ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله.
الله سبحانه وتعالى يصف كتابه الكريم بأنه آيات {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ}(يونس: من الآية1) تكررت هذه الكلمة كثيراً في القرآن الكريم تصف القرآن الكريم بأنه آيات، الآيات معناها: أعلام، معالم، حقائق.. كلما في القرآن الكريم هو حقائق لا شك فيها {لا رَيْبَ فِيهِ}(البقرة: من الآية2) لا مرية فيها أبداً.
من تلك الآيات قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) هذه آية، أي هذه حقيقة لا تتخلف {لَنْ تَرْضَى عَنْكَ} بـ[لن] النافية، لن يرضوا عنك أ بداً مهما عملت لهم، مهما قدمت لهم، مهما أظهرت من حسن نوايا معهم، مهما أظهرت من تعاون معهم، إنهم لن يرضوا عنك أبداً.
ولن ترضى عنك اليهود، ولن ترضى عنك أيضاً النصارى حتى تتبع ملتهم، فتكون كواحد منهم صريحاً، تتبع ملتهم، وهم لن يعترفوا بك أنك قد أصبحت متبعاً لملتهم إلا بعد أن يتأكدوا منك أنك قد تخليت عما أنت عليه، عن ملتك التي أنت عليها، وعن أمتك التي أنت منها.
اليهودي هنا في اليمن يرى أن أمته التي هو مرتبط بها هم أولئك اليهود المنتشرون في أقطار الدنيا، نفسه مشدودة إلى إسرائيل وإن كان هنا في اليمن، ولد في اليمن، ونشأ في اليمن، ويتحدث بلغة اليمنيين، وله صداقات مع بعضهم، لكنه يرى هو أنه مرتبط بأولئك, هؤلاء ليسوا هم أهل ملته وبالتالي فليسوا هم الأمة التي يعتبر نفسه واحداً منها.
فعندما يقول الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} معناها أيضاً – فيما نفهم – أنه أيضاً هم لن يقبلوا منك إلا أن تتخلى عن ملتك التي أنت عليها، وعن أمتك التي أنت منها. هذه حقيقة.آيات الله حقائق، وفي نفس الوقت سيأتي الواقع يكشفها، فيقول في آية أخرى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت:53).
سنريهم آياتنا سواء كانت آيات جديدة، أو شواهد على آياته، شواهد تكون هي مصاديق لما نطقت به آياته داخل كتابه الكريم. {فِي الْآفَاقِ} في آفاق الدنيا, في أقطار السموات والأرض {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}يتبين هو، يظهر، تظهر الحقائق بشكل تفرض نفسها على كل من يعاند، حقائق تتجلى للناس الفاهمين، وتفرض نفسها أيضاً حتى على المعاندين فيقطعون بأن تلك الآيات هي الحق، ويقطعون أن هذا الكتاب الكريم هو الحق، ويقطعون بأن هذا الدين هو الحق، ويقطعون بأن كل ما أخبر الله عنه هو حق.
مع الزمن سنريهم آياتنا مع الزمن في الآفاق وفي أنفسهم، الكثير من المتغيرات تحدث على يد الإنسان نفسه، فتبرز الشواهد. نحن قلنا في دروس سابقة أنه ما من شيء إلا ويحدث فينا ما يشهد له، ما من شيء من الأشياء التي هي آيات من آيات الله، أمر من دين الله، ونحن لا نكاد نصدق به، أو نحن نستبعده، أو قد نرفضه، هناك في واقعنا وفي ممارساتنا, وفي تصرفاتنا ما يشهد بأنه الحق.
لكن المشكلة عندما يكون الإنسان في هذه الدنيا يعيش عمراً طويلاً سنة بعد سنة, وفي السنة الواحدة كم تحدث من متغيرات، كم تحصل من أشياء، من أحداث تشهد بصدق ما أخبر الله به، تشهد بالحقائق التي داخل كتاب الله الكريم، ولكن لا يلتفت الإنسان إليها، لا يلتفت إليها، يكون في واقعه معرض، والإنسان الذي يضع لنفسه برنامجاً معيناً في هذه الدنيا يأخذ عليه كل ذهنه، وكل اهتمامه، لن يبصر الأشياء الأخرى بالشكل الذي يفيده فيزيده بصيرة, ويزيده معرفة، ويزيده هدى ونور.
فيما أتصور هكذا حياتنا، كل واحد منا يضع لنفسه برنامجاً معيناً مرتبط بأمور معيشته، إما أنه قد قرر أن يشتغل في التجارة، فهو يفكر في الدكان، ويفكر في البضاعة من أين يأخذها، وهكذا ذهنه معظمه يتجه إلى هذا الجانب. أو يفكر في أن يبيع ويشتري في [القات] مثلاً ليله ونهاره تفكيره حول موضوع القات, أو يفكر في الزراعة.
وهذا في الواقع هو ظلم للنفس، ظلم للنفس؛ لأن الله سبحانه وتعالى وهبنا مدارك واسعة، وهب الإنسان قدرة على أن يستوعب إدراكه وذهنه الأشياء الكثيرة من حوله، فيمكنه أن ينشغل في التجارة، يعمل في التجارة، أو في الزراعة، وفي نفس الوقت ما يزال في ذهنه، ما يزال في مداركه سعة، ما يزال هناك مجال واسع جداً لأن يدخل الأشياء الأخرى ويهتم بها ويدركها ويتأمل فيها.
نحن من نضيق على أنفسنا نظرتنا، الله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}(التين:4) في شكله، في مداركه، باستطاعته أن يستوعب الأشياء الكثيرة.
يقول علماء في هذا العصر: بأن الإنسان يتعمر عمراً طويلاً ويموت ولا يكون قد استغل من دماغه إلا نحو 10% دماغه لا يكون قد استغل منه إلا نسبة بسيطة هي ما تساوي 10% أي العشر. وبقية الأشياء، هم يقولون هكذا: دماغه على أساس أنهم يعتبرون أن الدماغ هو مركز لكثير من الإدراكات والمشاعر والمعلومات، وهناك الذاكرة التي تحفظ الأشياء الكثيرة من المعلومات، المهم معنى هذا سواء أكانوا مصيبين بأن الدماغ هو المسؤول عن هذا، أو أن المقصود أن الإنسان لديه مدارك واسعة جداً، ولديه قدرة وهبها الله له يستطيع أن يستوعب بها أشياء كثيرة جداً، فيشغل ذهنه هنا، ويشغل ذهنه هنا، وفي مجالات متعددة.
الإنسان المؤمن، الإنسان المسلم بمعنى الكلمة هو من يستفيد من كل شيء حوله، من متغيرات الحياة، من الأحداث المتجددة في الحياة، أي حادث في أي بقعة من الدنيا تأكد أن فيه شاهداً هو فيه آية، هو شاهد على آية وفيه آية، وفيه عبر كثيرة.. ألم تكن تلك الأحداث التي وقعت في الأمم الماضية، ألم يأت القرآن الكريم يقصها علينا وعلى النبي نفسه (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ ليقول للجميع: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (يوسف: من الآية111) لأولي الألباب: الناس الذين هم لديهم لب، أي لا ينظرون إلى الأشياء نظرات سطحية، هم يتفهمون الأشياء، هم يتأملونها وينظرون ما فيها من عبر فيستفيدوا منه.
قصصهم، ما هو القصص هنا؟ تلك الأحداث التي كانت تحصل.. ألم يعرض القرآن أحياناً كلمة يقولها كبار العشائر في أيام نوح، أو في أيام فرعون، أو في أيام صالح أو هود أو أي نبي من الأنبياء، حتى الكلمة الواحدة يسجلها هي حدث ومن وراءها عبرة، وتوحي بالشيء الكثير. مواقف الأنبياء أيضاً.
لأهمية هذه يقول: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} (يوسف: من الآية111) عبرة يعني: دروس كثيرة جداً، والدروس لا يعني فقط هو مجرد المعرفة، أي عرفت أنه كان هناك نبي، وأنه كان يقول كذا، وقالت أمته له كذا، وانتهى الموضوع. لا، عبرة، فيها دروس كثيرة، تعرف من خلالها نفسية أهل الباطل, تعرف من خلالها ما الذي يحول بين الناس وبين أن يؤمنوا, تعرف من خلالها أيضاً لماذا كانوا ينطلقون بجد واجتهاد لمعارضة نبي من أنبياء الله، تعرف من خلالها كيف كان الأنبياء (صلوات الله عليهم) رحماء جداً بالأمم، ومخلصون وناصحون، وهم أيضاً أناس اصطفاهم الله وأكملهم.
ثم تستغرب أن كل أمة من الأمم ما سلم نبي من أنبياء الله، أي نبي يبعثه إلى أي أمة من الأمم ما سلم من أن يقولوا له أنه ساحر أو مجنون، مجنون، مجنون ذلك الشخص الذي اصطفاه الله وأكمله، ذلك الذي يتقطع قلبه أسفاً وألماً على الناس أن لا يهتدوا، ذلك الذي يبذل وقته كله لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، يقابل بأن يقال له: مجنون شاعر كذاب مفتري ساحر، وإن أتى بكتاب من عند الله {قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفرقان:5).
العبر كثيرة جداً من خلال الأحداث سواء ما قصه الله في القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية؛ أو من الأحداث التي تطرأ في هذه الدنيا، سواء في تاريخنا القريب، تاريخ الأمة هذه الإسلامية، أو في عصرنا الحاضر، وما أكثر الأحداث والمتغيرات في هذا العصر الحاضر.
لكن يبدو أننا لا نرى فيها إلا أنها أحداث مجرد أحداث، خصومة وقعت بين دولتين هنا وهناك حصل ما حصل، ونتابع الأخبار لنعرف ماذا يحدث فقط، كل حدث فيه عبرة، كل حدث هو آية، هو شاهد على آية من آيات الله، هو شاهد على كل ما هو حق سواء كان في كتابه الكريم، أو أخبر به الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله).
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت:53).
هو شاهد على كل شيء، لا يغيب، هو شاهد، فهذه الأحداث التي تحدث هو يعلمها، وهو يعلم ما فيها من عبرة، وكثير منها, كثير منها هي لا تخرج عن سننه التي رسمها في هذه الحياة، تلك السنن التي تقضي بأنه إذا ما عملت أمة هكذا ستكون نتيجة عملها هكذا في هذه الدنيا.
{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(فصلت: من الآية53) فهو من سيريكم آياته في الآفاق وفي أنفسكم، حتى يتبين أن كلما ذكره في كتابه الكريم هو حق لا شك فيه.
أكرر.. نحن كمؤمنين أليس كذلك؟ ونرجو الله أن نكون مؤمنين حقاً، وأن نكون من الصادقين في إيماننا، إذا أردت أن تكون مؤمناً بمعنى الكلمة فخذ العبر من كل حدث تسمع عنه، أو تشاهده حتى في بلدك، حتى في سوقك، حتى داخل بيتك، كل شيء فيه دروس وفيه عبرة، ليزداد الإنسان بصيرة، يزداد إيماناً، يزداد وعياً.
والإنسان الذي يعرف يزداد إيمانه ووعيه؛ سيجنب نفسه الكثير من المزالق، سيدرك كيف ينبغي أن يعمل؛ لأنه من خلال تأملاته الكثيرة يعرف أن الأشياء أشبه بسنن في هذه الحياة، ولهذا قال الإمام علي (عليه السلام): (العاقل من تدبر العواقب).
وكيف تستطيع أن تتدبر العواقب، أن تعرف أن أمراً كهذا تكون عاقبته هكذا إلا من خلال تأملاتك, وتدبرك للقرآن الكريم، ولصفحات هذا الكون في أحداثه المتجددة والكثيرة؟ ولهذا قال في كلام آخر: (العقل حفظ التجارب) التجارب هي الأحداث سواء تجارب تجريها أنت، أو أحداث تقع في الحياة، هي كلها لا تخرج عن سنن مكتوبة وراء كل عمل من الأعمال، أنه عملٌ ما يجر إلى نتيجة معينة، سواء كانت نتيجة سيئة أو نتيجة حسنة.
إذا عاش الإنسان في هذه الدنيا وهو لا يحاول أن يستفيد، أن يستفيد مما يحصل فإنه نفسه من سيكون معرضاً للكثير من المزالق، يتأثر بالإعلام المضلل، يتأثر بالدعاية، يتأثر بالوعود الكاذبة، يتأثر بزخارف القول، وهكذا يظل إنساناً في حياته مرتابا يهتز لا يستطيع أن يستقيم ولا يستطيع أن يثبت؛ ولأن الدنيا مليئة بالضلال، والباطل له دعاته الكثيرون، والباطل لديه إمكانياته الكبيرة والواسعة، يمتلك الباطل هنا في هذه الدنيا أكثر مما يمتلك الحق؛ له القنوات الفضائية، وله وسائل الإعلام بشتى أنواعها، بشتى أنواعها سواء التلفزيون أو الإذاعة أو الصحيفة أو أشخاص يتحركون في أوساط الناس يحملون أفكاراً ضالة، أو كلمات مضلة، يحملون زخارف من القول يضلون بها الناس.
ودعاة الحق قليل، الكثير منهم مغلوب على أمره، مقهور، وإذا ما تحرك يجد نفسه يفتقر إلى الكثير من الإمكانيات سيكون صمته محدوداً، ويكون مجال نفوذ كلمته محدوداً، حينئذٍ يكون الإنسان عرضة لأن يضل بسهولة إذا كان من يعملون من حوله، إذا كان كلما تسمعه وتشاهده من حولك يخدم الباطل بنسبه 90% أو أكثر، والنسبة القليلة هي نسبة الحق، وهي المغمور جانبها، المغلوب والمقهور صاحبها.
إذا أنت تتأمل الأحداث لا تكن أنت بالشكل الذي يتلقى من الآخر ما يقول، ثم يأتي الطرف الآخر فتتلقى منه ما يقول حينئذٍ لن تكون أكثر من مجرد ناقل، تكون ذاكرتك عبارة عن شريط فقط تسجل فيها كلام فلان ثم يأتي كلام الآخر تسجله على الكلام الأول فيمسحه، وهكذا؛ أنت على هذا النحو لن تستفيد من العبر حتى من شخص واحد. قد يأتي زعيم من الزعماء يسمعه الناس عشر سنين عشرين سنة ثلاثين سنة، وكل فترة يقول كلاماُ معسولاً، ووعود براقة، ويقول أما الآن: الفترة هي فترة قليل من الكلام كثير من العمل.. تقول: صحيح.. تسجل الكلام في ذاكرتك، ثم تأتي شواهد على أن كلامه ذلك ليس واقعياً فأنت لا تبصرها ولا تتأملها.
إذاً وأنت تحتفظ بذلك الكلام وأنت نظرتك إلى ذلك الرجل أنه هكذا كما قال، ولا تبصر الشواهد على أن كلامه غير حقيقي، ثم إذا بك تملّ، وتقول: يبدو أن هذا الكلام غير صحيح؛ قد بلي الشريط في ذاكرتك؛ ينطلق من جديد يقول: نحن الآن نريد أن نفتح صفحة جديدة، والآن هو فترة أن نقول ونعمل، وقليل من الكلام وكثير من العمل! قالوا: [والله كلامه أمس سمعناه جميل جداً وقال: أما الآن صفحة جديدة سنفتحها]! وهكذا، تعيش مع شخص على هذا النحو عشرين سنة، ثلاثين سنة وأنت ذلك الذي لست أكثر من سماعة.
الله وبخ بني إسرائيل في كثير من آياته الكريمة على كثير مما كانوا عليه، منها قوله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ}(المائدة: من الآية41) سماعون للكذب، أنت قد تسمع الكذب من الشخص تسمعه فتعرف أنه كذب، أو تعرف حتى لو لم تجد الشواهد في نفس الوقت على أنه كذب، تستطيع أن تقطع أن تلك النوعية لا يمكن أن يأتي منها كلام صحيح، فأنت من تقطع بأنه كذب، لم يقل: يسمعون الكذب، {سَمَّاْعُوْنَ} يسمعه ويتأثر به في وقته، وقد ينطلق أيضاً وسيلة لنشره يخدم ذلك الكذب.
{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} هل أن الكذب لا يأتي ما يكشفه؟ إن الكذب في أكثر الحالات يكون هناك ما يكشفه قبل أن يخرج إلى النور أن يخرج إلى الوجود، تستطيع أن تعرف أن مثل ذلك الشخص لن يكون صادقاً فيما قال، هو من النوعية التي هي عادة هي لا تصدق حتى ولو أقسم.
وحتى لا يكون المؤمن من أولئك الذين قال الله عنهم: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} هو من يتأمل الأحداث، هو من يبصرها، هو من يعرف الشواهد عليها، ثم هو حينئذٍ من يعرف قبل أن يبرز الكذب من هناك، أو يبرز الباطل من هناك، وعادة الكذب هو يظهر بثوب الصدق هكذا، والباطل هو أيضاً يعمل على أن يرتدي رداء الحق فيظهر بثوب الحق أيضاً.
كما قال الله عن اليهود في أنهم يلبسون الحق بالباطل، الباطل يقدمونه في ثوب الحق {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}(النساء: من الآية46) {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ}(البقرة79) وما هو من عند الله؛ لأن هناك في الساحة الكثير من الناس ممن يسمع الكلام ويتعامل مع ما سمع؛ لأنه يكون لديه خلفية مسبقة يستطيع من خلالها أن يعرف بطلان ما سمع، وإن نسب إلى الله، أو نسب إلى نبي من أنبيائه؛ لأنه قال عن أولئك أنهم كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هو من عند الله.. ألم يقدموه باسم الله وأنه من عنده، يقولون للناس هذا من عند الله وما هو من عند الله {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(آل عمران: من الآية75).
فكيف تستطيع أنت أن تعرف أن هـذا الشـيء من عند الله، أو أنه ليـس من عند الله؟. مثلاً في القرآن الكريم – وهي قاعدة ثابتة عند أهل البيت – أنه كتاب يجب أن يعرض عليه أي شيء ينسب إلى الله، سواء كان حديثا قدسياً أو ينسب إلى رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) أما من يتدبر القرآن الكريم، من يتأمله؛ لأن القرآن حقائق، هو من يكتشف أن ذلك الذي نسب إلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وإن قال المحدث الفلاني أن سنده صحيح وأنه رواه الثقة عن الثقة ستقطع بأنه ليس من عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
أو لسنا نسمع حديث [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] أنه حديث صحيح، ويكتبوه بالذهب أو بالنحاس بخط كبير فوق باب من أبواب روضة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) فالكثير من الناس؛ لأنه في أوله قال رسول الله؛ أو عن رسول الله؛ بطبيعة الحال أنه مسلم ومؤمن برسول الله ومصدق سيقول: إذاً هذا قاله رسول الله، نفق عنده. لماذا انطلى عليه هذا الباطل؟ لأنه لم يعرف الحقائق داخل القرآن الكريم التي تجعل مثل ذلك الحديث مثل تلك العقيدة لا يمكن أن تكون منسوبة إلى النبي، لا يمكن أن تكون منه أبداً.
الإنسان المؤمن إذا لم يربِّ نفسه من خلال تلاوة القرآن الكريم أن يتأمل كتاب الله، ويتدبر الأحداث في هذه الدنيا فهو من سينطلي عليه الباطل، سواء باطل قدم ونسب إلى الله، أو قدم ونسب إلى رسوله، أو قدم بشكل براق. والشيء المعروف في هذا الزمن أنه اختلفت الوضعية عما كان عليه الخلفاء السابقون الملوك والسلاطين في الزمان الأول هم كانوا يحتاجون إلى أن يقدموا الشيء للناس على أنه من دين الله لينفق وليقبله الناس؛ لأن الناس كانوا ما يزالون حديثي عهد بالنبوة، والشخص قيمته هو باعتبار ما يضاف إليه من مقام ديني؛ من مقام ديني، ولهذا كانوا يحتاجون إلى أن يختلقوا الأحاديث فضائل ينسبونها إلى فلان وفلان وفلان ليقدموه في ثوب رجل دين رجل الفضائل رجل الكمال فباسم الدين يمشي عند الآخرين ويقبله الآخرون.
تطور الزمان، وهكذا الباطل يتطور، لكن باتجاه تحت إلى أسفل إلى الحضيض حتى أصبحت القضية الآن أنه أي زعيم من الزعماء لا يحتاج في تلميع نفسه في أن يوجد لنفسه ولاء في نفوس الناس، لا يحتاج إلى الجانب الديني بكله، وإذا قلنا هو لا يحتاج إلى الجانب الديني فماذا يمكن أن يقدم للآخرين؟ الآخرون نحن هبطنا أيضاً مع الزمن، هبطنا أيضاً؛ فنحن لم نعد ننظر إلى الشخص من زاوية الدين أبداً، اختلفت المقاييس, اختلفت المعايير لدرجة أنه أي زعيم من الزعماء لا يحتاج أن يضفي على نفسه شرعية دينية، يمكن أن نقول شرعية ديمقراطية مثلاً، أو شرعية وراثة الملك، أنهم بيت ملك يتوارثونه واحداً بعد واحد، وهذا حق مطلق لهم ليس لأحد غيرهم فيقبل الناس.
في أن يوجد لنفسه ولاءات الناس، وهذه هي تربية الباطل، تربية الباطل تجعل الناس يخلدون إلى الأرض، ويضعون صفر على الدين بكله، وما لديهم من قيم الدين، أو ممارسات دينية إنما هي عبارة عن موروث تعودوا عليه وألفوه، يكون الجهل بالدين مطبقاً على الناس، وإن كانوا لا يزالون يمارسون شكليات منه، فيكتفي بأن يقدم للناس حديثاً يتعلق بمصالحهم الشخصية، منجزات، مشاريع، تنمية، عبارات من هذه.
أليس هذا هو ما يستخدمه الزعماء والملوك في عصرنا هذا؟ لم يعودوا بحاجة إلى أن يستخدموا الأسلوب الذي استخدمه معاوية. معاوية كان يحتاج، ويحتاج الآخرون من حوله من علماء بلاطه أن يقدموه للمجتمع كخليفة للنبي ويضفوا عليه شرعية دينية ويعملوا له فضائل [كاتب الوحي] مثلاً, أن جبريل أنزل إليه قلماً من ذهب ليكتب به آية الكرسي!! من هذا النوع من الفضائل.. لكن نحن الآن لا نحتاج إلى أن يقال أن ملكاً من الملوك أو زعيماً من الزعماء هو خليفة لرسول الله وأنزل إليه جبريل قلماً من فضة أو ذهب يكتب به أي شيء من كتاب الله أو من كلام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
أمكنهم أن يعودوا إلى الأسلوب الذي عمله فرعون مع قومه أيام موسى، الحديث عن مظاهر الملك، الحديث عن مقامه باعتباره رمزاً، الحديث عن المنجزات، الحديث عن وعود كثيرة.
عادة الباطل؛ الباطل إذا انساق الناس معه منطق الباطل لا يخلق لديك وعياً أبداً إنما هو جهل متراكم؛ جهل يتراكم داخل نفوس الناس فيصبحون أيضاً لا يبصرون؛ لا يبصرون أيضاً أن مثل ذلك لا يمكن أن يصدق في وعده أو على أقل تقدير أنه من المحتمل أن لا يفي بوعوده.
لم يعد لديهم ما يبصرهم على هذا النحو، قد يكون هذا للمؤمنين الذين لديهم مقاييس دينية، ولديهم تقييم إلهي؛ لأن الله في القرآن الكريم عمل تقييماً متكاملاً للشخصيات بأنواعها.. ألم يقدم لنا نفسية المؤمن؟ وقيَّم لنا نفسية المنافق؟ قيَّم نفسية اليهودي ونفسية النصراني ونفسية الكافر تقييماً كاملاً يعلمك هذه النفسية وكيف سيكون سلوكها في الحياة، كيف سيكون منطقها، هل هي ستفي أم أنها ستكذب أم أنها حتى تعمل على أن تنفق كذبها بالحلف، بالأيمان الفاجرة.
ألم يقل هكذا عن المنافقين: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ}(التوبة: من الآية62) يقول شيئاً ويتبعه بيمين من أجل أن تقتنع بما قاله، من أجل أن تصدقه، ولأنها نفوس هكذا، وتقييم صحيح لها يحشر الإنسان يوم القيامة، يبعث ويحشر بنفسيته؛ فيأتي المنافقون يوم القيامة يقول الله عنهم بأنهم {فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ}(المجادلة: من الآية18) حتى في يوم القيامة يحلف بالله على أنه ما قال كذا، ويحلف بالله أنه ما أراد إلا كذا أمام الله، يحلف ويظن أنه سينفعه يمينه أو أنه سيقنع الباري ويخدعه؛ لأنه هكذا كان في الدنيا، هكذا كان في الدنيا.
الذي يزيد الإنسان وعياً فيستفيد من كل شيء حتى يصبح لديه قدرة على أن يعرف عواقب الأمور، ويعرف الشخصيات ماذا يمكن أن تعمل، وكيف يمكن أن يكون عملها، هم المؤمنون، هم من يستنيرون بنور الله، هم من تزكوا نفوسهم، وتزكوا مداركهم، هم من يمتلكون الحكمة، لا يحصل هذا إلا ممن يسيرون على نهج الحق.
والحق أو الهدي الإلهي قدم للناس بالشكل الذي يمكن أن يعطيهم بصيرة فيفهمون الأشياء قبل أن تحيط بهم آثارها السيئة، وإلا فكثير في الدنيا من الناس عقلاء حتى وإن لم يكونوا مؤمنين، لكن متى؛ متى ظهر لديهم وعي؟ بعد الضرب, الضربة بعد الضربة حتى صحوا، وحتى فهموا.
أما المؤمنون فإن الله أراد لهم من خلال نوره.. ألم يقل عن كتابه أنه نور، نور يضيء لك الطريق قبل أن تسقط في الهوة.. في حفرة، قبل أن تطأ قدمك الشوك، نور ينير لك الطريق في هذه الحياة.. الذي بيده نور وهو يمشي في الليل وإن كان الظلام شديداً هل يمكن أن يطأ شوكة أو يمكن أن يسقط في حفرة؟ لكن من لا يمتلك نور يمكن أن يسقط في حفرة، ويمكن أن يدعس شوكة ثم في الليلة الأخرى يكون قد حصل لديه وعي أنه إذا سار في هذه الطريق وليس لديه نور أنه سيحصل له هذه المشاكل التي حصلت بالأمس.
ألم يحدث له وعي لكن بعد أن سار في طريق شائك وناله ما ناله. فنجد البلدان، بلدان الغرب في أوروبا وأمريكا وغيرها تجد الناس هناك لديهم وعي، وعي من خلال تجارب، هم ناس وهم بشر يعقلون، يفهمون، لكن تجارب، حاول أن تعرف شيئاً من التاريخ عن تلك البلدان تجد أنهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بعد أحداث دامية، وأحداث رهيبة داستهم وأحرقتهم وأنهكتهم.
لكن الإسلام، لكن الحق، لكن نور الله، هو من لا يريد لعباده المؤمنين أن يكونوا على هذا النحو، لا يبصرون إلا بعد أن يقعوا في الحفر، وتطأ أقدامهم الشوك، وبعد أن يتلقوا الضربة بعد الضربة، يقدم لهم النور، ألم يقل عن رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه بعثه للناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وقال عن كتابه الكريم أنه نور، هو نور ينير لك الدروب فتعرف الأشياء قبل أن تقع عليك نتائجها السيئة.
ألم يوبخ في القرآن الكريم من يحملون هذه المشاعر الذين لا يبصرون إلا بعد أن يسقطوا على وجوههم؟ فقال في القرآن الكريم عن كثير من أولئك سواء في الدنيا أو في الآخرة من قال عنهم أنهم يقولون بين يدي الله: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}(السجدة: من الآية12).
ولاحظوا هذه قاعدة في هدي الله سبحانه وتعالى – كما نفهم – أنه إذا كان هناك شيء الله يوبخ الناس عليه، أو يعتبره خصلة سيئة في وعيهم، هو من عمل الكثير داخل كتابه على أن يكون عباده المؤمنين بعيدين عن أن يقعوا في مثله، أي هو من أعطاهم وعياً وبصيرة؛ حتى لا يحصل لديهم ما حصل لدى الآخرين، حتى لا يكونوا كأولئك الذين يتحسرون بعد فوات الأوان.
قلنا خلال درس من الدروس: نحن طائفة لديها عقائد، والبعض منا كطلاب علم يعرف الأشياء عبارة عن عقائد مكتوبة في كتاب قرأها هو من كتب أهل البيت ومسلِّم معهم، وماشي معهم، ومصدق معهم، وقد لا يكون وصل في إيمانه بتلك العقيدة إلى درجة عالية، فتراه إذا ما تعرض لشبهة من جانب آخرين يهتز بل قد يتحول.. ألم نشاهد كهذا؟ ألم نشاهد أن هناك الكثير من الزيدية منهم من تحول إلى وهابي، ومنهم من تحول إلى علماني متنكر لدينه، ومنهم من تحول إلى اثنا عشري، أو إلى أي مذهب آخر. ما الذي ينقصه؟. ينقصه أنه لم يعمل على أن يبصر ما حوله من الشواهد.
وقلنا: إن هذه الشواهد هذه الأحداث في هذه الدنيا هي تعطيك بصيرة تعرف من خلالها صحة عقائدك، تعرف من خلالها أن تلك العقيدة التي قرأتها واعتقدتها أنها حق لا شك فيه، تلمس الشواهد عليها قائمة، وكثيرة جداً، شواهد كثيرة جداً، جداً، لكن من يتأمل، ولمن يستطيع أن يعرف كيف يربط هذا الحدث بهذا الشيء، كيف يعرف العبر في الأحداث، فهي أي هذه الأحداث تأملاتك لها تفيدك حتى في الجانب الإعتقادي فتزيدك بصيرة فيما أنت عليه أنه حق.
وهذه قضية مهمة جداً؛ لأنني قد أقرأ في كتاب فأرى عقيدة معينة، وقد يكون الكتاب مختصراً فلم يشرح لي الكثير من الشواهد على صحتها فيصادف أن أجلس في مجلس وفيه شخص من فئة أخرى لكنه ممن يحرص على أن يغير عقيدتي فيتحدث، وعادة عندما يتحدث أي شخص معك من الطوائف الأخرى هو من يحاول أن ينمق كلامه, وأن يقدم لك أشياء بشكل أدلة هي ما يسمى بالشبهة؛ لأنه عادة لا يرقى شيء إلى درجة أن يسمى دليل في مواجهة الحق أبداً.
الحق هو الذي يمتلك الدليل وحده على أنه حق، وليس باستطاعة الباطل أن يقدم لنفسه دليلاً يرقى إلى درجة الحق أبداً؛ فلهذا تسمى شبهة.. لماذا تسمى شبهة؟ قالوا: لأنها تجعل القضية شبيهة بالحق، فيصبح ما قاله لك ذلك الشخص الوهابي مثلاً وهو ينمق لك الكلام ويسرد عليك الأدلة: أخرجه فلان ورواه فلان، وكانت هذه عقيدة السلف، فلان وفلان والأكثرية من الأمة عليه. وهكذا.. عبارات من هذه، هي شبهة كلها ليست أدلة.
والشبهة هي أيضاً جانب من الباطل هي نفسها لا تستطيع أن تقف في مواجهة الحق، هي بطبيعتها تزهق إذا ما جاء الحق تزهق، لكنها ستصبح لدى الشخص الذي لا يمتلك بصيرة، ولا يتأمل في كل ما حوله لا يقرأ كتاب هذا الكون، لا يقرأ كتاب هذا العالم، لا يقرأ صفحاته، لا يقرأ سطوره، التي هي الأحداث والمتغيرات فيه تصبح تلك الشبهة لديه دليلاً أقوى من دليل الحق.
أليس هذا هو من الجهل؟ أن تصير في واقعك من حيث لا تشعر، تنظر إلى الباطل الذي هو في واقعه باطل فيصبح لديك هو الحق بعينه، والحق الحقيقي الذي كان لديك يصبح هو الباطل.. أليس هذا هو الجهل؟.
هل أن في الدنيا ما يمكن أن يجعل الباطل في واقعه يصبح حقاً؟. لا. لا يمكن؛ لأن الحق هو من الله، وما كان من الله لا يمكن لأي طرف آخر أن يحصل منه ما يحوله إلى باطل، أو ما يجعل ما لدى ذلك الطرف يقدم نفسه هو الحق الذي لا شك فيه، وما كان من عند الله يبدو محل ارتياب, أو يبدو باطلاً كما أسلفنا. لا يمكن هذا أبداً. إنما أنا بجهلي الذي أرى الحق باطلاً، ويصبح الباطل لدي حقاً؛ لأنها تشتبه علي الأمور، وجاء من شبه عليَّ، جاء من لبس عليَّ.
وفي نفس الوقت هل أن الحق الذي جاء من الله سبحانه وتعالى جاء هكذا، قدم ليس له شواهد؟ له الشواهد الكثيرة، الشواهد التي لا تكون فقط في عصر واحد ولا في يوم واحد، شواهد كثيرة جداً، جداً تمشي مع الأمة جيلاً بعد جيل؛ لأن الله رحيم؛ لأن الله رحيم بعباده، فهو لن يقدم الحق من عنده بإيجاز وبعبارات مختصرة، ثم لا تكون هناك الشواهد الكثيرة عليه، فيكون مما أدى إلى أن ينطلي عليك الباطل هو أن هذا الحق الذي قدم من عند الله ليس هناك شواهد كثيرة تصل بي إلى درجة أن لا أتأثر بالباطل!. لكن أنا عندما لا أبصر تلك الشواهد يصبح الحق الذي جاء من عند الله هكذا حق مجرد لا يمتلك أي شواهد، فيتحول بين عشية وضحاها إلى باطل.
ولهذا روي عن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو يتحدث عن الفتن، والفتن عادة هي أحداث تلتبس فيها الأمور، يلتبس فيها الحق بالباطل, لا أن الحق في واقعه اخترق جسمه الباطل فالتبس به، لا، إنما نحن في قصور وعينا قدم الباطل لنا بشكل حق فقبلناه من أي طرف، هكذا يأتي في الفتن، فما الذي سيحصل قال فيه: ((يمسي المرء مؤمنا ويصبح كافراً, أو يصبح مؤمناً ويمسي كافراً)) أليس الكفر باطلاً، والإيمان هو الحق.
عندما تكون في الصبح مؤمناً ثم تصبح في المساء كافراً، أي أنك تنكرت في واقعك لذلك الإيمان الذي كنت عليه في الصباح فأصبح ما كان إيماناً لديك وهو الحق أصبح ماذا؟ أصبح من وجهة نظرك باطلاً، فحل محله في نفسك الكفر، يمسي المرء مؤمناَ ويصبح كافراً، أو يصبح مؤمناً ويمسي كافراً!.
أليس هذا تغير سريع؟ تغير سريع، ما الذي هيأ الإنسان إلى أن يتغير هذا التغير السريع في خلال ساعات؟ هو لأنه لم يشاهد ما لديه ويبصر ما لديه؛ لأن الله كما أسلفنا إذا ما قدم حقـاً للناس فإنه كما قال عنه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}(فصلت: من الآية53) تأتي الشواهد الكثيرة؛ تأتي الشواهد الكثيرة، وإذا ما أبصرت الحق وأنت ممن يتأمل فيبصر الشواهد على الحق فإنك من لا يستطيع أحد أن يغيرك ولا على مدى ألف سنة فضلاً عن أن تتغير خلال أربعة وعشرين ساعة، أو خلال اثني عشر ساعة.
أليس هذا الحديث يدل على أن هناك من يتغير خلال اثني عشر ساعة؟؛ لأنهم لا يبصرون الشواهد الأخرى على الحق، لكن من يبصر الشواهد على الحق هو من لا يتغير ولا خلال ألف سنة، وكيف يتغير وهو يبصر في كل سنة, بل ربما في كل شهر, بل في كل يوم يبصر الشواهد على ذلك الحق تعززه في نفسه وتقرره في نفسه وتوسع معانيه في نفسه؛ فهو من لا يمكن أن يتغير، بل هو من سيزداد إيماناً.. إيماناً.. إيماناً كلما طال الزمن وكلما كثرت الأحداث، فإذا ما جاءت الفتن فلتكن كيفما كانت هو من لا يتغير أبداً أمامها؛ لأن لديه أسس من البداية، لديه قواعد من البداية، ولديه الأحداث المتكررة هي من تمكنه في الأخير أن يعرف أن كل ذلك الذي قدم إلي بشكل حق أنه لا شك أنه باطل؛ لأنني أراه من جهة هي في أساسها مبطلة.
مثلاً عندما يقوم أمامك خطيب من طائفة عقيدتها باطلة، في عقيدتها ضلال أنت تعرفه، فيقوم في محراب المسجد ويكون شخصاً قديراً على الكلام ويتكلم بالقرآن، ويسرد الكثير من الأحاديث، ويحلل وينمق كلامه، أنت من لا يمكن أن تتغير به؛ لأنك تعرف أن هذا من أساسه على ضلال فمن كان على ضلال لا يمكن أن يهدي إلى الحق ومن كان على هذا النحو لا يمكن أن أغتر به وأن أقبله قدوة لي وأن أعتمد عليه في ديني؛ لأن المسألة أرقى من هذا، المسألة أرقى من هذا؛ أن المفترض هو أنك لا تقبل من لا يهدي إلى الحق إلا أن يهدى إليه؛ لأن الله قال: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(يونس: من الآية35).
إذا كانت هذه الآية تعني بأنك وأنت تبحث عن قدوة، وأنت تبحث عن من تتبع، هنا شخص يقدم الحق، وهنا شخص أيضاً يقدم الحق لكن من الأولى؟ من يهدي إلى الحق أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون؟. فكيف تغتر بمن هو على ضلال في واقعه، وأنت من يريد الله منك أنك لا تكون على هذا النحو تقبل الحق ممن لا يهدي إليه إلا أن يهدى.
مثل ما بيحصل في [الظاهرة] في بعض الأسواق يأتي الشخص الذي [يظهر] من هناك، من تحت و[الدوشان] يطلع فوق يقول: قل كذا.. قال: كذا.. وهكذا.. أليس الدوشان لا يهدي إلا أن يُهدى؟ هكذا.
فأنت عندما تكون عارفاً أن ذلك الشخص من أساسه على باطل فأنت من لا يمكن أن تتأثر بالكلام المعسول مهما كان، ومهما كان شكل ذلك الشخص، فلتكن لحيته طويلة، وليكن جسمه سميناً، وليكن مظهره يملأ محراب المسجد، وليكن صوته بالشكل الذي يرن منه المسجد، أنت من لا يمكن أن تنطلي عليك هذه المظاهر, وهذه الشكليات وليسرد عليك الآية تلو الآية، أنت تعرف أن ذلك على ضلال، فإذا كان على ضلال فمعنى ذلك أنه لم يهتد بعد بالقرآن فكيف يمكن أن يهدي إلى الحق من القرآن.
عند من تأتي هذه البصيرة؟ عند من لديه ثوابت، عند من هو مستقيم في عقيدته، عند من لديه رؤية صحيحة وبصيرة نافذة.. وهل تكون الرؤية الصحيحة والبصيرة النافذة فقط من خلال أن تقرأ في الكتاب الفلاني، لا بد أيضاً من قراءة الأحداث في واقع الحياة.. ألم يقل الله في القرآن الكريم وهو الذي هو آيات هي آيات مقروءة أليس كذلك؟ وهي في نفسها حق، وهي تكشف الكثير من الحق، والإنسان المؤمن بها يعرف الحق جلياً، من يعرف كيف يتدبرها وكيف يتأملها، لكن وأيضاً ستكون هناك شواهد في واقع الحياة {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}(فصلت: من الآية53).
لا بد.. لا بد أن نقرأ آيات الله في الآفاق، لا بد أن نقرأ الأحداث حتى نستطيع أن نحصل على البصيرة, وعلى الوعي.
عنوان الكلام هو أن الله قال سبحانه وتعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) تجلت في هذه الأيام، وأعتقد – كلكم تعرفون – تجلت أحداث هي مصاديق لهذه الحقيقة الإلهية بأن اليهود والنصارى لن يرضوا عن أي شخص مهما كان صديقاً لهم وإن ملأت العهود والإتفاقيات والمواثيق معهم أدراج مكتبه، وإن قدموا له في ماضيه ما قدموا، وإن قدم لهم هو من الخدمات ما قدم فإنهم لن يرضوا عنه.
موقف السعودية الآن أليس معروفاً لدينا؟ الم تكن السعودية معروفة عند الجميع بأن لها علاقة قوية جداً مع أمريكا وصديقة لأمريكا، ولم نعلم أن هناك ما طرأ من جانب السعودية جعل أمريكا هي التي تغير موقفها، هم تغيروا هم أليس كذلك؟ لأنهم في واقعهم – وعلى مدى السنوات الماضية الطويلة، وعلى الرغم من التعامل الواسع مع السعودية وكذلك مع شعوب أخرى، في كل تلك الفترة – هم ما زالوا أعداء، والعدو لا يمكن أن ينصح لك، ولا يمكن أن يخلص لك، عدو تاريخي، عدو عداوة مستقرة ثابتة، فكلما تقدمه له فإنه لن يرضى عنك أبداً حتى تكون على النحو الذي يريد.. وما هو النحو هذا؟. هو ما قال الله عنه: {حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} واتباع ملتهم هو أيضاً أن تتخلى عن ملتك, وعن أمتك وعن شخصيتك وهويتك التي أنت عليها، هذا هو ما لا بد منه، وإلا فأنت ما تزال غير مرغوب فيه، وغير مرضي عنه مهما حاولت.
هنا في اليمن بدأت الأشياء كذلك تتجلى، والموضوع الذي نريد أن نتحدث عنه الليلة هو ما سمعنا من خلال مقابلة بالأمس في التلفزيون، مقابلة من مبعوث لشبكة [سي إن إن] الأمريكية يتحدث مع الرئيس ويسأله في القضايا المحرجة والحساسة، الرئيس عاد في رمضان إلى اليمن وكما سمعنا من كلامه بالأمس أنه كان قد تحاور مع أولئك فعاد إلى اليمن وهو مطمئن.. وهو مطمئن؛ فقال للناس أن يسكتوا، هو كان يقول بالشكل الذي يوحي بأن هناك في اليمن إرهابيين، وكان يردد كلمة [ونحن عانينا من الإرهاب] ووعد أولئك بأن يقف معهم ويساعدهم على مكافحة الإرهاب، لكن ظهر من خلال كلام أمس أنهم يحاولون بأي طريقة يتمحلون الكلام ويلفقون الدعايات والإتهامات لليمن ليجعلوا منه بلداً إرهابياً يحتضن الإرهاب ويدعم الإرهاب ويسانده.
بدأ الكلام بالأمس يوحي بهذا؛ لأن النظرة أصبحت إلى اليمن كالنظرة التي لمسناها مع السعودية من جانب أولئك. فمن خلال الكلام سمعنا أن هناك حملة دعائية ضد اليمن، ومن تلك الحملات أنه يقال عن اليمن بأنه بلد.. أي كلمة يعني توحي فعلاً بأن هناك حملة دعائية شديدة, وأنها فعلا لا بد أن تصنف اليمن ضمن الدول الإرهابية.
قالوا عن اليمن قال المراسل: يقولون – الأمريكيون وهناك الحملات الدعائية ضد اليمن – : إن اليمن ملاذاً جيداً للإرهابيين, ملاذاً جيداً للإرهاب! وعندما تأتي حملة دعائية طبعاً الحملات الدعائية والإعلامية من هذا النوع تكون مرتبطة بسياسة معينة للكبار, لأولئك.
يريدون من خلالها أن تهيئ الرأي العام العالمي ليترسخ لديه فكرة أن اليمن بلد إرهابي. أنه إذا يمكن أن يتعامل معه كما يتعامل مع السعودية ومع أي بلد آخر يصنف بهذا. الرئيس ظن بأنه إذا قال للآخرين نريد أن نسكت اسكتوا عن الكلام في أمريكا وفي هؤلاء.. اسكتوا عنهم، قد يظن بأنه عندما يبرز استعداده للتعاون معهم، وأنه عندما يقول للناس أن يسكتوا أن أولئك سيرضون عنه، وأنهم بالتالي سيسكتون وبالتالي فلن يكون هناك أي تدبير من جانبهم يضر باليمن.
إذا كانت هذه المشاعر لديه وافترضنا أنها لديه فإنها أيضاً تعبر عن أن من يحمل تفكيراً كهذا في مواجهة أولئك أنه مخدوع بهم، وأنه ظن أن بالإمكان أن يرضوا عنه، وأنه ظن أن بالإمكان أن يكون هو وبلده بمعزل عن مؤامراتهم وكيدهم.
لو رجع هو أو أي شخص يحصل لديه هذا الشعور إلى قول الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) لكان هو من لا يمكن أن يثق بهم، لكان هو من يأخذ حيطته اللازمة في مواجهة كيدهم ومؤامراتهم وما يمكن أن يدبروه للناس؛ لأنهم إذا كانوا لا يرضون عنا وهم أعداء وامتلكوا قدرات.. فما هو المحتمل أن يعملوا؟ أليس المحتمل أن يعملوا كل شيء حتى تكون ملتهم هي الماثلة أمام الجميع، وحتى تكون ملتنا غائبة لا وجود لها، أو أن يحملوا من أمكن على أن يكون في واقعه مؤيد لملتهم وعلى ملتهم.
ألم نسمع أيضاً عبارة أخرى جاءت من الرئيس وقد يكون هو لا يعرف بالتحديد آثارها، هي سبق مثلها من أنور السادات أيام ما اتجه للمصالحة مع إسرائيل قال: اليهودية والنصرانية هذا كلام أنور السادات [اليهودية والنصرانية والإسلام كلها ديانات سماوية]. الرئيس قال: [لسنا ضد اليهودية ولا ضد النصرانية هي كلها ديانات سماوية].
هذه العبارة، هذه العبارة قد يكون لها أثرها من جانب الله سبحانه وتعالى، الحديث عن اليهودية الآن، الحديث عن النصرانية الآن, ووجه اليهودية ووجه النصرانية هو هذا الفساد القائم.. هل يمكن أن نقول بأنها هي ديانات وأنها ديانات سماوية؟ والله قال عنهم من قبل ألف وأربع مائة سنة في القرآن الكريم: أنهم حرفوا وغيروا وبدلوا، فكيف يمكن أن نعتبرهم على ما هم عليه فنشهد بأنهم هم كيهود على ما هم عليه أنهم على ديانة سماوية.
يمكن أن نصدق بالتوراة التي جاءت من عند الله وهي الكتاب الإلهي الذي نزل على موسى، لكن تصديقنا بالتوراة لا يعني تصديقنا باليهودية القائمة الآن، كما أن تصديقنا بالإسلام هو أيضاً لا يعني تصديقنا بأن تلك العقائد المنتشرة في أوساط المسلمين هي الإسلام.. ألسنا ننقدها؟. ننقدها على أساس أنها ليست من الإسلام داخل أمتنا.
بدأت المقابلة أمس وذلك المبعوث من تلك الشبكة التلفزيونية يطرح أسئلة حساسة، منها قضية أفغانستان، وقضية أسامة: يقال أن أسامة أصلاً هو من أصل يمني، جده من اليمن, وأسامة قد يكون له أتباع في اليمن. وهناك إرهابيون من تنظيم القاعدة في اليمن, وهل هناك علاقة بين حادثة السفينة [كول] وبين حادث نيويورك، ومن هذا القبيل يحاول بأي طريقة.
إن قلنا بأن هذا عبارة عن مراسل صحفي فالعادة أنه عندما يطرح أسئلة من هذا النوع إنما لأن الدعاية الإعلامية هناك هي تقول هكذا، أي هي من يربط ما بين حادث السفينة وبين حادث نيويورك أنه من طرف واحد هذا الطرف – يريدون أن يرسخوا هذا – أن هذا الطرف هو في اليمن وفي أفغانستان. إذاً فإذا كنا تعاملنا مع أفغانستان على هذا النحو فيجب أن نتعامل معهم أيضاً في اليمن على هذا النحو. فالمراسل عادة هو يحاول أن يحصل على أي كلام ينقله.
وإما أن يكون كلاماً يؤيد ما يطرح من جانب الرئيس مثلاً أو كلام ينـزله؛ لأن العادة عند الصحفيين أنه إذا كان هناك جهة يقال عنها شيء ويتجه الكلام إليها الصحفيين أيضاً وشبكات التلفزيون تتجه إلى ذلك الطرف لتعمل مقابلة معه ولقاء معه تعرف موقفه، تعرف ما يقال حوله تعرف؛ لتقدمه للآخرين، هذا هو العمل الصحفي.
إذا كان هناك صراع بين أطراف أليسوا يتجهون إلى هذا الطرف يقابلوه وإلى هذا الطرف ليقابلوه وينـزلوا في كتاباتهم وفي صحفهم أو ينشرونه ويبثونه في قنوات التلفزيون، يبثون الخبر من هذه الجهة ومن هذه الجهة.
جاء في الأسئلة حول أفغانستان وكان مما فهمناه من كلام الرئيس: أن أمريكا لم تكن لديها ما تعتمد عليه بالنسبة لذلك العمل الذي عملته في أفغانستان إلا قرائن وشبه قرائن وأمارات، أي أنها لا تتثبت؛ لأنه قال هكذا: إذا كانت أمريكا عملت ما عملته في أفغانستان ولم يكن لديها إلا قرائن؛ وحركة طالبان قالت هي لن تسلم أسامة إلا بأدلة, يكون هناك أدلة تشهد, أو تكفي لإدانته في ذلك الحادث ممكن.
هل طالب الأمريكيون بالأدلة أو قدموا الأدلة أو عملوا محكمة يقدمون لها ما لديهم ضد هذا الشخص. كما يقدم هو من طرفه ما ينفي تلك الأدلة أو ما يثبت في الأخير، ما يجعل المحكمة في الأخير تثبت بأنه متورط في هذا.. هل انتظرت أمريكا لهذا؟. لا. أي أنها تتصرف تصرف العدو مع هذه الشعوب، وعدوك هو من يكتفي بشبهة معك ليعمل كل ما يعمله ضدك ولا ينتظر أدلة، ولا ينتظر محاكمة ولا ينتظر شيء، فعندما يرى نفسه متمكنا يضربك بدون أن ينتظر للأدلة. أي أنه بالإمكان أن تتعامل مع اليمن على هذا النحو، وهناك الكلام الكثير: هناك إرهابيون, هناك كذا.
وسألوه: هل أن اليمن بحاجة إلى مساعدة عسكرية, أو من أي نوع يحتاج إلى مساعدة.. أسئلة من هذا النوع، أسئلة عن اتفاقية بتمويل السفن الأمريكية هل ما تزال قائمة. حتى سؤال عن إسرائيل كيف ينظر هو إلى إسرائيل؟ كان الجواب جيداً بالنسبة لإسرائيل، أنها تعتبر دولة إرهابية. لكن الغلطة أن تقال لإسرائيل دولة، يجب أن لا ينطق العرب بأن إسرائيل دولة، هي كيان صهيوني؛ كيان صهيوني لا يستحق أن يطلق عليه أنه دولة له شرعية في وجوده كدولة كأي دولة أخرى في المنطقة.. وقال أنها دولة إرهابية؛ أنها دولة إرهابية في العالم أو أكبر دولة إرهابية في العالم على الإطلاق.
لاحظ هم في حملاتهم الدعائية أيضاً يحاولون أن يرسخوا شرعيات معينة في أذهاننا، عندما يأتي شخص من الأشخاص من الزعماء هؤلاء وهو ينطلق معهم بحسن نية, أو ينطلق معهم يقدم لهم خدمة: يكافح الإرهاب، فكافح في بلده إرهابيين اعتبروا عمله ذلك نفسه إدانة له، أي عملك هذا يشهد على أن هناك إرهاباً في بلدك إذاً إذا كان هناك إرهاب في بلدك فإن الحلف الذي قام هو قام على أساس أن يعطي أمريكا الصلاحية الكاملة لتتولى هي ضرب الإرهاب، ومن رؤيتها هي؛ برؤيتها هي.
فعندما يقول هذا الرئيس أو ذلك الملك: لدينا إرهابيون ولكن نحن سنتكفل بهذه وهناك لدينا قضاء وهناك لدينا كل شيء. لا يمكن أن تنتهي المسألة إلى هذا النحو سيحاولون أن يدخلوا وبحجة أن يساعدوه في البداية أن يساعدوه على عمله، ثم يكثر الإرهاب حينئذٍ على أيديهم هم؛ لأنه ليست المشكلة لديهم هي قضية الإرهاب.
هناك يقال في واشنطن نفسها وفي نيويورك في المدن الأمريكية: المحلات التجارية الكبيرة تحتاج إلى أن يكون داخلها حرس جنود مسلحين بالأسلحة النارية؛ لأن هناك سطواً، هناك إرهاب داخل أمريكا نفسها على المحلات التجارية في وضح النهار.. فلماذا لم تُأمّن أصحاب تلك المحلات التجارية؟ لماذا تبحث عن واحد إرهابي هناك؛ يقال له إرهابي في اليمن أو في أي دولة إسلامية أخرى.
ليس هذا هو المقصود؛ هم يريدون أن يثبتوا وجودهم داخل هذه البلدان، وهذا ما رأيناه في أفغانستان.. أليست التعزيزات العسكرية ما تزال تتوافد على أفغانستان؟ وهم في البداية دخلوا بحجة أنهم يقدمون خدمة للأفغان.
إذاً فأنت عندما تريد أن تكسب رضاهم فتقول: أنا فعلاً لدي إرهابيين، ونحن عانينا من الإرهاب، ونحن سننطلق معكم لنكافح هذا الإرهاب. فبدلاً من أن يشكروك على ذلك إنهم من يعتبرون قولك ذلك وسيلة لأن يدخلوا إلى بلدك. وحينئذٍ سيحجونك بماذا؟. سيحجونك بالإتفاق الذي قد حصل من جانبك بالموافقة التي قد حصلت من جانبك على أن تكون أمريكا هي التي تتولى التحالف الدولي ضد الإرهاب.
هناك أصوات الآن تظهر لكن هل أمريكا تعتبرها، هناك من يقول: يجب أن يكون مكافحة الإرهاب عن طريق الأمم المتحدة، هناك من يقول: يجب أن تعتمد أمريكا على جوانب أخرى في مكافحة الإرهاب، لا يكون الحل العسكري لديها هو الحل الوحيد في هذا الجانب، هنـاك من يقول عبارات أخرى، لكن هل أمريكا تسمع لهم؟. لا تسمع أبداً.
هي تنطلق فمتى قيل: إن هناك إرهاباً فهي من تمتلك الحق – من وجهة نظرها – أن تكافحه بالشكل الذي ترى، وهي لا تكافحه كإرهاب على أساس أنه يزعج الناس أو يزعج المواطنين الأمريكيين؛ إنما لأن هناك وسيلة تعتبره وسيلة للدخول إلى هذه البلدان.
هي لا تكتفي بالإستعمار، الهيمنة العالمية هذه التي تحصل بل تريد أن تصل إلى كل منطقة، وأن تهيمن على كل بلد من داخله.
قلنا في كلام سابق بأنه كان من المفترض أن أمريكا هي التي تشكر أولئك الذين تسميهم الآن إرهابيين؛ لأنهم هم من انطلقوا ليحاربوا الشيوعية في أفغانستان بأمر وتوجيه من أمريكا.. فلماذا تنظر إلى جنودها الذين خدموها وضحوا بدمائهم من أجلها، أو كان في الأخير، أصبح في الواقع تعود المصلحة إليها هي.. لماذا تعتبرهم إرهابيين، ثم تعتبر البلد الذي هم منه بلداً إرهابياً. هذا هو نفسه شاهد على هذه الآية.. هل هي رضيت عن أولئك؟ ونحن سمعنا بأنهم انطلقوا إلى أفغانستان بأمر من أمريكا.
الآن يحاولون أن يجعلوها إدانة على الدولة نفسها وعلى اليمن نفسه أنه انطلق منه إرهابيون إلى أفغانستان، وأن هناك يمنيون أيضاً كانوا مع طالبان وكانوا من المصنفين ضمن الإرهابيين.. ألم يعتبروا تلك الخدمة إدانة الآن، كما اعتبروا دعم السعودية للوهابيين في مختلف المناطق – وهو بالطبع كان في ظرف من الظروف برغبة أمريكا – هم من اعتبروها أيضاً إرهابية بذلك الدعم، أي لا يمكن أن يرضوا عنك بنفس الخدمة التي قدمتها لهم، وإن كنت جندياً من جنودهم لن يرضوا عنك، بل تجلى الأمر إلى أن تصبح تلك الخدمة هي إدانة ضدك.. إدانة ضدك.
كانت أمريكا حريصة جداً على أن تخرج روسيا من أفغانستان، وكان يهمها جداً وجود الإتحاد السوفيتي في أفغانستان.. فهؤلاء الذين انطلقوا كمجاهدين من هنا وهنا هم في الواقع قدموا لها خدمة، سواء شعروا أو لم يشعروا، وأن يتوافدوا من هنا ومن هنا إلى ذلك البلد، ونحن لم نرى أن هناك ما يسمح لهم ولغيرهم أن يتوافدوا على هذا النحو إلى فلسطين لمحاربة إسرائيل.. هل حصل مثل ذلك؟.
لأن كلما يحصل هنا في هذه الدنيا في البلدان التي تهيمن أمريكا عليها هو طبعاً بتوجيهات أمريكا وإيحاءات منها، أو رضا عنها بذلك التصرف باعتبارها ترى أنه يخدم مصالحها. هم قاتلوا، وفي الأخير خرجت روسيا من أفغانستان، وإذا بأولئك يصبحون فيما بعد إرهابيين.
اليمن الآن يعتبر مدان أنه انطلق منه شباب كثيرون، هم الآن يصنفون بأنهم إرهابيون، والبلد الذي هم فيه يعتبر بلد إرهابي، وأسامة أصله من اليمن! أصله من اليمن سيحاسبون اليمن على أن أصل أسامة من اليمن.
ونحن أحياناً نزيد عبارات تعطي توسعهم شرعية أكثر [مكافحة الإرهاب من جذوره واقتلاع جذوره، وتجفيف منابعه] هكذا سمعنا بالأمس عبارات من هـذه [اقتلاعه من جذوره] وأنت من يجب أن تنكر أن هنـاك إرهابيين أو من لا تسمح أبداً أن يقال لبلدك، أو أن يتجه أولئك لتصنيف بلدك كله بأنه بلد إرهابي على النحو الذي يريدون.
لاحظوا كيف عملت إيران، هي اتهمت بأن هناك اثنا عشر شخصاً دخلوا إيران من تنظيم القاعدة، الإيرانيون يعرفون أمريكا، ويعرفون أنهم لو قالوا فعلاً هناك أشخاص ونحن سننطلق، ونحن فعلاً معكم في مكافحة الإرهاب. أن هذا لا يرضي أمريكا، هي تريد أن تجعل إيران بلداً إرهابياً بهذا الشكل الذي تصنفه أو تطلقه الآن عليه إرهاب سواء كانوا أشخاصا من تنظيم القاعدة أو من طالبان، لتبرر لنفسها أن تضرب إيران، ثم ليتجه الإعلام ليقول إذاً فإيران بلد إرهابي هو داعم للإرهاب، إذاً هو منبع من منابع الإرهاب، إذاً للإرهاب جذور في إيران، وهكذا سيكون بالنسبة لليمن.
ماذا عمل الإيرانيون؟ انطلقوا هم وهددوا أمريكا وصرخوا في وجهها، وتحدوها وقالوا عليها أن تفهم أنه لن يكون أي ضربة من جانبها تمر دون رد فعل مباشر.
لكن ماذا؟ الموقف يختلف هنا في اليمن، والمفترض أننا هنا في اليمن يجب أن نتنبه سواء الرئيس أو الدولة أو المواطنين أنفسهم أن يتنبهوا إلى أنه يجب أن يتعاملوا مع أمريكا ومع الإعلام المضاد كما يتعامل إيران تماماً، وإلا فإذا أبدى الرئيس استعداده فإنه سيرى في كل أسبوع في كل شهر يرى أنه يصنف بلده ويصنف هو داعماً للإرهاب، وبالتالي فهو بسكوته، بل واستعداده لأن يعمل معهم إنما يمنحهم شرعية من وجهة نظرهم، إنما يشجعهم على أن يزيدوا؛ على المزيد حتى تطأ أقدامهم اليمن كما بلغنا فعلاً، ثم إذا ما دخلوا ولو مائة شخص سيأتي بعدها التعزيزات، سيأتي بعدها التعزيزات، وسيقدمون أنفسهم لليمنيين بأنهم إنما جاءوا ليخدموا اليمن! قد يقولون هكذا: ليساعدوا اليمن على مكافحة الإرهاب، كما جاء في السؤال بالأمس، هل أن اليمن بحاجة إلى مساعدة مثلاً اقتصادية أو عسكرية؟ هكذا مساعدة، يعني: في مكافحة الإرهاب.
لو قال الرئيس: لا. سيفرضون هم عليه، وسيرغمون اليمن على أن يقبل المساعدة؟، ما يسمى بالمساعدة سيرغمونك على قبولها؛ لأنك لم تقف في وجوههم من أول يوم، أنت كنت ترى أن السكوت يمكن أن يرضيهم، أو أن إظهار استعدادك للتعاون معهم سيرضيهم. لا.
إن الله عندما يقول لنا أنهم أعداء إنه يريد منا أن نتعامل معهم كأعداء, وعدوك عدو من هذا النوع يجب أن تقف في وجهة حتى لا يفكر بأن يعمل ضدك أي عمل، فيراك أنت متأهب تماماً لمواجهته ولقطع يده.. هذا ما يجب أن يكون عليه اليمني، وإلا فسيرى علي عبد الله نفسه يقع في المأزق الذي فيه عرفات فعلاً.
هذا شاهد.. ألم نكن نسمع نحن الرئيس في مقابلات سابقة وفي لقاءات وفي تجمعات يظهر نفسه كشخص مستعد أن يكافح الإرهاب؟ إذاً فلماذا الدعايات ضد اليمن فليكتفوا بهذا الشخص الذي وعدهم أنه هو يستطيع. ونحن قلنا في المحاضرة في القاعة أنه في الواقع لو افترض أن هناك إرهابيين يضرون فعلاً بمصالح مشروعة لأمريكا فإن اليمن بدولته وقضائه يستطيع أن يحسم الموضوع دون أي تدخل أمريكي.. لكن هل يرضيهم هذا؟. لا يرضيهم.
إنه لا يهمهم مكافحة إرهاب، هم من يصدرون الإرهاب، وهم جذور الإرهاب، وهم منبع الإرهاب الأمريكيون أنفسهم. أمريكا هي الشيطان الأكبر – كما قال الإمام الخميني – هي من تثير الفتن وتثير القلاقل، ومن تصدر الإرهاب في العالم كله.. مَن وراء إسرائيل؟. أليست أمريكا وراء إسرائيل؟ ألم يظهر الرئيس الأمريكي بالشكل الصريح متعاطف مع إسرائيل، ويصنف الفلسطينيين المساكين المظلومين بأنهم إرهابيون.. هل هذه الدولة، أمريكا يصح أن تعطى هذا المقام وهذا المنصب أن تكون هي من يقود التحالف ضد الإرهاب، وهي من تدعم الإرهاب الكبير, تدعم إسرائيل؟ هل يثق بها العرب أنها ستكافح الإرهاب؟.
إن موقفها في فلسطين، موقفها من إسرائيل هو واضح بالشكل الذي يفضح أمريكا ويفضح من يقف معها أنها لا يمكن أن يوثق بها أن تكون دولة تقود مكافحة الإرهاب، تقود الأمم لمكافحة الإرهاب.
إذاً فاليمن نفسه، الحملة الدعائية هذه ضد اليمن, تصنيفه كدولة إرهابية ربما ومن المحتمل جداً أن يتعزز الكلام، وإذا بدأت الحملات الدعائية هناك فتأكد أنها حملة دعائية ستشغل بال الدولة وتشغل الرئيس وتشغل اليمنيين كما شغلت السعوديين.
لكن السعوديين ظهر موقفهم جيداً، ظهر موقف الأمير عبد الله موقفاً جيداً فعلاً، أحس فانطلق انطلاقة جيدة حسن علاقاته مع إيران. علي عبد الله إذا انطلق على هذه المسيرة: تمام، تمام، كلما قالوا.. قال: تمام، نريد ندخل نعمل مساعدة، تمام، اعتبره منتهي هو، هو أول من سيضرب، وهو من سيعاني، سواء أن تكون في مواقفه ما يثير سخط شعبه عليه ويسيء سمعته إلى شعبه، وهو من قدم لشعبه كرمز للوحدة والديمقراطية، حينئذٍ سيجعله الأمريكيون، سيحولونه إلى شخص يسخط منه شعبه ويسخر منه شعبه، أو يضربونه هو كما ضربوا عرفات بحجة أنه لم يكافح الإرهاب بالشكل المطلوب.
يعملون تفجير في أي مكان قريب من منشئاتهم، أو مصالحهم، ثم يقولون: ألم تروا أنه لم يكافح الإرهاب بالشكل المطلوب؟. فيضربونه هو، وهذا محتمل جداً.
فالمفترض هو ماذا؟ أن يبادر.. أن يبادر هو كما بادر الأمير عبد الله ليحسن علاقاته مع إيران، وليري أولئك من خلاله هو، ومن خلال الدولة، ومن خلال الشعب أنه لا يمكن أن ينطلي علينا هذا الخداع. فإذا ما وقف الناس موقفاً صريحاً كموقف إيران على مستوى الدولة، وعلى مستوى الشعب فهذا هو الذي سيوقف أمريكا.. هو الذي سيوقفها عند حدها، أما إذا انطلق على هذا النحو الذي ظهر عليه بالأمس، وظهر عليه في مقابلة سابقة فلنتأكد بأن مصيره بدأ على أيدي الأمريكيين هم محرج جداً له هو قبل غيره.
ثم لنعود إلى أنفسنا نحن كمواطنين, كمواطنين مسلمين مؤمنين نؤمن بقول الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) لنقل لأنفسنا إذا ما كنا نميل إلى السكوت، ونقول لأولئك الذين يطلبون منا أن نسكت: أن هؤلاء لا يرضيهم سكوتنا بل يشجعهم سكوتنا، لن يتوقفوا عند حد إذا كنا ساكتين، هاهو الرئيس سكت.. ألم يسكت من البداية, ألم ينطلق هو ليظهر استعداده في الوقوف معهم لمكافحة الإرهاب حتى بمجرد بلاغ كما حصل في المقابلة أمس، بمجرد بلاغ من الأمريكيين يتحرك لمطاردة من قالوا أنهم إرهابيون.
فإذا كان هو لم يُجْدِ معه، لم ينفعه سكوته بل لم ينفعه استعداده فإن هذا يدل على أن سكوتنا لن ينفع، وأننا حتى لو استعدينا أن نقف في مكافحة من قالوا هم أنه إرهابي فإن ذلك لن ينفع؛ لأنهم يريدون شيئاً آخر، هم يريدون أن يهيمنوا على اليمن، أن يثبتوا أقدامهم في اليمن أن يسيطروا عليه مباشرة.
إذاً فلنقل للآخرين قد سكت علي عبد الله فلم ينفعه سكوته، بل استعد لمساعدتهم فلم تنفعه مساعدته، وهاهو الآن محرج، إذا كان هناك حملات دعائية إعلامية فإنه لا بد أن يكون هناك في اليمن حملات دعائية أخرى مضادة، فهو محرَج إما أن يسكت على ما يقال عن اليمن فيتعزز في الرأي العام العالمي أنه دولة إرهابية، أو أن يقول للصحف أن تكتب وأن ترد على كل ما يقال، فنفس الرد عندما يظهر بالمنطق اللين هو نفسه لا ينفع، لا ينفع الرد الإعلامي لا ينفع إلا الخروج إلى الشوارع في المدن اليمنية، ويتظاهر الجميع ضد أمريكا، ويقفون كموقف الإيرانيين، هذا هو الذي ينفع.
وأن ينطلق هو كما انطلقت السعودية ليحسن علاقاته مع إيران، والإيرانيون هم من يعرفون كيف يتصرفون مع الأمريكيين، وحينئذٍ سيخيف هذا أمريكا نفسها وستتراجع.
إذاً آمنا وعرفنا فعلاً بأن أولئك كما قال الله عنهم، ومن خلال الآيات التي تجلت في الآفاق والمتغيرات أنهم لن يرضوا عنا حتى ولو أظهرنا أنفسنا كعملاء لهم، حتى ولو انطلقنا كجنود لهم لن يرضوا عنا أبداً، لا يهوديهم ولا نصرانيهم حتى نتبع ملتهم، ونحن لا يمكن أن نتبع ملتهم، ونحن من أمرنا الله بأن نحاربهم، أمرنا الله بأن نذلهم، أمرنا الله بأن نقاتلهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
جاء في الأسئلة بالأمس أنه هل الرئيس موافق على العمل ضد الإرهاب ومكافحة الإرهاب بهذه الطريقة العسكرية حتى لضرب أي دولة، العراق أو غيرها حتى وإن كان اليمن؟!. السؤال على هذا النحو.
ماذا يعني هذا السؤال؟. يوحي بأن هناك في الحملة الدعائية ضد اليمن من يقترح من الكتاب ومن صحفيين هناك أنه يجب أن يصنف اليمن كتلك الدول كالعراق وكأفغانستان وأنه يجب أن يتلقى ضربة كما تلقى أفغانستان، وأنه يجب أيضاً أن يكون في قائمة الدول التي يجب أن تضرب كما ضرب أفغانستان.
فيسأل الرئيس هل هو موافق على ضربه؟ هل هو موافق على ضرب بلده؟ بالطبع لا، من الذي يمكن أن يقول هو موافق على ضرب بلده، لكن السؤال يوحي بأن الحملة الدعائية هي على هذا النحو.
ولاحظوا الآخرون مثلاً الأمريكيون يهمهم جداً الرأي العالمي هناك في أمريكا وفي بلدان أوروبا؛ لأنهم هناك إنما يتحركون بعد أن توافق مجالسهم النيابية ومجالسهم التشريعية توافق وتعطي الرئيس صلاحية.. تعطي الرئيس أو الملك أو رئيس الوزراء صلاحية أن يتحرك على هذا النحو. هم ليسوا أيضاً كزعماء العرب ينطلق في تصرفاته دون أن يتشاور مع مجلس النواب، ودون أن يكون تصرفه قائم على وفق قرار أو وفق قانون يقره مجلس النواب ويوافق عليه يتحرك هكذا.
ثم هم حينئذٍ وسائل الإعلام هناك هي مَن متى ما وافق الرأي العالمي هناك فوسائل الإعلام هي من تتجه إلى هنا إلى هذه المناطق، ونحن العرب يكفينا قليل من الكلام؛ لأن العرب فعلاً ترسخ لديهم ما كان قائماً ولا يزال عند بني إسرائيل {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ}(المائدة: من الآية41) يتجهون إلى أن يقولوا: هناك إرهاب في اليمن، هناك إرهاب في أفغانستان، هناك إرهاب في العراق، وهذه الدولة إرهابية، هذا الشخص إرهابي، والإرهاب يعني كذا يجب مكافحته.. يجب.. وأننا نريد أن نطهر الشعوب من الإرهاب، الإرهاب هو يضر بالجميع، فيوافق سريعاً، يوافق زعماؤنا سريعاً ونحن تعودنا على أن نوافق زعماءنا سريعاً!! فما الذي يحصل؟.
يحصل موافقة عالمية داخل الدول وداخل الشعوب، فيوافق الناس من حيث لا يشعرون على ضرب أنفسهم، يوافق الناس من خلال موافقتهم لحركات زعمائهم، ولتصريحات زعمائهم ولاستعدادهم للتعاون مع أولئك، يعني ذلك موافقة ضمنية على أن نضرب، فكل تصريحات علي عبد الله التي كان يقول فيها: نحن عانينا من الإرهاب، أصبحت الآن لدى الأمريكيين حجة على أن اليمن إذاً يجب أن يصنف كدولة إرهابية وكبلد إرهابي، وأنه من منابع الإرهاب.
فإذا ما سكت المواطنون أنفسهم لسكوت الدولة، لسكوت الرئيس فمن الذي يكون ضحية قبل الكبار؟ أليسوا هم الصغار؟ أليسوا هم الشعب؟ من كان الضحية في أفغانستان هل أسامة ومحمد عمر أم الشعب الأفغاني؟ الشعب الأفغاني كان هو الضحية، من الذي كان الضحية في العراق الشعب العراقي أم صدام؟ الشعب العراقي.
وهؤلاء الزعماء متى ما ضربوا أيضاً فإنما يضربون على هامش ضرب الشعب نفسه، لا تتوقع أنه سيضرب الزعيم دون أن يضرب الشعب، إذا ما ضرب الزعيم وضربت الدولة ستكون أيضاً على هامش ضرب الشعب.
ماذا يحصل في فلسطين؟ ألم تدمر البيوت وتدمر المباني الحكومية في فلسطين؟ وعرفات أيضاً حوصر.. أين أشد ألماً وضرراً عرفات أم الشعب؟ هل دمر بيته؟ لم يدمر بيته، دمرت بيوت الآخرين، لكن دمرت نفسيته، دمرت شخصيته، أصبح تحت رحمتهم، وفعلاً في الأخير قد يدمر نهائياً كما هم الآن يبحثون عن بديل له، وهكذا مصير الزعماء الآخرين.
فنحن إذاً إذا كنا ننطلق في محاربة اليهود والنصارى على وفق الحقائق الإلهية فإنه العمل الصحيح والموقف الثابت الذي ينسجم مع الواقع، والذي يدفع عن الناس الكثير، الكثير من خطرهم، والكثير من شرهم فيصبح شرهم بالنسبة لنا على النحو الذي ذكره الله في القرآن: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران:111).
أما إذا لم نرجع إلى القرآن وإذا لم نتأمل الآيات في الآفاق وفي أنفسنا من خلال التغيرات التي تطرأ على يد الإنسان في هذه الآفاق فإن معنى ذلك أنهم سيضربوننا وسيقهروننا وبالتالي لا نستطيع أن نعمل شيئاً ضدهم، كما وجدنا عليه الآخرين.
إذاً فلنضع نصب أعيننا في هذه المرحلة هي الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل، عن أهل الكتاب، عن اليهود في نظرتهم إلينا، في نظرتهم إلى ديننا، فلنعتبرها حقائق، ثم لننظر إلى الواقع نفسه وعندها سترى الشواهد الكثيرة، عندها حينئذٍ سيزداد الناس بصيرة وهم في ميدان العمل، حينئذ لا يستطيع أحد أن يوقفهم، ولا يستطيع أحد أن يؤثر عليهم لا بدعايته ولا بفتاواه، ولا بأن يقرأ عليهم آيات من القرآن، أو أن يقرأ عليهم أحاديث من سنة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ لأنه حينئذٍ ستصبح بصيرتك نافذة وقوية.
آيات الله في القرآن الكريم، والآيات في الآفاق التي تشهد على أن تلك حقائق واقعية لا تتخلف، وتشهد على أنه ليس هناك ما يحول بيننا وبين ذلك الخطر إلا عمل من هذا النوع وأرقى من هذا النوع، حينئذٍ سيزداد الناس بصيرة فلا يتأثرون، ويزداد الناس بصيرة بأنهم على الحق في عملهم؛ لأنهم تحركوا وفق ما تقضي به تلك الحقائق داخل القرآن الكريم، ووفق ما يقضي به الحقائق في واقع هذا الكون. هذا ما أريد أن أقول هذه الليلة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا وأن يكفينا شر أعداءنا، وأن يعيننا على أنفسنا.
ونقول: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.
والسلام عليكم ورحمة الله
[الله أكبر / الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.