saadahnews

وأنفقوا في سبيل الله

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم أيها الإخوة والأبناء ورحمة الله وبركاته.

هنيئاً لكم ونبارك لكم حفلكم العظيم بمناسبة انتهاء الدورة، حفل وتكريم للمعلمين أولاً، وتكريم للطلاب، واعتراف بالعرفان لكل من أسهموا بجهودهم في تمويل هذه الدورة المباركة، لكل من أسهموا في إنشاء ذلك المركز الذي ضم هذه النخبة من المعلمين، وضم فلذات أكبادنا من هؤلاء الأبناء الصالحين إن شاء الله.

إنها نعمة عظيمة يجب أن نشكر الله سبحانه وتعالى عليها، نعمة الهداية، نعمة الصلاح، نعمة الدين، نعمة الإستقامة، هذه هي النعمة الكبرى التي لأجلها عدَّ الله سبحانه وتعالى إرساله لرسوله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) نعمة امتن بها على عباده، فنحمدك اللهم على هذه النعم العظيمة ونصلي ونسلم على من أرسلته بهذا الذكر العظيم رحمة للعالمين.

نرى في هذا الحفل ثمرة لجهود من يبذلون أموالهم وليعلموا – وهو حديث نكرره دائماً في أي مركز نزوره – ليعلم أولئك الذين يسهمون بأموالهم، يسهمون بجهودهم، بالكلمة الطيبة في سبيل إنشاء مثل هذا العمل، مثل هذه المشاريع المباركة، نقول لهم: هذه ثمار جهودكم، هذه ثمار جهودكم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبلها منكم، وأن ينميها لكم، لتأتوا الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بصحائف مملوءة بالحسنات، مملوءة بالفضيلة، مملوءة بالدرجات التي ترتقون بها في الجنة التي وُعِدَ بها المتقون، السباقون إلى الخير، السباقون إلى الفضيلة، السباقون إلى العمل الصالح.

إن القرآن الكريم – أيها الإخوة – تحدث، وكله حديث عن الناس، القرآن كله حديث عن الناس، وقسَّم الناس أقساماً متعددة، ترى بداخله يتحدث عن كافرين، ناس كافرين، ظالمين، فاسقين، منافقين، مرتابين، مرضى القلوب، وعندما تتصفح القرآن الكريم من أوله إلى آخره تجد فيه موقعاً واحداً هو الموقع الذي يحكم الله لمن هو فيه بالفلاح، بالنجاح، بالفوز، بالسعادة في الدنيا، بالنجاة يوم البعث يوم الحساب، بالفـوز بالجنة،  بالنجاة من النار، من هم أولئك؟ هم المؤمنون، يعبر عنهم تارة باسم مؤمنين، وتارة باسم متقين.

وهؤلاء لم يحكم عليهم بهذا الحكم مجرد محاباة، هو يتحدث لماذا كانوا مؤمنين، لماذا هم مفلحون وفائزون لماذا؟ لأنهم هكذا: يعملون الصالحات، سباقون إلى الخير، سباقون إلى كل فضيلة، سباقون إلى الأعمال الصالحة، الآخرين يقول عنهم بأنهم خاسرون {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (البقرة: من الآية16) يحكم على البشرية كلها، كلها بالخسران، لا يسلم منهم إلا من؟ إلا أولئك المؤمنون {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر:3).

كأنه يقول لنا يقول لكل فرد منا: هذه مواقع متعددة للإنسان في مسيرته في هذه الحياة، هناك من هو في موقع الكفر، في موقع النفاق، في موقع الفسق، في موقع الضلال، وهناك من هو في موقع الإيمان، يقول لنا ثانياً: أولئك الذين هم مؤمنون ليسوا من تلك النوعية التي يرى أنه مؤمن تلقائياً، وهذه كثيرة فينا، [هناك من الناس من يرى] أنه مؤمن تلقائياً، لكن، إنطلق إلى أعمال صالحة، لا يتحرك، وإلى مشروع خيري يحتاج إلى إسهام فيه، لا يمد يده، لدينا فقراء، نحتاج إلى التعاون معهم، لتزويجهم، لمعالجتهم، لا يمد يده، لدينا طلاب مجاميع من أبنائنا نريد أن نعلمهم، لا يمد يده، لدينا أعمال لمحاربة أعداء الله تحتاج إلى جهدك إلى مالك، لا يمد يده، وعندما تسأله: هل أنت مؤمن؟ يقول: الحمد لله مؤمن إن شاء الله أننا سندخل الجنة.

القرآن يقول لك، يقول لكل واحد، الإنسان إنما يستحق هذا الإسم، إنما يحكم له بذلك الفوز، وذلك النجاح وذلك الفلاح؛ لأنه هكذا: يسارعون في الخيرات، سباقون إلى الخيرات، يعملون الصالحات، يتواصون بالحق، يتواصون بالصبر {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (العصر:2) كل إنسان خاسر إلا من؟ إلا الذين آمنوا، من هم الذين آمنوا؟ الذي يتفق هو ونفسه بأنه مؤمن، وينكِّس رأسه، ولا يحاول أن يلتفت إلى أي عمل صالح ليسهم فيه بماله بلسانه بجهده؟ لا. {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (العصر: من الآية3) عملوا، عمل {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (آل عمران: من الآية136) قال الله عن الجنة: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} الجنة تحتاج إلى عمل، العمل هو بيدك، بلسانك، بقلمك، بمالك، بجهدك، وبما هو أرقى من ذلك، بكل مالك، وبروحك، بدمك {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} (التوبة: من الآية111) الجنة التي نحن نُمنِّي أنفسنا بها، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعاً من أهلها، الله قال عنها: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.

أريد بهذا القول أن نخرج جميعاً، لا أزكي نفسي، لنخرج جميعاً من قضية الحكم التلقائي لنفسي، أو أنت لنفسك، هو مؤمن ولا يريد أن يعمل إلا تلك الأعمال التي تتعلق بشؤون حياته التي من ورائها فلوس، شـَغْل بين أمواله، بيع وشراء، وأشياء من هذه، هذا ليس عمل الجنة، هل تفهمون أن كل الأعمال الصالحة التي يتحدث عنها القرآن الكريم، ليست في الغالب، هي هذه الأعمال التي نتحرك فيها لمصالحنا الخاصة.

فهو عندما يأمر الناس بالإنفاق {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: من الآية195) هل معنى ذلك أنك تتصرف يوم السوق بخمسة آلاف بستة آلاف؟ تشتري [لحم كثير] تشتري مصاريف كثيرة لبيتك؟ لا، كل إنسان يتحدث عنه القرآن هو عادة، وغالباً ما يكون موجهاً إلى ما هو خارج عن دائرة ومحيط شخصيتك..في سبيل الله.. مثل هذا العمل، مثل هذه المشاريع التي يتلقى فيها أبناؤنا علوم هذا الدين، الذي نحن جميعاً ملزمون به، الذي هو نعمة عظيمة من الله علينا الذي تتوقف عليه نجاتنا ونجاة أهلنا وأبنائنا يتعلمون كتاب الله الذي هو شرف لنا {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} (الزخرف:44).

الإنفاق في مثل هذه المشاريع هو واحد من مشاريع سبيل الله التي يقول الله لي ولك: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.

هذا هو ما أريد أن أقوله في مقدمة الكلمة مباركة لجهود كل من عملوا، وجهود الطلاب أنفسهم الذين كانوا يستمعون باهتمام وإصغاء وإقبال، ويلتزمون ويتأدبون ويتوجهون بتوجيهات أساتذتهم. نقول للجميع: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا، وأن يبارك جهودنا جميعاً.

فإن كان لي من كلمة – أيها الإخوة – ترتبط بهذا المقام فإن أعظم الكلام هو كلام الله سبحانه وتعالى الذي جعله الله هدى وشفاء وموعظة ونوراً ورحمة وبصائر، القرآن الكريم في الوقت الذي يتحدث فيه عن الأعمال الصالحة، هو لا يقول فقط كما يقول لك أي شخص عندما تأخذ لك نوعاً معيناً من بضاعة ما وتتحرك به إلى أي سوق من الأسواق فتحصل على كذا وكذا، الأعمال الصالحة من ورائها ماذا؟ من ورائها نجاة من عذاب الله، من ورائها فوز برضوان الله سبحانه وتعالى وجنته.

فما أحوجنا – أيها الإخوة – ما أحوجنا إلى مثقال ذرة من الخير، إلى مثقال ذرة من الأعمال الصالحة تحسب لنا في رصيد أعمالنا يوم نلقى الله سبحانه وتعالى؛ لأننا جميعاً صائرون إلى الله، جميعاً سنغادر هذه الدنيا، سنقدم على الله سبحانه وتعالى.

فمنذ أن يقبِل الموت على الإنسان هناك يتذكر يقول: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (المنافقون: من الآية10) عندما يهجم الموت عليه أولاً وهو فوق فراشه أو في أي مكان في أي بقعة من هذه الدنيا بسرعة، بسرعة يتحسر – وهي أول حسرة – رب لو أنك تمهلني أسبوعا أسبوعين، يوم أو يومين، وأنا مستعد أن أتصدق وأكن من الصالحين، أليست هذه حسرة؟ ناهيك عن الحسرات يوم الفصل، يوم القيامة، عندما يقدم الإنسان وصحيفته خالية إلا من الأعمال السوداء، إلا من القبائح، إلا من الفضائح، إلا من الكفر بنعم الله، إلا من الصد عن سبيل الله، فيكـون من يصيح عنـدما يؤتى كتابه بشماله، من وراء ظهره، يقـول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}(الحاقة: من الآية25).

تحسر أول حسرة عندما شاهد الموت وعلامات الموت {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} هناك ينكشف للإنسان أنه ضيع حياته وضيع عمره، وهناك ينكشف للإنسان أنه شيء واحد فقط الذي كان لو اهتم به ووفره لنفسه لكان مرتاحاً عندما يأتيه الموت، فيرى بشارات النجاة بشارات السعادة، فيقال له لو عرض عليه أن يعود إلى أهله ويبقى لرفض، عندما يرى بشارات بما وعده الله سبحانه وتعالى به، وهو ما زال فوق فراشه، هناك يرى الإنسان عندما يتحسر أنه فقد الأعمال الصالحة، الأعمال الصالحة.

ولاحظوا هذه الآية التي هي تعبر عن الحسرة التي تواجه الإنسان عندما يرى ملائكة الموت، تحدثت عن الجانب المالي: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} ليقول لنا نحن، تحدث عن ظاهرة هي فينا جميعاً [أنا مؤمن] لكن لا يمد يده، ليقول لنا هنا أيضاً: لا تتصور، لا تعتقد أنه من الممكن أن تكون مؤمناً صادق الإيمان ولا تعترف بأن المال يشكل المحك الرئيسي في قضية الإيمان، في صدق الإيمان، في صدق العبودية لله سبحانه وتعالى.

إذا أنت تقول لنفسك: أنت مؤمن، أو أقول أنا لنفسي: مؤمن، ولكني لا أبذل مالي، لا أعطي، لا أعطي في سبيل الله، لا أدعم الأعمال الصالحة، لا أدعم المشاريع الخيرة، فلست بمؤمن، لست بمؤمن، ما أكثر ما تحدث الله عن الجانب المالي في القرآن الكريم، ودليل واضح أن ذلك الميت الذي يتحسر تذكر جانب المال، ظهر له أنه يبدو أن المال كان يعتبر عنصراً مهماً في مسألة النجاة، في مسألة النجاة يوم يلقى الله.

ألم يتذكر هنا: {فَأَصَّدَّقَ} وهو من كان قبل لا يمد يده إلى جيبه، ولا يخرج ريالاً واحداً في سبيل الله، في دعم الأعمال الصالحة، في دعم المراكز الإسلامية، في العمل على إعلاء كلمة الله؟ تذكر هنا عندما يقول: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} يبدو أن المال كان مهماً، وفعلاً هو مهم.

وسورة بأكملها جاءت في الجانب المالي لوحده.. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (الليل:1-3) ثلاثة أيمان،أليست ثلاثة أيمان؟ من الذي يُقْسِم هنا، من الذي يقسم؟ هو الله، لماذا يقسم، أليس هو أصدق القائلين؟ في الواقع إن قضية المال بالنسبة لنا، لو يحلف عشرة أيمان ما يهتز لواحد راس، يؤكد بثلاثة أيمان، وهو أصدق القائلين، وهو من لا يحتاج إلى أن يقسم {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} أقسم بكل مخلوقاته {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}(الليل:4) عملكم في هذه الدنيا مختلف متنوع، وكل عمل له غاية، وكل سائر على طريق له نهاية، إما إلى الجنة وإما إلى النار {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (الليل:5) أعطى ماذا؟ أليس هذا حديثاً عن المال؟ بعد أن ذكر أن أعمالنا مختلفة، وتحدث من بداية العمل إلى غايته، ابتدأ في الحديث عن المال {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} أعطى ماله واتقى الله، أعطى في سبيل الله ابتغاء وجه الله {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} (الليل:6).

وما أعجب هذه الآية، عودنا القرآن الكريم أن يقدم دائماً كلمة: {اتَّقُوا اللَّهَ} أليس هذا هو منطق القرآن؟ لكن هنا قدم الجانب المالي على كلمة {وَاتَّقَى} ليكشف لنا أهمية العطاء في تحقيق التقوى، في تحقيق الإيمان، في تحقيق أو الوصول إلى الغاية المهمة، الغاية التي هي فوز وفلاح ونجاة {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} بجزاء الله.

الله يقول لنا في القرآن الكريم: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}(الأنفال: من الآية60) يعطيك الله أكثر مما أعطيت هنا في الدنيا قبل الآخرة {وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} لا تنقصون مثقال ذرة مما أعطيتم، بل يضاعف لكم، لكن هل نحن نصدق بهذه الحسنى؟ الحسنى معناها هنا الجزاء المرتبط بالجانب المالي للإنفاق، والجزاء الموعود بالأعمال الصالحة بشكل عام.

الجزاء المرتبط بالجانب المالي مثل قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}(سـبأ: من الآية39) كلمة: {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} تساوي الحسنى {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}الجزاء الحسن {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} يوف إليكم: هو الجزاء من جهة الله سبحانه وتعالى بسببه أيضاً، أو هي من مصاديق كلمة: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} هل نحن نصدق بهذه؟ أكثر الناس لا يصدق بهذا وهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو ملك السموات والأرض، هو من بيده خزائن السموات والأرض، فهو من يستطيع أن يجفف كل منابع أرزاقنا إذا ما أمسك القطر قطر السماء المطر تتجفف كل منابع أرزاقنا، وتشحب وجوهنا، وتجف جيوبنا، وحتى مطابخنا ومنازلنا وملابسنا، كلها، كلها إلى الأدنى فالأدنى إلى الإنحطاط، إلى الذبول، أليس هذا معروفاً وواضحاً؟.

هذا الذي بيده كل شيء لا نكاد نصدق بوعده، لا نكاد نصدق بقوله: {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}؛ لهذا الجانب المالي، ليس فقط مرتبط باليوم الآخر، قضية مهمة فيما يتعلق بصدق إيماني بالله.

هل الله عندي عظيم؟ هل الله عندي مصدق؟ هل الله محبوب لدي أعطيه ما سألني؟ أقدم من أجله ما يطلب مني؟ فإذا لم أكن على هذا النحو فمعناه أن المائة الريال هي عندي أحب من الله، المائة الريال عندي أغلى من الله، المائة الريال عندي أعظم مما وعدني به الله في هذه الدنيا وفي الآخرة، فحتى إيماني بالله وإيمانك أنت بالله، الجانب المالي يستطيع أن يقضي عليه، يستطيع أن يهزه؛ ولهذا كانت قضية مهمة فقدمها في هذه الآية: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (الليل:5) ييسر من البداية بعدما قال: أعمالكم مختلفة اتجاهين، بداية الإتجاه هو الإتجاه الإيجابي الذي هو الغاية الحسنة يبدأ بالجانب المالي {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} (الليل:5-6) فماذا؟ {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}(الليل:7) في الدنيا وفي الآخرة.

ثم يعود من جديد يتحدث عن الطريق الآخر، شتى: مختلف، طريقين، الطريق الأخرى يبدأ أيضاً بالإمساك للمال {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} (الليل:8) بخل وبدا مستغنياً، الله يقول له: أقرضني وسأرد ما تقدمه أضعافاً مضاعفة، [أنا مستغني عن هذه] أنا سأوفر ربح ما تقدمه ولا تظلم مثقال ذرة، [أنا مستغني] يقول لك المرشد الفلاني، الأستاذ الفلاني، العالم الفلاني، الله سبحانه وتعالى وعد بأن يخلف ووعد بأن يضاعف الأجر إلى سبعمائة ضعف، فتصرف ذهنك، تبدو وكأنك مستغنياً عن الله، مستغنياً عن الحسنات التي تحتاجها يوم القيامة، مستغنياً عما فيه سعادتك في الدنيا، وعما يترتب عليه نجاتك في الآخرة، تبدو مستغنياً، [أنا ما عندي أولاد أدرسهم]، بعض الناس يقول هكذا. عندنا مدرسة تحتاج إلى مساهمة، عندنا مشروع خيري يحتاج إلى مال.. [أنا ما عندي أولاد يحينوا فيها الذين معهم أولاد]، بعض الناس يقول هكذا.

إذا ما رأيت نفسك دائماً تبدو وكأنك مستغنياً عندما يحدثك الناس، عندما يدعوك أحد إلى أن تقدم من مالك فتبخل وتظهر مستغنياً، فانظر ما هي النهاية المرسومة لك {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} (الليل:8-9) بالجزاء الحسن فماذا؟ {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الليل:10) في الدنيا وفي الآخرة.

ولو يراقب الإنسان الناس لوجدت كثيراً ممن يبخلون بمبالغ بسيطة يبذلون أضعافاً مضاعفة في مجالات أخرى، مصيبة تأتي له، غريم يقم له، سيارة تقتلب عليه، رياح عاصفة تحطم عليه الموز، برد [يهل البن حقه]، الله سبحانه وتعالى يريد أن نفهم بأنه رقيب علينا ويعلم بذوات صدورنا، ولا يمكن لأحد أن يقدم نفسه ذكياً أمام الله، الله سيخرج ما بخلت به أضعافاً مضاعفة في غير طريقه، في غير محله وبالاً عليك، العسرى في الدنيا وفي الآخرة {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} وفي الأخير ماذا؟ هذا الذي بدا مستغنياً وكأنه ليس بحاجة إلى الحسنات، ليس بحاجة إلى ما يقربه إلى الله، ليس بحاجة إلى ما وعد الله به أولياءه من تعظيم في الدنيا ليس بحاجة إلى المردود الإيجابي من المشاريع الخيرية ماذا؟ {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}(الليل:11).

حتى لم يأت القرآن الكريم بعبارة محترمة في الحديث عن هذه النوعية من الناس، {تَرَدَّى} [تقلعب]، عندما يموت، لم يقل: وما يغني عنه ماله إذا مات، تبدو كلمة مات لا تزال مؤدبة محترمة، يعتبر هذا كالحمار الذي يتقلعب مثل الثور الذي يتقلعب {تَرَدَّى} [تقلعب] وهوى، عندما يكون مصيرك إلى هلكة، إلى هاوية يقال تردى {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} عندما يهجم عليه الموت فهو في بداية السقوط إلى قعر جهنم {وَمَا يُغْنِي} لا يستطيع أن يدفع عنه {مَالُهُ} هذا الذي بخل به، والذي بدا مستغنياً من أجل حرصه عليه، لا يغني عنه، لا يدفع عنه، لا يجزي عنه ولو كان مثل الأرض كله ذهباً.

قد يدفع عنك غضب الله في هذه الدنيا مبلغ بسيط من المال، قد يكتب الله لك النجاة بمبلغ بسيط من المال، قد تشتري نفسك وتنجي نفسك وترد نفسك من على شفير جهنم بمبلغ من المال تقدمه في سبيل الله، وأنت لا تزال هنا في الدنيا، لكن في الآخرة لو كنت تمتلك الدنيا كلها ذهباً لما قُبِل منك، ولا أمكن أن يغني عنك، ولا أن يدفع ما أنت صائر إليه، وهم يسوقونك إلى أبواب جهنم.

لهذا ينبغي على الإنسان أن يتأمل ويتفهم مثل هذه السورة ناهيك عن غيرها من الآيات، ثم يقول الله ماذا بعد هذه {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} (الليل:13) أنا غني عنكم، وكأنه يقول لنا ولكن من أجلكم أنتم؛ لأنه يعلم أن الواحد منا يوم القيامة سيتمنى أن لو الأرض بكلها ذهب فيقدمها لله فدية لينقذ نفسه، الله يقول لنا ونحن في الدنيا – فهو رحيم بنا – أنقذوا أنفسكم، أنا عندما أقول لكم – حتى بمنطق يبدو منطق عاطفي جداً ومثير للعاطفة {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً}(البقرة: من الآية245) هو عندما يقول وأنت في هذه الدنيا: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً}(البقرة: من الآية245) [ما بدك تهب لنا قرضة]؟ من هو الذي سيركن على الله يعطيه قرضة؟ القليل من الناس، والكثير من الناس لا يركن على الله مثلما يركن على أطرف واحد من أصحابه، لكن هذا الذي يقترض منك في الدنيا هو من ستراه يوم القيامة بشكل آخر لو كنت تمتلك الأرض كلها ذهباً لما قبلها منك، وساقتك ملائكته وأنت مغلول بالسلاسل إلى قعر جهنم، هو غني {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} (الليل:15).

الشقي [لا يسمع ولا يوحي]، هذا عمل صالح، وكأنه لا يعنيه، الآخرون هم فقط المكلفون بالأعمال الصالحة، هم المعنيون بأن يتحركوا في مجال الأعمال الصالحة، هو لا يعنيه، هذا مشروع خيري، أعطي فيه.. [ما عندي أولاد يتعلموا، مالي حاجة] هذا مشروع صحي، ساهم فيه.. [أنا عندي سيارة ومعي فلوس، إذا مرضت زوجتي أو ابني سأسعفه إلى المستشفى..] يبدو مستغنيا.

{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (الليل:12-16) دائماً قد يكون الإنسان مكذباً سواء بصريح العبارة أو مكذباً بموقفه من مثل هذه الآية، يبدو بمظهر المكذب، يبدو موقفه موقف المكذب يحكم عليه بأنه فعلاً مكذب.

{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} (الليل:17) يجنب هذه النار التي تتلهب، الإنسان إذا أراد أن يعرف النار الله سبحانه وتعالى قد جعل هذه النار التي توعد بها الأشقياء توعد بها العصاة توعد بها المجرمين هي نار نعرف جنسها، وارتبطت حياتنا بها في هذه الدنيا، ليس هناك بيت إلا وفيه نار، حاول أن تطل بوجهك على التنور التي تشتغل في بيتك كل يوم ثلاث أربع مرات، انظر لو قالوا أن تسلم كل ما تمتلك أو ينزلوك في هذه التنور الصغير، جمر حطب التهابه قد لا يصل إلى مائتين درجة، لا أعتقد أن الإنسان يستطيع أن يصبر أن يدخلوه في هذه التنور، النار هذه التي أمامنا نعتبرها عبرة.

هو يتحدث عن نار جهنم نار أخرى تتلظى، تتلهب، تتوقد، تكاد تميز من الغيظ، لها زفير وشهيق، هذه النار {لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى}(الليل:17) الذي دائماً يعيش مشاعر التقوى، دائم الخوف من الله، دائماً يعمل كل ما يقيه من عذاب الله، كل ما يقيه من سخط الله، كل ما يقيه من غضب الله ومقته، هذا هو التقي، والتقي هو مَنْ نفسُه يقظة، مَنْ مشاعره يقظة كلها مليئة بالخوف من الله سبحانه وتعالى بالخشية لله سبحانه وتعالى {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى}.

ثم يأتي ليتحدث عن المال من جديد {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}(الشمس:18) من أجل أن يتزكى يزكي نفسه أمام الله يطهرها يجعلها روحاً سامية طاهرة تسمو تتكامل {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} وعندما يؤتي ماله هذه قضية أخرى، لو تؤتي كمَّا تؤتي وأنت لا تؤتي لله، ولا ابتغاء وجه الله، وإنما من أجل أن يقولوا: فلان، أو من أجل أن يكون المشروع الفلاني في قبضة يدك، أو أن تكون أنت من تهيمن على أساتذة المدرسة الفلانية، أو على مدير المشروع الفلاني، ليكون الشيء في قبضتك، أو تكون أنت المهيمن عليه، أو أي اعتبارات أخرى لا قيمة لها، لا قيمة لها، وعندما تعطي من أجل الله، وابتغاء وجه الله فسيكون كثيراً ما تقدمه وسينميه الله وسيعتبره شيئاً كثيراً لك.

{الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى}(الليل:19) أنا لا أعطي من أجل أن يكافئني آخر، أنا لا أعطيه بمجرد المكافأة على إحسان قدمه إلي، هذا شيء آخر، وهو من الأعمال الصالحة أيضاً، هو من الأعمال الصالحة أن تكافئ على الإحسان الذي قدم إليك، لكن هنا فيما يتعلق بجانب المال الذي يقدمه الإنسان ويكون له أثره الكبير في تربية نفسه، في تجنيب نفسه من هذه النار التي تتلظى، هو من يعطي ماله {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى}(الليل:19- 21).

من أجل الله، كان في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يوم كان القرآن يتنزل كان هناك أشخاص يعطون مبالغ كبيرة من المال، لكن يأتي ليقول: ربما، عسى تنزل فيَّ آية تذكرني وتذكر ما قدمت، ولم تنزل فيهم آية واحدة، وعندما قدم الإمام علي (عليه السلام) وفاطمة الزهراء قدموا أقراصاً من الشعير لمسكين ويتيم وأسير وبهذه الروحية: ابتغاء وجه الله، ومن أجل الله، سطّره الله في القرآن الكريم في سورة كاملة؛ لأنه هكذا كان لسان حالهم {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} (الإنسان:9- 10).

فكانت الثلاثة الأقراص الشعير هذه هي ما جعلت تلك الصدقة تخلّد وتُتلى قرآنا، مرتلة فيهم في مختلف الأقطار وجيلاً بعد جيل إلى نهاية أيام الدنيا، وهناك أشخاص أعطوا كميات أخرى من المال لكن من أجل أن يقال وليس حتى من أجل أن يقول الآخرون، بل من يريد من أجل أن يقول الله له شيئاً وينزل آية في القرآن تذكر له ما قدم فيدخل التاريخ كما يقولون، لا. الله سبحانه وتعالى يريد الإنسان إذا أنفق ينفق بهذه الروحية وبهذه المشاعر، ونحن كما قلت سابقاً بحاجة إلى كل عمل صالح بحاجة إلى كل ذرة من عمل صالح ترصد لنا عند الله سبحانه وتعالى لنفوز بها فتسهم في نجاتنا، نحن قادمون على يوم الفصل.

الكلمة التي أريدها وباختصار هي الحديث عن اليوم الآخر لنقول لأنفسنا في مثل هذا العمل مثل هذه الدورة مثل هذا التدريس مثل هذه الجهود التي تبذل من قبل المدرسين مثل هذه الجهود التي تبذل من جهة المتعاونين نحن كلنا يجب أن نقدمها من أجل يوم الفصل، أن نقدم على الله ونحن آمنون في يوم الفصل في يوم القيامة،  الله سبحانه وتعالى يقول عن القيامة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} (النبأ:17) فما أكثر ما تكرر في القرآن الحديث عن اليوم الآخر يوم القيامة، يوم الحشر، يوم الفصل، يوماً عبوساً قمطريراً، في ألفاظ مختلفة وألقاب متعددة.

{إنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} موعداً لا بد أن يأتي، مؤقت، محدد، يوم الفصل بين الخلائق، يوم الفصل بين المختلفين، يوم الفصل بين من يعتبرون أنفسهم هنا في الدنيا أذكياء فينطلقون للصد عن سبيل الله ويسخرون من أولياء الله ويسخرون من المؤمنين يحتقرونهم، يحتقرون جهودهم، ومشاريعهم، ويَسِمُونهم بالتغفل، ويسمونهم بالغباء.

يوم الفصل سيتجلى من هو الذكي ويتجلى من هو الخاسر ومن هو الرابح، يفصل بيني وبين هذا، يفصل بين الخلائق كأمم، ويفصل بين الشعوب كطوائف، ويفصل بين القبيلة الواحدة وبين الأسرة الواحدة وبين الأشخاص، بين الإثنين وبين الجماعات وبين الشعوب وبين الأمم، في كل ما كانوا فيه يختلفون، في كل ما كانوا فيه هنا في الدنيا يتمايزون من أجله، يتشاجرون، يتبين يوم القيامة من هو الرابح ومن هو الناجي، من الذي كان تقياًّ في هذه الدنيا حقيقة ومن هو الخاسر ومن هو الغبي، ذلك الذي سيصرخ {لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} (طـه:125).

الأذكياء هنا في الدنيا يعتبرون أنفسهم أذكياء يعتبر نفسه ذكيا أنه استطاع أن يحسن علاقته مع مسؤول معين، أصبح مقرّبا من المسؤول الفلاني، وأصبح وجيها وأصبح له نفوذ، وعلى حساب دينه على حساب إخوانه على حساب وطنه، فيعتبر نفسه ذكياً وأولئك أغبياء ما استطاعوا مثلي [يكونوا بُصَار يحسنوا علاقتهم فيصبحوا أشخاص لهم نفوذهم ويمكن تدعمهم الجهات الثانية، ويمكن يحصل لهم، ويمكن، ويمكن].

المسألة هي أنه يجب أن يكون ذكاؤك على هذا النحو تقدم على الله وأنت بصير لا تقدم عليه أعمى {رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى} ما دريت لي بمخرج في هذا اليوم وأنا كنت في الدنيا أرى نفسي بصيراً ذكياًّ {قَالَ كَذَلِكَ}(طـه: من الآية126) هكذا واقعك {أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}(طـه: من الآية126) فتكون أعمى لا تعرف لنفسك مخرجاً، وإن كنت في الدنيا ترى نفسك ذكياً وعبقرياً، هذا هو الغباء، كل شيء تبذل من أجله دينك فأنت غبي، كل شـيء تبذل من أجله دينك فستلقى الله خاسـراً أعمى وإن كنت في هـذه الدنيا ترى نفسك ذكياً وعبقرياً {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} (النبأ:17-18).

رغماً عنكم رغماً عنا نبعث من قبورنا، نساق أفواجاً أفواجاً إلى ساحة الحشر، فتأتون أفواجاً {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} البعض من الناس يقول الصور هو آلـة ينفخ فيها ملك من ملائكة الله بصوت قوي جداً، في النفخة  الأولى يموت الخـلائق المتبقون في هـذه الدنيا، وفي النفخة الآخـرة يبعث الجميع يبعث الجميع فتأتون أفواجاً {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً} (النبأ:19).

يتحدث عن أهوال هذا اليوم، يقول للإنسان ارجع إلى نفسك ألست ترى نفسك عندما تأتي رعشة، عندما يأتي كسوف، عندما تأتي عواصف شديدة، عندما يأتي مطر غزير جداً، أليس يحصل عند الإنسان خوف خاصة عندما تأتي هزات أو زلازل؟ يحصل خوف عند الإنسان {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} (الزلزلة:2).

يتحدث الله عن زلزلة شديدة جداً، يتحدث عن أهوال القيامة، عن مظاهر مرعبة في ذلك اليوم، يقول للإنسان إنك عندما ترى أول مظهر من هذه المظاهر فإنك من ستستحضر في نفس اللحظة ما ستقدم عليه فيمكن أن تقول أو يقول الجميع {يَقُولُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} (القيامة:10).

عندما تأتي الزلازل، عندما تجتمع الشمس والقمر، عندما [يتخربط] كل نظام هذا الكون {يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ أين المفر كَلَّا لا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} (القيامة:13).

هكذا قضية النفخ في الصور يذكرك بأنه يوم أهواله شديدة، ومن عادة الإنسان في حالة الأهوال الشديدة يراجع حساباته وينظر إلى المصير ما الذي سيقدم عليه؟ {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً}(النبأ:19).

تتشقق السماء تتفطر السماء {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} (النبأ:20) تحول كالسراب، هذا هو يوم القيامة، مظاهر يوم الفصل، يوم الفصل ماذا وراءه؟ هل من وراء يوم الفصل عندما يظهر لنا أنه كان ظَلم فلاناً أو اعتدى على فلان [نسير نحن وفلان نأخذ تبيع ونسير نقصد فلان أو نحط جيهاننا عنده والملائكة تقصده على طيبة نفسه وانتهى الموضوع؟] لا. وراءه جهنم وراءه الجزاء {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} (النبأ:21).

فصل بعده جزاء، بعده إما جنة أو نار {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} مرصودة معدة {لِلطَّاغِينَ مَآباً} (النبأ:22).

للمتجاوزين لحدود الله للرافضين لما يريد الله منهم، لما يطلب الله منهم {لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (النبأ:23).

على الرغم من أنها عذاب شديد، خلود لا أحد يخرج منها {أَحْقَاباً} حقب متتابعة دهـور متتابعة لا نهاية لها {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً} (النبأ:24) نفحة من نسيم بارد أو شربة باردة في هذه الحُقُب المتتابعة آلاف السنين ملايين السنين لا يذوق شربة باردة، لا يحس بنفحة نسيم باردة {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً}(النبأ:25).

متى ما التهب العطش كلما أضرّ به العطش الله حكى عن أهل جهنم {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}(الواقعة:55).

عطش شديد ماذا يشرب؟ يشرب حميماً ماء حميماً يلتهب، يقطع أمعاءه {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}(محمد: من الآية15) {وَغَسَّاقاً}(النبأ: من الآية25) يقال عن الغساق إنه صديد أهل جهنم، صديد أهل جهنم: القيح [والمدة] في لغتنا، شديد الحرارة متسخ الذي يسيل من أجساد أهل النار، هو شراب المجرم يوم القيامة هو شراب المجرم في جهنم {لايَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً جَزَاءً وِفَاقاً}(النبأ:26).

هو الجزاء الذي تستحقونه لماذا؟ {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً}(النبأ:27).

كانوا في هذه الدنيا لا يفكرون في الآخرة لا يحسبون حساب الآخرة {وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً}(النبأ:28).

كلما تأتي آية قرآنية لا يصدقون بها، كلما جاء وعد إلهي لا يؤمنون به {وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباًً وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} (النبأ:30).

هذه جهنم التي من أجل أن ننجي أنفسنا منها الله يقول لنا في القرآن يرسم لنا في القرآن طريق النجاة منها ويحثنا حثاً بليغاً على ما ينجينا منها، فمن هذا العمل – إن شاء الله – جهود من يبذلون جهودهم فيه – إن شاء الله – أن تكون مما ينجيهم يوم يقدمون على الله يوم الفصل.

القرآن الكريم هو بصائر للناس، بصائر حتى فيما يتعلق بالدنيا، وإذا لم تستبصر من القرآن فيما يتعلق بشؤون الدنيا أيضاً ستعمى فيما يتعلق بشؤون الدين؛ لأن الدين كل قضية في الدنيا هي مرتبطة بالدين، وهي هنا في القرآن الكريم لو تأملناه بعد أن قال: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ}(الجاثـية: من الآية20) يتحدث بما يعطينا وعياً؛ لنقيّم به الناس، لنقيم به الطوائف، لنقيم به الأحزاب، لنقيم به الأشخاص، لنقيم به أيضاً أنفسنا، أعطانا بصائر كثيرة، الله يقول لنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة:119).

أليست هذه من البصائر؟ {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} يقول أيضاً لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو خطاب له ولغيره من الناس {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} (القلم:12).

أليس القرآن هنا يتحدث عن أشخاص ويتحدث عن فئات بصفاتهم يقيِّمهم لنا؛ لأننا بحاجة إلى بصيرة أمام بعضنا بعض حتى لا نكون في حالة عمى فتدخل في موقف تدخل في ولاءات مغلوطة، فتدخل في مواقف باطلة، تحسب عليك يوم القيامة عمى في يوم القيامة أيضاً، تحسب عليك وبالاً، وخسارة يوم تقدم على الله سبحانه وتعالى.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

ألقيت هذه الكلمة

بـمدرسة أهل البيت ، بني بحر  ــ  الرويـس

بتاريخ: 2/9/2002م

التعليقات مغلقة.