض أن يكتب رسول الله كتاباً لا تضل الأمة من بعده، ألم يشهد عمر هو على نفسه أنه لو كان لديه احتمال بأن رسول الله سيكتب شيئاً يتعلق به وبصاحبه وأنه قد يرفعهم لقدم برميلاً وليس دواة ولحاول أن يُقدم أي شيء يكتب به النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) ليكتب المكتوب إذا كان سيكتب شيئاً يتعلق بأبي بكر أو عمر يجعلهم أعلاماً للأمة، لكن هو يعرف أنه لن يكتب شيئاً إلا وهو يقصي الأمة عنهما، أنه سيكتب ما يقصي الأمة عن أبي بكر وعمر، إذاً فهو يريد لا يعمل لهم  ورطة ثانية بعد الغدير. في الغدير طلع هو وعلي فوق الأقتاب ورفع يد علي وقال: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)) فهو أيضاً يريد يعمل لنا ورطة ثانية ويكتب.. تلك ممكن نقل: مولاه, يعني ويعني ويعني.. ما يزال معنا..

والمكتوب الذي كان يريد الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يكتبه ألم يعمل عمر دعاية تضرب المكتوب، وهذا الذي جعل النبي فعلا يتوقف ويقول أخرجوا إنه لا ينبغي عند نبي تنازع، وأصبح الغالب في القاعة, في المجلس عند رسول الله هم يدورون في فلك عمر عندما قال حسبنا كتاب الله، دعوا الرجل فقد غلبه الوجع، إنه يَهْجُر.

لكن لو كتب النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) كتاباً ما عمر قد عمل الدعاية ضد هذا الكتاب؟ سيقول هذا الكتاب لا ينفع لأنه كتبه وهو في حالة هذيان لا يعرف ما يتكلم فلا يعمل به، لم يكتبه في حالة الصحة والاختيار شرعاً، فيُضرب المكتوب، لكن النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) بهذا الموقف المهم كشف لنا عمر بشكل رهيب، بل هو بيّن لنا بياناً لا يضل الناس بعده إن فهموا حتى وإن لم يكتب في الأوراق فقد كتب في أعماق الكون وفي التاريخ وكتب في القلوب إن كانت تفهم، أني كشفت لكم عمر أنه لا يهمه أمركم أن تضلوا فلتضلوا فإذا كان لا يهمه أمركم أن تضلوا فعمر وكل من يدور في فلك عمر ليسوا أمناء على الأمة، ولا يمكن أن يكونوا هم الأعلام الذين تقتدي بهم الأمة، ولا يمكن أن يؤيد الإسلام ولا كتابه ولا رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن تلتف الأمة حول عمر ويكون علماً لها كما يصنع الآخرون، ألم يكشف الرسول هذا كما كشف القرآن نفسية علي عليه السلام؟. فمن خلال نفسية علي هنا تعرف نفسية عمر هناك.

هذا ما يجعلنا فعلاً نثق بأنه متى ما سلمنا قلوبنا، متى ما سلمنا مشاعرنا لله سبحانه وتعالى وانطلقنا بثقة عالية إلى القرآن نتثقف به، سنعرف كل شيء، لأن القرآن تفصيل لكل شيء، وستكون إنساناً لا يمكن أن تُضل، إنساناً لا تُخدع، إنساناً تفهم الأحداث، تفهم أهمية الأحداث ما كان منها حقاً وما كان منها باطلاً، تفهم خطورة الأحداث التي بدت صغيرة عند الآخرين، يجب أن نلتف حول القرآن وأن نكون صادقين في ولائنا للإمام علي وأن نعرف أهمية التولي للإمام علي عليه السلام وإن كنا نرى أن بيننا وبينه ألف وأربع مائة سنة.

لن نكون من حزب الله الغالبين ما لم نكن على هذا النحو من الولاء لعلي عليه السلام، الولاء الصادق الولاء العملي الذي يجعلنا نستلهم من علي كيف نتحلى بأخلاق علي، كيف نتحلى بنظرة علي باهتمامات علي عليه السلام، وسنرى كيف سنكون في مواقفنا في اعتقاداتنا في نظراتنا في توجهنا منسجمين مع القرآن لأن ((عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع علي)).

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يتولى علياً عليه السلام تولياً صادقاً، وأن يثقفنا بالقرآن، ويفقهنا بالقرآن، ويفهمنا القرآن.

وصلى الله على محمد وعلى آله الطاهرين،،،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

التعليقات مغلقة.