saadahnews

معنى الصلاة على محمد وآله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

قبل الموضوع الرئيسي للجلسة، يمكن أن نتحدث حول معنى الصلاة على النبي وعلى آله (صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.

والصلاة من حيث هي، الصلوات الخمس التي فرضها الله على عباده، والصلوات النافلة هي من أهم العبادات، ولها دلالاتها المهمة، ولكن المشكلة هي أننا لا نلتفت إلى ما تدل عليه الصلاة، وما تعطيه من إيحاءات وإشارات ودلائل، نصلي ولكننا قد تعودنا بالنسبة للصلاة أن يصلي الواحد منا عمره، ستين سنة سبعين سنة، نصلي كل يوم، كل يوم، كل يوم، عدة صلوات، ولا نجد أن هناك أثراً بالنسبة للصلاة على الكثير، الكثير منا؛ لأننا لا نلتفت ولا نتساءل، ولا نسأل عما في الصلاة من دلالات، عما فيها من إشارات، عما فيها من إيحاءات كثيرة جداً.

بعض الناس قد يقول لك: [بأن الدنيا ملان طوائف فلا يعرف الإنسان من هو الذي على حق ولا من هو الذي على باطل] ولو قام يصلي ركعتين بتأمل لعرف الحق، ولعرف من هم أهل الحق، ركعتين تكفي واحد إذا كان إنساناً فاهما يتأمل، ركعتين تكفيه أن يعرف المحق من المبطل، وأهل الحق من أهل الباطل.

نصلي على الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في الصلاة في التشهد نقول: [اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد] ألسنا نقول هذا دائماً؟.

ولكن لو تعمل استبيان، سؤال يوجه إلى كل واحد منا فتبدأ من طرف اليمن إلى طرفه الآخر، ستجد القليل القليل من الناس من يعرفون معنى الصلاة على محمد وعلى آل محمد، والكثير ممن يعرفون قد يقول لك: الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الإستغفار، ومن المؤمنين الدعاء.. وانتهى الأمر. وهذا التعريف غير صحيح، تعريف غير صحيح.

الصلاة على محمد وعلى آل محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) جاءت الصلاة بلفظ الدعاء، أن ندعو نحن، نقول: [اللهم صل على محمد وعلى آل محمد] أن تأتي الصلاة على محمد وعلى آل محمد بلفظ أن ندعو نحن لهم بأن الله يصلي عليهم، هذه لها وحدها دلالة مهمة، هي تقررنا، وألسنتنا تنطق بأننا في واقعنا مسلِّمين بقضية محمد وآل محمد: أنهم هداة الأمة وقادتها، أنهم أعلام الدين، وورثة نبي الله، وورثة كتابه الذي جاء به من عند الله، فنحن مسلِّمون بهذه المسألة أساساً، وإنما لأن هذه قضية مهمة، نحن ندعو لهم.

أعباء الرسالة، أعباء وراثة الكتاب، أعمال ومسؤولية هداية الأمة، مسؤولية كبيرة جداً ليست سهلة، مسؤولية مهمة جداً، ألسنا نجد أننا نعجز عن هداية أسرنا؟ قد تكون أسرتك ثمانية أو عشرة أشخاص فيتعبونك، أليس هذا هو ما يحصل؟ تتعب وأنت تريد أن تهدي أسرتك، وأن تجعلهم أسرة مستقيمة، وهم عشرة، أو اثنا عشر شخصاً، فما بالك بمن حمل رسالة إلى البشرية كلها، إنه حمل كبير كما قال الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}(المزمل: 5).

من جعلهم الله ورثة للكتاب وجعلهم أعلاماً للدين، وأناط بهم مسؤولية هداية الأمة، إقامة الحق في الأمة، أيضاً مسؤولية كبيرة جداً، مسؤولية كبيرة جداً, تحتاج إلى أخلاق عالية، تحتاج إلى صدر فسيح، تحتاج إلى تحمل، تحتاج إلى صبر، إلى حلم، إلى كظم غيظ، إلى عفو، إلى أشياء كثيرة جداً.

فنحن كأننا نقول: يا إلهي نحن نؤمن بأن محمداً هو رسولك، ونؤمن بأن آل محمد هم ورثة كتابك، ونحن نعرف أيضاً أن مهمتهم كبيرة، فنحن نطلب منك أن تمنحهم من الرعاية والحظوة لديك والمكانة والمجد والرفعة ما منحته إبراهيم وآل إبراهيم.

ثم نرجع إلى القرآن الكريم فنجد أن الله قد منح إبراهيم وآل إبراهيم الشيء الكثير، المكانة العظيمة الرفيعة العظيمة: الكتاب والحكم والنبوة، وكما قال الله عنهم: {وَءَاتَيْنَـاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً}(النساء: من الآية 54) جعلهم ورثة الكتاب، جعل فيهم الحكمة، جعل منهم النبوة، وحظوا برعاية عظيمة من الله سبحانه وتعالى، لم يحظ بها أحد من الأمم في عصورهم أبداً، حتى في الأوقات التي كانوا فيها بشكل عاصين أو مهملين، كانوا ما يزالون أيضاً يحظون برعاية الله سبحانه وتعالى بشكل عجيب، عندما كتب الله عليهم التيه فتاهوا أربعين سنة في صحراء سيناء؛ لأنهم رفضوا أن يدخلوا المدينة المقدسة {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى الأَْرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَـاسِقِينَ}(المائدة:26)، ألم يقل فاسقين؟ ومع هذا ماذا عمل لهم؟ عمل لهم أعمال كثيرة جداً.

حجر تنبع منها اثنا عشر عيناً، حجر عادية يحملها الحمار، تضرب بالعصا فتنفجر اثنا عشر عيناً، {قَدْ عَلِمَ كُلُ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} أنزل عليهم [المنَّ والسَّلوى] المنُّ ينـزل شبيهاً بالثلج عندما ينـزل فيتجمع بكميات كبيرة فيكون عبارة عن غذاء وحلاوى؛ لأنه يكون شكله أبيض وحالي يتجمع. و[السلوى] طائر يتوافد بأعداد كبيرة، أليست هذه رعاية من الله سبحانه وتعالى؟.

شق لهم البحر عندما أمرهم الله هم ونبيه موسى بالخروج من مصر ولحقهم فرعون وجنوده {فَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَـانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَـالطَّوْدِ الْعَظِيم}(الشعراء:63) الماء كالجبل من هنا ومن هنا، ومشوا في طريق يابس في وسط البحر، في لحظة. عندما حصل منهم تخاذل، تكاسل عن الإلتزام بالتوراة جاء تهديد إلهي لهم: {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} (الأعراف:من الآية 171) هددهم بالجبل، ثم أعاد الجبل إلى موقعه، وهكذا حظوا برعاية كبيرة كما قال لهم موسى (صلوات الله عليه): {وَءَاتَـاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَـالَمِينَ}(المائدة:من الآية 20). عندما تتأمل في القرآن الكريم تتعجب مما عدده الله سبحانه وتعالى من النعم العظيمة عليهم، ومما حظوا به من عناية ورعاية إلهية متميزة.

نبي الله إبراهيم أيضاً، أثنى الله عليه في القرآن الكريم ثناء عظيماً {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}(النساء:من الآية 125) مكانة عجيبة، وقرب عجيب من الله سبحانه وتعالى أن يقول هكذا: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}رفع لإبراهيم ذكره أيضاً، جعله أباً للأنبياء جميعاً، الأنبياء كلهم من بعد من بني إسرائيل كلهم من أولاده من ذريته، حظي بتكريم إلهي عظيم، ورفع الله له ذكره.

مهمة إبراهيم وآل إبراهيم هي مهمة مرتبطة بالأمة ومرتبطة بالدين، مهمة حمل الدين، حمل الرسالة، هداية الأمة كما قال الله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِـالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (الأعراف:181).

فنحن في الصلاة نقول: [اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم] أي امنح محمداً وآل محمد ما منحته إبراهيم وآل إبراهيم من الرفعة، من الثناء، من المجد، من الرعاية، والمكانة. أشياء كثيرة التي منحها إبراهيم وآل إبراهيم.

ونحن نقول في الأخير وهذا مما يدل على أن تفسير الدعاء ما ذكرناه، أو أن الذكر كما جاء من عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في آخره: [إنك حميد مجيد] إنك حميد، فأنت مصدر الحمد؛ لأن الحمد هو: الثناء. مجيد، فمنك المجد وأنت مصدر المجد، امنحهم من المجد وامنحهم من الثناء فأنت الحميد، وأنت المجيد.

تتكرر على ألسنة المسلمين كل يوم؛ كي تترسخ في نفوسهم أهمية ارتباطهم بمحمد وآل محمد، ولكنا نصلي وننسى، بل بعضهم يصلي ويخرج يلعن آل محمد، وهو قبل قليل يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد! لكن إما أن تكون صلاة لا يدري ماذا يقول، أو يدري ما يقول ولا يعي معنى ما يقول.

ولهذا لا أحد – فيما نعلم – من المسلمين يصلي إلا وهو يصلي على محمد وعلى آل محمد، وبهذا الشكل الذي لا زيادة فيه ولا نقصان – لاحظوا – لا زيادة فيه، هل أدخل فيه في الصلاة عليهم أحد من الآخرين؟ لم يدخل الصحابة أبداً، ولم يدخل أحداً من الأولياء؛ لأن هذه الصلاة هي لها دلالة خاصة، هي مرتبطة بمهمة محمد وآل محمد، مرتبطة بمهمتهم، بمسئوليتهم في الأمة، مرتبطة بعلاقة الأمة الخاصة بهم.

بقية المؤمنين هناك ارتباطات أخرى، قد أتولاك باعتبارك مؤمناً، وأحبك باعتبارك مؤمناً، لكن هل أنت ممن يجب عليّ إتباعهم؟ هذا شيء آخر. ألسنا ملزمين بمحبة المؤمنين؟ نحن نحب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ونحب الإمام علياً، ونحب المؤمنين أيضاً، لكن هل حبي لعمار بن ياسر مثلاً وحبي لعلي بن أبي طالب, هل هو مستوي؟ في علاقتي بعلي بن أبي طالب وعلاقتي بعمار هل هي مستوية؟ لا.. أنا أحب عمار بن ياسر كمؤمن, كولي من أولياء الله.

علي بن أبي طالب علاقتي به علاقة أخرى، أنا أحبه أيضاً كمؤمن، هو أيضاً يجب عليّ إتباعه، ويجب علي الإقتداء به، الإرتباط به، أن أسير على نهجه. عمار بن ياسر الذي أنا أحبه هو يحب علياً على هذا النحو، فيفرق في نظرته نحو علي، وفي علاقته بعلي، وفي ارتباطه بعلي يفرق بينه وبين ارتباطه بالمقداد أو بسلمان أو بأي شخص آخر من المؤمنين.

فعندما نزلت الآية: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} (الأحزاب:56) قالوا أنهم سألوا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فقالوا: قد عرفنا السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟. فجاء بهذا اللفظ: قولوا: ((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)). ولم يضف أحداً في هذه الصلاة.

جاء الآخرون الذين هم أكثر تنبهاً من النبي – يعدون أنفسهم تقريباً هكذا!! – فأضافوا وأصحابه، عندما يصلون على النبي هكذا أثناء كلمة أو أثناء كتابة موضوع، لكن لم يستطيعوا أن يزيدوا حرفاً واحداً في الصلاة على النبي وآله داخل الصلاة، هكذا داخل الصلاة حفظت الصلاة على النبي وعلى آله بهذا الشكل، لا أحد يدخل وأصحابه أبداً؛ لتبقى حجة على الناس، فكل مسلم يصلي ويقول داخل الصلاة: ((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)). هكذا يذكرهم دون غيرهم، وإن كان يذكر غيرهم في بقية المناسبات عندما يخطب عندما يتحدث فيصل إلى ذكر النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) فيصلي على النبي وعلى آله وأصحابه.. ما هكذا يعملون؟.

طيب: هل هؤلاء أكثر تنبهاً من النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟! والصحابة إن كانوا جديرين بأن يُشركوا في هذه الصلاة فَلِمَ لم يصل عليهم؟. فهل نقول: بأنه لم يتنبه للقضية، إذاً فهو قصّر؟ أو ربما أنه غفل فنحن جئنا بها، وأن الواقع يفرض أن نجيء بها؟ لا.. هو يعرف، وهو في حبه للمؤمنين من أصحابه أكثر حباً منا لهم. أو أنه يرى أنهم غير جديرين نهائياً بالدخول في الصلاة، باعتبار أي وضعية كانوا عليها، فلماذا يضيفون الصلاة على الصحابة؟.

لا مبرر لها إطلاقاً، هذه هي بدعة؛ لأنهم هم يروون الحديث، ويروي البخاري نفسه الصلاة على النبي وآله دون إضافة: وأصحابه. في تفسير الآية: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} فهو عَلّمَهم، أليسوا يقولون: إنه مبين، فبين لهم كيف نصلي عليه، قال قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. بل جعل الصلاة على آله جزءاً من الصلاة عليه؛ لأنها ورد في الآية صلوا على محمد {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ} فالصلاة عليه إنما تتم بأن تصلي عليه وعلى آله كما علمك هو. أن تضيف أشخاصاً آخرين باعتبار أنك تراهم مؤمنين هذه قضية ليس لها علاقة بهذا الموضوع.

هي لم تأت الصلاة على آل محمد باعتبار أنهم هم وحدهم المؤمنون فقط، ليس لهذا, أنهم هم وحدهم المؤمنون والباقي ليسوا مؤمنين، ليس لهذا، هناك مؤمنون من غير آل محمد، إنما الصلاة على محمد وعلى آل محمد، آل محمد فقط، لها دلالتها المهمة فيما توحيه لنا بضرورة أن نرتبط بمحمد وآل محمد. ما هي مسألة أنه [ألاحق] بها الباقي: وعلى أصحابه، وعلى أزواجه، وذريته، وعلينا معهم، وعلى التابعين وعلى أهل [جلح] ما هي هكذا؟ تأتي توزيع؟.

النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) هو حكيم، والصلاة هذه ذكرت داخل الصلاة التي هي من أفضل الأعمال في الإسلام، أليس المؤذن يقول في الأذان – الذي شرع – : ((حي على خير العمل)) الصلاة خير الأعمال، و هي فعلاً من خير الأعمال ومن أهم الأعمال، لو أننا ننتبه للصلاة وما تعطيه الصلاة من دلالات، وما لها من قيمة في النفوس لكنّا على وضعية أفضل مما نحن عليه، ولما تساءل أحد عن شيء: من هم أهل الحق؟ ما أدري كيف يمكن نعرف أهل الحق؟ أو ما عاد عرفنا كذا..!.

فنحن ندعو بهذا – أن تصبح المسالة – كما قلت سابقاً – لدينا هو: أن ندعو الله – أن يصلي عليهم على هذا النحو ماذا تعني؟ لم تأت الصلاة على محمد وآل محمد بلفظ خبر، إخبار هكذا، أن نقول: وصلاتنا وسلامنا على محمد وعلى آل محمد، هل جاء بهذا الشكل؟ بل نحن ندعو الله لهم، أن أدعو الله لك، أليس ذلك يعني: أنني مهتم بقضيتك؟.فمعنى ذلك أننا في واقعنا لا نشك في ضرورة ارتباطنا بمحمد وآل محمد، وأننا في واقعنا يا الله نعرف أهمية هذه القضية، فنحن لشدة حرصنا على أن يقوم محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وآله بالمهمة التي أنيطت بهم، ونحن في ولائنا الشديد لهم نريد منك يا الله أن تمنحهم كذا, وكذا.. ما منحته إبراهيم وآل إبراهيم. أليس هذا هو تعبير عن الولاء؟. ففي لفظ الصلاة كتعبير عن ولائنا، تعبير عن ارتباطنا، ذلك الولاء القوي الذي يجعلني أندفع نحو أن أسأل الله أن يمنحهم ما منح آل إبراهيم.

ووجدنا في [سورة البقرة] وبقية سور القرآن كلام كثير عن آل إبراهيم {يَـا بَنِى إِسْرَاءِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِىَ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَـالَمِينَ يا بني إسرائيل}(البقرة:47) يا بني إسرائيل.. يا بني إسرائيل.. كم ورد في القرآن، كثير من أخبارهم.

هي في نفس الوقت شهادة تدل على أن هداية الأمة، وقيادة الأمة، والقيام بأمر الأمة والدين هو منوط بمحمد وآل محمد، منوط بهم، وإلا فلماذا نصلي عليهم وحدهم؟. على محمد وآل محمد، على هذا النحو؟.

وأن تكون الصلاة عليهم كالصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم لها دلالتها. من الممكن أن أصلي عليك، ممكن أن يصلي الله علينا، بل قال: {هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} (الأحزاب: من الآية43) أليس كذلك؟ بمعنى: أن يحوطكم بعناية ورعاية منه،ولهذا قال: {هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ليخرجكم من الظلمات إلى النور}(الأحزاب: من الآية43) أليست هذه عناية ورعاية؟ لكننا نريد نحن منك يا الله أن تصلي على محمد وآل محمد مثل الصلاة التي صليتها على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. أليس كذلك؟.

وهو دعاء متكرر في كل صلاة.. معنى ذلك أننا نريد منك أن تعطيهم – لأننا يهمنا أمرهم، ونحن نحبهم ونحن نرتبط بهم، ونحن على يقين بأن مسئوليتنا وأن أمر ديننا وأمرنا مرتبط بهم – نريد منك أن تمنحهم أحسن ما يمكن أن تمنح أحداً من عبادك الصالحين فيما له علاقة بأداء مهمتهم.

فعلاً في التاريخ وفي الواقع تجد أن آل محمد حظوا بعناية إلهية عجيبة، لو لم يكن هناك رعاية من الله لما بقي منهم أحد، في القرن الأول وحده، دع عنك إلى الآن، تعرضوا للسجون، وتعرضوا للقتل، وتعرضوا للتشريد، وقامت الدولة الأموية كلها همها الكبير هو مطاردة آل محمد ومحاربة آل محمد، محاربتهم شخصياً، ومحاربة فضائلهم، ومحاربة ذكرهم، وتنصيب آخرين بدلاً عنهم، أعلاماً آخرين، عقائد أخرى، تاريخ آخر، فضائل أخرى. عملوا كل شيء بديل.في كربلاء يصل الأمر إلى أن لا يَسْلَم من أولاد الإمام الحسين إلا واحد، هو زين العابدين.

تأتي الدولة العباسية وتسير على هذا النحو تسير في محاربة آل محمد، وتجد ماذا؟ أليس الآن أصبح آل محمد أكثر انتشاراً في الدنيا، ذرية الحسن والحسين ملأوا الدنيا! أين هم ذرية عمر بن الخطاب؟ أين ذرية أبي بكر؟ أين ذرية معاوية؟ أين ذرية عبد الله بن عباس؟ أين ذرية فلان. كيف؟ ما الذي حصل؟. ((وبارك على محمد وعلى آل محمد)) بركة إلهية، على الرغم مما حصل لهم من تشريد وتقتيل وطرد يبارك فيهم ويبارك عليهم، ويرعاهم فيتكاثرون ويحفظون؛ لأنه كما قال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في حديث الثقلين: ((لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)).

بل تجد من العجيب أنه حتى بقية أبناء الإمام علي من غير الزهراء، غير الحسن والحسين أيضاً ذريتهم قليلة جداً ونادرة جداً.. ذرية الحسن والحسين هم ملأوا الدنيا، وأنسابهم معروفة مشهورة يحفظها العلماء من شيعتهم ومن غير شيعتهم، في اليمن وفي إيران وفي العراق وفي الحجاز وفي مصر وفي أندونيسيا، في كل البلدان وبأعداد كبيرة.

لماذا لم يتكاثر ذرية عمر بن الخطاب لماذا؟ هل أن ذرية عمر كان ممكن أن يتعرضوا للقتل؟ لا. بل كان ممكن أن يحظوا باحترام، لأن أكثر الأمة مرتبطة بعمر، أليس كذلك؟ كان بالإمكان أن يحظى ابن بنت بنت عمر باحترام كبير، لكن أين هم؟.

الكل يعرف شهرة ذرية الإمام الحسن والإمام الحسين في إيران وفي اليمن وفي كل المناطق معروفون، بل معروفون بألقاب خاصة: في اليمن وفي إيران وفي العراق وفي الحجاز بلفظ [سيِّد]، وفي مناطق أخرى في مصر وفي تونس وفي مناطق أخرى بلفظ [حبيب] في بلدان المغرب، وفي بلدان أخرى أيضاً بلفظ [شريف] وهكذا. الناس يميزون ذرية محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) ذرية الحسن والحسين، في هذا آية إلهية لمن تأمل.

الم يعش علي وعمر وأبو بكر وعثمان في عصر واحد؟ أين هم ذرية الثلاثة أين هم؟ هل تعلم بأحد في اليمن من ذرية أبي بكر أو عمر أو عثمان؟ الكلام الآن عن ذريتهم أو عندكم أنها قضية طبيعية؟ ليست طبيعية هذه أن يتكاثر من يتعرضون للقتل والتشريد والطرد ويتعرضوا للظلم، تكاثروا رغماً عن مئات السنين من الحروب ضدهم.

أليست هذه رعاية إلهية؟ والآخرون الذين كانوا ستحظى ذريتهم بالإحترام والإجلال ولا يتعرضون لشيء ليس لهم وجود، هل كانت السنية في أيام بني أمية، هل كانوا سيحاربون ذرية عمر بن الخطاب؟ لا.. أو سيحاربون ذرية أبي بكر؟. من أيام الدولة العباسية وإلى الآن لو يرون واحد فيه رائحة من أبي بكر لبنوا عليه قبة وهو حي – إن صح التعبير.

هذه آية إلهية تدل فعلاً على أن لأهل البيت دوراً مهماً في هذه الأمة، وأنهم مرتبطون بالقرآن الكريم، وأنهم حظوا برعاية إلهية، وحفظ إلهي في بقاء وجودهم، وإلا فهم تعرضوا لاستئصال عرقي فعلاً؟. حفظوا كما حفظ القرآن الكريم، ألم يحفظ القرآن الكريم؟ ما احد استطاع أن يغير أو يبدل أو يقضي عليه.

آل محمد قرناء القرآن حفظوا، حاول الطغاة بكل الوسائل القضاء على آل محمد فقتلوا وشردوا، حتى كان البعض منهم يبنون عليه عموداً وهو ما يزال حياً فيموت داخل ذلك العمود، ومع هذا لم يستطيعوا أن يقضوا عليهم.

ذرية معاوية أين هم؟ ذرية هارون الرشيد أين هم؟ ذرية أناس قريبين منذ أربعمائة سنة أو خمس مائة سنة أين هم؟ إذا كان هناك وجود لهم فقد يكون بأعداد نادرة جداً.

كذلك في المكانة في الدين الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) قال: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) أليست هذه مهمة كبيرة وفي نفس الوقت فضل كبير لأهل البيت؟ أن يقرنوا بالقرآن في ضرورة التمسك بهم لتنجو الأمة من الضلال، هذه هي وراثة الكتاب التي أعطاها بني إسرائيل والتي تحدث عنها في القرآن كثيراً.

وهذا معنى الصلاة، الذي يقول لك: الصلاة من الله هي الرحمة، ومن الملائكة الإستغفار، ومن المؤمنين الدعاء. هكذا يفسرونها تلقائياً، لا أدري من أين جاء هذا التفسير. لو أن الصلاة منا بمعنى الدعاء – نحن فعلاً ندعو ونقول: اللهم صل – لكن لو أن الامتثال لقول الله سبحانه وتعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ} يكون معناها: ادعوا له، لكان الامتثال كيف يكون؟ اللهم ارحم محمدأً، اللهم اغفر لمحمد، اللهم أجزه عنا خيراً، أليس هذا هو الدعاء؟ أن ندعو له وندعو لآله على هذا النحو.

لكن هنا نحن نقول: [اللهم صل]، فنحن ندعو أن الله هو الذي يصلي عليهم، فعندما يقولون: الصلاة منا هي الدعاء، لا.. هي أن ندعو الله بأن يصلي، ليس معناها مجرد الدعاء منا، أن يكون الامتثال لقوله تعالى: {صَلُّواْ عَلَيْهِ} هو: أن ندعو أدعية أخرى.. صلوا عليه، قولوا: (اللهم صل)، ألسنا في الأخير طلبنا من الله أن يصلي هو؟.

والصلاة من الله الرحمة، هكذا يقولون، الله قال في آية أخرى: {هُوَ الَّذِى يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِ} (الأحزاب: من الآية 43) هذه الصلاة {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} (التوبة: من الآية 103) هذه أيضاً صلاة، كلمة: [صلاة] هي تختلف عن أي دعاء بأي مفردة أخرى، أن أقول: اللهم صل على فلان، معناها: اللهم حُطه من لديك بعناية ورعاية وامنحه عزة وشرفاً أو أي شيء من هذه الأشياء التي يكون لها قيمة في نفسه، لكن الصلاة على محمد وعلى آل محمد جاءت متميزة، أن تكون على النحو الذي حصل لإبراهيم وآل إبراهيم.

وآخر الصلاة يفسر لنا معناها (إنك حميد مجيد) فأنت مصدر الحمد ومصدر المجد، فمنك الحمد ومنك المجد، أليس الحمد معناه الثناء، والمجد العزة والرفعة؟. إذاً فنحن دعونا من له الثناء والمجد أن يمنح محمداً وآل محمد ثناءً ومجداً: عزة ورفعة ومكانة.. إلى آخره. ولو أنها كانت بمعنى الدعاء لكان آخرها (إنك غفور رحيم مثلاً، أو إنك سميع الدعاء، إنك سميع مجيب) أو نحو هذه.

فالصلاة في الصلاة هذه: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) التي نقولها هي تدل فعلاً على أن أمر الأمة أمر الدين وراثة الكتاب، الهداية إلى الحق إقامة العدل والقسط في الناس هو منوط بمحمد وآل محمد (صلوات الله عليه وعليهم).

قضية أن تأتي الصلاة عليهم على هذا النحو المطلق، هل في تفسير الآية عندما قال: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)) هل أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لا يعلم أنه سيكون في ذريته من ليسوا بصالحين؟ هو يعلم، فما هو الفارق؟ مثل الآية القرآنية تماماً {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِـالْخَيْرَاتِ} (فاطر:من الآية 32).

عندما يقول في الآية: (فمنهم.. ومنهم.. ومنهم) من يريد، مِمّن؟. مِن مَن اصطفاهم {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} فمنهم، أي: ممن اصطفينا، من هو {ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ}، ومنهم، أي: ممن اصطفينا، من هو {مُّقْتَصِدٌ}، ومنهم، أي: ممن اصطفينا، من هو {سَابِقٌ بِـالْخَيْرَاتِ} ما كأنه بيقول: على الرغم من آنافنا – إن صح التعبير – ألم يجب الله على أي تساؤل من هذا القبيل؟ لحكمة، ما هو لأنه يريد أن يربطك بظالم رغماً عنك أو بفاسق رغماً عنك. لا.

افهم المسألة على هذا النحو: نحن اصطفينا فئة من عبادنا، هذه واحدة، ما معناها هكذا؟.جعلناهم ورثة للكتاب. أن تأتي أنت وتقول: لكن فيهم، ولكن فيهم، وفيهم؟. وكيف نعمل إذا فيهم؟ هو يعلم بكل شيء من قبل أن تعلم أنت، هو يقول لك: هنا وراثة الكتاب هنا، وأنا الذي سأتكفل بوضع الهداة داخل ورثة الكتاب. فأنا يجب علي أن أؤمن بأن هؤلاء هم صفوة، أي هو اصطفاهم لأن يكونوا ورثة لكتابه، أليس هذا هو الواجب؟ في الآية القرآنية هل بإمكانك أن تقول: أن الظالم لنفسه ليس ممن اصطفاهم؟ ليس من الفئة التي اصطفاها؟ هل تستطيع أن تقول ذلك؟.

وهو قال في الآية ثلاث مرات: فمنهم.. ومنهم.. ومنهم، ألم يقل هكذا؟. {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ} يعني من من؟ ممن اصطفاهم {ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} هل بإمكاني أن أقول: لا؟ أو بإمكان أي واحد أن يقول: لا.. أقول: الظالم أبداً ليس من الفئة التي اصطفاها الله. هل بإمكاني أن أقول هكذا؟ سأكون مكذباً بالقرآن، هو منهم لكن هو شخصياً لا أتبعه، هو شخصياً لا أتولاه، لا علاقة لي به.

لكن افترض أنه اصطفى هذه الفئة بصورة عامة، لو قلنا بأن هذا الشخص الذي هو ظالم الآن فلان ابن فلان ظالم لنفسه مجرم، أصبح بكونه مجرم أو ظالم خرج عن دائرة من اصطفوا، ثم نشأ منه الذرية الصالحين طلع منهم هداة، من أين هؤلاء؟ ألم نكن قد قطعنا الطريق نهائياً؟ ممكن أن يخرج الحي من الميت، هكذا، فيخرج من هذا الظالم من هو ولي وهادي وقائد للأمة، وهذا الشخص الجيد من أين؟ أليس ابن المجرم؟ ما هو ما زال من المصطفين؟ يعني الإصطفاء للمجموع, لهذه الفئة.

مثلما حكم بالميراث للورثة، ورثتك رغماً عنك يرثوك, ما بعضهم تكون أنت تكرهه؟ بل بعضهم يحاول يعمل تمليكات ونذورات وحاجات من هذه لأجل بعض الورثة الذي هو يكرهه؟ ولو أنت مؤمن تقي وابنك مجرم سيرث منك رغماً عنك، ما هي هكذا؟.

هل لكون ابنك قد هو فاجر لا يعد يصح أن يرث منك؟. {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} (النساء: من الآية 11) لو أنت من عباد الله الصالحين من السابقين وابنك مجرم فسيرث منك ما دام محسوب داخل ملتك. إذاً فالمسألة هي هنا.

حتى لاحظوا عندما نقول: (اللهم صل على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين) هل تعتقدوا بأن كلمة: [الطيبين الطاهرين] هو استثناء أو ثناء؟ هو ثناء، نقول: اللهم صل على محمد وعلى آله، ثم نصفهم بأنهم طيبين ونصفهم بأنهم طاهرين، أصبحت في مفهومنا استثناء أي إخراج من ليسوا.. ومن ليسوا.

إذا كنت تريد أنت أن تخرج، أنت لست بحاجة إلى أن تفكر بأن تخرج أو تدخل، لا تفكر في الموضوع من أساسه كيف؟. لأن القضية هي شهادة باصطفاء هذه الفئة لهذه المهمة.

[آل محمد] ما هذا اسم عربي؟ إسم عربي معروف في اللغة العربية، آله: يعني ذريته، هؤلاء هم المصطفين لوراثة الكتاب، وأن يكونوا هم قرناء الكتاب؛ ولذا قرنهم في حديث الثقلين، ما هم هؤلاء؟.

إذاً هؤلاء هم أنفسهم الذين ذكرتهم الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} أليست كلمة: (اصطفينا) أرفع من كلمة: (صلِّ) التي نحاول نتمسك فيها ونحاول نصرفها، لا تجي كذا ولا تجي كذا؟ ما هي أعلى مكانة؟ (اصطفاهم) ثم يقول لك: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِـالْخَيْرَاتِ} هنا ارتبط عملياً بالسابق بالخيرات، في نفس الوقت أنت ملزم بأن تؤمن بأن هنا وراثة الكتاب، هنا آل محمد الذين أمرنا بأن نصلي عليهم، على آل محمد.. فصل عليهم نفس الصلاة المطلقة التي صلاها عليهم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وجعلها جزءاً من الصلاة عليه.

هل هو استثنى؟ طيب إذا قلنا بأنه لم يستثن أي: أنه يريد أن يدخل الظالمين والفاسقين فيهم؟ القضية ليست قضية قسَّام صلاة، أن أقول: اللهم صل، ثم أقسمها وأنظر كم نصيب هذا وكم نصيب هذا، وأقول لهذا: أنت مالك شي اخرج، وهذا ما هناك نصيب رحلك. ليست المسألة على هذا النحو، أبداً، وليست صلاتك التي ستجعل محمداً وآل محمد يرتفعون إلى عنان السماء، الله قد رفع ذكر محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وأشاد بذكره في الأذان: (أشهد أن محمداً رسول الله) فقرن اسمه باسمه فأنت تشهد أن لا إله إلا الله كما تشهد بأن محمداً رسول الله، {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}(الشرح:4). ألم يقل هكذا في القرآن الكريم.

لكن بالنسبة لنا نحن، نفهم: أن يقدم لنا هذا الذكر على هذا النحو هو من أهم أبواب الهداية لنا؛ لنفهم أن المسالة مهمة وأنه لا بد أن نكون مرتبطين بمحمد وآل محمد، وأن رسول الله هو الذي أمرنا، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي أمر رسوله ثم عندما أجي أتساءل لكن كيف؟ أنت ثق بالله أولاً. والمسألة هي كما قال الإمام زيد ((أهل بيتي فيهم – كما قلت – المخطئ والمصيب إلا أنه لا تكون هداة الأمة إلا منهم)). هذا شيء مؤكد.

المسألة هي على هذا النحو.. حتى لا تكون أنت مقسم صلاتك على ما قلنا سابقاً.

أمرنا أن نحبهم فنحبهم، أمرنا أن نصلي عليهم فنصلي عليهم، أمرنا أن نرتبط بهم جملة، أمرنا بأن نؤمن بأن هناك وراثة للكتاب وهناك الهداية للأمة، هذا هو الشيء المهم.

إذا جئنا إلى المسألة من جانب آخر ثم أقول: [الذي أعرفه من أهل البيت وهو صالح أنا سأحبه، لكن الآخرين مالي دخل منهم]. كيف أصبحت روحيتك ونفسيتك بالنسبة لأهل البيت، أليست نفسية انتقاء من البداية؟ يعني أنت أساساً لست مرتبطاً بأهل البيت ولكن إذا ظهر لك أن هناك واحد جيِّد فأنت ستحبه، أليست هكذا؟ والمطلوب هو العكس هو أنني أرتبط بأهل البيت، أحب أهل البيت، أصلي على محمد وآل محمد، أتولى آل محمد على هذا النحو، ثم في ميدان العمل أرتبط بالهداة، في ميدان الولاء عندما يتبين لي شخص سيء أرفضه.. هكذا الطريقة. لا أكون في الواقع رافضاً للكل، إلا إذا ظهر لي فلان والاّ ظهر لي واحد من هناك سأتولاه، ما هناك فرق بين المسألتين؟.لماذا؟.

لأن القضية هي قضية هداية من الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لنا يهدينا إلى كيف تكون نظرتنا لأهل البيت، وكيف نرتبط بهم لم يترك المسالة لنا نحن للإنتقاء؛ لأننا سنختلف في موضوع الإنتقاء أليس هذا هو الذي حصل؟

السنية أنفسهم هم يؤمنون بمحبة أهل البيت، ومن عقائدهم، وجوب محبة آل محمد، لكن ماذا يقولون: [لكن من كان منهم متبعاً للسنة] لاحظ كيف.. فالشافعي منهم يريد من كان من أهل البيت على مذهبه، والحنفي منهم يريد من كان من أهل البيت على الذي يرى بأنه صالح، أي من كان على ما هو عليه من المذهب، أليس كذلك؟ والمالكي كذلك، والحنبلي كذلك، والزيدي كذلك، والجعفري كذلك، والباطني كذلك وكل طائفة على هذا التصنيف.

التصنيف هذا هو ملغي أساساً، لا قيمة له داخل تشريعات الإسلام بكلها، هذه الروحية ملغية من أيام آدم، الروحية هذه ألغيت من أيام آدم، من أول أمر إلهي توجه إلى آدم، أن أقول: لا بأس الذي يظهر لي منهم أنه مؤمن سأحبه، لكن انظر كيف ستطلع الفوارق، الذي يظهر للشافعي من هناك، أليس هو غير الذي سيظهر لي؟. ألسنا في الأخير سنختلف؟.

والمسألة هي أنه يريد أن يربط الأمة بكلها بأهل البيت، فليؤمنوا بأن هنا وراثة للكتاب، بأن هنا العترة التي أمر بالتمسك بهم مع القرآن، ودعوا التصنيفات، فباقي المسألة هي على من؟. على الله، أليست على الله؟. مثلما فهمها الإمام الهادي, مثلما فهمها الإمام زيد مثلما فهمها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) الأمر الذي يجب أن نفهمه نحن أيضاً، وإلا فمعنى ذلك أننا لسنا واثقين بالله، عندما تقول: كيف يأمرنا بمحبتهم وفيهم كذا وفيهم كذا، كيف يجعلنا نتمسك بهم وهم كذا وهم كذا. ما أنت تستنكر على الله؟. الله أسجد الملائكة لآدم عندما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ} (البقرة:من الآية30) ألم يقل الملائكة هكذا؟ ليس كلامهم هذا بشيء عند الذي يصدر منا من الكلام.

إذا قد صح لي فقط بأن الله يريد مني أن أتبع أهل البيت ويريد من الأمة جميعا أن تتمسك بأهل البيت؛ إذاً فلنتمسك بأهل البيت، ولو حصل التمسك بأهل البيت من أول يوم من بعدما مات الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لما تفرقت الأمة أبداً، ولما اختلفت في الدين أبداً، فما نشأت هذه التساؤلات إلا من بعد، ولأنني أنا بطبيعتي وفطرتي، أي واحد منا سيعرف، هو يفرق، سأعرف بأن ذلك هو الجدير بأن أتبعه وليس ذلك الجاهل، وليس ذلك الفاسق، هل أحد منا سيتجه إلى الجاهل يتبعه؟ هو ما معه أي شيء يمكن أن أتبعه فيه.

لكن أحبه لأنه من قرابة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ذلك الفاسق من أهل البيت هل أحد منا سيفكر أن يتبعه؟ وإذا كان هناك أشخاص مثلاً فاسقين من أهل البيت ومعهم ناس يتبعوهم هل هم يتبعونهم على أساس أنهم متبعين لأهل البيت؟ إسألهم! لا.. معلوم هذا.

فالناس بطبيعتهم يفرقون، والله سبحانه وتعالى هو من سيتكفل بأن يجعل لأمته هداة من داخل أهل بيت نبيه، في كل عصر بدون تساؤلات بدون تصنيفات.

ومتى قد قال الله لك أن تحب الفاسق منهم أو تتولى الفاسق؟. هل قد قال كذا؟ حتى نقول: كيف؟ لماذا؟ ما قد قال لنا نهائياً, ما قد قال.

لكن أنت عندما تنتقد عليه أنت تنتقد على الله سبحانه وتعالى فتقول: كيف؟ وكيف؟ ولماذا؟ بعدما صحت القضية، بعدما صحت القضية التي منها: أننا نؤمن جميعاً بأن الصلاة عليهم مع الصلاة على النبي وآله هي من أذكار الصلاة التي هي خير الأعمال، أليس هذا دليل؟.

إذاًَ فالمطلوب هو الإرتباط بأهل البيت هكذا، محبة أهل البيت هكذا، وليس الرفض إلا إذا ظهر لي ذلك أنه مؤمن فأنا أحبه! فتكون قاعدتي العامة أنه لا أرتبط بهم إلا إذا رأيت واحد صالح،الصالح عندما ترى صالح يجب أن تحبه وتتولاه من أي فئة كان، يعني قضية أهل البيت ليس لكون المسألة أنهم هم وحدهم مَنْ هم مؤمنون، أو هم وحدهم الذين يجب أن تحبهم، أليست المحبة واجبة فيما بين المؤمنين؟ أليس المؤمنون يجب أن يكون بعضهم أولياء بعض؟.

لكن فقط هناك تميُّز في هذه المسألة هو: أن المحبة لأهل البيت لمهمة أخرى، لغرض آخر، أن تولي أهل البيت هو من نوع آخر، كما قلنا سابقاً: هل هناك استواء لمحبتي لعلي ومحبتي لعمار؟ والتولي لعلي والتولي لعمار؟.

عندما يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ} (المائدة:من الآية55) وهناك قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}(التوبة:من الآية71) هل قوله: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} مثل {وَلِيُّكُمُ}؟. ليست المسألة سواء، هناك فوارق. محبتي لأهل البيت هي لغاية أخرى أن أؤمر بالإرتباط بهم وبمحبتهم؛ لأن محبتي لهم هي تساعد على اتباعي لهم وتمسكي بهم، فهي تدفعني إلى طريقهم، وإلى السير على هديهم، محبتي لك أنت كمؤمن لكن لست ملزماً بأن أقتدي بك، أنا وأنت ملزمون بأن نقتدي بأهل البيت، أليس كذلك؟.

فأنا أحبك كمؤمن، وحبي لك وحبك لي هو يساعد على توحدنا ووقوفنا مع بعض، أليس للحب هنا غاية أخرى؟. تولي لك وتوليك لي هو أيضاً يساعد على أن نكون عبارة عن جسد واحد كما قال في الحديث؛ لنقوم بمهمة واحدة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِـالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(التوبة: من الآية71).

إذاً فلا تشغل نفسك وأنت مقسم لصلاتك على محمد وعلى آل محمد, رسول الله أمرني أن أصلي عليهم على هذا النحو وأنا أعلم برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لأنه يتحدث بوحي من الله، الله هو الذي أمره لا يأتي بألفاظ هكذا من عنده هو، فأصلي عليهم كما أراد أن أصلي عليهم على هذا النحو.

وأفهمُ أن المسألة هي لبيان مقام أهل البيت في الأمة، ولربط الأمة بأهل البيت، إذا أردت أن أتساءل فاذهب أتساءل على الآية القرآنية، وانظر كيف هل فيها مخرج؟ {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} أين أرفع كلمة: {الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} التي جاءت من عند الله، أو كلمة: (اللهم صل على آل محمد) التي جاءت من عندي؟. أيهما أرفع؟

ثم يقول في الأخير: (فمنهم.. ومنهم.. ومنهم..) أليس الله يعدد من داخلهم؟. لكن أنا ملزم بأن أؤمن بأن هؤلاء هم الذين اصطفى، أليس هذا الذي يجب علي؟. عندما يقول لي بأن منهم ظالم. في ميدان العمل لن أرتبط بالظالم، أليس كذلك؟ {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّـالِمِينَ}(البقرة:124) بل انطلق بعد السابقين بالخيرات في ميدان العمل.

أفضل صلاة يصليها الإنسان على أهل البيت هي أن يقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) لا تزيِّد ولا تنقِّص، ولا داعي لتلك العبارة التي يأتي بها الخطباء: اللهم اجعل أزكى صلواتك وأنمى بركاتك.. إلى آخره.. نحتفظ بهذا النص الذي جاء من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ لأن الرسول هو حكيم كحكمة القرآن، ولا تقول: طيبين، ولا تقل: طاهرين، ولا تقل شيء: ((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)) هذا حديث الأمة متفقة عليه، ويشهد للمسألة هو اتفاق الأمة على هذه الصلاة داخل الصلاة، حتى في التشهد أليس بعضهم يقول: [التحيات لله والصلوات] حتى يصل إلى هناك ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد.. هكذا، أليس الناس جميعاً يقولون هكذا؟ الذي يقول [بسم الله وبالله] والذي يقول [التحيات لله] إلى آخره.

لاحظوا، الأشياء التي تعتبر مهمة للأمة الله يحفظها، الأشياء التي هي مهمة جداً في هداية الأمة وتوجيههم إلى الصراط المستقيم تحفظ، حديث الثقلين حفظ على الرغم مما حصل ضد أهل البيت من مؤامرات، وحديث صحيح لا أحد يقدح فيه، حديث الغدير حفظ، حديث المنـزلة حفظ، أحاديث كثيرة التي هي تعتبر قواعد هامة جداً، الصلاة على النبي وآله بهذا النحو داخل الصلاة حفظت.

ولهذا تلاحظ كيف جاءت سرًّا، أليس التشهد سرًّا؟ ربما لو أن التشهد جهراً لاحتاجوا أن يدخلوا في الصلاة عليهم شيء وهي جهر، لكن كل واحد يصلي لحاله، والذي في نفسه شيء على آل محمد لا يحاول أن يزيد شيء؛ لأن الصلاة سرية وأنت تخاطب نفسك.

وأنا أصلي عليهم ثم أسير على نهج غيرهم وأتمسك بغيرهم!، أصلي عليهم في الصلاة ثم لا أذكرهم مرة واحدة، وأكرر الكلام في الصحابة صحابة صحابة.. إلى آخره. أليس هذا شيء مخالف؟! ولهذا نقول: لاحظوا عقائدنا نحن كيف أنها منسجمة مع القرآن ومع الصلاة، قلنا لكم من زمان أن عقائدنا نحن، عقائد أهل البيت وشيعتهم من الزيدية منسجمة تماماً مع القرآن، ومنسجمة تماماً مع الصلاة من أولها إلى آخرها.

نحن قلنا في جلسات سابقة: أن الآخرين الذين عقائدهم باطلة في الله ويقولون: (سبحان ربي العظيم وبحمده) أليسوا يكذبون في قولهم هذا؟ عندما يقولون: (الله أكبر) وهم يأمرون بطاعة الظالم، أليسوا يكذبون؟ وهكذا من أول الصلاة إلى آخرها هم يشهدون على أنفسهم بالباطل، وعندما تتجه إلى عقائدنا تجد صلاتنا وإذا هي صحيحة من أولها إلى آخرها لفظاً ومعنى فيما تعطيه من دلالة، نحن نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ونتمسك بمحمد وآل محمد.. أليس كذلك؟ لكن أن أقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ثم أذهب إلى آخرين هل هذا انسجام مع الصلاة أم مباينة؟.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً إنه على كل شيء قدير.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

التعليقات مغلقة.