سورة المائدة ـ الدرس الاول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله الطاهرين.
هناك سؤال قبل أن نبدأ في الدرس عن موقفنا من ولاية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هل كل واحد منا يتولى الإمام علياً تولياً حقيقياً, إيماناً صادقاً, وليس في قلبه ذرة ولاء لأبي بكر وعمر وعثمان؟.
حقيقة مهمة: قضية أبي بكر وعمر، إذا كان هناك أي أحد يريد أن يسأل, يسأل ويستفسر بكامل حريته، ونتحدث حول الموضوع، إذا كان لدى أحد أي إشكال في القضية، أو في نفسه ميل قليل إلى أبي بكر وعمر وعثمان يستفسر. قضية لا بد أن يصل الناس فيها إلى موقف واضح.
معاوية سيئة من سيئات عمر, أنا في اعتقادي, ما معاوية بكله إلا سيئة من سيئات عمر بن الخطاب، أبو بكر هو واحدة من سيئاته، عثمان واحدة من سيئاته، معاوية واحدة من سيئاته, كل سيئة في الأمة هذه، كل ظلم وقع على الأمة، وكل معاناة الأمة وقعت فيها المسؤول عنها أبو بكر وعمر وعثمان، عمر بالذات لأنه هو المهندس للعملية كلها، هو المرتب للعملية كلها فيما يتعلق بأبي بكر؛ ولذلك الإمام علي خاطبه هو فقال: ((إحلب حلباً لك شَطره، شدّها له اليوم يردها عليك غداً)).
عندما كتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية ليعنّفه على مخالفة الإمام علي وخروجه عليه وأن علياً هو صاحب الحق وهو كذا وهو كذا.. قال: [نحن إنما اقتدينا بأبيك]. محمد بن أبي بكر كان من العظماء، وكان مع الإمام علي (عليه السلام) من خاصته، ومن أوليائه. ابن أبي بكر نفسه. فقال له معاوية: [نحن إنما اقتدينا بأبيك فإن كنا مخطئين فأبوك مخطئ، وإن كان أبوك مصيباً فنحن مصيبون] بعبارة تشبه هذه.
معاوية نفسه ممن يتولى أبا بكر وعمر، وهو ممن عمل على إعلاء صيتهم، ورفع مقامهم لدرجة ما كانوا يحلمون أن يصلوا إليها، يعني هم الآن أعظم منهم في حياتهم، لو هم عارفين كيف هم الآن لخرجوا من قبورهم من شدة الفرح.
لهذا قال عمر: [إن بيعة أبي بكر كانت فلتة] يعني هكذا [اتلجمت ومشت]، يعني ما كان هو المؤمل فيه، ولا المتوقع لمثله هو أن تستقيم له المسألة، وكان المتوقع أن يأتي اضطراب كبير، وكان المتوقع أن يأتي أشياء كثيرة.
فَلْتة لكن وقى الله شرها قال!! هذا يدل على أن أبا بكر نفسه لم يكن هو الشخص المؤهل لأن يلي أمر الأمة؛ لأن عمر نفسه [هو واياه كانوا متخوفيْن، ولكن قد با يجربوا ويعيِّنوا كيف ومدري وجَزْعت] من خلال إدراكهم للناس، وأن الناس قد لا يتحركون في الموضوع، وفهمهم للآخرين من بني أمية والمنافقين بأنهم لن يتفاعلوا للمسألة، فكانت فَلْتَة.
الشخص الذي يكون محط إجلال وإكبار الناس جميعاً لا تكون بيعته فلته. الإمام علي ما هم اتجهوا إليه كلهم بعد ما قُتل عثمان؟ حتى كادوا يطأوا ابنه الحسن! اتجهوا كلهم إليه من بعد يـبايعونه جميعاً؛ لأنه لا أحد يشك في أن علي بن أبي طالب ليس أهلاً للولاية، بل كان عمر نفسه ممن يشك بالنسبة لأبي بكر؛ لأن الناس [دارين ما هو حق ولاية ما بلاّ با نجرب ومدري وجزعت.. وكانت فلته وجزعت].
لكن قوله: [وقى الله شرها] ليس صحيحاً ما زال شرها إلى الآن، وما زال شر تلك البيعة التي قال [فلتة] ما زال شرها إلى الآن، ومازلنا نحن المسلمين نعاني من آثارها إلى الآن.
هي كانت طامة بشكل عجيب، هي سبب المشكلة وهي المُعَمِّي على حل المشكلة، لا يوجد قضية مثلها، أن تكون هي سبب المشكلة، والذي يعمي على أن لا تَعرف حلها.
ألا ترى المسلمين كيف أنهم [ما استطاعوا يحلوا إشكالياتهم نهائياً]، ما أكثر المسلمين سنيّة وهم متولون لأبي بكر وعمر؟، ما استطاعوا أن يصلوا إلى حل إطلاقاً في قضيتهم هذه في صراعهم مع أعداء الإسلام، والأمة في كل سنة تهبط نحو الأسفل نحو الأسفل جيل بعد جيل بعد جيل إلى أن وصلت تحت أقدام اليهود، من عهد أبي بكر إلى الآن وهي تهبط جيل بعد جيل.
كيف مشكلة مثل هذه! تكون هي سبب مشاكل المسلمين، ثم هي من يعمي على الحلول أمام المسلمين، يكون أحيانا سبب المشكلة هنا والحلول هناك تعرف، يوجد مشاكل كثيرة تكون سبب المشكلة هي كذا ويمكن ويعرف حلها هناك لا تكون نفس المشكلة هي من تعمي على الحل. أما هذه المشكلة فكانت من هذا النوع، قضية أبي بكر وعمر كانت هي سبب مشاكل المسلمين ثم هي من غطى على أعينهم عن أن يعرفوا الحل والمخرج منها.
تُقْبل منذ ألف وأربع مائة سنة، ما هي فترة طويلة؟ ألف وأربع مائة سنة. والمسلمون لم يجلسوا جلسة واحدة ليناقشوا لماذا؟. ما هو الخلل؟. ما الذي حصل حتى أصبحنا على هذا النحو؟. مَنزل مَنزل مَنزل بعد كل مائة سنة هبوط هبوط، وكم قد جاء من ضربات للأمة هذه ضربها الصليبيون ضربات شديدة، ضربها التتار والمغول ضربات شديدة، الصليبيون من بحين، والصليبيون في فترات الاستعمار المتأخرة، وهكذا ضربة بعد ضربة حتى أصبحوا الآن تحت أقدام اليهود، ولم يجلسوا ليناقشوا المسألة من جديد، ويرجعوا إلى القرآن الكريم لينظروا هل فيه حل؟ هل هو وضع حلاً؟ هل عالج المشكلة هذه؟ هل تحدث عن أسباب هذه المشكلة؟ أبداً.
ولن يتخلوا عن أبي بكر وعمر حتى آخر ذرة من البلاد العربية، وليس آخر ذرة من أرض فلسطين، ما هم كان يقولون حتى تحرير آخر ذرة من تراب فلسطين؟ حتى آخر ذرة من تراب الوطن العربي، ما معنى إلى آخر ذرة؟ يعني إلى آخر ذرة تستعمر وتستذل وتقهر.
من خلال هذه الآيات التي سنقرأها، ومن خلال درس الليلة سنعرف ما له علاقة بهذه القضية.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {51} فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ {52} وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ {53} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {54} إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ {55} وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ {56} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} لاحظ يا أيها الذين آمنوا يا أيها الذين آمنوا {لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {57} وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ {58} قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ}(المائدة(51ـ59) صدق الله العظيم .
الآيات هذه من [سورة المائدة]، وسورة المائدة هي من أواخر سور القرآن نزولاً، وتتحدث في كثير من آياتها عن أهل الكتاب، تتحدث عن أهل الكتاب, تتحدث عن خطورتهم، تتحدث أيضاً عما يؤهل الناس لمواجهتهم. الآيات التي قرأناها خلال الأسبوع الماضي هي كانت من [سورة آل عمران]، وكل من تلك الآيات وكل من هذه الآيات في سورة المائدة، كل واحدة تحدثت عن بني إسرائيل، وتلك الآيات تحدثت عن بني إسرائيل، وعن هذه الأمة، وقدمت جانباً من الحل، وقدمت نسبة كبيرة من تأهيل الأمة للمواجهة.
تبدأ هذه الآيات الكريمة بنداء يتكرر كثيراً في القرآن الكريم يخاطب الناس الذين قد شهدوا على أنفسهم بأنهم مؤمنون باسم إيمانهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} كل من يرى أنه مؤمن، كل من ينـتسب إلى هذا الاسم العظيم اسم (الإيمان). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أنتم من تعدون أنفسكم مؤمنين انتبهوا، انتبهوا، قد تقعون في موالاة اليهود والنصارى من حيث تشعرون أو من حيث لا تشعرون، فيوجه النهي بصراحة: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}.
تبدو الآية وكأنها غريبة كيف مؤمن يتولى يهودياً ونصرانياً!!، ما العقائد أصبحت متباينة؟. المؤمن المسلم غير اليهودي وغير النصراني؟ المسلم من أول أيام إسلامه هو من وُوجه من جانب اليهود بشراسة تجعله يحمل حقداً لليهود، ويحمل عداءً لليهود؟ هو من يرى أنه في مكان واليهود في مكان آخر، هو مفصول عنهم مباين لهم، ليس بينه وبينهم أي علاقة، فكيف يمكن أن يكون ممن يتخذهم أولياء؟.
لاحظ كم هي العبارات متقاربة بين العبارات الأولى في قول الله سبحانه وتعالى: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً}(آل عمران: من الآية100) وهنا: {تَتَّخِذُوا}، تبدو القضية وكأنه – على الرغم من أنكم مؤمنون – تكادوا أنتم الذين تتخذون، وأنتم الذين تبحثون عن كيف تطيعوا، يعني هناك جذب ما هو يحصل جذب؟ يبدو وكأنه يتحدث بأنه وكأننا نحن سنتخذ، ونحن سنطيع، فليست المسألة فقط هي أننا سنُخدع، بل يمكن أن تصل المسألة إلى أن نحن ننطلق نحن لنتخذهم أولياء، نحن ننطلق لنطيعهم، هذا شيء غريب. أليس غريباً؟.
ألسنا نلعن اليهود؟ نلعن اليهود ونحن نلعن النصارى، ونحن نبغضهم ونعاديهم ونكرههم، ومتى ما غضب أحدنا على الآخر قال له: [يا يهودي، أنت نصراني أنت يهودي أنت كذا]، لكن على الرغم من هذا كله قد تصل المسألة إلى درجة أن يكونوا من هم يحملون اسم إيمان, ينتمون إلى هذا الاسم أن ينطلقوا هم ليتخذوهم أولياء، أن ينطلقوا هم ليطيعوهم فيردوهم بعد إيمانهم كافرين.
ما الذي سيدفع إلى هذا؟ هل أن اليهود والنصارى سيبدون أمامنا من أولياء الله فننطلق نحو توليهم أو طاعتهم.. سيتغيرون؟ أو أن عداوتهم ستذوب من قلوبنا؟ أو يبدون لنا بشكل يشدنا إليهم؟ ما الذي يشدنا إليهم؟ ما الذي يمكن أن يشد الإنسان المؤمن إليهم فيكاد هو الذي يبحث عن كيف يتخذهم أولياء؟! ويكاد هو الذي ينطلق في طاعتهم ليطيعهم ليردوه بعد إيمانه كافراً؟ وهنا ليصبح مثلهم، ويصبح ظالماً كما هم ظالمون، ظالماً لنفسه وظالماً للبشرية.
إذاً فماذا؟ معنى هذا أنه سيحصل وأنت تحمل اسم الإيمان، واليهود على ما هم عليه لم يتغيروا بعد إلى درجة أعلى فتجعلك أنت تنجذب نحوهم لكونهم أصبحوا من أولياء الله، هم هم اليهود، الذين يبدون أمامك ملعونين، يبدون أمامك مبغوضين ومكروهين. هم من قد تنطلق – وأنت تحمل اسم الإيمان – لتتولاهم.
المسألة قد تكون على هذا النحو؛ لأن قضية التولي هي خطاب للمشاعر للقلب، أعمال تنطلق نحو القلب نحو النفس، وهذه هي منطقة خطيرة، منطقة القلب منطقة خطيرة، التولي هو من أعمال القلوب، العداء هو من أعمال القلوب، ميل إليهم يدفعك إلى أن تكون معهم.
نفس الشيء الذي يحصل من جانبنا بالنسبة للشيطان، ماذا يعمل الشيطان؟ وسوسة وساوس وحاجات كذا بسيطة لكن تتجه إلى القلب، فترانا نلعن الشيطان جميعاً، ألسنا نحن بنو آدم نلعن الشيطان جميعاً؟ ولكن نسبة ربما 95% يعبدونه، كيف حصل؟. عندما يقول الله للناس لبني آدم يوم القيامة: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (يـس:60).
نحن نرى الشيطان عدواً، نلعن الشيطان، إذا أراد أحدنا أن يسب الآخر يقول له: [شيطان]. أصبح اسمه سُبّة عندنا، ولكن ننطلق في عبادته، ما العبادة طاعة وزيادة؟ كيف حصل؟ المسألة هي مسألة القلب, والقلب منطقة حساسة وخطيرة جداً، وهي التي بعد تحرك كل شيء، يحرك مواقفك، ويحرك لسانك، ويحرك وجهة نظرك، ويحرك مشاعرك، ويحرك حتى مالك، ويحرك سلاحك، القلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح الإنسان، وإذا فسدت فسد الإنسان.
واتجاه الفساد نحوها سهل إذا كان من جهة تعرف كيف تعمل، كيف تشتغل. الإفساد للقلوب سهل، إذا كانت قلوب فاضية، إذا كانت قلوب خالية، ليست مملوءة بما يحصنها من مثل هذه الخطورة.
القلوب لا تستشعر شيئاً، قد يكون هناك تصديقات لكنها ليست راسخة في القلب فهي لا تستطيع أن تحصن القلب من خطورة كهذه.
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}(يـس: من الآية60) عندما ينكشف للناس يوم القيامة للكثير من بني آدم أنهم كانوا يعبدون الشيطان، وهم كانوا في الدنيا يلعنونه، ما كانوا في الدنيا يلعنونه؟ {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيم وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} (يـس:60-62).
نفس العمل الذي يقوم به اليهود، لديهم خبرة شيطانية، لديهم خبث شيطاني، ومكر شيطاني رهيب، فهم يتجهون نحو الوسوسة ونحو القلوب، ونحو النفوس، بأي وسيلة من وسائل الإفساد {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}(المائدة: من الآية64) بأي وسيلة من وسائل الإفساد: بامرأة تبدوا مكشوفة في التلفزيون، على المسرح، أو راقصة في السينما، من خلال شاشة التلفزيون، من خلال قنوات عربية، من خلال قنوات أخرى فضائية، من مختلف البلدان عن طريق [الدّش] الذبذبات تأتي تدخل الذبذبات عندما ترى امرأة مكشوفة في التلفزيون فاعرف لا بد أن ينقص من زكاء نفسك شيء. {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}(النور: من الآية30) أطهر لنفوسهم.
ألم يعملوا على أن تتخلع النساء وتتبرج؟. لماذا؟ هم يعرفون أن تلك الصورة عندما تراها أنت توجد خللا في نفسك، ووسيلة مع وسيلة أخرى، وأسلوب بعد أسلوب، وطريقة بعد طريقة، ترى نفسك قابلة، وأنت لا زلت تحس في رأسك أن اسمك مؤمن، وأنك مؤمن واسمك مسلم، وتقول للآخر يا يهودي يا نصراني، وتنطلق تصلي وتصوم وتزكي وتحج، ومسلم مؤمن، ولكن واحدةً بعد واحدة، ضربة بعد ضربة مما يفسد بها زكاء النفس وطهر النفس. ثم تضليل ثقافي، يترافق أيضاً, تضليل ثقافي عن طريق الصحيفة، المجلة، التلفزيون، الإذاعة الكُتّاب، الصحفيين، مرشدين، أشياء كثيرة جداً تهاجم الإنسان من كل جهة.
وكلها تتجه إلى أين؟ تتجه إلى قلبه، إلى نفسه؛ ولأن قلب الإنسان يحتاج إلى أن يكون يحظى برعاية عالية من قبل الله سبحانه وتعالى، وأن يكون مملوءًا بهدي الله بهدى الله، مملوءًا بالولاء لله ولرسوله وللذين آمنوا، إذا لم يكن على هذا النحو فما أسهل أن يفسد، وما أسهل أن يتحول إلى يهودي، وإلى نصراني، إلى قلب يهودي وقلب نصراني، وهو من يرى أنه ما يزال مؤمناً.
القلب الفارغ من هدي الله ومما يرشد إليه الله سبحانه وتعالى هو من سيكون ضحية؛ ولهذا جاءت الآية بعد: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}(المائدة: من الآية52).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}(المائدة: من الآية51) هم لا يتولونكم هم إنما يتولى بعضهم بعض، هل هم يتولونكم؟ فما لكم ولموالاتهم! ما الذي يدفعكم إلى موالاتهم؟! ما الذي يجذبكم إلى موالاتهم؟! هل هناك من جانبهم شعور بعاطفة؟ بميل؟ بمودة نحوكم؟. حتى تبادلوهم نفس الشعور؟. لا.. قال في آية أخرى: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}(آل عمران: من الآية119).
فهؤلاء إنما يتولى بعضهم بعضاً، وهم لا يتولونكم، ولا يمكن أن يبادلوكم هذه المشاعر الحسنة التي تنطلق منكم نحوهم، فما لكم ولتوليهم؟!. كم يعمل القرآن الكريم على أن يبغّضهم إلينا، وأن يبين بأنه ليس هناك أبداً، أبداً أبدا ما يمكن أن يشدكم نحوهم.. فلماذا؟.
[ما بلاّ مقابض مقابض لنا نريد بعدهم, مقابض مقابضة واحنا نريد بعدهم] دون أن يكون هناك أي وسيلة جذب من جانبهم نحونا فننجذب لها إليهم، لا يوجد شيء، لا تعامل حسن، لا مودة، لا احترام متبادل، لا صدق، لا وفاء، لا أمانة، ولا شيء. فقط كتل من الحقد، كتل من العداوة، {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}(آل عمران: من الآية119). [يعض أنامله].
بالمناسبة كان في [شبام] يهود – شبام هي خارج صنعاء – ذكر لنا واحد قصة: بأنه كان معه صديق يهودي، وكانوا بيبيعوا ويشتروا جَمْعَه ويسافروا جمعه، وكان معروف هكذا بـ[أنه متى ما مشى مسلم وبعده يهودي فأن اليهودي من شدة غيظه يَهُمّ بقتله لو كان با ينوس]. هم أصدقاء ويمشيان جميعاً، وكان المسلم يمشي قبله فالتفت إليه [وهو يعض أنامله]، فسأله بالله: هل هو صدق متى ما كان اليهودي يمشي بعد مسلم…؟. فقال: والله ما نمشي بعدكم إلا ويَهُمّ الواحد منا بالقتل لو با ينوس.
وهم أصدقاء تجارة بيسافروا جمعه ويبيعوا ويشتروا جمعه، من مدينة واحدة.
طيب هذا التولي ماذا يعني التولي؟ التولي يبدأ بميل، ميل, ثم ينعكس بشكل تأييد فتكون معهم موقفك موقفهم، تؤيد مواقفهم ولو موقفاً واحداً، تصبح في ذلك الموقف ولياً من أوليائهم ومتولياً لهم. هذا معنى التولي.
هل هناك خطورة بالنسبة للتولي؟. أوضح ما يمكن أن يُعبر عن خطورة التولي بعبارة توجد تقززاً واشمئزازاً من المسألة هذه أنك ستكون مثلهم، ما أنت تلعنهم؟ ما أنت تبغضهم؟ يهودي نصراني، اعرف أنه سيكون حكمك حكمهم، وتكون مثلهم. جمع في هذه بين بيان حكم من يتولاهم كيف سيكون في واقعه، وبعبارة توجد أيضاً – هي نوع من الهداية – توجد اشمئزازاً وابتعاداً وتقززاً في النفس عن توليهم.
أتولاهم يعني أصبح ماذا؟ يهودياً نصرانياً بالتولي لهم، ما هذا شيء يوجد في النفس تقززاً؟ فيدفعك نحو الابتعاد، هذا من دقة آيات الله التي هي محكمة {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}(هود: من الآية1) تهدي داخل كل مفردة فيها.
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} يتولهم منكم أنتم أيها المؤمنون، وهو ما يزال يحمل اسم الإيمان، ويرى أنه ما يزال منكم، وليس فقط من قد نتصور بأنه تيَهود.. مؤمن عربي، سيصبح حكمه حكمهم، أن يصبح حكمك حكم اليهود والنصارى هل هي قضية عادية؟ تقول: والله لا بأس، هم هناك، يعني بلادهم جيدة، وقد يكونوا أحياناً يعيشون في مناطق ينشأون فيها نشأة جميلة، وأجسام كاملة وجميلة ولطيفة!. لا.. ارجع إلى القرآن تجد ما قال فيهم حتى تعرف ما معنى أن تكون منهم، وحكمك حكمهم، ارجع إلى القرآن الكريم، كم فيه من كلام يبين سوء ما هم عليه وخبثهم، يبين سوءهم وخبثهم وأنهم لعنوا {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}(المائدة: من الآية78) وعندما تكون مثلهم سينالك النصيب الأوفر مما وصموا به في القرآن الكريم، من اللعن، ومن الخبث، ومن المكر، ومن الكفر بنعم الله.
ستصبح في نفس الوقت ظالماً لنفسك، وظالماً للأمة، وظالماً للبشرية؛ لأنك أصبحت واحداً ممن يسعون في الأرض فساداً، ومن يسعى في الأرض فساداً فهو يظلم نفسه، ويظلم عباد الله، ويظلم البشر جميعاً. يظلم الناس – بدل أن يكون المطلوب والمراد لله سبحانه وتعالى من عباده أن تكون نفوسهم زاكية طاهرة، وأن يعيش الإنسان مكرماً في هذه الدنيا – يعيش نفساً مدنسةً، يعيش ذليلاً، يعيش مهاناً محتقراً مظلوماً، بواسطة خبث نفسه وخبث ما حوله؛ لأن فساد اليهود يتناول كثيراً من شؤون الحياة إضافة إلى فساد النفوس.
فتكون أنت ممن يظلم نفسه، وممن يظلم البشر جميعاً، وما أوسع هذه الدائرة؛ لأن الله قال عنهم {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}(المائدة: من الآية64) فتصبح من حيث لا تشعر شريكاً في كل عملية إفساد تنطلق من أي منطقة في هذا العالم، نحو بقية البشر من داخل أمريكا، من داخل إسرائيل، من داخل بريطانيا من داخل أي منطقة تنطلق منها مؤامرات اليهود فتصبح بتوليك لهم شريكاً في كل عمل سيئ، مفسد في هذه الأرض في أي بقعة كانت من الأرض.
هل تعتقد أن التولي قضية سهلة؟. القرآن الكريم خاطب اليهود الذين كانوا في زمن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وهم من لم يقتلوا الأنبياء السابقين، هم أنفسهم الموجودون لم يعيشوا فترات طويلة حتى يكونوا هم ممن شارك في قتل الأنبياء السابقين، خاطبهم القرآن على أنهم يقتلون الأنبياء بغير حق {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(البقرة: من الآية91) ألم يخاطبهم هكذا؟.
لماذا أصبح هؤلاء الذين عاشوا في زمن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يخاطبون بأنهم قتلوا الأنبياء؟. وكم بين ذلك اليهودي الذي في زمن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في زمن تنزل القرآن وبين أولئك اليهود السابقين قبل مئات السنين الذين قتلوا الأنبياء؟ ما الفارق مئات السنين؟. فما الذي جعله أن يخاطَب بأنه قَتل, قتل؟ لأنه تولى أولئك عدّهم السلف الصالح له، فتولاهم. فأصبح حكمه حكمهم فقيل له: أنت قاتل.
وهكذا من يهتفون الآن بأنهم يتولون السلف الصالح ممن قتل عليا وفاطمة والحسن والحسين، فاطمة نفسها قُتلت كَمَداً، قُتلت كمداً وقهراً وهي ترى هذا الدين يُعصف به من أول يوم بعد وفاة والدها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، لم تبك على [فَدَك]، فدك قضية تؤلمها لكن لم تبك عليها، ولم تمت كمداً على فدك، إنما ماتت كمداً على هذه الأمة.
هذه خطورة الموالاة، خطورة التولي، ويمكن فعلاً أن تكون شريكاً لليهود في عملية إفسادهم في العالم. هذه القضية ليست قضية عادية، قضية رهيبة جداً، يأتي الإنسان يوم القيامة فيرى أنه عاش في منـزله لم يظلم أحداً، [ولا شل حق أحد] على حسب عباراتنا.. فتأتي يوم القيامة وأنت شريك في إفساد ذلك الإنسان في أقصى الأرض، أقصى مشرق الأرض وأقصى مغربها، وأنت شريك في إفساد كل إنسان داخل هذه المعمورة بكلها، شريك في ظلم كل إنسان.
قضية التولي خطيرة جداً جداً، لا يكاد يكون هناك شيء أبلغ من خطورتها، فتأتي يوم القيامة فتجد كم ملفات من الجرائم أنت شريك فيها، فتقول: من أين هذه؟. هذا الشخص لا أعرف اسمه. ماذا عملت به؟، اسم إنجليزي، اسم فارسي، اسم عربي، مَن هذا؟؛ لأنك توليت من ظلموا الناس؛ ولهذا قال الله هنا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، ستكون ظالماً، وظلم اليهود أليس ظلماً للبشرية كلها؟.
تأتي يوم القيامة ومعك غُرماء كثيرين جداً، العالمُ كلهُ أسماءٌ أنت لا تعرفها، وجوهٌ لا تعرفها أنت ظلمتها وأنت أفسدتها.
هذا الموقف مما يدفع بالإنسان أن يكون دقيق المراقبة لنفسه في هذا العصر، الذي انتشرت فيه أبواق اليهود في كل بلاد، وسائل الإعلام أصبحت كلها تخدم اليهود، مناهج دراسية تخدم اليهود، صحف تخدمهم، مجلات تخدمهم، كُتَّاب يخدمونهم، من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون، وإن لم تكن خـدمة مباشرة أحياناً بالتدريج – كما يقولون – بطريقة غير مباشرة والآثار تُحتسب، آثار الشيء تُحتسب وكأنها هي الشيء نفسه.
ما معنى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(المائدة: من الآية51)؟. إن الله لا يهدي القوم الظالمين: ليست مجرد تتمة للآية ليتسق الوزن كما هو شأن الشعراء، يختم قصيدته بأي كلمة تناسب القافية. القرآن {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}(هود: من الآية1) القرآن كتاب آياته محكمة {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} إذاً فهو ظالم {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} لا يهديهم إلى أي خير، لا يوفقهم، ولا يهتدون حتى هم إلى كيف يواجهون اليهود؛ لأنهم أصبحوا يتولونهم من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون، وفي نفس الوقت يضجون منهم، هذا من أغرب الأحداث، ومن أغرب المواقف.
ولهذا كانت أحداث هذا العصر غريبة جداً، ربما لم يأت مثلها في التاريخ: تُداس بِقَدَم وتُقَبِّل نفس القدم التي تدوسك، تُضرَب وتَسْتَجْدِي السلام من اليد التي تضربك!!. ما حصل مثل هذا.
كان في الزمن القديم كان يعرف هذا عدو تعرفه، وولي تعرفه، لا تستجدِي عدوك أنت تستجدي منه السلام، تحاول بأي طريقة ولو من باب مصالحة عادية بين طرف وطرف على أشياء واضحة، أما الآن فأصبحت مواقف غريبة، نحن نلعن اليهود والكثير يتولونهم، ونصرخ جميعاً نحن ومن يتولونهم منهم، ونستجدي السلام منهم، ونبحث عن الحلول من عندهم!! مبهمات كلها، ومواقف غريبة كلها.
ولهذا كان منطق القرآن الكريم فيما يتعلق بالموقف من اليهود والنصارى منطق يثير الدهشة فعلاً لأنه تتجلى مواقف غريبة مدهشة، تتولاهم وأنت تصرخ منهم!!، أي أنت لم تحصل على شيء من خلال توليك لهم، تتولاهم وتنفذ ما يطلبون منك وأنت عميل لهم، ثم في فترة من الفترات يركلونك بأقدامهم ويستبدلونك بشخص آخر. أو إذا ثارت الأمة ضدك لا تتسع بلادهم لك، هذا كما حصل لملك إيران، [شاه إيران] حصل له هذا، لم تسمح أمريكا ولا بريطانيا ولا فرنسا له بالدخول إلى بلادها.
تولي يؤدي إلى خطورة بالغة، وليس من ورائه ثمرة ولا مصلحة، لا احترام متبادل، لا مصالح حقيقية متبادلة، ولا شيء.
إذاً أليست قضية خطيرة جداً؟. وغامضة جداً؟ خطيرة جداً عندما يقول لك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ما هو يشعر بأنك ما زلت مؤمن وتتولاهم؟ لأن هناك أعمالاً خطيرة جداً غامضة، ومن النوع الذي يتجه إلى أعماق النفوس فينعكس مواقف. بالغ الخطورة جداً في غايتها، أن تصبح ظالماً لنفسك ومشارك في ظلم البشرية كلها، أن تصبح تأخذ نصيبك من كل ما ذُمَّ به اليهود في القرآن الكريم، وعلى ألسنة عباد الله.
على الرغم من هذا كله، من خطورة المسألة {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} وكأن الشيء هذا كله لا يلفت النظر ولا ينتبه له، ويقفز من فوقه. {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} لاحظوا إضافة [الفاء] في [فترى]، كأنه يقول لك: وعلى الرغم من هذا كله، من خطورة القضية، وغموض أساليبها، وخطورة نتائجها وغاياتها، التي هي في الواقع تدفع كل إنسان أن يكون بعيداً جداً جدا عن هذا، أو بطيئاً وهو ينطلق نحوهم على أقل تقدير، بطيئا وهو ينطلق نحوهم لكن لا، ترى من داخل المؤمنين من يسارعون فيهم. ماذا يعني يسارعون فيهم؟. يسارعون نحو توليهم نحو خدمة ضمائرهم، نحو تنفيذ خططهم, مسارعة، أليس هذا الموقف مضاد جدا لما كان ينبغي لأي إنسان مؤمن أن يكون عليه؟ أن يكون بعيداً جداً، جداً عنه أن يكون في نفسه أطرف ميل، أو أن يكون قلبه من القلوب التي يمكن أن تتعرض لأن تواليهم، ولو بأدنى ولاء؟.
لكن تجد هناك منهم؟. الذين في قلوبهم مرض.. ولاحظ متى حصل مرض في القلوب كيف يحصل ماذا؟ مسارعة إلى توليهم، فاليهود هم يعرفون كيف يشتغلون، هم يوجهون أعمالهم نحو القلوب، والمرض يتجمع، تتجمع أمراض من هنا ومن هنا، من مشاهدة التلفزيون، ومن قراءة صحيفة، ومن كلمة فلان، زعيم يتكلم, تتجمع، تتجمع فحصل مرض في النفوس، في القلوب.
بمعنى أن القلب السليم الذي هو مملوء بتولي الله ورسوله والذين آمنوا ما يمكن أن يميل إليهم، يبقى سليماً منهم، سليماً من هذه المخاطر الرهيبة.
ومرض القلوب يتجلى بعناوين متعددة قد يصبح نفاق، شك، ارتياب، إيثار لمصالح خاصة على الدين، إيثار لمصلحته الخاصة على الدين مما هو مرض مشين. عادة قد لا تحتسب فعلا أن يكون صادقاً من يدعي أنه من منطلق الحفاظ على المصلحة العامة، هذا ما يحصل من القلوب المريضة.
فمن يسارع فيهم في قلبه مرض، وغير صادق عندما يدعي أنه من أجل الحفاظ على المصلحة العامة، على مصلحة شعبه أو على مصلحة المسلمين، غير صادق. القلوب المريضة ليست هي من تهتم بمصالح المؤمنين بمصالح المسلمين، القلوب السليمة هي وحدها التي تهتم بمصالح المسلمين، هي التي تتجاوز خارج إطار وحدود شخصيتها، أما القلب المريض فلا يمكن أن يحمل اهتماماً بمصالح الآخرين؛ ولهذا يأتي بعبارة (يقولون) {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}. فنحن نحافظ على المجتمع من أن يحصل عليه ضربة.
عبارة (يقولون) مثلما يقول لك: يزعمون يتفوهون، والواقع أن هناك مرض، قد يكون هذا المرض جُبْن، نفاق، حب لهم، تأثر بثقافتهم يدفعه إلى أن يُنَفّذ مؤامراتهم، ويتولاهم، ثم يضفي على توليه لهم، ماذا؟. عنواناً كبيراً يقدمه وكأنه يخاف على المصلحة العامة، أو أنه حتى يخاف على نفسه، حتى أن يتفوه بأنه يخاف على نفسه، هو ممن في قلبه مرض.
لأن الله عرض قضيتهم في القرآن أنه متى ما أصبحتم ممن يحملون قلوباً سليمة ليس فيها مرض فستصبحون مؤهلين لدرجة أن يصبح واقعهم معكم على هذا النحو {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران:111).
المؤمن, من قلبه مملوء بالإيمان، من قلبه سليم، لا يمكن أن يخاف على نفسه منهم؛ لأنه يثق بالله، ويعلم بأن ما يقوله الله سبحانه وتعالى عنهم أنه حقائق، بل يكون قوياً عليهم، جريئاً عليهم.
هل أحد منكم شاهد [السيد حسن نصر الله] في التلفزيون وهو يتكلم بملء فمه، وبكل قوة وبعبارات تهز إسرائيل. ماهي عبارات مثلما يتكلم زعماء العرب الآخرين: كلمتين أو ثلاث، وسموه [فارس العرب].
كلمات مجاهد، كلمات شجاع، كلمات تحتها جيش من الشباب المجاهدين الأبطال، يتكلم كلمات حقيقية مؤثرة، وهو بجوارهم، وهو يعلم أن معهم قنابل ذَرِّيّة، وأن معهم صواريخ ومعهم دبابات، ومعهم كل شيء، لكن قلبه من القلوب المملوءة بتولّي الله ورسوله والذين آمنوا فأصبحوا حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، كما سيأتي عندما نصل إلى عند هذه الآية.
فمن في قلبه مرض هو من يخاف، فيدفعه خوفه إلى أن يقول: نحن خائفون على أنفسنا. {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} أو نخشى أن تصيب المجتمع والشعب دائرة، لكن ذلك ليس في الواقع هو مبعث خوف، وليس هو في الواقع مبرر ادعاء اهتمام بمصلحة عامة، إنما سببه مرض.
أحياناً قد يكون الخوف الحقيقي مما هو مخيف حقيقة، قد يكون أحياناً مقبولاً، بل قد تأتي أحكام شرعية تسوغ تصرف معين تحت وطأة الخوف كما يقال: [التقيَّة] {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}(آل عمران: من الآية28) لكن مع هذا الجانب الذي يسارع فيهم يسارع فيهم يعني أن هذا عمل يدل على أن في قلبه مرض، وما يقوله من بعد معناه مرض يدفعه إلى أن يكون فعلاً متولياً لهم، إنما قضية أن يقول: [والله احنا خائفين على مصالحنا، أو خائفون على بلادنا]. إنما هي تغطية فقط، وإلا فواقعه أن في قلبه مرض، فهو يسارع فيهم.
ما معنى {فِيْهِمْ}؟ هي مثل {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}(الحج: من الآية78) يسارع في خدمتهم، في تنفيذ خططهم, في تنفيذ مؤامراتهم، في توليهم؛ لأن في قلبه مرض فهو يتولاهم.
هنا تأتي عبارة {يَقُولُونَ} بمعنى يتفوهون وكأنها عبارة فعلاً لهجتها أو صيغتها تفيد بأنها شيء غير حقيقي بالنسبة لواقعهم أنهم فعلاً يخافون على أنفسهم فعلا، أو يخافون على أمتهم، وإنما الذي دفعهم إلى المسارعة هو أن في قلوبهم مرض جعلهم يتولونهم.
إذاً فاليهود هم يشتغلون يشتغلون معنا كثيراً ليوجدوا في قلوبنا مرض، {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}(المائدة: من الآية64) إلى أين يتجه هذا الفساد؟. ما هو بيتجه إلى النفوس أولاً؟ ثم ينعكس بشكل أعمال، إفساد في الأرض؛ لأنه حتى ما يحصل من إفساد في الأرض إنما يأتي عن طريق الإنسان نفسه.
{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}(المائدة: من الآية52) لاحظ (الفاء) في قوله {فَعَسَى اللَّهُ} توحي بأن أولئك الذين يسارعون فيهم، أولئك الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم، سيأتي اليوم الذي يندمون فيه على كل ما عملوه معهم، على كل ما بذلوه من جهودٍ فيهم، على تلك الجهود التي سارعوا إليها، سارعوا في بذلها فيهم. {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}(المائدة: من الآية52) وعبارة {أمرٍ من عنده} واسعة {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}(المائدة: من الآية52).
{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} من هذه الآية من قوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}(المائدة: من الآية52) إلى قوله: {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}(المائدة: من الآية52) تعنى بأنه يجب أن نكون واعين نحن أمام من تنطلق من أفواههم هذه العبارات من كبير أو صغير، من يدعي أنه خائف علينا منهم، أو من يدَّعي أنه خائف على نفسه منهم، فيريد أن يجمّد المسلمين، يجمد أي حركة للمؤمنين؛ لأنه إما خائف عليهم وإما خائف على نفسه، من خلال تحركهم فليتوقف كل صوت يكون معادياً لأوليائه.
هذه في حد ذاتها تخلق لدينا وعياً أن كل من انطلق مسارعاً فيهم، وتحت أي عنوان يقدمه إنما هو ممن في قلوبهم مرض، وما يقوله إنما هو مجرد تَفَوّه، فعندما يقول: إنما كان ذلك من أجل حرصٍ على مصالحكم، وحفاظاً عليكم. نقول له: لا. لا. نحن رأينا المسارعة، نحن رأينا المسارعة عندما جاءت أمريكا لتقدم نفسها قائداً للتحالف الدولي ضد ما يسمى بالإرهاب، ألم يسارعوا فيهم جميعاً؟. يكفينا هذه، أن كل كلمة يتفوهون بها من بعد غير مقبولة.
فعندما يقول: اسكتوا لا تتحركوا لا تعملوا شيئاً نحن إنما أوقفناهم، نحن إنما رديناهم، وإلا ربما كان ستحصل ضربة، ربما سيحصل كذا، وإذا عملتم كذا سيحصل كذا، اتركوا.. اتركوا. سنقول له: لا.. إن الله هو الرحمن الرحيم هو الذي يأمرنا أن نقف هذه المواقف، أليس الله هو أرحم بنا من أي إنسان آخر؟ أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا وأرحم بنا من زعماء بلداننا؟ أرحم بنا من حكوماتنا؟ هو من يطلب من عباده المؤمنين أن يتحركوا، هو من يعمل هذا العمل الكبير جداً، جداً في هدايتنا إلى أن نكون واعين، هو من يعمل على أن يخلق في قلوبنا وعياً وفهما، وإيماناً واعياً, إيمانا واعيا.
إذاً سنقول لهم: لا تهتموا بمصالحنا أمام هذه القضية، ولا تتعبوا أنفسكم من أجلنا، ولا تَمُنوا علينا بأنكم ستكفون عنا شر أولئك.لا.. اكفونا شر أنفسكم فقط. أما أولئك فدعوهم. وإذا كنتم لا يزال لديكم ذرة من الشرف فلا تتحركوا أنتم كجنود لهم تضربون هنا وتضربون هنا، وتأخذون هذا وتأخذون هذا تحت اسم [إرهابي] تحت اسم [إرهابيين]، دعوا الأمريكيين هم يضربوا، دعوا الإسرائيليين هم يضربوا، وهم أحكم منكم، هم لن يضربوا، هم لن يضربوا إلا بعد أن يحوزوا على رضا الآخرين، هم حريصون جداً على أن لا يخلقوا في أنفسنا عداءً شديداً لهم.
فلماذا لا تكونون أنتم حريصين على أن لا تخلقوا في أنفسنا نحن أبناء شعوبكم عداءً لكم، أنتم من ستتلقون الجفاء من كل عمل تعملونه ضد شعوبكم، وسيكون الرابح هو أمريكا وإسرائيل، هم اليهود والنصارى.
نحن نقول: إذا كنتم لا بد أن تعملوا عملاً ما، فقدموا لهم خرائط عن أماكننا، خرائط عن بيوتنا، خرائط عن مناطقنا، ثم دعوهم يضربوا، وانظروا هل سيضربون، فتكونون أنتم قد فتحتم لهم كما يقول الناس كما يقول القبائل [حَد وبلاد] ودعوهم هم يضربون، هم لن يضربوا، ومتى ما ضربوا، وإن قُدِّر لهم أن يضربوا فإنما سيكون بعد أن تكون المسألة قد أخذت شرعيتها من داخل وسائل إعلامكم، فتضرب تلك المنطقة أو تلك المنطقة بعد أن أصبح الناس أعجل من أمريكا على أن تضرب، هكذا يعمل اليهود. أصبحنا – تقريباً وهي تتحرك إلى أفغانستان – عجَّالين، قطع ثقيلة صعبة التحرك، نريد نعرف ماذا سيعملون، كلنا عجَّالين أن تضرب أفغانستان أعجل من الأمريكيين، ألم يكن الناس أعجل من الأمريكيين؟.
إذاً فلنحذر، فلنحذر نحن ممن يُقدم نفسه بأنه إنما يعمل ما يعمل من منطلق الحرص على مصالحنا. القرآن الكريم يقول: إن المسارعة تكشف أن هناك مرض في القلوب، وأن أي ادعاءات بعدها إنما هي ادعاءات زيف وتضليل، وتبرير للعمل الذي هو في الواقع مسارعة فيهم انطلق من قلوب مريضة ملؤها الولاء لهم.
إذا كنا نثق بالله، نأخذ الحقائق من كتاب الله ربنا الرحيم بنا، الذي يعلم السر في السموات والأرض، العليم بذات الصدور، بذات صدور اليهود، بذات صدور العرب، بذات صدور زعماء العرب، بذات صدور العالمين جميعاً، أليس هو العالم بذات الصدور بدخائلها بخصائصها بأعماق ما فيها؟.
ثم هنا يأتي تهديد لهم، تهديد لأولئك الذين يسارعون فيهم ممن في قلوبهم مرض ويبررون مسارعتهم بأي كلام كان، الله يقول لهم: {فَعَسَى اللَّهُ} و[عسى] من قبل الله هي وعد عسى من جانب الله هي وعد فهو إذاً يَعِدُ بأن أولئك الذين يسارعون[هم فعلاً يعرضون أنفسهم لخطورة بالغة].
{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}(المائدة: من الآية52)…. الذين يسارعون فيهم إما بفتح على أيدي أوليائه، وإما بأمرٍ من عنده فهو الذي له جنود السماوات والأرض. وكلمة {أمر من عنده} واسعة جداً يعلمها الله وحده. إلا أن الشيء المؤكد أنه يقول لأولئك وبسرعة من الانتقام منهم، لاحظوا ما أسرع عبارة {فَعَسَى}.. {فَيُصْبِحُوا} {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}(المائدة: من الآية52) ما هذا وعيد شديد، ووعيد بعقوبة عاجلة سريعة سواء كانت عن طريق فتح على أيدي أوليائه أو بأمر من عنده، إذاً فهم فعلاً يعرضون أنفسهم لخطورة بالغة.
فهو يقول لهم على فرض أنكم تقولون: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}(المائدة: من الآية52) اخشوا من يمكن أن يضربكم بسرعة، الدائرة معناها [ربما يرجع يلف الشريط علينا.. ربما.. هم قالوا: اليمن من ضمن البلدان التي قالت أمريكا أن فيها إرهابيين، وقالوا مصر وقالوا مدري فين وقالوا.. ربما..] لكن الله يقول: إذا كنتم تخشون دائرة وتقولون هكذا فافهموا بأنكم ستتعرضون لغضب سريع، انتقام عاجل، (الفاء) في {فَعَسَى} يفيد التعاقب وتعاقب الأحداث بسرعة {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا}(المائدة: من الآية52) ما كأنها إلا عشية أو ضحاها، {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}(المائدة: من الآية52) على ما كان في واقع قلوبهم، تلك القلوب المريضة من أشياء، هي الحقائق التي على أساسها ينطلقون نحو المسارعة.
{عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ}(المائدة: من الآية52) يقول لهم – وهو العالم بذات الصدور – قولكم: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}، مجرد كلام لكن هناك شيء أنتم تسرونه ستصبحون على ما أسريتم في أنفسكم نادمين.
وحينها تتجلى الحقائق، وعندما تتعاقب الأحداث تتجلى الحقائق وتكشف الحقائق بشكل يجعل الناس يندهشون {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}(المائدة: من الآية53) إذا كشفت التقارير، كشفت الأوراق، كشفت الحقائق أنهم كانوا عملاء، وكانوا على تواطؤ مع كذا وكانوا على لقاء مع فلان، وكانوا.. وكانوا.
حصل مثل هذا في إيران بنحوٍ عجيب، ملك إيران أصبح من النادمين، بعد أن اقتحم الشباب المسلم في إيران السفارة الأمريكية كم اكتشفوا من التقارير، كم اكتشفوا من الأسرار التي كشفت حقائق كثيرة، جعلت الناس يرون أولئك الذين كانوا يقدمون أنفسهم وطنيين، ومخلصين وأنهم أحياناً ينطلقون بعبارات قاسية ضد تلك الدولة أو تلك، ضد أمريكا وإسرائيل {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}(المائدة: من الآية53) كيف انكشفوا عملاء، كيف انكشفوا خونة، كيف انكشفوا متآمرين، كيف كشفتهم الوثائق والأسرار، كيف انكشفت بطريقة مدهشة.
كانت وثائق مهمة اكتشفوها في السفارة الأمريكية في طهران ترجموها باللغة العربية وطبعوها ونشروها، وكم داخلها من مؤامرات. وكم داخلها من العملاء يتآمرن على شعوبهم، وهم يقدمون أنفسهم بأنهم وطنيين ومخلصين، وأنهم أحياناً يَتَنَمَّرُون بعبارات ضد تلك الدولة أو تلك الدولة.
لاحظ من الذي سيقول هذا من الذي سيفرح بهذا؟. هم الذين آمنوا؛ لأنهم من سيزدادون إيماناً، ومن يزدادون وعياً، من يزدادون فهماً، عندما ينطلقون فيرسخوا في أنفسهم إيماناً واعياً على ضوء ما يحكيه القرآن الكريم، فهم في واقعهم وكأنهم مؤمنين بغيب، لكن عندما يرون الأحداث تتجلى فيرون أن ذلك الإيمان الذي هو شبه إيمان بغيب يصبح حقائق يشاهد أمامهم. يبادرون إلى أن يفرحوا فيترسخ الإيمان بشكل أكثر وأكثر ويزداد وعيهم أكثر وأكثر.
أليس الإنسان يزداد فهماً، ويزداد وعياً عندما يجد الحقائق تتكشف على وفق ما هو يعتقد؟. على وفق ما يرى؟. بلى. {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:53).
أصبحوا خاسرين حقيقة. شاه إيران أصبح خاسراً، أصبح إنساناً مرفوضاً عالمياً، مرفوض من كل الأمم، استقبلته مصر فقط، وذهب إلى مصر وبقي فتـرة يتجرع مرارة القهر والذل، مرارة القهر والذل كيف تخلى عنه من ظل عمره يخدمهم، القهر والذل على أيدي ذلك الشعب الفاتح الذي قهر ذلك العميل فمات كمداً وغيظاً، ودفن هناك في مصر.
{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:53). ولأن القضية مع أهل الكتاب هي قضية مواجهة حقيقية في شتى ميادين الصراع عسكري، اقتصادي، سياسي، ثقافي، إعلامي؛ ولأن الآيات كلها تسير في إطار أو في سياق خلق وعي لدى المؤمنين، هدى من الله يسيرون عليه، حقائق تتكشف أمامهم، لتؤهلهم لأن يكونوا هم من يهاجم أولئك، من يضرب أولئك الذين يسعون لأن نكون بطاعتنا لهم كافرين بعد إيماننا، إلى أن نتولاهم فنصبح ظالمين كما أصبحوا هم ظالمين، فنشاركهم في ظلمهم في العالم كله.
عندما نـتخلى، عندما نتوانى، الله يهدد، يصف من يحصل منه هذا بأنه مرتد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}(المائدة: من الآية54) أليس المقام مقام جهاد؟؟ مقام حركة؟. إذاً فالتواني التفريط هو نفسه يكشف أن في القلب مرض، القلب المريض هو معرض لخطورة بالغة أن يتولى اليهود والنصارى، إذاً فهو سيرتد سيصبح مطيعاً لهم فيرتد عن إيمانه، فيصبح كافراً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}. تأتي الآية هذه مصدرة بهذا النداء، النداء الذي يصل إلى أعماق النفوس التي تدعي أنها مؤمنة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}. الآية هذه تأتي في إطار الحديث عن بني إسرائيل وفي إطار السياق من بداية الآيات فهي لا تأتي تتحدث عن موضوع آخر {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} ماذا يعني يرتد عن دينه؟. يصبح كافراً يصبح يهودياً، يصبح نصرانياً.
فكما قلنا سابقاً من يتوانى، من يفرط، من يقصر، من تنطلي على نفسه عبارات الجمود، عبارات التضليل، فليحذر، وليعلم أن في قلبه مرض، فالله قد حذر في البداية بأن أولئك الذين يسارعون إنما لأن في قلوبهم مرض.
وسواء كانت المسارعة أفقياً أو عمودياً, عمودياً فوق، أو مسارعة تحت كلها واحدة، أنت تخدمهم. أسارع فيهم، أقدم خدمة لهم، أنفذ مؤامرة معينة، أو أسارع نحو التخلي عن مواجهتهم، ونحو التثبيط عن مواجهتهم، هي كلها واحدة، هنا يختلف المرض. ولهذا جاءت بعبارة عامة {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} ما كلمة {مَرَضٌ} في الدنيا تطلق وتحتها أنواع كثيرة؟. أنواع كثيرة جداً، وما أكثر أمراض القلوب، وما أكثر أمراض القلوب.
بل نحن البسطاء، نحن المساكين يحصل في قلوبنا مرض فيجعلنا نسارع باتجاه تحت نَجْمُد ونُجمِّد من حولنا. طيب إن هذا هو خدمة عالية، خدمة مهمة لليهود والنصارى، التثبيط خدمة مهمة لليهود والنصارى، ولهذا هم يحاولون بكل وسيلة أن يتفادوا انبعاث الأمة، يتفادوها بأي وسيلة.
يتركون الآخرين هم يضربون، ويتلقون الجفاء، يتركون هذا هو الذي يزحف ليتلقى الجفاء ويتلقى الخسارة؛ لأنهم يريدون أن نبقى ماذا؟ قاعدين، وأن يثبط بعضنا بعضاً؛ لأن هذا هو نفسه يوفر عليهم الشيء الكثير، يسهل مرور ونفاذ مؤامراتهم.
إذاً فأنت قد يكون في قلبك مرض – ونعوذ بالله من أن يكون في قلوبنا مرض من هذا النوع – فتسارع فيهم، ولكن بأسلوب آخر هو أسلوب القعود عن مواجهتهم، التثبيط عن مواجهتهم، هو نفس الشيء، كما يقول أولئك الذين يسارعون باتجاه عمودي فوق بتنفيذ مؤامرات وأعمال {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}(المائدة: من الآية52) تقول أنت نفس العبارة وأنت تدس رأسك في التراب {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} وكما يقدمون أنفسهم للآخرين ليُـبجِّلوهم على ذلك الموقف، أنت في الداخل قد ترى بأنك إنسان حكيم، وأن هذا هو الرأي، وهذا هو التصرف الواعي، لكن لا. الحكمة، الهدى، الوعي هو أن تنطلق انطلاقة القرآن، لا تسارع لا باتجاه عمودي ولا باتجاه تحت تسارع في خدمتهم.
إذا حصل أن أصبح الناس على هذا النحو فإن الله قد وعد – وهو القادر على تنفيذ وعده – {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} غيركم، وإذا قال غيركم [سيأتي الله بقوم غيركم] معناه أنتم سيضربكم، سيذلكم، وتنالون بسبب ارتدادكم، بسبب تثبيطكم وتوانيكم تنالون ماذا؟ الخسارة والذل في الدنيا، والخسارة والذل في الآخرة في نار جهنم، نعوذ بالله من نار جهنم.
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} عبارة {بِقَوْمٍ} هي نفسها تفيد، أو تكاد تصور لك أولئك القوم وكأنهم صخرات، كأنهم قطع من الصلب، في قوتهم في إيمانهم، في وعيهم، في فهمهم، {بِقَوْمٍ}، وليس كأي قوم ليسوا كمثلكم، قوم {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} والله لا يحب إلا نوعية متميزة. يمكن يرحم وتكون رحمته واسعة للناس جميعاً كما هو هنا يرحمنا، أليس هو يرحمنا ونحن مقصرون؟ لكن أما أن يحب لا, إنما يحب نوعية متميزة.
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ويقدم كلمة {يُحِبُّهُمْ} على {يُحِبُّونَهُ} لتشعر كيف أن هؤلاء جديرون بأن يحبهم هو، فهم جديرون بحبه، فيسارع إلى التعبير عن محبته لهم قبل التعبير عن محبتهم له.
القوم الذين يحبهم ويحبونه هل سيكونون من هؤلاء الذين في قلوبهم مرض؟. فيسارعون نحو تنفيذ الخطط والمؤامرات في خدمة اليهود، أو يسارعون نحو القعود فيصبحوا مرتدين؟!. هذا ارتداد كله، من يسارع مطلع ومن يسارع منزل كله ارتداد.
هؤلاء قوم نوعية أخرى عمليين، وبنفوس قوية، وليس فقط زحزحة ودفع. لاحظوا كيف تصور الآية هذه النوعية من القوم هم ليسوا حتى ممن يحتاجون إلى تحريض كثير، وكلام كثير، [وانت بعده كل يوم تكلمه والاّ رجع، ويحتاج له مجبر ثاني يوم والا جا له كلمه من واحد وَبَرَد]. لا, هؤلاء واعين لدرجة أنهم يقدمون أنفسهم للآخرين بالشكل الذي يهزم نفس من يمكن أن تنطلق من فمه عبارة مثبطة، هو يرى أنك تخلق في نفسه يأساً أن يؤثر فيك؛ لأنك معتز بالموقف الذي أنت فيه لا تحس بحرج. كنبي الله موسى بعدما حصل منه ما حصل، ففقد ذلك المقام الذي كان فيه، وتلك النعمة التي كان فيها في قصر فرعون، بعدما قتل القبطي، من منطلق غيرته على المستضعفين وكراهيته للباطل واعتزازه بأن يقف موقف حق، ورأى نفسه في مواجهة مجرمين، ما هو رأى نفسه في مواجهة كافرين مجرمين؟: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}(القصص: من الآية17) أليست هذه عبارة رجل لا يمكن أن يتأثر؟. هو الذي سينطلق يؤثر.
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} يحبونه فينطلقون في السعي فيما يحصلون به على رضاه، يحبونه فينطلقون غاضبين له، يحبونه يكرهون أعداءه، يغضبون على أعدائه، يكرهون الفساد في أرضه، يغضبون لأن يعصى في أرضه، يغضبون للمستضعفين من عباده؛ لأنهم يحبون الله، ومتعلقة قلوبهم بالله [وليس فقط ممن لا ينطلق إلا متى ما لزمه وما عاد معه أي مخرج فينطلق وهو يدهف نفسه، ويحاول بأي طريقة أن يتملص ويتخلى].
هؤلاء ينطلقون من واقع المحبة لله سواء قالوا واجب والاَّ مندوب المهم أن فيه لله رضى، وليس من أولئك الذين عندما تحتدم المواقف عندما يحمى الموقف يبحث مع سيدي فلان أو سيدنا فلان يسأله: [يا خبير قدو يلزمنا إن احنا نخرج مع أولا، أو نسبر مثل ذولا؟ قدو يلزمنا؟ قال: لا عز الله ما قدو يلزم]. قال: [ها خاطرك… يا جماعة قال سيدي فلان قال سيدنا فلان ما كو يلزم].
هؤلاء قوم يحبون الله لا يبحثون عن لزم ولا ما لزم، إما أن يكون واجب فذاك واجب، أو كان مندوب, مندوب, مستحب… واجب مندوب كله واحد، المهم أن فيه لله رضى، من منطلق الحب لله.
وهم فيما بينهم أذلة على المؤمنين متواضعين يبدون أذلة؛ لأنهم جداً حريصون على وحدتهم، حريصون جداً على أن يكونوا بمستوى القيام بالموقف الذي يهمهم، وأداء المهمة التي تهمهم فعلاً، وليسوا ممن ينشغلون بأنفسهم ومصالحهم الخاصة فقط، فيأنف من هذا ولا يغضب لله، ولا لرسوله ولا لدينه، ولا للمستضعفين من عباده، ولا يغضب لهدم أمة بكلها.
يغضب لنفسه ويبدو قوياً على صاحبه وكبيراً على صاحبه وشجاعاً على صاحبه، عزيز على صاحبه، وذليل على أعداء الله، هذه صفة سيئة، صفة سيئة عادة ما تكون منتشرة في المجتمع الذي لا يحمل أي اهتمام بأي قضية من القضايا الكبرى، مجتمع معرض نفسه لأن يُستبَدل ويُرفَض، الإستبدال معناه أن تُرفَض من قبل الله، إذا كنت قد ترفض من قبل الله فهذه حالة خطيرة جداً، ترفض في الدنيا وفي الآخرة.
هؤلاء فهم نوعية أخرى فيما بينهم أذلة مع بعضهم بعض يكظم غيظه، ويعفو، ويصبر،ويتحمل ويسامح ويحاول أن تبقى علاقته مع أخيه قوية، ويبقى الود فيما بينهم قائماً، تبقى العلاقة فيما بينهم قائمة، ونفوس متآلفة، وقلوب متحابة، لكنهم في ميادين المواجهة {أعزةٍ على الكافرين} ما معنى أعزة؟. أقوياء ينطلقون بنفوس قوية، هم ينطلقون بنفوس قوية، وليسوا ممن يحتاجون إلى تحريض ودفع، ولا ممن يثاقل {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}(التوبة: من الآية38) ليسوا هذه النوعية.
تجـد الألفاظ هذه ما أجملها وهي تعبر عنهم تعبيراً يصورهم تصويراً أمامك، تتخيلهم {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} جهاد، جهاد في سبيل الله {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}(المائدة: من الآية54) فلأن هذا الميدان هو ميدان صراع متكامل يجاهدون بالكلمة، يجاهدون بالمال، يجاهدون بالقلم، يجاهدون بالسيف، يجاهدون بمختلف الأسلحة التي يمكن أن يحصلوا عليها، جهاد، يجاهدون جهاد بناء للأمة وجهاد يهدم أعداء الله.
{فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ لأنهم يحبون الله والله يحبهم، فهم يبتغون بجهادهم رضاه، وما أعظم أن ينطلق الإنسان في سبيل الله، وما أعظم أمة تنطلق للجهاد في سبيل الله حيث ستكون فيما بينها أقرب أقرب إلى أن يتحقق على يديها النصر.
أي ليسوا من أولئك الذين ينطلقون إذا كان هذا أو ذاك سيعطيهم بنادق وفلوس وطحين ومصروف وصرفة وأشياء من هذه. ما كانوا أيام الثورة يوم ملكي ويوم جمهوري؟ يسير لبندق من عند الملكية، ويقول ملكي، وراح في يوم ثاني ودخل بـ[زامل] للجمهورية وقال جمهوري وصرفوا لهم بنادق وفلوس، هؤلاء متعيشين، هؤلاء يسمون مرتزقة، مرة هنا ومرة هنا. أما هؤلاء فهم يهمهم أن يجاهدوا في سبيل الله وعندما ينطلقون في الجهاد في سبيل الله ينطلقون بأموالهم وأنفسهم.
{ولا يخافون لومة لائم}، أيَّ لومة كانت، وأي لائم كان؛ ولأنهم هم أصبحوا إلى درجة أنهم لا يخافون ممن يمكن أن يحذرهم من القتل؛ لأنهم مجاهدون؛ ولهذا لم يأت ليقول ولا يخافون مثلاً من يهددهم بالقتل، أو من قد يقول قد تتعرضون للقتل أو أشياء من هذه؛ لأنهم هم مجاهدون والمجاهدون في سبيل الله هم يبحثون عن الشهادة، أن تخوفه بالقتل ستخوفه بماذا؟ {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}(التوبة: من الآية52) تخوفه بالحسنى بالنصر، أو تخوفه بالحسنى بالشهادة، ليس هناك ما يمكن أن تخوفه به.
يمكن أن يكون هناك لومة لائم من قريب من بعيد، من يقول لـه: [يا أخي ما عادك أحسن من فلان، هو ذا عندك من أولياء الله جالس أما أنت فبا تقوم تتحرك عادك أعلم منه عادك اما أنت كذا.. كذا] بيجي لوم كثير وبوسائل متعددة، هم ليسوا ممن يخافون لومة لائم. أما أنهم يخافون قتل، أو يخافون سجون أو يخافون أي شيء هم مجاهدون. هم أعزة مجاهدون فينطلقون برغبة، فأن تخوفه مما يرغب فيه فليس معقولاً، وليس منطقياً أن تخوفهم مما هم يرغبون فيه.
ثم هل هؤلاء يعتبرون ناس حمقى أو تورطوا؟. لا. هم ممن حازوا الفضل، هم من أصبحوا وحدهم من حازوا هذا الشرف العظيم {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ} ما معنى فضل الله؟. فضل الله أن يهيئهم هم أن يكونوا هم من يحظون بأن يكونوا على هذه الصفة، من يكونوا بدلاً عمن تقاعدوا وتوانوا وتخاذلوا. أليس هذا اصطفاء من جانب الله لهم؟. تفضيل من الله لهم أن اختارهم هم؟ أن اصطفاهم هم ليكونوا بدلاً عن أولئك المتقاعسين المتوانين المثبطين المتعرضين للارتداد؟ فهم هم مفلحون هم فائزون، وليسوا متورطين.
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ} وهو فضل من الله أن يكونوا هم من يقوم بهذه المهمة بهذه المسؤولية التي يعد القيام بها فضلاً من قبل الله سبحانه وتعالى {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}(المائدة: من الآية54) عاد فيها يؤتيه من يشاء، وليست المسألة تكاد أن تكون مجرد اختيار من قبل الناس هنا أو هنا، بل قد يكون من قبل الله هو أن يرى أمة من الأمم أن يرى ناساً من الناس مؤهلين وجديرين بأن يؤتيهم ذلك الفضل وبأن يكونوا ممن يستحق هذا الفضل العظيم، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(المائدة: من الآية54).
الله واسع الفضل {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً}(النساء: من الآية95) ففضله واسع، فضله واسع وهو العليم بمن هو جدير بفضله، بمن هو جدير بأن يصطفيه لمثل هذه المهام التي يتقاعس عنها الكثير من الناس، وإن كانوا يحملون اسم الإيمان. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ}(المائدة: من الآية54) فيرتدون وهم يحملون اسم الإيمان، فلا يدرون أين بلغ بهم الحال، وكيف أصبحوا، وهم يظنون أنهم ما يزالون مؤمنين، وهم قد ارتدوا، وهم قد استبدل الله بهم غيرهم، وهم قد رُفضوا وأذلوا وأُبْعِدوا، وهم يقدروا بأنهم مؤمنين.
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة:55) وأنتم في ماذا؟. وأنتم في ميادين الجهاد، وأنتم تحصنون أنفسكم عن أن تصبحوا في يوم ما ممن يتولى اليهود والنصارى، املأوا قلوبكم بالولاء لله ولرسوله وللذين آمنوا. من هم الذين آمنوا؟.
ما هو هنا يتحدث عن مؤمنين قبل؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}..{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، هل نوالي [الذين آمنوا] أولئك الذين قد يتولون اليهود والنصارى، أو [الذين آمنوا] الذين قد يرتدوا وقد ارتدوا؟. [الذين آمنوا] كثير، من يخاطبون بهذه العبارة، ومن يرى أن نفسه ومن يعد نفسه تحت هذا الاسم كثير من الناس، الناس كلهم, المسلمون كلهم على اختلاف طوائفهم يعدون أنفسهم [الذين آمنوا]. {وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة: من الآية55) علي بن أبي طالب؛ لأنه هو الذي نزلت فيه هذه الآية، هو من تصدق بخاتمه أثناء الركوع، فنزلت فيه هذه الآية.
وتأتي الآية بشكل يشخص نوعية من المؤمنين. ما استطاع المفسرون أن يجعلوها عامة، حاولوا أن يجعلوها عامة, راكعون: خاشعون، راكعون:[مدري ماذا!] لكن الآية نفسها ترفض، ترفض أي محاولة لإخراجها عن أن تكون في علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه).
إن قالوا: {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(المائدة: من الآية55) أي مصلون فكلمة {يقيمون الصلاة} هي أوضح من كلمة [وهم مصلون]، فكيف يأتي القرآن الكريم فيكرر عبارة في مقام التفضيل والثناء، يكرر عبارة تكون الأخرى هي أدنى من الأولى، وهي نفس المسألة {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} أليست أوضح في نسبة الفضل إليهم والثناء عليهم من عبارة [وهم مصلون]؟. إذاً {وَهُمْ رَاكِعُونَ} هي جملة حالية من فاعل {يُؤْتُونَ}، يؤتون الزكاة أثناء ركوعهم.
قالوا: راكعون: خاشعون. لا.. يأتي ما يعبر عن الخشوع والخضوع بكلمة سجود، {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الرعد: من الآية15)، وهناك في آية أخرى: {سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ}(النحل: من الآية48) وكم ورد في القرآن الكريم من عبارة [سجد ويسجد، وساجدين] وتعني الخشوع والخضوع. ثم لا بد مهما حاول المفسرون الآخرون، مع أن الآية مما هي عند أهل البيت، وعند الكثير من المفسرين أنها نزلت في الإمام علي بن أبي طالب لا شك عندهم في ذلك.
ولو افترضنا أنه ليس هناك حديث، وليس هناك كلام حول الآية أنها نزلت في شخص معين، فإننا نحن سنسأل: أنت تتحدث هنا عن مؤمنين قد يتعرضوا لتولي اليهود والنصارى، ومؤمنين قد يرتدون ويستبدل بهم غيرهم، وكلهم يطلق عليهم الذين آمنوا، الذين آمنوا وأنت تقول هنا من جديد {وَالَّذِينَ آمَنُوا} من هم الذين آمنوا هؤلاء؟،الذين إذا توليناهم سنبتعد جداً عن أن نكون معرضين لتولي الكافرين من اليهود والنصارى، أو من أن نكون مرتدين؟!.
هذا سؤال وجيه، سؤال وجيه: من هم الذين آمنوا؟.
عندما يقول البعض: الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة [وهم خاشعون]، كان بعضهم يخشع، كان علي بن الفضل يخشع في وادي هناك، وهو [يتعشق للسلطة] كان يتعبد في وادي هناك في اليمن ويخشع، ما الكثير من الناس يسجلون تلاوة القرآن وهم يخشعون، ويصلون عند الحرم، ويصلون في أماكن كثيرة وربما قد يكونوا من المتولين إلى الأعماق ليهود أو نصارى، وهم خاشعون.
من هم؟. من هم؟. لا بد أنهم نوعية من المؤمنين متميزة. لا يجوز لا يجوز أن ننطلق نحن لنفسر الآية بالتعميم، {وَالَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ}كلنا مصلين، {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، كلنا مزكين، {وَهُمْ رَاكِعُونَ}: خاشعون، كثير منا خاشعون، في زيود خاشعون، وفي وهابيين خاشعين وفي مالكيين خاشعين وحنفيين خاشعون، وصوفية خاشعون، وفي بوذيون خاشعون وهم ليسوا بمسلمين.
إذاً لم توضِّح لنا الآية إن كان الأمر كما يقول أولئك المفسرون. والمقام مهم، المقام خطير جداً، نقول: آمنوا قد يتولوا يهود ونصارى، يا أيها الذين آمنوا قد ترتدوا، يا أيها الذين آمنوا قد تتولوا اليهود والنصارى، يا أيها الذين آمنوا تولوا الذين آمنوا، مثل آية ذياك صاحبنا [يا أيها الناس اتبعوا الناس] ما هو قال أنها آية؟!.
هذا من محاولة مسخ معاني كتاب الله الكريم، الذي أحكمت آياته وفصلت من لدن حكيم عليم، لا بد أن هناك مؤمنين معروفون بأسمائهم، معروفون بأشخاصهم، هم من يريد منا أن نتولاهم بعد التولي له ولرسوله، وإلا كانت الآية مثل [يا أيها الناس اتبعوا الناس] يا أيها الذين آمنوا اتبعوا الذين آمنوا، يا أيها الذين آمنوا تولوا الذين آمنوا.
فعندما يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أنتم يا من تسمون أنفسكم مؤمنين والذي يسمى نفسه مؤمناً ماهو نفسه يصلي، ويزكي، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة؟. فتصبح الآيات، يا أيها الذين آمنوا قد تتولوا اليهود والنصارى، قد ترتدوا، فكيف تعملون؟. تولوا الذين آمنوا. فيكون هذا الكلام كلام غير عادي، حتى ولا كلام ناس عقلاء، هكذا يدفع أولئك الذين يحاولون بأي وسيلة أن يدفعوا الآية عن أن تكون نزلت في الإمام علي، يدفعهم إلى أن يجعلوا كتاب الله الذي أحكمت آياته، ولا ككلام الناس، ولا ككلام العاديين، دع عنك البلغاء والعقلاء من الناس.
هذا كله من أجل من؟. من أجل أبي بكر وعمر, من أجل أبي بكر وعمر؛ لأنه إذا كانت الآية في هذا المقام المهم وتتحدث عن نوعية عالية جداً من المؤمنين وتكون في علي بن أبي طالب يعني علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر، إذا طلع علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر وعمر فهذه هي الطامة على تسعين في المائة من الأمة، يعتبرونها كارثة عليهم، أن يطلع علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر وعمر. لا.. نمسخ الآية بكلها دفاعاً عن أبي بكر وعمر.
فلهذا قلنا: من في قلبه ذرة من الولاية لأبي بكر وعمر لا يمكن أن يهتدي إلى الطريق التي تجعله فيها من أولئك الذين وصفهم الله: {بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(المائدة: من الآية54). ولن يكونوا من حزب الله لأنه قال فيما بعد: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة:56) فلن يكون غالباً لأنه ما رضي يتولى الذين آمنوا الذي نزلت فيه الآية، ما رضي أبدا إذا كان رافضاً أن يتولى عليا فلن يكون من حزب الله، ولن يغلب.
والواقع شهد بهذا أنهم غُلبوا وقُهروا وهم أكثر عدداً وأكثر عُدة من اليهود والنصارى, أكثر عدد وأكثر عدة من إسرائيل، وهي داخل بلاد المسلمين، فقهرتهم وأذلتهم وهم أكثر عدداً وأكثر عدة؛ لأنهم لم يكونوا بمستوى أن يكونوا حزب الله، الذين وعدهم الله بأنهم سيكونون غالبين.
لن يكون من حزب الله إلا من؟ من يتولّى التولي الذي رسمه الله هنا في القرآن: {اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة:55) علي بن أبي طالب حينئذٍ سيكونون هم كما كرر من جديد: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} فسيصبح من حزب الله، {وَالَّذِينَ آمَنُوا} فيما بعد، يعني {الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} لكن القرآن لا يخاطب أطفالاً بل يخاطب عرباً فاهمين، أن الذين آمنوا فيما بعد تعني الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، سيكونون حزب الله فعلاً، وحزب الله لا بد أن يكونوا غالبين.
[والآية تشير إلى] خطورة من جانب آخر: أنك لن تكون من حزب الله سواء أنت ستنطلق للجهاد أو لا تنطلق للجهاد إذا لم تكن متولٍ لله ورسوله وللإمام علي بن أبي طالب وإذا لم تكن من حزب الله فستكون من حزب من؟.
هناك حزبين فقط، ستكون من حزب الشيطان، القرآن تحدث عن حزبين: حزب الله، وحزب الشيطان، {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(المجادلة22) بعد {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (المجادلة: من الآية19) إذاً سيكون الإنسان من حزب الشيطان ولن يَغلب ولن يُنصر في مقام المواجهة مع أهل الكتاب. من هم أهل الكتاب؟. هم الآن الدول العظمى والقوى العظمى في العالم، ما كلها باسم يهود ونصارى؟.
حزب الله في جنوب لبنان طردوا أمريكا من لبنان، وقد أتت ببارجات تضرب بقذائف ضخمة جداً, قطع قريبة من بيروت، وداخل بيروت مبنى كبير لقيادة الأمريكيين يسمونه [المارينز] حطموا هذا المبنى بعملية استشهادية، وجعلوا الأمريكيين يهربون من لبنان منهزمين، وطردوا إسرائيل من جنوب لبنان، حزب؛ لأنهم فعلاً تمثل فيهم حزب الله، هم شيعة من أولياء علي بن أبي طالب الذين صح توليهم لله ولرسوله وللذين آمنوا، فغلبهم حزب ولم تغلبهم دول بأكملها من ستين مليوناً، من عشرين مليوناً من ستة عشر مليوناً، من خمسة ملايين إلى مائة مليون عربي لم يغلبوا إسرائيل؛ لأنهم لم يصبحوا حزب الله، ولم يكونوا من حزب الله فغلبهم اليهود وهم داخل بلادهم. أليست إسرائيل داخل البلاد العربية؟.
ولهذا جاءت الآية قاطعة {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة:56)عبارة (هم) تعني وحدهم، من لا يكونون حزب الله على هذا النحو في مواجهة اليهود والنصارى فلن يغلبوا، هي جاءت بعبارة مؤكدة {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ} أصبح معناها: فهم حزب الله، أو أولئك حزب الله، ثم يقول: فعندما يكونوا حزب الله فإن حزب الله هم الغالبون، و(هم) تعني وحدهم، في مقامات كثيرة في القرآن الكريم، {الْغَالِبُونَ} و[الـ] نفس الشيء تفيد الاختصاص، {الْغَالِبُونَ}. ما هي الغلبة؟ أليست هي القهر للأعداء الذين تتحدث الآيات عنهم، اليهود والنصارى؟.
لاحظ الربط المهم، الربط الشديد بين قضية ولاية الإمام علي (عليه السلام) في مقام، وبين التأهيل للأمة في مواجهة اليهود والنصارى، مواجهة اليهود والنصارى في ميدان المواجهة، وتحصين القلوب أيضاً من أن يصيبها مرض فتصبح ممن تتولى اليهود والنصارى، أو ترتد بعد إيمانها، فقال هناك: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}(المائدة: من الآية52).
إذاً فولاية الله ورسوله والإمام علي بن أبي طالب هي فعلاً عندما تملأ القلب ستملأه إيماناً واعياً، ستحصن القلب من أن ينفذ إليه أي ذرة من ولاء لليهود والنصارى أو لأولياء اليهود والنصارى، ستحصن الإنسان نفسه، من يحمل هذا القلب من أن يصبح مرتداً عن دينه، ستحصنه أيضاً من أن يصبح طائعاً لأهل الكتاب، لفريق من أهل الكتاب، كما في الآية الأخرى في سورة [آل عمران]، فيرتد بعد إيمانه كافراً.
إذاً هي مهمة جداً، مهمة جداً في المقامين: في مقام الحفاظ على نفسي بعيداً عن هذه الخطورة العظيمة، وفي مقام تأهيل نفسي لضرب مصدر ذلك الخطر العظيم.
ولكن علياً مهما كبر لديهم لا يساوي شيئاً بالنسبة لأبي بكر وعمر، وأبي بكر وعمر حتى آخر إنسان عربي، حتى آخر ذرة من البلاد العربية، حتى آخر قيمة من قيم الإسلام ومبادئه. أبو بكر وعمر لا يمكن أن يتخلوا عنهم، اللهم إلا أن يفهموا هم من جديد ويعيدوا النظر من جديد، ويتساءلوا من جديد: أنه إن كان هذا هو مصداق للآية ما هم عليه، فلم ينقصهم ولاء، أليسوا متولين لأبي بكر وعمر أكثر من تولينا لعلي؟ يهتفون بأسمائهم في مساجدهم في مدارسهم، في جامعاتهم، في كتبهم يعلمون أطفالهم ونسائهم ويحاولون أن يُشربوا من يلقوه في الطريق أبا بكر وعمر، في المسجد في السيارة في السوق في أي مكان.
فإن كان توليهم هو فعلاً التولي للمؤمنين لأولئك المؤمنين الذين قال الله عنهم في هذه الآية، فهم إذاً لم ينقصهم ولاء، ولم تنقصهم أسلحة، ولا عدد، ولا إمكانيات فلماذا لا يكونوا حزب الله فيغلبون تلك الشرذمة القليلة من اليهود داخل وطنهم؟. لماذا؟.
هل أن القرآن غير صادق عندما يقول أولئك حزب الله، ثم يقول: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}؟. لماذا لم يغلبوا؟. لماذا غُلِبُوا؟. لماذا قُهِروا؟. لماذا أُذِلوا حتى أصبحوا لا يستطيعون أن يستخدموا في مواجهة إسرائيل إلا الحجارة، أصبحوا لا يستطيعون أن يستخدموا في مواجهة إسرائيل إلا الحجارة؟!!.
فمن أين الخلل؟ هل أن القرآن غير صادق؟ لا. ولم يقولوا هم: أن القرآن غير صادق. إذاً الخلل من آخر الآية {وَالَّذِينَ آمَنُوا} أنتم صرفتموها إلى آخرين إلى آخرين هم من هزموا أمام أقلية من اليهود، فكيف يمكن لأوليائهم أن يهزموا أعتى يهود في تاريخ اليهود هم، أعتى قوة يهودية في تاريخ اليهود هم.
لأن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما جعل أبا بكر قائداً في غزوة خيبر وهو يحاصر خيبر فرجع منهزماً، ثم في اليوم الثاني عمر فرجع منهزماً، ثم في اليوم الثالث علي وهو كان [أرْمَداً]؛ ليقول: أن الأمة بحاجة إلى علي حتى وإن كان في مقام قد تعتقد أنه لا ينفع فيه. فنحن نحن بحاجة أن نتولى علياً (عليه السلام). وإن كنا نعتقد أن علياً لن يخرج بسيفه فيقاتل.
عندما كان أرمداً لا يبصر موضع قدميه، ألم يكونوا يرون بأنهم لا يحتاجون إلى علي؟ فعندما قال رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): ((لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)) نفس الآية التي قالت: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}(المائدة: من الآية54) نفس المنطق يضعه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) على علي: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار يفتح الله على يديه)).
أبو بكر رجع منهزماً، عمر رجع منهزماً، فليفهم أولياؤهم أنهم سيظلون منهزمين أمام اليهود؛ لأنه إذا كان قد هُزم الكبار من يجعلونهم قدوة لهم فسيُهزم الصغار؛ لأن أي واحدٍ منهم يرى بأنه ليس في مقام أبي بكر وعمر. صح؟ إذاً أبو بكر قد هُزم، وعمر قد هُزم فبالأولى أن يهزموا هم وسيهزم، لقد هُزموا هم وهزم أولياؤهم من بعدهم الآن أمام اليهود وأمام الصليبيين، وأمام المغول، وكم هزائم حصلت عليهم في تاريخ هذه الأمة.
إذاً ماذا ينقصهم؟ لا ولاء لأبي بكر وعمر, هم يتولونهم إلى النخاع، ولا عَدد ولا عُدة فلماذا لم يكونوا حزب الله؟؛ لأنهم عندما صرفوا هذه الآية عن علي ليلبسوها أبا بكر، وأبو بكر لا تتلبس عليه، كبيرة عليه، وسيعة عليه، أكمامها طويلة، تغطيه ما عاد ترى أبا بكر بكله.
عندما صرفوها إلى ذلك هم عمُوا هم عن الحل فلهذا قلنا سابقاً أن مشكلة أبي بكر وعمر مشكلة خطيرة، هم وراء ما وصلت إليه الأمة، وهم وراء العمى عن الحل، أليست طامة؟ طامة هذه.
وراء العمى عن الحل, الحل هنا لكن من يتولي أبا بكر وعمر لا يرى حلاً، لا يعرف سبب المشكلة، ولا يعرف حل المشكلة.
لهذا قلنا بالنسبة للشيعة هم عليهم هم من يتبنون العمل بعيداً عن أولئك؛ لأنهم هم من يمكن أن يكونوا هم حزب الله، نحن ليس لدينا عوائق من هذا النوع، نحن لا نحمل أبا بكر على جنب وعمر على جنب، فندخل إلى آيات القرآن نرْكلها آية كذا وآية كذا، ورسول الله كلمة منه تأتي في علي نرْكُلها كذا وكلمة كذا، ونحن محافظين على أبي بكر وعمر، نحن لا نتولاهم، فنحن أقرب إلى أن نتولى علي، بل يجب علينا في هذا العصر بالذات أن نرسخ جداً جداً ولاءنا لله تعالى ولرسوله وللإمام علي (عليه السلام) حتى نحصن أنفسنا، وحتى نكون جديرين بأن نكون حزب الله وسنكون حزب الله فعلاً. إلا إذا كنا لا نثق بالله إذاً نصحح ولاءنا معنى ولاءنا نكون مع الله، منشدين مع الله، نثق بالله، نسير على هديه، نصدق ما وعد به، ونثق بما وعد به. ليكون هم الشيعة الجديرون بأن يكونوا هم الغالبون.
فإذا كان الشيعة الإمامية كما نراهم الآن، أليسوا هم متميزون من بين العرب جميعاً بموقفهم العالي من بين العرب؟. أليسوا هم رافعين رؤوسهم من بين العرب في إيران وفي جنوب لبنان؟. من لديهم ولاية الإمام علي، وسنكون نحن الزيدية جديرون بأن نكون أعظم قوة منهم لأن ولاءنا للإمام علي ولأهل البيت – فيما نعتقد – هو أكثر إيجابية من ولائهم هم لهم فتلك فقط شذرة من شذارت ولاية الإمام علي أعطتهم هذا المقام العالي، وعندما ألقوا بأبي بكر وعمر من فوق جنوبهم [واحد كذا وواحد كذا] وتولوا علياً أصبحوا في هذا المقام.
السُّنـِّي الوهابي يُجَنُّ من حديث مثل هذا، يُجَنُّ، وهو مستعد أن تتحطم الأمة كلها ولا يتخلى عن أبي بكر وعمر. إذاً إذاً فأنت تشهد على أنك تعيش المشكلة وتعمى عن حل المشكلة، وأنك تحب المشكلة نفسها: أن تتحطم هذه الأمة ولا تتخلى عنهم.
إذا كنت تعتقد أنما يقال ما يصدر من مثل هذا القول قول غير حقيقي فارجع أنت إلى القرآن الكريم وارجع إلى واقعك أنت، انظر ما الذي ينقصك، إن كان {وَالَّذِينَ آمَنُوا} هم أبو بكر وعمر أو الصحابة كما تقول فأنت تتولاهم وتهتف بولائهم أكثر مما نتولى علياً وأنت لا ينقصك عدد ولا ينقصك عدّة، ومن يحكمك هم من توجب طاعتهم، هم من ينسجم حكمهم مع القرآن – من وجهة نظرك – إذاً فلماذا لا تكونون حزب الله؟ فعلاً لأنهم غير جديرين بأن يكونوا حزب الله، هناك خلل واضح هم لا يكادون يعترفون به إطلاقاً.
فمن الحماقة نحن أن نرتبط بهم، أو نفكر بأن بالإمكان أن نتوحد معهم إذا توحدنا معهم فهم يريدون أن نتوحد معهم تحت رايتهم، هم لن يقبلوا أي واحدٍ من أهل البيت أو من شيعة أهل البيت، من أولياء علي ليلتفوا حوله؛ لأنه عندما يصعد سيواجه بأنه رافضي خبيث، كما عملوا بالخميني نفسه، وكما عملوا بحسن نصر الله، وكما عملوا بحزب الله بكله، لا يتكلمون عن حزب الله بكلمة ولم يتكلموا عن عباس الموسوي ولا عن حسن نصر الله ولا عن أولئك الذين قادوا ذلك الحزب الذي هو حزب الله، لم يتكلموا عنهم بكلمة؛ لأنهم [روافض خباث!]، فأن نتجه نحن نحوهم نـتوحد تحت رايتهم نحن سندخل في المشكلة وسنعمى كما عميوا.
إذاً فالشيعة وخاصة الزيدية هم فعلاً من يكونون جديرون بأن يكونوا هم حزب الله الغالبون إن وثقوا بالله وعززوا ولاءهم لله ولرسوله وللإمام علي.
اللهم وفقنا، واجعلنا من حزبك فإن حزبك هم الغالبون، واجعلنا من جندك
فإن جندك هم المفلحون وهم المنصورون.
وصدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.