saadahnews

آيات من سورة الواقعة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وعلى آله الطاهرين

يقول الله تعالى: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ}(الواقعة1) هذا حديث عن القيامة، الواقعة هي القيامة, وهي حقيقة لا شك فيها إطلاقاً {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}.

{خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ}تخفض ناس وترفع ناس, ناس ممن كانوا في الدنيا متجبرين وكبار, من العاصين لله سبحانه وتعالى, من المتجاوزين لحدوده, تخفضهم فيصيرون في أحط, وإلى أحط مستوى, يقفون ذليلين بين يدي الله سبحانه وتعالى, يقفون خائفين, يقفون متحسرين, ونادمين على ما يشاهدون من آثار لسوء أعمالهم في الدنيا.

ورافعة للمؤمنين, الإنسان المؤمن قد ربما في حياته في الدنيا عاش مستضعفاً, عاش محارَباً, عاش محتقَراً, يوم القيامة يكون رافعاً لرأسه, يكون مقامه رفيعاً, ويشاهد كثيراً ممن كانوا في الدنيا متكبرين متجبرين.

والتكبر والتجبر قد يكون أحياناً لا يختص بأصحاب المقامات الرفيعة, بأصحاب المناصب أو التجار, بعض الناس الفقراء نفوسهم, بعض المتجبرين يكونون فقراء, متجبر بمنطقه, بموقفه, بعناده, بإصراره, لكن لأنه ما يظهر تجبره بالشكل الذي يظهر تجبر الآخرين وتكبرهم, وربما هذا لو يتاح له فرصة, أو لو يعطى مقاماً, أو منصباً لرأيته طاغية من كبار الطواغيت.

والإستكبار قد يكون الإنسان وهو مستضعف في نفسه, مستضعف أمام متكبرين آخرين, وأمام جبارين آخرين, قد يكون هو نفسه مصنف من الجبارين, ومصنف من المستكبرين, حتى يأتي في بعض الأحاديث بأن الإنسان سيء الخلق مع أهله, مع أسرته, عندما تصبح أسرته تخافه, يهمونه عندما يدخل عليهم من باب البيت, زوجته, أولاده, أقاربه, كلهم كأنه دخل عليهم جبار! أنه يكتب عند الله جبار وإن لم يملك إلا أهله.

استنكاف الإنسان عن الحق يعتبر استكباراً أيضاً, رفض الإنسان للحق, سخريته من مواقف الحق, عناده للحق. فالإنسان قد يكتب عند الله من المتكبرين, من الجبارين؛ لأن الإنسان عندما يعاند, وإن كان فقيراً, وإن كان مستضعفاً من جانب آخرين, عندما يعاند الحق, عندما يعاند آيات الله عندما تتلى عليه يعتبر مستكبراً؛ لأنك لا تقف في موقف عناد للحق إلا وأنت في نفس الوقت تحمل مشاعر استكبار, وعلو, وعتو.

لاحظ كيف قال الله في القرآن الكريم: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً}(الجاثية6- 9) ما هنا سماه جباراً؟ هكذا قد تحمل مشاعر استكبار وعتو فتحشر مع فرعون, مع نمرود, مع الذين كانوا متجبرين؛ لأنك أنت في الواقع, أنت في الواقع, بنفسيتك, بروحيتك جبار, إنما لم يتح لك أن تكون مثل أولئك الجبابرة, عملياً يكون جبروتك أوسع, وإلا فهي نفس المشاعر الفرعونية تكون مع بعض الفقراء, مع بعض المساكين؛ ولهذا بعضهم قد تجده بمجرد أن يحصل على مقام, وظيفة معينة, أو أي منصب يحصل له, ما تدري إلا عندما يتكبر ويتجبر, وإذا به لم يعد ذلك الذي كان يبدو أمامك إنساناً عادياً, قد هو جبار, وقد هو مستكبر.

فلأن الإنسان قد يرى نفسه بمشاعر كبرياء, بمشاعر عتو, بمشاعر تجبر فيرى نفسه رفيعة وهو يصد عن عمل حق, وهو يكذِّب بحق, وهو يعاند حقاً, سيحشر يوم القيامة وهو منحط, خافض لرأسه, مقامه منخفض, معنوياته منخفضة.

الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عرض أقوالاً لمن يعيشون حالة من هذه, حالة الإنكسار, والندامة, والحسرة يوم القيامة: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ}(الزمر56) يعرض أيضاً, وقد هم في داخل جهنم كيف ترحُّمهم واستعطافهم: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ}(غافر49).

أليست هذه حالة انكسار؟ يقول عنه عندما يرى أعماله السيئة, ويتصفح صحيفته, ويرى الأعمال السيئة {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}(الفجر24) أليست هذه عبارة ندم وحسرة؟.

يقول أيضاً عندما يكون من الأتباع لأهل الباطل, الصادين عن دين الله: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}(البقرة167).

لأنه حتى أحياناً بعض الأتباع يصبح عنده روح الطغيان, والتجبر, والكبرياء, والعناد, والتمرد, وهو مجرد تابع؛ لأنه مقرب من مسؤول معيّن؛ لأن له كلمة عند مسؤول معين, تراه كذلك ينعكس في نفسيته جبروت, وطغيان، وعناد, وإصرار, وتمرد الذي يكون تابع له.

هؤلاء يوم القيامة يرون كل أعمالهم حسرات, ندامة شديدة, عذاباً نفسياً شديداً, عندما يجدون بأنه من كانوا معهم في الدنيا يصفقون لهم, ويؤيدونهم, ويعادون من أجلهم, ويوالون من أجلهم, وهم ناس ليسوا ملتزمين بدين الله, ناس محاربين لدين الله, في الأخير يرى هؤلاء يوم القيامة لا يعودون ينفعونه بشيء إطلاقاً يتبرؤون منه.

عندما تكون القيامة هكذا يظهر فيها الناس ما بين مثلما قال هنا: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} فتخفض ناس وترفع ناس, أنه أنت لو تحاول في هذه الدنيا أن تكون رفيعاً, وبأي طريقة تريد أن تكون رفيعاً, ولو بأن تدخل في باطل, أن تقف مع باطل, أن تساند باطلاً من أجل أن تحصل على رفعة, فهذه الرفعة ليست هي الرفعة الحقيقية, ليست رفعة صحيحة, ليست رفعة إيجابية.

الرفعة الحقيقية هي رفعة يوم القيامة؛ لأن هذه في الدنيا قد تكون فترة قصيرة مهما رأيت نفسك رفيعاً, ورأيت الناس يرونك رفيعاً, فهي فترة قصيرة, هي عمرك في الدنيا, وعمر الدنيا بكله محدود, يوم القيامة ستكون ممن يكونون في الحضيض, وفي أحط مستوى, فتكون ممن يخفضون في ذلك اليوم.

هذا يعني بأن الإنسان يجب عليه إذا كان يحرص على سلامة نفسه هو أن يحسب حساب الآخرة, لأن الآخرة هي الحياة الأبدية, الدنيا هذه هي حياة محدودة, وعندما يكون عند واحد أمل أنه قد يتعمر عمراً كاملاً قد يرى نفسه بأنه ربما ما يتجاوز تسعين سنة, أليس هذا أكبر ما تفترضه لنفسك, تسعين سنة ليست عمر المحشر, ليست عمر المحشر, موقف الحساب, خلي عنك الحياة الأبدية, إما في الجنة أو في النار.

أما إذا كان قد أصبح الواقع هكذا, في هذا العصر, في مختلف أقطار الدنيا, انتشرت قضية الموت المفاجئ, وقالوا أن هذه هي من أعلام الساعة, موت الفجأة من أشراط الساعة, ومن علامات القيامة, فالإنسان يحاول أن يقدم لحياته, للآخرة, يحسب حساب الآخرة, وإن عانى في هذه الدنيا, وإن تعب في هذه الدنيا, وإن واجه مشاكل في الدنيا, وإن رأى أعداء الله متحزبين عليه, وإن رآهم يكرهونه, وإن رآهم يتآمرون عليه.

لا تحسب لهذه حساب؛ لأن كل هذه هي ستنتهي، وهي محدودة, وإذا أنت على حق, وأنت متجه على صراط الله المستقيم, فستكون كل هذه الأشياء لصالحك, تتحول بالنسبة لك إلى عبادة, كل تآمر يحصل عليك, كل محاولة لمشاكل تفتح عليك لا تكترث بشيء إطلاقاً في سبيل أن تأتي يوم القيامة آمناً, في سبيل أن تأتي يوم القيامة وأنت رأسك مرفوع, مطمئن, تضحك من الآخرين, الذين كانوا في الدنيا يضحكون منك, ويسخرون منك.

هذه هي القضية المهمة, الإنسان مع غفلته – خاصة عندما يكون في مقتبل شبابه – قد يكون عنده تفكيرات كثيرة, طموحات في مقامات, في وظايف, في مناصب, في أن يكون وجيهاً, في أن يكون كذا, كثير من الشباب يكون عندهم هذه التوجهات.

إسعَ في هذه الدنيا أن توفر لنفسك الرزق الحلال, إسعَ بكل ما تستطيع, وبكل ما تتمكن في حدود أنك ما تدخل في باطل, ما تدخل في محرم, ولكن ليكون هم الإنسان هو أن يحشر يوم القيامة آمناً, أن يحشر يوم القيامة وهو ممن يحمد الله, وهو ممن يرضى عن نفسه؛ لأنه يوم القيامة كما قال الله عن المؤمنين في سورة [الغاشية]: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ}(الغاشية9).

فتكون يوم القيامة أنت ترضى عن نفسك, ترتاح من نفسك أنك عملت أعمالاً كثيرة, وكانت أعمالك صالحة, فترى جزاءها الحسن, فترضى عن نفسك, ويرضى الله عنك, وترضى عن الله, ترضى عن الله, وترضى عن نفسك, وترى أنك كنت في نصح نفسك, عملت في نجاة نفسك.

بينما الآخرين, تجد الآخرين كل واحد متحسر, كل واحد يعاتب نفسه, كل واحد يتألم على نفسه {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ}(الزمر56) ما هؤلاء يلومون أنفسهم؟ يغضبون على أنفسهم؟ يكاد كما قال الله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ}(الفرقان27) يعظ واحد أصابعه من الغيظ على نفسه هو, من الغيظ على نفسه أنه فرط في نفسه, فرط في نجاة نفسه, أضاع الفرصة التي سنحت له في الدنيا فرأى جهنم أمامه لها زفير, لها شهيق, لها تغيض من شدة احتراقها, ويرى بشائر السوء وهو في المحشر عندما يؤتى صحيفة أعماله بشماله, من وراء ظهره, يرى أن قد هي بداية, بداية تعني أن مصيره إلى جهنم.

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ}(الحاقة25) ما هذا تحسر؟ {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}(الحاقة27) ليت أن الموت الذي حصل في الدنيا أنه كان آخر ما يكون, فلا نبعث من جديد.

بينما المؤمن يحمد الله على البعث, يحمد الله وهو في مقام الحساب, يحمد الله عندما يدخل الجنة؛ لأنها كلها يجد نعمة عظيمة عليه أنه بعث من جديد ليلقى الجزاء الحسن, يرى في المحشر الناس خائفين وهو مطمئن, الناس في هول شديد وهو على الأرائك مع المؤمنين آكلين شاربين ويتفرجون على الآخرين, ويسخرون منهم, ويضحكون منهم.

{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ}(المطففين34) تجد أناساً أبصارهم شاخصة, لا يعد يستطيع يطرِف بعينه, وأنت شارب آكل مرتاح على [كَنَب] على كراسي تضحك من أولئك وهم في حالة شديدة.

هذه هي القضية التي يجب أن الإنسان يحرص مهما عانى, مهما تعب, مهما لقي من مشاكل من أجل الحياة الأبدية, أن يقدم على الله وهو آمن فيها, يفوز برضوان الله, يفوز بجنته, فيكون راضياً عن نفسه, ويكون ممن ترفعهم القيامة.

لاحظ عندما يقول هنا: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} ما هو يتحدث عن القيامة؟ أي ستحصل هذه في القيامة, فتخفض ناس وترفع ناس.

{إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً}(الواقعة4) يتحدث عن أهوال القيامة نفسها, ترتج الأرض, زلزلة شديدة, تتقلع منها الجبال, تندك منها الجبال, تتحول إلى هباء منبثا كما قال هنا: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً} (الواقعة5) الهباء كالذرات التي تراها عندما يدخل شعاع الشمس إلى غرفتك, وترى في شعاع الشمس تلك الذرات, تصبح الجبال مثل الضباب, تتحول إلى هباء منبثاً, وتندك الأرض كلها, وتتحول إلى صعيد واحد.

{وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً}(الواقعة7) في يوم القيامة تكونون ثلاثة أصناف, الناس يكونون إجمالاً ثلاثة أصناف, والناس كل الناس, كنتم أنتم أيها المخاطبون من البشر, لا يتحدث فقط عمن كانوا في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله), كنتم أنتم أيها الناس في أي زمان كنتم؛ لأن المسيرة واحدة, الذين كانوا في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله), ونزل القرآن في أيامهم, ويسمعونه وهو يقول: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً}, المسيرة واحدة, ما هم ساروا هم إلى الآخرة؟ ماتوا, من في القرن الثاني ماتوا, من في القرن الثالث ماتوا.

وهكذا مسيرة البشرية جيل بعد جيل رائحين إلى حيث سيكونون أزواجاً ثلاثة, يعني أصنافاً ثلاثة, يتحدث عن هذه الأصناف الثلاثة: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}(الواقعة8) مثلما نقول: باهرين, وعظماء, وجيِّدين, أصحاب الميمنة, اليُمْن, أصحاب اليمين واليُمن, {مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}! هذا من الصنف الجيد, من الصنف الذي يكون آمنا يوم القيامة, ويكون مصيرهم الجنة.

وهي عبارة تعظيم {مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}, عبارة تعظيم, لكن ما يزال هناك أعظم من هؤلاء, الصنف الثالث وهم: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}, وقبل هذا قال: {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ}(الواقعة9) أصحاب المشأمة, أصحاب الشمال, أصحاب الشؤم, الشقاء, الذين هم يعدون أشقياء, ويعتبرون أشقياء, هم كذلك, تهويل لموقفهم, تهويل لما سيلاقون من العذاب ومن سوء الحساب.

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} هذا الصنف الثالث: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} هؤلاء السبَّاقين إلى الخير, السبَّاقين إلى طاعة الله, السبَّاقين إلى رضوان الله, السبَّاقين إلى الإستجابة لله ورسوله, السبَّاقين إلى العمل بكتابه. هذه الصفة مهمة, وأثنى عليهم بخصوصهم فقال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}(الواقعة11) المقربون عند الله.

أصحاب الميمنة ناجين, ناجين لكن عاد هناك صنف آخر هم المقربون, أرفع درجة, أعلا مقاماً, عظماء جداً عند الله سبحانه وتعالى.

السابقون هم السابقون إلى الخير, المبادرون, لا يكونون مثلاً مثلنا يكون آخر من يتحرك, آخر من يستجيب, آخر من ينطلق, آخر من يسمع, آخر من يفهم! لا.

السابقون بطبيعتهم عندهم روح المبادرة, وعندهم حرص على رضوان الله سبحانه وتعالى, يحرص على أن يحظى برضوان الله فيكون مبادراً إلى أي عمل يحتمل أن فيه رضوان الله, خلي عنك نوعيتنا الذي يحاول مثلاً يسمع عن عمل فيه رضى لله, بل هو واجب عليه وما زال محاول أن لا يتحرك, يكون محاول أن لا يكون ملزماً بأن يتحرك فيه, هؤلاء ليسوا سباقين, هذه النوعية قد يكونون في الأخير من أصحاب الشمال.

فالإنسان المؤمن هو مطلوب منه أن يكون سبَّاقاً, والسبق نفسه هو يشكل ضمانة كبيرة بالنسبة لك, مثلاً السباقين حتى ولو كانت نسب أعمالهم الشخصية أقل من أصحاب الميمنة سيكونون أعظم, قد يكون من أصحاب الميمنة مثلاً ناس لهم أعمال كثيرة لكن هي عادة من الأعمال التي لا تتجاوز حدود شخصيته, كثير التسبيح, كثير الصلاة, كثير الصيام, كثير تلاوة القرآن الكريم, كثير من الأعمال التي هي أعمال في حدود شخصيته, استجابة لكن استجابة مثل باقي الناس, مثل أطرف الناس.

بينما السبَّاقون هم من بين يشغِّلوا الآخرين كلهم معهم، فبدل ما تكون أنت فقط تسجَّل لك الحسنات التي تنطلق منك أنت, وأنت سبَّاق ستشغِّل كل الناس حتى بعد موتك معك, تكون شريكاً لهم في الطاعة, تكون شريكاً لهم في الأعمال التي ينطلقون فيها وأنت مؤسس فيها, أنت مؤسس فيها.

لك سبق مثلاً في بناء مدرسة علمية, لك سبق في حركة ضد أعداء الله, لك سبق في نشر العلم, لك سبق في محاربة أعداء الله, لك سبق في الميادين التي تكون في هداية الناس, هي ميادين يستمر العمل فيها حتى بعد موتك, هنا أنت تشغِّل المجتمع كله يشتغل معك [أوتماتيكياً], فتكون شريكاً في أعمال الناس, العشرات من الناس, بل ربما يطلع أشخاص أعظم منك باعتبار مؤهلاتهم, باعتبار كفاءاتهم, فيكون ذلك كله إنما هو ثمرة من ثمار جهودك.

فالسابقون هم من يحوزون على أجر عظيم, وعلى مقام عالي؛ لأنهم كانوا من يبادرون, والمبادرة في حد ذاتها هي تكشف عن أنهم في نفوسهم يعيشون حالة التقوى لله سبحانه وتعالى, حالة التقوى, يعني هو دائماً يقضٌٌ, دائماً يستشعر المسؤولية, دائماً يفكر في ما هو العمل الذي يقربنا إلى الله, فإما أن ينطلق منه العمل أو سيكون سريع الإستجابة لأي عمل يطلب منه, يكون من الأوائل.

لاحظ مثلاً بعض الناس, عندما يكون هناك مصلحة عامة, تقول له ساهم, سيحاول يحاول أن يكون الأخير, ويحاول إذا ما احد انتبه له أنه لا يقدم شيئاً, ويعتبر نفسه ذكياً أنه ما قدم شيئاً, يعتبر نفسه ذكياً, وأن المشروع هذا سيقوم, وسيستفيد منه مثل الناس, وأنه أما هو ما دفع شيء! هذا ليس ذكاء, هذا غباء, يعتبر غباء.

فالإنسان المؤمن يكون سباقاً بطبيعته؛ لأنه يَقِضْ؛ لأنه يعرف أن هناك أهوالاً شديدة أمامه, هناك القيامة التي تحدث الله عنها في القرآن الكريم في أكثر من سورة بالعبارات المخيفة: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا}(الزلزلة1), يتحدث عن السماء عندما تنشق، يتحدث عن الجبال وهي تندك, يتحدث عن القبور وهي تبعثر, يتحدث عن البحار وهي تُسجَّر,تحترق البحار.

يوم شديد الأهوال, شديد الأهوال, أهول منه وأشد من هذا موقف الحساب؛ لأنه في موقف الحساب, في ساحة الحشر تكون جهنم بارزة, جهنم أمام الناس لها تغيض وزفير, تغيض: احتراق, التهاب داخلي, داخل جهنم احتراق شديد. لاحظ عندما تأتي تطرح من الأشجار التي تعطيك صورة عن إحتراق النار السريع مثل [الكَفَوْ] أو [الهَطَشْ] هذه الأعواد تسمع النار فيها عندما تحترق كيف لها صوت وتَحْطُمُ الحطب.

جهنم لشدة احتراقها, لشدة التهابها,ليست ناراً راكدة, تحترق هي, ولها زفير, الزفير هو صوت الهواء وأنت تخرجه بصوت, أو ترد الهواء بصوت إلى داخل, هذا شهيق, لها زفير ولها شهيق, صوت مزعج, حتى صوت جهنم هو في حد ذاته عذاب, تكون أنت وأنت تطالع صحيفة أعمالك من أول ما يعطوك بشمالك تعتبر هذا الموقف أشد من كل دكات الجبال, وزلزلة الأرض, ومن هذه الأهوال كلها.

موقف شديد؛ لأنك داري أن هذه هي اللحظة الأخيرة والحاسمة ما عاد يمكن وساطات, ما عاد يمكن ثاني ميعاد, ما عاد يمكن إنك تقدم رشوة, ما عاد يمكن تقول: هم هؤلاء ناس كثير سأهرب من هنا! لا يوجد شيء, ما هناك مجال إطلاقاً لأي شيء تفكر فيه, إلا تتحسر, تتألم وأنت تسمع جهنم وهي تتغيظ, وتزفر بصوتها المزعج, وأنت هكذا تبكِّت على أعمالك, وتتحسر على أعمالك, حسرات نعوذ بالله منها, عذاب نفسي شديد, شديد لا يستطيع الإنسان أن يتصوره إلا إذا تأمل في الآيات القرآنية التي تتحدث عن من يكون مصيرهم سيئاً, كيف العبارات التي تكشف عن حسرات شديدة وندامة شديدة؛ وأنهم يعيشون هولاً شديداً, يعيشون هولاً شديداً.

لأن القضية ليست قضية [ياذه ربما عسى أنهم ربما يحطوك في مكان كذا] مثل إذا قال واحد, إذا أخذوا مثلاً مجموعة إلى سجن كيف يكون تفكير الواحد منهم؟ يقول: عسى أنه سيصادف أنهم سيحبسونا في عنبر كبير نكون نجلس جمعياً, عسى أنه سيكون معنا مكان نظيف, عسى كذا, ما واحد قد يقول هكذا؟ لكن لم يعد هناك في الحشر عسى من هذه, قد مصيرك أمامك, جهنم تراها بزفيرها, بشهيقها, بتغيظها, بصوتها الموحش.

لم يعد أمامك أي تفكير يطمئِن نفسك قليل, ما عاد بقي تفكير تقول: [عسى يمكن سيدخلونا إما في طرف منها أو حولها لما يجي أحد, أو عسى با يجي احد يتابع بعدنا, سيأتي محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أو سيأتي ربما الشيخ الفلاني, أو المسؤول الفلاني الذي كان احنا معه, عسى با يجي يتابع بعدنا ويخرجنا] ما عاد هناك شيء.

إذا واحد في الدنيا قادوه إلى السجن يكون ما تزال معه آمال كثيرة [ربما با جوه سجن عادي وعسى إن ما باجوه إلا أسبوع أو ثلاثة أيام وسيطلع فلان أو فلان ويتابع] وقد يقول لنفسه [هي قضية فلوس ستقدم خمسة آلاف, عشرة آلاف وخرجت]!.

ما بعضهم يطلع الطقم هو؟ يطلع الطقم بدون أخذ ولا رد؛ لأنه عنده من هذه الآمال, أما في الآخرة فلا يمكن يقول واحد أنه [عسى يا ذه با تهب فلوس وسيخرجوك, أو عسى أن جهنم هذه با جو هناك مملصة من بين أي الشعوب وستخرج].

في القرآن الكريم الله قدم جهنم بقضية مؤيسة عن أي مخرج, مغلّقة لها أبواب, {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ}(الهمزة8) لها أبواب وتغلق {فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ}(الهمزة9) أعمدة بعد الأبواب, وزبانية, كلما طلعوا أهل النار؛ لأن أهل النار وهم في جهنم ما يكون واحد جالس مكانه, لشدة العذاب يتحرك, يسير ويجي, ويطلع وينزل في جهنم من شدة العذاب, ويتجهون إلى سور جهنم, إلى أبواب جهنم, يوصل هناك أبواب مغلقة, وكل شيء نار, أبواب نار, أسوار نار, طريق نار, وهو يتحرك فيها, وهو كله نار, عندما يصل هناك يقمعونه بمقامع من حديد {وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}(الحج21) فيرجع.

ولا يمكن يقول واحد قد يكون سنة أو سنتين, مع أن أسبوع واحد في جهنم نعوذ بالله, أسبوع واحد من يتأمل جهنم كما عرضها الله سبحانه وتعالى في القرآن, أسبوع واحد هو مما يجب أن يدفع الإنسان في هذه الدنيا إلى أن يعمل أشد الأعمال من أجل أن يسلم منها, خلي عنك أما إذا كانت ملايين السنين, يمر مليار سنة ما يمثل دقيقة واحدة بالنسبة لك؛ لأن ما هناك خروج؛ ولهذا جاءت آيات خالدين فيها, خالداً فيها, تتكرر كثيراً في القرآن الكريم.

ما يمكن إطلاقاً أن تقبل منك أي فدية, تتمنى أنك لو تفتدي من عذاب يوم القيامة بأولادك, بزوجتك, بأخيك, بأمك, بكل من حولك, يتمنى لو أنه يمكن يقول خذوا أولادي وزوجتي وأبي وأمي وإخوتي وعشيرتي, تفضلوا خذوهم واتركوني لوحدي, يتمنى {لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ}(المعارج14) يتمنى أنه لو يمكن أن يفتدي بكل هؤلاء لافتدى مقابل أن ينجى ما يمكن.

{كَلَّا إِنَّهَا لَظَى}(المعارج15) لظى يعني جهنم, إنها لظى, تتلظى: تحترق بشدة {نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى}(المعارج16) لما في داخل الإنسان, يحترق بطنه, يحترق جسمه كله, وكل ما احترق جسمه يتغير من جديد, يتغير يعني جسمك ينبت ويحترق في نفس الوقت ينبت ويحترق.

أيَّس من الخروج منها {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ} يأتي إمكان فدية يفتدي إما بمال بذهب بالأرض كلها وهي ذهب! بينما قد يكون في الدنيا هنا كان بالإمكان أعمال بسيطة, مبالغ بسيطة من ماله تعتبر فدية ما يرضى, أليس في الحديث: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)).

لاحظ من رحمة الله سبحانه وتعالى الواسعة بعباده أن هذا العذاب الشديد, هذا الهول الشديد يسهِّل للناس إمكانية أن ينجوا منه ولو بأعمال بسيطة, ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)) {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}(الإنسان8) عشاء ثلاث ليالي لاحظ كيف قدمه بشكل كبير, وجعله أيضاً من ما ينجيهم من النار.

فعندما حكى الله عنهم: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}(الإنسان9) كم في الوسط؟ ثماني وثماني وثماني ثلاثة أيام [ثَلَتّه] شعير! لاحظ كيف هذا [الثَلَتّه] الشعير كيف طلع من ورائه {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ}(الإنسان11) من [ثَلَتّه] حَبّ! لكن وهو في ساحة المحشر ما ينفعك ولا [ثَلَتّه] ذهب, ولا جبل ذهب, ولا الأرض بكلها وهي ذهب أن تقدمها إما لـ[مالِك] أو للخزنة, أو لواحد من الخزنة [ويشاقف] الباب, ما يمكن, أبداً.

هذا من الشيء الذي يدل على أن الإنسان عندما يَقْدِم على الله سبحانه وتعالى وهو مجرم, وهو مقصر أنه سيتحسر, وسيرى نفسه في الأخير أنه يستحق وهم يقودونه إلى جهنم بالسلاسل, يرى أنه يستحق , عندما يكون يفكر أنه لو عنده الدنيا كلها ذهباً أنه مِن يسلمها, يفكر أيضاً بأنه كان في الدنيا بإمكانه أن يقدم أبسط الأشياء ويفديه من جهنم.

يوم كان في الدنيا يحاول يخذِّل أولاده, يخذِّل أخاه, يخذِّل أباه عن أن يعمل في سبيل الله, على أساس أنه خائف على ابنه, خائف على أبيه, يقول لأبيه: [وديْك حقنا, أشرطه ومدرسه, ودورات, وأشياء من هذه] في الأخير يأتي يوم القيامة يتمنى لو أنه يمكن, كل هؤلاء الذين كان في الدنيا يبدو أنه رحيم بهم عنده استعداد كامل أن يسلمهم لجهنم تطحنهم! أولاده, زوجته, أخوه, أمه, أبوه, فصيلته, الأسرة التي هو منها, عشيرته, [هل ستقبلوا مني قبيلتي؟ ها لْكم قبيلتي]!!.

الذي كان مثلاً في الدنيا يحاول في ابنه أن لا يشترك في أي عمل صالح, خائف لا يسجنونه, خائف لا يلحقه إجارة عسكري تنفيذ, خائف أشياء بسيطة لا يفوته شيء بسيط من الدنيا مقابل أن يتحرك ابنه في سبيل الله.

أنت لست شفيقاً بابنك في الواقع؛ لأنه وقت الشفقة الحقيقية سترى أباك, هذا يعني تذكرة لنا جميعاً كأسر, لا تعتبر أحداً أشفق بك من الله سبحانه وتعالى إطلاقاً؛ لأن أمك وهي تبدو شفيقة هنا في الدنيا, أبوك وهو يبدو شفيق عليك في الدنيا فيوجهك عن أعمال, يقعدك عن أعمال فيها رضى لله سبحانه وتعالى, هذه هي شفقة غير واقعية.

الشفقة التي أنت بحاجة إليها, والشفقة لو كان هناك شفقة حقيقية أنت سترى أباك هذا في المحشر يتمنى أنه يمكن أن يقدِّمك أنت وكل إخوتك وأمكم, أمكم زوجته وبقية أفراد الأسرة يقدمكم لجهنم تحطمكم حطم وهو ينجى.

والله عرض لنا كيف يجب بأن من نفكر بأنه الرحيم بنا هو الله, أمك هي رحيمة بك, أبوك هو رحيم بك, لكن إذا كان يغلط فاعتبر بأنه لا يمكن أن ينفعك, تقول له: هل أنت عندما نصل إلى ساحة الحشر, وترى نفسك أن مصيرك سيئاً هل ستعطينا وجهك بأنك ما تقول في الأخير هل سيكفيكم أولادي وتتركوني أسْلَم؟ في الأخير ستضحي بنا في ساحة الحشر.

يعني: عندك استعداد, إنما فقط ما هم راضين يقبلوا منك, عندك استعداد إنما ما هم راضين يقبلوا منك, فإذا أنت شفيق علينا فوطِّن نفسك من الآن أنك يوم القيامة أن لا يحصل عندك هذا الشعور: أنك مستعد أن تسلمنا جميعاً لجهنم مقابل أنك تسلم, مع أنه شعور لا بد أن يحصل عند كل شخص سيساق إلى جهنم {يَوَدُ المُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ} ثم ينجيه هذا الذي يقدمه يتمنى.

قل لابنك أو قل لأخيك, أو قل لأبيك: أنت في هذا الموقف تبدو شفيقاً بي, لكن هذه ليست شفقة في الواقع, ليست شفقة أن تدعوني إلى عمل فيه هلاك لي ولك, أنت يوم القيامة عندما يكون مصيرك سيئاً ستتمنى أن بالإمكان أن يقبلوا منك أن تقدمني أنا وجميع إخوتي وأمّنا وجميع الأسرة لجهنم وأنت تنجى! أليس هذا صحيحاً؟ صحيح ما فيه شك.

إذاً فاتركنا من الآن نصلَّح نفوسنا, أنت شفيق علينا هنا في الدنيا، أتركنا نصلَّح نفوسنا جميعاً, أتركنا ننطلق جميعاً في الأعمال التي فيها نجاة لنفوسنا ولو وصلنا أينما وصلنا, لا تهب لي رحمة وشفقة هي في الأخير غلط, تنتهي في الأخير بك إلى جهنم, وتنتهي بي في الأخير إلى جهنم, تأتي يوم القيامة أتمنى أنه يمكن أن أسلِّمك وأسْلَم, وأنت كذلك تتمنى أنه يمكن أنك تسلمني لجهنم وتسلم.

ما هم سيكونون مختلفين يوم القيامة؟ هنا في الدنيا ممكن أن الناس يلتقون, الأب وابنه, الأخ وأخوه, الكل تلتقي مشاعرهم على أنه نتحرك جميعاً فيما ينجينا من عذاب الله, فيما ينجينا من سخط الله؛ لنقدم يوم القيامة ونحن كلنا آمنين, وكلنا أصدقاء بشكل قوي, إضافة على أننا أرحام وأقارب, فتكون النتيجة بالنسبة لنا في الآخرة بدل أنك تأتي تفكر لو أنك تقدم لي جهنم.

إذا كان مقامك أعلى الله سيرفعني إلى مقامك تكريماً لك, كما حكى الله في القرآن الكريم إذا كان الأب صالحاً وابنه صالح وأولاده وزوجته يرفعون إلى مقامه تكريماً للأب, وتكريماً للأبناء والزوجة في ظل تكريم الأب {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ}(الطور21).

أليس هذا هو العمل الصحيح؟ هنا الذي في الأخير الأب سينفع ابنه والإبن ينفع أباه, أنت يكون مقامك رفيعاً, أبوك, زوجتك, أمك ترتقي إلى مكانك, هكذا داخل الأسرة, الله يحكي في القرآن الكريم بأنه داخل الأسرة الواحدة؛ لأن الأسرة الواحدة عندما كانت تشجع, عندما كانت تقف مع واحد منها يتحرك حركة صحيحة هي تشارك في العمل الصالح، قد لا تكون مشاركتها بالشكل الذي يحصل عليه هذا الإنسان من تكريم عند الله سبحانه وتعالى.

ولكن ومن تكريمه أيضاً أن بقية أفراد أسرته يرفعون إلى مقامه, هذه هي النتيجة الصحيحة, عندما يكون كل واحد منا من أفراد الأسرة, الذي يكون في المقام الرفيع سيسحب الآخرين معه إلى المقام الرفيع الذي هو فيه, بدل أن نكون في ساحة المحشر كل واحد يفكر ليت أنه ممكن أن يأخذوا أولادي بدل, ما هنا يوجد فارق كبير جداً بين الحالتين؟ فارق كبير جداً.

عندما يقول الله: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}أنت عندما ترى واحداً من أسرتكم تراه سباقاً إلى الخير حاول أن تشجعه على أن يكون سباقاً إلى الخير, تراه ينطلق إلى المبادرة إلى الأعمال الصالحة شجعه في هذا, لا تثبطه, وليس هناك مبرر إطلاقاً لأن تثبطه؛ لأن كل ما يعمله هو في الأخير سينتهي إلى مصلحتك أنت, إذا أنت متجه في نفس الإتجاه, أما إذا الإنسان مجرم فهذا شيء آخر سيفصل عن أسرته, ويفصل نهائياً.

لكن أسرة صالحة, أسرة بوضع طبيعي, فعندما يرون أحداً من أفراد الأسرة عنده روح المبادرة والسبق في طاعة الله سبحانه وتعالى – في الأعمال وإن كانت أعمالاً خطيرة – لا يجوز أن يوقفوه بحال, إذا أوقفوه سيكونون هم صادين عن سبيل الله, وصادين عن عمل مصلحته في الأخير ستنتهي إليهم هم؛ لأنه إن كان الذي يدفعك إلى أن تصد ابنك أو أباك أو أخاك؛ لأنه يعطي جزءاً من أموالكم بسيطاً في سبيل الله, فأنت إذا أنت حريص على أموالكم، إرجع إلى القرآن الكريم الله يقول فيه: {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}(الأنفال60).

لماذا تعارض؟ ما هو ناقص عليك شيء, وعد إلهي لن ينقص عليك شيء, سيخلف الله أضعافاً مضاعفة من حيث لا تشعر. إذاً فلماذا تصده عن الإنفاق في سبيل الله, أنت تصده؛ لأنك خائف عليه, وخائف لا يكلف عليكم في الأخير لمشكلة, [لا يَخَسِّرنا], وعبارات من هذه, وهو في سبيل الله, أنت الآن تأتي توقفه فيكون هو وأنت قاعدين عن عمل هو لله رضى, فتتحول القضية بالنسبة لكم إلى جريمة.

أتركه ينطلق في الأعمال الصالحة ستستفيد أنت من ورائه في الدنيا, وستستفيد أنت من ورائه في الآخرة؛ لأنه ربما هذا الواحد من أفراد أسرتنا يتحرك أفضل, سبَّاق ما استطعنا أن نصل إلى درجته نكون مؤمنين أيضاً يوم القيامة بتكريم الله له سيقربنا الله إلى مقامه.

أليست هذه هي الفائدة العظيمة, الفائدة العظيمة أنه واحد من أفراد أسرتك مهما بلغت أعماله وأنت في اتجاهه بإيمان, ولكن لاعتبارات معينة ما تهيأ لك أن تكون سباقاً كمثله لكن {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} كما قال الله: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}.

فتلاحظ أن عمله في الدنيا, سبْقه في الدنيا, التكريم الذي حصل عليه من قبل الله سبحانه وتعالى بسبب أعماله وسبقه في الأعمال الصالحة, أنه في الأخير كان فيه فائدة ومصلحة بالنسبة لك أنت.. تُلحق به, بينما لو لم يكن هذا في أفراد أسرتك, هذا الشخص الواحد ربما لكان مكانكم عندما تدخلون الجنة دون بكثير,الله حكى عن الآخرة بأنها {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً}(الإسراء21).

الآخرة فيها تفاضل, تفاضل واسع أكبر درجات, أكبر من فوارق الدنيا, في تفاضل الناس, في جزائهم, في مقاماتهم, في ما لديهم من نعيم, تتفاوت درجاتهم, الجنة واسعة جداً, والمقامات المعنوية فيها أيضاً متفاوتة جداً.

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}السابقون, السابقون ما يكون منطقهم المنطق الذي هو سائد بيننا:[خَلِّني أعْقَب] ما هذا منطق سائد في بلادنا؟ [خَلِّني أعْقَب في كل شيء, وخلنا نعيِّن كيف هم سينجحوا دخلنا معهم, خلنا نعيِّن كيف هو سيأتي عليهم شيء فأحسن جو احنا بعيد ما جو قد دخلنا معهم لأجل لا يلحقنا ما يلحقهم خلونا نعين, خلوني أعقب] هذه هي روح تتنافى مع روح السبق, في الأخير تجرجر واحد إلى أن يكون من أصحاب الشمال, المشاعر هذه تجرجرك في الأخير إلى أن تكون من أصحاب الشمال, وهو سيتحدث عن مصير أصحاب الشمال.

{أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} المقربون عند الله سبحانه وتعالى, والقرب من الله هو النعمة العظيمة, هو الدرجة العالية, هو المقام الذي يجب على الإنسان أن يسعى من أجل أن يحصل على نسبة منه, نسبة ولو نسبة بسيطة من القرب من الله سبحانه وتعالى.

لأننا نجد أنفسنا في الدنيا قد يكون لدى الكثير منا تفكير أنه كيف يكون مقرباً من فلان, كيف يكون مقرباً من المسؤول الفلاني, كيف يكون مقرباً من الرئيس, كيف يكون مقرباً من الملك, كيف يكون مقرباً من الوزير, محاولات من هذا النوع.

ترى هذا القرب في الأخير قد لا ينفعك بشيء, قد يكون وبالاً عليك, لكن القرب الذي هو قرب له فائدته العظيمة, ويعتبر شرفاً عظيماً, شرفاً عظيماً هو القرب من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه من تفكر هنا في الدنيا أن تكون قريباً منهم, أن تكون قريباً منهم؛ لأنه في مشاعرك أن هذا الشخص قدير, عنده قدرة, عنده إمكانيات كبيرة, فأنت تلحظ هنا فيه جانب إمكانياته, وقدراته, وممتلكاته, أو تلحظ فيه أنه صاحب سلطة.

كلما تفكر فيه في هذا الشخص ليس هناك مقارنة بينه وبين ملك الله, وبين قدرة الله, وبين سلطان الله, وبين عظمة الله, وبين جلال الله, وبين علو الله سبحانه وتعالى إطلاقاً ما هناك مقارنة, إذا أنت تحس بأنك تحس بشرف؛ لأنك مقرب من فلان, تحس برفعة؛ لأنك مقرب من فلان في الدنيا, فالشرف العظيم, والرفعة العظيمة الحقيقية هي عندما تحظى بالقرب من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه أعلى من كل من تفكر في القرب منهم, هو أعظم من كل من تفكر أن تكون قريباً منه.

هذا شيء يجب أن الإنسان يفكر فيه؛ لأنه في الدنيا تحصل هذه, من عند الكبار إلى عند الفقير, كل واحد يريد يتقرب عند ذلك, الضابط يريد يتقرب للوزير, والوزير يريد يتقرب للرئيس, والرئيس يريد يتقرب, ما يزال هناك تقربات وتنتهي إلى البيت الأبيض, تقربات, كل واحد يحاول يتقرب, يتقرب, يتقرب, الفقير ذلك الإنسان العادي يحاول يتقرب من ذلك التاجر, والتاجر تراه يحاول يتقرب من ذلك المسؤول, وذلك الضابط, وذلك. فالناس كلهم في الدنيا كل يحاول أن يكون قريباً من فلان, لكن هنا قارن أن أكون قريباً من فلان وأدخل في باطل هذه غلطة كبيرة.

ما هناك مانع أن أكون قريباً من فلان, أي أن يراني فلان قريباً منه. مع أنه في مقامات الأعمال الصالحة, في الأعمال الصالحة نفسها, هذا المجال غير مسموح به, تعتبر مرائياً بأعمالك, لو أنني أنطلق في أعمال صالحة من أجل ماذا؟ أن يقربني فلان منه! هذا رياء, ما يقبل هذا, ما يقبل إطلاقاً.

لأن فكرة التقرب في الدنيا هي لاغية أساساً من أصلها؛ لأنه يا إما أن يكون تقرباً بباطل, تقرب من إنسان على باطل, هذه كلها وبال عليك, أو أن تكون أنت في اتجاه صحيح, أنت ومن تفكر أن تتقرب منه، فعند ما تنطلق في الأعمال الصالحة لتتقرب منه فأنت مرائي, أليست القضية مصفَّر عليها أساساً في الدنيا؟ الموضوع هذا بكله مصفَّر عليه في الدنيا.

أن يكون الإنسان هنا في الدنيا يحاول أن يتقرب من الآخرين قد يكون هناك عدة عوامل تدفعك إلى التفكير في هذا: فيما إذا أنت إنسان عندك مطامع مادية, عندك طموحات مادية, وأنت تفكر في الحصول على المال, أن تكسب مصالح بأي طريقة, فأنت تتقرب إلى الجهة الفلانية, أو الشخص الفلاني, أنت ترى أن من وراء التقرب إليه ستحصل على أموال.

أو أنت صاحب أموال أنت ترى بأنه من خلال التقرب إلى الضابط الفلاني, أو المسؤول الفلاني, أو الشيخ الفلاني يسلَم حقنا, وما يجي علينا شيء, هذه واحدة, وهي ثاني عامل من العوامل.

أو تكون شخص لك مواقف من آخرين, وتشدك حماقتك بأن ماذا؟ أن أحاول أن أتشفى من الآخرين بأن أتقرب من آخرين, من كبار, أراهم أمامي كباراً, من أجل في الوسط أستطيع أن أوجد نكاية بالأشخاص الذين أنا حاقد عليهم, أو مختلف معهم.

هذه كلها لا تعتبر مبررات إطلاقاً, لا تعتبر مبررات أبداً بأن تتقرب من أهل باطل, أو من إنسان مجرم, سواء من أجل أن تحصل على مال, أو من أجل أن يسلم لك مالك, أو من أجل أن تحصل بواسطته على ماذا؟ على أن تتشفى من غرماء معك.

اصطلح أنت مع غرمائك مباشرة, وشريعة الله واضحة في كل ما تختلفوا فيه, {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}(الشورى10) والحل قائم في شرع الله بدون ما تحتاج تتقرب عند فلان, ولا تحتاج تدخل في باطل, ولا تحتاج تقترف باطل. فيرتكب الإنسان عدة أغلاط: تتقرب إلى إنسان مجرم, هذه جريمة, ثم أظلم آخرين؛ لأني أختلف معهم, جريمة ثانية.

أنا مختلف معك كيفما كان اختلافنا ليس اختلافنا بالشكل الذي لا يوجد له حل في الشريعة الإسلامية, أتصالح معك, نرجع إلى حكم الله فيما اختلفنا فيه, نرجع إلى تفاهم, إلى حوار؛ لنعرف من هو الظالم منا, من هو المظلوم, من هو المخطئ, من هو المصيب, يكون هناك من يحسم القضية بيننا وانتهى الموضوع, لا تحتاج أنت أن تبحث لك عن ظهر, ولا أحتاج أنا أن أبحث لي عن ظهر – كما يقولون – .

هذا الذي قد يدفع الإنسان إلى أن يتقرب, أو يكون عنده طموحات أن يحصل على وظيفة أكثر, يحصل على درجة أعلى, يحصل على رتبة أعلى, فيتقرب إلى أشخاص سيئين, أشخاص مجرمين, نفس الشيء, هذا ليس مبرراً إطلاقاً.

القرب الذي يجب أن تبحث عنه هو القرب من الله سبحانه وتعالى.

في ُسلَّم الباطل, ولأغراض باطلة, ولأهداف باطلة, يعتبر جريمة كله, وفي الإتجاه الآخر, اتجاه الحق, نفس الشيء, يعتبر جريمة؛ لأنه كله سيطلع رياء, أحاول أن أكون مقرباً من فلان بأعمال أتحرك فيها هي أعمال صالحة, أنت هنا تصفِّر على أعمالك, أنت هنا تجعل أعمالك لا تقبل, أنت هنا تبتعد عن الله.

مجال واحد, اتجاه واحد الذي يجب على الناس أن يفكروا كيف يكونون قريبين منه هو الله, ما هناك غيره, لا مُحقّ ولا مبطل, بالأعمال الصالحة أريد أن أكون مقرباً من إنسان مهما كان مقامه, وأنا مقصدي هكذا: أن أكون مقرباً منه بهذه الأعمال الصالحة, الله يقول في القرآن الكريم, يرد على مجاهدين عندما سأل أحد المجاهدين أن الإنسان قد يخرج يجاهد ويحب أن يُرى مقامُه, ويقولون فلان! ما هنا شعور من هذا النوع؟ يكون مقرباً من الآخرين, ويرونه يعظمونه, نزلت الآية: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}(الكهف110).

أقفل المجال, ليس هناك إلا جهة واحدة هي التي تسعى لأن تكون مقرباً منها وهو الله سبحانه وتعالى, القرب من الله, كل عمل صالح هو يقربك من الله, من رضوانه, من نعيمه, لكن أن تكون من النوعية هذه, من السباقين, أولئك هم المقربون بما تعنيه الكلمة, كأنه يقول عندما يقول: {أُولئِكَ} هم, هم المقربون حقيقة, هم المقربون بما تعنيه كلمة مقرب, وإلا فرحمته واسعة, أصحاب الميمنة, الناس المؤمنين الطيبين, هم لهم قرب من الله, ويدخلهم جنته ونعيمه الواسع, لكن الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً.

ولأن القضية – كما أسلفنا سابقاً – في مسألة السبق هي مسألة وعي, مسألة فهم, مسألة استشعار بتقوى الله, يكون عندك مشاعر يَقِضَة, إيمان قوي بالله, حرص على رضوان الله.

لماذا أصبحت قضية السبق مهمة؟ لأن العادة أن من ينطلقون في فترة من الفترات, في عمل معين, كثيراً ما يكون هذا العمل من النوع الذي الناس ما يتجهون فيه, أو يكون المعارضون فيه كثير, أو يكون المشاغبون ضده كثير, أو الأعداء له كثير, أو المشاكل أمامه كثيرة.

فترى كثيراً حتى ممن هم مؤمنين يتجنبونه, يقولون: عسى ما قد هو ضروري, عسى ما قد هو لازم علينا, يمكن ما قد هو واجب علينا. السبَاقون يكونون هم من يتحملون صعوبة البداية, ثم من بعد يصبح كل شيء محسوباً لهم.

لاحظ كيف جعل الله فارقاً كبيراً بين من كانوا ينفقون ويجاهدون قبل فتح مكة, ويقاتلون في سبيل الله, وبعد فتح مكة {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً – أعظم درجة – مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}(الحديد10).

ما هذا أنفق وقاتل؟ وذاك أنفق وقاتل؟ لكن هنا أنت تنفق وتقاتل وأنت ترى هذا الإتجاه الذي أنت فيه, فيه آلاف, تقاتل مع ثمانية آلاف, مع اثنا عشر ألفاً, بينما كان الأول يقاتل مع مائتين, مع ثلاث مائة, مع عشرين شخصاً, مع ثلاثين, والمجتمع كله من حولك مجتمع معادي, أنت كنت تنفق في ظروف قاسية, في لحظات مهمة جداً.

الآن عندما تأتي تنفق مبلغاً سيأتي لك غنائم ربما أكثر مما أنفقت, تنفق وأنت قد معك اثنا عشر ألفاً تقاتل معهم, وتجمعون غنائم, أهل [هوازن] في يوم [حنين] سيأتي له أكثر مما أنفق, تكون النتائج مختلفة, هكذا السباقين هم من يواجهون عادة الظروف الصعبة في البداية, هم من ينصبُّ عليهم, ويتجه إليهم ماذا؟ الكلام المضاد, التّهم, المشاكل, العداوات, أشياء من هذه.

لكن أحياناً إذا عند الناس تفكير , تفكير يعني ممكن أن يكونوا سباقين, وبنسبة كبيرة, بسبقهم الجماعي يتفادون كثيراً من الإشكاليات, يتفادون كثيراً من المصائب, مثلاً أن تنطلق في عمل لوحدك بمفردك, قد تكون أنت أمام الآخرين, هذا شرف عظيم لك وفيه صعوبة, ما فيه صعوبة؟ لكن أن ينطلق مجتمع بكله بنفس الموقف يجعل الآخرين لا يعودوا يفكرون في شيء, ما يفكروا يعملون أي عمل ضدك, بل يفكرون ربما كيف يتأقلمون معك, كيف يكسبون ودك, أنت وهذا المجتمع, كيف يكسبون المجتمع بكله الذي أصبح يتحرك تحركاً معيناً.

لكن ربما لأنه هكذا, ما يتهيأ في الغالب أن يكون المجتمع ينطلق انطلاقة واحدة, وإلا فهو مطلوب من الكل روح المبادرة, روح السبق, فعادة ما يكون هناك سباقين, فـ{أولئك} هم كما قال الله: {أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}(الواقعة12).

{أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} هذه واحدة من النعم العظيمة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم بعدما ذكر الجنة أن رضوانه هو أكبر نعيم, وحتى تعرف فعلاً أن الرضوان, أن المقام المعنوي سيكون لديك أعظم من النعم المادية, تجد أمثلة في الدنيا على هذا, قد تجد تاجراً عنده أموال كثيرة, عنده سيارات, عنده بيوت, عنده كل ما يشتهي, لكن يتمنى, ما يزال يحاول أن يكون مقرباً من رئيس الوزراء, يكون مقرباً من وزير خارجية, داخلية, يكون مقرباً من رئيس جمهورية, يكون مقرباً من رئيس مجلس شورى, مجلس نواب مثلاً, يحاول أيضاً أن يكون مقرباً من محافظ, يكون مقرباً من المدير.

ستراه وتلمس فيه أنت أنه ما يهناه ما عنده من نعيم مادي, ما يهناه مثل ماذا؟ ما قد حصل على المقام المعنوي, أن يكون مقرباً من فلان! بعد أن يحصل على هذا المقام فيصبح مقرباً مثلاً من الرئيس ستراه يعتبر كونه مقرباً من الرئيس عنده أغلى من تلك الأشياء كلها, يعتبرها حالة عنده أغلى من تلك الأشياء كلها, ومستعد أن يفديها ولو بأكثر ماله, وتبقى.

سيقدم تبرعات, يقدم مساعدات, يقدم كذا؛ لأجل يحافظ على قربه من الرئيس؛ لأن القرب المعنوي حتى تعرف بأنه نعيم, إنما فقط لأننا معرفتنا بالله قليلة, معرفتنا بالله ضعيفة, وإلا لوجد الإنسان بأنه أن يرى نفسه في عمل يقربه إلى الله سيجد أو سيلمس أن حالة القرب من الله هي أعظم نعيم يحصل عليه في الدنيا وفي الآخرة.

لكن هذا كمثال لنا في الدنيا, وستلمسه فعلاً, تتحرك في الدنيا سترى كيف يكون التاجر الفلاني الذي يمتلك الممتلكات الكثيرة وليس بحاجة الرئيس من أجل أنه سيعطيه حوالات, ليس بحاجة إليها, هو سيعطي هو, سيعطي [المؤتمر] مثلاً في انتخابات, سيعطي في كارثة طبيعية تحصل من أجل أن يحصل على القرب من الرئيس؛ لأنه يرى القرب من الرئيس شرفاً عظيماً, ويراها نعمة كبيرة عليه أغلى من كل ما لديه.

الله يقول بالنسبة للمؤمنين: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ}(التوبة72) وهو ما يعتبرونه أكبر نعيم, وأكبر جزاء, وأكبر شرف, وأكبر فضل. فيجمع الله سبحانه وتعالى لهم بين هذا القرب المعنوي, القرب منه, وبين النعيم العظيم عندما يقول: {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

التعليقات مغلقة.