saadahnews

دروس من غزوة أحد

[هذه المحاضرة ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي على جبل الرماة، في جبل أحد، في مدينة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) خلال زيارته لسيد الشهداء حمزة (رضوان الله تعالى عليه) سنة 1422 هجرية].

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

في العام الثالث الهجري خرج المشركون من مكة متجهين إلى المدينة، يريدون أن ينتقموا من المسلمين لِمَا حصل لهم في بدر، ولجرأتهم الشديدة – وكان العرب زمان، العرب زمان، سواء المشرك والمسلم، كان ما يزال فيهم إباء، وفيهم نجدة، وفيهم حمية – هجموا على المدينة، وحصل تداول للرأي بين رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وبين المسلمين.

يقال: كان رأي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو: أن يبقوا في المدينة، ويقاتلوهم في المدينة، ورأي آخرين، وكانوا – كما يشير بعض الكتاب – شباباً، عندهم طموح، قالوا: نخرج نلقاهم. رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يقال كان رأيه البقاء في المدينة، لكن في الأخير عندما رأى أن الأكثرية من الناس المقاتلين لديهم رغبة في الخروج، يلقونهم خارج المدينة دخل ولبس لباس الحرب التي يسمونها: لامة الحرب.

ولما خرج من منزله لمسوا في وجهه أنه ربما ما كان رأيه الخروج، فحاولوا إذا كان بالإمكان أن يعدل عن رأيه، قال: لا ينبغي لنبي إن لبس لامة حربه أن يرجع حتى يخرج فيقاتل أو يفتح الله بينه وبين عدوه، بعبارة تشبه هذه، ثم خرج.

يقال أيضاً: بأن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان قد رأى رؤيا، أو رأى شخص آخر هي: أن هناك بقر تذبح، وكانت هذه الرؤيا تزعجه. خرج، توكل على الله، وخرجوا، والمسافة قريبة.

كان من أهم الأشياء التي ربُّيَ عليها المسلمون في القرآن الكريم، وعلى يد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في تربيته للمسلمين هي: السمع والطاعة، الطاعة بمعنى الكلمة، والقرآن أكد على هذه، طاعة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في كل الميادين، وإلى الآن، إلى الآن التفريط في طاعة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ما تزال آثارها نعاني منها إلى الآن.

في بداية المعركة بعد أن واجهوا المشركين، وبعد أن عبأ رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) المسلمين وضع مجموعة – كما يقال – من الرماة فوق الجبل هذا، هذا إذا ما يزال هذا الجبل على أصله؛ لأن الدكاكات قد أخذت منه، قد أخذوا من الجبل، قال اقعدوا في هذا المكان سواء انتصرنا أو قتلنا أو.. لا تبرحوا أماكنكم.

في بداية المعركة – كما قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم – : {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ}(آل عمران: من الآية152) في البداية كما قال: {تَحُسُّونَهُمْ} أي قتل بسهولة، يمسحون رؤوس الكافرين، حصل التنازع، حصل الفشل، حصل عصيان، وهذه هي التي تضرب المسلمين، تضرب المسلمين ضربة رهيبة، التنازع والفشل، لا مبرر لأي شخص أن يدلي برأي، أو أن يقول شيئاً مع وجود رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ أولاً: كان النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) رسول من عند الله، أيضاً كان شخصاً كاملاً في ذكائه، في فهمه، شخص يعرف المجتمع العربي، ويعرف آلة الحرب عند العرب، ويعرف كل الأشياء في المجتمع العربي، ويعرف أيضاً تكتيكات المعارك، والقتال، لكن أحياناً تظهر الآراء: تنازع، وفشل، ومتى ما حصل تنازع وفشل داخل فئة تحمل رسالة، تحمل مهمة كبيرة جداً. هم كانوا أنصار رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، إذا ما حصل الخلل في جانبهم قد يُعرِّضون الرسول، ويعرضون الرسالة كلها، ثم يعرضون البشرية كلها للخسران، عندما حصل التنازع يقال بأنه حصل ممن كانوا رماة في الجبل، بعد أن رأوا المسلمين في المعركة الغلبة لهم، ورأوا المشركين انهزموا قالوا: ننزل، انتهت المعركة، ننزل غنائم، نجمع غنائم، وانتهت المعركة!

رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان قد أكد عليهم بأن لا يبرحوا أماكنهم أبداً، كأنه حصل فيما بينهم، المجموعة الذين كانوا في [الثغرة] حصل فيما بينهم أخذ ورد، منهم من صمم على البقاء، ومنهم من نزل، الذين نزلوا بالطبع الآخرين يشاهدونهم، الآخرون من المقاتلين، هم يشاهدونهم، كان المفروض أن يقولوا: لا تبرحوا أماكنكم كما أمركم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، لكن عصوا، والمعصية هذه لما سكت الآخرون كان كأنه موقف للكلّ، وتنازُع وفشل حصل من داخل، ماذا حصل فيما بعد؟

حصل فيما أعتقد أنا – والله أعلم – أن الله هيأ؛ لأنهم ارتكبوا خطيئة كبيرة، بغض النظر عن كونها خطيئة، ومن ورائها جهنم أو ما من ورائها جهنم، خطيئة في واقع العمل الرسالي، واقع الرسالة، هؤلاء هم يحملون رسالة للبشرية كلها، إذا لم يكونوا هم ملتزمين بالطاعة المطلقة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فمعنى هذا بداية الفشل في أول الطريق، وهذا تعريض للرسالة، وللرسول وللأمة كلها للخطورة.

ما الذي حصل بعد؟ يتهيأ أن يلف المشركون فيضربونهم، فيقتل سبعون قتيلاً، منهم: حمزة، وحمزة كما قال عنه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): سيد الشهداء، هو الذي سماه سيد الشهداء، حمزة كان معروفاً بالفروسية، والبطولة، ومعروف أيضاً بالإخلاص لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، والتفاني، التفاني في القتال. كانت خسارة حمزة تعتبر خسارة رهيبة؛ لأنه – حقيقة – أعظم خسارة على الأمة هي عظماؤها، أيُّ أمة تخسر أيَّ خسارة أخرى يمكن أن تعوَّض، كوارث طبيعية تتعرض للمساكن، أو للمزارع، أو لأي شيء آخر، لكن العظماء هم إذا ما فقدوا خسارة لا تعوض، فكان حمزة يعتبر خسارة كبيرة جداً.

من أين جاءت هذه الخسارة؟ هل الخسارة على النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وحده أم خسارة على الكل؟ كانت خسارة على الكل؛ لأن أولئك الذين تثاقلوا – كما قال الله عنهم – تنازعوا، وفشلوا، وعصوا، استحقوا أن يؤدبوا، استحقوا أن يؤدبوا فعلاً، والأدب يأتي عامّ؛ لأن الآخرين سكتوا، ألم ينزل هؤلاء من الجبل والآخرون يشاهدونهم؟ لم يتكلموا، عندما يسكت الناس فالسكوت أحياناً يعبر عن الموقف الجماعي، فيكون الكل مستحقون للعقوبة.

والقرآن الكريم أكد على أن العقوبات تحصل في الدنيا، وأي عمل يعمله الناس العقوبة هنا تكون مفاجئة، عندما مال المشركون مالوا وفاجأوا المسلمين، وهم يجمعون الغنائم، كانت هزيمة منكرة للمسلمين حقيقة، كانت هزيمة منكرة، وبقي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مع مجموعة من أهل بيته، ومن خواص أصحابه، بقيوا يدافعون عنه، والمشركون شمتوا بالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) حتى قال قائلهم: [أُعل هبل]، قالوا: إن أبا سفيان قال: [أعل هبل].

فكانت ضربة شديدة، الله قال عنها وهو يذكر القصة هذه – لأن غزوة أحد لم يكن فيها نصر للمسلمين حقيقة، النتيجة النهائية لم يكن فيها نصر، لكن كان فيها دروس كثيرة مهمة ما تزال مسطرة إلى الآن، وما يزال المسلمون بحاجة إليها إلى الآن.

{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ}(آل عمران: من الآية152) مما يدل على أنهم تلقوا عقوبة إلهية؛ لأن الله سبحانه وتعالى، كما قال: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفتح: من الآية4) متى ما عصاه من هو يتحمل مسؤولية، ويحمل رسالة، المسلمون جميعاً في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في هذا المكان هم كانوا طليعة من يصلح البشرية كلها، عندما عصوا استحقوا العقوبة، ولكن كما قال الله {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} العفو يفسره بعض المفسرين بأن معناه: [العفو عن الذنوب، العفو عن الإثم]. الموضوع ليس موضوع إثم والاّ ما إثم، الموضوع موضوع عقوبات وقتيّة هنا في الدنيا، الإثم هناك في الآخرة.

ولقد عفا عنكم، المدينة تبعد عن أحد، كم؟ أربعة كيلو متر، كان الشيء الطبيعي المحتمل لقريش هو: أن يدخلوا المدينة، أليس هذا كان هو المحتمل، وقد خرج الأنصار هنا، والمسلمون هناك، وقد هزموا، وبعضهم ضاعوا لفترة. كان الشيء المحتمل هو: أن يدخلوا المدينة، فيحتلوها، ويعبثوا بها، ولكن الله عفا عن المسلمين، وتدارك الأمر فصرفهم، فانصرف المشركون، واتجهوا نحو مكة.

هذا من اللطف الإلهي، من العفو الإلهي العظيم في هذا الموقف، وإلا كانت المدينة هنا قريبة جداً، وأي قائد عسكري يحصل له نصر كهذا، مثلما حصل لخالد بن الوليد ولقريش في تلك المعركة أن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو: أن يهجم على المدينة، ليسوا أغبياء إلى الدرجة هذه أن لا يفكروا أن يدخلوا المدينة، لكن الله صرفهم، {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} كما قال الله.

الدرس هنا: هو أنه عندما يحصل عند الناس التأويلات، والتصنيفات: [المعركة انتهت…] القرآن ربّى المسلمين على الطاعة المطلقة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، الطاعة المطلقة، يقول لك: اجلس هنا، إذاً اجلس هنا، لا تأتي من بعد تتأول، كما تأول أبونا آدم، كما تأول أبونا آدم، ربما.. ولعل.. حتى أكل من الشجرة، وكانت أول معصية يتلقى البشر فيها درساً بأن العقوبة تأتي على المعصية في الدنيا هي معصية أبونا آدم، عرضها الله في القرآن الكريم، وعرضت – كما يقال – في الكتب السماوية الأخرى.

كذلك قصة أحد، المعركة هذه، المعركة هذه فيها دروس إلى الآن؛ لأنه ما ضَرَب المسلمين من أيام رسول الله، ومن بعد موت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وإلى الآن إلا التأويلات، والتصنيفات، [يمكن هو يريد أي واحد مننا، سواء علي أو أبو بكر، أبو بكر قد هو رجَّال عاقل، وشايب، ومقبول عند الجميع، إذاً أبو بكر، المهم واحد] من هذا النوع من التصنيفات، هنا نفس الشيء، يقول لك: قد انهزم المشركون ننزل نجمِّع غنائم، انتهت المعركة ننزل نجمع غنائم!

الغنائم قضيتها محسومة في المعارك: أنه ما جمع يجب أن يجمع جميعاً، ثم يقسم بعد أن يخرج الخمس، فسواء أنت تنزل تجمع أو لا تجمع، أنت ستلحق نصيبك ما دام أنت حاضر المعركة. لكن الرغبة، كما قال الله: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}(آل عمران: من الآية152) وأحيانا من في نفوسهم رغبة في الدنيا يطمعون حتى وإن كان من المحتمل أن يحصل له على نصيب، الرغبة في المال، في لمس المال، في جمع المال قد يكون عند بعض الناس في حد ذاته هدف، وشيء يتلذذ به. دفعهم هذا أيضاً إلى أن ينزلوا، دفعهم هذا إلى أن يضربوا.

وقال الله أيضاً في هذه: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية166) فبإذن الله، المفسرون عند هذه المسألة، المفسرون يستبعدون المسألة هذه، يقولون عنها: بعلمه، أو بتخليته؛ لأنه يستبعد بأنه يأتي مثلاً أن الله يسلط كافرين على مسلمين، أليس هو يستبعد هذه من منطلق العدل؟ لكن على أساس قضية: الثواب والعقاب الأخروي، لكن أما في الدنيا هنا فسواء يسلط الله عليك نمراً، أو أسداً، أو كافراً، أو جملاً، {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفتح: من الآية4).

متى ما عصى الإنسان، ويعصي وهو في موقع مهم جداً، ويتحمل مسؤولية للبشرية كلها، استحق أن يضرب على يد الآخرين؛ ولهذا قال الله: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ – يوم أحد – فَبِإِذْنِ اللَّهِ}يهيئ أن تضربوا؛ لتؤدبوا؛ لأنكم عصيتم، وتنازعتم، وفشلتم، وأنتم من تحملون رسالة مهمة، وقيادتكم قيادة عظيمة، رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ما ينبغي أن تتنازعوا مع وجوده، ولا ينبغي أن تعصوه، ولا ينبغي أن تفشلوا وهو قائدكم، وأنتم أيضاً من تحملون رسالة للبشرية كلها {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} كما قال الله عفو عنهم، ثم عفا عن الأمة كلها، لو دخل المشركون المدينة، اجتاحوا المدينة، وضربوا قاعدة الدولة الإسلامية اعتبر المسألة انتهت.

فهنا كانت الخطيئة كبيرة، لكن المفسرين عندنا يكون همهم هو ما يتعلق بماذا؟ إثم ما إثم فقط! بينما القرآن يؤكد أن المسألة هنا في الدنيا، وهو الذي يجب أن ننتبه له، أن أيَّ معصية تحصل عقوبتها هنا في الدنيا قبل الآخرة، عقوبتها هنا في الدنيا: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً}(طـه: من الآية123) كما قال الله في معصية آدم وإبليس، لأنه لا يأتي للناس شقاء في هذه الدنيا أبداً، ولا ضلال في هذه الدنيا أبداً إلا عن طريق مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى.

إبليس عصى الله فتحول إلى ضال مضل، وآدم عصى أيضاً فتحول إلى شقي، شقي في حياته عندما أخرج من الجنة. قال الله بعدها: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}(طـه: من الآية123) فلا يضل، ولا يشقى، شقي آدم، ألم يطرد من الجنة ونزع الله عنه لباسه هو وزوجته؟ مع أنه تاب عليهم.

فعندما نقرأ: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} في قصة أحد قالوا: [أي: عفا عنكم الإثم]، عفا لم تترك المسالة تنتهي إلى أقصى حدودها، لأنه كان – كما قلنا أكثر من مرة – أنه كان من المحتمل عسكرياً احتمالاً مؤكداً هو: أن يدخل المشركون المدينة، لكن الله عفا فصرفهم.

فالمهم في هذا الموقف أن فيها دروس، وفيها خسارة كبيرة هي خسارة حمزة، ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) تألم جداً على حمزة؛ لأنه كان في ظرف أحوج ما يكون إلى شخص كحمزة، رجل شجاع، ورجل مخلص، ورجل مؤمن، ورجل قوي في ذات الله، وأي قائد يدخل في مواجهة مع آخرين يعرف قيمة الرجل المهم.

الآن لأننا لسنا في مواجهة مع أعداء الله لا قيمة لبعضنا عند بعض إن مات هذا، أو قتل أو راح هذا ليست مشكلة, لكن في ميادين المواجهة مع أعداء الله يصبح الرجل المهم له قيمته العالية، ويعرف الناس الحاجة الماسة إليه، رسول الله تألم جداً على حمزة، على قتله، ثم على قتلته على تلك الطريقة والتمثيل الذي حصل له من قبل أم معاوية هند بنت عتبة.

ومما عبر عن تألمه الكثير هو أنه صلى عليه مع بقية الشهداء فكبر عليه – كما يقال – سبعين تكبيرة، وصلى عليه مع الكل، أيضاً في المدينة عندما عاد إلى المدينة والنساء في المدينة يبكين على القتلى، وضجة في المدينة، قال: إلا حمزة فلا بواكي عليه! تألم جداً، فنساء المدينة كلهن بكين على حمزة، وأصبحت سنة عند أهل المدينة – لا أدري إلى الآن – كما يقال: سنة جيل بعد جيل، أنهم إذا مات فيهم ميت، أو قتل قتيل يبكون على حمزة أولاً، ثم على ميتهم، مواساة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).

فعندما نزور أحد، ونزور سيد الشهداء حمزة مواساة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أولاً، وتذكيراً بجهود ذلك البطل، وتقديراً لروحيته العالية لأنه كان إنساناً متوثباً في ميادين القتال في سبيل الله، وطاعة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) فسماه رسول الله سيد الشهداء.

هنا لاحظوا الفوارق كبيرة تأتي داخل النفسيات، يخرج المئات من الناس مجاهدون في سبيل الله، وأبطال مقاتلون في سبيل الله، لكن عمق الإخلاص، الإخلاص درجات متفاوتة، الوعي درجات متفاوتة، الإيمان درجات متفاوتة.

فرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) سمّى حمزة سيد الشهداء، مع أنه قتل شهداء آخرون، ولهم مكانتهم، ولهم فضلهم، ولهم درجتهم العالية، فالمسألة هكذا، ليس هناك خط يرتقي إليه الناس جميعاً في مقامات الإيمان، في مقامات الإخلاص، في مقامات الإستبسال، تفاوت كبير، ألسنا مؤمنون بالآخرة كعناوين، كما يؤمن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) نؤمن بالآخرة كعناوين، لكن هل إيماننا كإيمان علي بن أبي طالب؟ يختلف اختلافاً كبيراً، هل إيماننا كإيمان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ لا، يختلف اختلافاً كبيراً.

فعندما يقول رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لحمزة، يسميه: سيد الشهداء، لا يعني ذلك هضماً للآخرين أبداً؛ لأنه أن يعطى الإنسان ما يستحقه، وفوق ما يستحقه هذه هي الدرجة العالية، لا يهضم أبداً، أن يعطى الإنسان ما يستحقه. إذا أنت تريد أن تستحق أكثر أخلص أكثر، وتفانى أكثر، واستبسل أكثر.

حمزة عندما سماه رسول الله سيد الشهداء لم يكن لاعتبار أنه من أقاربه، عمه أبو لهب ألم يلعنه القرآن، وينزل سورة فيه خاصة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} (المسد:1)؟ ليست قضية قرابة، قضية تقدير، تقدير لروحية حمزة، واستبساله، لما يعلمه عن الله عن واقع حمزة في نفسه فسماه سيد الشهداء، لم تكن الألقاب عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مثلما هي الآن عند الملوك والرؤساء، رتبة لواء، أو عميد، أو من هذه الألقاب يسبر فيها وساطة! لا، تأتي من قبل الله الذي يعلم بخصائص النفوس، والذي يعلم بذات الصدور.

فنحن عندما نزور حمزة ندعو الله سبحانه وتعالى أن يرحمه، وأن يجزيه عن رسول الله، وعن الإسلام خير الجزاء، ونقرأ [الفاتحة، والإخلاص] إلى روحه.

كذلك عندما نعود ونقرأ القرآن في قصة [أحد] نأخذ منها عبراً؛ لأن الله خلدها، وعندما خلد هذه القصة؛ لأن الأمة بحاجة إليها في كل مراحل حياتها، والقرآن ليس كتاباً تاريخياً، أو كتاب قصص، يخلد القضية؛ لأنها مُهمة، وموطن العبرة فيها هي المخالفة، والمخالفة التي قد نقول: أولئك لا يأثمون، إذا جئنا على قواعدنا، أنهم يأثمون أو لا يأثمون، متأولين، ألم يقولوا هكذا: التأويل ينهي الإثم ونحوه؟ لم ينطلقوا بجرأة، لكنهم عصوا، أنت عصيت أمراً، الأمر هذا لا تنطلق تتأول في مواجهته أبداً، وهذا هو ما دار حوله القرآن الكريم: التأكيد على أن لا يفسح المجال أبداً للتأويلات، والتصنيفات، والتقديرات، وربما.. ولعل كذا، والغاية واحدة، وعبارات من هذه.. التزم، التزم، وهكذا كانت روحية الإمام علي (عليه السلام) روحية الالتزام المطلق لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).

ولأن من يلتزمون هذا الالتزام هم من يحصلون على الكمال المكتوب لمن دانوا بهذا الدين العظيم؛ لأن الإسلام دين تكامل، دين تكامل للبشر، فمن التزم به، من سلَّم روحيته له، وأطاع الله، وأطاع رسوله الطاعة المطلقة، يحصل على العلم، يحصل على الكمال المقدر له، لكن من ينطلقون وراء التصنيفات والتأويلات هم من يجنون على الأمة، ما ضربنا من ذلك اليوم إلى الآن إلا من التأويلات هذه.

كما قلنا سابقاً: رسول الله قال: علي بن أبي طالب يوم الغدير، ألم يقل: علي، يوم الغدير؟ الآخرون قالوا: المقصود واحد، المقصود واحد يقودنا، وهذا رجَّال باهر، وهو صهر رسول الله، وقد هو شيبة، ومجرب، وعارف، والمقصود واحد، ومن هذه تأتي؛ لأن معناه في الأخير: المسألة ليست بسيطة، معناها: إفساح المجال لوضع بدائل من قبلنا بدلاً عما رسمه الله سبحانه وتعالى في كتابه، يقول هكذا.. أقول: ماشي! وأنا جئت أصنف المسألة، بأنه المقصود واحد، والغاية واحدة! هذا هو الذي سينتهي إليه الناس: المقصود واحد، والغاية واحدة، كله سابر، هذا، أو هذا.

مثلما قال الله عن آدم، كيف عمل الشيطان له؟ {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ}(الأعراف: من الآية20-2 2) المفسرون يقولون: أن آدم تأول، أي لم ينطلق بجرأة على الله فيأكل من الشجرة، أليس كذلك؟ لكن الله لم يتعامل معه على تأويلاته، تأول، أو ما تأول، على أساس أنك عصيت أمري، نهيتك فعصيت، قال له: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}(الأعراف: من الآية22).

قضية أنه أنت كما قال لك إبليس: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ}(الأعراف: من الآية20) إلا كراهة أن تكونا ملكين، أو لأن لا تكونا ملكين، فمتى ما أكلتم منها يمكن أن تصبحوا ملكين، ثم تتخلدوا فتعبدوا الله، وتستغفروه، وتمحى هذه الخطيئة، هي ليست إلا شجرة واحدة، ليست مشكلة، هكذا يأتي إفساح المجال للتأويلات، والتصنيفات، ما الذي حصل؟ الله تاب على آدم باعتبار الإثم، لكن ما كرره عليه من أنه سيشقى إذا ما أكل من هذه الشجرة، شقي فعلاً، وطرد من الجنة، أو أخرج – بعبارة لائقة – أخرج من الجنة هو وزوجته، ونزعت عنهم حتى ملابسهم، حقيقة، ليست ملابس التقوى كما يقال، ملابسهم الحقيقية، كما قال الله في أكثر من آية: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (الأعراف: من الآية22).لم يسمح حتى لملابسهم أن تبقى فوقهم، شقيوا شقاء، الشقاء الذي هو عقوبة للمعصية.

قصة أحد كلها تركزت حول هذه النقطة: أن يأخذ المسلمون العبرة من أنه لا بد من طاعة مطلقة، إذا فتح المجال للتصنيفات فالأمة ستفشل تحت أي قيادة كانوا، حتى ولو كانوا تحت قيادة محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، هل هناك أعظم من قيادة رسول الله؟ فشلوا وهم تحت قيادة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، فشلوا والقرآن ينزل، لماذا؟ لأنهم عصوا، هل عصوا بجرأة؟ لا، هل عصوا بتمرد؟ لا، تأويلات: [انتهت المعركة وقد راح المشركون والمسلمون قد هم يجمعون الغنائم، إذاً ننزل ما بقي لزوم] هي هذه! المفروض أنهم يجلسون، حتى لو راح رسول الله إلى المدينة هو وأصحابه، قال لهم أن يبقوا، يبقوا ولو راح رسول الله إلى المدينة، لأنه هكذا الطاعة المطلقة.

الله يوفقنا جميعاً إلى ما فيه رضاه.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله الطاهرين.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

التعليقات مغلقة.