saadahnews

من نحن ومن هم

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

لولا أن [اليهود] واثقون بأن التعليم الذي تتقبله [المرأة] من هنا وهناك, من داخل المناهج, ومن وسائل الإعلام, ومن الثقافة العامة, من هنا وهناك, لولا أنه بالشكل الذي يجعل المرأة كما يريدون هم لما انطلقوا, ولما بذلوا أموالهم, ولما ألحوا علينا أن نعلمها.

إذاً هم واثقون بأن ما بين أيدينا مما يعطي العلم والمعرفة من مختلف القنوات هو بالشكل الذي يجعلنا نحن ونساءنا كما يريدون, وما معنى كما يريدون؟ هل أنهم يريدون لنا أن نكون أمة عظيمة, أمة قوية, أمة مهتدية, أمة تبني نفسها؟ لا, هم يريدون أن نكون أمة ضائعة, أمة مدجّنة لهم, أن تكون المرأة نفسها وهي تتعلم, وتتعلم من التلفزيون, ومن المنهج, ومن الندوات الثقافية, من مختلف الوسائل, من المجلات, من الصحف, تتعلم كيف تصبح في الأخير امرأة بعيدة عن أن تنجب عربياً مسلماً, بعيدة عن أن تنجب وتربي أبطالاً مسلمين, بل ستربي جنوداً صهاينة, وتنجب مجتمعاً وأجيالاً يتحولون إلى خدام لهم.

عندما يذكر الله سبحانه في القرآن الكريم عن أهل الكتاب وخاصة اليهود وهم من يحركون العالم أنهم أعداء أنهم حسّاد لنا, أنهم يحقدون علينا, أنهم يكرهوننا {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ}(آل عمران119) فهل من يحمل روح الحقد والحسد والعداء والكراهية سيعمل لمن يكرهه ويحسده ويبغضه ويحقد عليه أعمالاً صالحة؟ يحرص على بنائه ليكون كما ينبغي؟ أم أنه سيعمل لهدمه؟.

خصلة واحدة من هذه تدفع بالمسلم أن يهدم المسلم نفسه, حسد يحصل أو عداوة, أو كراهية, أو حقد, واحدة منها تكفي أن يتحول المسلم, المسلم نفسه إلى حرب لأخيه المسلم, فيعمل على هدمه وهدم كيانه وممتلكاته, فكيف باليهودي وهو من تجتمع في قلبه كل هذه الخصال التي واحدة منها تكفي لإحراق أمة!.

لكن هم قد أتقنوا المسألة, وهيّأوا الأجواء بالشكل الذي يجعلهم يبرزون أمامنا وكأنهم حريصون جداً على الإهتمام بنا, وكأنهم ينادونا لما فيه رفعتنا من مستنقع الجهل, فيقولون: تعلموا, المرأة لها حق أن تتعلم, يجب أن تتعلم, ويبذلون الأموال الكثيرة في بناء المدارس من أجل أن تتعلم المرأة, ومن أجل أن يتعلم الجميع؛ لأنهم قد أصبحوا فعلاً واثقين بأننا سنتعلم رجالاً ونساء ونصبح في الأخير كما يريدون, ولنصبح في الأخير لا نعلم شيئاً, لا نعلم حتى من هم! أليس هذا قمة الجهل؟.

القرآن يتحدث معنا ويبين لنا من هم أولئك, ومسألة من هم هي قضية مهمة؛ لذلك يجب أن نعرفها قبل أن نصغي لنداءاتهم – : تعلموا, تعلموا, تعلموا, عندما نتعلم على أيديهم وهم من يهتفون – يجب أن نعرف من أنتم؛ لأن هذا غريباً, أليس غريباً؟ أصبحنا فعلا لا نعلم شيئاً, كبارنا, من يقومون على تثقيفنا, من يقومون على تعليمنا, من يقومون على صناعة مناهجنا التربوية, هم فعلاً أصبحوا لا يعلمون من هم هؤلاء.

الإمام الخميني كان في وعيه للمسألة هذه, مسألة من أنت, من هو, فيعتبرها مقياساً مهماً, قال: (يكفينا فخراً أن تكون عدوتنا هي أمريكا وإسرائيل) لنعرف أننا على خطى ثابتة, وأننا على موقف حق, يصبح فخراً لنا أن تكون عدوتنا هي أمريكا, وأن تكون عدوتنا هي إسرائيل, من خلالها سنكتشف من نحن, متى ما عرفنا من هم, سنكتشف من نحن, وكيف يجب أن نتعامل معهم, وكيف يجب أن تكون نظرتنا نحوهم.

لكن ما هو غائب في الساحة هو هذا: أننا لا نعرف من نحن, ولا نعرف من هم, من هم أولئك الذين ينادون بالتعليم: تعلموا, تتعلم المرأة, يريدون للمرأة أن تصبح وسيلة لإفساد الرجل, إضافة إلى كونها وسيلة لإفساد أبنائها, امرأة تظهر وهي تلهث وراء أن تقلد كل مظهر مهما كان منحطاً, يأتي من جانب أولئك؛ لأنها ستتعلم بالشكل الذي تصبح فيه تكبّر أولئك, وتعظم أولئك, وتنبهر بهم, أي امرأة تراها تقلدها, تقص شعرها تقص شعرها, تطول أظافيرها تطول أظافيرها, تتبرج, تتبرج مثلها, هذا هو ما يحصل فعلاً!.

وليست المسألة فقط هي قضية مناهج علمية, المرأة تتلقى التعليم من مختلف الجهات, من وسائل الإعلام, عن طريق المسلسلات, يترسخ في ذهنيتها الإعجاب بمظهر معين, متى ما أرادت أن ترفع نفسها نحو أن تشعر بأنها تريد أن تتحضر, أو أنها أصبحت متحضرة, يعني أن تكون على هذا النحو الذي شاهدت عليه الممثلة الفلانية, أو المغنية الفلانية, أو الراقصة الفلانية, التي أصبحت تعجب بمظهرها.

ألم تصبح النساء في بلادنا يتسابقن على تسمية البنات بأسماء الممثلات؟ يحصل هذا بل أصبحت بعض النساء يسمين بناتهن باسم المرأة اليمنية التي تخرج في برنامج [المضمار].

إذاً ألسنا في الواقع لا نعلم شيئاً {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً}(النحل78) لكن أراد أن نتعلم وأن نتعلم الكثير لكن على يده هو. نتعلم مِنْ على يد غيره سنصبح فعلاً لا نعلم شيئاً, ومتى فقدنا هويتنا وأصبحنا لا نعلم شيئا من نحن ومن هم هو الكفيل بأن نفقد أيضاً حضارتنا؛ لأننا لن نصل إلى مستوى أن نكون أمة تنتج وتصنِّع وتزرع وتعلم كل شيء, والواقع يشهد بهذا.

قد يأتي طفرة أحياناً نريد أن نعمل شيئاً فنرسل طلاباً إلى الخارج، نرسلهم قبل أن نعرِّفهم من نحن ومن أولئك الذين سيذهبون إليهم, فيعودون بنظرة عكسية, حتى ولو أصبح لديه خبرة لم يعد يطمح إلى أن يخدم هذه الأمة؛ لأنها عنده ليست شيئاً, أصبح معتزاً بأولئك, منبهراً بأولئك, يعظِّم أولئك, ويحتقر هذه الأمة, ويمتهنها, هي أمة ليست جديرة بأي شيء من قبله, فيعود ساخطاً على هذه الأمة, ليس ساخطاً لأنها لماذا لا تبني نفسها, أصبح يزدريها هكذا. ولو كان لا يزال في قلبه ذرة من إحترام لهذا المجتمع, أو إهتمام بشأنه لانطلق هو أن يفيد بخبرته هذا المجتمع.

نستقدم الخبراء من هناك لكن أولئك يعرفون من هم ومن نحن, لاحظ الفارق يأتي خبراء وهم يعرفون من نحن, نحن أمة لو ننهض, لو يخلصون لنا, لو يخلصون معنا فبين أيدينا كتاب عظيم, بين أيدينا دين عظيم قد نشكل خطورة على حضارتهم, هم يخرجون إلينا وهم يحتقروننا وحريصون على أن لا نعلم شيئاً إلا فضلات معرفتهم التي فقط تؤهلنا لأن نكون سوقاً استهلاكية لمنتجاتهم, هي مجرد أن تعرف كيف تشغل منتجاتهم فقط لا كيف تصنع مثلها, أو كيف تنافسهم في التصنيع على نحوها.

عندما نرسل طلاباً إلى الخارج منح دراسية أيضاً وهم جاهلون, ولا نشرح لهم أي مجتمع سيصلون إليه, في نفس الوقت مما يعزز المسألة ويزيد الطين بلة هو أنهم لا يحظون برعاية, بل يشكون كثيراً ويعانون كثيراً من اختلاس مساعداتهم المالية, وسرق للمساعدات, وتأخير لها, وأرقام بسيطة, فيعيشون هناك [أزمات مالية كبيرة] فيعود وهو كتلة من الإزدراء لهذا المجتمع, ولهذه الدولة.

يوم كنا في مجلس النواب كانت تأتي شكاوى كثيرة من طلاب في مختلف البلدان، يشكون من أن مساعداتهم تتأخر, أزمات كثيرة مالية معيشية يعانون منها بسبب تأخير مساعداتهم, وقلة مساعداتهم, ومماطلة السفارات والملحقيات الثقافية في صرفها, وأخذ منها, شكاوى كثيرة كانت تأتي.

عندما يعود الطالب ماذا يمكن أن يعمل؟ قد يأتي – ولازدرائه لهذه الأمة, ولهذه الدولة – يعمل لمصلحة نفسه فقط, وإذا ما عمل داخل مؤسسة حكومية مثلاً, داخل مصنع يهتم بنفسه فقط, لا يحمل أي مشاعر من الإهتمام بواقع هذه الأمة, وأن يعمل على رفعتها, وأن يخلص لها.

فرح الناس عندما أصبح لدينا عطلة يومين, فرحوا, بينما كانوا في ألمانيا وفي اليابان العمال يصيحون: لا, عندما تكون ساعات العمل قليلة, لا, يريدون أن تكون ساعات العمل طويلة! في اليابان عندما كانوا يرسلون طلاباً كان اليابانيون يحرصون على أن يحافظوا على هويتهم, وتقاليدهم كشعب متميز بتقاليده وهويته، هو شعب ظُلم من قبل الآخرين, من قبل الغرب, ظلم من قبل أمريكا, فيرسلوا طلاباً على مستوى من الوعي, يفهم من هو, ويفهم ما هي مهمته, هو أن يسافر في رحلة ومنحة دراسية وأن يتعلم حتى ولو عند أعدائه لكن يتعلم ليعرف في الأخير كيف يضربهم, يتعلم ليعرف كيف يبني بلاده، فيصبح ذلك الشعب الذي قهر على أيديهم يقهرهم هو في ميادين الإقتصاد.

الدولة نفسها كانت تهتم بالطلاب اليابانيين, تعطيهم مساعدات كبيرة, ورعاية كبيرة, كذلك الصين كانت تعمل فيعود الياباني وهو ياباني لم يتأثر, يعرف ما حصل في [هيروشيما] وفي غيرها, ما حصل من تدمير لدولة كانت تمثل إمبراطورية كبرى في شرق آسيا, فعادوا وهم لم يتأثروا, عادوا وهم يحملون اهتماما بأمتهم, ويعملون بجد من أجلها.

نفس الدولة إذا كان الكبير هو يحمل نفس المشاعر حتى ولو بدى في الصورة مستسلماً, وهو الشيء الذي نقول: نحن لم نلمس شيئاً, فمتى ما صدرت كلمات براقة من زعيم, أو كذا.., أنظر إلى الواقع ستلمس إذا كانت هذه الكلمات لها أثرها, هي كلمات تنطلق من أعماق نفسه, أو أنها فقط قد تكون خداعاً أنظر إلى الواقع ماذا يعمل على صعيد الواقع, وهو من يملك القرار في هذا الشعب أو ذاك, ماذا يعمل!.

كانت تبدو حكومة اليابان حتى في أثناء الإستسلام كانوا يحرصون على أن تبقى لهم هويتهم, كل شيء ممكن لكن هويتهم, ومَلِكُهم, قد يبدو الملك, قد تبدو الحكومة مستسلمة، أليس الإستسلام هو حاصل؟ لكن من الداخل هو يعرف كيف يعمل, من الداخل يثور, مستسلم وممكن يقف مع أمريكا في مواقف لكنه من الداخل يعرف أنه على رأس شعب قهر, وأن من واجبه أن يصعد بهذا الشعب ليكون هو الذي يقهر أعداءه ولو في أي ميدان من الميادين؛ هم يعرفون أن الصراع هو صراع شامل, لم يعد فقط صراعاً عسكرياً, صراع شامل, وأبرز ما فيه الصراع الإقتصادي فيما بين الدول.

اتجهوا نحو البناء فعلاً وهو أن يقفوا على أقدامهم, ما الذي حركهم؟ مشاعر داخلية نحو وطنهم, مشاعر داخلية من العداء لأولئك, شعور بأنهم قهروا. روحية افتقدها الناس, المسلمون أنفسهم وهم من يمتلكون دين العزة, وهم من يمتلكون القرآن الذي فيه ما يكشف لهم واقعهم في أي عصر من العصور, يبين لهم ما هم عليه, يبين لهم لدرجة أن القرآن يبدو وهو كتاب مخطوط حي وواعي أكثر منا فيما نحن عليه في كل عصر يستطيع أن يكلمك بما أنت عليه, وواقعك عليه, وكيف واقعك.

عاد اليابانيون وهم مجاميع كثيرة، وبنوا بلادهم فعلاً حتى أصبحوا دولة صناعية كبرى, دولة تملك رأس مال رهيب جداً, لها ثقل اقتصادي عالمي, أصبحت منتجاتها تغرق الدنيا وهي بلد صغير!

لدينا من التربة أكثر مما لديهم, بلدنا أوسع من بلادهم. من أول المشروبات التي كانت تصل إلينا مشروبات يابانية نشربها من شركة [متسو بيشي] عصاير, هم كانوا يزرعون في قوارب في البحر, لاحظ كيف الرجال يعملون, ليست لديهم تربة, أراضي ضيقة, أراضي جُزُر هكذا مفككة, فكانوا يستغلون أن يصنعوا قوارب من الخشب أو من أي مادة ويبحثوا عن كيف يملأونها بالتراب؛ لأنه لا يوجد لديهم مساحات كافية لأن تزرع, بلد ضيق, يزرعون في البحر, يملئون الزوارق بالتراب ويزرعونه, يزرعون حتى في شرفات منازلهم, الأسرة نفسها تزرع الباميا والبطاط والطماطم في شرفات المنازل, تعمل على اكتفاء نفسها من الخضار من الأسطح لضيق الأرض لديهم, ومن البرندات, شرفات المنازل.

ما الفارق بيننا وبينهم؟ هو أنهم يعرفون من هم, ويعرفون الآخرين الذين كانوا يرسلون أولادهم إليهم من هم, ويرعون الطلاب عندما يسافرون إلى أولئك, فلا يمشي إلا وقد هو فاهم. أصبحنا لا نعي من نحن, فما الذي تعرف بعد أن تكون لا تعرف من أنت؟ إذا أنت لا تعرف من أنت, ولا تعرف الآخرين من حولك فلا تستطيع أن تبني نفسك فعلاً.

وجدنا كيف أنفسنا أراضي كثيرة مهملة, ساحات واسعة صالحة للزراعة مهملة, ونستورد, نستورد كل شيء حتى [الملاخيخ], نستورد كل شيء حتى [القلوة]! ألسنا نستوردها؟ يذهب واحد يشتري كم [فشار]! وهكذا وضعية البلدان الأخرى. تدخل سوق الملح, أسواق صنعاء, وترى فيها فاصوليا, وعدس, وترى فيها فول, وترى فيها مختلف الحبوب, هذا من استراليا, وهذا من الصين, وهذا من تركيا, وهذا مدري من أين..!

اليمن صخرة لا يصلح أن يزرع فيه شيء!! أصبح وكأنه صخرة واحدة, ولو كان صخرة واحدة لاستطاع الناس كما عمل اليابانيون أن يزرعوا فوق أسطح المنازل وفي شرفات المنازل, ألم يكن بالإمكان أن يزرعوا فوق الصخرة؟ يعمل قليل تراب فوق الصخرة هذه ويزرع فيها أي شجرة مفيدة؟.

فعندما يفقد الناس الهوية فعلاً وتصبح وضعيتك بالشكل الذي تخدم عدوك, سيأتي عدوك ليقول: تحرك, تعلَّم, تعلَّم؛ لأنهم من وضعوا كل شيء لنا, هم من عرفوا كيف سنكون عندما نتعلم, لو أن هناك تعليم صحيح يبني فعلاً هل يمكن أن نسمع من جانبهم كلمة تعلّم؟.

لكنهم لا يعملون على أن نزرع, حتى الصندوق الاجتماعي ممكن يبني مراكز صحية, ممكن يبني مدارس, ممكن يبني حواجز مائية, لكن جانب الخدمة في الزراعة. لا, خزانات يشرب منها الناس, لكن يسقُّون منها. لا, لا يريدون أن نزرع؛ لأنهم يعرفون ماذا يعني أن نزرع, متى ما زرعنا ملكنا قوتنا, متى ملكنا قوتنا استطعنا أن نقول: لا, استطعنا أن نصرخ في وجوههم, استطعنا أن نتخذ القرار الذي يليق بنا أمامهم, فما دمنا لا نملك شيئاً لا نستطيع أن نقول شيئاً.

لهذا تجد الزراعة في اليمن مهملة, الزراعة مدمرة, وهكذا تجد في بقية الشعوب الأخرى في السودان في مصر, كل البلدان هذه. الزراعة لا يهتمون بها, هيا تعلموا لكن لا تزرعوا! لو أن التعليم صحيح بالشكل الذي يجعلنا واعين, نعرف من هم ومن نحن، وكيف يجب أن نكون؛ لما تكلموا بكلمة واحدة: تعلّموا.

القرآن الكريم يركز على هذه الأشياء كمقاييس؛ لأنه أحيانا قد يبدو عدوك وكأنه ناصح لك, كأنه ناصح لكن إذا كنت تعرف من هو ستكون يقظاً.

لاحظ ما حصل لآدم مع إبليس, ألم يبدو إبليس أمام آدم أنه ناصح؟ أنا أريد أن تأكل من هذه الشجرة, من أجل أن تصبح ملكاً, أو من أجل أن تخلد {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}(الأعراف: 21) أليس الله نبّه آدم قبل.. أن الشيطان لكما عدو مبين؟ لا تأكل من هذه الشجرة, وقال: الشيطان هو عدو انتبه للشيطان هو عدو؟ نسي آدم مسألة العداوة مثلما قال الله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}(طه115).

عهد إليه أن هذا هو عدو, وأنك متى ما أكلت من الشجرة ستشقى, إفهم عدوك حتى وإن بدا أمامك وكأنه ناصح, بل يقسم الأيمان المغلظة أنه ناصح, ما الذي افتقد آدم؟ هو الشيء الذي نفتقده نحن أولاده, أو بعض أولاده, العرب, أو معظم المسلمين.

لم نفهم أن أولئك أعداء, عندما غابت من أذهاننا من هم، من خلال القرآن الكريم الذي سطر أن آدم قد قيل له: إن الشيطان عدو, لا تغتر به, تعامل معه كعدو, وسطر في نفس الوقت أن اليهود أعداء لنا, أن أهل الكتاب أعداء لنا, لما نسينا هذه كما نسي آدم سابقاً.

آدم لم يمر بدروس ربما، لكن نحن من بعد قرون أحداث كثيرة تبرهن تعرف من خلالها من هو العدو ومن هو الصديق إذا كنت ممن يفهم الأحداث, ويفهم نتائج الأحداث, وغايات الأمور.

لما نسينا هذه: أنهم أعداء, أنهم حاسدون, أنهم ما يودون لنا أي خير, أن قلوبهم مليئة بالحقد علينا, أنهم حريصون على إذلالنا, أنهم كذا, أنهم كذا… الخ, خصال متعددة نبهنا الله عليها في القرآن الكريم بالنسبة لهم نسيناها, بينما آدم نسي واحدة فقط, نسي أن الشيطان عدو, هو قيل له: إن الشيطان عدو, أما الله فقد قال لنا بالنسبة للآخرين من أهل الكتاب من اليهود والنصارى: هم حساد, لا يودون لكم أي خير, هم حاقدون, هم لا يحبونكم, ويكرهونكم, هم كذا, هم كذا.

نسينا هذه فما الذي جر علينا من وبالٍ نسيانُنا لهذا؟ أصبحنا نتثقف بثقافتهم, أصبحنا نحرص على أن نقلدهم في كل شيء بدءاً من كبارنا إلى أطفالنا ونسائنا, أصبحنا ننظر إليهم نظرة إكبار وإعظام وإجلال, أصبح الشخص منا يعتز بأنه أصبح شخصاً عصرياً وحضارياً عندما يمثلهم ويقلدهم في شؤون حياته فما الذي حصل؟ شقينا كما شقي آدم, ألم يشق العرب؟ تجمع لنا الشقاء والضلال كما شقي آدم عندما أُخرج من الجنة، إلا أنه لم يضل {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}(طه122) شقي في حياته, احتاج يقوم يشتغل, لم يعد معه لا ملابس ولا طعام ولا شراب، احتاج يقوم يكدّ.

لكن نحن على أيدي هؤلاء تجمع لنا الشقاء والضلال, الشقاء والضلال بكله, تجمع لنا على أيدي هؤلاء؛ لأننا نسينا من هم, والعجيب أيضاً تتجلى الأحداث إلى درجة عالية جداً من الوضوح, فيتجلى للعرب أن أمريكا وراء إسرائيل, وإسرائيل هي عدوهم, أليست الأشياء متجلية بشكل واضح جداً, لكن أصبح الناس في تيه وفي ضلال لدرجة أنهم لم يعرفوا ماذا يعني أنه إذا كان عدو, ما ذا يعني العداوة, وكيف أتعامل معه؟!.

عدو ينطلقون ليبحثوا عن السلام من تحت أقدامه, عدو يعتزون ويتسابقون على الولاء له, وأنه دولة صديقة, ويدخلون معه في مواثيق كثيرة, وفي اتفاقيات كثيرة, اقتصادية, ثقافية.. الخ!!.

فإذا كان آدم شقي عندما خرج من الجنة بموقف واحد, ونحن تراكم لدينا الشقاء بشكل رهيب جداً, تراكم الضلال بشكل رهيب جداً.

إذا كان الله سبحانه وتعالى مشَّى النتيجة على وفق ما عمل آدم أنه سيشقى, سيشقى, وفعلاً أشقاه, خرج من الجنة بدون ملابس هو وزوجته {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّة}(الأعراف22) نحن في نفس الوقت نرجو من الله بأنه لا يحصل شقاء, لا يحصل مدري أيش.. ومدري.. أو ننتظر منه هو, لكن.. لا, المسألة هي هكذا:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}(طه123).

ألم يحسم الموضوع من أول ما نزل آدم؟ من أول ما أهبط آدم؟ {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} ذكره الذي هو هداه, وتذكره هو سبحانه وتعالى {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} وأيضاً ماذا؟ وسيعيش ضالاً تائهاً في فكره وثقافته فيحشر يوم القيامة أعمى {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}(طه124).

لم نفهم المسألة بالشكل الصحيح، مثلما تحدثنا في العصر كيف أننا أصبحنا في واقعنا نفترض ما لم يحصل للأنبياء, نتبنى مواقف معينة بطريقة سلبية ونريد من ورائها ما لم يحصل للأنبياء, نحن كيف نريد أن نرسم لنا طريقاً إلى الجنة سهلة غير طريق الأنبياء! والجنة من هم دعاتها؟ الأنبياء؟. لو كانت المسألة فيها سهولة بشكل كبير لما كان دعاة الجنة هم أنفسهم يحتاجون إلى أن يتعبوا ويصارعوا في الحياة. هذا بالنسبة للجنة.

فالله هو الذي يهدي إلى الجنة، وليس نحن من نرسم طريق الجنة ونفصّلها، الله يقول: {وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ}(البقرة221) هو الذي يهدي إليها, ما معنى يهدي إليها؟ بالحظ! يرسم طريقها, صراط مستقيم أيضاً ليس طريقا غامضاً, صراط مستقيم, طريق واضح مستقيم, بيِّن.

في ميادين الصراع أيضاً ننطلق انطلاقة لم يكن عليها الأنبياء أنفسهم نريد أن ندعو: اللهم.. اللهم.. اهلك, ودمر, واعمل كذا بالأعداء! الدعاء جيد كإعراب عن موقف, كإعراب عن موقف, لكن لا تنتظر من ورائه شيئاً إذا لم تعمل, إذا لم تعمل, خاصة ولديك القدرة على أن تعمل شيئاً, وأن تعمل ما تستطيع ولديك القدرة, اعمل متى ما عملت سيستجاب الدعاء.

رسمنا طريق للجنة خاصة, ورسمنا منهجية في الصراع مع الآخرين خاصة, لم تتوفر للأنبياء لا هذه ولا هذه بالشكل الذي نريد أن تكون لنا، وكأننا أعلى مقاما من أنبياء الله ومن سيد المرسلين محمد (صلوات الله عليه وعلى آله).

فأصبحت المسألة من الضلال إلى درجة أننا لم نعرف من نحن، ولم نعرف أعداءنا, ولم نعرف طريق جنته, ولم نعرف كيف كان عليه أنبياؤنا, ولم نعرف كتابنا, ولم نعرف شيئاً, أصبحنا صفر, لا نعرف شيئاً, ونتعامل أيضاً مع الله سبحانه وتعالى ناسين!.

وهذا مما جعلنا لا نثق بالله كثيراً هو: أننا ناسين أنه رحمن رحيم بنا, أي أنه ينبغي أن يكون محط ثقتنا حتى آياته [احسب ما هو سابر إما نمشي عليها, احسب أننا سنتورط, أو احسب أن المسألة ليست …..] صدق الله العظيم, صحيح لكن.. ما هناك ثقة بالله بأنه عندما يشرِّع, عندما يهدي, عندما يرسم طرق معينة, طريق إلى الجنة, طريق كيف نواجه الحياة, كيف نواجه الآخرين, أنها حقائق ثابتة, وأنه هدانا إليها من منطلق رحمته بنا, من منطلق رحمته بنا, فهو من يجب أن نثق به وثوقا كبيراً.

يعني حتى هذه لم تحصل هي, لأسباب كثيرة تراكمت, أسباب كثيرة تراكمت, من ثقافتنا مثلاً وعن طريق أن نثقف سواء بالكلمة, أو بالكتاب, من هنا أو من هناك, فيحصل من داخله أشياء تجعلنا على هذا النحو, فلا أحداث فيما بعد استطاعت أن تكشف لنا واقع, متى ما كشفت لنا واقع لم نهتد إلى طريق الخروج منه, هذا التيه الرهيب جداً جداً لا يمكن أن يكون المخرج منه إلا عن طريق القرآن والثقة بالله سبحانه وتعالى.

لاحظ الآيات التي قرأناها في العصر, عندما يرجع واحد إلى تفسيرها, تفسيرها هي في كتاب هو من أبرز الكتب لدينا, تفسير [الزمخشري] الزمخشري معتزلي سني، وهو من التفاسير التي متى ما قرأه واحد أصبح الأخ العلامة في مصطلحاتنا, اقرأها تجد تفسيره لها وإذا هي بالشكل الذي تعتبره في الواقع يهبط بالقرآن ويهبط بك إلى تحت الصفر في المسألة, يضيِّق المسالة جداً بشكل رهيب جداً, يعطل الإستفادة الكاملة من هذه الآيات بما هو أقرب شيء إلى المسخ, مع أنه انطلق يفسر بجدية.

هو ذهب ليفسر في مكة عند الحرم, وانطلق في تفسيره على أساس أن يقاوم المجبرة, وهذا الذي جعلنا نحن الزيدية أن نعجب بتفسيره أنه معتزلي فيما يتعلق بمقاومة المجبرة في معتقدات معينة, يتحدث ويتعرض لهذه المسائل فينتصر لجانب العدل ولجانب التوحيد.

لكن لم تكن المسألة بالشكل الذي يمكن أن يعطيك القرآن هو عندما ترجع إليه من خلال قرنائه, مثلما قال الإمام الهادي: (القرآن يدل على العترة, والعترة تدل على القرآن) فبذل جهداً كبيراً الزمخشري, وفسر في مكة, وطلع بأربعة أجزاء, ولكن تعال إلى القرآن من خلاله, وبعد أن تستقري الأحداث, الأحداث التي كشفت العقائد الصحيحة, والعقائد الباطلة, كشفت النظرات الصحيحة, والنظرات الباطلة, الأحداث هي دروس.

الكون هو كتاب آخر يكشف أيضاً صحة هذا الكتاب نفسه, القرآن يكشف كيف يمكن أن تكون الأحداث على النحو الذي تحدث عنه, كيف يمكن أن يكون واقع الحياة على النحو الذي تحدث عنه؛ لهذا تأتي بعد كل فقرة من المواضيع المهمة التي فيها هداية الأمة إلى أشياء مهمة جداً يقول فيها: آيات الله {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

تعتبر أعلام تكشف لك الحقائق, ومن خلال الرجوع إلى القرآن, والرجوع إلى الأحداث والوقائع, والرجوع إلى العترة تتجلى الأمور بشكل آخر, فترى في الأخير أن هذا المفسر, أو هذا, أو هذا من أولئك لتصبح المسألة – على الرغم من حسن نيته وعلى الرغم من جديته – تصبح المسألة وكأنها تضييع للقرآن, تضييع للقرآن حقيقة.

لأن هذا ربما انطلق بنظرة أنه يريد أن يقدم لك القرآن لكن من منطلق آخر مثلاً، أو هو نفسه ما زال يحمل عقائد تجعله بالشكل الذي لا يهتدي إلى القرآن بالشكل المطلوب, أو يعطف القرآن على ما لديه من عقائد هي مغلوطة؛ فطلع بهذا الشكل.

لهذا الإمام الخميني قال في كلمة عندما يرجع إلى تفاسير معينة، لم ير تفسيراً يلبي ما يريد, يعود إلى التفاسير لكن ما رأى التفسير الذي يشبع الموضوع القرآني, يكشف القضية بالشكل المطلوب, ما حصل ذلك نهائياً.

هم فعلاً بعض العلماء يقولون بأن القرآن واسع بالشكل الذي لا يمكن لأحد إطلاقاً أن يحيط به علماً, مثلما قال الإمام علي بأنه: (بحر لا يدرك قعره), لكن وفي المقابل يأتي آخرون فيقولون بأنه ما يمكن أن يكون فيه خطاب لا نفهمه نحن, أي لا يفهمه أي واحد منا، هو كتاب له آلية معينة, ومن خلال هذه الآلية مثلما قال الزمخشري: نهتم بالمعاني والبيان, يعني في جانب معرفة البلاغة, وندخل إلى القرآن, والقرآن خلاص يجب أن نفهم فيه كل شيء! لو افترضنا بأن فيه شيء أنا لا أفهمه يعني ذلك أنني أصبحت مكلفا أن الله كلفنا بشيء ونحن لا نفهمه.

فهذه النظرة هي نفسها ضيقت القرآن؛ لأنها انطلقت من مسألة التكليف بالأحكام الخمسة, ومن منطلق أن القرآن هو كتاب تشريعي يدور في هذه الدائرة: التكليف الفلاني, وليس كتاب هداية, فعندما ينظر الإنسان هذه النظرة الضيقة يصبح القرآن فعلاً ضيقاً.

وفي الأخير ما الذي سيحصل؟ ستجده في الأخير ما أفادك بشيء, فترجع إلى أشياء أخرى فتغرق في الضلال, فتغرق في الضلال, ثم تصبح مجاملاً لتلك الآيات, تجاملها فقط مجاملة, وإلا ما عاد منها شيء.

لكن ترجع إلى القرآن ككتاب هداية, ومتى ما رجعت إلى تفسير من التفاسير فأيضاً من هذا المنطلق أنه ما الذي يمكن أن يعطيني هذا المفسر بالنسبة لهذه الآيات من وجهة نظر بحث عن هداية, ليست مسألة حفظ أو ما حفظ، فسيمكن أن الإنسان سيستفيد من القرآن, ويستفيد الناس جميعاً من خلال القرآن, وكل إنسان بحسب معرفته, بحسب صحة نظرته, فيفهم الناس الكثير من القرآن ولو على أقل تقدير ما يعزز ثقتهم بالله سبحانه وتعالى, ما يرسخ في نفوسنا الخوف منه, ما يجعلنا نهتدي بأشياء كثيرة وضعها, كأعلام, مقاييس, قواعد, ترسخ لدينا وعي ننطلق منه.

تجد من العجيب كل الناس يقولون: أن الله تحدث عن اليهود كثيراً في القرآن, ألم يتحدث عنهم كثيراً في القرآن؟ لكن نسيوا بأن من تحدث عن اليهود في القرآن ليس من الممكن إطلاقاً أن يتحدث عنهم ثم لا يوجه الأمة إلى كيف تكون في ميدان مواجهتهم, أصبحت النظرة إلى ما عرضه عن أهل الكتاب في القرآن الكريم وكأنه عرض تاريخي, وسرد تاريخي فقط, قصصي.

هذه الخلاصة بأن العودة إلى القرآن من منطلق ثقة, بالإعتماد على الله سبحانه وتعالى, والنظرة إلى القرآن بأهمية كبرى, أن يكون للقرآن مكانة كبيرة في نفسك, تُجِلّ القرآن, تعظّم القرآن, حتى تثق بتوجيهاته, وإلا فأحيانا قد تصبح عالماً, تسمى عالماً, تصبح عالماً كبيراً وعمرك كم سنين وأنت مقروي, لكن ويبقى في واقع المسالة تعاملك مع القرآن بالشكل المهزوز, فتصبح لا تستفيد منه حتى لو أصبحت عالماً, معك مكتبة كبيرة.

لاحظ كيف جانب واحد تحدثنا عنه, جانب أننا نسينا من هم هؤلاء, ولم نتعامل معهم من منطلق ما يوحي به القرآن في كيف يجب أن نتعامل معهم كأعداء.. فتجمّع لنا الشقاء والضلال, الشقاء والضلال بكله, تجمّع لنا على أيدي هؤلاء.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

 

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

التعليقات مغلقة.