saadahnews

الإسلام وثقافة الإتباع

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

في البداية نقول للجميع: كثـّر الله خيركم، وبارك فيكم ولكم، ونشكركم على كرم ضيافتكم وحسن استقبالكم، والجلسة هذه هي عبارة عن سمرة قابلة للحديث المتبادل، ويهمنا جميعاً أن نعرف أشياء كثيرة مهما أمكن من خلال هذه الجلسة، تعرفوا ما لدينا، ونعرف ما لديكم. كل ذلك من أجل أن يكون الجميع عارفين أين يتجهون، وفاهمين ماذا يعملون.

الله سبحانه وتعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} (المائدة: من الآية3) هذه الآية المهمة تعتبر دليلاً قوياً وشاهداً عظيماً على أن الله سبحانه وتعالى باعتباره إلهنا، وملكنا، وسيدنا، ومولانا، عمل على أن يكمل لنا هذا الدين. دين كامل لا نقص فيه، واسع بسعة شؤون الحياة، واسع بقدر ما يتاح للإنسان، أو ما يقدر للإنسان أن يحصل عليه من كمال، في زكاء نفسه، وسمو روحه، بل هو فعلاً، هذا الإسلام هو أوسع، وأشمل مما يمكن أن يتصور الإنسان سواء في واقع الحياة أو بالنسبة لنفسه.

{أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} في الوقت الذي يسميه دينه هو يسميه أيضاً ديننا، هو ديننا، أضافه إلينا، ندين له سبحانه وتعالى به، نتعبد له سبحانه وتعالى به، نتعامل مع بعضنا بعض على أساس أحكامه، وتوجيهاته، ومبادئه، نعمر الحياة كلها على أساس توجيهاته، ومبادئه، ومنهجه وقيمه بشكل عام. هو دين كامل، هو دين لنا، نحن في أمس الحاجة إليه.

الله سبحانه وتعالى عندما شرع لنا هذا الدين؛ لأننا في أمس الحاجة إليه، إلى هذا الدين، حتى لو لم يكن وراءه جنة لكنا كما هو معلوم عن البشر أنهم يحتاجون إلى نُظُم، يحتاجون إلى قوانين، يحتاجون إلى دساتير، يحتاجون إلى شيء ينظم حياتهم كأمة، لكنا محتاجين إليه حاجة ماسة حتى ولو لم يكن هناك وراءه جنة.

أما وقد جعله سبحانه وتعالى أفضل نظام للحياة، أفضل نظام يسود المجتمع البشري، أفضل نظام يرعى حقوق الإنسان وكرامته، ومع ذلك تفضلاً منه سبحانه وتعالى يجعل من وراء تطبيقه، والالتزام به، والعمل به، الثواب العظيم، الجزاء العظيم، الجنة، والقرب منه سبحانه وتعالى. هذه هي النعمة العظيمة.

نحن نجد في الدنيا عندما تعمل الحكومات قوانين، تعمل دساتير، أليسوا يفتخرون أننا أنجزنا انجازات مهمة، وعملنا قوانين هي تساعد على الاستثمار الخارجي في داخل بلادنا، وعلى كذا وكذا. ولو نأتي إلى هذه القوانين، وهذه الدساتير نجدها تقف عند هذا الحد. هل وراء الدستور جنة؟ أو وراء القوانين الجنة، والقرب من الله سبحانه وتعالى، والزلفى لديه؟ لا، قانون مرتبط بالدنيا فقط، ينتهي عند تطبيقه.

ومع ذلك تجد تلك الدساتير ناقصة، تبدو تلك القوانين ناقصة، يظهر فيها جهل الإنسان، وقصوره. لا يمكن لأي طرف أن يشرِّع للإنسان نظاماً للحياة إلا من يعلم السر في السموات والأرض، من هو محيط علمه بكل شيء، وهو الله سبحانه وتعالى.

أما الإنسان مهما كان خالص النية، حسن النية، مخلص للناس، فإنه قاصر، هو ناقص، علمه محدود، إدراكه محدود، فهمه محدود؛ ولهذا نجد كم يعدِّلوا في القوانين، والدساتير! وكم يحولوا، ويبدلوا داخلها، بين حين وآخر نصوص بدل عن نصوص، فقرات بدل فقرات، وأحياناً قانون بأكمله يغير نسبة كبيرة منه!.

الله سبحانه وتعالى عندما جعل هذا الدين كاملاًً، هو وحده، وحده الذي يستطيع أن يضع ديناً كاملاًً، يوفق بين ضبط التعامل، تعامل الإنسان مع الإنسان، وتعامله مع الحياة بصورة عامة، وفي نفس الوقت بناء روحه، زكاء نفسه، طهرها، سموها، تكاملها.

عندما أقرأ دستور من الدساتير، عندما أقرأ قانوناً من القوانين لا أجد فيه ما يجعل نفسي زاكية، ما يجعل نفسي طاهرة، ما يجعلني أحس أنني أتدرج في مدارج الكمال. لا يمكن أن يحصل هذا. دين الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي هو على هذا النحو: يبني الإنسان من داخله، ويبني الحياة، يبني الأمة، تقوم عمارة الدنيا على أساسه، وتقوم عمارة النفوس على أساسه.

لا أحد من المخلوقات كلها، لا ملائكة الله، ولا أنبياء الله، ولا أحد من أوليائه، ولا أحد من العباقرة من خلقه يستطيع أن يشرع على هذا النحو؛ ولهذا رد الله سبحانه وتعالى على من حاولوا أن يلصقوا بالقرآن الكريم تهمة أنه افتراه فقال: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ)(يونس: من الآية37).

هذا القرآن لا يمكن أن يأتي أحد بمثله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (الإسراء: من الآية88) والقرآن كله من ألفه إلى يائه ما هو؟ هداية، يهدي للتي هي أقوم؟ {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} هداية للبشرية جميعاً، في جميع مجالات الحياة، مهما تشعبت، مهما اتسعت، مهما اتسعت وتشعبت، يبدو القرآن أوسع.

من الغريب عندما تسمع أحياناً عندما يقول لك بعض الناس: هذا العصر اتسع، والشؤون اتسعت، لازم نحاول نؤقلم الدين، يتكيف مع مظاهر هذا العصر، وإلا قد يتجاوزه الزمن، تتجاوزه الحياة، يتجاوزه التطور!. مهما تشعبت الحياة، مهما تقدمت الحياة، مهما اتسعت عمارة الأرض، يظل الإسلام أوسع، ويظل القرآن أوسع، وأشمل، وأكمل. هذا شيء لا شك فيه.

إنما الإنسان هو، المشكلة من داخله هو، أننا لم نستطيع أن نفهم عظمة هذا الدين، وأن نعرف كمال هذا الدين؛ حتى ننشد إليه أكثر، ونثق به أكثر، ونرتبط به، ونحرص عليه، ونعمل على رفع رايته، والجهاد من أجل إعلاء كلمته، والدفاع عنه.

عندما يقول الله سبحانه وتعالى في هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ} التاء هنا هو ضمير يعود إلى الله، وهو الكامل المطلق، هو ذو الجلال والإكرام، هو الملك، هو القدوس، هو السلام، هو المهيمن، هو العزيز، هو الجبار، هو المتكبر، هو عالم الغيب والشهادة، هو الذي يعلم السر في السموات والأرض، هو الرحمن، هو الرحيم، هو الحكيم، هو العليم، الكامل المطلق سبحانه وتعالى.

عندما يقول هو: أنه أكمل شيئاً فإن هذا الشيء فعلاً يكون كاملاً، على أرقى ما يتصور الإنسان. هل يمكن أن يقدم الله سبحانه وتعالى دينا ناقصاً وهو الكامل؟ عندما يقول: إنني أكملت لكم هذا الدين، فبقدر ما تعرف كمال الله سبحانه وتعالى فإن دينه انعكاسا لكماله، كامل بكماله مشرَّعه، كامل بكمال من هدى إليه، ورسم منهجه.

مشكلتنا هي هذه: أننا لم نتعرف على الدين، لم نفهمه بالشكل الصحيح، بل إننا تقريباً لا نهتم به كما نهتم بأي شيء من هامش حياتنا، فتبدو النظرة لدينا وكأن الدين شيء، وشؤون الحياة شيء آخر! وكأن ما يهمنا شيء وما يجب أن نتحرك فيه في هذه الدنيا شيء، والدين شيء آخر.

الدين هو نظام لكل شيء، نظام لكل شيء. ليس هناك شيء ليس للدين علاقة به، ليس للدين وجهة نظر فيه، ليس للدين موقف منه، كل تصرفاتنا مع بعضنا بعض، مع كل ما حولنا من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، كلها لا تخرج عن أن يكون للدين موقف فيها، كلمته فيها.

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} لا حظوا هذه العبارات المهمة: كمال، وتمام، من الكامل المطلق سبحانه وتعالى هو أكمل، وهو أتم هذه النعمة، فلا يمكن أن تتصور أن هناك قصور في هذا الكامل، هذا الدين الذي أكمله الله، ولا قصور في هذه النعمة التي أتمها الله سبحانه وتعالى. لماذا سماه نعمة؟ لأنه يعلم سبحانه وتعالى إذا كنا لا نعلم أننا في أمس الحاجة إلى دينه، وأن حياتنا لا تستقيم إلا على أساس دينه، وأن نجاتنا لا تتحقق إلا على أساس دينه.

فهو يعلم سبحانه وتعالى أنه قدم لعباده نعمة عظيمة، وليس فقط أي نعمة من أطرف ما عنده، أو أي شيء وقعت يده عليه، تفضلوا. أتمها؛ ولهذا قال في القرآن الكريم سبحانه وتعالى، عندما يتحدث عن آياته أنه فصلها تفصيلاً، أنه تنـزيل من حكيم حميد، من حكيم خبير، {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}(الفرقان6) هكذا؛ ليقول لنا: هذا الشيء الذي قدمته لكم ليس على هذا النحو، لا تتصوروا أنه هكذا: قدمنا لكم أي حاجة.. الحاصل، مثل ما تقدم لواحد أي شيء، تقول تفضل، الحاصل، من أي شيء لديك.

الله سبحانه وتعالى جعل القرآن الكريم إلى الدرجة التي قال فيه: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}(الإسراء88) لو فكروا جميعاً أن يتعاونوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لو لم يكن من منطلق العداء، والتحدي للقرآن، كقانون كما هو حاصل عند كثير من البشر، ينطلقون على أساس ليضعوا أفضل نظام للحياة. هؤلاء لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن، ومن ينطلقوا بروح العداء والتحدي للقرآن الكريم، هم أيضاً لن يستطيعوا أن يأتوا بمثله، ولا بسورة من مثله. ماذا يعني هذا؟ أنه كامل، وأنه تام، وأنه نعمة عظيمة.

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} ارتضاه هو، وهو من هو سبحانه وتعالى! عندما نرجع إلى القرآن الكريم الله سبحانه وتعالى يقدم نفسه لنا بأنه رحمن رحيم، هو الرحيم بنا، الذي هو عالم الغيب والشهادة، الذي هو حكيم، لا يمكن أن يرتضي لنا شيئاً إلا وهو على أرقى الدرجات التي تعتبر انعكاساً لرحمته العظيمة، مصداقاً لحكمته، ومصداقاً لرحمته سبحانه وتعالى.

{وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}(المائدة3) قد نكون المسلمين نحن من أجهل الناس بديننا، لكن الغريب في الموضوع أن أعداءنا هم من يفهمون عظمة ما لدينا من هذا الدين، يفهمون؛ لهذا تجد أنهم وهم أعداء لنا يتجهون إلى ضرب ديننا. أليس هذا ما نشاهده؟ حملات ضد القرآن الكريم، حملات تشويهية ضد الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ضد الإسلام، بصورة عامة، عمل متواصل بكل الوسائل على إقصاء هذا الدين عن واقع الحياة، على الفصل بيننا وبينه.

كل الحرب القائمة ضدنا هي تتوجه رأساً من جانبهم إلى الدين نفسه؛ لأنهم يعرفون لو اتجهوا إلى حربنا نحن كأشخاص، ولم يحاربوا ديننا فإنهم سيخسرون، لن ينتصروا إطلاقاً، وأن كل موقف مهما بدا من جانبهم قوياً وحاداً وجاداًً سيكون الرد من جانبا أكثر وأكثر، وسنستفيد من الصراع معهم أكثر وأكثر. إذا ما ظل ديننا سالماً لنا فلن يستطيعوا أبداً أن يقهرونا.

لو تلاحظوا أن هذا الدين نفسه إذا ما ظل سليماً يستطيع أن يستفيد من أعدائه، أن يجعل من يلتزمون به يقهرون أعداءهم، ويستفيدون من الصراع مع أعدائهم! ألم يقل الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}(الفرقان31) يبعث نبي من الأنبياء، ثم يكون هناك أعداء! هذه الآية عجيبة، قد يتصور أي واحد منا أنه كان من المفترض أن تزيح كل الأعداء من أمام هذا النبي الذي بعثته؛ ليتمكن أن ينشر دعوته، فلا يواجه بصعوبات، فكيف قلت: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}؟ هل من أجل أن هذا العدو يقلق النبي ويزعجه؟!.

الله يجل أنبياءه، الله سبحانه وتعالى يعظم أنبياءه، هل سيجعل عدواً يقلقه، ويزعجه، لمجرد الإقلاق والإزعاج؟.

فماذا يعني هذا؟. نقول: أن هذا الدين لسموه، لكماله، هو يحمل نفحة من مشرِّعه الذي قال عن نفسه أنه غالب على أمره، هذا الدين كذلك إذا ما ظل سليماً لأمة تحمله فإنه سيكون غالباً لكل من يناوئه، يغلب كل من يناوئه.

من الذي يمكن أن يجعل هذا العدو مصدر قوة لهذا الدين؟ مصدر قوة لجَلًبة من يلتزموا بهذا الدين؟ هي الحكمة الإلهية، هي الحكمة الإلهية التي ربما أي شيء آخر قد يبدو ضعيفاً أمام العدو، وهذا الصراع الطبيعي، الصراع الطبيعي أن عدواً قد يقهر الطرف الآخر؛ لأنه برز أمامك عدواً أنت معرض لأن يقهرك مثلاً.

لكن أما هذا الدين هو يتحدى إلى الدرجة التي يقول فيه: أنه هو يجعل أعداء في مواجهة الأنبياء؛ لأن الأنبياء أنفسهم، وهم يبلغون هذا الدين، وكذلك من يسير على دربهم، وهم يتحركون في سبيل إعلاء كلمة هذا الدين، ونشره، والدفاع عنه، والدعوة إليه هم من سيستفيدون من الصراع، يصقل مواهبهم، ينمي قدراتهم، يتجلى لهم عظمة هذا الدين كلما دخلوا في الصراع أكثر فأكثر. وهذا من الأشياء العجيبة.

الناس الذين يصارعون من أجل هذا الدين تجدهم هم أكثر الناس فهما لهذا الدين، وأكثر الناس معرفة بعظمة هذا الدين، وأكثر الناس إدراكاً لأهمية هذا الدين! من أين جاء هذا الشعور؟ من الصراع، كلما حصل صراع كلما بدا الإسلام قوياً، كلما اكتشفوا جوانب مهمة فيه، كلما اكتشفوا طاقات هائلة داخله، كلما اكتشفوا جوانب من عظمته غائبة عن الكثير ممن لا يصارع من أجله.

ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(العنكبوت69) تنكشف لهم أشياء كثيرة، يتجلى القرآن لهم بشكل أكثر مما يتجلى لآخرين قاعدين في بيوتهم، أو في زوايا مساجدهم {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.

هذا ما يتميز به هذا الدين، وهذا ما يجعل الأعداء أنفسهم يعرفون عظمته فيتجهون أساساً لمحاولة ضربه هو، وهل يستطيعون أن يضربوه هو؟ لا، يضربوه في أنفسنا، يضربوه في واقع حياتنا، عندما نكون بسهولة قابلين لأن نتخلى عنه، نبتعد عنه، نبتعد من طريقهم وهم يتجهون إلينا، نفسح المجال لهم يفسدون كيفما يشاءون، يعيثون في الأرض فساداً.

لهذا نلاحظ دائما أنهم لو كانوا يعلمون أن هذا الدين ليست عزتنا متوقفة عليه، ولا قوتنا مرتبطة به، هو لا يمثل قوة لنا، وأنه لا يمثل عزة لنا، ولا علاقة له بوحدتنا، لما بذلوا دولاراً واحداً في سبيل محاربته، لاتجهوا إلينا شخصياً يحاربوننا بأي طريقة، تصفيات جسدية، محاربة شخصية هكذا، كما هو معروف في الصراع، لكنهم يعلمون على الرغم من أنهم يمتلكون أسلحة فتاكة، أسلحة متطورة، أن هذه الأسلحة لو توجه إلى مسلمين، ملتزمين بإسلامهم، يتحركون على أساس توجيهاته، وهديه، فإنهم سيكونون مهزومين أمامهم، مهما كانت قوتهم.

لذلك يسعون أولاً إلى نشر الفساد الأخلاقي، الفساد الثقافي، نشر ما يخلق فرقة في أوساط الناس، ما يبعدهم عن دينهم، ما يشككهم في مبادئه، ما يشككهم في كتابه، في نبيه، هكذا، هكذا حتى يهيئونا لأن يضربونا بسهولة، ومتى ما ضربونا نكون قابلين لأن نهزم، قابلين لأن نهزم أمامهم؛ لهذا تجد أن الإسلام هو الدين الوحيد في هذه المعمورة الذي يحاربه الأعداء من اليهود والنصارى.

هناك ديانات قائمة لماذا لا يحاربونها؟ وثنية ما تزال قائمة يشجعونها، البوذية ما تزال قائمة، ديانات أخرى ما تزال قائمة لا يوجهون حربهم إليها بل يشجعون أصحابها، بل يشجعون أصحابها على أن يبقوا على ما هم عليه، إلا الإسلام، إلا الإسلام.

ماذا يعني هذا؟ أنهم يشعرون بعظمته ربما أكثر مما نشعر نحن؛ لأنهم بعدائهم لنا دائمي التفكير، أن يتعرفوا على ما هو مصدر قوة لنا، مصدر عزة، مصدر أن نكون قادرين على أن نهيمن عليهم، على أن نقهرهم، على.. الخ، فوجدوا هذا الدين.

ولهذا جاء تصريح قبل أسبوع من البيت الأبيض على موقع في الانترنت: أن القرآن هو الكتاب المقدس للإرهابيين، القرآن هو الكتاب المقدس للإرهابيين. أليست هذه هي عبارة عداء؟ في الوقت الذي هي عبارة تشهد بأن القرآن هو الذي يصنع رجالاً يقفون في مواجهتهم، عبارة يقولوها من أجل أن يمهدوا لشرعية أن يضربوا القرآن، مدارس قرآنية، علماء قرآن، كلما له علاقة بالقرآن، مناهج ما تزال فيها آيات قرآنية، تضرب كلها بحجة أن القرآن هو الكتاب المقدس للإرهابيين.

وفعلاً طلبوا من مصر تغيير آيات في المنهج الدراسي، ويعملون على أن يفرضوا على السعودية أن تغير المنهج الدراسي، وكذا الأردن. وهكذا يتجهون إلى بقية الدول العربية لتغير مناهجها التربوية، فتزيح ماذا؟ تزيح آيات من القرآن الكريم.

تجدهم لأنهم يفهمون أكثر مما نفهم! حربهم تتركز على شيء واحد بشكل مكثف، ومركز ضد القرآن الكريم، وبعده شخصية الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، وفي نفس الوقت اللغة العربية.

هذه الثلاثة الأشياء التي يركزون على حربها: القرآن الكريم رقم واحد في الموضوع، لا يحاولون أن يحاربوا أشياء أخرى، مظاهر أخرى، مساجد كثيرة تبنى، أشياء كثيرة، علماء كثيرون مختلفون، يعتبرون هذا يساعد على خلق فرقة في أوساط الناس، مذاهب متعددة. هل هم يقولون: هؤلاء المسلمين مذاهب كثيرة نحاول ننقصهم، ننقصهم لما لا يعودوا إلا مذهب واحد. هل عندهم الفكرة هذه؟ هم يرون بأن هذا يساعد أفضل تتوسع مذاهب، وعلماء كثير ينتشرون مختلفين، وتكون الساحة كلها ساحة قلقة.

لو أن القرآن الكريم، أو نقول: لو فهموا أن القرآن الكريم كتاب يمكن أن يخلق ماذا؟ آراء متعددة، أفكار متباينة، أقوال متضاربة، لما تعرضوا له إطلاقاً، هل تفهمون هذه؟ لما تعرضوا له. هم لا يتعرضون لكتب الحديث، تعرفوا؟ لا يتعرضون لكتب الحديث، بل يخدمونها، يأتي مستشرقون يضعون فهارس للحديث، كتاب واحد يسهل لك الرجوع إلى أي حديث تبحث عنه، في أي من أمهات، ومسانيد، ومجاميع الحديث، يخدمونها خدمة.

تعدد الطوائف يخدمها أيضاً! هم صنعوا طوائف إسلامية خلال المائة السنة الماضية، والمائتي السنة الماضية، صنعوا طوائف جديدة كالوهابية، والبهائية، والقاديانية، صنعوا هذه الطوائف، طوائف إسلامية.

لماذا يحاربون القرآن؟ لأنهم يعرفون أن القرآن الكريم هو وحده، هو وحده الذي يستطيع أن يبني أمة واحدة، هو الذي يستطيع أن يبني أمة قوية، وأن لغته اللغة العربية التي هي أساس من أسس فهمه يجب أن تحارب، يجب أن تقصى، أن تعمم بدلاً منها اللغة الانجليزية، أن نترك الشباب يشعرون بإعجاب، بعظمة، عندما يتعلمون اللغة الإنجليزية.

حرب شعواء ضد اللغة العربية؛ لأنها لغة القرآن الكريم، وأن الله سبحانه وتعالى قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}(الشعراء195) {قُرْآناً عَرَبِيّاً}(يوسف2) أكثر من ثلاث آيات تحدث الله عن القرآن أنه عربي، باللغة العربية، بلسان العرب.

فنون أخرى لا يتعرضون لها، فنون أخرى مما يقطع الكثير منا أوقاتهم وهم منهمكون في دراستها لا يتعرضون لها، حتى وإن كانت باسم علوم إسلامية، حتى وإن قدمت في أوساطنا بأنها من آليات فهم القرآن الكريم، من آليات استنباط الأحكام الشرعية، من آليات كذا. لا يتعرضون لها، يرون أنها تخدم القضية.

القرآن الكريم، وأكرر؛ لأنهم يعلمون أنه كتاب يستطيع أن يصنع أمة واحدة، وأن من يلتفون حوله لن يفترقوا، لن يختلفوا، سيكونون كما قال الله: معتصمين بحبل واحد، عندما قال: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}(آل عمران103) ركزوا حربهم على القرآن الكريم.

هناك فنون أخرى – كما قلت – لا يتعرضون لها، يرونها أنها تساعد في خلق فرقة في أوساط الناس، وتعدد في أقوالهم، واختلاف في وجهات أنظارهم، وتخلق لدى كل شخص منهم مشاعر انفرادية، استقلالية؛ فيظل لوحده، يدور حول نفسه، لا يفكر في أن يذوب في الآخرين، فيكون مجسداً لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}(التوبة71).

حاولوا مع ذلك لما وجدوا أن هذه الفنون بعضها تخدم، تخدم أهدافهم، تفرق، تمزق الصف الواحد، أضافوا شيئا آخر: حرية الرأي والرأي الآخر، حرية الاعتقاد، حرية الكلمة، حرية الصحافة، حرية، حرية!.

ما هذا الذي نزل في الساحة؟ من أين جاء هذا؟ ألم يأت من عند الأمريكيين؟ من عند أعداء الإسلام والمسلمين؟ هل قدموا هذا حرصاً منهم علينا، أو رحمة منهم بنا، هم يسهرون علينا، يسهرون نومهم من أجلنا؟! لا، هم كانوا في الماضي يُعدّون هذه الأمة للحظة التي يمكن أن ينقضوا عليها.

وهو ما هو حاصل الآن، هو ما هو حاصل الآن، بعد أن قلنا: اجتهادات، وترجيحات! قالوا: وسنزيد لكم، أنتم معكم من داخل المساجد هذه الفكرة، وأيضاً سنزيد لكم، لازم، حرية الأحزاب، أحزاب متعددة، حرية الكلمة، حرية الرأي والرأي الآخر، حريات، حريات، حريات، وهم يعرفون أن النتيجة في الأخير ماذا؟ تفرق، تفرق، تجزء، لما نصبح قِطَع، وفي الأخير يهاجموننا بمنطق واحد، بموقف واحد، ألم يحصل هذا؟ يعبر عنهم زعيم واحد [بوش]، ويتحرك بموقف واحد، تحت اسم: [مكافحة إرهاب].

وهنا أقفلوا كل هذه الأشياء التي كانوا يقولون لنا: حرية، وأشياء من هذه، ألم تقفل الآن؟ يقول زعماء العرب: نريد أن نجتهد في تفسير كلمة: إرهاب، ممنوع، أُغلق باب الاجتهاد، أغلقوا باب الاجتهاد! رجال يعرفوا كيف يشتغلوا.

لا أعتقد أن هناك أغبى منا نحن العرب، نصدق، حرية، حرية، وكل واحد ذهب لوحده، اجتهاد، آراء، أقوال، أحزاب، كذا.. الخ، وفي الأخير يهجمون علينا، نرى أنفسنا في الأخير، ما الذي نحتاج إليه؟ ألسنا الآن نحتاج إلى الموقف الواحد، في مواجهتهم، أو نحتاج إلى مزيد من الأحزاب، ومزيد من الاجتهادات، ومزيد من الرأي، والرأي الآخر؟ ما الذي نحتاج إليه؟ أي إنسان منا مهما كانت ثقافته محدودة يفهم أن الذي يحتاج إليه العرب الآن، يحتاج إليه المسلمون اليوم هو ماذا؟ موقف واحد في مواجهة أولئك، شخص واحد يقود هذه الأمة في مواجهة أولئك، كما ظهروا علينا برجل واحد، يعبر عن ذلك العالم الغربي بكله، وموقف واحد، وتحرك واحد. ما هذا الذي حصل؟

نحن في أمس الحاجة إلى شخص واحد يمثل هذه الأمة، يقول لـ[بوش]: لا. هل هناك أحد في العالم العربي؟ لا، لا يوجد أحد، لا يوجد أحد رجل واحد، زعماء متعددين، دول متعددة، وداخل كل دولة آراء متعددة، وأفكار متعددة، إلى آخر القائمة، بالسكين يقطعوننا قطع، قطع.. إلى آخر قطعة، فنبدو قطعاً مبعثرة، متناثرة.

ألسنا بحاجة إلى موقف واحد في مواجهة ما ظهروا علينا به تحت عنوان مكافحة الإرهاب؟ هل تسمعون هذا الكلام؟ مكافحة الإرهاب؟ ألسنا بحاجة إلى موقف واحد يمثل الأمة في مواجهة هذا؟ هذا معدوم. أليس معدوماً؟ رجل واحد معدوم، موقف واحد منعدم، ماذا نحتاج إليه؟ نحتاج إلى الشيء الذي فقدناه تماماً. لماذا هم في الأخير، وهم من كانوا في الماضي يسمون أنفسهم: رعاة الديمقراطية، حماة الديمقراطية، دعاة الديمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان.

ما هذا شيء معروف؟ لماذا هم تنكروا للديمقراطية؟ في الأخير تنكروا لها، كانت عنوان من أجل أن يبعثرنا، داخل الديمقراطية أحزاب متعددة، متباينة، حزبية مفتوحة، كل 15، 20 يتحزبوا لوحدهم مقبول، والصحف تشتغل، والرأي، والرأي الآخر، وهكذا إلى آخر القائمة. ثم في اللحظة الأخيرة التي يريدون أن يهيمنوا على هذا العالم بكله، وبعد أن أمِنوا بأنه ليس هناك موقف واحد أمامهم، ليس هناك موقف واحد من داخل هذه الأمة، وليس هناك رجل واحد يقود هذه الأمة، فيقف أمامهم؛ عرفوا أن هذه هي اللحظة، هي الفرصة السانحة التي ينقضون فيها علينا، فيهيمنون هيمنة مطلقة.

ألسنا نسمع أن زعماء العرب يحاولون أن تسمح لهم أمريكا أن يجتهدوا مرة في تفسير الإرهاب، ما هو الإرهاب الذي يجب أن نقف مع أمريكا في محاربته؟ لم يسمحوا لهم أن يقدموا تعريفاً للإرهاب أبداً، وما بقيوا هم يجرؤون على أن يجتمعوا فيعقدوا اجتماع، أو على أن يتبنوا موقف واحد.

كل هذا فقدناه، كل هذا فقدناه؛ لأننا إن مشينا وراءهم، لن نمش وراء ديننا هذا الذي أكمله الله لنا، الذي أتمه لنا، الذي رضيه لنا سبحانه وتعالى. هذه النـزعة ما تزال قائمة ربما في نفوس طلاب علم يأتي من يقول له: [يا أخي أنت لك آراءك، وحريتك، والمفروض تكون كذا، وتمشي على ما طلع في نظرك و.. و..] الخ، أنا أفكر هكذا، وزميلي يفكر هكذا، وآخر هكذا، وكل واحد يقول هكذا يعني: هذا هو المطلوب، هذا هو المشروع، وهذا هو المفروض! نحن بعد لم نفهم أين وصلنا، ونحن بعد لم نفهم ما يدور حولنا، ونحن بعد لم نفهم ما يراد لنا من جانب أعدائنا.

لهذا نقول: إنما يجب أن نسير عليه هو أن نسير من أجل أن نثقف أنفسنا ثقافة قرآنية، كل مراكزنا، كل خطاباتنا، كل توجيهنا، كل أعمالنا تدور حول أن نتثقف ثقافة قرآنية. لن يحمينا من أعدائنا إلا العودة إلى القرآن الكريم، لن يبقي العلاقة قائمة بيننا وبين ديننا إلا القرآن الكريم، لا يمكن أن يدفع عنا أيضاً إلا القرآن الكريم إذا ما عدنا إليه.

ذلك الكتاب الذي يقول: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} هذه الكلمة هل هي تساوي كلمة: [كل واحد يمشي على رأيه واجتهاده ونظره]؟ هل هي سواء مثل كلمة: [الرأي والرأي الآخر]؟ هي سواء؟! ليست سواء، كلمة: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} تختلف اختلافا كبيراً عن كلمة: حرية الرأي والرأي الآخر، عن كلمة: حرية الاجتهاد، تختلف اختلافاً كبيراً. تلك تبني أمة وتوحدها، وهذه تمزق أمة وتشتت صفها.

نحن في وضعيتنا هذه – وهذا هو السؤال الأول، وكل واحد سيعرف الإجابة تقريباً – إلى أي شيء نحن محتاجون؟ إلى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} أو إلى العناوين الأخرى: حرية الاجتهاد، وحرية الرأي والرأي الآخر، وحرية التحزب؟.

ما الذي يمكن أن يجعلنا أقوياء في مواجهة أعدائنا؟ هل أن نكون على النحو الأول: معتصمين بحبل الله جميعاً، غير متفرقين، أم أن نكون فِرَق، آراء متباينة، فرق متعددة، أفكار متعددة، كل واحد يعرف، بل كل واحد من الناس، حتى نعرف أننا أحياناً نرضى لديننا بالشيء الذي لا نرضاه لقبيلتنا، أي شيخ في القبيلة، أي إنسان عاقل في قبيلة يقول للقبيلة: المجال مفتوح، الرأي والرأي الآخر، وحرية الأشوار، وكل واحد يمشي على ما طلع في رأسه؟!.

هل هذا مسموح؟ أو أن الناس دائماً يقولون: [ما جهدنا نكون رجال إلا إذا كلمتنا واحدة] ما الناس هكذا يقولون؟ [إذا ما كلمتنا واحدة، إذا ما معنا شور واحد، إذا ما انطلقنا انطلاقة واحدة ما احنا معتزين في موقف، ولا احنا واقفين موقف يشرف] ما هكذا منطق الناس؟.

متى ما أحس عقال القبيلة أن هناك من يقدمون في القبيلة أشوار متعددة، يأتي ميعاد، وكل واحد طلع بشوره من هناك، كل واحد مصمم على رأيه، وكل كذا.. ماذا سيقولون في الأخير؟ سيقولون: [ما احنا ناجحين أبداً، واحنا كل واحد شوره من قرنه، احنا معنا شيخ احنا معنا كبير، احنا معنا كذا.. ولازم تجتمع كلمتنا].

وقواعد القبيلة كلها أقرأوا قواعد القبيلة، ما هي على هذا الأساس: كلمتنا واحدة، ريالنا واحد، موقفنا واحد، وكذا كذا.. الخ، ويجعلون لهم شيخ واحد، يقولون: [إما وقد كل واحد شيخ نفسه فاحنا سنضع].

هكذا منطق الناس، لكن أما في الدين نقول: لا، الدين قال لنا كذا وكذا! الآخرين قالوا: واتفضلوا أيضاً سنزيد لكم، وسنعطيكم حرية تحزب، تحزبوا، كل واحد يتحزب من عنده، وأيضاً سنعطيكم حرية الرأي والرأي الآخر، وحرية الاعتقاد، حرية كذا، حريات، حريات، حريات.. الخ. وهي عبودية في الأخير.

ما ذا يعني؟ أليس العرب الآن في مقام العبودية أمام الآخرين؟ مقهورين، مستذلين، مستعبدين؟. أليس هذا هو الواقع؟ هل نفعتنا عناوين الحرية هذه؟ هل نفعتنا؟ عندما ضيعنا الاعتصام بحبل الله جميعاً لم تنفعنا العناوين التي قدمناها نحن من خلال فنون معينة، وأضاف وباركها الأعداء أيضاً بأساليب أخرى.

هل تحقق لنا حرية أو تحقق ماذا؟ عبودية؟ هل تحقق لنا عزة أو تحقق لنا ذلة؟ هل رفعة أم ضعة؟ هل فلاح ونجاح أم خسارة وضياع؟ هذا شيء معروف. إلا إذا كان لا أحد منكم مثلاً يعرف ما يدور في هذا العالم الآن، ولا يفهم ما يراد للمسلمين اليوم.

يجب أن نعود إلى القرآن الكريم، أن نعود إلى القرآن الكريم، وأن نتفهم عظمة هذا الدين، وأن نتفهم حاجتنا إلى هذا الدين، نحن محتاجون إليه أكثر من حاجته إلى أن ندافع عنه. نحن محتاجون إليه لدرجة أن الله سبحانه وتعالى جعل الجهاد في سبيله {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(الصف11) ألم يقل هكذا؟ أنه حتى الجهاد الذي تبدو فيه وكأنك مدافع عن دينك، يقول: هو في الأخير كله خير لك إن كنت تعلم {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.

هذه هي مقدمة؛ لنفهم منها ضرورة العودة إلى ثقافة قرآنية تصنع أمة واحدة، وموقف واحد، ومنهج واحد، واتجاه واحد. هذا هو ما نحتاج إليه في مواجهة أعدائنا، وإلا فسنكون خاسرين في دنيانا، أعداؤنا يتغلبون علينا، يهيمنون علينا، ينتهبون ثرواتنا، يغلقون مدارسنا، يهينوننا، ويذلوننا بأقصى ما يمكن أن يعملوه، على أقصى ما يمكن أن يعمله عدو ضد عدوه؛ لأن أولئك هم أعداء. قال الله عنهم وهو يذكر في القرآن الكريم عند قوله: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}(آل عمران: من الآية119).

ماذا يمكن أن يصنع بك العدو الذي يعظ على أنامله من الغيظ عليك؟ هذا حديث عن أهل الكتاب، عن اليهود والنصارى، لا يمكن أن ينجينا من الإهانة، من الذل، من القهر، من الضعة التي قد نتعرض لها أكثر مما قد حصل إلا العودة إلى القرآن الكريم، والاعتصام بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا، كما قال الله سبحانه وتعالى. إنما أريد أن يكون عبارة عن مقدمة للحديث.

قد تكلمنا في العصر حول أهمية أن يكون الإنسان مساهماً في أي مجال يكون فيه إعلاء لكلمة الله، نشر لدين الله، مركز يبنى، توسيع مركز، أشياء من هذه، تكلمنا عنها.

نحن نريد أن نتحدث معكم، ولا نريد أن يكون الكلام دائماً نستبد به، نريد أن نسمع منكم، أن نعرف هل لدى الناس قناعة أن تكون كلمتهم واحدة؟ هل نحن نفهم أن ديننا يقول: لا يتحقق إيماننا، لا يتحقق لنا على صعيد الواقع الإيماني، لا يتحقق إيمان إلا إذا تحققت لنا وحدة، إلا إذا كنا هكذا: بعضنا أولياء بعض، إلا إذا كنا إخوة، بغض النظر حتى لو لم يكن هناك عدو، إنه لا يتحقق الإيمان لأمة متفرقة، لا تسمى مؤمنة، لناس متباينين لا يسمون مؤمنين.

من مصاديق الإيمان الهامة، والعظيمة: وحدة الكلمة {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}(التوبة71) ما ذا يعني أولياء بعض؟ صف واحد، موقف واحد {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(الحجرات10) عبارة واضحة، أخوة إيمانية، هي أقوى، وأمتن من أخوة النسب، من أخوة الرحامة، من أخوة القبيَلة، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.

نحن بحاجة إلى أن نتوحد حتى يكون إيماننا صادقاً (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا) أليس هذا حديث نردده؟ طيب: عندما نجلس في مراكز كهذه، ونحن نتعلم، نتعلم دين الله أليس كذلك؟ ثم لا نفهم أن دين الله لا يتحقق لنا فيقال: نحن قد أصبحنا ملتزمين به، نحن أصبحنا نستحق أن نحمل اسم إيمان ونحن بعد لا نعطي هذه المبادئ أهمية: وحدة الكلمة، الموالاة فيما بين المؤمنين، الأخوة.

فلا يعتبر كل عملنا هذا يمكن أن يحقق لنا إيماناً ونحن بعد لم نقتنع بضرورة أن نصل إلى هذه الدرجة: أمة واحدة، أخوة إيمانية، بعضهم أولياء بعض.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً إلى ما فيه رضاه، ونواصل الحديث معكم بطريقة مفتوحة

والسلام عليكم ورحمة الله

 

المراكز الصيفية هي مدارس علمية، مدارس دينية، قد تتعرض لحالة من عدم التفاعل معها من قبل الناس مثلاً بالشكل المطلوب، بل ربما قد يكون حتى من بعض العاملين، و من بعض الطلاب الذين يدرسون فيها.

كل هذا يعود إلى ما كنا نتحدث عنه، ما هناك شعور بأهمية القضية هذه، بأهمية الدين، بعظمة الدين، بنعمة الدين، بجاذبية الدين، بحاجتنا الماسة إلى الدين، في الدنيا والآخرة، فكل عمل ديني لا يكون هناك اهتمام كبير به عند كثير من الناس، هذا الشيء ملحوظ.

الشيء الثاني: قد يحصل أحياناً في المنهجية نفسها، إذا لم ننطلق انطلاقة قرآنية سنغلط في كل شيء، سنغلط في كل شيء.

ولا حظوا الآن وزارة التربية والتعليم، والحكومة بكلها فيما يتعلق بالمناهج الدراسية، أربعين سنة ما قد استقر المنهج الدراسي، أربعين سنة!. مازال الآن المنهج تجريبي، مازال الآن هذا المنهج تجريبي هكذا يقولون عنه الآن، وعاد هناك أفكار، عادهم يريدوا يحاولوا يجربوا بعد!

هكذا، هكذا إذا انطلق الإنسان هو دون أن يهتدي بالله سبحانه وتعالى، وبهدي الله سيغلط، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الثقافية، الفكرية، القانونية، الأشياء التي تنتهي في الأخير إلى نُظُم في الحياة، أو توجهات لدى الإنسان في هذه الحياة.

وحتى في المراكز، وحتى لو قلنا نحن: نتعبد لله سبحانه وتعالى بالعمل فيها، ونريد أن نسهر من أجل أن نعمل منهجاً دراسياً فيها، كائنا من تكون أنت، ولتكن عبقريتك كيفما كانت، وليكن إخلاصك كيفما كان، ولتكن حسن نيتك كيفما كانت، ستغلط، ستغلط إذا لم تعتمد القرآن الكريم، إذا لم تعرف بعد القرآن الكريم أن له منهجاً تربوياً متكاملاً، لديه مناهج متعددة، لديه مقاصد هامة.

في الماضي كنا نسمع في بعض المراكز هنا إذا قلنا: لازم يكون هناك اهتمام بالقرآن الكريم، قالوا: عندنا زحمة برامج، زحمة البرامج على حساب القرآن الكريم! يعني: هذا فشل لا شك فيه، (( ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله)) كما قال رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو يتحدث عن القرآن: (( ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله)) سيضل ولو بحسن نية، ولو بإخلاص. قضية حسن النية ليست تعصم عن الوقوع في الغلط، عن الوقوع في الخطأ.

بالأمس تحدثنا حول هذه النقطة: كيف أن الله سبحانه وتعالى قال لنبيه (صلوات الله عليه وعلى آله): {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} يقول لنبيه الذي اصطفاه وأكمله: استقم، ومن تاب معك.

قد يقول واحد منا لآخر: استقم يا أخي أنت والسفهاء الذين معك، استقيموا، واسبروا، وامشوا مشية الناس. ما الله يقول لنبيه: أنت ومن تاب معك، مع الناس الطيبين، الجيدين، استقيموا. ما معنى استقيموا؟ هل هم فسول، أو هم يلاحقوا السفهاء، أو يسيروا مع السيئين. استقم كما أمرت على المنهج الذي تؤمر به، طبق حرفياً، والتزم حرفياً، لا تتجاوز وإلا ستغلط.

عندما يقول له: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} أليس الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من أشد الناس عداوة للظالمين؟ وأشد، وأعظم الناس كراهية للظلم والطغيان؟ {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}؛لأن كل هذا ممكن أن يحصل مع حسن النية، وبسبب حسن النية، تعرفون هذه؟.

إذا ما انطلق رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وقال: عندما يقف واحد موقف يبدو متشدد، فيمكن أن يكون الآخرين هناك متشددين، نحاول يكون عندنا مرونة قليل، نحاول حوار، نحاول نتنازل عن بعض أشياء، وهم يتنازلون عن بعض أشياء، ونلتقي في الوسط، وتكون الساحة هادئة، ونكون متأقلمين مع بعضنا بعض.

هذه الأفكار تحصل الآن داخلنا نحن في الهيئة الإدارية للمراكز الصيفية، يقول البعض: نحاول نقرب من الحزب الفلاني، نقرب من الدولة الفلانية، من أجل أن يزيدوا لنا دعم، من أجل كذا، من أجل كذا، نحاول نسكت عن بعض أشياء، نتنازل عن أشياء، نوقف مواقف معهم في كذا أشياء.. الخ بماذا؟ بحسن نية، من أجل أنه نحاول أيضاً يساعدونا، ويدعموا مراكزنا، ويحصل لنا مدري ماذا؟ ونستطيع نبني، ونستطيع نمول، ونستطيع يكون عملنا هذا كبيراً!. هكذا قد يقع الإنسان في الغلط مع حسن النية.

– لا يمكن لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) – هكذا: هواية، أو عصيان، أو عدم اهتمام – أن يميل إلى الظالمين. ألم يقل الله: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} لكن قد يركن الإنسان إلى ظالم، عندما ينطلق من حسن نية، وإخلاص للعمل الذي هو فيه أيضاً، للعمل الذي هو فيه، فيقول – كما قلت سابقاً – عندما نكون متشددين، وذولاك متشددين، نحاول قليل نقرب من بعضنا بعض، ونميل إليهم قليلاً، ونتأقلم معهم قليلاً!

لو فكر رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هذا التفكير لكان قد مال إلى الظالمين. أليس كذلك؟ هل يمكن أن يميل رسول الله إلى الظالمين؛ لأنه من أجل مصلحة شخصية؟ لا، أو من أجل أنه لا يبالي بقضية الظلم، ولا يكره الظلم؟ لا؛ لنفهم أن حسن النية أيضاً، أن الإخلاص أيضاً، كل شيء لا يعصمك عن الوقوع في الخطأ إذا لم تنطلق انطلاقة قرآنية، إذا لم تعتمد القرآن، وأنت تعمل منهجاً للمراكز هذه، إذا لم تعتمد القرآن وأنت تثقف الناس في هذه المراكز، إذا لم تعتمد القرآن وأنت تخاطب الناس في مساجدهم، إذا لم تعتمد القرآن وأنت تكتب، وأنت تحقق، وأنت تسجل، وأنت، وأنت، ستضل، ستغلط.

والغلط في هذا المجال لا يغتفر، الغلط في هذا المجال تبرز آثاره السيئة؛ لهذا ظهر في الأخير نوع ارتباك في المراكز، أو في بعض المراكز، وحصل اختلاف في وجهات النظر، وتعدد في الأقوال، والآراء. ناس يريد ينفتح كذاك، وعنده أن هذه هي الطريقة الصحيحة، نتأقلم مع العصر!.

هو لا يفهم العصر، العصر إذا أنت تريد أن تتأقلم مع هذا العصر، منطق العصر هذا هو منطق القوة. كن قوياً، ابنِ أُمّةً قوية، هو عصر التكتلات في جانب الأعداء لضَرْبِنا.

الرئيس الأمريكي، وزير الخارجية الأمريكي، نائب الرئيس الأمريكي، يتحركون، لا يأتي مؤتمر في شرق آسيا، وفي جنوب آسيا، إلا ويهاجموه، نريد توقعوا لنا على هذه الورقة، نكافح الإرهاب، قالوا: معك. يأتي مؤتمر في أي بلد، وراح إليه! يلحقون حتى ليبيا التي هم حتى معادين لها زمان! خلاص نتسامح، نريد فقط توافقي معنا على مكافحة الإرهاب.

التكتلات، القوى، الموقف الواحد، الخطة الواحدة. هذا هو منطق العصر. هل نظن أن منطق العصر هو الرأي والرأي الآخر؟ والأشياء من هذه، الحريات، والانفتاحات، وأشياء من هذه. العصر عندما يقولون: العصر، والحضارة، ألسنا نصرف أذهاننا إلى الغرب، إلى بلدان أوربا، وأمريكا، وتلك الجهات، منطقهم اليوم هو منطق الكلمة الواحدة، الموقف الواحد، التكتل لضرب المسلمين، وأنت مسلم.

هل تريد أن تتعامل مع هذا العصر؟ هل تريد أن تتصرف بمنطق العصر؟ ابنِ نفسَك، ابنوا أمة واحدة، كتلة واحدة، موقف واحد. هذا منطق العصر، سيتفرق أي ناس، في أي مركز، أو معلمون، أو طلاب، إذا لم ينطلقوا انطلاقة قرآنية، ويتحركون وكل واحد همه نفسه، يظن أن الله ما جاء بالإسلام كله إلا من أجله يحقق له طموحاته، يطنن كيفما يريد، وينطلق كيفما يريد، ويمشي كيفما يريد، ولا هو بعد أحد.

[لماذا لا تتأسى] بنبي الله، فما رأيت الله سمح به لنبيه فلا تتجاوزه لنفسك. أليس هذا قد هو أقل شيء؟ لا، البعض يريد أن يكون من رسول الله وكذاك! هل هذا ما يزال منطق معقول؟ هل هذا موقف مقبول؟ لا.

الله قال لنبيه (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو الذي يتنـزل عليه الوحي مباشرة، جبريل ينـزل، مع هذا ماذا قال له؟ سرد له قائمة من الأنبياء ثم قال له بعد: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(الأنعام: من الآية90) امش على طريقتهم، امش بعدهم، اعتبر نفسك واحد من هذه السلسلة، تمشي في هذا الاتجاه، وتمشي بعد هؤلاء.

طيب لماذا تقول لي هكذا وأنا ما بيني وبينك إلا جبريل؟ وهذا هو الواقع. هل كان بين الله وبين رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو يتنـزل عليه الوحي إلا جبريل؟ فيما نعلم إلا جبريل، ومع هذا ما قال رسول الله: كيف تريد مني أولاً أمشي بعد هؤلاء إلى هناك، وأعتبر نفسي تابعاً لأولئك، وقد هذا ما بيني وبينك إلا جبريل؟ هذه سنة الإلهية: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}.

الآن تقوم تربية في بعض المناطق، في بعض المراكز، توجيهات لبعض الشباب أنه ولا حتى ما أوجب الله على رسوله يمشي عليه، ما يمشي بعد أحد، ولا يتبع أحداً، ولا ينطلق وراء أحد إطلاقاً! هو فقط، وما طلع في رأسه، ما وصل إليه اجتهاده يجب على الله أن يقبله! هذا هو المنطق، يجب على الله أن يقبله.

منطق: [كل مجتهد مصيب] هذا المنطق يقضي بأن الباري ما معه إلا هذا الذي يطلع في رأسي يقبله، أتعبده به، وقد قالوا هكذا، وقالوا: أن مراد الله تابع لمراد المجتهد، عليه أن يقبل ما أدت إليه أنظارهم!. لماذا يا جماعة؟ قالوا: ما معه إلا هكذا! يا جماعة الله قدم لرسوله قائمة وقال له: امش بعدهم، وهو في نفس الوقت يوحي إليه، يوحي إليه مباشرة، بواسطة ملك من ملائكته.

هذا المنطق هو الذي سيفرق الأسرة الواحدة، خلي عنك القبيلة الواحدة. لو ينشأ الطلاب في قبيلة واحدة على هذا النحو لما بقي لا دين ولا حتى قبيَلة. أتحدى طلاب ينشأوا على هذا الروحية أن يبقوا قبائل، تجتمع كلمتهم على موقف يشرفهم كقبيلة واحدة، لا يجتمع لهم رأي، يطلعوا كلهم، كل واحد رأيه من قرنه، لا يجتمع لهم شور، وكل واحد عنده أنما طلع في رأسه هو الصواب! فلا يجتمع للناس شور، لا في قبيَلة، ولا في دين.

ما كل الناس يفهمون الآن أمام العدو أنهم بحاجة إلى موقف واحد، إلى رأي واحد، إلى كلمة واحدة، كلهم يقولون هذا؟.

 

س – هل هناك فرق بين التشيع والتبعية؟ وهل يوجد للتبعية أصل في المذهب الزيدي وماذا يعني انتماءنا إلى العلماء؟

ج – قاعدة عامة يجب أن تفهموها إذا لم تصح معرفة الإنسان لله سبحانه وتعالى ستظل الإشكالات دائماً تتابعه، مشاكل دائماً، لو يقرأ ثمانين سنة، افهموا هذه: لو يجلس يقرأ ثمانين سنة، تبقى معه إشكاليات، تتعمر عمره، ما يتخلى منها، ولا يتخلص منها. إذا صحت لنا معرفة الله سبحانه وتعالى سيصح لنا كل المعارف الأخرى، مثلاً إذا كنا نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو إلهنا، وملكنا، ألسنا نؤمن بهذا؟.

ونحن نؤمن في المقابل أننا ماذا؟ عبيد الله، أليس هذا هو الذي نؤمن به؟ طيب: نقف عند هذا، ونتفهم المسألة جيداً، مادام الله هو ملكنا، وإلهنا، ونحن عبيده، هو ملك السموات والأرض، ونحن عبيده، مملوكون له، ما ذا يعني؟ أليس هذا يعني أنه يجب أن نسلِّم أنفسنا له؟ أن نعبِّد أنفسنا له، أن نقبل ما يهدينا إليه، ما يوجهنا إليه، ما يرشدنا إليه، ما يأمرنا به، ما ينهانا عنه؟ أليس هذا هو منطق العبودية لله سبحانه وتعالى؟ هذا هو منطق العبودية لله. فمتى ما آمنت بالله على هذا النحو، وعبدت نفسي لله.

واقرأوا القرآن الكريم كيف يرسخ هذا المفهوم عند الناس، حتى عند أنبيائه، أن عليهم أن يستشعروا أنهم عبيد له، ونحن نقول، نشهد بعبودية رسول الله أكثر مما نشهد بعبودية أنفسنا لله، نصلي كل يوم عدة مرات، ونقول في تشهدنا: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ألم يعلمنا رسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أن نشهد بعبوديته لله؟ فكيف تنسى أنت عبوديتك لله! رسول الله يقول لك: اشهد كل يوم بأني عبد لله، ثم أنا يجب أن أفهم بعد عندما لا بد أن أشهد أن محمداً عبد لله سبحانه وتعالى إذاً فأنا من أنا بالنسبة لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) هل يمكن أن استنكف عن عبادة الله؟ هل يمكن أن أرى نفسي فوق رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ أعلى منه؟ لا.

في الوقت الذي أنت تشهد أن محمداً عبد لله يجب أن تفهم أنك بالأولى أن تكون عبداً لله، فلا تستنكف عن عبوديته. ماذا يعني أنني عبد لله؟ ما يأتي من جانب الله يجب أن أقبله؛ لأنني عبد لمن؟ عبد لرحمن رحيم، عبد لحكيم عليم، لست عبداً لطاغية، لست عبداً لجبار من جبابرة الأرض، يأمر، وينهى، ولا يفكر فيمن يأمرهم وينهاهم.

أما الله سبحانه وتعالى فهو عندما يقول لي: انطلق على هذا الأساس، تقبَّل هذا الشيء، سر على هذا النحو، فإنه هو الذي يعلم المصلحة لي، ولجميع البشر من حولي، وأنا من يجب أن أفهم أنني عبد له فأتقبل منه ذلك، وإذا لـم نرسخ في أنفسنا العبودية لله سبحانه وتعالـى فسنكون ممن قـال الله عنهم: يستنكفون عن عبادته {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} (النساء: من الآية172) ولا الملائكَة المُقَرَّبون لا يستنكفون أن يكونوا عبيداً له.

ما معنى لا يستنكفون أن يكونوا عبيداً له؟ متى ما أمرهم بشيء سينفذونه، عندما قال الله سبحانه وتعالى، أوحى إلى الملائكة أن يسجدوا لآدم، ألم يسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس؟ ألم يحصل هذا؟ لماذا؟ لأن الملائكة يعيشون هذا الشعور: بأنهم عبيد لله، فهم لا يستنكفون عن قبول أي أمر يأمرهم به، وسيسلِّمون لله، ويعملونه بطيبة نفس، {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ}(البقرة: من الآية34) ما الذي دفع الملائكة؟ عبوديتهم لله، ما الذي جعل إبليس يرفض السجود لآدم؟ ما الذي جعله؟ هو أنفته، وكبرياؤه. أي هو لم يعبِّد نفسه لله، هو لم يكن صادقاً في عبوديته لله، فدفعه ذلك، أو أدى به ذلك إلى أن يصبح ماذا؟ ملعوناً مدحوراً مذموماً إلى آخر أيام الدنيا، يهتف البشر بلعنه.

أهم نقطة أن نفهم أن علينا أن نعبِّد أنفسنا لله سبحانه وتعالى، ثم آتي بعد وأنا أنظر إلى الأشياء، أنظر إلى سنة الله سبحانه وتعالى في هداية عباده، سنة الله في تشريعه لعباده سبحانه وتعالى، أنظر إليها من منظار أنني عبد لله كيف سنته، كيف سارت سنته في خلقه، أتقبلها بسهولة.

من هذا المنطلق ارجع إلى القرآن الكريم، كيف خاطب الله في القرآن الكريم رسوله محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي أمرنا أن نشهد كل يوم عدة مرات أنه عبد لله، ألم يقل له: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ}(الأنعام106) ألم يقل هو: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} هذا بالنسبة للنبي مع الله.

بالنسبة للناس في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، والقرآن ينـزل بلغتهم، ماذا قال لهم؟ ألم يأمرهم بأن يطيعوا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ أن يتبعوه؟ أليس هذا هو منطق القرآن؟ بعد ثلاثة وعشرين سنة من العمل من جانب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مع أولئك الناس، بعد ثلاثة وعشرين سنة من العمل، وبعضهم قد افترق خمس عشرة سنة، أو عشر سنين على اختلاف فوارق إسلام بعض الناس عن بعض، وبعد ذلك كله هل قال لهم: كل واحد أما الآن قد هو رجَّال، ولي مدرس لكم ثلاثة وعشرين سنة، وكل واحد قد هو فاهم، وخاطركم، كل واحد يمشي على ما طلع عنده، وما رآه أنه الحق يمشي عليه. هل قال لهم هكذا؟.

ارجعوا إلى كتب الحديث حتى نفهم هل قال للناس هكذا أم قال لهم ماذا؟ أمرهم بأن يتمسكوا بالإمام علي، في يوم الغدير، في إعلان عام، أبدى فيه كلما يمكن من وسائل التبليغ، أظهر فيه كلما ما يمكن أن يكشف عن أهمية قضية يبلغها، عندما قال للناس: (أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا: بلى يا رسول الله قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله).

الله سبحانه وتعالى قال لرسوله: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}(الأحزاب6) إذا أمر يجب عليهم أن يطيعوه، إذا هداهم إلى شيء يجب عليهم أن يتقبلوه، إذا نهاهم عن شيء يجب عليهم أن يرفضوا هذا الشيء الذي نهاهم عنه، ثم يقول نفس الشيء في الإمام علي، يقول لأولئك الناس الذين عمل معهم سنين طويلة: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ويقول لهم: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي) حديث الثقلين لا شك في صحته، لا أحد يدفعه من المحدثين إطلاقاً، وهو حجة من الحجج القائمة على الناس.

لماذا يأمرهم بالتمسك بالعترة مع القرآن الكريم؟ لماذا ما سمعنا منه أن يقول لهم: [خاطركم أما الآن قد انتو رجال وقلنا مدرسين لكم ثلاثة وعشرين سنة، قد انتوا رجال وكل واحد يمشي على ما طلع في رأسه، وكل واحد ما رآه أنه الصواب مشى عليه] هل حصل هذا؟ أمرهم أن يسيروا بعد الإمام علي، أمرهم أن يتبعوا الإمام علياً، أمرهم أن يتمسكوا بعترته كتمسكهم بالقرآن الكريم.

هذا ما حصل، فيما يتعلق برسول الله مع الله، فيما يتعلق بالناس مع رسول الله، وفي توجيه الرسول للناس من بعده، عندما يغادر الدنيا. ما هو هذا؟ ماذا يسمى؟ يسمى اجتهاد؟ أو يسمى تقليد؟ أو يسمى ماذا؟ ماذا يسمى؟ إتّباع.

ثقافة الإسلام للناس أن يتبعوا كتبه، وأنبياءه، أن يتبعوا كتب الله، وورثة أنبيائه، أعلام دينه. هذه هي تربية القرآن الكريم، ولا أستطيع أن أقول أن هناك شيء آخر إطلاقاً؛ لأجل أن نكون مرنين، أو منفتحين مع آخرين، أنا أجزم بهذه: أن ثقافة الإسلام كلها قائمة بدءاً من النبي نفسه، ثم الصحابة، ثم من بعدهم كلها قائمة على الإتّباع، {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ}(يونس109)، {فَاتَّبِعُوهُ}(الأنعام155)، اتبعوا علي.

طيب: مِنْ بعد علي وكذا، هل نحن أرقى ممن كانوا في زمن النبي؟ هل نحن أعلى من النبي؟ هل نحن خارجون عن هذه القاعدة؟ لا يمكن، لا يمكن أن نكون خارجين عن هذه القاعدة، لو كان ما نسمح به لأنفسنا اليوم صحيحاً لسمح به الرسول لأصحابه من بعده، لما ألزمهم أن يتمسكوا بأحد، ولما ألزمهم أن يتبعوا أحداً، ترى كل واحد يمشي على ما أدى إليه نظره، واجتهاده. ما حصل هذا أبداَ.

المسألة هي أن السنة الإلهية كلها قائمة على هذا النحو: الإتباع، ويمكن يكون بعض الناس [يعلِّق] على العبارة هذه، أو يسخر من العبارة هذه، لكن نرجع إلى القرآن الكريم.

واحد من العلماء الذين كانوا من طلاب الإمام الهادي سأله شخص، هل أنت مجتهد؟ قال: لا، قال: أنت مقلد؟ قال: لا، قال: ما أنت إذاً؟ قال أنا لست ممن قال الله فيهم: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}(القمر3)، ولا ممن قال فيهم: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}(الزخرف22) لست من هؤلاء، ولا من هؤلاء. قال: فممن إذاً؟ جاء بآية توضح أنه لا بد للإنسان أن يسير وراء علم من أعلام دين الله. قال الآية هذه نزلت في رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) – هذه القصة هي مذكورة في كتاب: مجالس الطبري، الطبري أحمد بن الحسين، واحد من العلماء الذين درسوا عند الإمام الهادي (صلوات الله عليه) – قال هذه نزلت في رسول الله، ما نحتاج إلى أحد بعده، أو إلى علم آخر بعده. قال: إذاً أشكرك على هذا، كثر الله خيرك. قال: لماذا؟ قال: رفعت عنا الدين بكله، إذا كنا لا نحتاج إلى علََم نسير بعده، فالدين بكله لا يستقيم، وبالتالي لا نحتاج إلى الدين بكله إذا كانت المسألة هي على هذا النحو: كل واحد يمشي على[حسب ما توصل إليه نظره واجتهاده] فقال له: القضية ليست قضية اجتهاد، ولا المسألة مسألة تقليد، المسألة مسألة إتّباع. وتجدوا هذا هو منطق القرآن المتكرر، وهو يخاطب النبي، ويخاطب الناس.

إذا جوّزنا لأنفسنا ما لم يجوزه الله لنبيه، وما لم يجوزه النبي للناس في عصره، مع أن وجوده كان يشكل ضمانة، كان ممكن يخلي أصحابه يتمرنوا تمرينات سنة قبل أن يموت، اجتهادات وهو ما زال موجوداً؛ ليشكل صمام أمان. ما هذا كان هو الطبيعي؟ وجود النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، يشكل صمام أمان؛ لأجل إذا واحد غلط في اجتهاده يرجع إلى النبي، يقول له: لا، ما المسألة كذا.

فكيف نأتي نحن بعد غياب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ونفتح لكل واحد يجتهد، وليس هناك صمام أمان؟! هل نحن كالديمقراطيين على أقل تقدير؟ ألف عالم مجتهدين، وكل واحد له رأي، لكن هم يقولون في الأخير: يجب أن نجتمع في قاعة واحدة، ونصوت على رأي واحد، ونخرج بحكم واحد في المسألة الفلانية.

ليس هناك أي صمام أمان في المسألة، وليس هناك أي ضمانة إطلاقاً، كلها فوضى، بينما الديمقراطيين أنفسهم يحسمون موضوع الفوضى بضرورة ماذا؟ التصويت في قانون واحد، لمادة واحدة، في مجال التشريع، نُظُم وقوانين.

فالمسألة إذاً هي فيما نفهمها هي مسألة إتباع، وإتباع لمن؟ إتباع لأعلام دين الله، بدءاً من أنبيائه، ثم ورثة أنبيائه، من كانوا أعلاماً لدينه، وورثة لأنبيائه.

إذا عند أحد أي إشكالية في الموضوع يسأل، العيب الكبير أن يكون أي إنسان منطوي على شك، أو ارتياب، ثم لا يسأل، يستفسر، يناقش، إن استطعنا أن نجيب عليه، أو نوضح له المسألة، وإلا هناك علماء أكبر منا، وأفهم منا، وأعلم منا، وأي شخص يتأرجح في هذا الزمن، لا حظوا أي شخص يبقى متردداً، متأرجحاً فهو عنصر فاسد، في هذا الزمن بالذات لماذا؟ إن كان في مسجد سيظل المسجد قلقاً، إن كان في مركز سيظل المركز قلقاً.

نحن في مرحلة يجب أن نبني أنفسنا أمة واحدة، لا مجال فيها لمتعددي، ومتأرجحي الأقوال، والآراء، والأفكار، والمضطربين، يجب أن يجتمعوا هم لوحدهم، في بيئة واحدة، يفصلوا أنفسهم عن الناس، المتأرجحين، المترددين، المتشكيين، المضطربين، ليس هذا عصرهم، هذا الزمن في مواجهة أعدائنا لا يسمح لنا أن نكون على هذا النحو.

مركز نقيم فيه دورات، وكل ما جاء من سنة كلما طلعنا أكثر تفرق، وتباين في النفوس، هل هذا بناء لأمة، أو أن هذا هدم لأمة؟ ننطلق إلى مساجدنا، نختلف في داخلها كما اختلفنا في مدارسنا، ننطلق من كل قضية تواجهنا، نختلف أمامها، كما نختلف في مساجدنا، ومدارسنا، وهكذا.

معنى هذا ضرب لأمة، المرحلة هي مرحلة {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} فما يمكن أن يحقق لنا هذه نسير عليه، وكل واحد سيعرف أن الآراء المتعددة، الأفكار المتعددة، الاجتهادات المتعددة، الأشياء من هذه، تختلف مع: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاًً}، كما سألناكم في الكلمة السابقة، تختلف اختلافاً كبيراً.

وأنت عندما تتعلم، ثم لا تفهم كيف تخاطب الآخرين ممن قد يقدموا لك منطق: أنه لا، القضية الصحيحة هو: الحرية، والانفتاح، والرأي، والرأي الآخر، وهكذا، ثم أنت لا تستطيع أن تبين له، ولا أن ترد عليه قوله، لا يجوز، لا يجوز أن تنطلق كداعية، لا يجوز أن تبقى كمربي.

نحن يهمنا الآن فيمن يقومون على المراكز، أن يحاولوا ينمُّوا ثقافتهم، ينموا علومهم، أفكارهم، حتى يصلوا إلى درجة عالية، يستطيعون أن يردوا على كل من يطرح أشياء أخرى، يستطيعون أن يردوا عليه، يستطيعون أن يوضحوا له خطأ رأيه، خطأ قوله، ولن نستطيع أن نكون على هذا النحو إلا إذا اعتمدنا على القرآن الكريم.

بالنسبة للسؤال: هل هناك فرق بين التشيع والتبعية؟ وهل يوجد للتبعية أصل في المذهب الزيدي؟ أصله في القرآن، الغريب أن البعض قد يظن أن معنى أن أكون تابعاً، يعني: أكون [ثور]، ما أدري بشيء، ولا أفهم شيء، ولا تتسع معرفتي [ولا جو أنا غير بعدهم بعدهم] ما هكذا قد يظن الشخص؟.. العكس هو الصحيح.

عندما كان الله سبحانه وتعالى يقول للناس أن يتبعوا رسوله هل طلع من اتبعوه، وذابوا في شخصيته، واهتموا بكل كلمة تنطلق من فمه، وساروا على خطاه، هل طلعوا [أثوار]، أو طلعوا عباقرة؟ وطلعوا بحور علم؟ كيف كانوا؟ من هو أبرز مثال داخل صحابة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان ذائباً في شخصية الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يقفُ آثاره، كان كل كلمة من فمه لها أهميتها، يسير على خطاه، أليس هو الإمام علي (عليه السلام)؟.

هل الإمام علي طلع ثور؟ أو طلع ماذا؟ طلع عبقري، بَهَرَ البشرية كلها، كتب عنه المسلمون، وكتب عنه المسيحيون، وكتب عنه الكثير من البشر، الذين ليسوا ممن يدينون بهذا الدين، عبقريته، علومه، هذا هو نتاج ماذا؟ نتاج الإتباع، الذي يقول لك البعض: يريد يطلَّعه ثور، أطلع ثور، بينما وجدنا الآخرين، الذي يحمل الروحية هذه: أنه هو، هو، أنا جهدي، استقلالية، التي نسميها، يبني نفسه هو، ماذا طلع؟ طلع مثل عمر بن الخطاب، جاءوا يسألونه ناس عن غسل الجنابة، ما درى كيف يفتيهم في خلافته، طلع بجهالته أهلك هذه الأمة بجهالته، أهلك هذه الأمة بجهالته.

هل طلع عمر عبقري كعلي؟ أو على جانب من عبقرية علي؟ أبداً، ما الفارق بين عمر وعلي؟ ما الفارق بين الكثير من الناس الذين كانوا يحضرون مجلس رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وبين علي، وبين عمار، وبين المقداد، وبين سلمان، وبين فلان، مجاميع؟ الفرق أن أولئك كانوا عندما يجلسون في محضر رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ينظرون إليه كشخص عادي، ويؤمنون بأنه رسول، وهم في نفس الوقت لديهم هذه التي نحافظ عليها.

أي طالب الآن يفكر أنه يريد أن يكون عبقري، يريد يحافظ عليها، أنا، أنا بحاجة، وأنا أعرف جهدي أعرف، أستطيع أن أكون كذا، أستطيع أن أكون كذا، فلم يعد يعطي أهمية لما يقوله النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) لم يعد يستوعب ما يقوله، ما هناك الإتباع المطلق للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فطلعوا جهلة، طلعوا جهلة حقيقة، وما ضرب الأمة إلا هؤلاء الذين ما كانوا ذائبين في الإتباع للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فكانوا جهلة هم، وضربوا الأمة بجهلهم وجنوا على الأمة إلى اليوم، إلى اليوم.

الله عندما قال للناس أن يتبعوا رسول الله (صلوات الله عليه وآله)، كيف قال للنبي كيف دوره معهم؟ يعلمهم الكتاب، والحكمة، ويزكيهم، أنت عندما تتبع علماً من أعلام دين الله معناه أنه هو من سيقدم لك من المعارف ما لا يمكن أن تصل إليه بنفسك، هو من يمكن أن يبني نفسك بالشكل الذي لا يمكنك أنت أن تصل إليه.

الله يقول لنبيه: دعوه يزكي أنفسكم، أتركوه يعلمكم.. كيف نعمل؟ اتبعوه، وهو سيقوم بالمهمة، وكل كلمة تنطلق من فمه، إجعلوا لها أهميتها؛ لتطلعوا علماء، لتطلعوا عباقرة، لتطلعوا عظماء، لتطلعوا بالشكل الذي لا يمكن لأي شخص منكم أن يصل إليه، عندما ينطلق على أساس أنه يستطيع أن يبني نفسه.

ومن يقول لك: أن الإتباع معناه أطلع جاهل، ارجع إلى التاريخ، من ذابوا في الإتباع للنبي كيف كانوا، وفي المقابل من كانوا مثلنا [منخطين]، يريد وهو يقدم نفسه كنِدٍّ للنبي، كان بعضهم، كان عمر أحياناً يقدم نفسه كندٍ للنبي، وهو..!

أنظروا إلى من ذابوا في الإتباع للإمام علي، طلعوا أثوار أو طلعوا عباقرة، وعظماء، وعلماء، وحكماء؟ هكذا ارجع إلى التاريخ، من كانوا متبعين لأعلام أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله). هل كانوا يطلعون مغفلين؟.. كمالك الأشتر، كشخصيات كثيرة.

إرجع إلى التاريخ تجد أن من كانوا يطلعوا مغفلين، وجهلة، هم أولئك الذين لا يؤمنون بالمسألة، عنده هو، أنا؛ لأنك تفصل نفسك عن هدى الله، عن منهج الله، تبعد نفسك عن سنة الله في الهداية، وأنت كإنسان لا تستطيع، الله قال: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً}(النساء28) أنت إذا انفردت بنفسك أنت، أبعدت نفسك عن مصادر هداية الله، فستضعف أمام الشيطان، أنت ضعيف، علومك محدودة، قدراتك محدودة، ستكون جاهلاً.

ووجدنا فعلاً كيف أن بعض من الأشخاص، ممن إذا جئنا إلى تقييم [اسم عالم] برصات الكتب، أو بما أنتج من كتب، يقال: عالم بحر، تجده بحراً من الضلال، كابن تيمية مثلاً، بحر من الضلال، من الظلمات، عقائد لا يمكن أن يعتقدها أي واحد من الناس، الذي لا زال على فطرته، يعتقد عقائد فضيعة، وهو منتِج، كم ألّف من كتب، كم رصات كتب.

هكذا الإنسان لا بد أن يفهم هل المسألة فعلاً هي على هذا النحو، سيكون عبقري، سيكون كما قال الإمام علي: (علمني رسول الله ألف باب من العلم، كل باب يفتح ألف باب) أم أنه سيطلع واحد جاهل.

 

س – هل يوجد للتبعية أصل في المذهب الزيدي؟

ج – إن أردت بالمذهب الزيدي الإسلام فحديث الثقلين هو من الأحاديث المعلومة عن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو من الإسلام، أليس حديث الثقلين من الإسلام؟ هو يقول لنا: تمسكوا بالقرآن، وبالعترة. والتمسك ماذا يعني؟ إتباع بقوة، إتباع بقوة. ما معناه هكذا التمسك؟ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}(مريم12) {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ}(البقرة63) ماذا يعني: خذوه بقوة؟ يمسك واحد المصحف، ويضغط يده عليه؟ أو يمسك الإسرائيلي التوراة، ويضغط عليها،! أو إتباع، تذوبوا في الإتباع، وتصميم في الإتباع، وانطلاقة جادة في الإتباع. هذا معنى: خذوا الكتاب بقوة، وكلما فيه تجعلوا له أهميته، وتنطلقوا للإلتزام به.

طبعاً هناك في أصول الفقه من يريد يشتغل ممكن، كل واحد يجتهد، والمطلوب من كل شخص هو أن يطلع مجتهد، لكن إذا ما أتيح له أنه يطلع مجتهد، وحظه غير جيد، فيقلد.

……..

عندما يقول واحد: كيف نترك هذا الفن؛ لأن هذا الفن يشجع واحد أنه يجتهد، وأنا أريد أطلع مجتهد، ما يكون بيني وبين الله أحد، وأكون من محمد بن عبد الله وكذاك، ألزمه الله باتباع كم أنبياء وأنا ما شي إتباع، ما طلع في رأسي، والله هو الذي يتبعني!!

هكذا بلغ المنطق إلى الدرجة هذه السخيفة: [مراد الله تابع لمراد المجتهد]! عبارة صريحة يمكن يقرأ أي واحد منكم في [شرح الكافل]، وغيره؛ لأن مراد الله تابع لمراد المجتهد؛ ولهذا الإمام علي رد على من عملوا هذا العمل زمان، عندما كان قد حصل خلاف في الفتيا، قال: (أم كان لهم أن يشرعوا وعلى الله أن يرضى)؟! هم يشرعون وهو عليه أنه يرضى! هذا في [نهج البلاغة].

بلغوا إلى هذه الدرجة: أن الله هو الذي عليه أن يكون مراده تابع لما أدى إليه نظري، هذا هو أصول الفقه، ومن أراد أنه يريد يطلع مجتهد، يطلع عبقري كما يظن يتفضل بأصول الفقه، لكن أعتقد هو لا يستطيع، ولو قرأ عشر سنين في أصول الفقه أن يصمد أمام إشكالات تطرح عليه في ليلة واحدة، ليلة واحدة يمكن أن تنسف قراءة عشر سنين من أصول الفقه لديه. هل تفهموا هذه؟.

إذا أحد منكم يريد وفيه نخيط إنه يريد يطلع مجتهد – كما يقولون – فيهاجر، تمام؟ ويأتي إنشاء الله بعد عشر سنين، ويجلس مع طالب ينطلق انطلاقة قرآنية وسيرى نفسه، في ليلة واحدة يمكن أن ينسف أصول الفقه حق العشر سنين التي قرأها في ليلة واحدة، وسيعرف بعد أنه كل تلك الفترة هو ضيعها في جهل، في جهالات، في ضلالات متراكمة.

أليس هذا من الضلال أن يصلوا إلى المسألة هذه؟ في شرح الكافل في الدليل على أن كل مجتهد مصيب، الذي هو من القواعد التي يقول البعض – لأنهم ما زالوا مختلفين في المسألة هذه – أنها من قواعد المذهب: أن مراد الله هو تابع لمراد المجتهد! ما هكذا قالوا؟.

طيب: أنت تجد القرآن الكريم المسألة ليست على هذا النحو، أنت الذي يجب أن تتبع، يقول للنبي: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} وأنا أقول للباري: اتبعني أنت، أنا سأفكر، وأطنن، وأطلِّع نظرية معينة، وأنت الذي عليك أن مرادك يتبعني، ويقبل كلما طلع من رأسي!! أليس هذا استكبار على الله؟ هذا استكبار على الله، هذا كبرياء أمام الله سبحانه وتعالى.

هل يسمى هذا علم؟ لا يمكن أن يسمى علم، هذا جهل متراكم، من يكون نتيجة دراسته أن يرى أن على الله أن يقبل ما طلع من رأسه، وأن الله يجب أن يكون مراده تابعاً لمراده هو، وهو الإنسان القاصر الضعيف، فهذه هي الجهالة، لا يمكن أن يسمى علم، هذا هو الجهل، وظلمات من الجهل. وكل من يقول بأن كل مجتهد مصيب هو يقول بهذا: أن مراد الله تابع لمراد المجتهد، فلهم أن يشرعوا وعليه أن يرضى!.

 

س – وماذا يعني انتماؤنا إلى العلماء؟

ج – انتماؤنا إلى العلماء بعبارة مبسطة نلاحظ نحن نسير على المنهج الذي يقدموه لنا، العبارة المعروفة عند الناس [نسير بعد علمانا] ما هكذا نقول؟ نسير بعد علمائنا، لكن متى ما اخترنا، وأحسنا الاختيار، حتى نعرف وراء من نسير، أمكن أن يقال: أن انتماءنا، أو سيرنا هو على أساس صحيح، ويوصلنا إلى غاية صحيحة.

وإلا تجد في العلماء، يختلف العلماء، وتختلف أنظارهم، وتختلف آراؤهم، قد يكون في الموضوع أن هناك اتفاق إجمالي على بعض أشياء، على شرعية أشياء مثلاً، شرعية أشياء معينة، وإن كانوا يختلفون في تفاصيلها، هم من حيث المبدأ مثلاً مجمعون على شرعيتها.

مثلاً هم مجمعون على شرعية الجهاد في سبيل الله، ما هذا معروف عند كل العلماء؟ مجمعون على شرعية الجهاد في سبيل الله، لكن قد تأتي إلى تفاصيل معينة، من أعمال يراها هؤلاء، أو هؤلاء أنها هي من الجهاد في سبيل الله، وقد يخالف هذا هذا، قد يخالف هذا مثل ما يخالفون الآن عندما يأتي الشعار يرفع، بعض الناس يقول: لا، بعضهم ما يرفعه، وهو عالم ما يرفعه، لكن لو تأتي تقول له: هل هذا العمل هو يرضي الله؟ يقول لك: نعم. هل الجهاد في سبيل الله مشروع؟ يقول لك: نعم، لا شك فيه، لكن لماذا؟ يقول لك: أنا ما قد هو واجب علي، ما هو واجب علينا هذا! قد يقول لك هكذا.

انتماؤنا إلى العلماء، أفضل أن نقول: أن نحترم العلماء، هل تفهموا هذه، نحترم علماءنا، لكن ويجب أن نفهم أن علينا أن نعرف وراء من نسير، وعلى أي نهج نسير، ونتعلم، ونتفقه، ولو كنت تعتمد على كلام بشر من البداية حول هذا الموضوع، إعتمد القرآن أولاًًَ، إعتمد القرآن أولاً، هو الذي سيصنف لك الناس، القرآن هو يغربل كما قلنا لكم [في الكلمة في العصر] هو يقيِّم كل شي أمامك، يقيم لك الناس جميعاً.

والقرآن هو المقياس الصحيح؛ ولهذا سمي القرآن نفسه هو: الثقل الأكبر، حتى فيما يتعلق بحديث الثقلين ألسنا ملزمين بالإتباع لكتاب الله، وعترة رسوله؟ سمي القرآن الثقل الأكبر، والعترة الثقل الأصغر؛ لأنه في بعض الأحاديث، في بعض روايات ألفاظ الحديث: (ثقلين أحدهما أكبر من الآخر) هكذا، نحن سنحكِّم الثقل الأكبر على الثقل الأصغر؛ ليتبين لنا من داخل الثقل الأصغر وراء من نسير، ومع من نكون.

هذه هي القاعدة الصحيحة، وإلا ممكن تتبع عالم معين ما يحرك ساكن، ماله أي موقف، يمكن تحتاج إليه فيما يتعلق بفتاوى معينة، يمكن فيما يتعلق بموقف من أعداء الإسلام، فيما يتعلق بوضعية الأمة الآن هو ليس حول هذا الموضوع، وعنده ما هو واجب عليه هذا الموضوع بكله.

أنت عندما تقول: وأنا ما هو واجب عليّ مثل فلان قد تحرج مع القرآن، ترجع إلى القرآن تحرج معه، تجد أن منطقه يختلف عن منطقك أنت وعالمك، عن منطقك أنت وعالمك، كما قلنا أن: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاًً} منطق يختلف معك أنت وفلان، أو عالمك الذي يقول لك: لا، كل واحد يجتهد. القرآن هو المقياس الأساسي، هو المرجع الأول والأخير الذي يحكم على عترة رسول الله، ويحكم على البشر جميعاً.

 

س – ما هو الاجتهاد عند الزيدية؟ وهل له حصر أم هو في عموم الفروع؟ أفيدونا جزيتم خيراً.

ج – قد تحدثنا حول الإجتهاد. الاجتهاد أنا شخصياً غير مقتنع إطلاقاً أن المسألة هكذا، – كما يقولون – مفتوحة، وكل واحد يتعلم يطلع مجتهد، ويمشي على ما أدى إليه نظره، أنا أعتبرها باطل الباطل، باطل الباطل، ومخالفة لكتاب الله، هذه القاعدة مخالفة لكتاب الله، بغض النظر عمن يقولها من الناس، أو ممن يسير عليها من الناس، أو ممن يتعصب لها من الناس.

نحن ما نقوله ليس هو اجتهاد، أنا شخصيا لا أجتهد، تعرفوا، لا أمارس عملية الاجتهاد إطلاقاً، تفهموا هذه؟ ودائماً أقول كلما نقدمه للناس ليس بجديد، كلما نقدمه للناس من صريح القرآن الكريم، ومن صريح أقوال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ومن صريح أقوال أئمة أهل البيت القدامى، ومن صريح الواقع الذي كشف لنا خطأ كثير من القواعد التي ينشغل بها الآخرون، الواقع، الأحداث، هي مما يكشف الأخطاء، مما يساعد على كشف الأخطاء.

الله جعل المتغيرات من آياته {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}(فصلت53) وكل من يتحدثوا عن عظمة الإسلام هم يقولون: أن الأدلة على صحة الإسلام، وعظمته هو إنه لم يأت زمن يكشف أنه خطأ، لم تأت متغيرات توضح خطأ، توضح باطلاً، كما قال الله تعالى عن القرآن: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}(فصلت42) تأتي المتغيرات، والأحداث في الدنيا، لا يأتي حدث تقول هو كشف باطل في القرآن، أو دل على أن هناك داخل القرآن باطل أبداً.

وأنا أقول، وأنصح من أراد أن يسير على هذا النحو: يريد يجتهد، سيطلع جاهل، علومه محدودة، نظرته محدودة، وقاصرة، في الوقت الذي يظن إنه سيعرف كل شيء.

ليذوب الناس في القرآن، والقرآن (هو بحر لا يدرك قعره)، كما قال الإمام علي، من المعارف من العلوم، وتَذُبْ أنت في الله، وفي معرفة الله، وستعرف أشياء كثيرة جداً، تعرف صحة هذه، وباطل هذه، غير هذه لا يكون مع الإنسان الذي قد هو مجتهد إلا انتفاخ من داخل فقط، مجتهد، ماذا أمامه يجتهد؟ قضايا حيض، نفاس، تفاصيل من هذه الأشياء.

قل لمن يقولون يريدون أن يجتهدوا: حياكم الله، تعالوا نجتهد جميعاً في هذا الظرف كيف نواجه أعداء الله، هذا هو مكان الاجتهاد، ما هو تأتي تشغلني وأنت متمسك بأصول الفقه، والاجتهاد، اجتهاد، ثم أراك تريد تشغل الاجتهاد في ماذا؟ تشغل الاجتهاد في الميدان الذي قد [دبغوه] من قبلك الناس. كل من يريد يجتهد رجع إلى تلك الأشياء السهيلة، على فروض الوضوء، ونواقض الوضوء، وتلك الحاجات السهيلة.

لكن يشغِّل آيات أخرى، فيها مشاكل، تحتاج إلى أن يكون ممن لا يخشى إلا الله، في الأخير يبحث للمسائل التي قد جهزوها، ويغطي على الآيات! لماذا لا يجتهد من يتعصبون لأصول الفقه، فيشتغلوا في: {كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ}(الصف14) أليست هذه آية واضحة؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ}(المائدة: من الآية35) تعال نجتهد هنا. عندما يقول هنا نريد نقفل! لا، لا، لا تقفل، المجال أمامك مفتوح من هنا إلى واشنطن، والعالم كله وسيع، اجتهد في الميدان هذا، هذا هو مكان الاجتهاد الحقيقي.

وللأسف كان بعض الأشخاص الذين يتعصبون للمسألة هذه، أصول الفقه ونحوها، كانوا من يقولون هم في الماضي: يجب أن نحمل همّاً كبيراً، وقضايا الأمة، وقضايا الإسلام، وننطلق للعمل على إعلاء كلمة الإسلام، لما جاء وقت الصدق، وقد هو يريد يشغِّل الإجتهاد في تلك السهيلة، أو ضد أهل البيت، الذين ليس معهم دولة يخافها.

يقوم على الأئمة كلهم بانقلاب، لكنه لن يجرؤ أن ينقلب على مدير ناحية، يعمل انقلاب على أئمة أهل البيت؛ لأن ما معهم دولة يخافها، تراه بطل شجاع يتحدى أهل البيت جميعاً، وأئمتهم جميعاً، لكن لا يمكن أن يخرج على مدير ناحية، لماذا؟ هو عارف. فيكون هكذا اجتهاد في الأشياء السهيلة، وضد الناس الذين ما عادهم موجودين، والذين ما معهم سلطة، والذين ما أنا خائف منهم.

أما في الميادين الصعبة، لا، كيف وأنت تقول لي: أصول الفقه، من أول قواعد أصول الفقه أن الأمر يفيد الوجوب ما هو هكذا؟ صيغة [إفعل] تفيد الوجوب. لماذا تشغل افعل في تلك الأشياء السهلة، وصيغة الأمر في هذا المكان لا تشغلها. عندما يقول لك الله: {كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ} أليس هذا {كونوا} فعل أمر يقتضي الوجوب؟ تعال شغل هنا أصول الفقه، شغله هنا واجتهد {كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ} تعال نقرأ أنا وأنت كيف يمكن أن يتحقق النصر لله، ولدينه هل بالآراء المتعددة، وننشئ جيلاً متفرقاً متضارباً، متناقش متجادل؟. أو جيل واحد، ثقافة واحدة، رؤية واحدة، ويكون مشبَّع بالمعرفة، بالمعرفة، وقناعاته راسخة؟.

هذا هو من أصول إمامنا زيد بن علي (صلوات الله عليه)، لا تتصور أن الإنسان إذا قد هو زعم سيتبع أهل البيت فسيكون كرتون، ما هو فاهم لشيء. الإمام زيد كان يقول هو: البصيرة، البصيرة. أهل البيت من يعطون أتباعهم بصيرة، من يعطوهم قناعة، من يعطوهم معرفة، من يعطوهم فهماً، من يعملوا على أن يكونوا علماء، علومهم واسعة، ومداركهم واسعة، ومعارفهم واسعة، لكن إرجع إلى الآخرين تطلع ثور حقيقة. من هو الثور؟ الذي يقول قال رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): [سيكون أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي].

لاحظ الناس الذين يريدون أن يطلعونا أثوار حقيقة هم هؤلاء، يصلح لك حديث [لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، قالوا: فما تأمرنا يا رسول؟ قال: إسمع وأطع الأمير وإن قصم ظهرك، وأخذ مالك] هذه هي الحرية التي يقول البعض: انفتاح على هؤلاء، وحرية مع هؤلاء.

أليست هذه هي العبودية؟ أليست هذه هي الحيوانية، والبهيمية؟ هي هذه: [يكون بعدي أمراء لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي] اسمع وأطع لهؤلاء!.

لكن تأتي إلى عند أهل البيت تقول له: إمام من أئمة أهل البيت، يهتدي بهدي الله، ويستن بسنة رسول الله، ويهدي الناس بهدي الله، ويقيم في الناس سنة رسول الله، يقول: أنا لا أؤمن بمرجعيته، أنا لا يلزمني أن أسير وراءه، أنا، أنا، أنا.. إلى آخره، أنا منه وكذاك، أنا منه وفوق.

لكن أمام من يقولون هكذا: أئمة لا يهتدون بهدي، ولا يستنون بسنتي. هل هذا منطق أهل البيت؟ هذا مما يحاربه أهل البيت؛ لأنه هنا الحيوانية، هنا البهيمية، هنا الطغيان، هنا القهر للإنسان، هنا العبودية للإنسان، هنا الإذلال، هنا ما يتنافى مع كرامة الإنسان، هنا ما يتنافى مع جلال الله وعظمته، أن ينسبوا هذا إلى دينه: طاعة الطواغيت، طاعة الظلمة، ويجعلونها من دين الله.

هل هذا من مذهب أهل البيت؟ أو من مذهب الآخرين؟ من مذهب الآخرين. إذا عمل أحد على إخراجك من مذهب أهل البيت فماذا سيحصل؟ ستقع فيما عليه الآخرون. ونحن سمعنا بآذاننا من أشخاص ممن يقول لكم، من يأنف عندما تذكر له أي عظيم من أهل البيت، سمعناهم يقولون لأشخاص، ضباط في المؤتمر الشعبي: وجهونا واحنا بعدكم، نمشي على أي توجيه منكم! يؤمن بمرجعية ضابط، عميد لا يعرف كتاب ولا سنة!!

لكن تقول له: [بدر الدين] يقول: ما يلزمني! قل له: فلان، إلى أن تصل إلى علي بن أبي طالب، ما هو لازم له! هكذا يقع الإنسان في الضلال، الذي لا يسير على نهج أهل البيت سيسير على نهج الآخرين، وهذا هو نهج الآخرين: أئمة لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي. تنـزلها وزارة الأوقاف، في ملزمة، وتعممها في المحافظات، وتقيم دورة للخطباء من أجل يخاطبوا المجتمع بهذا المنطق، ما يكفيهم أنه يحكم ويظلمك، بل هو يريد أيضاً أن تؤمن بأنه يجب عليك أن تطيعه، وإن ظلمك، وإن قصم ظهرك!.

هذا هو الإسلام الذي يسمونه: المرن، والمنفتح، والأشياء هذه، أهل البيت متشددين، أهل البيت ضيق! وأشياء من هذه، هكذا يقولون.

نحن نقول عندما قال رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): ((ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) أن من خرج عن دائرة القرآن والعترة، لا بد أن يضل، وإن ظن أنه من أكثر الناس عبقرية، وإن وسَمَ نفسه بأي لقب يكون، لا بد أن يضل.

أنا أنصح أي شخص عنده ميول لأصول الفقه، وأشياء من هذه، أن يهاجر ويترك المراكز تقوم على اتجاه واحد، أصلح له، وأصلح للناس. أليس هذا أفضل؟ لا يجوز له أن يبقي مركز معين محل اختلاف، وقلق، أي مركز كان، أنا لا أعرِّفه، لا أقول هذا المركز يحصل فيه من هذا، لكن أعرف مناطق حصل فيها من هذا القبيل.

يا أخي أنت غادر، سير هاجر حتى عند فلان الذي يشجعك، ومع السلامة، اطلع، إنشاء الله في الأخير نراك عبقري، تجتهد، تجتهد، تجتهد لما ترجع تقول لضابط: وجِّهنا واحنا بعدك. أليس هذا اجتهاد مَنْزَل؟.

واترك الناس ينشأوا أمة واحدة، وربما في المستقبل ما ينفعك إلا هؤلاء الذين أنت تريد أنك تتفرق أنت وإياهم، وتفرق كلمتهم، ويطلعوا قلقين، وتحاول تكسب لك أنصار منهم، يكونون هم على رأيك، وعلى أفكارك، ويطلعوا.. أتركهم ينشأون على اتجاه واحد، ربما في المستقبل ما ينفعك أنت واجتهاداتك إلا هؤلاء.

وإذا أنت تريد أن تعرف أن الأمة بحاجة إلى هذا الشيء، وليسوا بحاجة إلى منطقك، انظر الواقع الآن الذي قلته سابقاً، أي إنسان يقول: إن الأمة الآن هي بحاجة إلى الرأي والرأي الآخر؟ أو بحاجة إلى الاجتهادات المتعددة، أو بحاجة إلى الأحزاب المتعددة؟ ولا بدوي سيقول.

سيقول أي بدوي: الأمة هذه لو يتجمعوا زعماء العرب. ما هم يقولون هكذا؟ الناس الذين لا يستطيع بعضهم يتحدث يقول: [والله لو يجتمع رؤساء الدول أن جهدهم يدمروا إسرائيل] بعضهم يقول كذا، ما قد هو عارف بعضهم يتكلم، يعرف أنه لا مخرج للأمة إلا بوحدة الكلمة، ووحدة الصف، ولا يمكن تقوم وحدة كلمة، ولا وحدة صف مع تعدد الآراء، والاتجاهات، والمذاهب، والأقوال، لا يمكن.

لو ما فرقنا إلا هذه: زيدي، شافعي، حنبلي، زيدي داخله كل واحد مذهب لوحده، يوجد مذاهب أخرى، حسموا القضية من بحين، قالوا: ما هذه منطقية. الذي يقول لك البعض: أن هذه من ميزة المذهب الزيدي، عندما تقول له: لازم تكون كلمتنا وحدة، أن ينتهي هذا التفرق. قالوا: لا يمكن، هذه من ميزة المذهب الزيدي، كل واحد يمشي على ما أدى إليه نظره، ولو ما هو كذا ما من مشينا عليه!.

يا أخي: المذاهب الأخرى حسموا القضية من بحين، عرفوا أنها خلل، وخطأ، أقفلوا باب الاجتهاد هذا الذي تقول به، أقفلوه من بحين، شوافع، وأحناف، ومالكيين، وحنابلة، وكلهم أقفلوه، يمشون على فقه الشافعي، مجتهدين قدامى فقط يمشوا على مذهبهم فقط؛ لأنه يعرف أنه أن يفتح الموضوع. يعني: لا يستقيم شيء، وخربطة في كل مجال.

لكن نحن نقول: نفتخر، نفتخر أن مذهبنا يجعل كل واحد من شِعبه، معناه هكذا، نفتخر أن مذهبنا يجعلنا نطلع بصل، رؤوس [قومي رؤوس كلهم – أرأيت مزرعة البصل] ما معهم عاقد شور، ولا يجمعهم شيء. ما هذا واقعنا الآن، الزيود؟ ألسنا هكذا؟ هل نحن متوحدون؟ أبداً، من عند علمائنا، متعلمينا، عوامنا، ما هناك وحدة، إلا الوحدة القبلية فقط، التي داخل القُبُل، الباقي لا يوجد وحدة إطلاقاً، ولا موقف نحن نسير عليه بتوحد، موقف عملي في الساحة لا يوجد. هذه هي الميزة التي يريدون أن نبقى عليها دائماً حتى يأتي اليهود وينهونا.

 

س – هل نحن نعمل بالتقليد أم بالاجتهاد وما فائدة الاجتهاد؟ وما نصيحتك لنا فيما ندرسه من علوم الإسلام ومن الكتب خاصة في أصول الدين وغيره؟

ج – أنا أنصح أن واحد يقرأ كتاب اسمه [مجالس الطبري]، فيه هذا الموضوع الذي ما أنا متذكر له أشرحه حول مسألة اجتهاد وتقليد، وكيف قال في المسألة، كتاب مجالس الطبري ربما قد يكون في المركز شيء منه.

موضوع أصول الدين نحن لا نحارب أصول الدين، نحن نحارب علم الكلام المتأثر بأساليب المعتزلة، علم الكلام المعتزلي، افهموا هذه، يقول لكم بعضهم أننا نحارب أصول الدين! ألسنا نقول: نقرأ [المجموعة الفاخرة] و[مجموع القاسم] و[البساط] ونحوها من كتب أصول الدين لأئمة أهل البيت القدامى، الذين ليسوا متأثرين بأساليب المعتزلة.

أما الكتب التي هي متأثرة بأساليب المعتزلة هي سيئة جداً آثارها، إفهموا الذي نقوله: علم الكلام الذي جاءنا من عند المعتزلة، والذي تأثر به بعض من كتبوا من داخل الزيدية في مادة أصول الدين، علم الكلام، علم الكلام هو اسم يطلق على الذي نسميه: أصول دين، علم الكلام الاسم الحقيقي له قالوا لأنه كثير الأخذ والرد فيه، كلام كثير.

أصول الفقه الذي نحاربه الذي تحت عنوان: أصول فقه، لكن لا نحارب أصول دين، نحن نحارب علم كلام متأثر بالمعتزلة، المعتزلة والأشاعرة كلهم ضرّوا ضراً كبيراً بالإسلام، وكلهم تركوا آثار سيئة في واقع المسلمين الثقافي.

في أصول الدين نقرأ [المجموعة الفاخرة]، وتعطى أولوية لرسائل على رسائل أخرى، ما تقرأ مثلا الرسائل التي هي رد على ابن الحنفية إلا بعد ما تقرأ الرسائل الأخرى قبلها، يعنى أن الموضوع يكون أعمق هنا من موضوع هنا، ابدأ أول شيء بهذا، ثم هذا، ثم هذا، تصل عند هذا الذي فيه أخذ ورد أعمق ويكون قد عندك خلفية.

في المعاني والبيان يوجد كتاب جميل كان مقرر في الثانوية [البلاغة الواضحة] مع دليله، كتاب جميل في البلاغة، في المعاني والبيان، وكتاب آخر اسمه: [أساس البلاغة] لأحمد الهاشمي، كاتب مصري، كتاب ممتاز أيضاً في البلاغة. والبلاغة أيضاً لا تحصل بالقواعد، تقرأ قواعد البلاغة وتكون بليغاً أبدا، يكون عندك فقط معرفة بقواعد البلاغة، وقد يكون منطقك ركيكاً، أو كتابتك ركيكة.

البلاغة تأتي من خلال القراءة في الكتب البليغة في منطقها، القرآن الكريم في المقدمة، بتدبر وتأمل، ومثل نهج البلاغة، ومثل الكتب التي هي بليغة، لا تقرأ كتباً ليست بليغة، تؤثر على أسلوبك، وعلى منطقك، وعلى قدرتك البيانية، هكذا يقول بعض العلماء من علماء البلاغة السابقين: بأن هذا هو من أفضل ما يمكن أن يحصل الإنسان من خلاله على قدرة بيانية، قدرة تعبيرية، أو قدرة في الكتابة، يكون عنده قدرة بيانية في كتابته أو في كلامه.

 

س – ما معنى قول الله: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}(يونس19).

ج – معناه: عقوبة هنا يأتي بمنطق التهديد {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} الفصل بالعقوبة النهائية لطرف.

أيضاً الآية: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}(البقرة213) يبين أن مهمة الرسل، والكتب السماوية هي: أن تحسم موضوع الإختلاف؛ {لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ} من أجل ماذا؟ لأجل أن يحسم موضوع الإختلاف فلا يختلفون، يقولون في تفسيرها: أن معناها: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين، أي: كانوا على دين واحد، على طريقة واحدة من بعد آدم فترة معينة من الزمن، لا يختلفون، حتى بدأ الإختلاف يدب فيما بينهم، فجاءت الكتب السماوية، وجاء الرسل من أجل أن يحسم موضوع الإختلاف.

 

س – هناك من يقول ليس المطلوب إتباع الأشخاص من أهل البيت، وإنما المطلوب إتباع المنهج مجرداً عن الأشخاص فهل هذا الكلام صحيح؟

ج – هذه القضية هي ناشئة من فهم أن كل إنسان ينطلق هو، ما هو بحاجة أحد. لكن لو كانت المسألة، هل صحيح أن الإنسان إذا انطلق هو سيصيب الحق في كل قضية؟ كان ممكن، لو افترضنا أن المسألة هي هكذا، لكن كلهم مجمعين – الذين يقولون الكلام هذا – كلهم مجمعون على أنه يحصل خطأ. المجتهدون يخطئون، والباحثون يخطئون، والناظرون يخطئون. هكذا قضية مسلَّمة.

إذا كان الكل مؤمن بأن الخطأ يقع، وبنسبة كبيرة، فهل هذه القضية صحيحة من أصلها: أن الله أوكل الناس إلى أنفسهم، والقضية هي هكذا: ما أحد يحتاج إلى أعلام، ولا يحتاج إلى كذا.

أيضاً الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لماذا جاء بحديث الثقلين وقال: كتاب الله وأهل بيتي؟ لماذا تحدث عن عترته، تحدث عن أهل بيته؟ إذا المسألة ما هناك حاجة للأشخاص، ما هناك حاجة لقدوات؟ ما هناك حاجة لأعلام؟. فالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو أرحم بنا من غيره، رأأرحم بالناس. هل سيضيف علينا حاجة معينة لسنا بحاجة إليها؟ لا ترتبط هدايتنا بها؟ لا ترتبط نجاتنا بها؟ يضيف علينا شيئاً معيناً؟ ما يمكن هذا يحصل من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)!.

نحن متفقون، نحن وهؤلاء الأشخاص الذين ينسب إليهم هذا الكلام أنهم يعرفون أن حديث الثقلين صحيح، وأنه ورد من رسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أحاديث هي تدل، أو توحي، أو تشير إلى أن الأمة مطلوب منها، أو يجب عليها أن تسير متمسكة بأهل البيت، راكبة في سفينة أهل البيت.

إذاً فلماذا النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول: أهل البيت، أهل البيت؟ أو عترتي؟ إذا القضية ما هناك حاجة لأشخاص فيسكت من مرة. وفعلاً رسول الله ما يمكن أن يذكر أهل بيته وليس هناك حاجة لدينا نحن، فيما يتعلق بالاهتداء، ليس هناك حاجة إلى أهل البيت ما من تكلم عنهم نهائياً؛ لأنه كما وصفه الله {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(التوبة128).

ما يمكن يضيف عليهم أرقاماً هكذا، وبهذه الأهمية البالغة: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله، وعترتي) كأننا نقول لرسول الله: أنت ما بلاّ زيدت أنت عترتك؛ لأنك تحب أولادك، تريد نحبهم، تريد كذا، تريد كذا، وإلا فالأصل كتاب الله فقط.

كأننا نتحدث مع النبي نفسه، أي أنت تتهم النبي أنه قال بحديث الثقلين من باب المحاباة لعترته، يريد فقط يوجد لعترته ولأهل بيته، أولاده، وذريته مقاماً في الأمة متميزاً، ويريد، ويريد.. الخ. هذا ليس أسلوباً مؤدباً مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) جرح لشخصه، جرح لشخصيته، ومقاصده.

سورة [الفاتحة] تتحدث عن ناس، عندما قال الله فيها: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ}(الفاتحة6-7) لماذا ذكر أيضاً الذين أنعمت عليهم؟ أليس الذين يعني: ناس؟ صراط الذين أنعمت يعني: ناس. كان يقول: اهدنا الصراط المستقيم، ويكفي!. لماذا تربط المسألة بناس؟ هكذا، لا بد، لا بد، الحق يحتاج إلى أعلام وهداة، {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}(الرعد7). هكذا يقول الله. لا بد للأقوام، لا بد للأمة من هداة، من أعلام يقتدون بهم، يسيرون على هديهم، يتأسون بهم، ينهجون نهجهم.

كما أن الباطل نفسه يحتاج إلى أعلام، حتى الباطل يحتاج إلى أعلام، ما ينفق باطل بدون أعلام، يرمز له شخصيات ينفق في ظلها. كذلك الحق يحتاج إلى أعلام.

ما الحق مثلاً أشياء تنبت، يمكن يسير واحد يجمع له [حزمة] حق، أو يسير يقطع له كيس حق، أو يأكل له حبتين حق، أو أشياء من هذه، ليست هكذا. الحق يتمثل عادة هو والباطل في ناس، الباطل يتمثل في ناس، والحق يتمثل في ناس كله.

عندما نقول مثلاً: الحق ضائع، الحق مغمور، ألسنا نقول بالعبارة هذه؟ ماذا يعني ذلك؟ أن تجسيده في واقع الحياة غائب، أما هو كمبادئ مكتوبة مخطوطة هو موجود. هل يمكن لواحد يقول: أبداً الإسلام بخير، والدنيا بخير، ولا هناك أي إشكالية، ذا عندك الحق وافي، ولم يتعرض لأي حاجة، معي [ختمة] جديدة في [الشمطة]، ولا يلحقها أي حاجة. هل يمكن هذا؟

الحق في واقع الحياة، عندما نقول: هو سائد بحركة الناس على أساسه، تجسيده وهم يمثلونه، ويتمثل في حركاتهم، وفي سكناتهم، ومواقفهم. كذلك الباطل.

هذه المسألة مخالفة للسنة الإلهية؛ لأن الله يأتي بكتاب ونبي، ما الله هكذا يأتي بواحد من البشر، ومع ذلك على الرغم من وضوح كتابه، ما هو يقول: كتاب مبين، كتاب مبين؟ ما هكذا يقول عن القرآن؟ طيب: كتاب مبين، وأيضاً تربطنا بواحد من الناس، محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) ما هو يربط الناس به؟ يربطهم بمحمد؟ {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ}(النساء59) {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ}(النساء80) كلام كثير حول طاعة الرسول. أليس هذا حاصل؟.

عندما تراه كتاباً مبيناً، سنة إلهية، يأتي منهج وقدوة، كتاب وعلم من البشر. حتى عندما اقترحوا أنه كان المفروض أن الله أن يرسل ملكاً يقول لهم: {قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً}(الإسراء95) نزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا، لا بد أن يكون هناك علم، {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ}(الحج75).

فمن يقول بهذه العبارة: لا حاجة للأشخاص، إذا أنت تريد أن تقول بهذه العبارة، وتريد أن توجد لها شيئاً يعتبر مثال، إن أول من تقول: إذاً فلا حاجة له هو محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) لا حاجة له؛ لأنه جاء بكتاب عربي، وكان بإمكانه أن ينزل عليه في شهر رمضان كله، ويكلف من يكتب منه عدة نسخ، ويعطيهم وهو كتاب بلسان عربي مبين.

أليس هكذا؟ ومحمد يعود إلى بيتهم، والله يفتح عليه، ولا قيمة للشحم واللحم – كما قالوا – والقضية هي فكرة ومنهج، ولا قيمة للأشخاص! لماذا الكتاب الذي نزل بلسان عربي مبين، نزله عليه، ويقول للناس: أطيعوه، إتبعوه، أنصروه، عزروه، وقروه… إلى آخر ما يقول لهم في البشر هذا.

هكذا لا بد، لابد. أي فإن كان هناك إمكانية الإستغناء عن بشر على هذه القاعدة فإن أول من يمكن أن يقال، ويكون مصداقا لهذه إذاً فليستغني عن محمد من البداية!. لماذا يأمرنا بطاعة واحد بشر! قد هذا القرآن بلغتنا، وهو بيّن وواضح، والله يفتح عليه، يرجع عند خديجة، ويقسّم لنا عدة نسخ منه، أو يجلس في بيتهم، يكون يكتب له عدة نسخ، ويوزع، يشغل له عمال يكتبوه، وانتهى الموضوع.

ولأنها سنة إلهية الله يقول: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ} أليس النبيين بشر، شحم، ولحم، الذين يقولون: لا قيمة للشحم واللحم! {فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ} أعلام، ومنهج، قدوة ومنهج، لا بد منه.

المشكلة هذه: إذا واحد عنده أنه يستطيع انه يصلح كل شيء، يعرف الحق من دون أحد، ولا هو بحاجة أحد، حتى ولا علي بن أبي طالب هذه السلسلة كل أبوها إنما فقط رسول الله؛ لأنه لم يعد بالإمكان أن يستغني منه. فممكن يحصل عنده أفكار من هذه.

والقضية من أساسها ليست قضية إضافات تكاليف، تكاليف. هدايتنا نحن، من مصلحتنا نحن أنه لا بد من هذا الشيء. فأهل البيت هم للنا س، يجب أن نفهم هذه، ما هو حمل على الناس، هم للناس، ومن أجل الناس، كما أن القرآن قال الله عنه أنه للناس، ألم يقل للناس؟ وقال عن محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ}(النساء79).

فالقرآن، والرسول، والعترة، كلهم ماذا؟ للناس، من أجل الناس، أي: لا بد من هذا في هداية الناس؛ لتتحقق لهم الهداية، من مصلحتهم هم، ما معناها كذا: إضافة أعباء، أو عبارة عن أشياء فخرية، أو تقديرية، لازم نؤديها مراسيم معينة، وإلا ما هناك حاجة إليها.

من يقولون بهذا الكلام هو من ينسى أن الله رحمن رحيم. ألسنا نقول: أن معرفة الله مقياس لكل شيء؟ الله هو رحيم بي، ورحيم بك، ورحيم بالناس جميعاً، ما يمكن يضيف شيئاً لست بحاجة إليه، ولا له علاقة بهدايتك، ولا له أثر كبير في هدايتك. لا يمكن يضيف عليك أشياء من هذه.

كيف يضيف أشياء ونحن نراه سبحانه وتعالى يأتي ينقص نصف الصلاة التي هي وقفة معه عندما أكون مسافراً مسافة بسيطة، مسافة بريد مثلاً، ينقص عليك ثنتين ركعات. إذا أردت أن تفطر رمضان افطر، وأنت مسافر، ليست مشكله؛ رحيم بعباده. هل سيأتي يحملهم أشياء، يضيف عليهم أعباء أخرى، وهم في غنى عنها؟ لا، لكن لرحمته شرع لهم هذا؛ لأن لهذا علاقة كبيرة بهدايتهم، لهذا علاقة كبيرة بسعادتهم، لهذا علاقة كبيرة بنجاتهم.

فكيف نرى ما شرعه الله، نعتبره حِمل، نعتبره مشكلة، نحاول نتخلص منه؟!.

لأن المشكلة أننا نجهل دين الله، هي المشكلة التي نقول لكم من بداية الكلام: عندما يكون الإنسان لا يعرف أن دين الله نعمة، ولا يفهم قيمة هذا الدين سيطلع هذا حمل، وهذا ثقل علينا، وهذا مجرد تكاليف، عندما لا يكون واحد يفهم أن الناس، وأن واحد من الناس بحاجة ماسة إلى هذا الدين، بحاجة ماسة إلى الهداية، بحاجة ماسة إلى النجاة، والله ما عمل إلا ما فيه نجاتك، ومن أجلك أن تنجى.

الوالد معه كتاب جميل في تفسير: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(الشورى23) ولاحظوا هذا المرض، الذي نقول، مرض الجهل بعظمة الإسلام، وبنعمة الإسلام، والجهل بالله سبحانه وتعالى، هي إشكالية من بحين ليست من قريب، هناك مفسرين يحاولون أن يتخلصوا من آية: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} بأي وسيلة يريد يبعدها، ما يريد أهل البيت، يحاول يتخلص منها بأي طريقة، يتمسك بأشياء واهية، ليست مقبولة، وليست منطقية.

وأهل البيت من واجبهم هم، من واجبهم هم، نفس أهل البيت أن يكونوا بالشكل الذي يشد الناس إليهم. هذه طرحناها في محاضرة في [مسؤولية أهل البيت] القضية هذه. الشخص من أهل البيت لا يرى بأنه هكذا لازم.. لازم يحبونا على ما أنا عليه، يقدرونا على ما أنا عليه! فأنت تريد من الناس أن يقوموا بما يفهم من أحاديث معينة عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وأنت لا تقم بواجبك أمام هذه الأمة!.

شرف أهل البيت مرتبط به مسؤولية كبيرة، على أهل البيت أن يكونوا رحماء بالأمة، أن يجاهدوا من أجل الأمة، أن يهدوا الأمة، أن يرشدوا الأمة، أن يقدموا أنفسهم من أجل الأمة، وهكذا.

كان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في غزواته يقدم أهل بيته هو، وكان أوائل الشهداء من أهل بيته في المعارك، في بدر الذين برزوا للمشركين في أول معركة هم من أهل بيته، من أقاربه، من أسرته. فالشخص الذي لا يقوم بمسؤوليته نهائياً، لا ينقد على الناس، يكون دائماً مشغول أنهم يحبوه، ويودوه,, الخ، وليس مشغولاً بأن يقوم بمسؤوليته.

يروى بأن الآية في قول الله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}(الحج78) خطاب لأقارب النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) خطاب لهم، عليهم أن يتفانوا في هذه القضية.

والجهاد أليس خيراً للأمة؟ أليس إحسانا للأمة؟ وإنقاذاً للأمة؟ كلفوا هم بأن يكونوا متفانين في هذا الموضوع. وقضية أهل البيت إذا نحن ممن يمارس التعليم مثلاً، تبدو القضية دائماً قلقة إذا ما حصل معرفة بالله، ما حصل معرفة للإنسان معرفة بنفسه أنه عبد لله، سيكون همه فقط أنه إن صح هذا من دين الله فمقبول، وبمجرد أن يصح له أن هذا من دين الله سيعتبره نعمة، ويعتبره شيئاً امتن الله به عليه، ويعتبره شيئاً من أجل مصلحته، ويعتبره شيئاً نجاته متعلقة به، ومرتبطة به.

إذا هناك فهم صحيح للدين من أساسه، ومعرفة صحيحة بالله سبحانه وتعالى، قضية أهل البيت ستصبح قضية طبيعية قبولها، قضية طبيعية؛ لأنه حتى لو أجي أبحث موضوع الله سبحانه وتعالى، عندما يشرِّع لنا سبحانه وتعالى، وعندما تأتي تحاول تتعرف على كماله، معرفة كافية ستجد أنت، تتساءل أنت قبل أن تعرف شيئاً عن أهل البيت: لازم، لازم، ما يمكن أن الله يفلتنا هكذا، لازم أن يكون هناك فئة يكون فيها أعلام لدينه، نتمسك بهم، ونسير بسيرتهم، ونقتفي آثارهم.

عندما نعرف سنة الله في الأمم الماضية، ونعرف عدل الله، وحكمته، ورحمته، هو من سيقول: لا بد من هذا، لا بد من هذا، ويبحث هو، ويكفيه إشارات في المسألة، ويعتبرها قضية لا بد منها، ضرورة مرتبطة بعدل الله، وبحكمته، وبرحمته.

أيضاً في محاضرة سابقة ربما أنكم قد سمعتم حول هذا الموضوع كلام كثير حول هذه النقطة بالذات، وجئنا بمثال: أنه ممكن لو أن المسألة ليست على هذا النحو، أن الله سبحانه وتعالى يعلم أنه قد جعل ما فيه الكفاية، وفوق الكفاية، وإلا لورد سؤال على الله: لماذا تبعث رسولاً قبل ألف وأربع مائة سنة، في الجاهلية الصغرى، وأنت قلت لنا: (أن هناك جاهليتان أخراهما أشد من أولاهما)، وتبعث أنت على بُعد ألف وأربع مائة سنة، لمجموعة من البشر، ونحن تفلتنا، نحن وهذه الجاهلية، ما ندري كيف نعمل، ولا كيف نسير. ألم يكن معنى هذا أننا أحوج إلى النبي في هذا العصر من ذلك الزمن؟ ما معناه هكذا؟

أيضاً ما هو البديل؟ هل هناك بديل فيه الكفاية، هناك بديل فيه الكفاية؟ ما معنى بديل؟ أي: هل هناك أعلام؛ لأن القضية هي قضية أعلام لدين الله، أنبياء، أو أئمة هداة. هكذا المسألة، هي على هذا النحو، كانت سائرة في بني إسرائيل، وهي سائرة في أمة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لذلك نقول: سيكون هناك سؤالاً كبيراً يهز حكمة الله، يهز عدله، يهز رحمته، يهز كماله بكله.

من عدالتك أنك كان تترك محمداً في القرن العشرين، لا أن تبعثه قبل ألف وأربع مائة سنة، نبي للناس جميعاً، ومات واختلفنا عنه، وما زلنا مهددين بعذابك إذا ما عصيناك. اختلفنا عنه لما ضاع علينا دينه، لما أصبحنا كذا، وفي الأخير ما هناك ما نسير عليه! أليست هذه ستكون إشكالية؟ تطلع إشكالية كبيرة جداً بالنسبة لله سبحانه وتعالى، يعني: سؤال على الله – إن صحت العبارة – لكن الله يعلم أن أهل بيته قد جعل فيهم أعلاماً لدينه، وفي المسألة كفاية وفوق الكفاية.

وإذا لم نقل بهذا لا نستطيع أن نجعل شيئاً آخر بديلاً أفضل، يعني: مسألة أخرى، قول آخر، نظرية أخرى، تكون أفضل من هذه الفكرة. ما هو البديل في المقابل؟ عندما نقول: لا، لا نحتاج إلى أهل البيت نهائياً، لا نحتاج إلى أعلام! أليس البعض يقول هكذا؟ لكن لا نحتاج إلى أعلام، فمعنى ذلك لا نحتاج إلى أنبياء. أليس الأنبياء أعلام؟.

إذا قلنا: لسنا بحاجة إلى أعلام، فنحن نرى ما هو قائم نحن مختلفون فيه، فنحن رأينا أنفسنا ضعنا، وتهنا، ولم نهتد حتى والقرآن قائم بين أيدينا! أليس القرآن قائماً؟ أليس ما يروى عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قائم، وموجود، ومع هذا لم يتحقق لنا ما تحقق لمن كانوا في زمن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ونحن في مواجهة الجاهلية الكبرى، والجاهلية الخبيثة، والجاهلية المسلحة بأفتك الأسلحة، ونحن لا نملك أكثر مما هو حاصل. فقط لدينا القرآن على هذا النحو فاختلفنا فيه، ما الناس اختلفوا فيه؟.

اختلفنا في القرآن، بل حاولوا أن يجعلوا القرآن حرباً لله، يأتي واحد من المفسرين يفسره، وفي الأخير تخرج من التفسير وإذا قد القرآن كله يحكم على الله بأنه أجبر عباده على معصيته، وأنه ساقهم إلى معصيته، وأنه قدر عليهم معصيته، وأنه يريد الظلم لعباده، وأنه وأنه.. الخ.

ألم يتحول القرآن كله في الأخير إلى حرب لله؟ معنى هذا أنه ما حصل لنا مخرج، والمخرج لا يتحقق إلا بمجموع الأمرين: كتاب وأعلام. ويمكن أن تبحث إذا أمكن أن تجعل أعلام، إذا ممكن يسبر من بني أمية، أو ممكن من بني العباس، إذا ممكن من بني تيم، أو بني عدي، أصحاب أبو بكر وعمر، أو بني زهرة، هل سيمكن؟ ما انت محصّل، لن تحصل على فئة من هؤلاء مثلما هو موجود في أهل البيت.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

ألقيت هذه الكلمة

بـمدرسة أهل البيت ، بني بحر ــ الرويـس

بتاريخ: 2/9/2002م

التعليقات مغلقة.