saadahnews

فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُمْ مِنِّيْ هُدَىً

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

[البعض يتصور] بأنه يمكن أن يحصل له ثواب من غير ما يعطي [قرش] معونة، يصلي ركعتين، أو يقول: سبحان الله، وسيأتي له ثواب [دون أن ينفق شيء].

{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ َفهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ}(القارعة 6- 7) فعندما لا تفهم الأمور بشكل صحيح، {ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} قالوا: ثقل الموازين هو أن تكثر حسناته، تكون حسناته كثيرة، فقرر أنه يجمِّع له حسنات من هذه، من أطراف، من الأشياء التي هي سهيلة، لا فيها إنفاق، ولا فيها تعب، ولا فيها خطورة، ولا فيها شيء، يعمل على أن يجمِّع له رصات حسنات، وعنده أنها ستثقل ميزانه.

لا، أحياناً إن الحسنات ما [بتطلع] إلا إذا اهتميت بالأمور المهمة، متى ما اهتميت بالقضايا الكبيرة، بالمبادئ المهمة في الإسلام، وتعمل لها بصورة متكاملة، ستطلع حسنات من هنا، وإلا فلا، أليس هذا سيكون تحيل وخداع؟.

بل الأعمال الصالحة، بعض الأعمال المهمة، تصفر السيئات، تصفرها، ويبدل الله السيئات بحسنات. أما إذا واحد يريد يمشي على الطريقة هذه ما هو طالع ولا حسنة، لن يطلع له شيء؛ لأنه في موقف محبط لأعماله.

فنحتاج إلى وعي في كيف تكون موازيننا ثقيلة يوم القيامة، في ما هي الطريقة حتى تكون موازيننا ثقيلة، هل بهذه الطريقة: الحيَل؟ أم أنه لازم نفهم الدين فهماً صحيحاً متكاملاً، وننطلق في أن نعمل به بصورة كاملة وصحيحة؟ الله قال: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}(الأحزاب39) ألم يثن عليهم بهذه؟ يعني: أن في رسالات الله ما يشكل خطورة، باعتبار وضعية معينة، وما قد يكون فيه مشقة على الإنسان، باعتبار المجتمع، أو الزمن الذي يعيشونه.

لكن يخشونه، يخشون الله، ولا يخشون أحداً إلا الله.

يبذل الناس نفوسهم، {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}، ما كان بالإمكان – إذا المسألة هي مسألة حسنات للجنة – أن يجمِّعوا حسنات من أطراف؟ يجمِّع حسنات باعتبار أن من قرأ القرآن أنه يكون له بكل حرف عشر حسنات، [ألف] يعتبر حرف، و[لام] حرف، و[ميم] حرف في: {ألم} على كل حرف عشر حسنات، ما واحد سيطلِّع من تلاوة مصحف واحد ما يكفي ليثقِّل حسناته، يثقِّل ميزانه؟ نعم لكن ما هو طالع لك حسنات هنا إلا إذا أنت تشتغل، تشغِّل القرآن نفسه، تتحرك على أساس القرآن، تطلِّع لك حسنات، وإلا فما هناك شيء.

لأن المطلب هو واحد أساساً، مطلب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ومطلب الناس واحد: رضوان الله، والجنة. أليس هذا هو مطلب الناس باعتبار الآخرة؟ الجنة، وفي الدنيا والآخرة رضوان الله. الأنبياء، والأئمة، والأولياء أليسوا فاهمين أنه إذا كان سيمكن أن يمشوا على هذه الطريقة، يأتي من المقارب، من الأطراف يجمِّع له حسنات، كان سيجمِّع، يجمِّعوا كثيراً من أجل يحصلوا على الجنة، ورضوان الله؛ لتكون موازينهم ثقيلة.

إذاً نحن نعتبر أذكى منهم؟ لسنا أذكى منهم، نحن نجعل نفوسنا أذكى من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في واقعنا، بِصَار، وكأن النبي ما كان ذكياً مثلنا، يعرف كيف سيعمل حتى يدخل الجنة من غير الجهاد، والمتاعب، والمشاق.

وأيضاً تأتي نتيجة أخطاء كثيرة، متراكمة على طول مئات السنين الماضية، أخطاء كثيرة جداً، في تقديم الدين، وأهل البيت كلما أتيحت لهم فرصة ليتحدثوا عن الدين بصورة كاملة، أو يقدموه بصورة كاملة، كلما تكالبوا عليهم، وحاولوا يكممون أفواههم، ويطمسون كل ما ينطلق من جانبهم؛ يريدون أن يجعلوا الدين يتحرك بشكل آخر ما ينفع، بشكل ما يفيد.

فعندما ترى الدين لا يفيد في الدنيا، في واقع الناس، وهم يدَّعون أنهم عليه، وأنهم ملتزمون به، ما هم يدَّعون – حتى دول – أنهم متمسكون بكتاب الله، وعلى سنة رسول الله، وعلى ما سار عليه السلف الصالح، ما هكذا يقولون؟.

طيب: لم ينفع في الدنيا فكيف ينفع في الآخرة؟ لم ينفعهم في الدنيا فكيف ينفعهم في الآخرة؟ أيضاً فهموا العكس، فهموا بأنه هذا شأن الدنيا، والدنيا هي هكذا: دار امتحان، ودار بلاء بكل ما فيها، وهي هكذا الدنيا، والآخرة هي ستكون لمن هم هكذا في الدنيا: أشقياء، ومضطهدين، ومظلومين، ومقهورين، وضعاف، ومستذلين، وتحت أقدام الظالمين، واليهود، والنصارى، سيكونون في الأخير هم في الجنة، هم أعلون مقاماً.

لكن القرآن يبين بأنه مثلما تحدثنا بالأمس حول قول الله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}(طه123) ألم يربط الضلال بالشقاء، وربط الشقاء بالضلال؟ {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}(طه123) الشقاء باعتبار الحياة المادية، والنفسية للناس،{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طه124) ألم يربط بين المسألتين؟ الناس إذا ساروا على هدي الله سيكونون في الدنيا سعداء، وفي الآخرة سعداء.

إذا انصرفوا عن هدي الله سيعيشون في الدنيا أشقياء، وفي الآخرة أشقياء، ليست القضية أنها شقاء في الدنيا، ثم سعادة في الآخرة، هو منهج واحد للدنيا والآخرة، وثمرته واحدة في الدنيا وفي الآخرة.

عندما فصلوا الإسلام عن كونه ديناً للحياة، وهدى فيما يتعلق بشؤون الحياة، بخلاف ما تدل عليه قصة آدم، وإبليس، المتكررة في مواضع كثيرة في القرآن، وبخلاف ما يشهد عليه التاريخ نفسه، تاريخ الديانات، وتاريخ الأمم، اعتبروا أن الشقاء في الدنيا هو وسيلة ماذا؟ الفوز في الآخرة.

هي المعيشة الضنكا، عندما يكون الفساد هو المنتشر، عندما يكون الباطل هو السائد، عندما يكون الظلم هو الذي يحكم، عندما تكون النفوس مهزومة، ذليلة، محتقرة، وأهل الباطل هم سادة العالم، هم الرافعي رؤوسهم في هذا العالم، عندما لا يكون، أو بالعبارة القديمة التي كان يستخدمها الأئمة السابقون: [الاستئثار بالفيء] أليست خيرات الناس، خيرات الشعوب، وخيرات الله التي منحها لعباده، أليست كلها تمشي للطواغيت، والفاسقين، والمفسدين في الدنيا هذه؟ أليست دول اليهود، والنصارى هي أغنى منا؟.

ثم من يحكم الناس هم يعيشون حالة على حساب الشعوب؟ هذا هو الحاصل، كلما يأتينا فقط هو فتات، فضلات، يعني: لو نصور أنفسنا، مثلما نكون نعيش خارج البيت، ونتلقى الفتات[منتظر يأتي له لقمة من ذاك، أو حاجة من هناك] في حياتهم هم يعيشون حالة الجهل، حالة الجهل في كل شيء، تصبح الحياة صعبة كلها، حياة الناس كلها تصبح صعبة، أرزاقهم متعبة، حياتهم مقلقة ومتعبة.

أليس هذا هو الذي يحصل في الدنيا؟ هذا هو الفساد، كلمة فساد كلمة عامة: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم41) فساد، فساد في النفوس، وفساد في المعيشة، وفساد في واقع الحياة كلها.

بينما القرآن يؤكد في أكثر من آية: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق3) أليس هو يربط بين التقوى وبين حالة توفر المعيشة؟ المجتمع المتقي لله، المجتمع الذي يعمل على إعلاء كلمة الله، معنى هذا سيعمل على القضاء على منابع، وبؤر الفساد في الدنيا، هنا قال: بما كسبت أيدي الناس، مَنهم الناس الذين يفسدون؟ أيدي تفسد، وأيدي تكف عملها عن أن تقطع الأيدي المفسدة، أصبحوا مشتركين في الفساد، وسيعيش هذا الذي يكف عيشة أسوأ من عيشة المفسد، وإن كان سيكون للمفسد أشياء أخرى من ضنك الحياة، من ضنك المعيشة، لكن هو من جعل معيشتها ضنكا، هو من جعل الحياة شقية، هو من جعل الدنيا مصائب، هو من دنس الدنيا، الله ما خلق الدنيا ليشقي الناس فيها أبداً، خلقها أشبه شيء بالدرة الثمينة، كل شيء فيها.

تجد كل شيء فيها يخلق على أحسن ما يمكن بالنسبة لواقعه، بالنسبة لغايته، ويخلق فيها الأصناف الكثيرة، أصناف من المعادن، من النباتات، من الحيوانات، ويذكر بأنه سخرها للناس، سخرها للناس ليعمروها بالصلاح، ويعمروا أنفسهم عليها بالصلاح.

نبي الله نوح ألم يكن يتحدث مع قومه؟ {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً}(10نوح12) ألم يتحدث عن كل جوانب سعادة الحياة؟ المفاهيم الخاطئة للدين، ولله، وللحياة هي التي تضرب الناس، وتعكس كل شيء، حتى يصل الأمر إلى أن يرى المؤمنون بـأن هذا واقع الحياة، وأن المتقين الفائزين هم من يصبرون على هذا الواقع حتى يلقوا الله، وسيعيشون في الجنة، وفي السعادة! هذا خداع، هذا ليس صحيحاً، خداع للنفوس.

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}(الأعراف96) هنا بركات في ماذا؟ في النفوس، وفي الأموال، إذا حصل بركات في الأموال، ماذا يعني يحصل؟ تصبح الحياة سعيدة، وسهلة، يصبح الرزق سهلاً، والحياة سهلة، هكذا يحصل.

فكلما يحصل من شقاء، كلما يحصل من معاناة حتى للأنبياء أنفسهم، ما هم عانوا؟ من الذي صنع المعاناة هذه؟ المجرمون، دنسوا الدنيا، ولعبوا بالدنيا، والذين لا يفهمون قيمة رسالات الأنبياء، ولا ينطلقون بشكل صحيح، وإلا فرسالات الأنبياء كانت ستقضي على الفساد، والإسلام هذه مهمته.

قد تتحول المسائل على أيدي من يسمون أنفسهم أتباع الأنبياء أن يضفوا الشرعية على الظالمين من جديد، تأتي الرسالات للقضاء على الظالمين، والمفسدين، والمجرمين، وتبنى الحياة من جديد على أساس من الصلاح، والتقوى، للنفوس، وللدنيا.

وهم من جديد يحاولون أن يضفوا الشرعية على من على أيديهم يكون فساد الدنيا في البر والبحر، وفساد الدين، وفساد النفوس، وفساد الحياة، ثم في الأخير يسخِّرون حتى القرآن، ويسخِّرون حتى حركة الرسول، وكأنها تضفي الشرعية على الظالمين، من عند أبي بكر إلى آخر واحد.

هذا يحصل، ثم في الأخير الناس يصيحون، ويضطربون، وهم يرون كل شيء ما سبر، وكل شيء ما استقام، متى ما عجزوا، وهم يتلفتون يميناً، وشمالاً – مع سوء الفهم – قالوا: إذاً سننتظر للجنة، والجنة سندخلها ونسلم الأذية!.

لا، عندما تشقى الأمة في الدنيا، معنى ذلك أنها مقصرة فيما تستحق به السعادة في الآخرة، هي معرضة عن ذكر الله، هي لم تتبع هدى الله، الله وعد، وعد وعداً صادقاً {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}(طه123) لا في الدنيا، ولا في الآخرة، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي}(طه124) ألم يربط هنا؟ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي}؟ ما هو ذكر الله؟ هداه الذي يرسمه للناس في الحياة.

{فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} ما هو الشقاء في الدنيا؟ شقاء ولو في النفوس، متى ما شقيت النفوس ولو المال كثير عندك فإن المال نفسه قد يتحول إلى عذاب، {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}(التوبة55) في الدنيا نفسها، أو يتعذب هو في الدنيا عندما يرى بأنه يجمِّع الأموال للآخرين، يأتي له مرض سكر، أو ضغط، أو كذا، أو كذا، كم يا أمراض كثيرة، أو أي شيء من الأمراض التي تجعله يُحْرَم كل ما تحت يديه، أليس مرض السكر هو من الأمراض المنتشرة في هذا العصر؟ من يلاحق؟ أصحاب رؤوس الأموال أكثرهم!.

إذاً أليس هو يضرب عليه كل لذات الحياة، كل شيء [حالي] ممنوع، كل شيء [دسم] ممنوع، لا يعد يجرؤ يأكل فواكه، ولا لحوم، وبعضهم أيضاً يمنع فيما يتعلق بالنساء، أليست حياته تصبح حياة ضنكا؟ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} فنفهم هذه: كيف قرن بين الشقاء في الحياة، والشقاء في الآخرة، الشقاء في الدنيا، والشقاء في الآخرة، أي: أن الدين، أن الإسلام جاء ليبني الحياة، فتسعد الأمة التي تهتدي بهديه.

بل كل شرائع الله؛ لأن هذا الكلام قاله الله لآدم عندما أهبطه من الجنة هو وزوجته، هو وسيلة السعادة في الدنيا وفي الآخرة، من أعرض عنه شقي في الدنيا وفي الآخرة.

س – هنا كأنه سئل لماذا سبرت الدنيا للمعرضين عن هدي الله؟ فقال:

قلنا سابقا: إذا سبرت لهم في الصورة من جهة فلأنهم أحياناً قد يأخذون جانباً من هدي الله فيما يتعلق بالدنيا، في التعامل مع الدنيا، الدنيا لها سنن معينة، والتعامل معها على نحو معين يعطي نتائج، لكن السعادة، السعادة نفسها التي تجعل الحياة سعيدة ليست فقط بقضية المال، أليست الإحصائيات تأتي كثيرة من دول الغرب عن عمليات الانتحار، كم يحصل من انتحار! [السويد] البلد الذي قد هو يعتبر أكثر دول الغرب رفاهية، حالة الانتحار فيه أكثر من أي مجتمع آخر.

تأتي مظاهر أخرى تجعل الحياة ضنكا: تفكك الأسر، في الغرب، تفكك الأسر ظاهرة معروفة، فتجعل الناس يعيشون مع بعضهم بعض وكأنهم وحوش، ولا علاقة لبعضهم بعض، يأكل القوي فيهم الضعيف، فتصبح مظاهر الحياة ما هي؟ أعلام شامخة، هكذا، أشياء تتحرك هنا وهنا. وبالنسبة للإنسان نفسه، الإنسان نفسه يكون شقياً حتى في ظلها.

هو قال: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} وإن بدت مظاهر من حوله، ناطحات السحاب، وأشياء من هذه، وإن بدت على هذا النحو، قد تبدو أمامنا سعادة، وتبدو أمامه سعادة، يعني توفير للحياة، لكن هو لا يمكن أن يذوق طعم الحياة بالشكل الذي كان يمكن أن يحصل عليه لو سار على هدي الله، تنطبع كلها، حياتهم، وحياتنا بهذا النوع من المعيشة: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}، من كانت بالنسبة له صعوبة في الحصول على لقمة العيش، ومن يحصل على لقمة العيش، فهناك شيء آخر: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفتح4) يجعل معيشتهم ضنكا بأي طريقة، بأي طريقة تكون ضنكا.

عندما يكتبون عن دول الغرب، عن الحالة الاجتماعية في دول الغرب، حالة مقلقة جداً، القلق النفسي، التوتر النفسي الذي يجعلهم أحياناً يميلون إلى الحيوانات، يألفون الحيوانات، يألفون الكلاب، ويألفون مختلف الحيوانات، لم يعودوا يألفوا بعضهم بعض. إذا كنا لا نفهم إلا نمطاً معيناً من ضنك المعيشة فالله يخبرنا بأنه: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يستطيع أن يجند أيّ شيء، ولو فيروس معين يجعل حياتك ضنكا.

يحصل تلقائياً، عندما تبنى الحياة في جانب معين، ولا يسير الناس على هدي الله في مختلف الجوانب الأخرى، تتحول حتى هذه المظاهر إلى عذاب، ما الله قال هكذا عن الكافرين؟ {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}؟ ما معنى هذا بأن بالإمكان أن يكون ما بين يديك وسيلة عذاب لك، إذا كان ما بين يديك قد يكون وسيلة عذاب لك فهو من مظاهر الحياة الضنكا، والمعيشة الضنكا.

لأن هذه حقيقة لا يمكن أن تتخلف، وعندما ترجع فعلاً إلى إحصائيات عن دول الغرب التي هي مترفة، ترجع إلى ما كتب عن دول الغرب هذه، عن واقعهم كناس، وليس عن واقع البلدان كبلدان، البلدان ترى فيها المصانع، ترى فيها البنايات الضخمة، ناطحات السحاب، ترى فيها الشوارع الجميلة، الحدائق الجميلة، ترى فيها مختلف الأشياء المنتجة، لكن ليست هذه وحدها هي الحياة، ليست هي وحدها المعيشة، وإلا لعاش الناس سعداء لمجرد وجودها، لمجرد وجودها لا تجعل الحياة سعيدة، هناك أشياء أخرى تجعل حياة من أعرض عن ذكر الله ضنكا، سواء ما كان بشكل عقوبة تأتي من قبل الله سبحانه وتعالى، أو بما كان على شكل أنهم ساروا على غير هدي الله، فكانت النتائج على هذا النحو الذي يشقيهم.

لأن المطلوب هو عمارة الدنيا، لكن على نحو من الصلاح، يترافق معه عمارة النفوس، زكاء النفوس وطهرها، وعمارة الحياة، عمارة الدنيا، فلتكن هناك ناطحات السحاب، وليكن هناك مختلف الأشياء من مظاهر ما هو متوفر في هذا العصر، يترافق معها زكاء في النفوس، نفوس زاكية، نفوس طاهرة، مجتمع صالح، هنا تحصل الحياة السعيدة فعلاً، الحياة السعيدة فعلاً تحصل.

ظهر في هذا العصر أمراض خطيرة فتاكة لم تظهر في الزمن الأول، من أين تأتي؟ أليست تأتي كلها من هناك؟ أمراض [الأيدز]، وانتشار السكر، وكل مرة يظهر مرض من هذه الأمراض، قد يكون فيروس، أو جرثومة صغيرة جداً جداً فتفتك بهم، وتقلقهم، وتحول حياتهم إلى قلق، وتعاسة.

إذا كان الله يخبرنا بأنه من الممكن أن يكون ما بين يديك من مال، وإن كان يبدو في الصورة، وتبدو أمام الآخرين وكأنك سعيد، يمكن أن يجعله الله عذاباً لك في الدنيا، الآية صريحة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}.

نحن إذا عدنا إلى القرآن نفهم من خلال القرآن بأن كل من يعرض عن ذكر الله سيعيش معيشة ضنكا، ويحشر يوم القيامة أعمى، فالإيمان بأن هذه حقيقة، حقيقة لا تتخلف هو المطلوب من المتقين، وإن كنا قد لا نفهم كيف سيكون شقاء هذا، وشقاء هذا، وشقاء هذا، وشقاء هذا. وعلى أساس هدي الله تكون الحياة سعيدة، ويكون المجتمع صالحاً، ويعيش عيشة سعيدة.

إذا عاش الناس معيشة ضنكا فمعنى هذا أن هناك خللاً من قبل أنفسهم، وعلى أيديهم، سببه أنهم معرضون عن ذكر الله، فتبدو هنا المسألة، المعرض عن ذكر الله عملياً، ويفسد بيده، والمعرض عن ذكر الله الذي لم يتحرك ليقطع يد المفسد، والذي لم يسر على هدي الله في قطع يـد المفسد، فيشتركون جميعاً؛ لهـذا يأتي يوم القيامة – الذي يبدو من خلال الآيات – أن أهل النار يكونون كثيرين جداً جداً، من مختلف الأجيال.

لهذا يأتي الخطاب للناس يوم القيمة: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}(يس60) كأنه يخاطب المحشر بكله، كأنه يخاطب البشر كلهم في المحشر: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}(يس61- 62) من أين هذا؟ من الذين يضلهم الشيطان فيتحولون إلى عبَّاد للشيطان، سواء ممن كان يعبد الشيطان تحت اسم دين، ومن ديانات الله، فهو يُضِل، يَضل ويُضل باسم الدين، باسم الإسلام، بعد ما جاء رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أو باسم دين موسى، أو باسم دين عيسى، أو باسم أي دين يأتي على أيدي أنبياء الله.

والضلال خطير جداً، الضلال يأتي أشياء بسيطة، لاحظ كيف ذكر الله عن الشيطان بأن عمله يتمثل في ماذا؟ أليس في وسوسة؟ وسوسة، لكن الوسوسة هذه تعمل عملها، الضلال، الضلال يأتي بوسائل تبدو وكأنها عادية، وبسيطة؛ لأن وسائل الضلال هي تتجه إلى النفوس، أليس إلى النفوس؟ تغيير النفس، إضلال النفس سهل، تكون بوسائل وسوسة، وأشياء من هذه، لكن تترك أثراً كبيراً، فيتحول الإنسان هذا بطاقاته، يتحول [إلى ضال مضل].

[الإنسان لا بد أن] يكون حذراً جداً من الأخطاء، أخطاء تخلق انحرافاً عقائدياً هناك واضح، أو أخطاء تخلق نوعاً من الجمود، والقعود والإبتعاد، والتعامل مع الباري على نحو من الخداع، وفهم خاطئ للدين، وللحياة، ولليوم الآخر، وللجنة، وللنار، هذه تحصل، سواء من قبل الشيطان، والشياطين، بسوء نية، وتحصل أيضاً بعضها بحسن نية.

المسألة أن الله لم يترك هذه القضية للناس أنفسهم، هو الذي رسم الهدى، وتمثل هداه في القرآن، هو الذي رسم الهدى، من يحاول أن يفكر أن المسألة مفتوحة لا بد أن يقع في ضلال، هناك في الحديث ألم يقل: (ومن ابتغ الهدى في غيره أضله الله) طيب: الذي يبتغي الهدى أليس معناه أنه يبحث عن الهدى؟ يعني: ما عنده حسن نية هو أن يهدي نفسه، ويهدي الآخرين؟ لكن المسألة ليست هكذا على ما تفصلها أنت، أو على حسب ما يقتضي نظرك، أو على حسب ما ترى، أو.. أو… الخ، لا، القضية مرسومة تحرك في إطارها، تمشي على هداه، وتهدي (ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله) بعد عدة فقرات في هذا الحديث يقول: (ومن دعا إليه – أي إلى القرآن الكريم – فقد هدى إلى صراط مستقيم).

نحن عندنا أخطاء كثيرة جداً، في ثقافتنا أخطاء كثيرة جداً، ولم يعد الناس يفهمون بأن المسألة يجب أن تكون مضبوطة تماماً، وإلا فسنبقى على ما نحن عليه من الضلال، والضياع، والخذلان لدين الله، والعجز عن مواجهة أعداء الله. كل واحد عنده أنه يمكن أن يأخذ أيَّ كتاب يعمل منه خطبة ويقرأها على الناس، أيَّ شخص أشد الناس إليه؛ عندما فهم أن المسألة مفتوحة، ما لها حدود، وما لها ضوابط، ولا شيء.

يصل بنا الأمر إلى أن نتعبد الله بالضلال، بالضلال فعلاً، نرتكب أخطاء من حيث لا نشعر؛ لأننا لم نعرف أسس الأشياء من خلال القرآن الكريم، فنرتكب أخطاء، ونحن نتعبد الله بها، وأنا أعلِّم غلط، وأتعلَّم غلط، وأرشد غلط، وأكتب غلط، ويبدو أنني أرجو ثواب الله مما أكتب، وأرجو ثواب الله مما أعلِّم، وأريد من الملائكة أن تفرش أجنحتها لي وأنا أتعلم وأكتب!.

لو يأتي واحد يسرد، كم هي القضايا التي نحن نتعبد بها وهي غلط لطلعت أشياء كثيرة، وأشياء خطيرة جداً، خطيرة على الدين، وخطيرة على الناس، فلهذا هنا قال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} ألم ينسب الهدى إليه؟ الهدى الذي يرسمه هو؟ {فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} أليست عبارة ضيقة جدا؟ {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} أليست هذه عبارة: {مِّنِّي هُدًى} وحدي، لم يقل: فإما يأتينكم هدى، ثم في الأخير كل من انطلق يهدي حيَّاه الله، ويرسم هو طريقة للهدى. {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} أليس هكذا من جديد أعاد الضمير إليه؟ لم يقل: فإما يأتينكم هدى، فمن اتبع الهدى فلا يضل.

كل واحد يدعي الهدى، وكل واحد يدعي أنه يرسم هدى، أليس هذا الذي يحصل؟ لا، المسألة هي مرتبطة به، هو الذي يرسم كل تفاصيلها، {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} حتى عبارة: {يأتي} أي: أنه من طرف آخر، أليس هو يتحدث مع آدم وحواء؟ إذا كان الحديث معهم فقط، وليس مع الشيطان؛ لأن الشيطان هناك لوحده، يتحدث مع آدم وحواء، وهم يمثلون أبناءهم {يَأتِي} أي: يأتي من طرف آخر، ما معناه يأتي مِن مَن؟ عبارة: يأتي، لم يقل: فإما تكونوا على هدى، هل قال: فإما تكونوا على هدى، لا، يأتي، يعني: الهدى يأتي من طرف آخر هو من الله، أليست هذه؟.

هذه واحدة: {يأتي}، و{مني} الضمير في مني، ما معناه كلها من الله؟ وفي قوله: {هداي} أليست كلها ثلاث عبارات تفيد أن الطريق هي واحدة، طريق هو الذي يرسمها، الهدى، والهدى هو هذا الهدى الذي من اتبعه لا يضل، ولا يشقى، أليس هدى واسع جداً؟ باتساع الحياة في الدنيا والآخرة، باتساع الحياة في كل شؤونها، اتساع الحياة، حياة الإنسان فيما يتعلق بالأشياء المعنوية، وفيما يتعلق بالأشياء المادية.

أليس الضلال هو قد يتجه إلى الجوانب المعنوية في الإنسان؟ ضلال فكري، ضلال ثقافي، ضلال عقائدي، ونحوه، وشقاء في الحياة نفسها، صريح في الجانب المادي: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} تجد الآيات كلها ربط بالله من أولها إلى آخرها.

إلى آخر الآيات ترى كم فيها ضمائر إلى الله {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} أليست هذه إضافة إلى الله؟ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ – نحشره، يعني: الله – يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}(طه126) لاحظ كيف المسألة؟ من عند آدم، عندما يقول: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} أليس هو هنا يرسم طريقة المسيرة إلى يوم القيمة، هذه آية ترد إلى القيامة.

الناس في الدنيا أليسوا كل واحد يحاول أن يكون هو الذي يرسم للبشرية هدى؟ ما كل الحكومات تقنن، تضع دساتير، وكل المفكرين يكتبون، والمجتهدين يتحركون، وكل واحد من عنده، ما كل واحد ينطلق يرسم هدى للناس؟ حتى ضيعوا هدى الله، غيبوه بين الضجة، وبين الغاغة.

والهدى هو شيء واحد فقط، طريق واحدة، منهج واحد، خط واحد، لم يقل: فإما يأتينكم هدى بعبارة: هدى، الجامع للشيء الذي يأتيهم، هدى، قال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} أليس هو يفيد وحدة الطريق؟ تتكرر في القرآن على هذا النحو كثير، {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً}(الأنعام153) معناه طريق واحدة {فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} أليست طريقاً واحدة؟.

لو اتجهنا إلى أن نبحث عن أن المسألة هي طريق واحدة فقط، ومتى ما اختلف اثنان معناه أن هناك غلطة، متى اختلف اثنان يكون هناك واحد خارج عن هدى الله لا شك، ولا يسمح له أن يتحرك في الحياة؛ سيَضِل، هذا شيء مؤكد، سيَضِل ويُضِل الآخرين، ويَشقى ويُشقي الآخرين.

أصبحنا نتعبد بخلاف هذا! ألم يصبح الناس يقولون: [كل مجتهد مصيب]، وكل واحد يجتهد، وكل واحد يرجح، وكل واحد يمشي على ما أدى إليه نظره، وكل واحد مكلف بما غلب على ظنه، والناس كل واحد له حق يقلد هذا، وهذا له حق يتبع هذا المجتهد، وكل واحد يمشي بعد هذا، ويجوز تقلد الهادي، أو تقلد الشافعي، أو تقلد أبو حنيفة، ويجوز تتمسك بابن تيمية، أو تتمسك بالهادي، أو بأي شخص! القضية مفتوحة.

لكن عندما تكون طرقاً متعددة لا يصح أن يقال بأنها تمثل هدى الله، الطرق المتعددة هذه، مختلفة، متباينة في أصلها، وفي آثارها، في الإنسان، وفي الحياة، أليس هناك فرق كبير بين من يوجب طاعة الظالم، وبين من يوجب الخروج عليه؟ ما هو يوجد فرق؟ ما هو تباين تماماً؟ قد هذا مجتهد مصيب، وهذا مجتهد مصيب اتبعه! أليست هذه منهجية مغلوطة؟.

ثم تصبح هي الحرية في الإسلام، وهي ما يمتاز به بالذات المذهب الزيدي هي هذه: الحرية الفكرية! الحرية الفكرية ماذا معنى الفكر؟ أليس الهدى هو يتجه إلى الفكر؟ الذي يسمونه الفكر، قل القلب مثلاً، يعني: الشيء المعنوي الذي يرسم طريقة التعامل في الحياة، سواء مع الله، أو مع الناس في الدنيا.

المسألة فيها حرية فكرية، [بدك كذا، بدك كذا، بدك كذا] ما طلع في رأسك امش عليه، وأنت تبحث عن الهدى، وأنت بحسن نية. الحرية الفكرية معناها حرية ماذا؟ إن كل واحد يرسم لنفسه هدى، وما هو عليه هو الهدى الذي رسمه لنفسه، والآخر مثله، والثاني مثله، والثالث مثله، والرابع مثله! أليست هذه؟ في الأخير تطلع على هذا النحو، الذين لديهم آراء تختلف عن آرائك، لديهم فهم في اعتقادات، في مسائل، في كذا، في مواقف، في قضايا تختلف عن رؤيتك، واعتقادك.

ما أنت قد جعلت هذا هو هدى؟ والثاني قد جعله هدى، وهكذا كل واحد من المسلمين له حق أن يعمل هكذا، إذا هو متعلم، وكان حسن الحظ وتعلم!. أما إذا كان – أيضاً – من العوام فله نفس الشيء، له أن يتبع هذا، والآخر له أن يتبع هذا، وكل واحد له أن يتبع من أراد! ولكن ما الذي ظهر؟ يعني ظهر أن هناك خطوطاً متعددة، سميها: فكرية، أي: مناهج هدى، أليست هكذا؟ ما كل واحد يرسم لنفسه منهج هدى؟ أو منهج ضلال؟! منهج هدى، ويبحث عن هدى.

إذاً فهي متعددة، وتبدو متضادة، ومتباينة في آثارها وفي نفسها، متضادة ومتباينة، فهي بالتأكيد متعددة لا شك، والدليل عليها جواز تعدد الإتجاهات.

نحن كمجتهدين، أو نحن كعوام، أليس كل واحد يمشي على ما أدى إليه نظره هو؟ والثاني مثله والثالث مثله، والرابع مثله، وهكذا! والعوام نفوسهم هكذا: كل واحد له أن يمشي وراء من أعجبه! أي: الناس يشهدون جميعاً بأن هذا تعدد طرق، تعدد خطوط، تعدد مناهج فكرية، أي: تعدد سبل هدى، فإما أن تكون من الله كلها، إذاً ما هناك لا حق ولا باطل، ولا صواب ولا خطأ، لا يوجد شيء، يعني: ما هناك شيء على أقل تقدير في واقع الأمة، في واقع المسلمين أنفسهم ما هناك لا صواب ولا خطأ، ولا حق ولا باطل، كلهم محقين! ما معناه كلهم محقين؟ على ما هم عليه!.

فإذا كانوا محقين على ما هم عليه أليسوا ملتزمين بالحق؟ أليسوا متبعين للحق؟ إذاً لماذا لا يكن لهذا الحق ثمرته الموعودة من قبل الله في الدنيا؟ فضلاًً عن أنك عندما ترجع إلى القرآن ستراه متضاداً تماماً مع القرآن الذي يأمر الناس بالاجتماع، بالاعتصام بحبل واحد؛ لأن ما قد أراه بـأنه خطأ وباطل، أليس الآخر يعتقده، ويعمل به، ويرى أنه حق؟ يرى أنه حق.

إذاً قالوا: اسكت، اعتقد أن الآخر محق؛ من أجل يطلع كله حق! قلنا: تمام. إذاً ما قد أصبح كل شيء حق؟ ما بقي داخل الأمة الإسلامية، ما بقي شيء ضلال! هل هناك شيء باطل؟ لا؛ لأن ما أقول أنه باطل الآن، أو أسميه باطلاً هو ما يعتقده آخر، أو يلتزم به آخر، لأنك ترى في الأخير ما هناك شيء حق، أو باطل مرجوم به، يعني: ما أحد إطلاقاً يلتزم به، أو يعمل به، أو يتكلم به، أو يصدره، لا يوجد.

طيب: على أقل تقدير ما أقول بأنه باطل أنا أو شخص آخر، ومن يقول: أن الحق واحد فقط إذاً فهذا مخطئ، وهذا على باطل، وهذا كذا، ألست أقول هذا على أساس أنه ملتزم بشيء؟ ملتزم، هو عليه يعتقده أو يعمله، باطل، قالوا: لا، خليه حق كله! قلنا: تمام، حق كله! ما هو طلع حق، وهم ملتزمون به اعتقاداً وعملا، أليسوا ملتزمين؟.

إذاً هم مؤدين للحق، إذاً فلماذا لا يكون لهذا الحق ثمرته في الحياة الموعودة في القرآن؟ أليس الحق ثمرته في الحياة، أي: هم أهل حق، هم مؤمنون، أليست هكذا؟ أليسوا مؤمنين؟ والله يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(المنافقون8) هم على حق، أليس هذا صحيحاً؟ إذاً هم ناصرين لله، أليسوا ناصرين لدين الله؟ ما هم يعتبرون من أنصار الله، وهم على حق؟ ملتزمين؟.

إذاً الله قال: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج40) أين مظاهر نصر الله لهؤلاء؟ هل هناك شيء؟ وهكذا أين {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً}(الجن16) أين {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} (نوح10-12) أين {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}(التوبة71) أليس هو يتحدث عن صفات من لوازم المؤمنين؟ {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}…. إلى آخر الآية.

أليست النفوس متباينة؟ والطوائف متباينة؟ أم أنهم أولياء، بعضهم أولياء بعض، ويشكلون لحمة واحدة؟!

طيب: إن قلنا نستمر على نفس الطريقة، نستمر، نعلِّم، ونتعلم، ونرشد، ونكتب، ونثقف، على نفس الطريقة هذه، فما هناك جديد، لن يكون هناك جديد، ستكون الوضعية الوضعية على طول، لن يحصل شيء، لن تحصل الإيجابيات الموعودة في القرآن، أو نقول: إن القرآن مشكلة، تبدو وعوده وكأنها قد انتهى مفعولها لم تعد صادقة؟!.

أليس هذا يعتبر حقاً؟ الحق أليس هو يعزز الثقة بالله، ويعزز الثقة بكتابه، ويؤكد صدق كتابه، ويكشف صدق كتابه، ما هذا هو الحق؟ متى ما حصلت اعتقادات ترى واقع الناس في تعاملهم مع القرآن يبدو مهزوزاً، وكأنه ليس محط ثقة، داخل علماء، ومتعلمين، وليس فقط داخل العوام، قد يكون بعض العوام أشد التجاءً، واحتراماً، ونظرة هامة للقرآن، أكثر من بعض المتعلمين، والعلماء!.. مهزوز، كيف يعملون؟ أليسوا في الأخير يبحثون عن تأويلات؟ يتركون الآية، يعني: ما يمكن يقول: البعض غير صحيح، لكن يتركه، ويعود إلى مسائل الآخرين.

فالحق الذي لا يشد نحو الله، ولا يشد نحو القرآن، ولا ينسجم مع القرآن، ولا يعزز الثقة بالله، وبرسوله، وبكتابه، ليس حقاً، ما يمكن أن يقال بأنه حق، وهو في نفس الوقت قد يصل بالإنسان إلى أن يقف موقف مضاد بالنسبة لله سبحانه وتعالى. أليس الله في القرآن الكريم أثنى على نفسه كثيراً: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الفاتحة2)، {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ}(الجاثية36)، وكم آيات كثيرة فيها الثناء على الله.

عندما يصبح من الاعتقادات الحق، التي قد جعلناها حقاً داخل الأمة الإسلامية، ما قد هي حق [كل مجتهد مصيب]؟ كل مجتهد مصيب، يعني داخل الأمة! أليس كذلك؟ أو داخل الزيدية؟ داخل الأمة!. أليس هناك اعتقادات، من التي عليها أكثر الأمة، وتنسب إلى الله أنه مصدر القبائح، ومصدر الشر، ومصدر الفحشاء والمنكر؟ هو يريدها، هو يقضي بها ويشاؤها؟! هو يوجب طاعة الظالمين، والمجرمين الذين أشقوا الحياة، وأشقوا الناس، وظلموا الناس؟.

فهل هو مستحق للثناء من يعمل هذه؟ لا، الثناء وحده في القرآن الكريم يشهد بأن الله لا يصدر من جانبه إلا خير في كل شيء، أحمدك على ماذا؟ أليس معناها هكذا في الأخير؟ وكل شر من عندك، وكل فاحشة من عندك، وكل معصية من عندك، وكل جريمة أنت مصدرها، وأنت من أوجبت علي طاعة هذا المجرم، هذا الظالم؟ هل يصبح في الأخير أهلاً بأن نثني عليه؟ لا، عندما يأمرنا أن نثني عليه؛ لأنه أهل بأن نثني عليه، هو الكامل، هو الحق، هو المقدس، هو المنزه، فيستحق أن نثني عليه كل الثناء.

كيف أعمل أدين بشيء، وأجعله حقاً، أو أسلِّم أنا بأنه حق، أو أضفي على صاحبي أنه محق، ولو بالنسبة لما وجب عليه، هكذا يقول بعضهم: قد يكون محقاً بالنسبة لما وجب لا لما طلب، أي ليس محقاً في واقع القضية، هو محق بالنسبة له؛ لأن هذا هو الذي يجب عليه. قلنا: لا بأس، أنت جعلت له حكماً سميته حقاً هو الذي وجب عليه. إذاً هو حق، والحق من أين؟ أليس من ربك؟ {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ}(البقرة147) هل هناك مصدر للحق غير الله؟ لا يوجد مصدر حق إلا من الله، فإذا أضفيت على ما أنت عليه حق، سواء بالنسبة لما طلبت، أو بالنسبة لما وجب، أو بأي نسبة أخرى، معناه: قد أضفيت على ما أنت عليه حكم أنه حق، والحق هو من الله، لا يوجد مصدر آخر للحق غير الله.

إذاً فكل ما عليه هؤلاء، مما هو متنافي مع استحقاق الله للثناء، يصبح حقاً، فهل الله ينزل حقاً يجعله غير مستحق للثناء، الذي شحن به كتابه؟ ما يمكن هذا، ما يمكن. وهل هناك هدى، وحق يطلِّع الله مصدر كل قبيح، ومصدر كل فاحشة، ومصدر كل ظلم؟ من أين جاءت هذه؟ لأنها ليست هي هداي، هدى الله الذي تحدث عنه في الآيات هذه، ويضيفه إلى نفسه.

الضلال دائرة واسعة جداً، وخطيرة جداً، وقد ينطلق فيها الكثير بحسن نية، وتعبّد لله، وإخلاص لله، تحصل هذه؛ لذلك يذكر القاعدة الأساسية هي: أن نبحث عن هدى الله، عن هدى واحد لا غيره، ثم نسلِّم به، ونسير عليه لا سواه، فمتى رأيتنا متفرقين فلسنا كلنا على هدى الله أبداً.

ألم يتدخل الله في حكم على مجموعة نعاج دخلن [يروعن] بين زرع واحد؟ {وَ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}(الأنبياء78) أليس شاهداً؟ هو الحي القيوم، {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} (الأنبياء79) ألم يأت التفهيم من عنده هو لسليمان في كيف يحكم في قضية نعاج روعن على واحد قليل زرع؟ {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} لكن ليس كل مجتهد مصيب، وليست القضية على هذا النحو، هي تفهيم إلهي، لا بد أن يأتي من قبله عن طريق من اصطفاه من عباده، لا يوجد غير هذا.

أليس هذا عبرة لنا؟ ألسنا ندخل في قضايا كبيرة جداً أكبر من قضية نعاج يروعن قليل زرع، نتصور الله غائباً عنها، ثم ننطلق، كل واحد ينطلق هو من جهة نفسه فيها؟ حتى في قضية ولاية أمر الأمة، وهي من أكبر القضايا، كل يطلِّع له رأياً فيها.

يعني: الله كان مهتم بقليل زرع أكلته النعاج، فيكون شاهداً على الحكم، ويفهِّم من عنده هو سليمان، ويغفل عن كل القضايا الكبيرة، لا يرسم لها منهجاً، لا يرسم لها شيئاً واضحاً، يكون هو الصراط المستقيم؟ ما يمكن هذا.

فهَّمها سليمان وأبوه نبي، داوود أليس نبياً؟ يأتي إلى داوود عن طريق الوحي، ويأتي إلى سليمان بالتفهيم؛ ليبين لنا بأنه عن طريق الأنبياء يوحي إليهم، وعن طريق من أوجب على الأمة أن تتبعهم من بعد الأنبياء – ألم يقل عن سليمان: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}(النمل16) أليس من ورثة الأنبياء قبل أن يكون نبياً؟ – عن طريق التفهيم للكامل منهم.

إذا كان هو سيفهِّم سليمان قضية قليل زرع [ونحن عندما نقول أهل البيت قالوا: ما هو ضروري أهل البيت]، كل واحد من عنده سيفهم! كان سيفهِّم صاحب الزرع، أو يفهِّم صاحب الغنم، ألم يكن بالإمكان أن يفهمه هو، ما هو صاحب القضية؟ هو صاحب القضية، كان سيفهمه هو؛ لأنه هو من أصبح عليه حكم تكليفي – على ما نقول نحن – واجب عليَّ، نحن مكلفين، والموضوع واجب علي أنا، إذاً فأنظر، وأبحث، وما أدى إليه نظري فهو الحكم!.

من الذي واجب عليه أن يؤدي قيمة الزرع من هو؟ سليمان، أو صاحب الغنم؟ صاحب الغنم؛ لأنه صاحب القضية، وهو المكلف بالحكم، أليس هو المكلف بالحكم؟ لا، يأتي التفهيم بالحكم في هذه القضية، وهي قضية عادية لوارث النبي، سليمان {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} ألم يقل هكذا؟ يتدخل ويقول: أنه شاهد على المسألة هذه.

ثم في الأخير يغيب من مرة، حين يموت محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وغاب من مرة، ثم كل واحد يطلِّع من عنده! ألم تحصل هكذا؟ كل واحد من عنده؟ كل يخطف من عنده، ولو تفرقوا، وتباينوا سهل، يعني: أليست الأمة هذه عند الله مثل ذلك الشخص الذي دخلت الغنم تأكل زرعه؟ ما يهمه أمر أمة محمد كما يهمه أمر واحد معه قليل زرع أكلته عليه الغنم؟ ما يمكن هذا، مع أن سليمان سيكون نبياً بعد داوود. أما محمد فآخر الأنبياء (صلوات الله عليه وعلى آله) وإلى آخر أيام الدنيا ويهمل هذه الأمة من مرة، وما هناك شيء إلا كل واحد يطلَّع، كل واحد يعتمد على نفسه وهو يدور عن ربه! أليست هكذا؟.

النظر في أصول الدين، كل واحد ينظر، وكل واحد في بقايا مسائل الدين يرجح، ويجتهد، يرجح وهو ما زال طالباً، ومتى ما صار مجتهداً يجتهد، أليست كلها دُوَّار؟ كل واحد يدوِّر هو؟.

طيب: هل دوروا وهم في الأخير يصلون إلى شيء واحد؟ لا، المعتزلة لم يتفقوا على قول واحد… [فهل سيتدخل الله في قضية] شخص واحد في عهد نبي، وعهد وارث نبي، سليمان، أليسوا مع بعض، سليمان وداوود؟ يتدخل الله، ويفهِّم سليمان كيف يكون الحكم في القضية هذه، قضية قليل زرع، وأمة تحمل مسؤولية كبيرة، أمة هي التي ستواجه جاهلية كبيرة، – ألم يقل في حديث: (بعثت بين جاهليتين أخراهما أشد من أولاهما) – ولا نبي، ولا خط واضح، ولا منهج واضح، ولا ولي، ولا شيء، ويكون الطريقة الوحيدة أن كل واحد ينطلق هو يبحث!!.

[والناس الباقين كيف يعملون] قالوا: كل واحد يسير بعد من وثق بعلمه وورعه، يمشي بعده، أليس هذا إهمال؟ هل يعتبر هذا إهمالاً أم لا؟ إذا لم يكن إهمالاً فنعتبره دين الله، أليس معناه دين الله هكذا؟ طيب: نرجع إلى القرآن، هل نرى بأنه ينسجم ما نحن عليه، وهذا الشيء الذي نقول: أنه دين الله هل ينسجم مع القرآن؟ إذا كان غير منسجم مع القرآن؛ لأن القرآن يقول: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً}(آل عمران103) أليست الآية صريحة؟ {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}(الشورى13) {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(آل عمران105) مما يبدو أنه مؤشر أن الناس بالإمكان أن يتوحدوا على نهج معين واحد هو حبل الله، ما هكذا معنى الآيات؟ ونحن نأتي نقول: لا، دينه هو متعدد على هذا النحو بتعددنا، أن الله متعدد بتعدد الأمة، ما معناه: أن كل واحد هو، أن ينطلق وما أدى إليه نظره يتعبد الله به؟.

إذاً كان المسألة أن لا يوقعنا الباري في حيرة، يلهم كل شخص الأشياء التي سيتعبد بها، ألم يكن بالإمكان هكذا؟ أم أن الله لا يقدر، ما هو يستطيع أن يلهم؟ طيب: إذا قلنا بأنه ألهم كل واحد، وأنه يفهِّم كل مجتهد، فلماذا يطلعون مختلفين، متضادين، هذا يكفر هذا، وهو فهمهم جميعاً؟ ألم يجعلهم يتمشكلوا هو؟ فهمك كيف تكفر ذاك، وفهم ذاك كيف يكفرك، يفهمك حكم ويجعل ذاك فاسق عندك، ويفهم ذاك حكم ويجعلك ضال عنده.

إذاً الله ما يمكن أن يعمل هكذا، الحكيم ما يعمل هكذا، إذاً ما هناك شيء، معناه في الأخير ما هناك شيء، في الأخير يعني ما عمل شي، أهمل، ما معناه أهمل، معناه: أن القضية أهمل إهمالاً كبيراً جداً، وليس فقط إهمالاً عادياً.

كان في الأمم الماضية يرسل بعد كل ثلاث مائة سنة، أو بعد خمس مائة سنة، أو بعد مائة سنة نبياً هكذا، ما كان يأتي أنبياء؟ يرسل باستمرار، حتى يصل إلى عند هذه الأمة التي ستواجه زمناً شديداً، والدنيا في أزهى عصورها، واتساع شؤونها، واتساع مجالات الحياة، وشؤون الحياة، واتساع العالم هذا بكله، ثم يقطع المسألة، ويغلق الملف، وما بقي شيء، يقفله!.

هكذا الواقع، نجدهم هكذا في الأخير يتحدثون عن الله بهذه المعاني إذا لم نعتبره حكيماً، وعليماً، ورحيماً، وإلا فلماذا تقول: الله لطيف بعباده، رحيم بعباده، الرحمن الرحيم، {حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (الزمر1) هكذا في آيات كثيرة أنه الرحمن الرحيم.

الرحمن الرحيم المتكررة كثيراً في القرآن الكريم، رحيم بمن؟ رحمن بمن؟ رحمن بمن أنزل القرآن اليهم، أو رحمن بالأمم الماضية؟! ما هو يعني رحمن بمن أنزل القرآن إليهم؟ فكل ما يقول: رحمن، ورحيم، هو رحيم بعباده، إذاً نحن من عباده، وهو نزل القرآن إلينا، ألم ينزل القرآن إلى الناس؟.

إذاً هو رحيم بالناس، هو الرحيم {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}(فصلت2) القرآن تنزيل من الرحمن الرحيم، و{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} في أول كل سورة، ماذا تعني هذه؟ أن الله رحيم، بالغ الرحمة بعباده، لا يمكن أن يهملهم، ويضيعهم إطلاقاً.

إذاً فنحن من أضعنا نفوسنا؛ لأنه ما هو الضياع الآن؟ إلا إذا كنا نقول بأنه تعدد الأقوال! تعدد المذاهب، اختلاف الآراء، التعبد بالأشياء المتضادة، أليست خللاً؟ يخل أم لا؟ إن كان شيئاً طبيعياً ليس فيه أي خلل فسابر، وإن كان خللاً كبيراً جداً على الأمة، وعلى الدين، يطلع الدين متعارض متناقض ويطلَّع الأمة متعارضة، متناقضة، متضادة، فيعني أنه خلل ليس من عند الرحمن الرحيم، فلماذا نتعبده بما ليس من عنده، بما هو مضاد لحكمه وأمره.

إذاً فله منهج واحد فقط، وله طريقة واحدة فقط، ثم يحرم علينا التفرق والإختلاف، وما نقوله بأنه يجوز لكل واحد منا أن ينطلق على ما غلب في ظنه، على ما رآه، على ما رجحه، وكل عامِّي له أن يقلد من رآه، وكل مجتهد مصيب، لا يمكن أن يكون من دين الله أبداً، وإن كان من دين الله، تمام، لكن ليس منسجماً.

أليس هذا هو – إن صح التعبير – صمام الأمان بالنسبة لدين الله القرآن، ليس منسجماً مع القرآن، وهم يعرفون بأنه غير منسجم مع القرآن، لكن في الأخير يقولون: [ما سبر إلا كذا، ما معنا إلا كذا] يعني: أن الله أوقع الناس في حيرة، أوقعهم في أزمة، أوقعهم في مشكلة،[ما معنا غير كذية، كل واحد هو يقوم يدور!] لماذا أدور؟ قالوا: [قد تأتي أنت تقلد هذا، وقد يكون مخطئ، وإن تريد تقلد هذا فقد يكون مخطئ، ولا هناك إلا كذا! ما بقي إلا تبحث أنت بنفسك، إما تخطي والاّ تصيب، قد أنت من جيزاهم] هذا هو المنطق في الأصول، والفروع.

عندما يقولون لك: لا أحد يقلد في الأصول، عندك أنه وسام، يعطوا واحد وسام، أو يمدحونه يكون عظيماً؟ لا، معنى القضية – وهم صرحوا – بأنه قد يقلد هذا قد يخطئ، يقلد ذاك قد يخطئ؛ لأن نفس المجتهدين، والناظرين أنفسهم هم يغلطون بالتأكيد، يغلط منهم كثير. كيف نعمل يا جماعة؟ قالوا: قم أنت، ما معك إلا هكذا، إما تخطي والاّ تصيب! رجعنا إلى الفروع، قالوا نفس الشيء، ننطلق على نفس الإنطلاقة في مجال النظر في معرفة الله، ما معك إلا هكذا.

الذين يتصورونه وكأنه عبارة عن شيء يرفع الإنسان، أساس المسألة هي من أساسها هي إحراج، أي ما معنا إلا كذا، ما هناك شيء إلا كذا، أساسها يعني: نتيجة أزمة، نتيجة إشكالية، ليست نتيجة أن هذا هو الشرف، وهذا هو الرفعة في الدين، وهذا هو المكانة، وهذا هو الحرية، لا، ترجع إليهم يقولون: لا يوجد معنا إلا كذا، ما يوجد معنا إلا الكتاب والسنة، هكذا، هم يضطرون أن يسلموا أنهم يختلفون في القرآن، أليسوا يختلفون في القرآن، في فهمه، وفي استنباط الأحكام منه، يختلفون اختلافاً كبيراً، هم يستنبطون ما يضرب القرآن نفسه، من القرآن!.

تقول: لماذا يا جماعة؟ قالوا: ما سبر إلا كذا: أن نجتهد حتى لا يكون ذاك مخطي، إذا أنت مجتهد، المجتهد لا يجوز له أن يقلد أحداً، يقولون: المجتهد لا يجوز له أن يقلد أحداً، لماذا؟ لأنه هو يجب أن يتعبد بما غلب في ظنه؛ لأنه قد يكون ذاك مخطي، وقد يكون ذاك مخطي، تطبق أنت بنفسك، وامش وانت وحظك.

تعود إلى الناس الآخرين أما الناس الآخرين فإنهم فرطوا فيهم بزياده، عامة الناس الذين الدين أساساً لهم، الدين أساساً للأمة، أليس للأمة، العلماء المجتهدون لا يمثلون ولا واحد من المليون في الأمة، لا يمثلون ولا واحد من المليون في الأمة.

طيب: كيف هؤلاء الناس العوام من الأمة؟ قالوا: والله ما معهم غير الحاصل، كل واحد يمشي بعد من [وثق به] أليست عبارة ضياع هذه؟ أم أنها عبارة حرية؟ هكذا، عبارة ضياع، وإحراجات، وإشكالات، [ما معنا الا هكذا] تقول: الناس قد يختلفون، الناس قد يكونون كذا.. قالوا: [ما معنا الا هكذا!].

وقول الله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}(الشورى13) {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}(الأنعام159) قالوا: تمام لكن ماسبر إلا كذا، أليس هذا ضعف إيمان وثقة بالله؟ فعلاًً؟.

فالذي لم يضيع [عاس] شعة زرع في عهد داوود وسليمان، وهم اثنين موجودين، ويتدخل في المسألة بطريقة ليس فيها وحي، {فَهَمْنَاهَا} كما تقول الآية القرآنية، يضيـع أمة بأكملها، وما ضيـع قليل زرع لواحـد فلسطيني – على ما يقولون – !.

لكن هم يقرأون الآيات هذه وهم فقط منشغلين بتجويدها {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} يهتمون بالمد فيها، وأشياء من هذه، ولا نأخذ منها عبرة، ولا أي شيء!.

ألم يكن داوود، وسليمان، يحاولون يأخذون في القضية كيف يحكمون فيها؟ {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْما} لكن ليست القضية على هذا النحو، أنا أريدها كذا.

أيضاً أصحاب أصول الفقه متفقون على أن النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) ما كان يجتهد أبدا، هذه صريحة، داوود عنده علم وحكمة، وسليمان مثله عنده علم وحكمه {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} يعني هم يفكرون – مثلما تقول – في كيف يكون الحكم فيها؟ هل الباري أوكل المسألة إليهم في قضية قليل زرع، وغنم؟ أوكل المسألة إليهم أو لا؟ لم يوكلها إليهم، أليسوا مجتهدين؟ مجتهدين هم، ولهذا قال: {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْما} يقول لك: أنهم جالوا في المسألة ربما، أو يفكرون، أو ينتظرون كيف يكون الحكم فيها.

{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ}(الأنبياء78) كان الباري بعيد فتركهم هم يتولون القضية؟ {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} لمحاولة حكمهم، وإصدار حكمهم في القضية، تدخل {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} فهمناها سليمان، ما قال ففهِمها سليمان، هل قال هكذا: ففهمها سليمان؟ أو {فَفَهَمْنَاهَا} فهمنا الحكم في القضية سليمان، وهم مجتهدين، هم علماء {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} يعني: يؤكد لك أن أصغر القضايا لا يمكن أن يدع غيره يتولاها، كيف يوكل دينه كله إلى كل واحد منا، يقرأ قليل، ويطلع مجتهد، وما غلب في ظنه يمشي عليه، حتى هو نفسه جعلوه خاضع لما طلع في نظر كل واحد!!

هذه واحدة من الأشياء التي هي ضلال داخلنا، ونتعبد الله بها، عندما نقرأ ما هو يحصل هكذا؟ خلّي عنك التي نعملها، أشياء كثيرة جداً جداً، خلل كبير، يقوم واحد يوعظ، ودائماً يوعظ للجمعة، وخطبة الجمعة دائماً يصبّها على جوانب محدودة، محدودة ما يجرأ يطلَّع كلمة حول مسألة جهاد، حول مسألة وحدة المؤمنين، حول الإهتمام بأمر الدين، حول واجب المسلمين حول الإنفاق في سبيل الله، ما شي إنما فقط تلك التي يسمونها أخلاق، حتى يفهم الناس أن الدين ليس إلا هذه، هو فقط تلك التي نسمعها من هذا، وسمعناها من ذلك، وقرأناها في هذا الكتاب، وسمعناها في هذا الشريط.

نتحرك كدعاة، ومعلمين، ومرشدين، وخطباء، لكن ليس من النوع {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}(الأحزاب39) يترك الذي فيه خطر! أليس الناس هكذا؟ ثم في الأخير نضفي على هذه العملية شرعية، نعتبرها هي الحكمة، لا تتكلم في أهل البيت؛ لأنك ستثير آخرين، سيأتي منهم طلاب أو لا يقولوا كذا، سكته؛ لاجل يمشي الدين! أليست هذه واحدة؟ لا تتحدث عن الإمامة، لا تتحدث عن الجهاد، لا تتحدث عن وحدة المسلمين، لا تتحدث عن باطل يحصل، عن وضع سيء؛ لأن هذه ليست حكمة، أنت ستثير الآخرين علينا، اتركنا نحافظ على المذهب!.

ماذا بقي من مذهب؟ ماذا بقي؟ ونحن أصبحنا نبلغ رسالات الله بكل خوف، ونترك كلما نتوهم بـأنه يخيف، أليس هكذا يحصل؟ ما نتوهم أنه يخيف، أو يثير الآخر – وليس فقط إنما خوف – يثير، يزعج واحد هناك، قد تخليه، إما يعارض، أو تخليه ما عاد يرضى يمشي معنا أو… ونعتبر أن هذا هو البلاغ لرسالات الله، والعمل لخدمة الدين، والدعوة إلى سبيل الله، ثم في الأخير نقول لأنفسنا {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(فصلت33) ونصبغ كل هذه الأشياء التي نخاف منها بصبغة الحكمة، أنها هي الحكمة، أن لا نتحدث عنها، ليست قضية هامة، وهذه ما هي هامة! نتحدث بهذه التي لا تثير.

لو أمكن تبليغ رسالات الله على هذا النحو لما كان هناك معنى لقوله تعالى: {وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} يعني: أن فيما يبلغوه، مما يثر الخشية، مما يثير الخوف، مما يثير القلق، ما يكون صرخة في وجوه آخرين، ما يكون قاصم لآخرين، وهكذا معناه: يثير خشية، خشية معناها: خوف يدفعك إلى توقف، لا، الذين يبلغون رسالات الله هم يخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله، أو يبطِّل، لا يتولى مسألة أنه يبلغ رسالات الله، وأنه داعية.

ألسنا في المنتدى، والآخرين هكذا، في المراكز، في المدارس، والوهابيين من جهة، ونحن من جهة، دعاة، دعاة، مرسلين دعاة، والإخوان المسلمين من هناك دعاة، وهنا في اليمن الوهابيين مخرجين دعاة، وفي السعودية مخرجين دعاة، ونحن في المراكز مخرجين دعاة، وملأنا الساحة دعاة، ولكننا نصفِّر على الأشياء التي قد يكون فيها خشية، وخوف من الآخرين! ألسنا نصفِّر عليها؟ وزحمة دعاة، ملان الدنيا، ونوعظ الناس، ونقدم أشياء مغلوطة كثيرة، تبرد أعصابهم، وتخليه يكون إنسان طيب، وتخليهم بعيدين عن الإهتمام بالقضايا الكثيرة، يعني: نجني على الدين، ونجني على الناس، وكل مجتهد مصيب. أليس كل هذا يحصل؟.

[هناك ابتعاد عن القرآن الكريم] الإمام علي يقول فيه: (هو بحر لا يدرك قعره)، بحر علم، بحر معرفة، لا يدرك قعره، لا أحد يستطيع أن يحيط به، العلماء لا يشبعون منه، العلماء ممن يتجهون إلى القرآن نفسه، أنفسهم هم، لا يرى نفسه بأنه قد شبع من القرآن، أو أنه لم يعد يستفيد من القرآن، أو أنه لم يعد يفهم جديداً من القرآن، أو أنه لم يعد يكتشف أي شيء من القرآن، لو يتعمر كمَّا يتعمر ما يزال شاباً.

هو المعرفة، هو العلم، أو نرى بأنها رصات الكتب مثلاً من أصول الفقه، ومن كتب علم الكلام، ومن كتب المحدثين؟!. ستستفيد علم من كل شيء بواسطة القرآن، أليس الله قال في القرآن: {وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} تفصيل كل شيء، ومعرفة تفصيل كل شي هو علم، أم أنه ليس علماً؟، {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ}(النحل89) هو علم، أو أنه ليس علماً؟ هدى للعالمين، أن تملك معرفة تهدي العالمين هو علم، أو أنه ليس علماً؟ أو تقرأ منهجية مغلوطة، وترى أمامك رصات من الكتب، وداخلك رصات من الجهل، والضلال؟.

هذا علم يرى بأنه قد أصبح عالماً؛ لأنه قال: قرأ على العلماء كذا كذا كذا، وقرأ كذا، وقرأ، وقرأ، ولا يذكر في مقروآته القرآن الكريم إلا يوم كان صغيراً، ولا لديه اهتمام بالقرآن الكريم، والاستفادة منه.

الإنسان يعتمد على القرآن قبل ما ينطلق يقرأ في كتب أصول الفقه، أو في كتب علم الكلام، أو في أي شيء آخر، وستزداد معرفة لكن بطريقة أخرى، ترى كم فيها من إشكاليات، كم ترى فيها من خلل، كم ترى فيها من باطل، كم ترى من آثار سيئة! هذه معرفة، أليست هذا معرفة؟ هذه معرفة إيجابية، عندما تدخل تبدأ بالقرآن، وتهتم بالقرآن، وتعتمد عليه، تعتمد على الثقلين كما قال النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) ثم عندما تنطلق سترى [كم ستزداد معرفة].

 

هنا ورد سؤال حول الإمامية فأجاب:

الأمامية هم مثل بقية الطوائف معهم مشاكل كثيرة جداً، لكن الشيء الذي هو جذاب لديهم، وهم يغطون به كل عيوبهم، قضية الولاء لأهل البيت، يملأون الساحة والفراغ بالحديث عن أهل البيت، ويقهرون الآخرين بهذا السلاح، أليسوا في الأخير يبحثون في كتب الحديث عند السنية، ويحتج من هذا الكتاب بحديث، ومن هذا الكتاب، ومن هذا الكتاب، وهكذا.. ثم يقولون: رأيتم أننا على حق في تولينا لأهل البيت، قضية لمسوا أثرها هم.

ونحن نتخلى عنها بحكمة، وأن التخلي عنها هو العمل الصحيح! ألسنا نتخلى عن قضية أهل البيت؟ نخذل أكثر، هم بقضية أهل البيت يضفون على أنفسهم شرعية كبيرة، مثلما يعمل الوهابيون، أليسوا يحاولون في الصحابة، الصحابة، الصحابة، ونحن على ما كان عليه السلف الصالح، وعلى ما كان عليه صحابة رسول الله، ومتبعين صحابة رسول الله، ويغطون على ما عندهم من سوء بعناوين جذابة.

نحن ما جينا لا مثل ذولا، ولا مثل ذولا، ما معنا احد، لا تمسكنا لا بأهل البيت، ولا بالصحابة، إنما كل واحد يمسك بنفسه فقط.

ومذهبنا، يعني في داخل الزيدية الذي أضاعوه أشياء كانت ما تزال معروفة لديهم تجعل للزيدية فعلاً حق في ولائهم لأهل البيت، في نوعية ولائهم لأهل البيت، وموقفهم من الطوائف الأخرى، ارجع إلى الهادي والقاسم، وسترى كيف، الإمام القاسم بن ابراهيم، والإمام الهادي، كيف يطلع عندك السنية صغار، ويطلع لديك الإمامية صغار كلهم، وأنت تكتشف أخطاء رهيبة عندهم، وعقائد باطلة، ونظرات مغلوطة، إنما فقط أولائك متلحفين بأهل البيت، وهؤلاء متلحفين بالصحابة فقط، ونحن أبعدنا اللحاف، وكل واحد من شِعبة، ما ظهرنا جذابين إطلاقاً.

قلنا: أن [محمد عصمت] يوم جاء إلى هنا يريد يكون شيعي، يكون زيدي، ما درى كيف يجي زيدي، ما وجد ما يشده، إن رجع إلى الأشياء هذه فهي تبدو مثل كتب أهل السنية، والمنطق السني، عزم يجمع أدوانه ويذهب إيران، هناك ما يزال يسمع شيئاً واحداً، يسمع كلاماً في أهل البيت، ويقتدي بأهل البيت، وعناوين تبدو مضبوطة عندهم، مشى معهم، اتجعفر].

……….

[ضُرب القرآن على أيدي الفقهاء، من أهم الأشياء التي ضربت على أيدي الفقهاء بسبب اعتمادهم على قواعد أصول الفقه الآيات التي تتحدث عن الإنفاق في سبيل الله هذه الفريضة] التي لا يوقف أمامها، لا نصاب ولا ما نصاب، الزكاة. أليست هي تؤخذ من الأغنياء فقط؟ فئة محصورة، وفي نسبة معينة من المال، نصاب، أليس هو النصاب؟ مرتبط بالنصاب، والنصاب في أموال محددة، ما هي الآن عندما طلعت الأوراق هذه النقدية يقولون: ما فيها زكاة؟ أليس الفقهاء يقولون: ما فيها زكاة؟ عملة دولار، سعودي، يمني، يقولون: ما فيها زكاة.

إذاً ما بقي شيء، نسخت العملة الورقية الزكاةَ، نسخت الزكاة، الزكاة نسخت آية من القرآن، وجاء من يطبع ورق تنسخ الزكاة، إلا وحين انتهت، تطلع المسألة الأمة لا بد أن تبذل أموالها في سبيل الله، وليس مرتبطاً بنصاب معين، ولا بشخص معين، حتى الفقراء يساهمون. ألم يقل هناك: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ}(التوبة79) أنفق ولو بحاجة بسيطة، لأهمية الإنفاق في سبيل الله قال: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة195) وهذا قال: نسختها آية الزكاة!.

هنا يبين لك خطورة المسألة حيث أنتم لا تنفقوا في سبيل الله، ستلقون بأيديكم إلى التهلكة، سترمي بنفسك إلى الهلاك، والضياع، يسيطر عليكم العدو فيضربكم، ويضرب دينكم، في كل الآيات المهمة جداً التي هي عمود الجهاد، وعمود بناء نشر الدين، ونصره، ينسخها بآية الزكاة؛ لأنه مدور لأحكام شرعية، على أساس قواعد أصول الفقه، أنه مدور لأحكام خمسة، ما هم إلا خمسة!.

لا ينظرون إلى القرآن ككتاب هداية، وكتاب يربي الأمة على أن تكون أمة تحمل مسؤولية كبرى.

الإمام القاسم قال: ما هناك شيء نسخ في القرآن، أصول الفقه من أين هو؟ أليس من عند السنية؟ من عند السنية كله، كمسائل، وأبواب، وقواعد، من عند السنية، دخل إلى عندنا، واشتغلوا به معهم.

آيات الجهاد، التعامل مع أهل الكتاب، مع المشركين، منسوخة، منسوخة، وفي الأخير تطلع سور كلها عطل، ما فيها ولا حكم شرعي من هذه الأحكام التي يبحثون عنها، قصار السور كثيرمنها ما فيها ولا حكم، سورة [عمَّ] هل فيها حكم؟.

………………

المطلوب هذا: أن يكون الله هو أكبر، ومحمد هو عبد لله، فلنكن عبيداً لله، نكون عبيداً لله، متى عبدنا أنفسنا لله سيكبر لدينا محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، وسيكبر لدينا أئمة الهدى، وأعلام الهدى، سيكبر لدينا الدين، ستكبر لدينا المسؤولية، سيكبر لدينا الله، سنكبر نحن، بمقدار ما تكون عبداً لله، بمقدار ما تكون عزيزاً، تكون حراً وقوياً، لأن معنى تعبيد نفسك لله قربك منه، وقربك منه يمنحك من كماله بما يليق بك كإنسان {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(المنافقون8) صحيح؟ {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً}(البقرة165) {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}(الأنفال60) {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ}(البقرة269) {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}(القصص14).

أليس هو في الأخير يمنح؟ يمنح أشياء كثيرة، عندما تعبد نفسك له، لكن انتفخ هناك لوحدك، تريد تجتهد أنت، تريد تشتغل أنت، تقول: [ابعد مني قد خلق لي عقل]، نحن قلنا من قبل: إن ما هناك عقول، ما هناك عقول نهائياً، هم مضبرين أن هناك عقل، وما هناك عقل، نبعد منه، وما درينا إلا وهو يشتغل، لما يطلع نفسه عبداً لسلطان ظالم، أليس كذلك؟ أو يطلع ربه سبحانه وتعالى مثل الشيطان، وهو مدور لإلهه، ومدور له لعقائد!.

يـأتي الحق من عندنا، يقول: كل مجتهد مصيب، في أصول الدين الحق فيها واحد، أليس كذلك؟ أليسوا يقولون: الحق واحد فيها، والمخالف مخطيء؟ لكن هم لا يمنعون المخالف لا يشتغل، ما أحد داري من هو المخالف، من هو الذي سيدري بأنه مخطيء؟ هل أحد سيدري بأنه مخطيء؟ عندما تقول له: أنت مخطيء، قال: لا، أنا ناظر مثلك، لماذا اما أنت؟ سيقول: وانت مخطيء، عندما أقول له: أنت مخطيء يا أخي، قال: لا، وانت، أنت مخطيء, كل واحد ينظر، كل واحد ما هو ملزم أن يتبع أحد.

طيب: أنا أريد أوقفه عن خطأه، قال: لا، هو يريد يوقفني هو عن خطأي؛ لأنه لا يعلم أنه مخطيء، وانا ما أنا داري بالمخطيء، أليس هذا هو الذي جعل كل واحد يقف ضد الثاني بقوة؟ اختلاف يضفون عليه شرعية تجعل كل واحد يقف ضد الآخر بقوة.

عندما نقول: الحق واحد، ألسنا نقول: الحق واحد، والمخالف مخطيء، لكن من هو المخالف؟ هل أحد سيرضى أنه مخالف من المجتهدين؟ لا أحد يقول: أنه مخالف، عندما تريد أن تقول: أنه مخطئ وتتكلم عليه أنه مخطئ، قال: وهو مثلك مشتغل، إنك أنت مخطئ، وأنت الذي ما أحد يمشي وراك؛ لأنك مخطئ!.

عاد يوم كان عاد الخطأ بيعرف واحد أنه مخطيء، ومتى ما قام الناس ضده؛ لأنه مخطئ بطَّل، كان لا باس، هو عارف أنه مخطي، لكن أما هنا لا، قد أضفوا على الخطأ شرعية من حيث المبدأ، أن له أن يتعبد بما غلب في ظنه، هذا قد يكون في واقعه في المسألة مخطيء، من وجهة نظري أنا هو مخطئ من وجهة نظري أنا، لكن هو من وجهة نظره مصيب، وفي الأخير نقول – نحن الذين يقولون: كل مجتهد مصيب – هو مصيب بالنسبة لما وجب عليه، إذاً فلا يجوز لك أن تتكلم فيه بعد.

ألسنا هنا أضفينا على الخطأ شرعية؟ الخطأ ما هو الخطأ؟ في مجال الهداية، ليس سهلاً، أي خطأ في مجال الهداية ليس سهلاً، يكون له آثاره السيئة جداً على الأمة.

لاحظ من لديهم خبرة دينية قديمة جداً يعرفون أنه في ميدان الثقافة، كل مفردة، وغلطة في استخدام مفردة، أو إنزاله، أو حركة معينة مغلوطة تضرب أمة، اليهود أليسوا يحاولون يمسحون من داخلنا كلمة جهاد، أن لا تستخدم، كل من تحرك يسمونه مناضل، وانتفاضة، وحركة مقاومة، لن يجرؤ أحد أن يقول: جهاد، ومجاهدين، وجهاد، المتكرر ذكرها في القرآن كثير، لماذا؟ لأنها كلمة مهمة تضفي على العملية ربط ديني، وتضفي على العملية أنها حركة في سبيل الله، أما مقاومة، وانتفاضة، هي كانت معروفة عند العرب، ألم تكن الحروب معروفة عند العرب، من قبل؟ الإسلام أضفى مصطلح معين على الحركة المقاومة في سبيله، سماها جهاد، أليس هكذا؟ لماذا؟ ليميز الصراع الذي هو في صالحه، وفي سبيله باسم متعين، يترسخ في ذهنية الامة.

فعندما تربى على روحية الجهاد؛ لتعرف معنى روحية الجهاد في سبيل ماذا؟ أن الجهاد لدينا هو صراع معين له أهداف معينة، وله أسس من التربية معينة، وله أعداء معينين يضربون، له مصطلح معين؛ لهذا يتكرر في القرآن الكريم جهاد، جهاد، المجاهدين، يجاهدون، وفضل الله المجاهدين. هل أنه من قبل ما كان الناس يعرفون الحروب؟! لكن ما كان يسميه العرب جهاد، يسمونه: قتال، أو حرب، أو نزاع.

عمل اليهود على مسحها، هم يفهمون بأنها هدف كبير، أليست كلمة واحدة، مفردة؟ أن تترسخ في ذهنية الأمة خطيرة ترسخ معنى ماذا؟ أن الصراع مع أعداء الله حركة في سبيل الله، بذل المال والنفس في سبيل الله. وفي الأخير تنتهي المسألة، مسألة جهاد.

وبدل الربط بالإسلام ربط بالوطن، ألم يتحول إلى ربط وطني؟ اليمني يربط باليمن، يقيد بالجبال حقه، فيقال له: أخي المواطن، وأنت وطني، وفلان وطني، ومناضل من أجل الوطن، ومناضل في سبيل الوطن، ألم تغب كلمة جهاد، وكلمة سبيل الله؟ وهكذا.

يتفق في مقام غياب الجهاد غياب كلمة عداء، حتى لا يترسخ في نفوسنا عداء لليهود والنصارى، يترك أثرها السيء غيابها، تؤطر الأمة عن أن تتهيأ فتعد القوة فتكون بمستوى المواجهة في مختلف المجالات.

فالأخطاء في ميدان الإجتهاد ليست سهلة، في ميدان الثقافة، الهدى من الله أليس تثقيفاً للأمة؟ هل هو تثقيف أو ماذا؟ تربية، تهذيب للأمة؟ أليس خطاباً يتوجه إلى النفس؟ يزكيهم، يعلمهم، يهديهم، يرشدهم.

وهم يقولون: ذلك المخالف مخطئ، هذا القول الذي قد هو أرقى قول: أن الحق واحد، والمخالف مخطئ، لكن من هو؟ إذا قلنا: من هو المخطئ لنمنع الناس عن تقليده؟ هو لا يدري انه مخطئ، سيتحرك، ويدعو الناس إلى اتباعه، وإلى ما وصل إليه اجتهاده، يعملون بعمله، ما هو داري هو، ألم يحصل خلل؟.

أيضاً الطامة الكبرى أن نقول: كل مجتهد مصيب، ما هو الذي يطلعه المجتهد؟ ما هو بيطلع أطروحات ثقافية؟ هل الأخطاء في ميدان الثقافة سهلة؟ ليست سهلة أبداً، ليست سهلة؟ الثقافة هي تتناول معتقدات، ووجهات نظر، وكل ما له علاقة ببناء المعنويات داخلك، هذا هو التثقيف، أليس الإسلام توجه إلى بناء المعنويات في الداخل؟ ويهدي إلى قيم داخلية تنعكس بشكل مواقف، ووجهات نظر محددة؟.

عندما نقول: كل مجتهد مصيب، يعني: كل من نزَّل في الساحة هذه قولاً في مجال العقائد، أو في مجال مواقف أخرى، أيّ شيء ما هو يتوجه إلى الناس، وإلى نفوس الناس؟ هل الناس يخاطبون بعضهم بعض، يخاطبون نفوس بعضهم بعض؟ أو أنهم يخاطبون حجاراً؟ من يخاطبك في قضية، أو يطرح لديك قضية، سواء تتعلق بأصول دين، أو فروعه، ما هو يخاطبك بمعنى معين يرسخه في نفسك؟ أن ترى أن هذا هكذا؟ أليست هكذا؟ أن أرى أن هذا هكذا، أليس هذا تثقيفاً؟ ما هو فكر؟ فمن الغباء الشديد أن لا نكون نحن المسلمين فاهمين خطورة الأخطاء في ميدان الثقافة، عندما لا نكون فاهمين لها غباء شديد جداً إلى أقصى درجة.

لاحظ كيف تربية القرآن أنه عندما تكون مفردة واحدة، وإن كانت مفردة عربية يستعملها العرب، متى ما استغلها اليهود، وأصبح لهم من ورائها غاية غير نزيهة، أتركوها، واستخدموا مفردة أخرى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(البقرة104) أليست هكذا؟ ما قال: اليهودي هو يستخدم كلمة راعنا من أول، راعنا هي كلمة عربية، مفردة عربية، والأنصار كانوا يستخدمونها في المدينة، هي كلمة لديهم مألوفة، ما قالوا: نحن نتكلم بها يا رسول الله معك ولا يوجد معنا أي هدف فيها، أو مقصد مما يقصده اليهود.

عندما كان اليهود يتكلمون بكلمة راعنا ويقصدون بها أيضاً تلميحاً لسب النبي (صلوات الله عليه وعلى آله). إذاً لا تقولوا: راعنا، لماذا؟ تصبح أنت ترسخ مفردة اليهود يستغلونها، أليس صحيحاً؟ يستغلها اليهود، وشوهها اليهود من خلال مقصدهم السيء في استخدامها، أتركوا هذه المفردة، وارجعوا لمفردة أخرى، {وَقُولُواْ انظُرْنَا} بدل كلمة راعنا، ويأتي بعدها تهديد.

لاحظ في كلمة واحدة؟ هل أوكلهم إلى نظرهم، واجتهادهم، وحسن نواياهم؟ لا، غلط، توقف عنها، قد أصبحت الآن كلمة يستخدمها اليهودي ضد محمد، بطِّل منها، وهي كلمة هو يتكلم بها هو وأبوه وجده من قبل، {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا} ما هذا تهديد؟ انتبهوا، لا تكونوا أغبياء، وفي الأخير يقول واحد: ماذا يوجد من إشكالية، أنا أتكلم بها وما أقصد بها أي سوء بالنسبة للنبي، ونحن نتكلم بها في بلادنا من قبل ما يجي النبي.

لا تقل هكذا، اسمع، توقف، {وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ما هو تهديد على كلمة واحدة؟ وهذا يقول لك: كل مجتهد مصيب، كل واحد يطلَّع من عنده.

أصول الفقه ضرب اللغة العربية، وضرب القرآن، وضرب الدين، وأصبح كل ما جاء فيما بعد ظنيات، بنسبة يمكن 99% طلع كله ظني، تصبح ترى الآخرين الذين هم مخالفين لك، ما لك حق أنك تعترض عليهم، لا أنت ما شي على ما هم عليه، ولا هو سابر أنك تتكلم فيه؛ لأنك إذا أنت تريد تتكلم فيه هو سيتكلم فيك، أنت تراه مخطئاً، وهو يراك مخطئاً، أليس هو هنا أضفى شرعية على المختلفين؟ وجعل كل واحد [يسكت عن] منهج الثاني.

لأنه من خلال المنهج الواحد يعرف أن من خالفه مخطئاً، ما هناك إضفاء أي شرعية عليه، يكون مخالف، لكن هنا هو يقول لك: على الرغم من السماح بتعدد المجتهدين، وهم يعرفون بأنه يخطئ الكثير منهم، يسمحون للناس بأن يتبع كل واحد من وثق به منهم، وهم يعرفون بأنهم يخطئون، ما هم هنا أوصلوا الخطأ إلى القاعدة، إلى الناس؟ وهم القطاع الأكبر من الأمة، فما الذي حصل؟ أنهم يختلفون.

من هو الذي جعل الشافعي لوحده، والزيدي لوحده، والمالكي لوحده، والحنبلي لوحده، ما هو الذي جعلهم بهذا الشكل من، هل هو الاجتهاد، أو المنهج الواحد؟!.

أصول الفقه من إسمه، وعنوانه، وأبوابه، وما يخلق لديك من آثار شعورية أو لا شعورية، ما كله خطير جداً؟.

هنا ورد كيف يعمل العامي أو المقلد مع من هم مختلفين هكذا؟

ارجع من أول الطريق، إذا واحد غلط في شارع وهو يسير في صنعاء، أو في أي مكان، عندما يقول: يمكن الطريق من هذا الشارع، أو سنأتي من هنا، ارجع إلى نقطة الصح التي أنت عارف لها وابدأ المسيرة،. ارجع من عند الهادي، والقاسم، ثم سترى من بعد من تراه يسير على طريقتهم من الأئمة، من العلماء فهذا من جماعتهم، من أصحابهم، والباقي اتركهم جميعاً، ولو هو يحمل اسم إمام اتركه، إمام يطلِّع لي كتاب مزحوم، ملان بأقوال أهل السنة، يجمع اختلاف أصحاب المذاهب إلى داخله، ويجعل علي واحد منهم، الإمام علي قال كذا وكذا، والمذهب بخلافه!.

لأن الغاية من أصول الفقه، والمراد من أصول الفقه هو ماذا؟ تعريفه: هو علم بقواعد توصل إلى ماذا؟ إلى معرفة استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، أليس هكذا، استنباط؟ وآلية هي توضع لمجموعة أو لكل فرد؟ أليست لكل فرد يتحرك هو؟ أي كل واحد يتحرك ويستنبط، ما كل واحد يتحرك ويستنبط هو من عنده، ثم عندما يستنبط بناء على قواعد أصول الفقه في الأخير يرى كل الأشياء ظنيات، وقد هو ملزم أن يتعبد بما غلب في ظنه!.

ارجع إلى هذا، قال: لا، قد يكون مخطي؛ لأنهم عارفين أنه يحصل خطأ، هل تعريف أصول الفقه أنه يوصل إلى حكم واحد؟ الذي أنت تشتغل به، وأنا أشتغل به، وهذا يشتغل به؟ كل واحد يطلِّع له حكم يختلف عن الآخر، في الأخير ما هو يفرقنا؟ يعني: ندرس ونحن ما زلنا طلاب وكلمتنا واحدة، صحيح؟ وكلما كبرنا افترقنا، افترقنا حتى نكون مجتهدين، اما ذاك الساع قد احنا مجتهدين، ولم يعد يجوز لي أتبعك نهائياً، ما يجوز تتبعني ولا أتبعك، ولا تقلدني ولا أقلدك، ولا تصدقني ولا أصدقك، وفي الأخير يدخل فيها الموالاة والمعاداة، ما هي بترجع تدخل ضمن هذه؟.

إنما فقط كل واحد يتحرك هو، يبحث هو، يدور هو، يذهب هو!

هذا هل هو يبني أمة؟ هذا لا بيبني أمة. طيب هل هو يبني الفرد؟ ولا حتى يبني الفرد؛ لأنه يصرفه عن القرآن فعـلاً، يصرفه عن الاهتمام بالقرآن، ومتى صُرِف عن القرآن يضل، تكـون معلوماته كلها كما قال الله: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}(النجم23) ما هو انتقد على هؤلاء؟ إن يتبعون إلا الظن، ألم يستنكر هنا على الظن، وعلى من يتبع الظن؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}(الحجرات12) ما هو أمر باجتناب الكثير من الظن؛ لأن بعض الظن إثم؟.

ثم في الأخير يقولون جميعاً: بأنه لا يوجد إلا الظن، فبالنسبة إلى القرآن الكريم ماهو قطعي؟ قطعي لكن يوم كان ما يزال عربي، قبل أصول الفقه، كان قطعياً، بعد أصول الفقه، نصه قطعي، لكن إذا كان يوجد فيه مفردة، أو آية تحتمل أكثر من معنى، تصبح دلالتها ظنية، أليست هكذا؟ فدلالتها ظنية، أنت تمسك مثلاً بوجه، بمعنى من الآية، أراك بأنك متبع الظن، ليس معك إلا ظن، وأنت عند نفسك تحكم بأنك إنما تظن أن هذا هو مراد لله، من خلال هذه الآية.

ترجع إلى السنة نفس الشيء، ما طريقها الأخبار؟ والأخبار متواتر، وآحادي؟ الآحادي ظني، والمتواتر يجري عليه ما جرى على النص القرآني، إذا كانت المفردة الواحدة لا تحتمل إلا معنى واحدا كان نصاً قطعياً، ما عداه فظني، وإن كان السند متواتراً، ودلالة المفردة تحتمل أكثر من معنى فهي ظنية، ما هو طلع لنا أكثر ما بين أيدينا ظن؟ {إن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} فكيف يستنكر الظن ونحن لا نملك إلا الظن؟ ما هي هكذا؟ أين الهدى الذي قال: {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} ما هو شيء في مقابل {الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ}؟ أين هو؟ هل يوجد شيء؟ موجود لكن على غير قواعد أصول الفقه، على قواعد أصول الفقه ماهو طالع لك إلا ظن.

ألسنا نقول: إن أمة محمد أشرف الأمم، أفضل الأمم؟ أليسوا يقولون هكذا؟ طيب: لماذا لا تكون هذه الأمة محط رحمة لله، واهتمام من قبل الله مثل ذلك الشخص صاحب الزرع؟ {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ففهمناها سليمان} لا يوجد، لا فهمنا – ما معناها هكذا – ولافهم أحداً، ولا أمكن أن يكون كل ما لدينا كله جميعاً – ونحن مختلفون – تفهيم، كل واحد يقول: أن الذي معه تفهيم، أن الباري فهمه، يمكن هذا؟ لا، ما سبر، لا فهّمنا، ولا بيّن لنا، ولغتنا نفسها ما سبرت، ولغتنا كلها ضعيفة في إفادة التخاطب بالمعنى المراد، يطلع كل شيء مهما كان قوياً ضعيفاً، يطلع الإلتزام به بدرجة ثانوية، وليس بدرجة قوية. ثم فيما بعد يتغاضى عن المخطين والمخالفين، وكل واحد، يعني يعيشوا في حالة من الضياع كلهم.

لماذا لم يهتم بهذه الأمة كما اهتم بواحد من المزارعين في أيام سليمان بن داوود؟ وفي أيام داوود؟ لأن من وضعوا أصول الفقه هل يرون بأن هذا هو الطريق الموصلة إلى الحق الواحد؟ لو كانت الآلية على هذا النحو كان لا بأس، لو وضعوه كآلية على أساس أنها كآلية هي نفسها التي توصلك إلى المنهج الواحد الحق، وتوصلنا جميعاً نمشي عليها لتوصلنا جميعا إلى الحق، هذا كان جيد، لكن لا، هم عارفين أنه هو من أجل تكون مجتهد، تستنبط، وأنك بعملية الإجتهاد والإستنباط كل ما لديك ظن، وأنك أنت نفسك تختلف عن الآخر، وكل واحد يمشي لوحده، لن تصلوا إلى شيء واحد، في أغلب الحالات لن تصلوا إلى شيء واحد، إذا وصلتم إلى شيء واحد هنا تختلفون في هذه.

ألم يصبح آلية للتفرق؟ لو أنه موصل إلى الحق الإلهي، والمنهج الإلهي الواحد، وكل من سار عليه يصل إليه كان جيد، لكن هل هو بهذا الشكل؟ ليس بهذا الشكل، ما الدليل على أنه ليس بهذا الشكل؟ أن كل من انطلقوا على أساسه يطلعون مختلفين ومتفرقين، وهم ما زالوا طلاباً، قبل أن يصبحوا مجتهدين! من الذي يمكن أن يقول لك بأن المجتهدين لا يختلفون؟ هم يختلفون، والناظرين ما هم يختلفون؟ والمرجحين ما هم يختلفون؟.

عندما يقال: كل مجتهد مصيب، ما هم صوبوا المختلفين جميعاً؟ إذاً فهم لم يصلوا إلى شيء واحد، نحن نقول: الله هو له هدى واحد، يريد الشي الذي يوصل إلى هداه يكون واحداً، وقد رسمه لعباده؛ لأن الدين أساساً هو دين للأمة، وليس ديناً لواحد لحاله، ما هو دين لي وحدي، دين يمنحني حرية، أطنن، وأفكر، وأنظر وكأنه يدلعني، وكلما طلع في رأسي أمشي عليه، دين للأمة تمشي الأمة جميعاً عليه، وعلى منهج واحد، طريقة واحدة.

[المنخطين] هم الذين يعجبهم أصول الفقه، يفكر، وينظر، ويمشي على ما أدى إليه نظره، واجتهاده، حرية فكرية، لي أنا، وكأن الإسلام لي! هذا نظر أنانية، هذه أنانية، واهتمام بشخصي أنا، الإسلام لاحظوا، الإسلام يعطيني كامل حرياتي، ويخليني أمشي أينما أريد، وما وصل إليه نظري يباركه، وفي نفس ما أنظر إليه في نفسي، الآخر مثلي، والثالث مثلي، وهكذا.

إذا نظرت ستجد أن الإسلام هو دين للأمة، ونظام للحياة، وهدى للعالمين؛ ليجعل منهم أمة واحدة، تسير على نهج واحد، تتمسك بحبل واحد، تعتصم بحبل واحد، فترى بأنه ما يمكن يفصل عليك لوحدك، وأنه مشروع لك أنت شخصياً، يمنحك كامل الحرية، ويقدم نفسه بين يديك، تنظر فيه كما ترى، وما طلع نظرك فيه تمشي عليه، ويباركه، وإن كان مخالفاً! أنانية هذه رهيبة، ليست عبودية لله أبداً.

هل أتصور أنه إذا نظر الآخرون إلي أني مجتهد، يعني: [خلاص ضخم] ما هي هكذا؟ ضخم، فتراه يريد يكون مجتهد حتى يصبح ضخم، هي هذه، لا، كل واحد يريد أنانية، كل واحد يريد يفصل الدين على نفسه، يجب أن ننظر إلى الدين بأنه للناس جميعاً؛ ليجعل منهم أمة واحدة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء92) وفي آية أخرى: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}(المؤمنون52)، {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}(البقرة213) معناها: كان الناس أمة واحدة، ما الذي حصل؟ ثم تفرقوا، واختلفوا، {فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ}(البقرة213) ما معناه ليضع حداً للإختلاف؟.

هو يقول لك: كأنه لما اختلفت الأمة، أصبح لازم أن يكون هناك منهج يبنيهم؛ ليعودوا أمة واحدة، ويضع حلولاً لكل ما يؤدي إلى الإختلاف؛ ليلغى الإختلاف؛ ليبقوا أمة واحدة.

ما قال: كان الناس أمة واحدة، فبعث الله النبيين، مبشرين، ومنذرين؛ ليفرقوا بينهم؟ معناها هكذا؟ المفسرون يقولون معناها: فاختلفوا؛ أي فمهمة النبوات والرسالات كلها هي معالجة الاختلاف، والقضاء عليه، وإنهائه؛ لأن الله هو واحد، ينزل منهجاً واحداً، وهدى واحد لعباده،.ما يمكن أنه يغثيه أن الناس كانوا متوحدين، ثم يأتي الأنبياء يفرقونهم، هنا قال: {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ} لماذا يحكم فيما اختلفوا فيه؟ من أجل ماذا؟ ما هو من أجل ينهي الخلاف؟ ليبقوا أمة واحدة.

إذا كان عند الإنسان نظرة بأنه يقرأ؛ ليطلع مشرع، وعنده أن هذا هو العلم، يريد يطلع مجتهد؛ ليشرع، ويمشي على نظره، سيحصل على جهل، يتعلم في إطار القرآن نفسه، ويوسع معارفه من القرآن نفسه، ويفهم أن الإسلام هو للعالمين، ويفهم بأنه يجب أن يكون هناك عمل يوحد الأمة لتجتمع حول القرآن، يوحد ولو قبيلة واحدة، وتجتمع على الإعتصام بحبل الله بشكل صحيح، أو عندما ندرس حلقة درس تكون أنت حريص على أن يطلعوا متوحدين، والتوحد لا يمكن أن تفصّله أنت من عندك، وتضع له منهجية من عندك، ما هو التوحد، وعلى أي أساس يتوحدوا.

يقولوا لك: با يسبر أن نكون مختلفين في آرائنا، وفي اجتهاداتنا، وبا يمكن نتوحد، ما هو صحيح هذا، ما هو صحيح، الوحدة الدينية المطلوبة التي تعتبر فعلاً مؤثرة، وبناءة هي وحدة دينية تقوم على أساس الاعتصام بحبل واحد جميعاً، ما معناه جميعاً كلنا بحبل واحد؟ ما معنى الحبل الواحد؟ هدى الله واحد، حبل واحد. عندما يكون عندي شيء، وأنت عندك شيء آخر، وأنت تقول: أنه الحق، وأنا أقول: أنه الحق، ما معناه: أن هناك حبالاً متعددة؟ هذا الشيء جربناه نحن مع زملانا، ورأينا علماءنا، ورأينا الدنيا كلها أنها هكذا، اجتمعنا ونحن مجموعة، وقلنا نريد – ما دام أننا نختلف – نرجع إلى عالم واحد، يكون مرجع لنا، قال: ما يلزمني، لسنا ملزمين في مذهبنا، هكذا ما أحد ملزم بأن يتبع مرجع معين، ولا شيء.

طيب: ونحن ماذا نريد أن نعمل؟ نثقف الناس، ونرشد الناس؛ لأجل يطلعوا مختلفين؟ يطلعوا مثلنا على هذا النحو الذي لا نجتمع على شخص، هل هذا صحيح؟ هل هذا هو الهدى الذي يجعل الناس معتصمين بحبل واحد هو حبل الله، حبل الله دينه، دينه هديه، هديه واحد، ليس معنى دينه أي: ومن دينه كلما توصلت إليه فهو دينه، وما وصل إليه هذا فهو دينه، ما يمكن هذا.

 

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

التعليقات مغلقة.