وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
[عندما تؤدي الصلاة فاعرف] أنك تقف في يومك عدة مرات، في موقف تعرف أنت بأنك تقف أمام الله، أن الصلاة عبادة، مواجهة مع الله سبحانه وتعالى بتجرد عن كل الأشياء من حولي، لا أتحرك كثيراً، لا أتلفت، لا أتكلم، لا أعمل أيّ عمل آخر، أقف في موقف أستشعر فيه أنني أقف بين يدي الله.
أليس هذا تذكير بالله؟ تذكير بالله حتى لا أنساه، ولأن الإنسان بطبيعته، ولأن اتجاهه إلى شؤون الدنيا قد يجعله ينسى؛ جاءت الصلاة متكررة في اليوم والليلة خمس مرات، جاءت متكررة خمس مرات، ومع هذا يبدو أنها لم تنفع فينا، ما يزال النسيان يحصل، بل يحصل أن الإنسان يصلي وهو ناسي، لكن لا بأس ستترك أثراً نوعاً ما.
ثم الإنسان إذا ما حاول هو أن يتفهم قيمة هذه العبادة ستكون مشاعره أثناء الصلاة على شكل أرقى وأعلى مما نحن عليه الآن، وفي نفس الوقت ستترك آثارها في نفسه.
الصلاة في البداية هي: وقوف بين يدي الله، ذِكرٌ لله، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}(طه14) ألم يقل الله لموسى هكذا؟ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ذكر الله، وأنت تذكره بلسانك، وذكره في مشاعرك، في قلبك، تتذكر الله في نفسك، وتذكر الله. حتى ذكر الله باللسان هو من أجل أن تتذكر الله في نفسك.
الإنسان إذا ما ذكر الله، وكان دائماً متعوداً على أن يذكر الله، يسبّحه، ويكبره، وله أوراد معينة يذكر الله. هذه تساعد على أن يتذكر الله في نفسه، وهذا هو الشيء المهم، تذكُّر الله في نفسي يدفعني إلى ماذا؟ إلى الإلتزام بهديه، وإلى الإبتعاد عما نهاني عنه. فالصلاة في البداية تعطي هذه.
لها إيحاءاتها، لها إشاراتها فيما يتعلق ببقية الأشياء, الإنسان في هذه الدنيا، الإنسان في الدنيا يحتاج، سواء في مجال حياته، في مجال معيشته، أو في مجال هدايته؛ لأن الدنيا ميدان مفتوح، فيها شياطين الإنس، وفيها شياطين الجن، فيها المضلين، فيها الطواغيت، فيها أشياء كثيرة تعترض الإنسان، وتدفعه إلى الضلال، وأنت لا يمكن أن تضع لنفسك برنامجاً تحدد فيه أنك مهتدي، ولا تحتاج إلى الله.
الإنسان يحتاج إلى الله دائماً في أن يهديه؛ ولهذا جاء في القرآن الكريم تعليم للمؤمنين بأنهم دائماً يدعون الله أن يثبت أقدامهم، وأن لا يزغ قلوبهم، وأن يهديهم، وأن يعلمهم. ألم ترد هذه في القرآن كثيراً: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}(آل عمران8).
عندما أصلي، أذكار الصلاة، أذكار الصلاة نفسها، بدءاً من التكبير، أليس التكبير تعظيماً لله سبحانه وتعالى؟ وشهادة بأنه أكبر من كل ما حولي، ومن كل ما هو سواه، [الله أكبر] الله وحده هو أكبر من كل كبير، فأنا باعتباري عبد لله سبحانه وتعالى أرسخ في نفسي، في مشاعري: أن الله أكبر من كل ما سواه.
كل من في هذه الدنيا، أليس الطواغيت يحاولون أن يجعلوا أنفسهم كباراًً أمامنا؟ أليس أصحاب رؤوس الأموال يحاولون أن يجعلوا أنفسهم كباراً أمامنا؟ لكن أنت إذا ما كنت مرتبطاً بالله سبحانه وتعالى، وتفهم ماذا تعني عندما تقول: [الله أكبر] ستجد كل ما سواه صغيراً، من يرغبك بشيء سوى الله تجد ما يمكن أن يقدمه لك صغيراً، صغير من صغير؛ لأن ما وعدني الله به، وهو الأكبر من كل كبير، فهو بالطبع سيكون أكبر مما سيقدمه لي أي طرف آخر.
ما يهددني به كبير من كبار الدنيا فيجعل نفسه كبيراً، ويهددني، ويتوعدني، هو صغير من صغير أمام الوعيد الشديد الذي توعدني به الله الكبير، الذي هو أكبر. أليست الجنة نعيم أعظم من أي شيء في الدنيا؟ لأنها نعيم من؟ نعيم من أقول فيه أنه أكبر، الله أكبر، نعيمه هو أكبر من كل نعيم، أليست جهنم هي أشد من كل عذاب يمتلكه الجن، والإنس؟ جهنم أوصافها عذاب أرقى وأشد وأفضع من أي عذاب لدى أي إنسان في الدنيا، من طواغيت الدنيا.
من يخوفني من طغاة الدنيا، من جبابرتها، بكبريائه، من هم أهل كبرياء وجبروت، يهددني بعذابه، يتوعدني بشره، أنت صغير أمام من هو أكبر، وأنت مقهور بمن أنا أقول فيه وأصلي له، وأقول فيه أنه أكبر، وكل ما تتوعدني به صغير أمام وعيد الأكبر الذي هو الله سبحانه وتعالى.
التكبيرة وحدها تجعل كل شيء سوى الله صغيراً أمامك، هو وترغيبه وترهيبه. نحن لو ننطلق على أساس فهمنا للتكبيرة وحدها لكانت كافية.
أليس الناس عندما لا يتحركون في مواجهة أهل الباطل، في مواجهة أعداء الله، في مواجهة المفسدين، في مواجهة اليهود والنصارى، ما الذي يخيفنا؟ أليس يخيفنا ما لديهم من شر، يخاف الإنسان القتل، يخاف التعذيب، يخاف التعب؟ أليس هذا هو ما يخيف الناس؟ لأننا في واقعنا نرى ما لدى الناس هو أكبر مما لدى الله؛ لأننا عندما نقول: الله أكبر، لسنا صادقين في واقعنا مع هذه الكلمة، لا، بل كل شيء لدى الآخرين، الذين هم صغار، هو عندنا أكبر مما عند الله، فنحن لا نحسب حساب جهنم، ونمشي في طريق هي طريق جهنم؛ من أجل أن لا نقع في هذا الشر الذي لدى الناس في هذه الدنيا!.
يخاف السجن، يخاف التعذيب، يخاف الإضرار بمصالحه، يخاف القتل، أليس هذا هو ما يجعل الناس لا يجاهدون، ما الذي يجعل الناس لا يجاهدون؟ هو هذا: خوفنا من الآخرين وأنهم قد يقتلونه، أو يعذبونه، أو يسجنونه، أو يضرون بمصالحه، يدمرون بيته، وأمواله.
أليس هذا هو الذي يخيف الناس؟ هل هذا مثل جهنم؟ إذاً فلماذا نجد أنفسنا نمشي في طريق هي معصية لله، نقصر، ونفرط، ولا نستجيب لله عندما يقول: جاهدوا في سبيلي، مروا بالمعروف، انهوا عن المنكر، حاربوا المفسدين، حاربوا الظالمين، حاربوا الكافرين.
هل نحن نستجيب؟ لا نستجيب؛ لأننا نخاف مما عند هؤلاء، ونحن نجهل أن ما عند الله هو أشد مما عند هؤلاء، لو سجنِّا في الدنيا، قد يقولون: سجن مؤبد، كم هو هذا الأبد؟ قد يكون إلى أن تموت فقط، قد تموت بعد سنة من دخولك السجن، خليك تبقى في السجن عشرين سنة، أو تبقى في السجن أربعين سنة.
ما هو هذا السجن؟ مكان تشم فيه هواءً بارداً، يمكن أن تشرب فيه ماءً بارداً، تأكل طعاماً سائغاً، لكن جهنم ما هي؟ أليست سجن أبدي، خالدين فيها أبداً؟ والأبد هناك يختلف عن الحكم المؤبد هنا في الدنيا عندما يقولون: حكمت المحكمة بسجنه سجناً مؤبداً.
الأبد عند الله هو: أن مليار سنة لا يساوي ثانية واحدة، ليس هناك نهاية، ألف سنة، مليون سنة، مليار سنة، لا تساوي ثانية واحدة، أبداً يعني: ليس هناك خروج أبداً من جهنم.
في خبر، في رواية بأنه لو كان ما بين السموات والأرض مُلِئ بحبات الخردل، ويخلق الله طائراً يلتقط كل سنة حبة واحدة، ويقال لأهل النار: إنكم ستمكثون فيها حتى تنتهي هذه الحبات لفرحوا! ماذا يعني فرحوا؟ أن هناك نهاية لجهنم.
كم سيتسع هذا المجلس من حبات الخردل؟ كم؟ مليارات يتسع لها هذا المجلس، لفرحوا؛ لأنهم سيعرفون أن هناك نهاية، ولو بعد بلايين، بلايين، بلايين السنين، بعد البلايين يمكن أن يتصور الإنسان عدداً، أن هناك نهاية، ليس هناك نهاية، وأنت في جهنم، نعوذ بالله من جهنم، والإنسان في جهنم، هل هو في سجن كسجون الدنيا؟ {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}(الزمر16) تتحول أنت إلى كتلة من النار {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}(التحريم6) يتحول الإنسان هو إلى كتلة من النار ملتهبة، ثيابه نار، شرابه نار، أكله نار.
أليس الله يقول عن شجرة الزقوم: {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}(الدخان45- 46) شجرة شديدة المرارة، وهي في نفس الوقت نار، يشرب حميماً يقطع أمعاءه، [يتروَّش]، {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ}(الدخان48)، يذيب جلده، ويقطع أمعاءه، وهكذا، سنة بعد سنة، مائة سنة بعد مائة سنة، ألف سنة بعد مليون سنة بعد مليون سنة، وهكذا إلى ما لا نهاية. أليس هذا هو الشيء الذي يخيف؟.
إنه عذاب من أقول عندما أبدأ أدخل في الصلاة: [الله أكبر]، إن عذابه سيكون أكبر من عذاب أي طرف آخر، {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}(البروج12) بطش شديد لكننا لجهالتنا بالله، ولأننا لا نعي عندما نقول: الله أكبر، ماذا تعني، هو أكبر في ترغيبه، أكبر في ترهيبه، أكبر في رحمته، أكبر في هديه، أكبر في كل شيء.
هنا في الدنيا قد يأتي بعض الناس يدخل في موقف باطل مقابل مصلحة محدودة معينة رغبوه بها، رشِّح فلان، وسنعطيك رتبة عسكرية، أو نعطيك وظيفة، أو مستعد أن أقوم معك في موقفك من فلان، أو أعطيك مبلغ خمسة آلاف، أو.. أو..، من هذه المصالح البسيطة جداً، فيقف موقفاً باطلاً، يبيع دينه بثمن بخس؛ لأنه رأى هذا الشيء القليل هو أكبر من الجنة.
أليست الجنة أكبر نعيم؟ (موضع سوط في الجنة – كما روي في الأثر – أفضل من الدنيا وما فيها) موضع سوط في الجنة، لا، الجنة هذه صغيرة، نحن في الواقع نرى الجنة صغيرة، ونرى النار صغيرة، ونرى الله صغيراً، ونحن بحاجة..الإنسان بحاجة دائماً إلى أن يذكِّر نفسه بأن الله أكبر، بأن إلهه أكبر، فإذا ما رُغّب في الدنيا يتذكر بأن ترغيب إلهه أكبر، إذا ما رُهِّب من قبل طواغيت الدنيا يتذكر بأن ترهيب إلهه أكبر.
فجاء التكبير في الصلاة هو أول ذكر تفتتح به الصلاة، وجاء التكبير من الأذكار المشروع للإنسان أن يرددها دائماً: [سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر] كم تقول من تكابير داخل الصلاة! تكبيرة الإحرام، تكبيرة الركوع، تكبيرة القيام من الركوع، تكبيرة السجود، الإعتدال، السجود مرة أخرى، كم تكبيرات يقولها الإنسان داخل الصلاة! ثم نصلي عاماً بعد عام، ولا نلمس أثراً للتكبير، لذكر واحد من أذكار الصلاة في نفوسنا! لا نلمس أثراً لهذا الذكر!.
أليست التكبيرة وحدها، لو كنا نعي معناها، لتحول الناس تحولاً كبيراً، لانطلقوا كالصواريخ؛ لأنهم يخافون الأكبر، ويرغبون فيما عند من يقولون أنه أكبر من كل كبير. يخيفنا مدير ناحية يخيفنا محافظ، يخيفنا رئيس، يخيفنا يهودي، يخيفنا أبسط الأشياء؛ لأن كل شيء نراه من هذه الأشياء التي ليست بشيء أمام عذاب الله، هي في الواقع ننظر إليها أكبر من ذلك الوعيد.
الإنسان بعد أن يقول: الله أكبر، يقف قائماً، والمطلوب أن تكون في وقوفك، وفي الصلاة كلها خاشعاً، والخشوع أيضاً في شكلية وقوفك أمام الله سبحانه وتعالى، وفي سكونك، وأفضل وقفة خشوع هي الوقفة التي نقف عليها نحن في صلاتنا بإرسال أيدينا.
عندما نتأمل وقفة الوهابيين مثلاًً في صلاتهم، هي وقفة أُبَّهة، وكبرياء، ليست وقفة خشوع. يفك رجليه، ويبرز بطنه، ويضم يديه، [ويقْعَل] رأسه، ويقول: [الله أكبر]! الضم أساساً هو وقفة أبهة، ليست وقفة خشوع، يصلح أن تضم عندما تخطب. لاحظ، جرب أنت من نفسك، عندما تجعل يدك فوق يدك، وأنت تدخل في مجلس، ماذا سيقول الآخرون؟ يعتبرون أنك وقفت وقفة [مِنَخِط]، جرب أن تدخل على ناس في مجلس كهذا، في الباب تقف كوقفة الوهابي في صلاته، وانظر ماذا سيقول الآخرون عندما يرونك؟ [اليوم أنت مِنَخِط يا خبير].
إنها ليست وقفة خشوع، هي وقفة أبَّهة، ووقفة نخيط، تصلح إذا أنت تخطب، إذا أنت تخاطب جماهير، إذا أنت [تِتْحَاول] إذا أنت تريد [تنخط]، تعمل هذه، هي من الآداب في حالة مثلاً الخطاب، من الآداب أن تضع يدك على يدك مثلاً؛ لأن الخطيب المطلوب فيه أن يقف وقفة أبهة أمام الآخرين، أمام الناس، شخصية وهو يخاطبهم. لو يدخل جندي على ضابط بالشكل الذي يكون عليه الوهابي عندما يقف في الصلاة لصفعه في وجهه.
كيف التحية العسكرية للضباط؟ أليست هكذا، إرسال؟ كيف الوقفة لِلعَلَم؟ أليست إرسال؟ كيف الوقفة للنشيد الوطني؟ أليست إرسال؟ تشاهد في التلفزيون عندما تأتي تحية، عندما يعزف النشيد الوطني، أليسوا كلهم يقفون مرسلين؛ لأنها وقفة يعتبرونها وقفة إجلال، وخضوع للنشيد الوطني، الذي يعبر عن الوطن بكل ما يعنيه النشيد، ووقفة للعَلم أيضاًَ، تكون كل وقفة خشوع، معروف حتى عسكرياً، لا بد أن تكون الإرسال.
الصلاة لا بد أن تكون فيها خاشعاً، فأن تقف وقفة ليست وقفة خشوع أنت لا تفهم الصلاة. نحن نقول: الضم لا أساس له؛ لأنه واقعاً ليس وقفة خشوع، حقيقة ليس وقفة خشوع، ونشاهد، ونلمس من أنفسنا، الجندي يدخل على الضابط في التحية العسكرية، هل العسكري ممكن يضم، ويقف كوقفة الوهابي أمام ربه، يفتح رجليه، ويبرز بطنه، ويضم، [الله أكبر]. هذا ليس خشوعاً؛ ولهذا تجد صلاتهم لا تساوي شيئاً.
الخشوع في الصلاة: سكون، وخضوع أمام الله سبحانه وتعالى؛ لأنك أنت عبد لله، وأنت في مقام وقفة بين يدي الله، ويساعد هذا على ماذا؟ يساعد على أن تستفيد من معاني الصلاة، أن تتفهم أكثر، تذكرك لله سبحانه وتعالى؛ لأن الصلاة من غاياتها بصورة عامة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} أنا خاشع، وساكن، أنا خاضع، وذليل أمام إلهي، وسيدي، ومولاي، أمام ربي ومالكي.
ثم يبدأ الإنسان يقرأ: سورة [الفاتحة]. سورة الفاتحة، أليست لا بد من قراءتها في الصلاة، هذه السورة بالذات لا بد من قراءتها في الصلاة، هذه السورة أساساً هي أول سورة نزلت من القرآن الكريم، أول سورة نزلت من القرآن الكريم، ومن يقول لكم بأنها سورة [اقرأ] ليس صحيحاً، ليس صحيحاً، وكثير من الأئمة، ومن العلماء، يقولون: بأنها سورة [الفاتحة] منهم: الإمام القاسم بن إبراهيم، وأبو الفتح الديلمي، وغيرهم، أن سورة [الفاتحة] هي أول سورة نزلت من القرآن الكريم.
هذه السورة فيها خلاصة القرآن، خلاصة القرآن، ولب القرآن في هذه السورة؛ ولهذا قال الله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}(الحجر87). هذه السورة لا بد من قراءتها، مهمة جداً.
أنت تبدأ في أولها: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}(الفاتحة1) وهي الآية التي تبدأ بها أول سورة في القرآن. كل السور في القرآن الكريم ما عدى سورة واحدة – كما يقولون – بـ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.
الآخرون يصلون ولا يقرؤونها! هم لا يفهمون ماذا يعني {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، إن تشريع الله لعباده قائم على أساس أنه رحيم بهم، أنه رحمن رحيم، تدبيره لشؤون خلقه من منطلق أنه رحمن رحيم، تشريعه، هدايته، تدبيره لشؤون مخلوقاته كلها من منطلق أنه رحمن رحيم.
ألم يقل عن القرآن الكريم: {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}(فصلت2)؟ ألم يقل عن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء107) فرسوله، كتابه، هدايته، تدبيره لشؤون خلقه، لشؤون ملكه كلها، من منطلق أنه رحمن رحيم.
فنحن نقول: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}؛ لأننا باسمه سنقرأ كتابه، باسمه سنثني عليه، نقول: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الفاتحة2) الحمد هو: الثناء لله سبحانه وتعالى، هو الثناء لله، الثناء على الله، من يستحق الثناء الكامل هو الله وحده، وهو رب العالمين.
يأتي من جديد: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}(الفاتحة3)؛ لأن ربوبيته من منطلق رحمته، وهو يربي عباده، وهو يربي كل مخلوقاته، هو ربهم، أي: يربيهم. أليس رزقنا من عنده؟ أليست حياتنا من عنده؟ أليس الوجود كله من عنده؟ كل شيء من عنده، هو الذي يسبغ النعم، هو الذي يعطي كل شيء خلقه، هو الذي يهدي كل شيء، هو الذي كل خير من عنده، وكل الوجود مصدره من عنده، وكل شيء هو من منطلق رحمته.
فمهم جداً، هذه قاعدة مهمة جداً: أن يفهم الإنسان، أن يفهم أن هذه قاعدة إلهية: أن كل تشريعه هو ينطلق من أنه رحيم؛ فلهذا في مقام الجهاد، ألم يقل الله لعباده: جاهدوا؟ إنه رحيم بنا وهو يأمرنا بأن نجاهد، هل نفهم هذه؟ نتصور بأن هذه الأشياء أعمال شاقة، قد يأتي شخص يخوفك عن أن تستجيب لأن تجاهد في سبيل الله، أو تقف موقفاً، يخوفك من منطلق أنه رحيم بك، سواء أمك، أو أبوك، أو أي شخص قريب لك، قد يخوفك، ويطلب منك أن تترك هذا الأمر، وتتخلى عن هذه القضية، ويقول: اترك هؤلاء؛ لأنه رحيم بك، ويخاف عليك.
الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين بك، ولأنه يعلم أن من منطلق رحمته هو أن نعمل في مواجهة أعدائه؛ لأنه حينئذ سيكون كل شقاء علينا من قبل أعدائه، إذا لم نقاومهم، وعندما يقول لنا: قاوموهم، جاهدوهم، قاتلوهم، يقول: أنا سأقف معكم، سأؤيدكم، سأنصركم، سأكف أيديهم عنكم، سأملأ قلوبهم رعباً. ألم يذكر في القرآن الكريم أشياء كثيرة من هذا؟.
فلأنه رحيم بعباده، هو يعلم أنه إذا ما تمكن هؤلاء الذين يقول لك: جاهدهم، وقاتلهم، إذا ما تمكنوا هم من سيجعلون حياتك كلها شقاءً، وذلاًّ، وخزياً، فمن منطلق رحمته بك يقول: ادفع هؤلاء عنك، وأنا سأساعدك على دفعهم عنك، سيحولون حياتك كلها إلى شقاء.
ألم يقل عن الجهاد: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} بل سماها تجارة: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(الصف10- 11)ألم يقل هكذا؟ سماه تجارة، أي: أعمال رابحة، هو ربح، أنك عندما تجاهد، عندما ينطلق الناس ليصدوا هذه الفئة التي هي شرٌّ كلها، ماذا ربحنا؟ ربحنا عزة، واستقامة، وسعادة، وربحنا أن صرف عنا كل شر من جانب هؤلاء. أليس هذا ربحاً؟.
قد يأتي شخص يقول لك: [بطِّل أنابوك، مالك حاجه، أو خَلّهم وبطِّل، وما لك حاجة، وما انت الذي ستصفِّي الإسلام، و.. و،] وواحد آخر مثله، وواحد قالت له زوجته، وواحد قال له أبوه، وواحد صديقه.
مثلما عملوا بالإمام زيد (عليه السلام) أليس هذا الذي يحصل؟ عندما خرج الإمام زيد خرج معه كثير من الناس، قالوا: كانت المرأة تلحق ابنها وتقول: ارجع، ما بلاّ أنت وحدك، كم يا ناس كثير، ليسوا بحاجة إليك، ارجع. وفي الأخير رأى أنه لم يعد معه إلا عدد قليل، عملوا هذه مع الحسين، وعملوها مع مسلم بن عقيل، عندما أرسله الإمام الحسين إلى الكوفة، تجمَّْع معه كثير، ثم راحوا على واحد واحد. وعملوها مع الإمام زيد.
ما الذي حصل لأهل العراق عندما لم يقفوا، ويقاتلوا مع الإمام زيد فيقهرون عدوهم، فتكون الغلبة لهم، وتكون الدولة لهم، ويكونون هم أعزاء، أقوياء، لا يظلمون، ولا يضطهدون أبداً، فما الذي حصل؟ كل واحد نصحته أمه، أو جدته، أو أي واحد من أقاربه، أو عنده هو [هذه مشاكل ما نريد مشاكل] وذهب! استحكمت دولة بني أمية، وظُلموا جيلاً بعد جيل، قُتلوا، وعُذبوا، وأُهينوا، وحياة كلها، كلها، الموت عدة مرات أشرف منها.
فمن يقول لك من منطلق أنه يرحمك: لا تقف هذا الموقف، لا تدخل في هذا، ستجلب على نفسك المشاكل، وستخسر حقك، وبا.. وبا.. تذكَّر {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، تذكر أن رب العالمين هو الرحمن الرحيم، وأنه عندما يقول لي: أعمل كذا، هو ما يزال رحيم بي، وأن من رحمته بي أن وجهني إلى أن أعمل هكذا.
لو أننا نتذكر دائماً لما استجبنا لأحد أبداً ممن يظهر نفسه أنه ناصح لنا فيثبطنا عن أي موقف من مواقف فيها عزتنا، فيها شرفنا، فيها الخير كما قال الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ولأن الشيء المعروف هو أن الشخص عندما يأتي إليك هو ماذا؟، يقدم نفسه وهو يحاول أن يجرك، ويسحبك عن هذا الميدان، يقدم نفسه رحيماً بك، وناصحاً لك، أليس هذا هو ما يحصل؟ إذا لم تكن أنت متذكراً أن الله هو الرحمن الرحيم.
ألم تتكرر {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} في القرآن كله؟ هذه الآية التي غيبها الوهابيون لا يقرؤونها في صلاتهم، لا يفهمون هداية الله، لا يفهمون تشريع الله، لا يفهمون الله، ولا دينه، ولا نبيه، ولا شيء؛ لأنها مهمة جداً {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} وتكرر الرحمن، وتكرر الرحيم في القرآن كثيراً، كثيراً جداً؛ من أجل أن أفهم أنا، وتفهم أنت، أن كل تشريع، أن كل أمر، أن كل نهي يوجه إلي وإليك، ويطلب مني أن أقوم به، ويطلب منك أن تقوم به، لا تتصور أنه أمر جاء من جبار، مثل أي رئيس من رؤساء الدنيا، أو أنه أمر جاء من قهار، لا يبالي، هو همه أنك تنفِّذ أوامر، نفِّذ.
الله ليس هكذا، الله يتعامل مع عباده من منطلق الرحمة بهم، وخاصة مع أوليائه، من منطلق الرحمة بهم، فهو عندما يأمرك تذكَّر أنه أمر من رحمن رحيم. هل نحن نتذكر هذا عندما يأتي أمر من رئيس الجمهورية، أو محافظ، أو مدير؟ لا يمكن أن تقول أنه أمر من رحيم أبداً، هذه عقلية عسكرية، عقلية إنسان بشر قاصر، عنده روح استعلاء، وجبروت، أوامر، نفِّذ، لا رحمن، ولا رحيم، ولا شيء من هذا.
أما الله سبحانه وتعالى، مع أنه ملك السموات والأرض، وهو المهيمن، الجبار، القهار، هو المهيمن على كل شيء، لكن تصرفه معي أنا الذي لا أفهم، ومعك أنت، تصرف رحمن رحيم، فكل أمر يوجهه إلي وإليك يجب أن تفهم أنه مصبوغ بكامل الرحمة، حتى ما يبدو أمامي وأمامك أنه أقسى عمل، هو تنفيذه رحمة، والانطلاقة فيه رحمة، وأمن وسلام؛ لهذا ترى {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} متكررة كثيراً، كثيراً.
الآخرون يسترونها؛ لأنها آية ما تصلح أن تتكلم بها!! عندما يبدأ يقول: [الله أكبر]، وبسرعة {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولا يقرأ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}! ما يقرأها! بحجة أنه روي عن فلان عن فلان أن رسول الله كان يصلي ويبدأ بالحمد لله رب العالمين.
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} هي آية مهمة جداً جداً، روي عن ابن عباس أنه كان يقول عن من يتركون هذه الآية: أن الشيطان اختلس منهم مائة وثلاث عشرة آية، أن الشيطان هو الذي اختلس منهم هذه الآيات. معنى حديث ابن عباس: أن الشيطان اختلس من هؤلاء الذين تركوا البسملة هذه الآيات.
آية مباركة، آية لها أثرها في وعينا؛ ولنفهم بأن الأشياء كلها التي الله يتعبدنا بها، كلها، كلها تتركز على خلق وعي، وبصيرة في نفسي، ونفسك، ونفس أي واحد. إذا لم نكن لا نعي، ولا نفهم فسنكون مثل من يمرون، ويسيرون في جبل من الذهب، يطأ الذهب، ويجلس على ذهب، ويمشي إلى هناك، وهو يريد أن يمشي يسرح عامل بخمس مائة ريال، وهو يمر على جبل من الذهب.
…………….
[أدعوك يا ألله، وأنت من لك الثناء والمجد، أنت] رب العالمين، وأنا بحاجة في حياتي، بحاجة، وأنا مقر، ومؤمن بأن هناك يوم جزاء على الأعمال، وأن للجزاء الحسن طريقة واحدة محددة، هدى الله إليها، أنا بحاجة إلى الله سبحانه وتعالى أن يهديني.
أن يأتي بعد هذا، أن يدعو الإنسان الله سبحانه وتعالى فيقول: {اهدِنَـــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}(الفاتحة6) اهدنا الصراط المستقيم، اهدنا أنت يا الله، من لك الثناء، {الْحَمْدُ للّهِ}، من أنت {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، من أنت {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، من أنت {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، نريد منك أن تهدينا إلى صراطك المستقيم.
يأتي بلفظ دعاء للتعبير عن أنها قضية تهمنا، قضية أن نهتدي، وأننا نبحث عن الهدى، ونريد الهدى، فنحن نطلب، فأنت عندما تدعو يأتي الشيء بتعبير الدعاء، ولفظ الدعاء؛ لأنها قضية هامة لديك، أنت تنشدها. أليس الدعاء طلب، أنا أنشد الهداية، هل نحن ننشد الهداية؟ تجد أننا متى ما جاء أحد يهدينا [فيا الله نسمع له، يا الله نجامله] ليست قضية مهمة لدينا قضية الهداية، مع أن الله سبحانه وتعالى جعلها أفضل نعمة على الإنسان.
نِعَمَه عظيمة جداً علينا، لكن أعظم نعمة له على الإنسان هو الهداية، نعمة الهداية، الهداية بدينه، الهداية بكتابه، الهداية بنبيه، هذا الدين الذي هو هدى، فنحن نقول: اهدنا أنت يا الله، اهدنا إلى صراطك المستقيم. الدنيا مليئة بالطرق، وأنت لك يوم جزاء، وجزاء محدود، وجزاء حاسم، ونحن نثق بأننا بحاجة في حياتنا إلى هدايتك، هناك طرق قد نسير عليها فنضل في حياتنا، ونشقى كما ضل أبونا من قبل، كما شقي.
نحن نريد أن تهدينا إلى صراطك المستقيم، ونحن بحاجة إليك أنت مهما كثر المرشدون، مهما كثر الدعاة، مهما كثر الموعظون، نحن بحاجة إليك أنت أن تهدينا. أليس هذا دعاء يقوله المسلمون جميعاً؟ حتى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهو يدعو: اهدنا الصراط المستقيم.
ولأن الدنيا هنا يمر الإنسان فيها بأحداث كثيرة، ومتغيرات كثيرة، ومواقف كثيرة، متعددة، وليس هناك موقف، أو قضية، أو حدث هو خارج عن إطار أن يكون حق، أو باطل، أن يكون فيه لله رضا، أو يكون مما يؤدي بالإنسان إلى سخط الله سبحانه وتعالى. فنحن بحاجة منك يا الله أن تهدينا في كل شئون حياتنا، في كل مواقفنا، أن تكون أنت ترعانا، نحن نريد أن تهدينا إلى صراطك المستقيم، لا نضل، لا نشقى.
من الذي يكون لديه هذا الشيء مهم؟ هو من هو مؤمن بيوم الجزاء، ومن هو مؤمن بأنه بحاجة إلى الهدى في الدنيا، أنه إذا ما انحرف عن هدي الله، وانحرف الناس عن هدي الله، سيضلون، ويشقون، ويعانون، وسيكون الشقاء ليس فقط من جانب أعداء الله.
لاحظوا نحن عندما نقصر، لا نستجيب لله سبحانه وتعالى، ما الذي يحصل؟ المفسدون في الأرض يعملون عملهم في الشقاء، والله سبحانه وتعالى من جانبه يمنع خيراته، يمنع بركاته، ويحول دون أشياء كثيرة؛ لأنه رآنا غير مستحقين، عقوبة لنا، فيكون الإنسان بإعراضه عن هدي الله جلب على نفسه الشقاء، سواء ما كان من جانب أعداء الله، وما كان من جانب الله عقوبة له على إعراضه عن هدي الله.
فالإنسان الذي يفهم أهمية الهدى، والآية نفسها عندما نرددها دائماً هي تذكرنا أيضاً بأن قضية الهداية قضية مهمة، لماذا الله يأمرنا بأن نقرأ هذه السورة، والموضوع الرئيسي فيها موضوع الهداية. ألم يأخذ الكلام عن الهداية نحو ثلثي الفاتحة، موضوع الهداية هو أكبر موضوع داخل الفاتحة؛ لأنه أكبر موضوع داخل القرآن؛ لأنه هو الموضوع الرئيسي، الهداية.
القرآن من أجل هداية الناس، الرسول من أجل هداية الناس، كل ما جاء من خطاب من جانب الله، من توجيهات كلها تصب في قالب الهداية للناس، كل عمل الله بالنسبة لنا هو هداية، توجيهات للهداية. فجاء الحديث عن الهداية في سورة [الفاتحة] نفسها يأخذ أكبر مساحة داخل سورة [الفاتحة] التي هي نفسها تعبر عن محتوى القرآن بصورة عامة، وباختصار.
فمن يتأمل يجد أنه عندما نؤمر بأن نقرأ هذه السورة، وأهم شيء فيها هو: طلب الهداية، أي: أن الهداية قضية مهمة جداً جداً، أي: أنها قضية يجب أن نحرص عليها، وأن نبحث عنها وأن نبذل في سبيلها كل غال ونفيس، من أجل أن نهتدي. فكيف بالناس الذين تعرض عليهم الهداية بالمجان، كيف بالناس الذين طريقتهم طريقة صحيحة، وعقائدهم صحيحة، والهدى يقدم إليهم بسهولة، وهم لا يرون له قيمة، ولا يلتفتون إليه، ولا يعتبرونه شيئاً!.
أليس هـذا كفر؟ كفر بأعظم نعمة أنعم الله بها على الإنسان. ولأن واقع الناس هكذا قال الله عن الإنسان: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}(عبس17).
كان الأنبياء يأتون إلى الناس فيقولون: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الشعراء109) يكاد أن يتفجر من الأسف، من الألم، عندما يرى قومه لا يهتدون، يوجههم، يهديهم، يعلمهم، يبصرهم، ويقول: أنا لا أسألكم أجراً على هذا أبداً. لا يلتفتون إليه ولا يبالون به!.
نوح ظل في قومه كم؟ تسع مائة وخمسون سنة، ولم يستجب له إلا القليل القليل منهم؛ لأنه لا قيمة عند أكثر الناس لهداية الله؛ لأنهم لم يفهموا بعد أهمية هداية الله بالنسبة لحياتهم، وارتباطها بحياتهم. هذه هي المشكلة الرئيسية لدى الإنسان، وهي مشكلة نحن نعاني منها، نحن نعاني منها.
{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} الصراط هو: الطريق الواضح. والمستقيم: قيِّم، لا عوج فيه، ولا التواآت، طريق واضح؛ لأن هدي الله، ودين الله، هو: طريق واضح، لا يضل من يسير عليه، ولا يشقى من يسير عليه. فنحن نقول: أنت يا الله، {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}.
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}(الفاتحة7) ألم يكن يكفي أن يقال: اهدنا الصراط المستقيم؟ لكن القرآن الكريم كله يؤكد قضية هي: أن للحق أعلاماً، وللباطل أعلاماً، لصراط الله أعلام، ولطريق الشيطان أعلام، فلا نتصور أن صراط الله صراط مستقيم هكذا، شيء ينبت في الأرض، أو شيء ينزل من السماء، أو شيء تأتي به الريح، إنه طريق ناس، إنها مسيرة بشر، يهديهم الله، ويهدي بهم عباده.
فيقرر المسألة؛ لأن هذه قضية مهمة، وهي مهمة خاصة بالنسبة لطلاب العلم، أحيانا قد يأتي الإنسان يطلب العلم، ويظن أن باستطاعته أن يطلع لوحده [بَصَلَة]، فهو لا يحتاج إلى أحد، ولا يبحث عن ناس يسير وراءهم، لا يبحث عن ناس يسيرون على صراط الله، يسير وراءهم، [أنا عندي عقل، واستطيع أعرف حق وباطل، ولست بحاجة إلى أحد، والحق له طريق يستطيع الإنسان أن يعرفه!] يظن أنه يمكن أن يطلع لوحده!.
سورة [الفاتحة] تقرر بأن الصراط المستقيم هو صراط أولئك، صراط ناس يسيرون عليه. ألم يقل: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} {الذين} أليست تعني ناس أنعمت عليهم، يعني: ناس من خلقك، من عبادك؟.
فالإنسان الذي هو معبد نفسه لله، ليس لديه أنفة بأنه ليس مستعداً أن يمشي وراء أحد، القضية عنده نعمة كبيرة جداً، وهو لا يخطر بباله بأنها إشكالية أن يسير وراء أحد ممن هم يسيرون على صراط الله المستقيم.
إنه يهمه أن يبحث عن الهداية، أنا أريد أن أبحث عن الهداية، وأنا فاهم، وأنا واعي، وأنا مؤمن، والقضية مسلَّمة لدي، أن لصراطك المستقيم أعلام، وأن صراطك المستقيم يتمثل في مسيرة فئة من عبادك، أنعمت عليهم بالهداية، وأنعمت عليهم بأن جعلتهم أعلاماً لدينك، وهداة لدينك.
الذي يقول: [لسنا ملزمين نتبع أحد، ولست بحاجة أن أتبع أحد، وأنا باستطاعتي أن أهتدي] هو ممن ليس للهداية قيمة لديه أبداً. لاحظ أنت عندما تكون ماشي إلى منطقة، وأنت لا تعرف الطريق، فيأتي طفل يعلمك الطريق، ألست ستعتبر له فضلاً كبيراً، أن تمشي وراءه، تمشي وراء هذا الطفل، لا تتذكر بأنك يعني أنت فلان، وماشي بعد ذلك الطفل! أنت القضية لديك هو أنك تريد أن تعرف الطريق، أنا أريد أن أصل إلى المنطقة الفلانية.
من الذي يخطر في باله بأنه [والله شوعه أن أمشي وراء طفل] هل أحد يخطر في باله هذه؟ يهمه أن يصل إلى الغاية.
فأنا هنا، و[الفاتحة] تقرر أن القضية مسلَّمة هي: أنه، أنا أريد أن أمشي على صراطك المستقيم، وأنا أعرف أن صراطك المستقيم هو صراط ناس أنعمت عليهم، هل لدي مانع أن أمشي وراءهم؟ لا، لا يخطر ببالي أنها قضية أتمنع عنها، أن أمشي وراءهم، يهمني أن أهتدي إلى صراطك، وسأمشي وراءهم {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} (الفاتحة7).
ونفس الشيء بالنسبة للباطل، بالنسبة للضلال، له ماذا؟ له أعلامه، وله من يمثله، الضلال هو مسيرة بشر، والحق هو مسيرة بشر، حتى عندما يأتي شخص أحياناً قد يقول لك بعض الناس [هذه المذاهب لا، إنس أبوها إتِّباع فلان، واتباع فلان، نحن نريد أن نتبع كتاب الله وسنة رسوله] أليسوا يقولون أحياناً هكذا؟ [نحن نريد نتبع كتاب الله وسنة رسوله نكن نحاول ما هو نتبع الناس] وهكذا.
لكن لاحظ عندما يدخِّل لك مجموعة ناس إلى بيتك، قل له: بَعْدَك، وما دريت إلا وقد دخِّل لك البخاري! أليس البخاري رجَّال. مكتبة حاول أن تستعرض عناوين صف من الكتب ماذا تجد؟ عندما يكون لديك خزانة داخلها خمسون كتاباً، معناه داخلها خمسون رجَّالا، أليس كذلك؟ داخلها خمسون رجَّال.
يقدم لك البخاري، ومن هو البخاري؟ هو اسم بخار؟ لا، رجَّال، ومعك ابن تيمية رجَّال، ومعك محمد بن عبد الوهاب رجَّال، ومعك الهادي يحيى ابن الحسين رجَّال، ومعك مكتبة، تجد عند ما يقول لك: نحن لا نريد نتبع الناس، ولا شيء، نحن نتبع سنة رسول الله، وأعطاك البخاري، وأعطاك مسلم، وأعطاك كتاب لمحمد بن عبد الوهاب، وأعطاك كتاب لمقبل، وأعطاك كتاب لابن تيمية.
لاحظ كم معك! قائمة رجال، اكتب أسماءهم، ألم يدخل لك ناس؟ لا تتصور بأن الحق والباطل يمكن أن يكون شيئاً لا علاقة له بالناس، لا أحد يستطيع أبداً، إلا إذا الحق والباطل يمكن أن يعلب كبسولات، حتى يأكل واحد حبه بعد كل أكله، ممكن؟! لا يوجد.
الحق له أعلامه، وهو مسيرة ناس، لا أحد يستطيع أن يتخلى عن هذه، والباطل مسيرة ناس لها أعلامها، طريق لها أعلامها، ولها دعاتها، ويسير عليها الصفوف الكثيرة من الناس؛ ولهذا جاءت سورة [الفاتحة] تتحدث بأنه طريق الحق واحدة، في مقابل طريقين، من هنا، ومن هنا، طريق مغضوب عليهم، وطريق ضالين
{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} نحن لا نريد أن نمشي على صراط المغضوب عليهم. أليست كلمة غير المغضوب عليهم [الألف واللام] : موصول حرفي؟ تعني ماذا؟ المغضوب عليهم، أليست تعني ناس؟ أي: لا أريد صراط المغضوب عليهم، {وَلاَ} أريد صراط {الضَّالِّينَ}.
فسورة [الفاتحة] تقرر قضية مهمة، قضية مهمة جداُ هي: أن تفهم أن الصراط المستقيم صراط ناس، وأن صراط المغضوب عليهم صراط ناس، وصراط الضالين صراط ناس، الله يقول لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهو نبي يوحى إليه مباشرة يقول له: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(الأنعام90) يعرض له قائمة من الأنبياء، إمش على مسيرة هؤلاء.
لماذا أمشي على مسيرة هؤلاء وجبريل يأتيني مباشرة من عندك؟! هكذا، لا بد، إنها مسيرة إلهية، لها أعلامها. هل محمد بحاجة أن يمشي وراء أحد من الأنبياء وجبريل يأتيه مباشرة من عند الله؟ فما معنى أن يقول الله له: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}؟ لأن هذه سنة إلهية، سنة إلهية، ومسيرة إلهية، تتجسد في مسيرة أوليائه من الأنبياء والصالحين، وورثة كتبه، وأعلام دينه.
{الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} أنعمت عليهم بماذا؟ بالمال، أو أنعمت عليهم بصحة الأجسام؟ نحن في مقام البحث عن الهداية، أي: الذين أنعمت عليهم بالهداية، هذا شيء آخر يؤكد إقرارنا بأن الهداية هي من عندك، إهدنا، وأولئك الذين هديتهم، ونحن نريد أن نسير على صراطك الذي هو صراطهم.
هم أيضاً ممن أنعمت عليهم بالهداية، أي: أن كل هدى يحصل للناس، يحصل لملك من ملائكة الله، أو يحصل لنبي من أنبياء الله، أو يحصل لأي إنسان هو من عند الله، لا أحد يستطيع أن يهدي نفسه بعيداً عن الله، لا أحد يستطيع أن يهدي نفسه، ويرشد نفسه، لا في حياته، ولا لآخرته بعيداً عن الله سبحانه وتعالى.
فهذه السورة تؤكد على مسألة الربط بالله، أنك بحاجة إلى أن ترتبط بالله مباشرة، حتى وإن كنت نبياً يوحى إليك، حتى وإن كنت تحفظ القرآن عن ظهر قلب، حتى وإن كان ذكاؤك على أرقى درجة من الذكاء، مهما كنت، إنك بحاجة إلى ارتباط يومي بالله؛ ليمنحك الهداية، وليبصرك صراط الذين أنعم عليهم.
{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} أولئك الذين طريقهم طريق باطل بتمرد مع علم. {وَلاَ الضَّالِّينَ} وهم الكثير، طريقتهم ضالة، وهم على ضلال، علموا أو لم يعلموا. نحن لا نريد أن نسير في طريق هؤلاء، ولا في طريق هؤلاء. إلهنا اهدنا إلى صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين.
يقال في تفسيرها، بأن المغضوب عليهم: هم اليهود، والضالين: النصارى. الآن في الدنيا الطريقة التي ترسم في العالم هذا كله طريق من؟ أليست طريق اليهود والنصارى؟ نحن المسلمون هل يهمنا هذا الأمر، ونحن نرى أن الطرق التي تسيطر في هذه الدنيا، الصراط الذي يرسم للبشرية في هذه الدنيا، حتى داخل بلدان المسلمين، هو صراط اليهود، وصراط النصارى، طريقة اليهود، وطريقة النصارى!.
الطريقة التي رسموها للبشر يسيرون عليها في كل مجالات حياتهم: في السياسة، والاقتصاد، والثقافة، وغيرها، أليست كلها من عند اليهود والنصارى؟ أليسوا هم الآن من يرسمون طريقين؟ طريقين في الدنيا، ونحن المسلمون مع علمنا بذلك لا يهمنا، ونحن نرى أن الدنيا غارقة في بحر من الضلال، يتمثل في صراط الذين غضب عليهم، وصراط الضالين، لا يهمنا أن نبحث عن صراطه المستقيم: صراط الذين أنعم عليهم! هل يهمنا هذا؟ القليل من الناس من يهمه هذا، ممن يعرفون أن الهداية قضية مهمة، وأنه أن يسير على طريق اليهود، أو على طريق رسمها النصارى، أو رسمها اليهود، أن هذا ضلال.
الله يقول لنا في سورة [الفاتحة] التي نقرؤها كل يوم، نحن لا نريد طريق الضالين، نحن لا نريد طريق المغضوب عليهم، أليس هذا ما تعنيه [الفاتحة]: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}؟ نحن لا نريد الضالين، لا نريد المغضوب عليهم، نقول يومياً هكذا: لا نريد طريقهم، لا نريد صراط الذين غضبت عليهم، لا نريد صراط الذين هم ضالون، ونحن نسير على صراطهم، ونحن نمشي على طريقتهم، ونحن نتثقف بثقافتهم، وتحكمنا قوانينهم، وسياستنا تسير على الأسس التي وضعوها!!.
لأننا لا نفهم، نتحدث ولا نفهم، نصلي ولا نفهم، ونرى كل شيء من حولنا ضلال، وباطل، ولا يهمنا ذلك، وكأن كل شخص منا لديه [تصاريف] التي يسمونها [تصاريف] أو لديه مناعة بأنه لا يمكن أن يضل! ضلال هكذا تلقائياً، كل واحد منا مع علمه بأن الدنيا مليئة بالضلال يتصرف لا يهمه أن يبحث عن الهدى، ولا أن يهتدي، ولا يهمه الموضوع، أنه ربما أكون على ضلال، ربما أكون على ضلال، لا احد يتساءل، نمشي في الدنيا وكأننا محصنين، لدينا مناعة من الضلال!.
أليس هذا هو الشعور السائد لدينا؟ كل شخص يمشي في الدنيا وكأن لديه مناعة من الضلال، أو هو لا يبالي ضل أو لم يضل، المهم أن أمشي [وين ما غدَّرت باتت] لا يهمه أن يقع في الضلال.
ولكن هذه السورة تؤكد لنا، ونحن نقرأها كل يوم عدة مرات: أن قضية البحث عن الهداية قضية مهمة، وأن الوقوع في صراط المغضوب عليهم، أو في صراط الضالين قضية خطيرة جداً، تتردد على مسامعنا كل يوم عدة مرات، كم نقرأ الفاتحة في اليوم والليلة؟ عددوا، الفرائض مع النوافل التي نصليها كم تطلع الفاتحة؟ كم، كم تطلع؟ ما يقرب من عشرين مرة نقول في اليوم الواحد {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}.
عشر مرات بالنسبة للفرائض، ألسنا نقرؤها في الصلاة الواحدة مرتين نقرؤها؟ بل الآخرون يقرؤونها أكثر منا، في اليوم أضعاف، أليس الوهابيون يقرؤونها في كل ركعة؟ [عادهم مننا وكذاك].
فلاحظ أنه هذا العدد الكبير في اليوم والليلة، ونحن لا نفهم بعد، لا نلتفت ونتساءل لماذا أردد هذه العبارة في اليوم والليلة هذا العدد الكبير؟ لماذا؟ هل أحد يتساءل؟ لا نتساءل، ونصلي، يصلي واحد عمره لما قد هو شيبة، لا يتساءل، لا يقف مرة مع نفسه يتساءل لماذا تفرض الفاتحة بالذات من بين كل السور؟ ولماذا نرددها هذا العدد كل يوم وليلة، ماذا يعني؟.
ستجد أن الفاتحة – كما قلنا سابقاً – الذي أخذ أكثر مساحة فيها هي مساحة الهداية، والخوف من الضلال. القرآن بكله يدور حول هذا الموضوع، هو أن يهدي الناس، ويبعدهم عن الضلال، وهذا هو خلاصة القرآن، خلاصة الدين بكله، خلاصة أن هذا العمل بكله هو أن نهتدي، ونبتعد عن الضلال.
لكن لا يهمنا أن نهتدي، ولا نبالي أن نقع في الضلال، هذه هي المشكلة، الله رحيم بنا، ولاحظ هذه من مظاهر رحمته أنك تجد الصلاة مظهر من مظاهر رحمته؛ لأنه داخل الصلاة يذكرك بأشياء مهمة داخلها.
{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} جعلها ذكر نردده عدة مرات؛ لأنه يريد لنا أن لا نقع في الضلال؛ لأن الضلال خطير علينا، في الدنيا وفي الآخرة.
ماذا أعمل لكم سأشرِّع لكم صلاة تذكرون فيها، ترددون فيها هذا الذكر، ولكن نردده ولا نلتفت ماذا يعمل الباري لنا، هل هناك وسيلة أخرى؟ عمل كل شيء، الشيء الذي لا يمكن أن يعمله أبوك، ولا أمك، ولا أرحم الناس بك.
قد تأتي أمك تقول لك: [با تحرق] مرتين، ثلاث، أليس كذلك؟ بعدها ستقول: [بو يدا، لا جِعْلك] أليسوا يقولون هكذا أحياناً؟ أبوك يقول لك: [ارجع يا ِولَيد، إرجع يا وليد] مرتين، ثلاث، [أحسن لك ترجع، ولا فبويدا، إنشاء الله تسقط من على جِلْح] على ما بيقولوا… ماذا يمتلك أبوك، أو أمك؟ تردد تحذيرك، وتنبيهك على الخطورة. أما الله فيذكِّرنا في الصلاة قولوا دائماً: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}؛ لأن الهداية مهمة بالنسبة لكم، والضلال خطير جداً عليكم في حياتكم، ووراءه جهنم، رددوها كل يوم عدة مرات، رددوها.
رددناها ولكننا لا نفهم ماذا يعمل لنا الله، ماذا يعمل بعد هذا، مظهر من مظاهر رحمته العظيمة، مظهر من مظاهر أنه رحيم بنا، رؤوف بنا؛ ولهذا جاءت آية: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} متكررة، بسم الله الرحمن الرحيم. تجد رحمة الله ماثلة أمامك في كل شيء بشكل لا أحد من الناس مهما كان يرحمك يمكن أن يكون على هذا النحو أبداً. لكن كما قال الله: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}(عبس17) {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}(الأحزاب72).
الإنسان ظلوم جهول، جهول لا يرضى أن يفهم، لا يرضى أن يعقل {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}(الأحزاب72) ظلوم، جهول، يظلم نفسه، ويظلم الآخرين، ويتنكر للنعم عليه، وجهول، يعجبه أن يبقى جاهلاً، لا يفهم، لا يرضى أن يفهم.
تعليم إلهي يتكرر، ينبهنا على قضية مهمة. ولاحظوا كم أعمارنا! قد يكون أنا عمري أربعة وأربعين سنة، وعمر آخر قد يكون خمسون سنة، أو ثلاثين سنة، أو عشرين سنة، كم تصلي أنت في العشرين السنة؟! هل وقف أحد منا مرة من المرات خلال العشرين سنة، أو الأربعين سنة، وهو يصلي ليتساءل أنه يريد أن يفهم معاني الصلاة؟ ويفهم أنه لماذا [الفاتحة] ولماذا نردد {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}؟ وماذا يعني كل هذا؟ وماذا يدل عليه بالنسبة لله سبحانه وتعالى؟ من أنه دلالة على رحمته العظيمة بنا.
لا نتساءل نركَّع يومياً صلاة جوفاء، وسنة بعد سنة، ستين سنة، سبعين سنة، ويموت وهو بعد لم يعرف الصلاة، أليس هذا من الظلم، والجهالة؟ {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}.
عندما نتحدث – كما تحدثنا بالأمس، واليوم – حول قضية استعراض الخطورة من جانب الأمريكيين، والإسرائيليين وأن نحاول أن نعمل شيئاً، ولو أن نقول: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، بعبارات بسيطة أن نقولها، هي أشياء أيضاً لا نلمس قيمتها، ولا أهميتها، ولا نلمس الحاجة الماسة إليها، هكذا لا نتفهم، والإنسان الذي لا يتفهم، ولا يعي، ولا يحاول دائماً أن يتفهم كل شيء، سيكون كل شيء لا قيمة له عنده.
الصلاة التي سميت خير الأعمال في حديث عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وينادى لها بلفظ: [حي على خير العمل] هي مرتبطة بكل شيء، مرتبطة بالله سبحانه وتعالى، بمعرفتك بالله، مرتبطة بكل شئون الحياة الأخرى.
لا نتفهمها، هي خير الأعمال، جاء عمر حذف [حي على خير العمل] قال: الناس قد يركنون على الصلاة، ويتركون الجهاد إذا قلنا: حي على خير العمل! إن من يصلي صلاة صحيحة، من أول لفظة فيها سينطلق مجاهداً في سبيل الله، إذا مـا وعى الصلاة، إذا ما فهم الصلاة، سيكون أعظم مجاهد في سبيل الله، لكن عمر لا يفهم [حي على خير العمل] حذفها، ورسول الله كان يؤذن بها، وكان الجهاد في عصر رسول الله في مرحلة أحوج ما يكون الناس إليه.
هي خير الأعمال، هي تشحن قلوب المؤمنين إذا ما فهموها بالروح الجهادية، المساجد نفسها هي قلاع للجهاد وليست [مكاسل] كما هو الحال، أو منابر لإضلال الآخرين، كما هو الحال بالنسبة للمساجد في هذا الزمن. قال: احذفوا [حي على خير العمل]؛ لأن لا يتثبط الناس عن الجهاد، ويركنوا إلى الصلاة!.
الصلاة إذا ما صلينا صلاة بمعناها الحقيقي هي من تدفعك إلى الجهاد، وتدفعك إلى أن تعمل كل عمل فيه رضا لله سبحانه وتعالى، وإذا لم تفهم معنى الصلاة فلو قيل فيها [حي على خير العمل] ست مرات عند النداء لها لا ينفعك شيء، ولا يؤثر في نفسك شيء.
أيضاً قد يقول – باختصار حتى لا يطول الموضوع – قد يقول الإنسان: والله الدنيا مليء طوائف، وكل يدَّعي أنه على حق، وذاك يدعي أنه على باطل، ما عاد عرفنا من هو الذي على حق، ومن هو الذي على باطل؟ أليس هكذا يقولون؟.
تصلي ركعتين فقط، تصلي ركعتين بتأمل، وستعرف من هم أهل الحق، بل الصلاة بكلها تعطيك فهماً للمعتقدات التي هي حق، في هذا الجانب، أو حق في هذا الجانب، أو باطل هنا، أو باطل هنا، الصلاة نفسها، أذكارها؛ لأن دين الله هو منظومة متكاملة، ومنسجم مع بعضه بعض.
هل يمكن أن تكون هناك معتقدات تتنافى مع [الله أكبر]؟ إذا كان هناك عقيدة تتنافي مع [الله أكبر] فهي عقيدة باطلة، إذا كان هناك عقيدة تتنافى مع [سبحان الله العظيم وبحمده] و[سبحان الله الأعلى وبحمده] و[سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر] أليست هذه هي من أذكار الصلاة؟ الصلاة فيها تكبير لله، وفيها تسبيح له، أليس التسبيح أيضاً هو من أكثر الأذكار في الصلاة، التسبيح؟ تسبيح في القيام، وتسبيح في الركوع، وتسبيح في السجود.
أن أقول: سبحان الله، وكلمة سبحان الله هي تنزيه لله سبحانه وتعالى، تنزيه له عن كل ما لا يليق بكماله.
………………..
[تجد أن عقائدهم متنافية مع الصلاة، متنافية مع القرآن، متنافية مع أذكار الصلاة] أليس هذا يدل على أن عقائدهم باطلة من يعتقدون هذه؟
وأنت تجد أن عقيدتي منسجمة مع سبحان الله هكذا حقيقة نجد أن عقائدنا في الله سبحانه وتعالى منسجمة مع تسبيحه، وتقديسه. وكلنا نتفق على سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أو قل هم أحياناً لا يقولونها في الصلاة لكنهم يسبحون في الركوع، والسجود، هم يقرؤون الفاتحة، الفاتحة أو التسبيح أو التكبير، كلها، كلها يمكن أن تستخدم مقاييس لمعرفة الحق والباطل، عندما يأتي شخص يعتقد بأنه يجب طاعة السلطان الظالم، وأن من حكم المسلمين تجب طاعته، وإن كان من كان، ما لم يظهر كفراً بواحاً!.
هل هذا منسجم مع جلال الله وحكمته وعظمته؟ أم أن هذا القول يتنافى مع ذلك، فنحن نقول: سبحان الله، ننزهك أنت، ننزهك أنت يا الله عن أن توجب علينا طاعة عدو من أعدائك، وأنت العدل الرحيم الحكيم، توجب علينا طاعة المفسدين والمسرفين والظالمين في الأرض. أليس هذا مما يجب أن ننزه الله عنه؟.
إذاً التنزيه لله عنه هو معنى سبحان ربي العظيم، أو تقول سبحان الله العظيم وبحمده، أنت عظيم في تشريعك، أنت عظيم في رحمتك، أنت عظيم في هدايتك، لا يليق بأن ننسب إليك أنك توجب علينا طاعة عدو من أعدائك، وطاعة ولي من أولياء الشيطان، الشيطان الذي لعنته وطردته، وقلت بأنه عدو لنا، هل توجب علينا طاعة ولي من أوليائه؟!.
عقيدة من يعتقد هذه هل هي منسجمة مع التسبيح أو متنافية مع التسبيح؟ متنافية مع التسبيح. إذاً هو عندما يسبح يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده هو يشهد على نفسه بالباطل، وأنه يكذب على نفسه، ويكذب على ربه، هو يقول: سبحان ربي وهو يعتقد عقيدة نسبة الباطل إلى الله، نسبة القبائح إلى الله، نسبة المعاصي إلى الله.
ألم يقولوا هكذا؟ أن كل شيء بقضاء وقدر، وكل شيء يحصل في الدنيا الله قضاه وقدره، الباطل وجميع أنواع الفواحش هي من الله! هل يليق بأن ننسبها إلى الله؟ إذا ما قلنا بأن الله هو الذي يخلق المعاصي، ويخلق الفواحش، وهو يقدرها! عمل من هذا، عمل من؟ أليس عملاً أسوء من عمل إبليس؟ إبليس ماذا يعمل؟ يوسوس، ومع هذا لعنه الله، وطرده، وأخزاه، وأحبط أعماله، وحذرنا منه، وقال: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(فاطر6) {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً}(الأعراف18) {لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ}.
ثم ينسبون إلى الله ما يصبح إبليس مسكيناً عند الله، ما يجعل الله سبحانه وتعالى أسوء عدة مرات من إبليس! هو قدَّر المعصية، هو خلقها! والشيطان إنما يوسوس. من هو الأسوء؟ الذي يأمر بالمعصية، أو الذي يخلقها، أو الذي يقدرها، أو الذي يجبرك عليها، على فعل القبائح، أم الذي يوسوس؟ من هو أشد ضرراً، من هو الأسوء؟ أليس هو الذي يقدِّر، ويخلق المعصية؟. هم جعلوا الله أسوء من الشيطان!.
إذاً نقول: سبحان الله العظيم، أنت عظيم نسبحك، وننزهك عما ينسب إليك هؤلاء، هم يقولون كمثلنا: سبحان، لكن سبحان عندهم قولاً فقط، وعقائدهم كلها منطوية على نسبة القبيح إلى الله، على أن في شريعته ما يتنافى مع عظمته، وهل الله سيتعامل مع القول أم يتعامل مع ما تنطوي عليه القلوب؟ ما تنطوي عليه القلوب.
أنت عندما تكون عقيدتك باطلة، ثم تقول: سبحان الله، هل الله سيتعامل مع كلمة سبحان، وأنت تقولها لقلقة، أم سيتعامل مع ما ينطوي عليه قلبك؟. عندما قال المنافقون: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}(المنافقون1) ماذا قال الله لهم؟ {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} هو يعلم أنهم في قرارة أنفسهم مكذبين بأنه رسول الله، هم يقولون قولاً، وأكدوا {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} ألم يسمهم كاذبين؟.
ذلك الذي يقول: سبحان ربي العظيم، وهو ينطوي على عقائد باطلة تتنافى مع تنزيه الله، إنه كاذب، وإنه في نفس الوقت يشهد على نفسه بالباطل، يشهد على نفسه بأن هذه العقيدة، كل من يفهم لا يجوز أن ينسبها إلى الله.
فتسبيح الله في الصلاة هو تنزيهه في ذاته، وتنزيهه في أفعاله، وتنزيهه في تشريعاته، لا يجوز أن ينسب إليه ما لا يليق نسبته إليه، لا يجوز أن ننسب إليه ما يقتضي تشبيهاً له بخلقه، ولا ما يقتضي تجسيماً، لا يجوز أن ننسب إليه في أفعاله ما يجعله ظالماً، أو يجعله يتصرف تصرفاً يخرج عن الحكمة، تصرفاً عبثاً، تصرفاً ليس فيه حكمة.
أيضاً هذه قضية مهمة جداً، تنزيهه في تشريعاته عما لا يليق به، أنت عندما تقول أنك توحد الله فأنت لا تشبهه، لكنك تعتقد في تشريعاته ما لا يجوز نسبته إليه، فإن المسألة واحدة كما لو شبهته؛ لأن المشكلة هي فقط مشكلة أنك ستضيف نقصاً إلى الله، تقدم الله ناقصاً وهو سبحانه وتعالى ذو الجلال، وهو الكامل الكمال المطلق.
فتنزيه الله في تشريعه قضية مهمة، وعندما ترى أي عقيدة وإن جاء بعدها ستين ألف حديث وأنت تراها لا تنسجم مع تنزيه الله سبحانه وتعالى، مع تسبيحه، تؤدي إلى نسبة القبح إليه، فلا يمكن أن تكون صحيحة.
القرآن الكريم كله يدور حول الثناء على الله، أليست أول لفظة نقولها في الفاتحة بعد {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}(الفاتحة1) {الْحَمْدُ للّهِ}(الفاتحة2) لاحظ كم التناقض الكبير بين من يعتقد بأن الله سبحانه وتعالى يقدر القبائح، ويقدر كل هذه الأشياء السيئة، وبين قوله: {الْحَمْدُ للّهِ} الحمد لله هي شهادة لله سبحانه وتعالى أنه يستحق الثناء؛ لأنه عظيم؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يصدر منه ما يعتبر نقصاً، ما يعتبر عيباً.
الناس عندما يثنون على شخص معين أليس على أساس أنه صدر منه ما يستحق به الثناء؟ وعندما يلومون شخصاً أليس على أساس أنه صدر منه ما يستحق به أن يذم؟ عندما أقول: الحمد لله هي شهادة بالثناء على الله، وأن الله أهل الثناء.
أنت عندما تعتقد بأن القبائح من الله، وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وأن كل شيء بقضاء وقدر، وأن كل شيء في هذه الدنيا يحصل من أعمال الناس هو بقضاء وقدر، وأن الله يريده، ما هكذا عقيدتهم؟ إذاً الله هو وراء كل شر، والله وراء كل قبيح، والله وراء كل مذمة!! أليس معنى هذه أنه أرادها وقدرها؟.
إذاً فهل من هو وراء كل شر وقبيح يستحق أن تثني عليه؟ ألم يلعن هو إبليس؟ ألم يلعن الله إبليس وذمه {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً} وهو فعل فعلة واحدة في البداية استحق بها أن يذم، وأنت تضيف إلى الله آلاف الجرائم والقبائح! فكيف تقول بأنه يستحق أن تثني عليه؟!
إن من هو مصدر القبائح، ومصدر الفواحش، ومنه الشر، ومنه السوء – هكذا خلاصة عقيدتهم – هل هو جدير بأن يثنى عليه وهو هو من لعن إبليس على واحدة منها، مما ينسبونها إلى الله!. إذاًً فهم عندما يقولون: الحمد لله، أليست شهادة بالثناء على الله؟ تثني عليه وأنت تعتقد أنه وراء كل قبيح، ووراء كل شر في هذه الدنيا، وأن كل عمل يصدر من الناس في هذه الدنيا هو بإرادة الله!.
هم هكذا يقولون – إقرؤوا [العقيدة الواسطية] وشرحها – إن كل شيء يحصل في هذه الدنيا الله يريده، والله يقضيه ويقدره! إذاً فهل الله على مقتضى قولهم هذا يستحق أن يُثنى عليه؟ أبداً.
فهو يعلمنا بأن الحمد له، {الْحَمْدُ للّهِ}، الثناء لله؛ ولنفهم أنه أهل للثناء، وأن شهادتنا بأنه أهل للثناء هي تعني أنه يجب أن ننزهه عما يتنافى مع الثناء عليه، فترى عقائدهم متنافية مع الصلاة، متنافية مع القرآن، متنافية مع أذكار الصلاة، متنافية مع كل شيء في هذه الدنيا، عقائدهم يشهد كل شيء بأنها باطلة؛ لأن كل شيء يسبح الله، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}(الجمعة1).
فكل شيء يتنافى مع التنزيه لله فإن كل شيء يسبح لله هو شاهد على بطلان هذه الشيء، أنه باطل، لا يجوز أن ينسب إلى الله، سواء كان فيما يتعلق بذات الله، أو بأفعاله، أو بتشريعاته.
البعض يقول لك: [ما احنا عارفين من هم أهل الحق ومن هم أهل الباطل]! لأننا نحن لا نفهم وإلا فركعتان فقط تصليها تعرف أهل الحق وأهل الباطل، ثم وأنت تقول: إهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ}(الفاتحة6) أنت تقر بأنك تريد تبحث عن صراط ناس أنعم عليهم.
أنت إذاً في منتهى المسيرة وأنت تتشهد في الخروج من الصلاة تقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أليس كل المسلمين يقولون هذه؟ إذاً لماذا لا تفهم وبأدنى التفاتة يمكن أن يفهم أي واحد أنه لا يمكن أن يكون ضمن أذكار الصلاة – هذه العبادة المهمة – أمر لي أقوله بلفظ دعاء: صل يا إلهي على محمد وعلى آل محمد، إلا ومحمد وآل محمد هم ممن أنعم عليهم.
فأنا عندما أقول: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} إن الصلاة، هذا الذكر الأخير الذي يذكر لمحمد وآل محمد يشهد بأنهم هم من أنعم عليهم بالهداية، وبأن يكونوا أعلام هدايته، وأعلام دينه، إذاً فأسير على صراطهم؛ ولهذا جاء في تفسير {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} عن جعفر الصادق أو عن الباقر: صراط محمد وآل محمد.
وحتى لو لم يأت أي حديث فإن أي إنسان سيفهم، لم أجد في الصلاة ذكر لأحد غير محمد وآل محمد، أمرت بأن أصلي عليهم وأنا في منتهى المسيرة. ثم حينئذ سأجد ماذا؟ سلاماً، فـلا ضلال، فـلا صراط المغضوب عليهم، ولا صراط الضالين، تخرج من الصلاة بسلام. ألست ستخرج منها بسلام؟ وفعلاً ستكون مسيرة تنتهي بالسلام؛ إذا كنت ممن يفهم الصلاة، تنتهي مسيرة الصلاة بسلام.
أنا أريد أن أعرف صراط الذين أنعمت عليهم، يأتي في آخر الصلاة إرشاداً لي وأنا أقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. هل يمكن أن أقول بأن آل محمد ضالين، ودجالين، وأنا من البداية أبحث عن صراط الذين أنعمت عليهم، وهو هو يشرِّع لي في الصلاة أن أصلي على محمد وآل محمد إلا وهذا يعني أنهم هم من أنعم عليهم بالهداية…
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.