سورة البقرة الدرس الثالث
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
اللهم اهدنا وتقبل منا انك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
نريد أن نتعلم من خلال القرآن الكريم: أساليب القرآن، ومنهجية القرآن الكريم؛ هذا مما يحتاج إليه الإنسان بالنسبة لنفسه، ومما نحتاج إليها في تعليم الآخرين في تعليم الناس نفس أسلوب القرآن في الخطاب.
أول [سورة البقرة]: ذكر فيها المتقين, ذكر فيها نوعية من الكافرين, وذكر أيضاً نوعية أخرى: المنافقين. وأسلوب القرآن الكريم عندما يذكر فئات معينة، أو عندما يذكر متقين ويذكر مؤمنين ويذكر منافقين وكافرين هو في نفس الوقت يأتي بنماذج من أعمالهم، يأتي بأشياء تعبر عن مشاعرهم, وما بداخل أنفسهم, أعني: يجليِّ المنافقين, ويذكر في نفس الوقت الأشياء التي قد تكون من العوامل التي تؤدي بالإنسان إلى أن يصبح منافقا. المتقون كذلك يذكر المتقين, ويبين التقوى ما هي, ويبين أيضاً أعمال المتقين كيف هي تكون – عادة – مشاعر المتقين, ما يأتي فقط بالمتقين بالمؤمنين بالكافرين بالمنافقين, وما ندري كيف، يبيِّن، يوضح.
نتلمس في باقي السورة شيئاً من التفصيل لما جاء في أولها: المتقون ذكرهم، مثلاً جاء الحديث من خلال هذه الآيات بالشكل الذي يوحي للناس بأن الإنسان مفطور أساساً على الحرص أن يقي نفسه من أي شر، من أي ألم، من أي عذاب, وهذه نقطة هامة جداً هي قضية ملموسة لدى الناس: أن كل واحد يكون حريصاً على أن يقي نفسه.
إذاً هذه تعتبر قضية مساعدة جداً لمن يتحدث مع الناس, لمن يعمل على أن يرتقي بنفسه إلى درجة المؤمنين المتقين, وأن نعرف أن الإنسان نفسه بأنه مفطور على الحذر على أن يقي نفسه مما هو شر، من العذاب, من الأشياء التي هي ضر, هو فقط يحتاج إلى تذكير مستمر, تذكير مستمر.
فعندما تذكر الإنسان بقضية، أن فيها خطورة عليه، تقدمها بشكل واضح, تبين له طريقة الوقاية منها، هنا يوجد تجاوب في داخل نفسيته، عادة يوجد تجاوب، وهذه من الأشياء المهمة: أن هذا الدين كما قال الله عنه: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}(الروم: من الآية30) هذه تساعدنا على إزالة مفهوم – تقريباً – قد يكون نتيجة أننا لا نستقري فطرة الناس وتكون النتيجة عند هذا الشخص: [أن هؤلاء ما رضيوا يسمعوا, ولا رضيوا يفهموا ولا يريدوا الحق ولا، ولا] بالطريقة هذه يكون سريعاً إلى أنه يتوقف!.
لا، إفهم: أن الإنسان هو مفطور على أن يقي نفسه فعليك أنت أن تطور أسلوبك فتعرف كيف تخاطبه حتى يتبين له فعلاً: أن القضية الفلانية تشكل خطورة عليه، تبين له: أن عملاً معيناً أو تقصيراً في عمل معين يؤدي به إلى أن يشقى في هذه الحياة, يؤدي به إلى أن يغضب الله عليه, يؤدي به إلى أن يعذب في نار جهنم، ثم تبين له ما يشكل وقاية من هذه وباستمرار.
الإنسان بحاجة إلى التذكير المستمر, التذكير المستمر، ومعك في داخل كل إنسان ما يساعد على تفهم وتقبل ما تقدمه إليه، وإذا كنا قديرين على تقديم الأشياء للناس، وأعتقد لا يوجد أحد يعتبر قديراً إذا لم يكن مخاطباً للناس بالقرآن نفسه، القرآن هو أعلى أسلوب في الخطاب للآخرين, هو أبلغ موعظة, أرقى تذكير, أوضح تبيين، يذكر كيف نخاطب الناس, بل كيف نخاطب أنفسنا. هذه قضية أساسية لازم التذكير المستمر، التذكير المستمر.
جانب آخر: الخطاب في السورة بدأ في أول السورة – فيما سمعنا بالأمس من التلاوة – ألم يأت فيه – إذا صحت العبارة – لهجة قاسية حول الكافرين, وحول المنافقين؟ ثم جاء بعده بعبارة لطيفة ورقيقة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:21) إذاً ألم يتحدث هنا عن التقوى؟ وجاء بعبارة لطيفة ورقيقة؟ هذه من الناحية النفسية أسلوب من الأساليب الهامة. عندما تخطب في الناس وتكون خطبتك من أولها إلى آخرها كله كلاماً ساخناً: [د د د د د د د…] مثل بعض الخطباء! هذا ليس أسلوباً صحيحاً. عندما تكون في فقرة من الفقرات في موضوع من المواضيع تتحدث بلهجة قاسية مناسب جداً تنتقل إلى أسلوب آخر لطيف تقول: [أيها الإخوة: نحن يجب أن نكون كذا……..]، بأسلوب لطيف بحيث يكون له وقع في النفوس, لكن تأتي بطريقة واحدة, روتين واحد في الخطبة: إما شدة من أولها إلى آخرها, أو كلام بارد, وأسلوب متثاقل، متثاقل من أولها إلى آخرها، هذا غير صحيح. تقليب الموضوع بخطاب ما بين شدة ولين من الأساليب المؤثرة.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ}(البقرة: من الآية21) خطاب للناس جميعاً {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة: من الآية21) اعبدوه هو, عبِّدوا أنفسكم له, هو ربكم, هو القائم على تربيتكم, هو الذي خلقكم وخلق الذين من قبلكم الذين أنتم جئتم بعدهم وفرع منهم. {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} من أجل تقوا أنفسكم من أشياء كثيرة مما يذكرها في آيات أخرى, هو يذكر بالنسبة للضالين, بالنسبة للذين هم غير متقين، يحصل لهم في الدنيا هذه شدائد رهيبة, يحصل نقص في البركات, نقص في الخيرات, يحصل شقاء في الحياة, يحصل ضنك في المعيشة, يحصل خزي, يحصل ذلة, قهر, استضعاف, أشياء كثيرة جداً, الإنسان يكرهها بطبيعته وبفطرته يمقتها.
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} عبادة الله هي تشكل لكم وقاية من كل ما أنتم تريدون أن تقو أنفسكم منه, وكل ما أنفسكم مجبولة على الحرص بأن تقي أو تتقي منه, تبتعد عنه وتكون بمنأى ومأمن عنه حيث قال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ألم يذكر هناك المتقين {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}(البقرة: من الآية2)؟ ذكر صفات المتقين, ثم ذكر أساليب, أو وجه إلى أشياء معينة تجعلكم متقين, تكونون بها متقين. غالباً ما تأتي العبارة هذه في بعض المواضع مطلقة {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} هنا تحمل على إطلاقها فعلاً, أي في عبادة الله ما يعتبر وقاية لكم من كل الشرور, من كل المصائب, من ضنك المعيشة, من الشقاء, من الظلم, من القهر, من الإذلال, من الخزي في هذه الحياة، ووقاية مما في الحياة الأخرى أيضاً سوء الحساب وجهنم.
إذاً عندما تأتي إلى الأشياء هذه تسردها على الإنسان أي إنسان كان حتى ولو كان غير مسلم، عندما تسرد عليه الفقر, ضنك المعيشة بشكل عام, الشقاء, الذلة, القهر, الاستعباد, الخزي, أليست كلها ممقوتة عند الناس؟ ما كل إنسان يحب أن يقي نفسه منها؟ عندما تقول له: هناك نار شديدة, قبل أن يجادلك يوجد نار أو ما يوجد نار تقول له: افترض أنه يوجد نار ألست تحب أن تقي نفسك من أن تعذب بنار شديدة؟ لأجاب: نعم.
جاء الخطاب في البداية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} خطاب للناس جميعاً, لكل الناس أن يتجهوا إلى عبادة الله, فعبادة الله هي التي تشكل وقاية لهم من كل ما هم مفطورون على الحرص بأن يقوا أنفسهم منه.
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً}(البقرة: من الآية22) لاحظ هنا في العبارة هذه كيف هي رقيقة بشكل عجيب لم يقدم الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه جبار تقول: [يجب أن يقي الناس أنفسهم من واحد جبار غليظ قاسي شر كله] فيتقونه رغماً عنهم؛ لأنهم لا يستطيعون أن يقوا أنفسهم منه إلا بالطريقة هذه. في الدنيا هذه يكون هناك طرف من الأطراف ما يقدم أي خير، كله شر، وتراهم يحرصون على أن يقوا أنفسهم من شره بأي طريقة, يؤيدون معه, ينفذون أوامره, وما فيه أيَّ خير لهم؛ ليقوا أنفسهم من شره، أما الله سبحانه وتعالى فليس بالشكل هذا.
الله يقول: هو ربكم, هو الذي خلقكم. أليس كل واحد يعتبر أن وجوده نعمة؟ أليس كل واحد يعتبر جسمه بالنسبة له نعمة، توفر أعضائه وتكاملها يبصر ويسمع ويتذوق ويمشي ويتحرك أليست تعتبر نعمة؟ فلأنه هو الذي خلقكم فهو أملك بكم وهو المالك لكم, هو الذي أعطاكم نعمة الخلق, هو في نفس الوقت المالك لكم, لا يوجد أي طرف آخر خلقكم فيكون الله إنما هو يريد أن يفرض نفسه على الناس وهم صنيعة طرف آخر أو إله آخر! لا، هو الذي خلقكم هو فأنتم مملوكون له وهو الأولى بكم، ثم هو في نفس الوقت عندما يقول لكم تعبدوه فمعنى الآيات يبين، يبين ما يقدمه للناس في الأشياء الكبيرة والصغيرة، هو الذي هيأ هذا المكان الذي هم مستقرون فيه {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً}(البقرة: من الآية22) تستقرون عليها {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً}(البقرة: من الآية22) يعني: مثّل السماء والأرض وكأنها غرفة واحدة, أو بيت واحد وهو الذي أسكنكم في هذا البيت, في هذا البيت الذي أنتم مستقرون عليه, وجعل فيه سراجا في سقفه {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً}(الأنبياء: من الآية32) يأتي في القرآن بهذا التعبير أعني: يمثل بالنسبة للأرض والسماء وكأنها غرفة واحدة, أو قاعة واحدة, الناس مستقرون فيها, أو فيها كل ما يحتاج الإنسان إليه في استقراره, وفيها ما يحتاج إليه بالنسبة لمعيشته بكل أصنافها، فيها سراج منير بشكل قوي [الشمس] وفيها [القمر] نور معتدل بالنسبة لليل وفيها [الكواكب] في الليالي التي ليس فيها قمر يتمكن الإنسان أن يتحرك حتى في الليل إذا هو في حالة سفر لا يكون الظلام مطبقاً عليه تماماً.
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً}(البقرة: من الآية22)جعل لكم الأرض فراشا، يوجد فارق أحياناً بين كلمة: {خَلَقَ لَكُم}، و{جَعَلَ لَكُمُ}، قد يكون الشيء مثلاً من قبل موجوداً من قبل وجود الإنسان لكن جعله يتكيف على هذا النحو. كلمة: {جَعَلَ} أحياناً قد تأتي للشيء الحاصل, الشيء الحاصل جعله على هذا النحو, كلمة: {جَعَلَ} هي تصرُّف في الشيء الحاصل في كثير من الموارد التي تأتي فيها, الأرض هي مخلوقة من قبل الإنسان, الأرض مخلوقة – الله أعلم – من قبل كم ملايين السنين – الله أعلم – منذو خلقت، وخلق الإنسان بالشكل الذي تصبح هذه الأرض, وهذه السماء بما هي عليه وكأنها خلقت له, جعلت له.
{جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً}(البقرة: من الآية22) هي في نفسها مستقرة, ثم نحن في خلقنا نحتاج الاستقرار أعني: الإنسان يختلف عن بعض المخلوقات الأخرى, لاحظ مثلاً [الخفَّاش] كيف يعمل! يتعلق بيد يكون في السقف يتعلق بيد هناك!.
الإنسان بطبيعته هو مفطور على الاستقرار, إذاً هو بحاجة إلى مكان يستقر فيه, ويلاحظ واحد نفسه متى ما كان هناك مكان مرتفع يكون الناس راغبين أن تكون مستقرة فيكون كل واحد يريد يحاول يصلِّح له مكان يستقر فيه هذه فطرة عند الإنسان, فالله جعل الأرض هذه جعلها فراشاً, بسطها وجعلها فراشاً للناس يستقرون عليها.
{وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ}(البقرة: من الآية22) إذاً الله سبحانه وتعالى عندما يدعونا إلى أن نعبده هو أيضاً يذكر هذا الشيء: أننا مملوكون له، ثانياًً أن نلحظ ما يقدمه لنا إذا فينا معروف – إذا صحت العبارة -, إذا فينا معروف ونقدر له سبحانه وتعالى ما أسبغ به علينا من النعم وما تفضل به علينا, وما بذله من إحسان لنا. هنا جاء بأشياء جملية: الأرض، السماء، الماء، الماء من الناحية التفصيلية واسع جداً في الاستخدام ومتعدد الأغراض بالنسبة للإنسان يحتاج إليه بشكل كبير جداً.
{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} هو الذي أنزله هو ينزله لم يقل: [معكم ماء في السماء دبروا نفوسكم فكروا كيف تعملون حتى تطلعوا وتحضروه!] لا.. هو ينزله هو، سحاب يسوقه محمل بملايين الأطنان من الماء وينزله هو, وعندما ينزله ينزله بطريقة ما تؤثر, لا يأتي ينزله – مثلاً – كتلاً من الثلج أو البَرَد أو ينزله قطرات كبيرة مثل الخزانات, مثل الصخرات, أو وادي يفتحه علينا من أعلى.. ينزل بشكل قطرات تنزل على الإنسان ما تؤثر عليه، على الأشجار، على الفواكه، على الثمار، على البيوت،…. ما تؤثر، ثم تراها تتجمع هذه القطرات لتعرف الفارق: أن في إنزال المطر في كيفية إنزاله مظهر من مظاهر رحمة الله سبحانه وتعالى بالإنسان، رعاية. لاحظ هذه القطرات عندما تتجمع, إذهب وقف قبل الوادي كيف يعمل الوادي؟ أليس هو يجرف الصخرات؟ سيجرفك ويوصلك البحر. كيف لو فتح المطر عليك بالشكل هذا؟ أو يأتي إلى بلاد وفتح عليهم وادي من السماء يجرف أموالهم ويدمر بيوتهم ومزارعهم.
{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ} الثمرات المتعددة المتنوعة {رِزْقاً لَكُمْ} رزقا لكم, هذا الرزق مخلوق لكم, أنتم بحاجة في تكوين أجسادكم إليه, ومنسجم هذا الرزق مع حاجتكم, يلبي حاجتكم {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية22) كيف تجعلون له أنداداً؟ يأتي ليعمل له شجرة، أو يعمل له صنماً، أو يعمل له أي شيء آخر يعبده ويجلس عنده ويتمسح به ويسميه إله!! ليس هو الذي خلقه, وليس هو الذي أنزل له من السماء ماء, وليس هو الذي أخرج به من الثمرات مختلف أنواعها {رِزْقاً لَكُمْ} فكيف تجعلون له أندادا؟.
{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداًً} لله أنداداً {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أنتم تعلمون الأشياء هذه, وهذه القضية معروفة عند الإنسان: أن الله هو الذي خلقه, الإنسان على تعاقب الأجيال قضية معروفة لديهم: أن الله هو الذي خلقهم وخلق الأرض وخلق السماء, وجاء في آيات أخرى يبين هذه, استبيان عمل القرآن الكريم استبيان للأمم كلها تقريباً من عهد نوح إلى أيام نزول القرآن الكريم وإذا كل الناس – فعلاً – مقرين بأن الله هو الذي خلقهم, وهو الذي ينزل من السماء ماء, وهو الذي ينبت الزروع والأشجار.
إذاً نلحظ هذا من ناحية المنهج والأسلوب, وأن هذا جانب مهم جداً في تذكير الناس, وفي الدفع بهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى, تذكير الناس بالله وبما أنعم به عليهم, تذكير حتى بالأشياء التي تبدو عند الناس أصبحت بديهية، لم يعودوا يلتفتون إليها، الأرض هذه على هذا النحو: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} ذكِّر حتى بنعمة الشمس. الإنسان أحياناً قد تكون القضية عنده تصبح عادية؛ لأنه ألفها يومياً، يومياً، نحاول أن نذكِّر أنفسنا ونذكر بعضنا بعض بالنعم بما فيها النعم التي قد أصبحت لم تعد تؤثر فينا قد هي طبيعية وبديهية لدينا لم تعد تثير لدينا أيّ تذكر؛ لأن المسألة في دفع الناس إلى العبودية لله لا تتطلب منك أن تبحث عن غوامض الأشياء، بل بالواضحات, خاطب الناس بالواضحات، أعني: بالأشياء التي هم قد ألفوها تماما.
حاول أنك تذكرهم من جديد, وتلفت أنظارهم إلى أن يتأملوا ويتذكروا، الشمس مثلاً أليست كل يوم تطلع؟ لا أحد منا يحاول يتذكر أنها نعمة، ناسين! شمس كل يوم، كل يوم، لم نعد نتذكر أنها نعمة وتثير انتباهنا عندما تطلع! لكن لو نفترض أنها غابت شهرا مثلاً الناس يصبحون في حالة سيئة جداً ويضيقون من الظلام ثم إذا ما ظهر لهم بصيص من نور كيف ستكون حالتهم وفرحتهم عندما تظهر الشمس عليهم؟!.
جاء في آية أخرى في [سورة القصص]: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ}(القصص:71) عندما يأتي الخطاب هنا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ويأتي بعدها بعبارة: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لم يأت بكلمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ثم يأتي بعدها بعبارة {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، هذه تأتي في مقامات أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:183) أليست خطابا خاصا؟ نستفيد من هذه عندما يقول: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} هو: أن تعرف – مثلما قلنا سابقاً – أن التقوى لدى الإنسان – أي: حرصه على أن يقي نفسه من أي شر من أي ضر من أي عذاب – هي فطرة لديه؛ فحدث الناس.
لهذا جاء هذا الأسلوب في القرآن الكريم واسع، المشركون أنفسهم، الكافرون أنفسهم لم يكونوا مؤمنين بجهنم ولا مؤمنين بكثير من الأشياء التي تقدم إليهم ماذا يقول لهم؟ أليس هو يخوفهم من النار؟ يخوفهم من النار.
إذاً التخويف هذا يعني ماذا؟ يوجد هناك قابلية له، لا يوجد أحد تخوفه من شيء ولا يخاف في أعماقه, في أعماق نفسه، يخوفهم من النار وعلى ماذا؟ وعلى هذا النحو أي: على استخدام – إذا صحت العبارة – هذا الأسلوب يخوفهم بجهنم حتى لو لم يكونوا قد آمنوا بها؛ لأن الموضوع أنه يأتي تخويف بجهنم، بسوء الحساب، زبانية جهنم {خُذُوهُ فَغُلُّوه ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ}(الحاقة:31) يخوف بما حصل على الأمم الماضية، الإنسان حتى كحالة نفسية لديه عندما يأتي له تخويف من هنا ومن هنا ومن ذا وذا… أشياء كثيرة حتى لا تترك له الفرصة أنه ينطلق ليقول: إنه كذب.. كذب.. كذب.. كذب… إلى آخره. لا بد ما تؤثر فيه لا بد ما تؤثر في نفسيته.
أنت تستطيع انك تجعل الإنسان يتأثر فلا تترك له المجال يتفرغ مع نفسه ليكذِّب فقط، يكذب، يكذب، ويجلس مطمئناً وكأن ما هناك شيء. وهذه قضية معروفة عندما يأتي أشخاص يقومون بتخويف أحد [قالوا: سيأتي.. وقالوا, وقالوا، وقالوا ذا، ذا…] أشياء كثيرة يخوفونه بها, سيرتبك بتعدد الأشياء التي تخوف بها، هذه تفيده؛ لأنها تنسيه مسألة أنه يكذب, تستطيع أنك تملأ ذهنيته؛ ولذا جاء القرآن الكريم بهذا الأسلوب, ألم يخوفهم بما أتى على الأمم الماضية؟ خوفهم بعقوبات فيما يتعلق بمعيشتهم, يخوفهم بما كان يحصل على الأمم الماضية من اجتياح, أعني: عذاب يجتاحهم نهائياً، خوفهم أيضاً بشدة المعيشة, بنقص الرزق ونقص البركات, خوفهم بجهنم, خوفهم حتى بضرب الملائكة لهم عند النزع عند الموت {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}(الأنفال: من الآية50) يخوفهم عند البعث كيف سيقولون, يخوفهم في ساحة الحساب كيف سيحصل.
لذا تجد قائمة من التخويف واسعة جداً, هذه القائمة الواسعة جداً يوجد هناك في النفس ما يتقبلها, يوجد هناك في النفس ما يجعل الإنسان – فعلاً – يتأثر بها تخويف متعدد؛ لأنه مجبول على أن يخاف مما فيه شر, مما فيه ألم, مما فيه ضر, مما فيه ما هو عذاب له.
الآية هذه تتوجه إلى ناس يبدو مشركين {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة:22) يعني: كافرين وهذا أسلوب من أساليب أن يتركوا ما هم عليه من شرك وكفر ويعودوا إلى توحيد الله سبحانه وتعالى.
تجد في هذا الأسلوب ما يختلف تماما عن أسلوب المتكلمين في كتب [علم الكلام]. هنا الله سبحانه وتعالى – وهذه تجدها تقريبا في كل آية من الآيات – يأتي باسمه في الموضوع, أعني نستفيد من المسألة هذه: أن الله معروف لدى البشر, أن البشر مؤمنون بالله، بأن هنا إله أسمه: الله هو الذي خلقنا، وخلق الأرض، وخلق السماء، وخلق البحار، وخلق…. الخ، قضية موجودة عند البشر، ليست المسألة أن هؤلاء أناس لا يوجد في ذهنيتهم أي شيء من هذا, لا يعرفون شيئاً أسمه الله, ولا يعرفون أي شيء من هذا. لا، القضية: الخطاب هذا يدل على أن الإنسان مفطور على ماذا؟ على معرفة الله سبحانه الله سبحانه وتعالى، يعرفه.
وتجد أن هذه القضية من القضايا الهامة الأساسية, ولولا هذا لما استقامت – ربما – نبوة, لولا أن هناك لدى الناس إيمان بالله، أليس كل الأنبياء يأتون كرسل من جهة الله؟ وتنظر إلى خطابهم وإذا كل خطابهم هو خطاب رسول من جهة هي معروفة عند الناس [الله] تجد الموضوع هذا, أو تجد هذا الأسلوب في كلام نوح وما بعده من الأنبياء إلى عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
عندما يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أليست هذه فيها ضمائر متعددة؟ من عند كلمة رب, وفي نفس الوقت يأتي بكلمة: [الله] {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} هذه القضية هامة جداً: أن نعرف أن الله معروف عند البشر، الإيمان الجملي هذا هو موجود عند البشر جميعا. عندما جهل المتكلمون، أو قدموا فرضية هي: أن الله – عادة – لا يكون معروفا أبداً، هم يفترضون أنه غير معروف في الذهنية نهائياً, في الذهنية صفر, لا يوجد شيء نهائياً! وانطلقوا يلفقون ويعتمدون طريقة منطقية في الاستدلال ليثبتوا أن هناك إله هو: الله, على أساس قضية: [حادث ومحدث… الخ].
لو أن المسألة على ما يقولون هم لكان هذا الأسلوب غير منطقي, لو أن المسألة هي: أن الإنسان الكافر هو – عادة – لا يعرف الله نهائياً، لا يعرف شيئاً أسمه الله لكان هذا الأسلوب غير منطقي عندما يقول: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لماذا لم يأت بعبارة: [أليس هناك أشياء وهي محدثة؟ أليست هذه لا بد لها من محدث؟ أليس هذا يدل على أنه لا بد أن هناك محدثا؟! إذاً…. إلى آخره] لا يوجد، بل يقدم اسمه في الموضوع.
إذاً عندما يأتي القرآن الكريم – وهو كلام الله سبحانه وتعالى – على هذا النحو ويبرز المتكلمون بطريقة أخرى!! هذه الحالة نقول عنها أحياناً: أن الناس هم بحاجة إلى أن يعرفوا أن الله أعلم منهم. الإنسان أحياناً ينسى، يتصور وكأنه قد هو أعلم من الباري, أعلم من الله! الله يقول: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}(الملك: من الآية14) هو أعلم, يقدمون فرضية: أنه لا يوجد في الذهنية إيمان بالله, ومعرفة لله عند البشر؛ طلع القرآن في الأخير غير منطقي في أسلوبه, عزلوه على جنب فعلاً، لم يعد منطقياً في أسلوبه؛ لأنهم يرون أسلوب كلام موجه من عند الله، كهذه الآية، أحياناً يأتي بكلمة: رب، أو الله، أو رحمن، أو أي اسم من أسمائه وتجدها مليئة ضمائر تعود إلى اسمه لاحظ كيف يوجد هنا: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} لم يقل: اعبدوا الذي خلق سماء وخلق كذا وخلق كذا…. قال: {رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} ثم قال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ} ولذلك كلمة: رب بعدها كلمة: الله {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية22) حصل مشكلة كبيرة في الموضوع في الأخير: تتحول ذهنية الإنسان وهو باحث عن الله, باحث عنه, يشغلون أنفسهم في بحث في بحث عنه! هذه قضية غير طبيعية, وغير منطقية, ما يمكن هذا أن يكون هناك اله ونقوم نحن نبحث عنه [مدري أين هو!!] لا يمكن هذا, حتى ولا محافظ محافظة, أو رئيس دولة [معكم رئيس أين هو؟ ما اسمه؟] باحثين عنه في شوارع صنعاء! مدورين وباحثين عن أدلة على وجوده مدري أين! هذا ليس أسلوباً.
الله سبحانه وتعالى هو رب الناس, وملك الناس, واله الناس, لا بد أن يكون قد فطرهم على معرفته، وهذه قضية يقول فيها الإمام محمد بن القاسم: ليس فقط الإنسان بل – تقريباً – كل مخلوقاته: أن الله غرز فيها معرفته أي: الإيمان بأنه موجود, الإيمان بالله إله اسمه [الله] أو على حسب اختلاف اللغات، المهم أنه في الذهنية واحد, وهذه من الأشياء العجيبة لدى البشر: أنه في الذهنية واحد، هذه هي من أهم الأشياء في مجال الدعوة إلى الله مع أمم متعددة اللغات.
عندما بعث رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو يدعو إلى الله، إلى توحيد الله، إلى عبودية الله، وسمع به الفرس، وسمع به الروم، سمع به أفارقة، أصحاب لغات أخرى هل يمكن لأحد منهم أن يتبادر إلى ذهنه بأن محمداً هذا يدعو أن معه إلهاً عربياً؟ أنه يدعو إلى اله عربي؟ عارفين أنه يدعو إلى ماذا؟ إلى الإله الذي هو في ذهنيتهم جميعاً واحد، في ذهنيتهم جميعاً الفرس والروم والأفارقة وغيرهم.. لا يقولون هم فعلاً: إن هذا نبي يدعو إلى اله ثاني عربي، لا. عارفين بأنه يدعو إلى الله الذي هو في الذهنية واحد وإن اختلفت تعبيراتهم فيما يتعلق بماذا؟ بترجمة اسمه الذي هو علم لذاته سبحانه وتعالى [الله].
هذه قضية أعني: هي قاعدة هامة جداً جداً في موضوع الدعوة إلى الله. لو لم تكن هناك في الذهنية هذه الحالة الواحدة التقاء لدى البشر، التقاء ذهني بمعرفة الله سبحانه وتعالى لما صلحت دعوة, ولا تجاوب أحد, ولفهموا أنك تدعو قد معك إله ثاني تدعو إلى اللات أو إلى العزى أو إلى… لكن هو هنا عارف أنك تدعو إلى الإله الذي هو يعرفه، الذي خلق السماوات والأرض وخلقه و.. و… هو يعبر عنه بما يساوي كلمة: [الله] على حسب اللغة، لغته.
{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية22) كلمة أنداداً: مماثلين أو أشياء أخرى سواء بشكل آلهة أو حتى طاعة أشخاص، أحياناً قد يجعل الناس لله أنداداً من طواغيتهم، أو تجعل هواك أنت نداً لله, أي عندما تصبح أنت تطيعه وتعصي الله، تستجيب له ولا تستجيب لله، تؤمن به وتتعامل مع الله وكأنك كافر به ألم تجعله وكأنه إله؟ {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}(الفرقان: من الآية43) الإنسان هنا أعني: في العبارة هذه مثلما تقول: عبارة سخرية أو عبارة استنكار {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً} إذا كان العربي الأول، أو الإنسان الأول مثلاً يعمل أنداداً أحجاراً أو أشجاراً هي قضية قد تصدق على غيرهم ممن يجعلون آخرين من البشر أنفسهم أنداداً لله. الناس مثلاً الحكام الذين ينظرون إلى رئيس أمريكا فيخافونه ولا يخافون الله، يطيعونه فيما هو معصية لله أليسوا قد جعلوه نداً، جعلوا منه إله؟ وهذه نفسها ذكر في القرآن ما يؤكدها في موضوع الشيطان نفسه، إن الله سمى البشر الذين يمشون على وساوس الشيطان, ويتبعون خطوات الشيطان سماهم عابدين له {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}(يّـس:60).
لا يكون فقط في ذهنيتنا أنداداً أولئك الأولين الذين كان معهم أصنام، يمكن أصناما من البشر! وقد تخافه أكثر مما تخاف ذلك الصنم الحجر وقد تكون تخضع له وتطيعه وذهنك متوجه إليه بخوف ورغبة ناسيا لله سبحانه وتعالى هنا كأنك تجعله نداً لله، كأنك تجله مماثلاً لله فتعطيه ما هو لله وما هو مختص به. ولأن المسألة أنه لا يوجد شيء في الواقع ما يمكن أن يكون نداً لله على الإطلاق، لكن أنتم تجعلون! يقول للناس: فلا تجعلوا. أنت الذي تأتي إلى شيء آخر فتجعله في تعاملك معه في رغبتك إليه ورهبتك منه وطاعتك له بالشكل الذي وكأنه ند لله أي: جعلت له من نفسك، عبّدت له نفسك وتوجهت إليه أنت بالشيء الذي كان يجب أن يكون لله أي قد جعلته أنت وكأنه مماثل لله، وند لله، وهذه تصدق في القضية التي هي تعتبر خارج خط الله، خارج صراط الله المستقيم، الإنسان عندما يكون خارجاً عن صراط الله المستقيم يكون معرضاً فعلاً للحالة هذه: أن يجعل لله أنداداً سواء هواه أو أشخاصاً آخرين أو كيفما كان.
أما أن يكون الناس على صراط الله المستقيم فعندما نطيع أحدا وهو يهدينا إلى الله فان المسألة كلها: نحن وهو في اتجاه لماذا؟ لطاعة الله {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(النساء: من الآية80) هل هنا كانت هذه المسألة سواء بالنسبة للشيطان أنه من يطع الشيطان فقد أطاع الله؟! لا، لأن الشيطان خط آخر وطريق أخرى.حسناً الشيطان أليس شيئاً غير الله؟ ومحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) أيضاً شيء آخر غير الله معلوم، لكن لماذا كانت هذه طريقة يمكن وأنت عليها تجعل الآخرين أنداداً لله، وتكون في نفس الوقت ضالاً ويكون مصيرك جهنم؟ لأنه خط آخر، أما هذا الخط وفيه أنبياء الله سبحانه وتعالى وفيه أولياؤه عندما نسير في خطهم عندما نسير بعدهم عندما نتبعهم إنما هو في السياق أوفي المسار هذا في مسار ماذا؟ صراط الله، طاعة الله، إتباعا لله واهتداء بهدي الله…. إلى آخره.
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ}(البقرة: من الآية23) هناك تحدث عن الريب في البداية {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ}(البقرة: من الآية2) إذاً هذا أسلوب من الأساليب، أول شيء قدم أنه لا يوجد ريب في هذا القرآن فقط {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} أعني: هذا أسلوب فيه فارق من ناحية التأثير على من تخاطبه، لو تأتي العبارة من أولها ما قد قدم نفي من الريب لاختلف التأثير عن أسلوب {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} ثم يذكر بعد فيقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} لكان الفارق فيما يتعلق بالتأثير ليس على هذا النحو أعني: لو جاء من البداية يقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} من ناحية التأثير في النفس يختلف فعلاً أعني: لن يصل إلى مستوى التأثير الذي يتركه الأسلوب القرآني؛ لأنه أول شيء يبرهن على أن هذا الكتاب لا ريب فيه، ثم يقول: إذا عندكم ريب فهناك الطريق: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} ريب يعني: تشكك وتردد واضطراب [من عند الله وأحياناً كأنه ليس من عند الله، هل هو من عند الله، أو ليس من عند الله] تردد في الموضوع.
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}(البقرة: من الآية23) أليس هنا يبرهن بالنسبة للقرآن أنه من عنده منزل على عبده رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}(البقرة:24) هذا – عادة – يقدم بأنه – يقولون – تحدي، أليسوا يستخدمون الأسلوب هذا؟: تحدي! لا، العبارة ليست بالشكل هذا، هذه تراها ما تزال في إطار هذا الأسلوب الرقيق اللطيف من عند {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} إلى آخر الآيات ثم قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} هذا أسلوب مهم جداً، ليست المسألة مسألة تحدي، بل العبارة نفسها ما هي لائقة – على حسب ما أفهم – ليست لائقة: [الله يتحدى!] هي أسلوب من الله سبحانه وتعالى هو توجيه وهداية وتبيين ليس تحديا لأطراف وكأنها أطراف تعتبر مماثلة أو مكافئة أو….! الكل عبيد له الكل خاضعون له ليس أحد منهم في مقام أن يتحداه، ما أحد من مخلوقات الله في مقام أن يتحداه الله فيقال: تحداه! أنت إنما تتحدى الأقران، التحدي إنما يكون للأقران وللأ كفاء، لا يكون التحدي لمن هم ليسوا أقران ولا أكفاء… بل هم عبيد خاضعون له ولا أحد منهم يعجزه.
هذه فيها معالجة من الناحية التربوية – إذا صحت العبارة – من الناحية التثقيفية، فيها معالجة؛ ولهذا هنا قال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} إذا كان هناك أي ريب فارجعوا إلى هذا الكتاب مما نزلناه فأتوا بسورة. عندما يقول لك: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} أليس الشيء الطبيعي بأنك سترجع إلى هذا القرآن تقلبه وتتأمل فيه وتلاحظ كيف أساليبه وتطلع عليه من أجل أن تعرف كيف تأتي بسورة؟ لن تكمله إلا وقد أنت مؤمن به ولم يعد هناك ريب، حقيقة، لهذا في هذا المقام قال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} أليس هذا مطلب يبدو مطلبا سهلا قال: هات سورة واحدة.
الحالة هذه قد تحصل عند الناس خاصة في ذلك الزمن، في ذلك الزمن قد تحصل أعني عندما نقول: بأن القرآن الكريم جاء على أرقى درجات الفصاحة والبلاغة هذه ليست إيجابية بنسبة 100% بالنسبة لواقع الناس لأن الناس الذين يكون عندهم: [نحن في لغتنا فينا فطاحلة في مجال الفصاحة والبلاغة] هنا يقدِّر بأنه ربما قد يكون هذا نفسه إنما هو إنتاج شخص! ولو هو على مستوى عالي من الفصاحة؛ لأنه أحياناً موضوع الفصاحة والبلاغة لا يعرف بأنه على أرقى مستوى إلا من هم ممارسون لها هم أعني: أدباء في اللغة مثلاً شعراء أو ناس معايشون للغة ولأساليب اللغة: خطباء مثلاً وشعراء هؤلاء الذين قد يلمسون فعلاً بأنه فوق؛ لأنهم يعرفون – تقريباً – حدود البلاغة على حسب معرفتهم، لكن بالنسبة للجماهير أو للعامة الذين يسمعون منهم، وهم في مجتمع فيه الخطب الراقية والقصائد الراقية أعني: مجتمع فصاحة وبلاغة أليس هكذا؟ أليس قد يحصل معه ارتياب نوعا ما بأنه فعلاً هذا كلام فصيح وبليغ لكن ربما محمد كواحد من الفصحاء البلغاء؟.
حسناً إذا افترض أن هناك ريب في أنه: هل هو من عند الله أو بعضه أو من محمد أو….؟ فأتوا بسورة من مثله، اجعل لك مشروعا أنك تأتي بسورة مثله. مثلما قلنا سابقاً الشيء الطبيعي لمن يفكر بأن يعمل شيئاً مماثلاً لشيء أنه أولاً يطلع على ذلك الشيء ويعرفه أليس هكذا؟ عندما يقول: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} أليس المفترض أنهم سيعودون إلى القرآن الكريم يتصفحونه من أوله إلى آخره ويتفهمونه ويستمعونه على أساس يعرفون كيف الأساليب حتى يأتي بسورة مثله! القرآن سيبهره، القرآن سيجعله يؤمن ويقتنع ويقول: ما يمكن أبداً أعني: أنه سيتلمس فيه ما يجعله مؤمناً بدرجة عالية.
ليس الموضوع موضوع تحدي، هو موضوع توجيه تربوي. بل جاء مثل هذا بالنسبة للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}(يونس: من الآية94) ألم يقل هكذا لنبيه هو (صلوات الله عليه وعلى آله) {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}، {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} ستبحث وتخرج وأنت مقتنع ولن تبحث حتى تأتي بسورة ولا نصف سورة. من الناحية العملية فعلاً لا يستطيع أحد.
قالوا أن أربعة أشخاص في أيام الإمام [جعفر الصادق]، (ابن المقفع)، وثلاثة أشخاص آخرين ما أذكرهم, اتفقوا وأتمروا فيما بينهم أن كل واحد يأتي بمثل سورة من القرآن ويلتقوا بعد فترة، التقوا بعد فترة وإذا كل واحد قد سحرته آية واحدة من الآيات، جلس محتاراً فيها متردداً في فهم بلاغتها انبهر جداً بأسلوبها الراقي وبلاغتها الراقية حتى انبهروا فلم يعد أحد منهم يفكر يعمل شيئاً نهائياً، رجعوا وهم منبهرون من القرآن نفسه. إحدى هذه الآيات {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(هود:44) بسرعة عرض مرحلة، عبَّر عن حادث كبير جداً بعبارات مختصرة، {وَقُضِيَ الْأَمْرُ}. الثاني جاء بآية، والثالث، والرابع، كل واحد جاء بآية وقال: جلس يفكر في هذه الآية بهرته واندهش نسي المشروع حقه الذي جاء لأجله!.
من الناحية العملية بالنسبة للناس هذا سلاح، سلاح مهم جداً أغفله المسلمون؛ لأنه نحن ننسى بأن الله هو أعلم منا! وهذه المشكلة وهذا من الغرائب، يترك القرآن هناك ويبرز هو هو! نسي هذا الموضوع! وهذا الموضوع تكرر في القرآن الكريم ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يستخدمه هو، هذا القرآن الله نفسه يوجه بهذا الأسلوب {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} عندما يأتي مثلاً آخرين يقولون لك: الأحكام الفلانية والتشريع الفلاني في الإسلام هو كذا وفيه كذا… قل له: يا أخي هذا من القرآن وهذا من عند الله اتفق أنت والله, لاحظ كتابه وابحث كيف تأتي بسورة من مثله.
هو يوجه الإنسان إذا كان عنده أي ريب، يوجهه – إذا عند الإنسان أي ريب – أنه يحاول أن يأتي بسورة. اتركه يرجع إلى القرآن، عندما تبرز أنت أحياناً قد ما تنفع أنت، بل ربما ما يتوفق الإنسان؛ لأنك عندما تبرز أنت في الأخير وعندك نوع من الشعور وكأنك أنت تستطيع أكثر من القرآن لن تتوفق، هذه قضية، ما توفق [المعتزلة]، حصل هذا الشعور تقريباً عندما ترى كتاباتهم [علم الكلام] الذي كان نتاجاً لتفكيرهم، يبدو فيه أن كل واحد يرى نفسه أنه هو هو يستطيع! والقرآن هناك على جنب!!.
الناس مثلاً لو يأتي تشكيك، مهما يأتي من جانب الآخرين تشكيك سواء في معتقدات معينة أو في أحكام معينة، فيما يتعلق بقضية المرأة، بالنسبة للمواريث، أو بالنسبة لأشياء أخرى بشرط أن يكون الإنسان عارفاً كيف القضية في القرآن نفسه، قل له: القرآن تناوله على هذا النحو، ونحن ملزمون بأن نطيع الله، وهذا الكتاب هو من عند الله – هو مؤمن بالله هو – إذا عندك ريب بأن هذا القرآن هو من عند الله فأت بسورة من مثله أنت أو أي واحد عنده ريب. حاول تدفعه إلى أنه يرجع للقرآن، لا أن تحاول أنك تبعد القرآن وتبرز أنت فيما بينك أنت وإياه، بل تحاول كيف تجرجره إلى القرآن. هذه واحدة من الوسائل كيف تجر الآخرين إلى القرآن، واتركه يرجع إلى القرآن سواء هو، أعني: في أي تأهيل لديه مثلاً: هو قانوني، أو اقتصادي، أو تربوي، أو فيلسوف، أو كيفما كان، بل تعتبر وضعيته أقرب إلى أنه يفهم أكثر من العامي منهم، فاتركه هو يرجع إلى القرآن.
عندما ترى العبارة هنا هل فيها شيء بالنسبة لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}(البقرة: من الآية23) فارجعوا إلى كذا….؟ بل قال لهم: أنتم فأتوا بسورة من مثله. هذا يسمى توجيها إلى قضية هي تعتبر حلاً يجرهم إلى القرآن ليتفهموه ولن يخرج أحد بعد القرآن وهو مرتاب إذا كان ينظر بموضوعية، بل بنظرة طبيعية لا يكون عنده من قبل قد صار عبارة عن شيطان ويدخل إلى القرآن وعنده أهداف سياسية معينة، عنده عداوات معينة أعني: عبارة عن شيطان يحاول…. هنا ممكن يخرج من القرآن فاضي؛ لأنه لا يمكن يستفيد منه! لكن إذا رجع الإنسان بموضوعية، بل بنظرة طبيعية، لا تحامل لديه، لا يوجد تحامل لديه، فلن يخرج من القرآن إلا وهو مصدق بهذا القرآن.
{وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(البقرة: من الآية23) جمعوا كل طاقاتكم وكل أوليائكم الذين تدعونهم وتعتبرونهم أنداداً لله وآلهة من دون الله، وهم أيضاً اجعلوهم يتحركون معكم. حسناً عندما يرجع إلى القرآن ونفسه أنه لا يستطيع لوحده، في نفس الوقت لفت ذهنه إلى الذين يعتبرهم لهم مكانة في نفسه، شهداء، يعني: أصناما آلهة مثلاً أنداداً كيفما كانوا، فشله في الموضوع هو: أن يخرج من القرآن وقد صار منبهراً بالقرآن، في نفس الوقت ينسف الآخرين. هذا يوجد فيه نوع تنبيه أو نوع لفت لنظره بأنه: [وجمِّع أصحابك كلهم أولئك الذين أنت تعتبر أنت وإياهم خطاً لوحدكم وأنداداً، جمعهم كلهم] إذاً أنت عندما تنبهر بهذا ألست ستتركهم كلهم؟.
أيضاً شيء آخر استفدناه هو: أنه لا يأتي في الموضوع وكأنه هو لوحده فقط فيخرج منه وما تزال القضية فيما يتعلق بالأصنام الأخرى قضية لوحدها. لا، في الذهنية أيضاً جمِّع أصحابك أولئك، سينظر أنه كيف يكلم الصنم مثلاً! افترض أنه ليس صنماً، ينظر شياطين إنس، أولياء له من الإنس، يتجمعوا مثلما تجمع الأربعة الذين كانوا في أيام [الإمام “الصادق] أربعة تجمعوا فيما بينهم وأتمروا وكل واحد رجع، أليس كل واحد عندما يتراجع ويعرف أنه ما استطاع سيكفر بقدرات الآخرين في الموضوع؟ لن تبقى لديه فكرة أنه عجزت لأنني وحدي فقط لو اجتمعت أنا وهذا وهذا وهذا يمكن نستطيع نعمل شيئاً. لا، عندما يخرج من القرآن بعد استعراضه سيرى بأنه قد انبهر من القرآن. وفعلاً إن القرآن فوق طاقات المخلوقين جميعا بما فيهم هذا وهذا وهذا، الذين يمكن أن يتآمر هو وإياهم على أن يأتوا بسورة من مثل القرآن.
{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في أنه محط ريب أو صادقين في أن هؤلاء شهداء من عند الله. عادة الإنسان يوجد عنده حالة في نفسه هو يعتبر نفسه صادقا فيها وإذا كان مرتابا أليس الارتياب يعكس حالة لديه مجمل الحالة هذه التي لديه أن هذا محط ارتياب، إذا أنت صادق بأنه محط ارتياب، أو أنت صادق بأن أولئك شهداء، أو كيفما كان الموضوع تقوم بالمهمة هذه.
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} من البداية يقنعهم أيضاً هذه تساعد إذا ما يزال هناك في النفس بواعث معينة أنه {وَلَنْ تَفْعَلُوا} هو قد أخبر من البداية: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} أي لن تستطيعوا أن تفعلوا هذه، أن تأتوا بسورة من مثله. إذاً هذه أحياناً يكون لها قيمة فيما يسمى بالاحتراس، أسلوب الاحتراس لأنه قد يقول بعضهم – هي جاءت من بعد في تفريعات علمية – بأنه عندما ينهى عن شيء أي أنه ممكن فعله. هنا قد قال: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} بمعنى: أن هذه فرضية ليست قضية واقعية يمكن أن يفعلها الإنسان. ما المعنى أنهم هم يستطيعون، وإنما نهوا عن ذلك أو أنهم قد يستطيعون عندما يدعوهم إليه، لا، هذه هي تعني: عبارة احتراس {وَلَنْ تَفْعَلُوا} أي: لن تقوموا بالمهمة هذه ولن تستطيعوا أن تأتوا بسورة من مثله؛ ولهذا يقولون في الآيات التي فيها مثلاً خطاب للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(الزمر: من الآية65) يقولون: أنه لم ينهاه عن هذه إلا على أساس أنه ممكن أن يحصل منه، ممكن أن يحصل منه، يعني: هذا تفريع آخر وإلا فهي ليست قضية حقيقية لكن التفريعات التي جاءت بعد الخوض في أساليب الإستدلال والتعامل مع النصوص، مع الأدلة، ومع المنطق، وفي الأخير تطلع هذه الأشياء!.
ولهذا يأتون إلى تقييم كثير من الآيات التي هي موجهة إلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فيقولون: فقط هو يخاطب والمقصود الآخرين لأنه هو لا يمكن أن يحصل منه هذا الشيء فعندما يخاطب بها هو فليس هو المعني بهذا إنما الآخرين! مثلاً عندما يقول: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(الأنعام:15) قالوا هذه ما معناها بأنه خطاب له هو بأنه قد يعصي وإنما خطاب موجه للآخرين بأن يعرفوا أن من حصلت منه المعصية وإن كان كمثل هذا أنه سيؤاخذ.
وفيها أيضاً فضح بأنهم لن يفعلوا، لن يأتوا بسورة على الإطلاق، لا يستطيع أحد أن يأتي بسورة على الإطلاق. حسناً الجانب البلاغي مثلاً بالنسبة للقرآن الكريم عادة البلاغة: هي قضية مرتبطة بالمعنى، مرتبطة بعظم المعاني، قيمة المعاني، سعتها، واقعيتها، ليست قضية مجرد لفظ، مجرد اختيار عبارات فقط. قد تسمى فصاحة فيما يتعلق بالكلمات، تأتي كلمات فصيحة وترص رصا جميلا من الناحية الفنية لكن في أن تسمى بليغة البلاغة عادة مرتبطة بالمعنى بعد ماذا؟ بعد الجانب الفني فيما يتعلق بالمفردات لكونها فصيحة. إذاً فيما يتعلق بالذوق، الذوق الفني عندما تسمع قصيدة معينة قد ترى أبيات معينة بيتين أو ثلاثة بليغة أعني: من الناحية الفنية رصت بشكل جميل تتذوقها، لكن ما القضية تنتهي إلى هذا بالنسبة للقرآن الكريم، فمثلاً سورة من أقصر سوره وراءها معاني هامة جداً وراءها واقع تحكي عنه، يأتي الزمن تتعاقب القرون فتتسع معاني السورة هذه، مثل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}(الكوثر:1-3) أليست ثلاث آيات مع البسملة؟ من الناحية الفنية نسميه التذوق، التذوق للعبارات، قد تحصل عبارات أخرى مثلاً في قصيدة تراها جميلة لكن هل يقال لكون هذه جميلة أنه يعجبني أن أسمعها كما أسمع {إنا أعطيناك الكوثر}؟ إذاً قد جاء بمثله! لا، إفهم أن البلاغة هي مرتبطة بالمعاني في عظمها، قيمتها، واقعيتها، سعتها. بلاغة القرآن وإعجازه هو من هذه الناحية ليس من ناحية أنه قد جاء بكلام جميل، إذاً وآخرين يستطيعون أن يأتوا بكلام جميل.
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ}(البقرة: من الآية24) من يخاطب بالعبارات هذه: {فَاتَّقُوا النَّارَ}؟ أليس الكلام يقدم من بدايته مع أناس هم يجعلون لله أنداداً وهم يعلمون؟ ويبدو لديهم ارتياب؟ هنا يذكرهم بالنار ويأتي بكلمة: {فَاتَّقُوا} لتعرف أنها عندما تتوجه كلمة: اتقوا إلى المشرك، إلى المؤمن، إلى النصراني، إلى اليهودي… أنك تلامس حالة لديه، هو إنسان يخاف من أي شر ومن أي ضر {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية24) لم يبق أمامكم إلا أن تقوا أنفسكم من هذه النار، أي: وراء الإرتياب في هذا القرآن، والإصرار على الحالة هذه من الإرتياب، تجعلك بعيداً عنه، وراءها نار.
إذاً أنت انطلق أترك الريب وانطلق في عبادة الله لا تجعل له أنداداً وانطلق بالتصديق بهذا القرآن, لا يبق لديك وبالإيمان به وبما تناوله لا يبق لديك أي ريب، وإلا فوراء المسألة جهنم {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}.
[تلاحظ هنا أسلوب التخويف بالنار التي هي موجودة أمامنا باستمرار ومن ضروريات حياتنا فهل تستطيع أن تضع يدك] في [مجمر] مليء بالنار؟ وكم الفرق بين أن تضع يدك في [مجمر] نار وبين أن تتحول هي إلى نار؟! وقودها الناس ووقودها حجارة، صخرات. هذا أليس شيئاً مخيفاً؟ أنت هنا تدفعه بشيء مخيف أكثر بأبلغ ما لديك من عبارة تجعله يتقي والإتقاء معناه: أن يترك ما هو عليه ويعود إلى هذه الطريقة التي هي طريقة القرآن الكريم وما دعاه الله إليه.
نستفيد من هذه الآيات بأن هذا أسلوب قرآني في دعوة الناس إلى توحيد الله وعبادته: التذكير بنعمه بهذه الطريقة المليئة باسم الله، قل: الله هو الذي جعل كذا، الله هو الذي خلقنا وهو سبحانه وتعالى الذي أعطانا كذا وهو هو الذي…. لا تذكر الأشياء مجردة لوحدها: [ابحث من الذي أعطاك كذا والذي أعطاك كذا والذي والذي و…..] فقط!، لازم تأتي باسم الله في الموضوع، تأتي بذكر الله في الموضوع.
حالة أخرى هذه أو قاعدة أخرى في مسألة الدفع بالناس إلى القرآن الكريم: استخدامه كسلاح أمام مرتابين أو مشككين اجعلهم هم يصطدموا به هم، قل لهم: أنا مقتنع أن هذا هو من عند الله، وأنا سائر عليه، هذا من عند الله، اذهب أنت، ارجع إلى القرآن، هناك، أمامك، هو يقول لك: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ}.
إذاً يوجد فارق بين هذا الأسلوب – حتى يظهر لك أنه أسلوب توجيهي – فئة أخرى من الناس، فئة الساخرين، السفهاء اللعابين، الذين يتقولون هكذا، يقولون: أنه افترى على الله، وأنه، وأنه! وهذا الكتاب مفترى على الله! قال لهم: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} ألم يقل عشر سور؟ يوجد فارق في الموضوع، عشر سور أفضح له أن يقال: عشر سور عندما يأتي يتخبط فجاء بسورة مضحكة، واحدة مضحكة، وواحدة مضحكة، أليس اثنتان أو ثلاث أكثر فضيحة له؟ إلى عشر أليست أكثر فضيحة؟ وأوضح في ماذا؟ في عجزه؛ لأنه قد يأتي بواحة منها قد يقولون: ربما هو ما زال في البداية متعلم، مازال… ربما لو أنه يفكر ويحاول لأتى بواحدة ثانية يمكن تكون أحسن!! قال له: هات عشر. هذا مقام سخرية منهم. لكن {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} هذا مقام توجيه تربوي، توجيه تعليمي {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} هناك: {فَأْتُوا بِعَشْرِ}(هود: من الآية13) لمن يقول؟ للمفترين، أعني: فئة من الناس. يجب أن نفهم أن القرآن الكريم لا يتحدث عن نوعية واحدة من البشر، الكافرون أنواع، المنافقون أنواع، المتقون أنواع، المؤمنون أنواع، وهكذا.
{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}(البقرة: من الآية25) يلاحظ واحد المواضيع المهمة: فضح المنافقين، ضرب الأمثلة السيئة بالنسبة لهم، الكلام مع من قد يكونون مرتابين، ألم تأت بطريقة الله سبحانه وتعالى تولاها؟ لأنها قضية فيها تعليم حتى للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فيجب أن نفهم بأن القرآن نفسه هو أيضاً وسيلة للنبي أن يهتدي به أن يهتدي به هو، ويعرف منهجية من خلال القرآن، ويعرف أساليب من خلال القرآن، ويعرف طرقاً من خلال القرآن؛ فيتطور أسلوبه هو ومعارفه هو، وتتنوع لديه الطرق فيعرف من خلال تقييمه للموضوع هنا، يوجد تقييم للبشر، ألم يبدأ يقيِّم المتقين والكافرين والمنافقين؟ ثم هنا جاء بما يعتبر طرقاً ومناهج وأساليب في خطاب الآخرين، في محاولة جذب الآخرين إلى عبادة الله والدفع بهم إلى أن يطلعوا على القرآن الكريم ويتفهموا من خلاله {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} ما ظهر الموضوع – مثلاً – أمام المرتابين، أمام كذا أن النبي نفسه قال: كذا.. كذا، أو برز هو يقول: كذا.. كذا؛ لأن الكل ملائكة الله وأنبياء الله يكونون هم بحاجة إلى الإهتداء بكتبه.
عندما يصطفي من الملائكة رسلا ويصطفي من الناس رسلا، لا يوجد أحد يمكن أن يكون إلى درجة ما يحتاج إلى الإهتداء بالله، والإهتداء بنفس المهمة التي هو يتحرك لأدائها، إهتداء بنفس الكتاب الذي هو يتحرك لتبليغه؛ لأن من عظمة كتب الله وبالذات القرآن الكريم: أنه لا يأتي عبارات تقرأ على الناس، بنود معينة: مادة واحد، مادة اثنين.. إلى آخره. هو في نفسه يربيك أنت ويربي الآخرين، يوجهك أنت، يقدم لك مناهج وأساليب وطرق و… أعني: واسع بشكل رهيب في مجال الطريقة التي أنت تسلكها لتعلم الناس ماذا هدى الله وشرع الله.
تشريعه واسع جداً، هدايته واسعة جداً، وأيضاً مع هذا نفسه يعلمك كيف المنهج والطريقة والأساليب التي تسلكها في عملك مع الناس، في عملك مع نفسك. ما قدم ككتاب عبارة عن قانون جاهز: مادة واحد، مادة اثنين، مادة.. إلى آخره. هذا يسمى ماذا؟ أسلوب جاف ليس له قيمة، أسلوب ناشف ليس له أثر في النفوس ولا احترام ولا تقدير! القوانين لولا أنه يأتي بعدها [سوط] لما كانت أشياء محترمة عند الناس، القوانين التي يصيغها الناس لا تكون محترمة – تقريباً – عند الذين يقومون بصياغتها!.
كثيراً ما يأتي في القرآن الكريم هذا الأسلوب: متى ما تحدث عن عقوبة للكافرين، أو المنافقين، أو العاصين يأتي بالبشارة للمؤمنين، والعكس: متى ما تحدث عن مؤمنين وما وعدوا به، والمتقين وما وعدوا به، يأتي بالحديث عن الجانب الآخر. فهذه مهمة جداً من الناحية التربوية ومن ناحية خطاب الناس، يقدم الموضوعين: يتحدث عما وعد الله به المؤمنين الفوز الذي يمكن أن يصلوا إليه، والفلاح الذي يصلون إليه، والجنة، وما وعدهم به في الدنيا وفي الآخرة بشكل عام، ويلاحظ الجانب الآخر العاصين كيف يكونون؛ لأن هذا نفسه يساعد على ترسيخ الحالة الأولى، يساعد على ترسيخ الحالة الأولى لديك من خلال المقارنة الذهنية بين القضيتين.
{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ}(البقرة: من الآية25) لاحظ هنا يقول: وعملوا الصالحات، وعملوا الصالحات، تتكرر كثيراً في القرآن: عملوا الصالحات. هذه مهمة جداً أن يترسخ في ذهنية الإنسان: أن الشيء الذي يهمه أن يبحث عن عمل صالح وليس قضية أنه: هل قد وجب أو ما وجب؟! هذا موضوع آخر؛ لأن الإنسان المؤمن يجب أن يكون عنده هذه الحالة: أن ينطلق على أساس أن هذا الشيء عمل صالح، لا أن يذهب ليسأل: هل قد وجب علينا أو لم يجب؟! الصحيح أن يسأل: هل هذا عمل صالح؟ لأن دائرة العمل الصالح واسعة جداً، دائرة واسعة جداً، وكثير منها يكون في متناولك. أحياناً عندما تسأل أولاً: هل قد وجب؟ قد يقول لك: لا، تحرم بسبب أنه قال لك: لا، فقعدت عن أعمال كثيرة هي أعمال صالحة، تعتبر خاسراً.
الترغيب هنا يأتي على مستوى عالي {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً}(البقرة: من الآية25) أنواع متعددة إلى درجة أن بعضها متشابه من كثرة الأصناف خاصة الفواكه بعضها تكون متشابهة – تقريباً – في النوع أو في الشكل أو في كذا…، ومختلفة في أشياء كثيرة، في ذوقها، وفي فوائدها {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}البقرة: من الآية25) هذا مما يعجب الإنسان كمخلوق، يعجبه الأشياء الماديات؛ ولهذا أن الله جعل الجنة أرقى الماديات التي يتصورها الإنسان، أرقى نعيم مادي: جنات تجري من تحتها الأنهار، ومساكن، أزواج، وخلود فيها… إلى آخره، أليس هذا يعتبر أرقى نعيم مادي؟ إذاً هنا لو نلحظ بأن الله سبحانه وتعالى – فيما يتعلق بهذه الدنيا – لو لم يقدم أشياء مرغبة في الدنيا هذه، من الناحية التربوية سيكون تقصيراً؛ لأنه يقول عن الإنسان بأن الإنسان – بطبيعته – يحب العاجلة، أن الإنسان يحب الخير هنا، هنا، الشيء الطبيعي أن يقول له: أنه حتى هنا في الدنيا، هنا في الدنيا عندما تستقيم، عندما تسير على الطريقة التي رسمها الله سبحانه وتعالى يحصل لك الخير، ويحصل لك البركة، وتحصل النعم، ويحصل، ويحصل، ويحصل… أشياء كثيرة من الماديات والمعنويات.
إذاً فمعنى هذا من الناحية المنهجية عندما نرغب الناس في طاعة الله، في عبادة الله، في الإستقامة على طريقه نرغب في الموضوعين؛ لأن هذا وارد في القرآن ورد في القرآن وهذا هو الشيء الطبيعي والشيء الصحيح فعلاً، كيف يمكن أن يقول عن الإنسان بأنه يحب الخير ويحب العاجل يريد شيئاً أمامه ثم يأتي هو ليقول لك تتحدث عن الجنة فقط على طول على طول! تحدث عن الجنة وتحدث عما يحصل في الدنيا وقدم للإنسان المسألة بأنها حياة واحدة بالنسبة له إنما هذه تعتبر لحظة من الحياة الأبدية لأن الإنسان من أول ما يخلق هو يخلق للأبد يخلق لحياة أبدية إنما يمر بمرحلة هذه حياة أولى بعدها يموت ثم يستأنف الحياة الأبدية التي لا انتهاء لها.
إذاً فالمسألة بالنسبة لك هي حياة واحدة، هي حياة واحدة بالنسبة لك، عندما تتحدث عن الجنة فقط على طول على طول والإنسان هنا هو يحب الخير ويحب العاجل وهو مرتبط أيضاً، مرتبط هو في تكوينه في هذه الحياة مرتبط بماديات هذه الحياة فمن الطبيعي من الناحية التربوية أن يكون هنا يعجل، يعجل للناس شيئاً بسبب استقامتهم بسبب ثباتهم وسيرهم على هدي الله وطريقه، أن يعجل لهم – وهذا حصل في القرآن الكريم بشكل واسع – أعني: أن القضية يجب أن تربط الناس تربطهم بأن سعادتهم في الدنيا في هذه الحياة متوقفة على أن يسيروا على هدي الله وإلا فستطلع النتيجة في الأخير نتيجة سلبية كبيرة، فسيعتبر الدين هذا ليس له قيمة هو مشغول؛ ولهذا ظهر في الناس أنه ما هناك اهتمام بأن يعملوا للدين هذا، لإعلاء كلمته لسيادة أحكامه لسيادة توجيهاته، لا يوجد هذا الإهتمام!! فمتى ما أراد أن يتحرك للدين فإنه يعتبره موضوعاً ثانوياً والحياة هنا وهو مرتبط بالحياة وشؤونه وأعماله وحاجاته ومعه عمل ومعه كذا.. وليس متفرغاً لك!.
هذا من نتائج أن الإنسان لم يقال له ولم يترسخ في ذهنيته هذا الأسلوب القرآني: أن حياتك هذه لا تستقيم, لا تستقر أبداً لا مادياً ولا معنوياً إلا عندما تكون تسير على هدي الله، أربط حياته بالدين؛ ليصبح الدين عنده بالشكل الذي يهتم به كما يهتم بالحياة نفسها لماذا – مثلاً – عندما نأتي إلى الكثير من الناس نقول له: دين الله، ونقول: نتعاون من أجل عمل ديني يعتبره عملاً هامشياً ثانوياً هو مشغول بأشياء أخرى من شؤونه!.
إذاً معنى هذا أنه عندما نجد هذه حالة موجودة عند الناس، وجود سلبية كبيرة تقعدهم عن العمل لدين الله يجب أن نركز على هذا الأسلوب، عندما نركز على هذا الأسلوب نحذر، نحذر أن نربط المسألة في ذهنية الإنسان مادية بحتة، شده إلى الله ومن الله، هذا أسلوب قرآني: [نحن إذا استقمنا على طريقة الله فالله هو…]؛ ولهذا جاء هذا الأسلوب في كلام نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً}(نوح:11) لا تقل للناس اعملوا كذا وستحصلون على كذا وتحصلون على كذا ويحصل لكم ويحصل لكم ويحصل… من العبارات هذه، هنا ستترسخ عنده ذهنية المصلحة، إذاً فممكن يأتي طرف آخر يقدم له: ويحصل، ويحصل، ويحصل… وينجرف إليه، لا. يجب أن نركز على هذه بأنه نستجيب لله، والله هو…. ولهذا قال: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}(نوح:12) لم يقل: يحصل لكم ماء، ويحصل لكم أولاد، ويحصل لكم جنات، ويحصل لكم، ويحصل… قال: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}.
هذا أسلوب هام جداً مراعاته: أن تذكر الناس بما يربط الدين بحياتهم، يربط حياتهم بالدين، وعلى هذا النحو؛ لتبقى الذهنية متجهة إلى الله، وأن كلما يحصل لهم إنما يحصل من جهة الله، ومن عند الله هنا ستربطهم بالله سبحانه وتعالى، فهم لن يكونوا عرضة لأن يجرفهم طرف آخر يقدم لهم خدمات ومشاريع ومصالح من الأشياء هذه، فيكون عندهم: إذاً فما دام المسألة أنه يحصل ويحصل فهذا سيعطي لنا فمع هذا! لا، تربطهم بالله وتقارن بين ما يقدمه الله سبحانه وتعالى للناس وبين ما يحصل عليه من الآخرين من ناحية تقديمه، الآخرون لا يقدمون لك شيئاً إلا وهم يريدون ثمنه منك شيئاً هو يضر بك أنت فيمكن يقدمون لك مصالح لكن هي في سبيل استعبادك أنت وإذلالك أنت وأن يأخذوا منك أنت أضعاف ما أعطوك، هل هذه موجودة عند الله سبحانه وتعالى أنه يعطيك ليأخذ منك أضعافاً؟ لا، بل العكس، الدين الذي نزله الله للناس هم بحاجة إليه لاستقامة حياتهم، ووعدهم بأن يعطيهم المزيد؛ ولهذا يَعِدُ بأضعاف مضاعفة لمن أنفقوا في سبيله لمن استقاموا على طريقته يعطيهم خيراً بأضعاف مضاعفة، والخير الكبير الذي لا ينتهي: الجنة، مع أن كان حاجتهم إلى هذا الدين في الدنيا هو يعتبر نعمة في حد ذاته، ومع هذا يعطيهم النعمة الكبيرة التي لا تنتهي أرقى نعيم وهي الجنة.
بعض المفسرين يقول: {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ}(البقرة: من الآية25) معناها أنه في الدنيا كان يأتي لنا عنب بهذا الشكل، وتين، وأشياء من هذه.
هذه قد تكون توحي بأن الإنسان يفهم أنه في الآخرة لن يكون شيئاً آخر هو، لأن المسألة بالنسبة لأي واحد منا كما لو استيقض الصباح تماما من على فراشه، هل أحد يستيقض في اليوم الثاني وقد صار شخصا آخر؟ إنه هو أنت، أنت، هم بمشاعرهم بأحاسيسهم بأذواقهم، هم تماما، مثل استيقاضك في اليوم الثاني من على الفراش، لا تظن بأنك يوم القيامة ستكون شخصا آخر.
{هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} أنا في الدنيا كان يعجبني [البلس] أنا في الدنيا كان يعجبني كذا أو ذلك مثل هذا بالنسبة لجنسه! لكن البعض يقولون: لا، القضية أنه تقدم لهم فواكه متعددة وبعضها تبدو متشابهة يقول: أليس هذا مثل الذي قدم لنا الآن في الصحون والصحاف قبل قليل؟ {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً}(البقرة: من الآية25) قد تكون هذه هي أقرب، لكن مهما يكن الأمر، هنا يشخص لك الإنسان بأنه ما زال بمشاعره كإنسان هوهو ليس أنه قد تحول شيئاً آخر، فيتصور أنه قد تحول إلى مخلوق آخر، أو شيئاً آخر، أنت، أنت، وأنت في جهنم تصيح، أو في الجنة تتنعم مثلما يسحبوك الآن إلى واحدة منها تماما، لا يوجد فارق.
{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً}(البقرة:26) لأنه في مجال الهداية للناس يحتاج الإنسان إلى أشياء كثيرة، في مجال التبيين له وتقريب القضايا إلى فهمه، فالأمثلة أحياناً تكون تجسيداً للمعاني لتقربها إلى فهمك حتى لو كانت المسألة مثلاً فيها ضرب مثل ببعوضة أو بفراشة أو ذبابة أو أي شيء من هذه، هذه لها قيمة من الناحية العلمية من ناحية التبيين بالنسبة لك.
الله سبحانه وتعالى هو من يريد لعباده الهداية، ويبين لهم على أرقى وسيلة، لا يستحي أن يضرب مثلاً في سبيل أن يهتدوا، أن يبين لهم الأشياء ويقرب إلى أذهانهم ما يفهمون به مبادئ معينه، أو قيم معينه، المهم في مجال الاهتداء لا يستحي أن يضرب مثلاً بعوضة أو أي شيء من الأشياء الأخرى، المؤمنون يعرفون: أن هذا حق من الله، ولهذا قيمته، له قيمته، الآخرون يكونون مشغولين بأنه ماذا يعني أن يضرب بفراشة أو يضرب ببعوضة، أو ذبابة أو…؟! ما هي الفائدة في أن يضرب لك مثلاً به! ما هي الفائدة منها أو ما هي قيمتها؟ هذا يسمى ضلالا، هو سماهم ضالين {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً} ينشغل بأنه ماذا يعني، ما قيمة أن يتحدث عن ذبابة! أو الله أعلى من أن يذكر ذبابة! أو الله أعلى وأعظم من أن يذكر بعوضة، فيكون هو منشغلاً بالفكرة هذه وناسي الإستفادة من المثل وبما يهدي إليه المثل.
يستفيد الإنسان من هذا: بأن يكون عنده حرص، حرص على أنه يستفيد ويعرف حتى في تأملاته, يتأمل في النملة, في الذبابة, في أي شيء، لا يكن عندك أنك لست محتاجا إلى أنك تستفيد من النملة, أو تستفيد من الذبابة أو من البعوضة، أحياناً لو لم يكن إلا من أجل أن تعرف ذكاءها مثلاً، ذكاءها وطريقتها, عندما يكون البعوض هذا نفس البعوض يظهر ذكيا يعرف أين هو ويعرف أين أنت وهو يتصيد لك, هو يأتي يتصيد لك وأنت أكبر منه حقيقة! لاحظ إذا أنت مثلاً في السطح في مكان خارج هو عارف أنك عندما تحرك يدك لضربه أنك لا تستطيع اللحاق به يحاول من قريب يريد أن يلدغك وبإلحاح! إذا أنت في غرفة فإنه يكون حذراً جداً؛ لأنه عارف فيحاول يترقب غفلاتك! إذا أنت تقرأ في كتاب وتمسكه بيديك يلدغك في ظهر الكف، وإن كان الكتاب على طاولة أو على فخذيك أو على أي شيء يترقب غفلاتك! في حالة الهواء الطلق إذا أنت خارج يحاول يهاجمك وهو منتبه لك؛ لأنه عارف هناك لن تقوم تبحث عنه، لكن وهو في الغرفة يرى جدران مغلقة والطياق مغلقة تراه حذراً جداً تراه أحياناً يطير على مستوى القاع ويكتم صوته!.
إذاً هنا أنت ستراه مخلوقا يتصيد لك أليست هذه واحدة؟ الذي يقول: البعوضة! ماذا يعني بعوضة؟! البعوضة هذه هي تراك أصغر منها، إذاً هذه البعوضة تبحث عنك تريد أن تمص دمك، تتصيد لك كما تتصيد أنت لأرنبة أو لحمامة أو لأي شيء، أليس عندها طمع كبير, وعندها نظرة كبيرة؟ رجل كبير تتصيد له تريد أن تمص دمه وهم يقولون: {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً} يعني، ما هي قيمة بعوضة؟! تراها فيها ذكاء وتعرف من خلال هذا بأنه مخلوق على هذا النحو كيف هدي إلى أن يعرف محيطه ويعرف ما حوله ويعرف متى يهاجمك، إنه يدري إذا أنت تريد أبعاد الكتاب وتريد تراقبه يعرف أنك تراقبه فعلاً، تتجه إتجاهاً آخر، ينتبه أنك مراقب له، القضية هذه مجربة.
الإنسان يحتاج إلى أنه يستفيد من كل شيء، لاحظ نبي الله سليمان وهو نبي بعد ما سمع كلام النملة ظهر في مظهر من الخضوع بشكل عجيب، ألم يقل: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}(النمل:19).
النملة هذه استفاد من كلامها تذكيراً بنعمة عظيمة عليه، كيف أن النملة نفسها عندما قالت: {لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}(النمل: من الآية18) يعني: أنها عارفة أن سليمان عادل وليس بإمكانه أن يدوس على نملة متعمداً ولا أحد من جنوده، إذاً هو في نعمة كبيرة جداً أنه حتى الحيوانات الصغيرة تعرف عدالته. جاء بالعبارة هذه الهامة في الخضوع لله. أليست هذه نملة أفادته بشكل عجيب؟ إذاً فلا يظن الواحد منا أنه أذكى أو أعلى من أن يستفيد من نملة أو بعوضة أو أي شيء، معنى هذا كبرياء وغرور.
{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}(البقرة: من الآية26) فكيف تستحي أنت وأنت الإنسان القاصر من أن تستفيد من أي شيء من مخلوقاته هذه الصغيرة، وأن تتأمل فيها، تستفيد معرفة، وأنه هكذا المؤمن يكون حريصا جداً على ما يزيده هدى وإيماناً ومعرفة و… بينما الكافر هناك غرور، تعجرف يناقش أنه: لماذا تضرب بعوضة أو ذبابة أو عنكبوت؟ كل هذه ذكرت في القرآن: عنكبوت، وذبابه، وبعوضة.
{يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}(البقرة: من الآية26) يضل بهذه الطريقة أو يهدي بهذه الطريقة من خلال ضرب أمثلة في كتاب الله الكريم في جزء من كتابه {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} الخارجين عن طريقته يكونون عرضة للتضليل عرضة لأن يضلوا فعلاً يضيعوا ويبعدوا وفي نفس الوقت ستظهر سلوكياتهم فيما بعد على هذا النحو، وهم في الوقت أيضاً هم يكونون على هذا النحو عندما يذكر من صفاتهم بعد: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(البقرة:27).
في الأخير تلاحظ هنا بأنه هؤلاء الناس الذين يرون أنفسهم بأنهم تقريباً يترفعون من أن يضرب لهم مثلاً بعوضة أو عنكبوت أو ذبابة هل ما معنى هذا بأنهم أناس قمة في ماذا؟ في القيم وفي النزاهة وفي الطهارة وفي أنفسهم، هم واقعهم هكذا: هم سيئون، {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} أحياناً أنت تعتبر أحمق عندما تبدو على هذا النحو وأنت منحط في واقعك أي: عندما ترى طرفا مترفعا قد يبدو لديك بأن هذا الإنسان يبدو على مستوى عالي من الطهر والنزاهة والثقافة والمعرفة وأشياء من هذه فهو يترفع، لا، في الواقع قد يكون منحطاً. هؤلاء يقولون: {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً} وهم في واقعهم على هذا النحو: {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ}.
إذاً هم منحطون فهم في نفس الوقت من أحوج الناس إلى أن يهتدوا بأي شيء يقدم لهم، بأي مثل يضرب لهم ليهتدوا به، فلماذا الترفع إذاً! هل لأنهم هم ذوو قيمة في نفوسهم؟ هم هكذا: يفسدون في الأرض، وينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، أليس هؤلاء منحطين؟ أو أنهم مثلاً على معرفة عالية وثقافة عالية واستنارة واستبصار لا يحتاجون إلى هدى! هم بحاجة إلى هدى، {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
ثم تحدث الله عن الملائكة عما قالوا وكيف انتهت المسألة مع آدم وإبليس. هل الموضوع بالنسبة لله سبحانه وتعالى أنه يحتاج إلى استشارة أحد؟ لا، يستشيرهم، ما هو رأيكم نريد أن نجعل في الأرض خليفة؟! لا، لكن القضية يأتي من خلالها دروس بالنسبة للملائكة أنفسهم وبالنسبة لبني آدم أو بالنسبة للإنس والجن يعني: القضية هذه فيها دروس للملائكة والجن والإنس، فيها دروس، وفيها عبر، تعطي هدى للملائكة وللإنس وللجن.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}(البقرة: من الآية30) هذه تعني بأنه قد قدم إليهم – مثلاً – شرحاً عن حالة هذا الكائن الذي سيخلق في هذه الأرض ويستخلف في الأرض، فوجدوا مثلاً من خلال استعراض حياة هذا الإنسان على الأرض أنه يحصل هكذا: يحصل فساد في الأرض ويحصل سفك للدماء اندهشوا، هنا اندهشوا، حصل عندهم تساؤل: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}(البقرة: من الآية30) إذا كانت المسألة هي من هذا المخلوق الذي تريد أن تستخلفه في الأرض هو أن يقوم بتسبيح وتقديس وعبادة – هم في ذهنيتهم العبادة على النمط الذي يؤدونه – نحن نقوم بالمهمة هذه، وفينا كفاية، معنى كلامهم: وفينا كفاية {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}.
ربما أيضاً فيها شيء آخر يعني: إذا كنا نفهم بأنه أي مخلوق من مخلوقات الله يحتاج إلى هداية الله بما فيهم الملائكة والله أعلم في أي عصر حصلت هذه القصة قبل كم آلاف من السنين، كيف كان الملائكة، وكيف قد أصبحوا بعد في ترقيهم في ماذا؟ في اهتدائهم من خلال هذه القصة وغيرها. هذه القصة هي قديمة جداً وفي نفس الوقت يقول الإمام [القاسم بن إبراهيم]: ((بأن هذا القرآن يهتدي به الملائكة في السماء)) وكم بين القرآن في نزوله ووقوع القصة هذه خلق آدم هناك والحكاية هذه كلها. [قد يحصل من الملائكة كلام لا يتنافى] نوعاً ما مع الجلال والقدسية والعظمة هذا قد يحصل في تعبير الناس: [نحن نمدحك ونقول إنك وإنك وإنك وإنك] وهذا عندما يحصل من شخص مثلاً شيء يتنافى مع نظرتنا إليه ومع ماذا؟ ثنائنا عليه وتمجيدنا له ومدحنا له.
{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية30) يمكن أن نحملها على أساس أنه إذا نريد مثلاً نراعي جانب الملائكة نراعي جانبهم؛ لأنه ربما ما توحي العبارة بهذا الشكل عند الكل {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} معناها: نحن نقوم بالمهمة إذا كانت القضية هي ليعبدوك هذا الكائن الجديد الذي ستستخلفه في الأرض هو ليقوم بعبادة، هذه العبادة نحن نعبدك على أرقى مستوى نسبح بحمدك ونقدس لك {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}.
إذاً القصة هنا، عندما نأتي إلى مجمل القصة – ومجمل القصة تؤخذ من أكثر من موقع من القرآن الكريم من [سورة البقرة] ومن غيرها من السور من [سورة الأعراف] وفي غيرها – تلاحظ: الإنسان بحاجة، الملائكة بحاجة، الجن بحاجة إلى أن يؤمنوا بأن الله أعلم منهم، وأن يؤمنوا بان الله أحكم منهم، إيماناً يكونون دائما مستشعرين له دائما، دائماً، بالطبع أن الملائكة يؤمنون بأن الله هو العليم، هو الحكيم، أليسوا مؤمنين بهذا؟ لكن أحياناً يحصل من جهة المخلوقين؛ لأنهم ناقصون وقاصرون فعلاً،أحياناً أوفي مراحل، بل الإنسان في مراحل اهتدائه – هي مراحل يترقى فيها – أحياناً قد يحصل من جانبه ما يعتبر غير منسجم مع ما هو مؤمن به، إذا كانوا مؤمنين فعلاً، هم مؤمنون فعلاً بأن الله عليم وحكيم، فكان يجب أن إيمانهم هذا نفسه يشغلونه في نفس الوقت، انه يجب علينا: أن نسلِّم له؛ لأن الإيمان بان الله هو أعلم وهو أحكم يقتضي التسليم أمام ما يبدو وكأنه غريب أو يثير التعجب والإستغراب، هو أعلم منا وهو أحكم، فنحن سلمنا، فليستخلف ومقبول ولا اعتراض ولا تساؤل ونحن مسلِّمون. هنا هم نسيوا في داخل نفوسهم ما يقتضيه إيمانهم بأنه أعلم وأحكم من تسليم لا يحصل معه تساؤل على هذا النحو.
هذه فيها جانب بالنسبة للمستخلف: نوع ازدراء نوع احتقار بالنسبة للمستخلف نفسه هذا ما كان ينبغي أن يحصل؛ لأنهم يعلمون بأن الله قد قال بأنه سيستخلفه هو الذي قدم لهم صورة أو نبذة عن حياة هذا الكائن على هذه الأرض، إذاً فلأنه استخلفه هم مسلِّمون يعني: لا يحصل لديهم أي شعور بازدراء أو احتقار، هو جدير إذاً بالإستخلاف، معناها هكذا: هو استخلفه إذاً هو جدير بالإستخلاف.
ما الذي حصل بعد بالنسبة لهم؟ أمرهم أن يسجدوا لآدم يسجدوا لآدم نفسه هو! جاءت العبارة بصريح العبارة: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} يسجدون لآدم، حصل من جانبهم ما يتعلق بهذا المخلوق الذي قال بأنه سيستخلفه نوع، معنى العبارة هذه – كما نفهمها – : توحي بنوع ازدراء {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} ماذا تعني العبارة هذه بالنسبة للمستخلف؟ أليست تعني: أنه غير جدير بأن يستخلف يعني: ماذا؟ ازدراء واحتقار لهذا المستخلف! هذا هو ناتج عن ماذا؟ النسيان لما يقتضيه الإيمان في أعماق الإنسان من تسليم لا يكون معه تساؤل ولا هناك ازدراء، يقول: سلمنا هو الجدير بأن يستخلف آمنا ولا أي تساؤل.
لاحظ العبارة هنا؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يهدي {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} هل هاجمهم من أول يوم؟ هو يعلم {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}(الملك: من الآية14) هو يعلم بأن هؤلاء هم بحاجة إلى الإهتداء دائما، حصل عندهم حالة نسيان حصل لديهم اندهاش من موضوع معين أنساهم التسليم بما هم مؤمنون به، مع أنها قد تكون طبيعية عند المخلوقين، هذا شيء طبيعي عند المخلوقين وهم يترقون في ماذا؟ في الهداية {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} معناه تبدو العبارة ليست سهلة في الواقع {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} ليست عبارة سهلة لكن الله سبحانه وتعالى هو رحيم ما هاجمهم؛ لأنه شبه طبيعي أن يحصل من مخلوق آخر على هذا النحو فيندهش، لكن سيقدم المسألة لهم بأن يهتدوا من خلالها، وربما قد يكون الملائكة فيما بعد أصبحوا أكثر اهتداء وأكثر انتباها من بعد، أخذوا منها درساً هاماً.
لاحظ أحياناً الأشياء تقاس على أساس نظرتك أنت التي أحياناً تكون توجد كثيراً من العوائق وكثيراً من الإشكالات هذه الحالة، حتى أنه يكون الناس مثلاً في توجه واحد وهدف واحد، أحياناً تبدو قضية هذا استنكرها وذاك استغربها وذاك حاول يشرد منها، كلهم ينطلقون على أساس ماذا؟ وفق تقييمهم هم، نظرتهم هم عندما يكون عندهم: أن المسألة هو ليعبُد، ليقوم هذا المخلوق بعبادته؛ لأنهم يعرفون بأنه كل ما سوى الله هم عبيد لله, وكل ما سوى الله, كل مخلوقاته لها أدوار في عبادته يعني: كلها تعبده، العبادة عندهم ما هي؟ تسبيح تقديس ذكر لله صلوات أشياء من هذه، أليست هذه قد تكون العبادة لديهم؟ إذاً نحن نقوم بالعبادة هذه، قد لا يكون هناك مناسبة أنه من أجل هذا المخلوق يقوم بالعبادة، ومع هذا أيضاً يحصل فساد ويحصل سفك للدماء ويحصل.. ويحصل.. نحن ملايين نقوم بتسبيحك وتقديسك، أليسوا هنا ينظرون إلى العبادة وإلى الأدوار من خلال تقييمهم هم وفهمهم للعبادة؟.
{قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية30) للأدوار المتعددة والمهام المتعددة في موضوع العبودية لله؛ لأن العبودية لله سبحانه وتعالى كلها تنتهي على اختلاف أدوارها إلى الشهادة بكمال الله سبحانه وتعالى، كل عبودية الله لا تخرج عن هذا الموضوع، ارتباطه بالشهادة بكمال الله ووحدانيته وقدسيته وعظمته…. إلى آخره، كلها قد يكون دور الإنسان من الناحية العملية يكون في أدواره في الحياة هذه وهو يستخلف، يتجلى من خلال دوره هنا وسلوكياته هنا، وأعماله هنا: الشهادة بعظمة الله الشهادة بكمال الله الشهادة بوحدانيته؛ ولهذا الناس فعلاً يؤدون هذا الدور رغماً عنهم، مجمل البشر، الإنسان بالشكل العام، كلهم تنتهي المسألة: أنهم فعلاً المطيع منهم والعاصي الذي يعمل في هذا المجال وفي هذا المجال كل خلاصة الموضوع بالنسبة لهم: أنهم شاهدون على كمال الله ووحدانيته وعظمته.
لأنه طلع في الأخير أنهم قالوا: إذاً فعلاً الإنسان استخلف في الأرض أعني: ما قد يذكر بعض المفسرين: هو استخلف في الأرض إذاً سيبدو أن القيمة من وراء هذا الموضوع على الرغم من السلبيات الكثيرة جداً هو: أن هناك نماذج ستبدو طاهرة، ونماذج تبدو ملتزمة ومستقيمة، وأن هذه هي كلها الهدف والغاية من وراء الإستخلاف، وهذه إيجابيات تغطي باقي السلبيات كلها! لكن هذا الكلام أيضاً ما يزال ناقصاً حقيقة! لا، عندما تنظر للقضية بشكل آخر الإنسان من حيث هو: تجد أنه يقدم شهادة لله سبحانه وتعالى بكماله المطلق، الكل يعني: عندما تجد أنه يهدي هو يهديهم إلى طريقة معينة، الآخرون الذين خرجوا عن هدايته كيف حولوا الحياة وكيف تحولت حياتهم؟!.
هنا يتجلى لك جانب من ماذا؟ من السوء نتيجة أنهم لم يلتزموا بما هدى إليه الله يعني: شهدوا على ماذا؟ على إيجابية ما قدمه الله وعلى أن الإنسان لا يمكن أن يخرج عن السوء إلا إذا كان يسير على هدي الله، هم قدموا شهادة بكمال الله؛ لأنه عندما يكون يوجد يعني: على مستوى الناس – ولله المثل الأعلى – طبيب مثلاً معين يقول لك: هذا هو عبارة عن وصفة معينة تسير عليها على مدار سنتين، ثلاث، أنت إذا عدلت عن هذه الوصفة سيحصل لك كذا كذا، ما رضيت تلتزم، تذهب مثلاً تأكل [سمن وعسل ولحم] وأشياء من هذه وأنت فيك [سكر] يقدم لك وصفة معينة، حصل لك أشياء كثيرة هنا أنت تشهد على ماذا؟ على صحة رؤية هذا الطبيب نفسه وتشهد في نفس الوقت بخبرته من خلال ما وقعت فيه أنت.
إذاً ما من كانت إيجابية فعلاً لو أن الموضوع أنه: فعلاً يوجد سلبيات كثيرة هي: أكثر الناس لا يعقلون، لا يفهمون، ضالين، مفسدين،… إلى آخره، ويكون فقط الإيجابية التي تمثل غاية من وراء استخلاف الإنسان هنا في الدنيا هو: ذلك التيار المحدود داخل هؤلاء البشر الذي يعتبر رقماً محدوداً جداً بالنسبة للأعداد الأخرى الفاسدة إذاً هذه ما تعتبر في حد ذاتها يعني: في ما يتعلق بحكمة الله سبحانه وتعالى، وعلمه ما يمكن الإنسان يقدمها بأنها كافية، كافية كمبرر لماذا؟ لوجه الحكمة من الإستخلاف.
يقدم لك الحكمة مثلاً: [الإمامية] في مسألة الإستخلاف بأن هناك مثلاً محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وعلي والحسن والحسين وفاطمة الخمسة هؤلاء سهل أن يكون هناك سلبيات أخرى من قبل البشر كلهم القيمة هي هنا فيكفي هذا النموذج مع وجود بقية السلبيات! هذه ما تكفي،حقيقة، الإنسان له دور: اليابانيون يقومون بدور الأمريكيون الآن يقومون بدور الإنسان هو عبد لله رغماً عنه رغماً عنه وشاهد بكمال الله ووحدانيته رغماً عنه عندما تراه يضل هناك بسبب أنه عدل عن هدي الله، فهذا شاهد على أن الله هو يعلم السر في السماوات والأرض وأنه أعلم بخلقه وأعلم بما يهديهم وأنهم هكذا وقعوا في هذه الحالة السيئة بسبب أنهم لم يسيروا على هديه أليس هذا يعني: شهادة بكماله، شهادة بقيمة هديه، الذي يعني في الأخير: شهادة بكماله هو؟.
ما نأخذه من الآيات القرآنية الكريمة ما يعني كل شيء، القرآن بحر لا يدرك قعره الإمام علي يقول: ((القرآن بحر لا يدرك قعره)) ربما إنه يأتي واحد ينظر باعتبار آخر، إن هذا يعني: بأن الله سبحانه وتعالى هو مالك الأمر والنهي هو مالك الملائكة والإنس والجن والسماء والأرض وشؤونها فهو الذي له الأمر والنهي فيها. إذاً فالإنسان عندما استخلف، استخلف وقيل له من أول يوم: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}(طـه:123) يعني هنا أسكنهم في هذه الأرض وقال لهم: سيروا على ما يأتيكم مني من هدى أليست هذه؟ لذلك بدأت إشكالية في مسألة مثلاً سؤال الملائكة، سؤالهم هم ثم ما يقدم من تفصيل للقضية؛ لأنه لوحظ في الأخير فعلاً بالنسبة للإنسان كإنسان هذا جانب سلبي كبير جداً؛ لأن الكثير من الناس فاسقين إلى آخره.. بل أفسدوا الحياة وأفسدوا البر والبحر وأفسدوا كل شيء، لكن لو أننا عندما نأتي ننظر إلى المسألة باعتبار علاقتها بالله سبحانه وتعالى فهل القضية فعلاً كما يقول البعض؟ بأنه: سهل هذه السلبيات كلها ما دام سيظهر نماذج معينة من البشر يمثلون قيمة الهدى الإلهي، فيظهر نماذج طاهرة ونماذج متكاملة من الأنبياء والأولياء والصالحين: محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وعند [الإثنا عشرية] يقولون: الإثنا عشر: الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وفاطمة وعلي وباقي الإثنا عشر, يعني: هـذا يكفي – إذا كان سيأتي في الأرض وعلى طول الحياة هذا الإنسان الذي أعداده مليارات من البشر آلاف الملايين – هذه النماذج!.
حسناً والجانب هذا كيف يمكن نقول: أنه ما أمكن أن تبرز قيمة هدى الله إلا من خلال النماذج هذه فقط! أيضاً ذلك جانب آخر يشهد، هذه القضية هامة نحن قلنا هذا بالأمس أعتقد أنه يجب أن نلحظ الجانب الآخر أنه هو تشغيل للقرآن بأسلوب آخر يعني ماذا؟ يوضح لنا عظمة القرآن عندما نرى توجيهات هنا ونرى كيف واقع الذين لا يسيرون عليها انهم يشهدون بماذا؟ بقيمتها وأهميتها وواقعيتها، أليس أي واحد سيقول له في الأخير: ألم نقل لك: لأنك لا تسمع للدكتور عندما قال لك كذا، كذا، لاحظ ماذا حصل! يعني: هو يعتبر الأمراض التي حصلت له ومضاعفات المرض أنه بسبب مخالفته لوصفة الطبيب أنه ماذا؟ شاهد على إيجابية الوصفة نفسها. فمجمل دور الإنسان هنا مجمل دور الإنسان بكل ما هو عليه، إن كان على هدى فهو يجسد الهدى ويظهر قيمة الهدى، وإن كان مخالفا للهدى هو أيضاً يظهر الأثر السيئ لمن يخالف الهدى، فهو في نفس الوقت يبين عظمة هذا الكتاب.
لهذا ما هناك فشل في المسألة بالنسبة لله سبحانه وتعالى، لا نقول: إنه فشل، أو نحاول نلجم المسالة بحيث ما يظهر فيها وجه الحكمة بالشكل الذي يطمئن إليه الإنسان فعلاً، ويتناسب مع تقديسه لله وإجلاله لله، لا، الإنسان هذا نفسه، ذلك الشخص الذي يبدع، يبدع، هو عندما يبدع في صناعة معينة صناعات دقيقة جداً هو نفسه يشهد على عظمة وكمال من أبدعه هو، من أبدع ذلك المخلوق هو، فالشهادة لله سبحانه وتعالى، الشهادة الجملية من واقع البشر كلهم بكمال الله هي حاصلة، والناس هم الفاشلون هم، من خلال أعمالهم في الحياة هذه ولهذا قال: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الرعد: من الآية15) وبعض الآيات التي تقول بأن الكل هم خاضعون له، هم خاضعون.
عندما تقول: إذاً ما قيمة الإستخلاف إلا من أجل يظهر عدد محدود في تاريخ البشر فيكونون إيجابيين وطاهرين! ما أمكن أن تتم المسألة هذه إلا بوضعية يأتي من خلالها الملايين من الضالين والفاسدين؟.
هذه ما تعتبر مبرراً كافيا بالنسبة لنا نحن يتناسب مع إيماننا؛ لأن إيمانك بقدسية الله سبحانه وتعالى وإجلاله مفروض يكون بالشكل القاطع لديك، وما القضية بالنسبة لله لا يوجد موضوع ستحتاج إلى أنك تحاول تستر، هي محاولة ستار هذه، مثل الذين يعتبرون أبا بكر فيه نواقص وهم قد قدموه بعنوان كبير يحتاجون يغطون عليه ويتأولون له وأشياء من هذه. نقول: لا، الله استخلف هذا الإنسان والإنسان له دور فيما يتعلق بالشهادة بكمال الله، هو نفسه جانب عملي إذا كان دور الملائكة هو دور سلوكي فيما يتعلق بذكر وصلوات وأشياء من هذه، أليست كلها تسبيح وتقديس لله؟ التسبيح والتقديس لمن هو كامل في ذاته، من هو كامل في ذاته إذاً فعلى صعيد الواقع في صعيد الواقع، الممارسة العملية: شهادة واقعية من واقع الحياة، سيجعل خلفاء وسترى كيف أن كل شيء يشهد له كل شيء يشهد بكماله فيما هو عليه.
إذاً فالقضية معناها ماذا؟ دور عبادي من خلال يعني: الغاية هي غاية عبادية، في الأخير شهادة بكمال الله سبحانه وتعالى إنتهت القضية إلى شهادة بكمال الله كما الملائكة يشهدون بكماله من خلال تسبيح وتقديس هو كله دور عبادي في غايته فيما يؤدي إليه في الأخير ستجد بأنك فعلاً تسبيح الله وتقدسه ولهذا يأتي التسبيح لله حتى أحياناً في مواطن هي تبدو سلبية [ذا النون] ألم يسبح الله في بطن الحوت؟ هو نبي وسجنه في ذلك المكان أيضا انطلق يسبح الله، جاء التسبيح في مواقع كثيرة في القرآن الكريم التسبيح لله التسبيح التقديس الدائم المستمر لله سبحانه وتعالى، يجب أن يكون مسيطراً على مشاعر الإنسان، هذه القضية هامة في كل الحالات وقضية واقعية يعني: ما أنا سآتي مثلاً هو في الواقع سوء حصل من عندك وأقدسك أنت وهو حصل من عندك سوء التسبيح والتقديس هو ماذا؟ حالة ثناء في الواقع والثناء إنما تكون ماذا؟ لمن هو مستحق الثناء فعلاً يعني: لا يوجد في موضوع تسبيح الله وتقديسه أنك تسبحه وتقدسه على سيئة هي سيئة فعلاً من عنده، سوء من عنده! لا يحصل هذا، لا يحصل على الإطلاق.
عندما سبح [ذا النون] يعني: مثلاً أنا المسؤول عن هذا، أنت سبحانك أنت قدوس ما يمكن أن يأتي من عندك سوء ولا خطأ؛ لأنه هو هرب ما قد أذن له؛ سجن على هذا النحو، انطلق يسبح الله، ما انطلق يسبح نفسه في الأخير، يقول: لماذا أنا نبي وتسجنني وتحصل هذه بعد ما تعبت! أليس هذا تسبيح للذات؟ انطلق يسبح الله.
قضية الأمر بالسجود لآدم تجد فيها دروساً هامة جداً القصة وقصة الملائكة قصة يعني: بمجملها الملائكة والأمر بالسجود لآدم وما حصل لآدم مع إبليس هذا من أهم القصص.
{قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية30) {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}(البقرة: من الآية31) من خلال هذا سيتضح لهم اتضح لهم في الأخير: أن هناك مهمة معينة ودوراً آخر لهذا المخلوق لهذا الكائن له دور آخر. {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(البقرة:31) يقولون معناها: {صَادِقِينَ} يقول بعض المفسرين: معناها إنهم أولوا لنفوسهم، الملائكة: بأن الله لو خلق أحداً لن يخلق خلقاً أحسن منا ولن يخلق إلا خلقا يعصيه ويخلق خلقا مدري كيف…! قالوا إن معناها: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} بأن القضية على ما قلتم! وأنه من خلال الأسماء هذه ظهرت نماذج معينة من البشر يعتبرون راقين جداً! لهذا البعض يعتبرون أن الإنسان المؤمن هو أفضل من الملائكة، البعض من الفئات أعتقد أن [الإثنا عشرية] منهم في أن الإنسان المؤمن أفضل من الملائكة.
نحن هنا ما نعرف {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في ماذا، ما هي المشاعر الداخلية لديهم؟ لأنه أحياناً تكون القصة مختصرة. إذاً ما انطلق منهم هو يوحي برؤية لديهم يعتبرونها صادقه واقعية…. إذا كنتم على ما ترون أنتم وأن القضية على ما ترون أنتم فـ{أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ} ينكشف لهم في الأخير هذا: إنه فعلاً اتضح أننا ناقصون في رؤيتنا في معلوماتنا؛ ولهذا قالوا بعد: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}(البقرة: من الآية32) إذاً لاحظ كيف انتهت المسألة: أنه في موضوع هداية الله سبحانه وتعالى أشياء عجيبة، كان الخلل عندما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} فيما يتعلق بأنه عليم حكيم وفي ما كان يقتضي إيمانهم بأنه عليم حكيم من تسليم مطلق تأتي المسألة بالنسبة لهم إلى أن شهدوا بأنه {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} ألم ينتهوا إلى هذه؟ ترسخ لديهم مقتضى الإيمان بأنه: عليم حكيم. إذاً اعتبر بلطف الله ورحمته لهم انتهت القضية بالنسبة لهم مع الله وصلوا إلى التسليم بأنه: عليم حكيم وانتبهوا إلى ما كان يجب أن يكونوا عليه.
بقي الموضوع فيما يتعلق بآدم لأنه كانت القضية هي تتناول شيئين، تتناول: موضوع حكمة الله وعلمه، وتتناول موضوع ماذا؟ المستخلف آدم وبنيه القضية الإيمانية قدمت على أساس: أن الإيمان يكون إيماناً تستشعر ما يقتضيه من تسليم: أنا مؤمن بأن الله عليم حكيم، وقيمة إيمان من هذا النوع انه في الحالات التي تبدو فيها مندهشا شيء يدهشك تسلِّم، هي وقت التسليم وقت أن ترجع إلى مقتضى إيمانك بهذا الشيء، فإن نسي الإنسان ما هو مقتضى إيمانه… وهذه حاصلة لدينا, هذه حاصلة لدينا؛ ولهذا نقول: نستفيد منها نحن البشر: إن القضية هنا ظهرت هي حالة نسيان لمقتضى إيمان بأنه عليم حكيم نقلت القضية من أولها أنه هو الذي قال: لهم أنه سيستخلفه وفي مجمل القصة في مختلف مواقع القرآن الكريم قدم لهم القضية كاملة من عنده هو {إِنِّي جَاعِلٌ} ألم يقل هو جاعل؟ هم مؤمنون بأنه: عليم حكيم لكن حصل خلل بسبب نسيان مقتضى الإيمان الذي هو حاصل عندنا، هذا المشكلة الكبيرة يعني: مجمل أسماء الله الحسنى: هو عليم، حكيم، عالم الغيب والشهادة، وملك، إله، قدير،…. إلى آخر ما تعني أسماؤه الحسنى. تجدنا مسلِّمين بها إيماناً نحن مؤمنون بها لكن ما هو حاصل لدينا مقتضى هذا الإيمان إنطلاقة، إنطلاقة على أساس ما يقتضيه هذا الإيمان؛ فعندما يقول الله سبحانه وتعال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج: من الآية40) أليس كل واحد مؤمن: بأن الله قوي عزيز؟ لكن لا ينطلق على أساس ما يقتضيه إيمانه بأنه: قوي عزيز ناسي ما يقتضيه إيمانه! أنت مؤمن بأنه قوي عزيز يقتضي منك هذا الإيمان أن تنطلق لنصره؛ لأنه قد وعد أنه سينصر وأنت مؤمن بأنه قوي عزيز، إذاً مقتضى إيماني عملياً هو: أن أنطلق. هل هذه الإنطلاقة حاصلة؟ ليست حاصلة عند معظم المؤمنين بأنه: قوي عزيز.
إذاً هذه توحي بأنه قد يحصل عند الإنسان خلل كبير جداً من خلال نسيانه لمقتضى إيمانه في ما يقتضيه إيمانه من تسليم، من عمل، من ثقة، هذه هي عبرة لنا، يعني: فيها درس للناس، وهذه واحدة من المشاكل بالنسبة لنا بالنسبة لمن هم مؤمنون بالله وبكتابه ومؤمنون بأسمائه الحسنى: قوي، عزيز، عالم الغيب والشهادة، قاهر فوق عباده، على كل شيء قدير، وترانا لا نتعامل مع الله سبحانه وتعالى – تقريباً – ما هناك ثقة به كثقة الناس ببعضهم بعض تقريباً.
إذاً هذا هبوط كبير في موضوع ماذا؟ هل في موضوع: الإيمان بأنه قوي عزيز، أو في ما يقتضيه الإيمان بأنه: قوي عزيز؟ بمعنى: أن الإنسان لا بد أن يكون دائم التذكر، يذكِّر نفسه، يستشعر دائما مقتضى إيمانه؛ لأننا نقول: لا يوجد في دين الله – على حسب ما نفهم – أشياء إعتقادية بحتة، كلها إعتقادات تتحول إلى عمل، كل الدين عمل، كله عمل حتى توحيده هو في الأخير دفعة عملية في اتجاه معين، توحيد الله سبحانه وتعالى وهكذا، ما هناك أشياء إعتقاد لمجرد الاعتقاد حتى الإيمان باليوم الآخر، الإيمان باليوم الآخر أليست تعتبر قضية إيمانية يعتقدها؟ لكن لها أثر عملي هو: أنك هنا تلتزم؛ لأن هناك الآخرة قدمت بالشكل الذي يدفعك إلى الإلتزام هنا، الترغيب على أعلى مستوى, والتخويف على أعلى مستوى، الترغيب والتخويف هو ماذا؟ يعطي دفعة عملية هنا، إستقامة هنا ستنتهي الاعتقادات كلها إلى عمل.
{قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}(البقرة:32) عليم حكيم إذاً أسلوب من الناحية العملية قد تجد الإمام علياً (عليه السلام) طبقه تقريباً في [صفين]، في صفين حصلت الحالة هذه يعني: في موضوع القرآن هو قال لهم: أن الآخرين ليسوا بأهل القرآن عندما بدأ عرض المصاحف، عرضوا المصاحف وطالبوا بتحكيم كتاب الله! قال: هؤلاء ليسو بأهل كتاب، قالوا: أبداً لازم تجيبهم، لازم تحكيم ومحكمين قال: بشرط أن يحكموا بكتاب الله. كيف انتهت المسألة؟ بأن أولئك ليسوا بأهل كتاب أليست هكذا؟ ليسوا بأهل قرآن ولا لهم علاقة بالقرآن، ما هي انتهت إلى هذه؟ إذاً هذه انتهت المسالة هنا إلى ماذا؟ {سُبْحَانَكَ} قدسوا الله سبحانه وتعالى {لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} هم فهموا أنه ما يزال هناك أشياء أخرى هم يجهلونها في موضوع العبادة، في موضوع أدوار أخرى وعلى أساس العبادة كل العبادة تنتهي إلى ماذا؟ إلى الله سبحانه وتعالى، الشهادة بكماله بأنه: الملك، أنه القادر، أنه الإله، أنه العزيز، أنه الحكيم، أنه الخالق…. إلى آخر ما تعنيه أسماؤه الحسنى.
{قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}(البقرة: من الآية33) ما هم هنا جهلوا الموضوع؟ جهلوا الدور المنوط بهذا المستخلف {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} يعني: بأسماء هؤلاء، ما معناه أسماء الملائكة، هي أشياء قد تكون مثلاً من هذا العالم أي: أنه هو بحاجة عندما ينزل إلى الأرض يعرف أسماء يعرف كيف يتعامل معها، وقد يعرف ربما على أدوار أشياء منها، هذه أسمها كذا، وهذه تؤدي إلى كذا، وطريقتها كذا، ومهمتها كذا.. إلى آخره بمعنى: أن استخلاف الإنسان على هذه الأرض هي قضية مرتبطة بمظاهر الحياة هذه؛ ولهذا أن الله يقول في القرآن: {سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}(لقمان: من الآية20) استخلاف الإنسان على هذه الأرض داخل هذا البناء الذي يمثله في القرآن أشبه شيء ببيت، هذه الأرض مع السماء هذه، هذا المنزل الكبير، استخلافك فيه مرتبط بمحتوياته، ومن خلال تعاملك مع محتوياته وفق هديه سيظهر نمط من الحياة بشكل، راقي تعاملك مع محتويات هذه الأشياء ينتهي في الأخير إلى شهادة بكمال الله كيف ما كان التصرف، كيفما كان التصرف في الأرض ينتهي بالشهادة بكمال الله سبحانه وتعالى، ووحدانيته، وألوهيته.
إذاً فإذا كانت القضية هذه أن نفهمها، أو الشيء الذي ينبغي أن يفهم: أن استخلاف الإنسان في هذه الحياة ليقوم بدور، له غاية مرتبطة بمظاهر هذا المحيط الذي هو فيه، الأرض والسماء مرتبط به، ثم يأتي في الأخير تقديم للدين يفصله عن هذا كله تقريباً، ويأتي الدور معكوس، يعني: النظرة التي قد تكون حصلت عند الملائكة في موضوع الدور العبادي، مجرد تسبيح وتقديس وصلاة وصيام فقط هذه الأشياء! فيتصور هؤلاء: أن الله سخر هذه الأشياء كلها من أجل أنك تصلي وتسبح وهذه العبادات المعينة! لا، هذه عندما تنظر إليها هي قد تراها فقط نموذج مستخلص مما عليه الملائكة في هذا الجانب الآخر، الصلاة فيها ركوع وسجود وقيام وفيها تسبيح وتكبير أليس فيها نموذج، نبذة؟ الملائكة يقول عنهم الإمام علي (عليه السلام): بأنهم ((منهم سجود لا يركعون وركوع لا ينتصبون وصافون لا يتزايلون ومسبحون لا يسأمون)) {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} (الأنبياء:20) على طول!.
لو كانت المسألة هنا تستدعي تسخيراً من هذا النوع لكان الملائكة هم الذين يسخر لهم ما هو أوسع من هذا من أجل ذلك الدور الذي هم عليه، كونهم قيام لا يركعون وركوع لا يقومون وسجود لا ينهضون {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} أعطي الإنسان نبذة: الجانب العبادي على النحو الذي عليه الملائكة، أعطي خلاصة: قيام ركوع سجود تسبيح تكبير ذكر، تلك أليست عبارة عن خلاصة محدودة؟.
إذاً هذا الدور الواسع في تعامل الإنسان على أساس هدى الله مع مظاهر الحياة هذه من حوله بما يتجلى من خلال تعامله معها من شهادة بحكمة الله، بعلم الله، قدرة الله، تدبير الله، ألوهية الله، ملك الله… إلى آخره، موضوع واسع جدا جداً؛ ولهذا علّم آدم، ماذا عُلمِّ؟ هل علم [سبحان الله] أو علم أسماء أخرى؟ كما علم تسبيح وتقديس، علم قائمة من مظاهر هذا العالم الذي سينزل إليه، ألم يُعلَّم هذه؟ أو علموه الصلاة!؟ {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} هذه اسمها: شجرة، هذه الشجرة اسمها: كذا، هذا اسمه: جبل… على حسب اللغة، الله أعلم ما هي اللغة الأصلية؟ هل هي [السريانية] الأصلية أو ما هي؟ المهم قائمة بأسماء أشياء؛ لأنه سينزل وهو في نفس نمط حياة الإنسان الواسعة، الكيفية التي خلقه الله عليها كيفية واسعة حاجياته واسعة.
أيضاً عندما يعيش كمجتمع تظهر حاجياته أوسع، تراه كائنا إجتماعياً عندما يكون بشكل تجمعات، أمم أيضاً تظهر سعة في مجالات حياته بشكل أكبر من أن يعيش حالة فردية، هذه السعة كيف تتناول؟ ماذا تتناول السعة هذه؟ أليست تتناول مظاهر الحياة من حوله؟ تجد الحياة هذه واسعة هي في أصنافها، وهل تجد صنفاً ليس للإنسان علاقة به؟ بأي اعتبار كانت العلاقة، مثلاً عندما تظهر اختلاف الحيوانات، اختلاف جلودها واختلاف أصوافها، ما بالك الأشجار، كم فيها من أنواع مختلفة، وكم في كل شجرة من عناصر، الإنسان بحاجة إليها.
تلاحظ الحيوانات مثلاً في الصناعات الجلدية والملابس عندما تطور العلم في مجال واحد، في مجال الصناعات الجلدية وأشياء من هذه، كيف ظهر فوارق كبيرة لقيمة جلد [الثور] وجلد [التيس الصغير] وجلد [الكبش] كلها لها مواقع في تلبية حاجة للإنسان، في تلبية حاجة لديه، أصبح لها مواقع متعددة، الأصواف لها مواقع متعددة في تلبية حاجاته، الأشجار كذلك، وكلما اتسعت حياة الإنسان هي تتسع أين؟ في التعامل مع مظاهر هذه الحياة، كل ما تعامل مع صنف من أصناف هذه الحياة سيوجدها من أين؟ من خلق الله، هو أودع فيها هذا الشيء الذي هو يلبي حاجة لديه, كلما تعامل معها كلما تجلى من خلال تعامله ماذا؟ مظاهر لقدرة الله، لحكمة الله، لتدبيره، لألوهيته، لكل ما يعنيه الشهادة بكماله.
إذاً فهذا الموضوع بالنسبة للإنسان ما سخرت له السماوات والأرض من أجل ثلاث تسبيحات في ثلاث في ثلاث خمس مرات في اليوم، وهناك ملائكة ملان أطباق السماء مسبحين الليل والنهار لا يفترون! ذلك دور وهذا دور يقول: {سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} سخرها كلها من أجل تسبيح ثلاث مرات! لو كانت المسألة بهذا الشكل لسخر لمن يسبح الليل والنهار لا يفترون ما هو أعظم من هذا، ألم يكن المفروض أن يسخر لهم ما هو أوسع من هذا؟.
إذاً هذا جانب معين أن تكون مرتبطاً بالله بذكر الله، وتسير في تعاملك هنا على هذا الأساس، وأنت مستحضر، مستشعر لله، وكلما تعاملت مع مظاهر هذه الحياة كلما زادت معرفتك بالله وإيمانك به، وكلما اتسعت مجالات حياتك كلما اتسعت ماذا؟ معرفة الإنسان بالله؛ ولهذا تأتي أخبار وقصص لأشخاص ممن هم علماء في [الطب] و[الهندسة] وفي [الفلك] أو في أي مجال منهم يصلون إلى حالات من الإيمان بشكل عجيب، حالات عميقة من الإيمان بالله وبعضهم يسلم بآية واحدة.
يذكر واحد قصة عن مسيحي [باكستاني] أو [هندي] ما أذكره بالتحديد يراه العالم المسلم إنسانا في حالة خشوع وتوجه إلى الكنيسة أعني: يكاد أن يذوب قال له ماذا؟ ذكر له مظاهر من الحياة، قال المسلم: الله يقول في القرآن: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ}(فاطر:27) إلى آخر الآية. في الأخير قال: هذه في القرآن؟ قال: نعم، فأسلم، آمن بالقرآن وأسلم، بهذه الآية وحدها، قد هو معبأ إيماناً وخشوعاً من خلال تعامله مع مظاهر الحياة الواسعة.
ثم ترى في الأخير حتى جانب الدين نفسه إقامته حين تنظر إلى الدين مثلاً من جانب من جوانبه كقيم ومبادئ تستقيم عليها الحياة: منهج تربوي، منهج أخلاقي، الإستقامة في الدين مرتبطة بمظاهر هذه الحياة، عندما نأتي نحن بعد عقود من الزمن، بعد قرون ونحن نوعظ الإنسان يبتعد عن الدنيا هذه وعن الحياة هذه، ثم في الأخير نقول: هؤلاء الناس نريد نواجههم، وهم متجهون لمحاربة هذا الدين. [قالوا: نحن لا نستطيع هم معهم ومعهم، ومعهم…] إذاً تعال معي إلى أنه ماذا معهم؟ معهم من أين؟ من الحياة هذه، الآليات هذه التي تراها الآن تشغل الباطل إلى أن يصل إلى داخل مسجدك أو مدرستك ليفرض عليك ثقافة باطلة ومنهجا باطلاً حديد، أليست حديداً؟ حديد وبلاستيك وقطع وأشياء، كلها معادن، كلها حاجات من هنا من مظاهر الحياة هذه، أمكن أن تشغل الباطل وتجعل للباطل كلمة تقهر المسلمين إلى داخل مساجدهم وإلى داخل مدارسهم، تصل إلى أعماق أنفسهم. أليست هذه كل ما وراءها من مظاهر الحياة؟ لم يرضوا يفهموا بأن الله قال عندما أنزل كتبه: أنه أنزل حديداً عندما قال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}(الحديد: من الآية25) تحدث عن الحديد، تحدث عن مختلف الأشياء التي لها علاقة بإقامة الدين، تحدث عن الإنفاق، تحدث عن إعداد كل ما يستطيعون من قوة.
تجد الإنفاق مرتبط بالحياة هذه، أليس الإنفاق معناه أشياء ماديات من الأرض؟ إعداد القوة أليس معناها إعداد ماديات من الأرض؟ الحديد أليس معدنا من أكثر المعادن توفراً في الأرض؟ يقول: {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ} وعد من غاية إيجاده وإنزاله ويأتي بعبارة تساوي إنزال الكتاب: {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ}(البقرة: من الآية213) ألم يقل أنزل؟ وبعدها يقول: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} القرآن أو الكتاب استقامته مرتبط بماذا؟ بآليات من مظاهر هذه الحياة، منها الحديد، عندما ترى النصراني معه طائرة، حديد، أليست حديداً؟ معظم جسم الطائرة ومكوناتها حديد؟ معه دبابة معه مدفع معه، معه… إلى آخره، معه حديد لأنك أنت ما رضيت أنت تشغل الحديد ليشتغل لك الكتاب حتى تقيم الكتاب بالحديد.
يأتي ينصرف عن هذه الأشياء كلها، إذاً أثبت الواقع هذا الإرتباط: إرتباط إقامة الدين بمظاهر الحياة نفسها فوصلنا إلى المرحلة هذه، رأينا وبال أمرنا، أو نقول: عاقبة توجيهنا الخاطئ لانصراف الإنسان…. إما أن يأتي علماء ينشغلون بالموضوع الذي لا يعنيهم يطلعون لك عشرات أو مئات المجلدات في موضوع من مواضيع الدين واحد مثلاً في [الفقه] توسع فيه واختلاف وأقوال متعددة وكلام كثير فيه وناسين ما هو يعتبر أساسياً في إقامة الدين وما عُلِّمَه آدم من قبل أن يُعلم كتاباً {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} أليس هذا أول شيء قبل ربما أن يُعلَّم كتابا أو يعلم شيئاً يعلم أسماء هذه المظاهر هنا في الحياة.
فعندما تجد حياة الإنسان هو ككائن مخلوق وواسع تكوينه والكيفية التي هو عليها مرتبطة بمظاهر الحياة والدين نفسه مرتبط إقامته، ميدانه وإقامته، أخذه ورده، هي الحياة هذه، واقع الحياة، ومظاهر الحياة الإرتباط الكامل وفي الأخير، يأتي توجيه يفصل الإنسان عن هذا كله، وإذا بالدين لاشيء، وإذا بهذا الإنسان أصبح لاشيء، أمة ظهرت متخلفة جاهلة، تفتقر إلى كثير من مظاهر الحياة، لا توجد لها وليست متوفرة عندها، ودينها ضائع، في الأخير شغلوا مظاهر الحياة، ظهروا على الناس بباطل، وإذا الحق أضعفناه بضعفنا، أو برؤيتنا القاصرة التي لم تنطلق على أساس ولو معرفة هذه السطور حول هذه القصة لوحدها، لأن قصة آدم واستخلافه وكلام الملائكة وهذه القصة وحدها تكفي بأن تعطي رؤية تبين من خلالها أهمية دور الإنسان هنا، وأن دوره مرتبط بمظاهر هذه الحياة، ما معنى مظاهرها مجرد الزينة، بالأشياء المودعة فيها, بتربتها، بمعادنها، بمياهها بأجوائها، بسمائها، بشمسها، بكواكبها، وبكل ما فيها، بكل الطاقات الموجودة فيها {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}(البقرة:33).
هنا ينبهه على قضية هي موجودة أعني: لاحظ الأشياء التي ظهرت عند الملائكة، موجودة عند الناس، أعني: يقول لهم: أنا أعلم بما سيعمل الإنسان، هو يعلم غيب السماوات والأرض، فأنت تقول شيئاً وهو من البديهي أن يكون معلوماً لديه أعني: ما أنت تنبه الله على قضية هي غائبة عنه، أن تقول بأنه هذا المستخلف سيفسد في الأرض ويسفك الدماء!.
هذه تجدها أيضاً في تعامل الناس فيما بينهم من الأشياء الكثيرة المزهقة، بل هاجم القرآن الكريم هذا الأسلوب الذي كان يظهر من أصحاب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) معه يسألونه عن أشياء هي بديهية بالنسبة له يقول: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}(البقرة: من الآية33) كانوا يأتون يسألون رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}(الأنفال: من الآية1) أليست هذه واحدة منها؟ ما حكم الغنائم هذه وكيف ستعمل بأنفال الغنائم كيف ستعمل بها؟! أليست من القضايا البديهية لديه: أن يعرف كيف يعمل وكيف يتصرف فيها؟.
قضية أنه سيحصل من الإنسان فساد في الأرض وسفك دماء، من الذي أخبرهم بهذا من؟ أليس هو الله الذي شرح المسألة؟ بعد ذلك يقولون: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} نسيوا أنه يعلم الغيب والشهادة؛ فانطلق السؤال بالشكل الذي يبدو وكأنهم يذكِّرونه بقضية أو استفسار عن قضية هي من الأشياء المعلومة لديه معناه ماذا؟ نسيوا ما يقتضيه إيمانهم بأنه: عليم، بأنه عليم يعلم الغيب والشهادة، بل نسيوا أنه الذي علمهم هو أن الإنسان سيحصل منه هذه! هل هي قضية يمكن أن يعلموها هم من غير الله؟ نسيوا! لأن الله هو الذي مثلاً سيعطيهم نموذجا عن هذه الحياة، هذا الإنسان في الدنيا كيف سيحصل؟ ما المسألة على ما يقول البعض: أنه ربما عرفوا هذه من خلال أنه كان قبل الإنسان في الأرض مخلوق آخر لا أدري ما هي نوعيته [جان] أو غير الجن مخلوق آخر، وأنه حصل منهم سفك دماء، وحصل، وحصل، لكن القضية ما تؤدي إلى هذا، لكانوا قالوا: إحتمال أن يحصل كما حصل، أما هنا فقد عرفوا {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} خاصة وهم يعرفون عن هذا المستخلف نفسه هو سيحصل منه كذا، من أين هذه؟ من خلال أن الله أطلعهم على هذا.
هذا يحتاجه الإنسان في عمله، وربما القرآن الكريم أعني: في أكثر من مقام فعلاً عرض ما حصل من الملائكة على هذا النحو، ثم عرض أيضاً بالنسبة للناس في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ومن بعده ما كان يحصل من عند مؤمنين من تساؤلات مع النبي عن قضايا هي بديهية عنده، أو تساؤلات عن أشياء هي لا تعتبر ذات أهمية، لو كانت ذات أهمية لأطلعهم هو {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}(البقرة: من الآية189) مثلاً عن الأهلة لماذا كل شهر هلال كيف قال؟ أجاب عليهم بقضية هي معروفة لديهم {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}(البقرة: من الآية189) هم يعرفون أنها مواقيت هذا تأديب لو كان موضوع الهلال هذا ذو قيمة بالنسبة لكم ولوفي المرحلة هذه؛ لأنه ربما قد يكون الإنسان في واقع عمله تتسع معارفه مع اتساع حركته كلما اتسعت حركة الناس وانطلاقتهم الصحيحة كلما اتسع تعاملهم مع أشياء كثيرة من مظاهر الحياة، فاتسعت معارفهم، وهذه هي أحسن طريقة للمعرفة، وهذه مما يسمى [بحث علمي].
تجد الدول الأخرى مثلاً [أمريكا] و[الإتحاد السوفيتي] سابقاً هل طلعوا القمر لمجرد فضول؟ اتسعت شؤون حياتهم وشؤون دولتهم كأمة متحركة اتسعت إلى ماذا؟ إلى أن تناولت تعامل مع أشياء متعددة فأصبحوا يفكرون كيف يمكن أن يستفيدوا من القمر كمحطة لإطلاق الصواريخ، معهم صواريخ يفكرون في موضوع الوقود، موضوع عدو هناك إذا كانت القمر منطلق للصواريخ يمكن ماذا؟ تنزل على [الإتحاد السوفيتي] أو أي بلد آخر بسهولة قالوا: هذا أول فكرة كانت حاصلة عندهم في تفكيرهم أنهم يطلعون القمر، كانت فكرة عملية ليست مجرد فضول.
إذا استبق الإنسان – هذا منهج علمي في المعرفة بالنسبة للقرآن الكريم وهو معه أمثلة كثيرة – إذا حاول الإنسان أن يستبق الأشياء، فستتحول الأشياء كلها عنده إلى مجرد جدل ونظريات وأبحاث جامدة فقط مثل مدارس العرب الآن يتحدثون عن القمر، وعن صعود القمر، وأشياء من هذه، فاعتبرها عندهم مجرد نظريات جامدة وبحث وجدل ونقاش محله.
لكن الإنسان إذا انطلق انطلاقة عملية، عملية كلما اتسعت دائرة عمله اعتبرها اتساع في ماذا؟ أليس اتساعا في مجال مظاهر هذه الحياة، ويظهر بحاجة عملية إلى هذا الشيء أو إلى هذا الشيء أو إلى هذا أو إلى هذا، فعندما يبحثه بروح عملية يكون أقرب إلى المعرفة، أقرب إلى المعرفة.
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} وما كنتم تكتمون، الله أعلم ما هو، المهم أنه تجلى لهم أن ما أبدوه وما كتموه كان على خلاف ما تجلت عليه المسالة؛ فقالوا بعد: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} فازدادوا هدى وتسليماً.
فيفهم واحد في خلاصة القضية بأنه الشيء الإيماني مثلاً قدم الموضوع هو لكل إنسان مؤمن بالله ويعرف ما يقتضيه إيمانه بالله، كان هذا يكفي الإنسان، يكفيه فعلاً، لكن فيما إذا حصل شيء آخر يكون ماذا؟ خلل فيما يقتضيه إيمانه مثلاً بأن الله عليم حكيم… إلى آخره، ألم يعدهم إلى نفس قضية أساسها موجود لديهم، هم مؤمنون بأن الله عليم حكيم، هل كان يوجد خلل في الموضوع، أن ما كان قد هم عارفين بأنه عليم حكيم؟ بلى هم عارفون بأنه عليم حكيم، لكن الخلل جاء من نسيانهم مقتضى الإيمان، حصل هذه النتيجة، في الأخير انتهوا إلى ماذا؟ إلى ما يجب أن يكونوا عليه، أليس معناه أعادهم إلى ما كان يجب أن يكونوا عليه من البداية؟ أي: أن الموضوع متوفر من البداية بشكل كامل أساسا، لكن هذه سنة الله سبحانه وتعالى أن الهدى يقدم متكاملا.
تكفي كان هذه، لكن افترض حصل شيء معين أيضاً يأتي منها هدى، يهديك قبل الحالة الفلانية، قبل تعيش مشكلة، ثم إذا حصلت مشكلة سيهديك أثناء المشكلة، ثم يهديك بعد المشكلة؛ لأنه رحيم، ألم يجعل هنا من غلطتهم هذه وسيلة لأن يتعمق لديهم الإيمان، ويعرفوا كيف يجب أن يكونوا عليه بطريقة مستمرة؟ لم يكن هذا ناقصاً لديهم أي: ما حصل الخلل لديهم من نقصان شيء من لديه، ما حصل هذا الخلل عندهم بسبب أنهم كانوا فاقدين لما يجب أن يكونوا عارفين له من قبل بأنه عليم حكيم.
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ}(البقرة: من الآية34) إبليس هو مع الملائكة وخوطب مع الملائكة وأمر مع الملائكة ويبدو أنه كان يدخل ضمن هذا الإسم، وإن كان جنسه مختلف وإن كان جنسه باعتباره مخلوقا آخر لكن في وضعيته، في دوره، في عبادته معهم قد صار يطلق عليه ما يطلق عليهم {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} هنا حصلت عند البعض مشكلة فقالوا: انهم جعلوا آدم قبلة والسجود هو لله، ألم يقولوا هكذا؟ والله يقول: {اسْجُدُوا لِآدَمَ}.
هناك انتهوا مثل ما قلنا سابقاً في موضوع الملائكة مع الله انتهوا إلى ماذا؟ {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} بقي ما حصل أو ما يعتبر أثراً من كلامهم، أو يوحي به كلامهم من ماذا؟ من ازدراء واحتقار لذلك المستخلف، فليسجدوا له، هذه حصلت أيضاً بعد مع البشر أنفسهم، أخوة يوسف، ألم يحصل ازدراء؟ لماذا أن أباهم يحبه أكثر؟! وهم أقوياء، وهم كذا، وهم عصبة، ويوسف صغير ويحبه أكثر ويعطف عليه أكثر! يعني: يوجد حالة ازدراء، أبوه يحبه على أساس أنه جدير بذلك الحب وجدير بذلك التمييز لما يرجوه أو لما يتوسمه فيه من أن الله اجتباه، وأن تعامله مع ابنه على هذا النحو يجب أن يكون على هذا النحو تقديرا لما منحه الله يعني: القضية مرتبطة بالله، هم حصل من جانبهم نوع احتقار، كيف انتهت المسألة؟ انتهت إلى: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً}(يوسف: من الآية100).
معنى هذا أن قضية الاحتقار قضية خطيرة، الاحتقار قضية خطيرة جدا، لا تحتقر أحداً نهائياً، نهائياً لا تحتقر أحدا، إلا إنساناً هو جدير فعلاً بالاحتقار باعتبار ما هو عليه من سوء؛ إنسان مجرم عاصي فاسق سيئ إلى آخره ممكن تحتقره على هذا الأساس، الناس فيما بينهم لا يكون هناك احتقار، ربما تحتقر شخصاً ما تدري في الأخير ولف الشريط لما ما تدري في يوم من الأيام يمر بك موقف صعب فلا يعد يشكل وقاية لك إلا ذلك الشخص!.
هذا لو يأتي الإنسان إلى استخلاص أمثلة من هذه في الحياة، أعني: في التاريخ قد تجد شواهد كثيرة فعلاً حصلت على هذا النحو، بل أحياناً يظهر في موضوع الأيتام الذين يكبرون أيتاماً ويكون عمه أو أقاربه يذلونه ويحتقرونه ويبهذلونه، وفي الأخير أحياناً ما تدري وطلع هذا رجل عظيم أو تاجر، ما تدري وقد هم يعيشون على هامش ما لديه! بعض التجار عندهم هذه، حصلت لهم هذه، نشأ يتيماً وإذا قد أنت ترى أولئك الذين حوله قد هم ماذا؟ إحتاجوا يصلون إلى مرحلة يخرون له سجدا ولو سجود حالة إذا ما هناك سجود من هذا السجود الحقيقي، سجود حالة سجود وضعية.
{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} سبق أن عندهم ماذا؟ احتقار {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(يوسف:8) ماذا يعني ضلال مبين؟ أبوهم في نفس الوقت أن يحب كهذا،أليس معناه ازدراء واحتقار؟ كيف كان المشهد؟ أربعين سنة يقولون وانتهوا إلى أن يخروا له سجداً.
نأخذ من هذا درساً: أن الناس المؤمنين فيما بينهم لا يكون هناك احتقار على الإطلاق، احتقار أو ازدراء إذا بدر منك مثلاً احتقار، نوع معين في نفسيتك، استغفر الله، تب، يستغفر واحد الله، احتقر الآخرين الظالمين المجرمين الفاسقين السيئين، هذه قضية، أما الناس المؤمنين فيجب أن يكونوا على حذر من مشاعر احتقار مهما كان الشخص وهو يبدو في خط إيمان وتوجه إيماني، فلا يكون عندك أن هذا ماذا يمكن أن يعمل للإسلام؟! ربما ما تدري قد يكون له دور أعظم من دورك، قد ربما يكون له دور هو يعتبر أساسي في دورك أنت فتشهد بأن لولا هو لما كان لدورك أثر، وهكذا أي ربما قد تكون هذه خطيرة، أن أي حالة احتقار وازدراء قد تنتهي بك المسألة إلى أن تسجد سجود حالة لماذا؟ لما وقع منك من ازدراء واحتقار ولأنه لا يجوز من الأساس، إنسان مؤمن تفرح به كمؤمن تقدره كمؤمن ما يكون عندك أنه هذا الشخص ماذا سيعمل للإسلام؟! إفهم أن العمل في الإسلام واسع يحتوي كل القدرات ومن كل شخص، فالعمل في الإسلام هو بالشكل الذي يمكن للناس أن يتحركوا فيه.
إذا الآخرين الذين تراهم، وهم فعلاً لن يصلوا إلى حالة مواجهة مسلحة تقول لهم: انتم أعينوا بأموالكم أنت ارفع شعارأً، لن تجرؤ أن ترفع شعاراً، أنت ادعم بمالك لمن يطبع الشعار ويرفعونه هناك، الإسلام قام بتشغيل الكل ويكون لكل إنسان أثره في الميدان، أثره في نصر دين الله، وفي نفس الوقت يكون العمل على أنه يرفع الناس إلى أن تكون أدوارهم أكثر وأعظم وأعلى يعني: ما قدمت المسألة من البداية على فرضية تكون مثالية في الأخير: أن هذا الدين يفترض نوعيات مثل عمار بن ياسر مع شخص كعلي بن أبي طالب وإلا فما هناك فائدة، الإمام علي ألم يكن يحرك الناس جميعا؟ رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يحرك الناس جميعا وكان أحياناً.. هو يعرف الناس ويعرف قدرات الناس وطاقات الناس؛ ولهذا تكون القضية بالنسبة للناس من ناحية المسؤولية تكون أسهل يعني: عندما يكون الناس في وضعية ما معهم شخصية على هذا النحو، تعتبر المسؤولية عليهم جميعا عندما يتوفر شخص على هذا النحو فيمكن أن يعذرك أنت تعتبر معذوراً فعلاً؛ لأنه عادة أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يعرف الناس جميعا ما كان يكلف هذا يبرز كما يبرز الإمام علي, ولا يكلف هؤلاء أن يكونوا جميعا على نوعية المقداد أو عمار أو…
هو يشغل الكل عندما يأتي البعض ويقول: [يا أخي هؤلاء الذين يقولون: [الله اكبر….] هؤلاء لو يأتي قتال لما عملوا شيئاً!] قل: هم الآن يقومون بعمل هام، متى ما جاء عمل أكبر، ربما – لأن الله سبحانه هو يتدخل في بناء النفوس يقوي النفوس، يقوي الفهم والذكاء – ربما هؤلاء الذين تحتقرهم قد يكون لهم دور كبير ولو كانوا في أثناء رفع الشعار في مرحلة معينة يكون عنده أنه سيقوم بهذه، لكن لو كانت قضية أعلى احتمال أنه سيضعف، ربما عندما يصدق مع الله أن الله يصل به إلى حالة فعلاً يصبح قوياً، هذه لها شواهد واقعية من الواقع من آمن مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من كانوا مستذلين عند الآخرين مستضعفين، أي نفوسهم نتيجة الإستضعاف والإستذلال هي تكون هابطة معنوياتهم، أعطاهم الإسلام دفعة في رفع معنوياتهم أصبحوا، أذكياء عباقرة فرسانا أبطالا، إذا ما صَدَقَ الإنسان مع الله فعلاً ترتفع معنوياته، إذا كان غير صادق مع الله تهبط معنوياته، ولو كان من أصول قوية تهبط معنوياته.
لذلك نقول في بداية الموضوع: بأن الناس عندما يكونون متحركين في عمل، لا يكونوا يحتقرون أنفسهم بأن ما معهم شخصيات [ما معنا العالم الفلاني والعالم الفلاني، وفلان وفلان والشيخ الفلاني والمثقف الفلاني والكاتب الفلاني والصحفي الفلاني…. إلى آخره] لا، إفهم بأن الإسلام هو بدأ على هذا النحو، عباقرة قريش أولئك هم تهاووا في الأخير، الأشخاص الذين كانوا في نفوسهم ضعاف ويراهم الآخرون ضعافا ويراهم لا شيء فعلاً أصبحوا هم عباقرة، أصبحوا أذكياء، أصبحوا أقوياء، وأصبح الكبار الذين كانوا يرون أنفسهم بأنه ما يمكن يستقيم هذا الشيء وما هم فيه، عندهم ما يمكن ينجح محمد وما هم فيه إذ عليه أن يتقبلهم بإملاءات من فوق ويكون هذا الدين متأقلماً مع مصالحهم، إذا أراد أن يكون هناك فاعلية لدعوته وتتسع للآخرين! لا، هؤلاء العباقرة أصبحوا في الأخير لا شيء، وبرز الآخرون جعلهم الله أذكياء وعباقرة وأقوياء ومهتدين… إلى آخره.
هذه قضية فهمها يقي الناس من احتقار بعضهم بعض، بل يقي الإنسان هو نفسه من أن يحتقر نفسه، إذا هو في سبيل لله لا يحتقر نفسه، بمعنى ماذا؟ يكون عنده يمكن ما يعمل للإسلام شيئاً! أصدق مع الله، عندما تصدق مع الله، وتتفهم وتهتدي بهدي الله، يعطيك الله طاقات كثيرة وقدرات كثيرة وفهماً كثيراً وإمكانيات تجعل دورك واسعاً جداً أكثر مما يمكن تتوقع، أكثر مما كنت تتوقع أن تصل إليه، يظل الإنسان يحتقر نفسه وعنده ما يستطيع يعمل شيئاً ولا منه شيء سيجلس هكذا دائماً، يجلس دائما ما يرتفع، إعرف بأن الله هو يتدخل في القلوب ويقوي النفوس هو يربط على القلوب، ألم يقل: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الكهف: من الآية14) وفي الطرف الآخر يقول: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}(الأنفال: من الآية12).
الصناديد أولئك الكبار عندما برزوا في بدر من صناديد قريش، أبطال، أليسوا ذووا أصول قوية وأبطال؟ هنا جعلهم ينهارون وشدّ الآخرين، ولهذا بعضهم اندهش عندما رأى ابن مسعود على صدره وهو إنسان كان يعتبره لاشيء قال: [لقد ارتقيت مرتقا صعبا] وهو في بدر وقد صار يخور في دمه، فتح عينيه وإذا بابن مسعود فوق صدره جالس فقال: [لقد ارتقيت مرتقا صعبا] هذه قد تكون من هذا النوع، يرونهم فيحتقرونهم، يمر الشريط هذا الشريط خطير، هذا الشريط يأتي خطير، وإذا بمن كانوا يزدرونهم ويحتقرونهم ويعتبرون أنهم لا شيء وفي الأخير يرون هذا الدين نفسه لا شيء إذا ما هم فيه هم، وما هم مستعدين أن يكونوا فيه إلا بأن يكون هناك إملاءات معينة، رأوهم فوق صدورهم في بدر!.
إذاً الإنسان لا يحتقر أحدا ولا يحتقر نفسه هو وبدون غرور، أي عندما نقول: لا تحتقر نفسك معناه أن يكون عندك ثقة بأنه عندما تخلص مع الله سبحانه وتعالى سيؤهلك للدور المنوط بك، والناس مهما تعددت كفاءاتهم واقعا هذا من عظمة الإسلام أنه قابل – فعلاً – لأن ينصر بالناس الحاصل، هناك ثوابت معينة يجب أن تتوفر: طاعة مثلاً لمن يقودهم، إخلاص لله، سير على هديه، هذه ثوابت أساسية. كونهم ضعافا ما معهم شيء، هو من أسرة أو من طبقة تبدو ضعيفة أو محتقرة في المجتمع أو أو… كل هذه [الأو] ستنتهي في الأخير، أليس بلال حبشياً؟ كيف أصبح بلال؟ وغيره كيف أصبحوا؟ صهيب رومي، وفلان فارسي، وفلان… وترى صناديد فرسان العرب أصبحوا لاشيء، تهاووا؛ لأن الإنسان هو من خلق الله والله سبحانه وتعالى هو الذي يصنع الإنسان فيما إذا اتجه على هداه بالشكل الذي يؤهله لدور هام في سبيله.
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ}(البقرة: من الآية34) ما المقام هنا أن تأخذ منه: أن هذا يعني: أن هذا الإنسان هو أفضل من الملائكة، ما القضية بهذا الشكل، نقول: إذاً عندما أمروا أن يسجدوا لآدم فمعنى هذا أن آدم هذا المخلوق هو يعتبر أفضل من الملائكة إذاً فالمؤمنون منهم من بني آدم أفضل من الملائكة، هذه القضية ما هناك حاجة لنتناولها، يجب أن نفهم من خلالها العبرة التي قد تكون سيقت من أجلها تعطي عبراً كثيرة جداً، ودروسا كثيرة، ما المقام أن الباري يعرض عليك أنواعا معينة وأنت تقول أين أفضل وأين أحسن، ليست هذه.
ولاحظ كيف حصل بعدما قالوا هكذا؟ أمرهم أن يسجدوا لآدم، حصل احتقار، إذاً معنى هذا، هذا مؤشر أن هذه قد تكون سنة، وفعلاً قد تلحظ لها أمثلة كثيرة في حياة البشر، ليست قضية فقط كانت في عهد آدم وما بين الملائكة وآدم. {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} هم أذعنوا وهذه قيمة الإيمان في الأخير ما يؤدي إلى استكبار لأنه لاحظ ماذا انتهت الحالة إليه، انتهت الحالة وإذا هم رأوا بأن رؤيتهم تلك التي كانوا يرون أنفسهم صادقين، ألم يقل هناك: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وإذا هي كانت خطأ وكان قولهم هذا يكشف نقصا لديهم في وعيهم، وفي الأخير انتهوا إلى أن يؤمروا بالسجود، لهذا سلَّموا ألم يسلموا؟ وقبلوا وخضعوا لأمر الله سبحانه وتعالى، هذا يعتبر شرفا عظيما بالنسبة لهم.
لكن لاحظ إبليس كيف كان إبليس نفسه {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية34) كيف انتهت المسألة بالنسبة لإبليس؟ تحول إلى لعين مذموم مدحور مطرود رجيم ضال، بسبب موقف واحد ما سلَّم فيه لله؛ لأن مجمل القصة هذه هي حول ترسيخ التسليم لله، التسليم لله سبحانه وتعالى مجمل ما تتركز عليه حول أهمية التسليم كي تكون واعيا من قبل، تعرف تسلم في حالة الموقف الغريب، تكون أنت مستحضرا إيمانك مستحضرا مقتضيات إيمانك، إذا نسيت سيحصل خلل كبير، إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين؛ لأنه هناك {قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً}(الإسراء: من الآية61) {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}(الأعراف: من الآية12) أليس هذا استكباراً؟.
تلاحظ هنا أنه ما يأتي الموضوع أبداً – أي قضية – يبدو وأن هناك نقص أو قصور أو تقصير من جانب الله على الإطلاق تلحظها عندما قال لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}(الأعراف: من الآية12) أمره هو، قال في آية أخرى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}(صّ: من الآية75) أي أنت تعرف القضية تماما، أنا الذي أمر وأنا الذي خلقته ما تقول ربما أني وجهت طرفا آخر بأن اصنع كذا اصنع بشرا، فجاء ذلك ذهب جمََّع من تراب الأرض طلّع بشرا، وربما ما كانت القضية التي أريدها أنا!! أنا الذي خلقته على النحو الذي هو عليه ومن المادة التي كوّن منها، إذاً هنا لا يوجد عذر لإبليس، الملائكة كذلك ألم يقل: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}؟ ألم يقل: {إِنِّي جَاعِلٌ} تجد الموضوع نفسه مع آدم {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} كل هذا يبين بأن الهدى من جهة الله سبحانه وتعالى لا يكون فيه تقصير أبداً ولا نقص على الإطلاق، بل يكون بيناً على أوضح ما يمكن أن يكون التبيين، يكون بيناً تماماً.
لاحظ العبارة هنا لأنك تلحظ في القصة هذه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} أليست هذه أشياء واضحة؟ أعني:ليس طرفاً آخر قال له الله أن يقول للملائكة أنه سيحصل كذا وكذا، قال هو لهم، أي: علموا بما لا شك فيه أنه من جهته هذا القول أنه سيجعل في الأرض خليفة. كذلك هنا أنه قال للملائكة بما فيهم إبليس وبيّن في مقام آخر بأنه أمر إبليس ويعرف إبليس أنه أمره، لم يقل: [والله ما دريت أنك أنت الذي أمر، أنا قلت ربما أنت أمرت واحد ثاني وهو أمر بأمر أبلغ مما تريد أو قاصر عما تريد] أمر هو وخلق آدم هو {بِيَدَيَّ}،يعني: عبارة الاختصاص أي: أنا، أنا، وليس طرفا آخر كلفته بالمهمة حتى يكون لك عذر أو شيء من هذا.
هنا نفس الشيء مع آدم {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} يعني: نستفيد من مجمل القصة هذه في هذا الجانب: أن الله سبحانه وتعالى عندما يتحدث عن موضوع الهدى أنه يهدي ويبين على أرقى مستوى وأوضح شيء، فعندما يحصل خلل، لا يحصل خلل بسبب تقصير من جهة الله فيما يتعلق بالتبيين أبداً {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}.
وبعد هذا ترى بعض المفسرين يقول: ربما فهموا أن النهي عن جنس الشجرة! أليس الله هو يعلم بأن مثل هذا كان يمكن أن يكون عذرا لآدم في الصورة، يقول: {هَذِهِ} أليست {هَذِهِ} هي: تشخيص، تشخيص وعن طريق الإشارة إلى المنهي عنه بالذات، هو، هو، ما معناه ولا تقربا شجرة كذا فقط، حتى يقولون: إذاً فهموا النهي عن جنس الشجرة وما فهموا النهي عن تلك بخصوصها، يعني ماذا!؟ أنه: ولا تأكل تلك الشجرة كلها التي في الجنة في جرعة واحدة أو ماذا؟!، شخصها {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ}.
عندما يقول: {هَذِهِ} أليست إشارة إلى محسوس، إلى مشاهد، إلى معروف؟ {هَذِهِ الشَّجَرَةَ} هذه تعطيك مثلاً: أنه هكذا تبيين الله، هكذا هدى الله هكذا دين الله، ولهذا سماه [صراطا مستقيما] وسماه هدى، وكلمة هدى أي توضح الأشياء الأخرى، تُقدم المسألة فيما بعد وإذا صراط الله لم يعد واضحا ولم يعد دينه واضحا ولم يعد أحد داري كيف، إنما كل واحد يقوم يبحث من عنده، وكل واحد يمشي على ما طلع في ظنه، طلعت ظنون طلعت تخمينات في الأخير ضاع الموضوع بكله.
هذه عبرة لنا بأنه بما في هذا دينه بما في هذا هدايته كلها أنها تكون على هذا النحو، التشخيص التبيين الكامل {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} يبين لهم أيضاً أنه ما سيحصل أنه نتيجة المخالفة فيما إذا أكلا من الشجرة، أنتم ستكونون من الظالمين، في آية أخرى يقول له: ستشقى، ستخرج من الجنة فتشقى، وضح له. هكذا هي سنة إلهية فيما يتعلق بالتبيين للناس، يبين القضية على أكمل طريقة وفي نفس الوقت ما سيؤدي ما سيحدث ما سيحصل للناس إذا لم يلتزموا بهديه.
تجد هذه تشخصت فيما بعد جاء في آية أخرى عندما جاء بسياق القصة في موضوع آخر عندما قال: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}(طـه:123) أليست وفق هذا الأسلوب: فتكونا من الظالمين؟ {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}(البقرة: من الآية35) فيبين ما يمكن أن يحصل من خلال المخالفة أو نتيجة للمخالفة {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طـه:124).
{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}(البقرة: من الآية36) ذكر في مقام آخر كيف عمل إبليس وأنه حذرهم من الشيطان نفسه بأنه عدو مبين لكما {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}(البقرة: من الآية36) ثم تجد فيما يتعلق بأول السورة في موضوع الإيمان بالغيب، أن الإيمان بالغيب قضية أساسية في تحقيق التقوى بالنسبة للإنسان، ألم يذكر المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ}(البقرة: من الآية3) هذه نفسها من الأمثلة أنه عندما لا يحصل إيمان تستحضره أنت بالغيب يحصل خلل في موضوع التقوى، فعندما يقول لآدم مثلاً: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} لا تقربا هذه الشجرة فتخرج من الجنة، فتشقى، فيحصل كذا كذا، أليس هو يحدثنا عن قضية غيبية، النتيجة هي غيبية؟ الإيمان بالغيب، الإيمان، ولذلك جاء بفعل مضارع {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}.
إذا لم يحصل للإنسان، يحصل عنده استحضار للقضايا الغيبية، نتائج كانت تأتي على أثر ما يحصل من عندهم من مخالفات أو مصاديق لوعد إلهي يحصل خلل في موضوع التقوى، ما الذي حصل عند آدم؟ ضعف في موضوع الإيمان بالغيب ما هو الغيب هي النتيجة التي ستحصل عندما يأكل من هذه الشجرة، ولهذا قال الله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ}(طـه: من الآية115) مشكلة النسيان هذه، نسي، ما الذي حصل عنده حتى أنساه الشيطان؟ أخذ ورد وطلعة ونزلة وكل مرة كلام إلى أن توهه، نسي العهد إليه أن الشيطان عدو، نسي النتيجة لأن النتيجة غيبية، عندما يقول: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} هذا غيب المستقبل كله غيب، بالنسبة لك نسي النتيجة التي قد ذكَّره الله بها بأنها ستحصل إذا ما أكل من هذه الشجرة، كان نسيانه للغيب، لم يكن مؤمناً بالغيب بحالة دائمة مستمرة، مستحضراً، حصل ماذا؟ ضعف في موضوع التقوى، وقع في ماذا؟ في النتيجة السيئة أي ما وقى نفسه.
نعرف أن الإيمان بالغيب أساسي جدا في تحقيق الوقاية، تحقيق التقوى ولهذا قال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة: من الآية3) وهذه واحدة من الأمثلة على الخلل الذي يحصل في جانب الوقاية، أي ما عاد حصل لآدم، خسر الوقاية من ماذا؟ من الخروج من الجنة والعيش الرغد الذي هو فيه، من أن يكون من الظالمين، من أن يشقى، ألم يخسر الوقاية من هذه بسبب نسيانه للقضية التي كان المفروض أن يكون مستحضرا لها؟ وهي قضية غيبية، لم يكن مؤمناً بالغيب بمعنى مستحضراً في ذهنيته النتيجة التي قال إنها ستحصل، وإلا لما رضي يأكل من الشجرة.
معنى هذا أنه يمكن يحصل شيء يتوهك حتى تنسى، إما أشياء تخوف، ولهذا أن الله هدد المرجفين، مثلاً صورة الإرجاف سيطلّع عندك حالة تنسيك ما يجب أن تكون مؤمناً به من وعود إلهية، تنسيك النتائج السيئة التي قد تحصل فيما إذا تأثرت بالتخويف فضعفت أصبحت مثبطا، إذاً هذا جانب تخويف، أو جانب ترغيب، هذه واحدة من الأشياء التي تعمي الإنسان فينسى، ترغيب، تطميع، أشياء كثيرة حتى ينسى، أو تخويف، إرجاف، إرجاف، حتى ينسى. هنا حصل لآدم ماذا؟ حصل له طمع تطميع طمعه {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى}(طـه: من الآية120) {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}(الأعراف: من الآية21) دلاهما بغرور، أخذ وردّ، في أشياء هي ترغيب حتى نسي، قال الله: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي}.
إذاً فيكون الإنسان دائم الإستحضار عندما يقرأ في القرآن الكريم إخباراً عن نتائج تحصل فيما إذا فرط أن يكون حذراً، يعني مؤمناً بأن هذه القضية لا شك فيها ومستحضراً وليس فقط مجرد إيمان، فقط إذا قلنا لك هل أنت مؤمن بالغيب؟ تقول: نعم، مستحضراً هذه، مستحضراً للغيب، الذي يعتبر مصاديق للوعد الإلهي سواء في إخلاف ما تنفق، أو في النصر والتأييد الذي وعد به من ينصره، إذا الإنسان مستحضر دائما، لا يعد يؤثر فيه تخويف فينسيه ولا ترغيب فينسيه، لهذا قدمت بالنسبة لآدم كواحد من الأمثلة، كيف أن التطميع، الترغيب، أنساه قضية هي غيبية، هذا له علاقة بين تفاصيل السورة، داخل السورة وبين العناوين الرئيسية في أولها {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} إلى آخره.
{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}(البقرة:36) ربما كانت هذه الجنة، لأن آدم خلق من البداية على أساس ليستخلف في الأرض، إذا ًعندما يخلق هو وزوجته ويقومون من أول يوم يفلتون في الأرض هذه، قد تكون الجنة عبارة عن مكان يعيشون فيها حتى يكثر أولادهم ويتفرع أولادهم تلقائياً في الأرض هذه ما يقوم هو بأعباء الحياة والمعيشة وما قد هناك إلا هو وزوجته، وفّر له مكاناً يستقر فيه، ما معناه بأنه استخلف في ذلك المكان نفسه، مكان اعتبره مؤقتاً يعيش فيه ولهذا يقول البعض فعلاً: إنها جنة في الدنيا، أي: مكان في الدنيا، وفر له مكان يعيش فيه، فيه الملبس فيه المأكل فيه المشرب فيه كل ما يحتاج إليه سينتجون أولاداً ويتفرعون، وأولادهم يتكاثرون في الدنيا لكن حصل هذه الحاجة خرج ونزعوا عنهم ملابسهم.
القضية هذه فيها بالنسبة للإنسان أن يفهم أنه عندما استخلف في هذه الحياة أنه يجب أن يستشعر أنه مرتبط بالله ليهديه في مسيرته، وأن هذه الحياة إذا لم يسر على هدى الله سيضل ويشقى، بحيث تكون عنده مترسخة هذه في الذهنية، مترسخة بشكل كبير، ما يكون عنده أنه يمكن يهدي نفسه، ويصلِّح هدى أو يرسم طريقته هو، هو، أبداً أنت عندما تستخلف هنا يجب أن تسير على هذا الهدى، الهدى في الأخير يتمثل بتوجيهات إيجابية أو سلبية.
تجد مثلاً موضوع الضلال، موضوع الشقاء الذي حصل لإبليس وحصل لآدم، هناك أمر وهنا نهي، أليست توجيهات إيجابية، وتوجيهات في الجانب السلبي؟ لا تقرب كذا، اعمل كذا، أليس هذا خلاصة الموضوع، خلاصة الهداية: اعمل كذا، لا تعمل كذا، امش هنا، لا تمش هنا، هل هناك شيء آخر؟ هل هناك شيء وسط؟ هل هناك أسلوب آخر في التوجيه؟ لا يوجد. هو هذا يتمثل التوجيه، ينتهي إلى هذا النحو، يقال: اعمل كذا، لا تعمل كذا، قل كذا، لا تقل كذا، قال لإبليس: اسجد، ألم يأمره فلم يرض يسجد؟ تحول إلى ضالّ، سبب ضلاله هو ماذا؟ خلافه ومخالفته لهدي الله.
آدم قال له: {وَلا تَقْرَبَا} أليس هذا نهياً؟ {هَذِهِ الشَّجَرَةَ} ليفهم الكل أنهم عبيد لله، وأنهم في مسيرتهم في أي عالم كانوا، الجن في أي عالم كانوا، الإنس في الأرض هذه، أنهم مرتبطون بالله أنه هو الذي يهدي ويرسم طريقة الإنسان في هذه الحياة وإلا سيضل ويتخبط، يعطيه درساً من أول يوم {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} {فَتَشْقَى} ستخرج من الجنة، سينزع عنك لباسك. خالف، وقع في شقاء ألم يقع في شقاء؟ يأتي بالآية في الأخير في الخلاصة: موضوع إبليس وموضوع آدم {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ} {هُدىً} الذي يأتي في جانب: قل كذا، لا تقل كذا، اعمل كذا، لا تعمل كذا، {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}.
ما الذي حصل في أول عملية ضلال من جانب إبليس فتحول إلا ضالّ مضل، وشقاء بالنسبة لآدم؟ تجتمع الأشياء بالنسبة للإنسان وبالنسبة للشيطان، بالنسبة للإنس والجن، الإنسان سيشقى ويضل، النتيجة كانت شقاءً وضلالاً من أول عملية انحراف عن هدى الله، يقول لهم: هذه طريقة ثابتة {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} لو فكّر هو يبتكر من عنده هدى، لو فكر هو أن يرسم طريقة، مهما عمل لربط المسألة به هو، ولهذا جاءت بضمائر مكررة ومرتبطة بالله {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} أليس هو يقول: مني؟ مني يأتيكم، ما معناه أنتم يوكل إليكم؟ أنتم تفكرون في كيف تطلعونه، يأتيكم من عنده {يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} [مني] الضمير يعود إلى الله {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ}. ومسألة: اتباع، تجد الموضوع هنا كله موضوع: اتباع، من تشخيص للهدى، وتبيينه على أرقى طريقة، يتلخص في الأخير إلى أنه تبقى المهمة مهمة اتباع.
قدم الموضوع بشكل آخر أنه: لا، حتى تعرف دين الله، أن تعرفه عن طريق بحث واطلاع [وقَلْبْ وَصَلْبْ] وأشياء كثيرة وتعب وعناء، لا، هذه سنة إلهية أنه يقدم هداه بالشكل الذي ما عاد يبقى أمام البشر إلا أن يتبعوا {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} أو {فَمَنِ تَبَعَ هُدَايَ} كلمة: {تبع} لا يوجد فيها معاناة البحث عن الموضوع؛ لأن من شواهد أنْ ما هناك معاناة للبحث عن الموضوع أنه يقدم القضية على أوضح ما يمكن، هذا مثل واضح {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ} أليست هذه أول عملية توجيه تأتي على أرقى صورة من التبيين؟ أول عملية نهي لإبليس نفسه، أول عملية أمر لإبليس ألم يأمره أن يسجد لآدم؟ وقدم هذه بأنها كانت بعبارات واضحة وتبيين كامل.
إذاً هذه ترسم لك سنة إلهية أنه على هذا النحو: يبقى مهمة الإنسان هو ماذا؟ أن يتبع {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طـه:124) ضلال في الحياة، ضلال بالنسبة للنفس معنوي وواقعي، ضلال في الحياة ضياع بما فيها الضياع المعنوي يسمى كله: ضلال وشقاء مجمله.
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة:38) هذه واحدة من ماذا؟ من ثمار اتباعٍ لهدي الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لا يضل ولا يشقى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة:39) يبين أبرز مثل للشقاء بعد ما يأتي في آيات أخرى أنه يحصل شقاء من هنا، فأن يضرب مثلاً بالغاية التي تعتبر أقسى وأخزى شقاء، أبرز مثال للشقاء النار، هم فيها خالدون، معنى هذا بأن الإعراض عن هدي الله يؤدي بالإنسان إلى أسوء مصير، إضافة إلى ما يأتي في الدنيا هذه أسوء مصير وأشقى شقاء يمكن أن يتصور وهو جهنم نعوذ بالله. إلى هنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
[الله أكبر / الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.