سورة البقرةالدرس الرابع
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
في هذه الآيات حديث عن بني إسرائيل، وبنو إسرائيل ورد ذكرهم في القرآن بشكل واسع، عرض شامل لما آتاهم الله سبحانه وتعالى من نعم، وكيف كان تعاملهم مع تلك النعم، وعرَض أيضاً كثيراً من سلوكياتهم، من مواقفهم، من نفسياتهم، من مشاعرهم بشكل ربما لم يحصل استعراض لأي أمة من الأمم على هذا النحو. والقرآن الكريم هذا منهجه: القضايا الهامة يعطيها أهمية.
قد يقول الإنسان مثلاً – لو كان في العصر الأول، في القرن الأول – قد يتساءل بأنه: لماذا هذا الحديث الكثير عن بني إسرائيل على هذا النحو الواسع بما فيه الحديث عن خطورتهم، وتحذير للمؤمنين من مكايدهم، من تضليلهم، من مؤامرتهم؟ لكن لما كان الذي نزَّل القرآن هو الله سبحانه وتعالى الذي يعلم الغيب والشهادة، ويعلم السر في السماوات والأرض هو يعلم بهؤلاء الناس، بني إسرائيل، دورهم في المستقبل، ما قد يكون لهم من أثر في المستقبل، أعني: في المستقبل، بعد تنـزل القرآن الكريم إلى الله أعلم أي وقت.
تضمن الحديث عنهم أيضاً عرضهم كنموذج للناس الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى، وفضلهم على العالمين وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين، كيف كانت العاقبة بالنسبة لهم، كيف كانت النتيجة بالنسبة لهم عندما لم يذكروا نعم الله، لم يشكروا الله سبحانه وتعالى على نعمه التي آتاهم، عندما لم يتحملوا المسؤولية التي حمَّلهم إياها، كيف وصل بهم الحال إلى أن ضرب عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، إلى أن لعن الكثير منهم في عدة آيات في القرآن الكريم، ولَعْن على لسان أنبياء من أنبيائهم السابقين.
فالقضية بشكل عام، الحديث عن بني إسرائيل بشكل عام، يعتبر درساً هاماً جداً، جداً، بالنسبة للناس الذين بين أيديهم القرآن الكريم؛ لأنه كانت النعمة الأساسية والنعمة الكبرى التي أوتيها بنوا إسرائيل: نعمة الكتاب، والحكم، والنبوة، وراثة الكتاب، أي: نعمة الهداية؛ لنفهم بأنه إذا تعاملنا مع القرآن الكريم – أهل البيت بالذات في المقدمة – إذا تعاملوا مع القرآن الكريم كتعامل بني إسرائيل مع تلك الكتب التي أنزلها الله إليهم، أن الله سبحانه وتعالى لا يجامل أحداًَ يمكن أن ينالوا بسبب ذلك ما نال بنوا إسرائيل.
القصة بالنسبة لبني إسرائيل طويلة جداً في [سورة البقرة] قد يكون هذا ربما أقل من النصف الذي توقفنا عنده، نستعرض هذه في البداية، عندما قال سبحانه وتعالى: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية40) تذكروها وقدروها حق قدرها، وهذه القضية هامة جداً بالنسبة للنعم، هو عدَّد النعم بشكل عام، عدَّدها: نعمة إنقاذهم من آل فرعون الذين كانوا يظلمونهم، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، ويقهرونهم، ويذلونهم، ويستعبدونهم، نعم كثيرة متنوعة قدمها في الآيات هذه متنوعة منها: نعمة هداية، نعمة إنقاذ من وضعية سيئة، نعمة عفو، تجاوز عن أشياء حصلت منهم، تاب الله عليهم، عفا عنهم، ومثلما قال: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة:56)، {فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة: من الآية54) أنواع كثيرة من النعم تتجلى فيها كيف أن الله سبحانه وتعالى لا يأتي من جانبه تقصير أبداً، أبداً بالنسبة للناس، فعندما يكفرون بنعمه، عندما يتخلون عن المسؤولية التي ألقاها على كواهلهم بعد هذه النعم الواسعة المتنوعة التي فيها ما هو تأييد لهم، فيها ما هو رعاية لهم، فيها ما هو عفو عن تجاوزات حصلت منهم، فعندما لا يذكرون هذه النعم المتنوعة تكون النتيجة سيئة، هذا الذي حصل لبني إسرائيل.
ذكر النعم قضية هامة، أولاً: أن معنى ذكرها: استحضارها في الذهن، وتقييمها، وتقديرها، ومعرفة من أين جاءت، من الذي أتى بها؟ إنه الله سبحانه وتعالى، لها أثر كبير فيما يتعلق بمعرفة الله، فيما يتعلق بالإرتباط بالله، بالإنشداد نحو الله سبحانه وتعالى، تعظيم الله، إجلاله، تقديسه، الإذعان لأمره ونهيه، التسليم لحكمه، وهذه القضية الإنسان مفطور عليها، الإنسان متى ما أحد من الناس، قدم شخص آخر إليه شيئاً، تجمَّل فيه في موقف من المواقف أو أعطاه شيئاً، يحصل عنده تقدير له ويحصل عنده اهتمام به، وحب له وأشياء من هذه تحصل، بل قد يصل بك الحال إلى أنك تخدم ضميره – كما يقال – أعني: تحاول تعمل الشيء الذي تراه أنه يرضاه، وأنه يعجبه، حتى لو لم يطلبه منك ولا أمرك أن تقوم به.
إذا تأمل الإنسان في موضوع نعم الله هي كثيرة جداً وواسعة جداً محيطة بالإنسان من كل جهة، النعم المادية، والنعم المعنوية، النعم التي نعرفها ونعم لا نعرفها {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}(النحل: من الآية53) {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}(لقمان: من الآية20) إذا لم يحصل تذكر للنعم سيكون البديل حالة نسيان، ونتيجة للنسيان هذا، عدم اعتبار لهذه النعم، عدم تقدير لها، نسيان لمن أسداها لمن جاءت منه وهو الله سبحانه وتعالى، وتكون نتائجه سيئة: ضلال، كفر بهذه النعم، أخطاء متتابعة، عندما يكون الإنسان ناسياً.
{اذْكُرُوا} كونوا دائمي الذكر، دائمي التذكر؛ ولهذا أمر نبيه موسى في آية من الآيات أن يذكّر بني إسرائيل بأيام الله، ذلك الحدث الهام وهو ماذا؟ إنقاذهم، تحريرهم من ظلم آل فرعون واضطهادهم كيف نجاهم الله سبحانه وتعالى بطريقة عجيبة خارقة: أن يشق لهم البحر فيخرجون ناجين وفي نفس الوقت يهلك آل فرعون مثلما قال هنا: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}(البقرة: من الآية50) هذه وحدها من الأشياء التي لها قيمة عند الإنسان، عندما ترى عدوك الذي استضعفك واضطهدك وظلمك وقهرك واستعبدك سنين فتراه أنت وهو في حالة العذاب في حالة الهلاك في حالة الجزاء على ما ارتكبه معك، أليس هذا مما يشفي صدور الناس؟ مما يعتبر في حد ذاته نعمة؟ ولهذا ترى في آية من الآيات هنا، أنه أهلك آل فرعون {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} يذكِّرهم بأن هذه النعم هي نعم هو، هو أنعم بها عليهم أي: ليست أشياء تلقائية توفرت لهم, أو نتيجة خبرات لديهم, أو شطارة, أو ذكاء, أو أشياء من هذه.
{اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية40) لو يقيِّمون وضعيتهم هم، لو يقيِّمون أنفسهم لوجدوا أنفسهم بأنه ليس باستطاعتهم أن يوفروا ربما ولا واحدة من تلك النعم، كانوا وهم في مصر مضطهدين معذبين قد يكون لديهم شعور بأنه من المستحيل أن تتغير حالتهم، من المستحيل أن يأتي يوم من الأيام يرون فيه فرعون وهامان وجنودهما وقد أهلكهم الله، فتأتي النجاة لهم بطريقة كما حكاها الله في آيات أخرى في القرآن بأنه تقريباً يعتبرون أنفسهم بأنه من المستحيل، وضعية ليس منها مخرج نهائياً؛ ولهذا قالوا لموسى: {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}(الأعراف: من الآية129) تعب من قبل ومن بعد، نريد أن تتركنا هكذا أتركنا هكذا نبقى على ما نحن عليه ليس هناك أمل.
وهذه حالة تحصل عند الناس عندما يكونون مستضعفين في ظل جبروت وطغيان قاهر ومتمكن، دولة مستحكمة متمكنة نافذة قوية، أحياناً قد يحصل عند الناس يأس أنه قد يأتي يوم من الأيام يتخلصون من تلك الوضعية إلى الأفضل وإلى الحرية بعد العبودية.
ذكر النعم باستمرار بأن تنقلها الأجيال إلى بعضها بعض قضية هامة جداً؛ لأن الناس الذين عاصروا وضعية معينة ذاقوا مرارة الألم، والإضطهاد، والإستعباد، والقهر، والذلة، فعاشوا في وضعية أخرى وضعية حرية، استقلال، تمكين في الأرض، هؤلاء يكون الجيل الذي عاصر هذه يكون لها وقعها في نفسه إذا ما هناك استمرار للتذكير بهذه وأن يحكيها المتقدم للمتأخر يحكيها الأب للإبن، يحكيها الجد للحفيد؛ ينشأ جيل رأى نفسه في وضعية جيدة وفي الأخير يتصور أنه ما كان هناك شيء، أعني: ما لديه صورة عن الوضعية السابقة لم يذق مرارة الوضعية السابقة فيكون من السهل أن يتنكّر لما هو فيه من النعمة.
هذه حصلت ربما قد يكون من أمثلتها أمامنا في عصرنا هذا مثلاً إيران، ترى الشباب هناك – على حسب ما نسمع ونعرف – بأنه معظم الشباب هم لم يعاصروا أحداث ما قبل الثورة أعني: الثورة هذه الآن تاريخها [خمسة وعشرون سنة] أليس هذا جيلاً؟ جيل كامل لم يعاصروا أحداث ما قبل الثورة، أعني: لم يذوقوا مرارة اضطهاد الشاة والأمريكيين والإسرائيليين، لم يعاصروا هم أحداث الثورة، فذاقوا ورأوا المآسي الكبيرة التي ارتكبتها المخابرات الأمريكية والإسرائيلية ومخابرات الشاة؛ حصلت عندهم فكرة أخرى وكانوا قابلين لأن يطرح لهم موضوع آخر: الإنفتاح ومحاولة التعايش مع الآخرين ولا داعي للشدة هذه ومواقف قوية في مواجهة أمريكا وإسرائيل وأشياء من هذه، نحاول ننفتح على العالم ونتعايش سلمياً ونحاول أن لا نبقى في حالة تبدو متوترة هكذا، ونبدو وكأننا معزولون عن دول العالم الأخرى، انفتاح؛ لهذا كان الكثير ممن يصوتون لـ[خاتمي] هم من الشباب، هم من الشباب من الرجال والنساء، كثير من كبار السن أو نقول: الجيل الأول كثير منهم ما يزالون محافظين، الذين يسمونهم [محافظين] هم عاصروا الثورة ورأوا ماذا حصل أثناء الثورة وعرفوا ما كان قبل الثورة من أحداث رهيبة ومن تعامل سيئ ومن استعمار من ثلاث جهات: حكم مستبد طاغوتي، واستعمار أمريكي، واستعمار إسرائيلي، وثرواتهم تنهبها أمريكا وإسرائيل، بلدهم هو بلد إسلامي بمثابة قاعدة واسعة للإسرائيليين، بترولهم يذهب إلى إسرائيل.
هؤلاء تجد أن الإشكالية هي: ما هناك تذكير بالنعمة، ما هناك تذكير بالنعمة، كلمة: {اذْكُرُوا} قد تكون متميزة عن [تذكروا] اذكروا أنتم وتتذكَّروا في نفس الوقت فيذْكر هذا الجيل للجيل الآخر النعمة؛ ليبقى دائماً يستشعر مدى وعظم إحسان الله إليه ويكون للحالة التي هو فيها الحالة الجيدة الحالة الحسنة الوضعية المستقيمة يكون لها قيمتها عنده؛ لأنه قد يحصل عند الإنسان حالة – التي نتحدث عنها بالأمس – يتصور واحد: أن الدنيا هكذا! إذا رأوا أنفسهم في وضعية جيدة يحسبون أنها هكذا من قبل، ما هناك صورة عن الماضي كيف كان، ولا عندهم احتمالات عن المستقبل، أنه قد يتغير وقد يتغير على أيديهم هم {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الأنفال: من الآية53).
عندما يكونون في وضع جيد ونعمة لا يحصل تغيير من جهة الله سبحانه وتعالى لهذه النعمة هكذا تصرفات مزاجية يقول: يكفي عشرين سنة، كفاية خمسة وعشرون سنة يقلب المسألة، لا. إذا كانت أمة مستقيمة قد تعيش مئات السنين لن تتغير وضعيتها إلى الأسوأ، فلا يحصل تغيير إلى الأسوأ إلا إذا غيرت هي، أليس هنا يسميها نعمة؟ {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الأنفال: من الآية53) متى ما حصل تغيير هم من جهة أنفسهم غيَّر. هنا التغيير يكون إلى الأسوأ، هذه الآية هي تختص يبدو في التغيير من النعمة إلى النقمة من الأحسن إلى الأسوأ تختلف عن الآية الأخرى التي تشمل الموضوعين: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد: من الآية11) هذه تحتمل الأمرين كذا وكذا.
كانت قضية غريبة، استغربناها جداً أنه لماذا؟ ما هو الذي جعل أولئك الناس أن يصلوا إلى الحالة هذه؟ حصل تثقيف آخر، هذا التثقيف الآخر ركز على أطروحة جديدة، يعتبر الوضعية التي هم فيها مع ما يرافقها فعلاً من أن يكونوا منشدّين أو متشددين في موقفهم وحذرين في نفس الوقت من الطرف الآخر: هذه حالة ليس هناك داعي لها، يكفي! لكن هذه لها قيمتها الهامة، أنت في مرحلة أنت تشعر باستقلال، أنت تشعر بأنه يحكمك الإسلام نفسه، أنت تشعر بحريتك، لها قيمة وإن كان الموضوع فيه نوع أو يصاحبه نوع من المعاناة لا تعتبر مشكلة هذه.
أعني: هي وضعية يرتضيها الإنسان إذا كان ممن يقدّر الأشياء أفضل من أن يكون له نعم مادية وهو في ظل ماذا؟ استذلال استعباد قهر خنوع تبعيّة للعدو، ولو عنده الإمكانيات هذه ليست لها قيمة؛ لأنه عندما تنظر إلى نفسك أنت لن تجد لنفسك قيمة بل ربما قد يكون الإنسان الذي هو بهذا الشكل قد يغمض عينيه عن أن يقيَّم نفسه هو؛ لأنه يستحي لو يأتي يرى نفسه وعنده نعم كبيرة مادية وعنده أشياء كثيرة لكن هي تعتبر قيمة من القيم الهامة، قيمة لنفسه، قيمة لدينه، قيمة لحريته، قيمة لمبادئه، وعندما يأتي ينظر إلى نفسه يعتبر نفسه كأنه يستحي، على حسب تصوري، بأنه قد يكون الإنسان الذي هو بهذا الشكل لا يحاول يرجع إلى نفسه؛ لأنه لا يستطيع أن يرى نفسه في وضعية يحس لها بقيمة أبداً، يعتبر نفسه عبداً للأجنبي عندما يرجع إلى نفسه يرى نفسه عبداً للأجنبي، فيغمض عينيه، يحاول أن لا يرى نفسه، يرى ما لديه من أشياء.
هؤلاء عندما لم يحصل ذكر للنعمة التي هم فيها من بعد انتصار الثورة في إيران، لم يحصل ذكر من نفس القائمين على السلطة أنفسهم نفس المثقفين، لم يحصل تذكير بالشكل المتكرر والمستمر؛ كان الجيل الجديد عرضة للإنحراف برؤيته، أن تخلق لديه حالة من التذمر مما يعتبره حالة تأزم نفسي، تشدّد، انغلاق، وعزلة وأشياء من هذه، تهول عنده، وتكبَّر عنده المسألة هذه.
إذاً وجدناهم نتيجة لهذا ما هو الذي حصل؟ حصل شيء غريب جداً، الشعب هذا الذي كانت تخافه أمريكا، تخافه دول الغرب له هيبته في مرحلة، لا يعتبر بالنسبة لما هو عليه الآن شيئاً تقريباً من ناحية قوته المادية والعسكرية وكان له هيبته، كان للخميني ولدولة الخميني ولإيران ثقلها العالمي، كان الأمريكيون يتمنون أن بالإمكان أن يدخلوا في حوار ولو مع مواطنين إيرانيين من هذا النظام الذي يحكم. بعدما وصلوا إلى تصنيع صواريخ، إلى تصنيع دبابات، تصنيع أشياء كثيرة، وفي الأخير وإذا هم في المرحلة التي أمريكا تعتبر فيها ضعيفة أمريكا تعتبر ضعيفة، باعتبارها دولة مسخوط عليها عالمياً، مكروهة، ممقوتة وإذا هم موقفهم يبدو ضعيفاً! من الذي أضعف هؤلاء؟ ألم يكن المفروض هو أن يكونوا بعد عشر سنين أقوى بعد عشرين سنة أقوى بعد خمسة وعشرين سنة أقوى من قبل، وأن تكون هيبتهم أكبر ويكون خشية العدو منهم أكبر؟ تغيّرت النفوس.
إذاً يفهم الإنسان: أن ما هناك قيمة للماديات إذا النفوس ليست مستقيمة، إذا الرؤى ليست صحيحة، إذا القائمين على تثقيف الناس ليس لديهم رؤية صحيحة وقيّمة فتصبح الأشياء الأخرى لا قيمة لها، إذاً نحن نرى أن إيران توصلت إلى صناعة صواريخ وإلى عمل تجارب للصواريخ هذه ونلمس بأن ليس لها هيبة بعد هذه التجارب مثلما كان لها يوم ليس معها ولا صاروخ واحد من هذه النوعية، صواريخ تقليدية من تلك التي تسمى: [أسكود] ونحوها، لا توجد الهيبة الأولى لماذا؟ لأن العدو لا ينظر إلى ما لديك من إمكانيات ينظر إلى وضعيتك إلى الثقافة السائدة عندك, إلى نفسيات الناس, إلى معنويات الناس, إلى رؤاهم ورؤى قاداتهم، إذا رأى أن الوضعية على هذا النحو الذي هو موجود الآن في قطاع كبير منهم تنسف الهيبة من نفسه.
نجد أن أمريكا الآن تشكل ضغوطا هي وإسرائيل يعملون ضغوطاً مستمرة على إيران وبطريقة علنية وبطريقة علنية مكشوفة، تلمس من البعض منهم من بعض قيادات منهم في أهم مواقع فعلاً ضعف في المواقف يحكون بأنه بعدما جاء قرار الوكالة الدولية حول موضوع المفاعلات النووية، هناك تيار منهم يقولون: يجب أن نسلك طريقة كوريا نترك الوكالة هذه نتخلى عن الإتفاقية هذه، ليست قضية مُلزمة، إسرائيل ليست عضواً في الوكالة هذه، نفس إسرائيل ليست عضواً، الإسرائيليين أذكياء لم يدخلوا أعضاء في الوكالة هذه مع أن لهم نفوذاً داخل الوكالة وداخل أمريكا، لم يوقعوا على الوثيقة هذه التي تجعلهم أعضاء في الوكالة هذه وخاضعين لنظامها!. الإيرانيون خنقوا أنفسهم بأن كانوا أعضاء في الوكالة.
نجد هنا فعلاً كانت هذه هي الرؤية الصحيحة أن يكونوا مثل كوريا الشمالية, كوريا تخلت عن المعاهدة الدولية هذه، وتركت الوكالة الدولية نهائياً وطردت المفتشين وأزالت كاميرات المراقبة وهددت أمريكا! الآخرون هناك ضعف في النفوس قالوا: لا، نحاول، نحاول! وإذا قد هناك منطق غريب بدا منطق أن الآخرين الذين هم التيار هذا القوي الذي لا يزال محتفظاً بمعنويات الثورة وقيم الثورة، وعرف كيف يتعامل مع أمريكا من زمان ولا يزال على نفس الروحية يسميهم الآخرون: دعاة حرب، دعاة حرب! أي: كأن هؤلاء ما قد عرفوا السلام وكم تكررت كلمة: سلام وكم بحث العرب عن السلام ولم يحصلوا على السلام [أولئك متشددون، دعاة حرب، متزمتون!] وأشياء من هذه يعتبرونهم؛ لهذا هي قد تكون فعلاً مواقفها بدت ضعيفة مواقف ينطلق منها قادة القاعدة قاعدتهم التي أوصلتهم إلى هذه المواقع هم من؟ هم أعداد كبيرة من جيل لم يُذَكَّر بالنعمة لم يذكر بالوضع السابق ثم كيف تغيرت الوضعية إلى الأفضل.
لهذا كان مهماً جداً ذكر النعم {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}(البقرة: من الآية40) ما عهد به إليهم ملخص ما عهد به إليهم هو كتبه أن يتمسكوا بكتبه أن يأخذوا ما آتاهم بقوة أن يتحملوا مسؤوليتهم, أن يلتزموا بهديه بتوجيهاته, بأوامره ونواهيه {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}؛ لأن الله سبحانه وتعالى يعطي من جانبه أشياء، متى ما وفى الناس بما عهد به إليهم يفي بما تعهد به – إذا صحت العبارة – لهم.
{وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}(البقرة: من الآية40) لا ترهبوا غيري هذه كلمة: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} أحياناً قد تكون الرهبة من طرف آخر غير الله، تنسيك ذكر نعم الله فلا تصبح لنعم الله قيمة عندك، تتحول المسألة عندك إلى أنك تستبدل بكتابه، تستبدل بهداه، هذا الذي حصل عندهم {اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً}(التوبة: من الآية9) عندما أصبحوا يرهبون آخرين.
أيضاً في مسألة الوفاء بالعهد لا تعد تحصل هذه، قد صار يفكر كيف يحاول أنه يقي نفسه من ذلك الذي يرهبه ولو بأشياء يقدمها: تنازلات من دينه، ويحاول أن يسخر دينه لمصلحة الطرف الآخر الذي أصبح يرهبه، هنا يقول: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} يقولون: تقديم المفعول أحياناً على هذا النحو، يفيد ماذا؟ الإختصاص أعني: تأكيد يفيد حصر كأنه يقول: لا ترهبوا غيري {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} كأنها تعني: ولا ترهبوا أحداً غيري.
{وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ}(البقرة: من الآية41) هذا خطاب لبني إسرائيل في عصر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أول الآية هنا: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية40) نفس هذا الأسلوب هو يذكر بني إسرائيل ويأمرهم أن يتذكروا، أولئك الذين كانوا في عصر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يتذكروا النعم السابقة على أسلافهم من يوم خرجوا من مصر, وأنقذهم من آل فرعون. {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ}(البقرة: من الآية41) ما هو الذي أنزله مصدقاً لما معهم؟ هو القرآن الكريم, من أول ما نفهم من الآية هذه: أن الله سبحانه وتعالى يأمر وأمر فعلاً بني إسرائيل بأن يؤمنوا بالقرآن الكريم، معلوم بأنه أمرهم بأن يؤمنوا بهذا القرآن كما أمرنا نحن كما أمر بقية البشر {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ} كلمة: {بِمَا أَنْزَلْتُ} هي تندرج في إطار السنة الإلهية في قطع كل الخواطر التي قد تعيقك عن الإنطلاقة وعن الإستجابة يقول: أنا الذي أنزله، مثلما قال لإبليس: أنا الذي خلقته بيدي.
تجد هذه هي قضية هامة في القرآن الكريم، وهي هامة جداً بالنسبة لنا أن نفهمها؛ لأنه قدم بالنسبة لنا الإسلام وكأنه قضية ضاعت طريق الله، لم يعد أحد يعرف كيف يعمل وإنما كل واحد يبحث من عنده ولا هناك مجال من الإختلاف، ولا أحد يعرف كيف الحق وأين الحق وإنما يبحث هو!! لما جهلنا هذه وجهل الناس: أن هذه هي سنة إلهية في هداه في دعوته أعني: هداه بشكل عام يقوم على أساس التبيين الكامل وقطع كل الأعذار وكل الخواطر التي قد تعيقك، {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ} أنا الذي أنزله أنا، هكذا يقول لهم مثلما قال لإبليس {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}(صّ: من الآية75) وهناك يقول: {إِذْ أَمَرْتُكَ}(الأعراف: من الآية12).
{مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ}(البقرة: من الآية41) لما معكم من التوراة، في آيات أخرى تأتي: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ}(المائدة: من الآية48) أعني: ليس مصدقاً لموضوع التحريف، هو يفضح التحريف، القرآن الكريم، عندما تأتي تستعرض التوراة التي يسمونها: توراة، ويسمونها: أناجيل، لا تستطيع أن تفضح ما فيها إلا عندما تنطلق من رؤية قرآنية إليها فتقيّمها من خلال القرآن؛ لأن القرآن تبنّى هذه القضية، قضية: التصديق لما هو صحيح، وفضح ما هو محرف تحريفاً، وفصل وبيان لما كانوا فيه يختلفون في قضايا تاريخية لديهم تتعلق بدينهم وتتعلق بتاريخ أنبيائهم.
عندما يقول: {مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ}(البقرة: من الآية41) يعني: أنتم عندما تؤمنون لا تخسرون شيئاً يعني: ليس الإيمان بهذا الإسلام وبهذا القرآن والإيمان برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يتطلب منك أن تكفر بالتوراة وتكفر بموسى، لا يتطلب منك أن تكفر بعيسى وتكفر بالإنجيل، إذاً ما هو الذي ستخسره ما الذي يعيقك عن أن تؤمن وأنت تجد أن هذا الكتاب هو مصدق لموسى ومصدق لما أنزل على موسى، هذه قضية هامة، وفعلاً هي مما تدفع العذر بالنسبة لبني إسرائيل بأنه عندما تقول لليهودي بأنه ما هو الذي يعيقك عن الإيمان بهذا الكتاب هل يطلب منك أن تكفر بموسى فتكون ثقيلة عليك؟ لا. هل يطلب منك أن تكفر بالتوراة؟ لا. نقول نحن هنا لم نعرف موسى وآمنا بموسى إلا من خلاله هو علّمنا أن نؤمن بموسى ونؤمن بالتوراة، إذاً فهم [مدبرين] بما تعنيه الكلمة وضالين حقيقة؛ لأنه ليس هناك ما يعيقهم عن الإيمان لو كانوا مستبصرين.
{وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}(البقرة: من الآية41) مثلكم ما ينبغي أن يكون أول من يكفر وأنتم تعرفون الديانات وتعرفون الكتب الإلهية وهذه قضية، حقيقة، الناس الذين عايشوا كتباً إلهية، عايشوا ديانات رسالات يستطيعون أن يميزوا بينما هو مكذوب على الله، وما هو من عند الله، مثلما قلنا كمثل بأنه عندما يكون هناك طبيب مختص وعارف وعلى مستوى عالي بالنسبة للطب ورأى كتابا مكتوب عليه كتاب طب، وفوقه اسم معين سيعرف بأن هذا الكتاب الذي كتبه هو فعلاً طبيب أو أنه إنسان ليس بطبيب، أعني أنه يستطيع أن يشخص هذا الكتاب فيعرف أنه كتاب طب حقيقة وأن الذي كتبه طبيب، أو أنه ليس بطبيب.
هم يعرفون من خلال التوراة من خلال الإنجيل من خلال الكتب ما كان فقط التوراة، التوراة هي كتاب رئيسي بالنسبة لهم وهناك كتب أخرى كانت تتنـزل على أنبياء منهم كالزبور بالنسبة لداوود.
إذاً فأنتم تختلفون عن بقية العرب ومعايشين رسالات، معايشين كتبا، عندكم قدرة على التمييز، عندكم قدرة على فهم أن هذا الكتاب هو من عند الله، لا يمكن أن يكون من عند بشر؛ لخبرتكم الدينية بالرسالات وبالكتب إذاً فما ينبغي أن تكونوا أول كافر به وهو في نفس الوقت مصدقاً أعني: هو أنزل من عنده، من عند الله وفي نفس الوقت مصدقاً لما معكم، وأنتم في نفس الوقت لديكم خبرة ومعرفة تميزون بين ما هو من عند الله وما ليس من عند الله، أنتم كتقدير لما أنعم الله به عليكم من نعم سابقة النعم المتتابعة يجب أن تكونوا أول من يستجيب له، وهذا يعتبر في نفس الوقت نعمة عليكم أن تكونوا من أول من يؤمن به، فعندما تكونون أول من يكفر به هذه قضية غريبة جداً وقضية غير لائقة بمثلكم.
{وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}(البقرة: من الآية41) بأن يصرفكم مثلاً عن هذا القرآن، هو يحكي في آيات أخرى ما كان يحصل لديهم هم في تاريخهم من اشتراء بآيات الله ثمناً قليلاً، في الخطاب الآن أمام القرآن الذي يقول لهم أن يؤمنوا به عندما ينصرفون عنه، لأنه مثلاً قد يكون أحبارهم وفق ثقافتهم وفق سنن معينة لديهم هناك مصالح معينة، له مقامات معينة له ولاءات معينة قائمة على الوضعية التي هم عليها، هذه تكون مما يخلق فعلاً صعوبة أمام التحول فيرجّح في الأخير أن يقبل ما هو عليه مراعاة لمصالحه ولمقامه ولاعتبارات معينة، بدلاً عن هذا القرآن الذي يفترض أن يكون أول من يؤمن به! يجب أن يكونوا مؤمنين به ويفترض من مثلهم أن يكونوا أول من يؤمن به.
{وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}(البقرة: من الآية41) كما قال هناك: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}(البقرة: من الآية40) هنا: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}(البقرة: من الآية41) لأنه هذه الحالة خطيرة جداً هي أخطر ما يمكن..أعني بالنسبة لعقوبتها وبالنسبة لنتيجتها فينبغي أنك لا يشغلك شيء عن الإتقاء لما يمكن أن يحصل من عقوبات، بسبب ماذا؟ أنك لا تؤمن وتشتري وتستبدل بها ثمناً قليلاً، أليست هذه حالة خطيرة؟. {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}(البقرة: من الآية41) أي ما يمكن يحصل عليكم هو يعتبر أسوء بكثير من أي شيء آخر تحذرونه يحول بينكم وبين أن تؤمنوا فيدفعكم في الأخير إلى أن تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً.
{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة:42) هي طريقة كانوا عليها في الماضي واشتغلوا في نفس الوقت، عندما جاء القرآن الكريم وجاء رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وصل بهم الحال إلى درجة أن يقولوا للمشركين أنهم أهدى من الذين آمنوا سبيلاً، أليس هذا من لبس الحق بالباطل؟.
{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة:42) وما أسوء الإنسان عندما يكتم الحق وهو يعلم {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ذلك الحق يكتمون مثلاً كل الدلائل التي أصبحت لديهم أعطتهم معرفة بالنبي بأنه فعلاً نبي كما يعرفون أبناءهم، وأن هذا الكتاب هو من عند الله، ويعرفونه بدون شك أنه من عند الله ومع هذا يكتمون الدلائل لديهم مما في كتبهم مما توارثوها في علومهم، علامات للنبي هذا نفسه، وعلامات أيضاًَ كيف يكون النبي في سلوكه، وكيف تكون كتب الله عادة، عادة تكون متميزة، وليست فقط مجرد العلامات هذه، العلامات شيء علامات مثلاً في السماء علامات في الواقع شيء لكنه أيضاً يوجد في نفس سلوكياته شخصيته، الكتاب نفسه، يكون هناك الدلائل فعلاً الواضحة التي تبين أنه فعلاً كتاب من عند الله، هي قضية ملموسة في القرآن الكريم قضية ملموسة فعلاً، الإنسان عندما يتأمل القرآن الكريم لا يمكن على الإطلاق أن يحصل عنده شك بأن فيه آية واحدة من عند مخلوق من مخلوقات الله، لا ملك ولا نبي ولا غيره.
لبس الحق بالباطل هذه قضية خطيرة جداً، لبس الحق بالباطل يحاول أنه يعكس نظرتك بالنسبة للحق يجعل عندك باطلاً يصور لك موقفه وقضيته أنها حق، لبس يوجد التباس، القضية عادة لا تحصل إلى درجة مائة في المائة عادة لا تحصل إلى نسبة 100% إلا بالنسبة للناس، بالنسبة للآخرين إذا هم بسطاء في تفكيرهم، إذا هم ليس لديهم اهتمام بالقضية، ينفق عليهم هذا التلبيس وإلا عادة لا يستطيع الباطل أن يتقمص قميص الحق بنسبة 100% لا يمكن هذا؛ لأنه لو كان كذلك لكانت مشكلة كبيرة على الناس، لا, الباطل يكون معه مميزات له، طريق الشيطان يكون معها مميزات، طريق الله، الحق يكون معه مميزات الإمام علي (عليه السلام) يقول: ((الحق أبلج والباطل لجلج)).
ترى الباطل – مثلاً – في موقفك منه، الباطل تحتاج أن تكون أنت الذي تشتغل له هو، تغطي عليه، تلجمه، تستر عليه تلفق، بينما الحق يشتغل، يبلج لك الطريق ويعطيك هو، الباطل أنت الذي تعطيه أنت تعطيه فكرك ووقتك، وأنت تستر عليه لا يقدم لك حاجة بينما الحق هو الذي يعطيك هو؛ ولهذا قال: ((أبلج))، يعطيك معرفة ينير لك الطريق, يعطيك استقامة, يعطيك رؤية صحيحة, يعطيك أشياء كثيرة.
تجد مثلاً في قضية الولاءات؛ ولهذا نحن نقول في هذا: لاحظ الناس المتولين للإمام علي، هل الإمام علي يحرجنا؟ ما يوجد إحراج، هل نحن نحرج معه؟، نحاول نستّر عليه في كذا، نحاول نلفق له فضائل نحاول، نحاول، متى ما أتينا إلى فضائله نجدها فضائل من أعلى الفضائل ومن الأشياء المعترف بها عند الكل عند المسلمين جميعاً لا نحتاج نكذب عليه ونلفق له ونحارب آية قرآنية ونحارب حديثاً آخر, نتأول هذا ونتأول هذا حتى نركزه؛ لأننا لو نأتي نقول للآخرين: ماذا استفدتم أنتم مثلاً من أبي بكر وعمر؟ تعال قل لي ما الذي استفدت أنت منه؟ أنت الذي تشتغل له؟ لو لا أنت أبو بكر سينهار وأنت ملفق له مجمع له فضائل، تحاول تستر عليه يحاولون يعطون رؤية عامة بأن لا أحد يتكلم عن صحابة آخرين معروفين بأنهم أجرموا من أجل ماذا؟ من أجل لا يصل الموضوع إلى تقييم الأشخاص أولئك المعينين قالوا: اسكتوا ولا كلمة!.
لاحظ معنى هذا أنهم هم يحتاجون يسترون على باطل وعلى أخطاء، على قصور، على نقص على جهل على أشياء كثيرة، هل هذا الإنسان يمكن أن تلمس أنه استفاد من هذه الشخصية شيئاً؟ أبداً، لكن أنت تعال إلى الإمام علي مثلاً، عندما نأتي نقول: نقيِّم الناس من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، الإمام علي، إقرأ للإمام علي، إقرأ تاريخ الإمام علي، إقرأ أقوال الإمام علي، تعرَّف على سيرة الإمام علي، تجد كيف يعطيك، تستلهم منه أشياء كثيرة من حياته الخاصة، من شجاعته، من حكمته، من علمه، من قدرته القيادية، من حنكته السياسية، من كل الأشياء، يعطيك، لن تصل إلى حالة معينة ترى بأنه يحرجك تستِّر عليه، لكن بالنسبة للبسطاء من الناس هؤلاء هم المشكلة الكبيرة، أعني: لا يكون عندهم اهتمام بالقضايا ولهذا نقول: أنه من الإشكاليات الكبيرة عند الناس أنهم لا يعطون أهمية كبيرة لموضوع: هدى وضلال، هدى فيكون الهدى هو شيء جذّاب عندك وتحرص عليه وتتلهف للحصول عليه، والضلال شيء يوحشك تكرهه تحاول تهرب منه تمقته لا يوجد! هدى ضلال حق باطل كلها سواء! لا يوجد اهتمام بموضوع حق وباطل وهدى وضلال، هذه التي تضرب الناس، ينفق عليهم التلبيس، تلبيس الحق بالباطل والهدى بالضلال، عندما يكونون على هذا النحو.
{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}(البقرة: 43-44) يعني: هذا مما لا ينبغي أن يكون عليه إنسان يعرف الحق، إنسان يعرف النبوّات يعرف الرسالات، يعرف القرآن بأنه من عند الله ويكون في نفس الوقت لا يلحظ نفسه هو، أن يكون لديه توجه للحق واستقامة والتزام وإنما الآخرين فقط؛ لأن هذا معناه أن ليس للحق قيمة لديك إذا أنت تأمر الآخرين بالبر وتنسى نفسك!.
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}(البقرة:44) إذا كانت هذه قد تكون تتحدث عن حالة معينة – مثلاً – حصل من جانبهم توجيه بأشياء هي تعتبر بِراً، إذاً أنت تترك أن تتوجه لعمل ما هو من أرقى أنواع البر، عارفين هم أهل كتاب وعندهم بقايا دين وأشياء من هذه، يكون ما يزال هناك في الديانات أشياء تعتبر براً لكن من تلك الصغار، بِرٌّ من هذا الذي نحن نعمله يعلمك الوضوء ويعلمك كيف تهتم به لكن وينسى نفسه هو؛ لأنه يعلمك براً تعمل به وينسى هو براً كبيراً لا ينطلق فيه!. أن يتجهوا إلى الإيمان برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وإلى الإيمان بالقرآن، أليس هو أرقى أنواع البر؟ كافرين بهذه وما يزال يوعظ هنا بأشياء معينة، أخلاقيات معينة أو معروف معين من هذا.
{أَفَلا تَعْقِلُوْنَ}(البقرة: من الآية44) وهذه هي تصدق على كثير من الناس حقيقة بالنسبة للناس فيكون هو يأمر الناس ببر صغير من هذا الذي ليس فيه خوف ولا فيه مشقة ولا فيه شيء ولا، ولا، والبر الكبير، أنواع البر الكبيرة ليس له أي علاقة بها يحاول كيف يتهرب منها {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ}(البقرة: من الآية44) الذي يأمركم بكل أنواع البر ويركز اهتمامه على قضايا البر الكبيرة {أَفَلا تَعْقِلُوْنَ}: تفقهون، فتفقه بأن البر الصغير لن يعمل لك شيئاً ولن ينفعك بشيء ولن يوصل الناس إلى شيء ينفعهم حقيقة، عندما آتي أوجهك إلى عمل معين من أعمال البر الصغيرة، وأترك البر الذي يجب أن تنطلق فيه، فأنا في الواقع أغشك وأغش نفسي في نفس الوقت عندما أوجهك إلى بر من هذا النوع وأنا أعمله معك، بر صغير، ونترك البر الكبير، معناه ليس هناك فقه ليس هناك تعقل، أن تعرف أن هذا لن ينفق، هذا لن ينفق ولن يكون مقبولاً أي في الأخير لن يعمل لك شيئاً لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ولهذا نقول في موضوع الأعمال هذه: أننا نستطيع أن نعرف في الدنيا أنها لا تقبل في الدنيا هنا؛ لأن الأعمال يتجلى من واقع الناس ما يدل على أن أعمالهم مقبولة أو ليست مقبولة، تجد الدنيا الآن بلاد العرب مثلاً مليئة بالصائمين والمصلين والحجاج والمتصدقين والمزكين والقارئين للقرآن والمسبحين، أليس هذا موجوداً؟ لكن تجد هذه ما أعطتنا وضعية هي وضعية أولئك الذين قال الله عنهم: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}(الحج: من الآية38) {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}(النساء: من الآية141) أبداً لماذا؟ لأن هذه لم يعد لها قيمة نحن معها كمسلمين بشكل عام غثاء كغثاء السيل، نفوس ضعيفة قلوب مليئة بالوهن، فتجد هذا لم يعد له أثر في حياتنا بأن كان لها قيمة، لأن قيمة الأشياء في واقع الحياة هنا، هي تأتي من عند الله سبحانه وتعالى في قيمتها المعنوية وقيمتها المادية، أليس الله يذكر في القرآن الكريم {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(الأعراف: من الآية96) {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ}(نوح:10-11).
لا يوجد قيمة هنا ولا تستطيع أنت لا يستطيع الناس أن يكونوا هم، أن يجعلوا لأعمالهم قيمة، أعني: لا تستطيع أنت أن تجعل لصلاة هؤلاء الناس قيمة، وتجعل لها أثرها في واقع الحياة وفي واقع أنفسهم، هذه القضية تكون من عند الله، إذا أنت لا تلمس الشيء الذي هو مما وعد الله به أن يكون في هذه الدنيا في مقابل أعمال الناس أو جزاء أعمال الناس الصالحة، ماذا يعني هذا؟ أنها أعمال حابطة هنا، إذا هي حابطة هنا قد تكون حابطة في الآخرة فعلاً {أَفَلاَ تَعْقِلُوْنَ} ليس لها قيمة وترون أنها ليس لها قيمة في واقع الحياة.
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}(البقرة:45) هذا الكلام مبني على قوله أولاً: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ}(البقرة: من الآية41) آمنوا، كونوا على هذا النحو، واستعينوا بالصبر والصلاة على أن تتقبلوا النقلة هذه، وهي نقلة بسيطة في الواقع لكن كانت الإشكالية لدى بني إسرائيل إشكالية ثقافية: إنزواء في ثقافتهم على أنفسهم لدرجة أن الله يحكي عنهم أن عندهم بأنه لا يمكن أن أمة من الأمم الأخرى أن تعطى فضلاً من الله ورحمة وأنهم هم الفئة الوحيدة التي لا يصلح للدين إلا هم، حتى على ما هم عليه، أنه لا يوجد أمة غيرهم يمكن أن تنهض بدين ولا أن تتحمل مسؤولية ولا أن يكون فيها نبوة أبداً إلا هم.
هناك ثقافة إنزوائية على النفس وتضخيم لوضعيتهم ولمقامهم وأشياء من هذه، فكان مجرد الحادثة هذه: أن يأتي نبي من غير بني إسرائيل في حد ذاتها تشكل لديهم قضية كبيرة، وإلا فالمسألة في واقعها هم يعرفون الكتاب أنه من عند الله وأن هذا نبي من عند الله والإيمان به هو إيمان بما هو مصدق لما معهم، ليست قضية كبيرة في واقعها، تحتاج إلى خشوع إلى استسلام إلى تسليم لله سبحانه وتعالى، ولهذا قال: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} أي: النقلة هذه، وقد تكون الصلاة كما يقول البعض في حد ذاتها، لكن لا أعتقد أنه يقال عن الصلاة نفسها بأنها كبيرة إلا على الخاشعين؛ لأننا نصلي خاشعين وغير خاشعين، أليس الناس يصلون؟ الحالة النقلة هذه هي كبيرة لمن ينطلق معها من واقع خلفيته الثقافية التي جعلته على هذا النحو، لكن إذا هو مؤمن بأصل القضية: أنه يجب أن تكون عبداً لله ومسلِّم لله سبحانه فهذه هي سهلة.
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(البقرة:45-46) هذه القضية التي تنسف كل الإعتبارات الشخصية وكل الأشياء الخاصة والشخصية لدى الإنسان {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ} أي استشعار دائم ليس معناه أن يظنون مقابل يعلمون علماً يجعلهم في حالة وكأنه مترصد متى، متى يلقاه، ذهنيته حية، ذهنية تستشعر دائماً موضوع لقاء الله، ليس معنى يظنون مقابل يعلمون {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} يستشعرون أنهم ملاقوا ربهم {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.
{يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية40) عندما نرجع إلى قضية منهج نحن قلنا: نستوحي منهجية في عملنا من خلال القرآن الكريم من خلال أسلوبه من خلال ترتيبه للقضايا تعطي منهجية للناس، عندما يعملون عندما يتحركون، هنا يقدم القضية تبيينا متكاملا، تبسيطا للمسألة، أليس هذا موجوداً؟ عندما تقول للناس: نحن عندما نتجه على الطريقة هذه لاحظ المسألة هي سهلة في الواقع، أعني: ليست القضية أنه عندما نتحرك في هذا الطريق فقط تحصل المصائب والمشاكل والعناء والخوف… لا. هذه هي تحصل عند الآخرين وستحصل عندنا، ولو كنا على طريق أخرى ليس معناه سنكون في وضعية صحيحة وسالمين ولا يحصل علينا أي شيء يخيفنا ولا أي شيء يقهرنا ولا أي شيء يتعبنا وإنما فقط عندما نتحرك في سبيل الله، بل العكس هو الصحيح، أن من لا يتحركون في سبيل الله هم يعانون أكثر، قد تكون المصائب عليهم أكبر وتكون وضعيتهم تقريباً إلى ما لا نهاية في السوء.
بينما من يسيرون في سبيل الله لو عانوا مرحلة معينة وصبروا هي القضية التي في نصوص القرآن الكثيرة تتكرر كسنة إلهية متى ما صبروا هو الصبر الذي يأتي بعده فرج هو العناء الذي يأتي معه تأييد، تأييد نفسي تجعلك تتحمل، بينما في الحالة الأخرى في حالة أن يكون السوء وأنت قاعد ومتخلف يكون للشيء وقعه الكبير على نفسك، تكون منهاراً معنوياً فتكون المصائب لها وقعها الكبير على نفسك، أعني: لو استوت مصيبتي ومصيبتك أنا متحرك وأنت قاعد لو استوت في شكليتها فالفارق الكبير في وقعها علي وعليك، هذه القضية كبيرة؛ ولهذا قال الله: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ}(النساء: من الآية104).
عندما تكون أنت ترجوا من الله مالا يرجوه الطرف الآخر معنى هذا ماذا؟ يزيدك هذا، يجعلك تتحمل القضية فلا يكون للمصيبة وقع عليك، أو للشيء الذي يعتبر مخيفا وقع على نفسك كما لو وقع على الآخر، إذاً القضية أشد نكاية فيه وأشد وقعا عليه سيكون عذاباً شديداً. هذه قضية، التبسيط للمسألة ونحن بحاجة إلى هذه أعني: قضية مؤكدة في عمل الناس لا تقدم الدين حملا للناس حملا ومتاعب [والجنة حفت بالمكاره! والمؤمن يصب عليه البلاء صباً! ولازم نصبر ولازم كذا…] هذا غير صحيح.
ذكر الناس بأنه يأتي حتى لو لم نتحرك سيأتي لنا أشد مما نحن فيه، أفضل أن يكون العناء في سبيل الله [إذا قد أنت من مات يوم السبت فيوم الجمعة أفضل] مثلما يقولون، أليسوا يقولون هكذا؟ فهذا أسلوب هام جداً وطريقة ضرورية جداً؛ لأنك تجعل الإنسان هو ينطلق، عندما يقال لك أن تعطي مقارنات للناس تجعل القضية مبسطة لديهم وتصبح بسيطة عندما ترى بأنه فعلاً هي مصائب هنا أو هنا، لكنها هنا هي أفضل؛ لأنه يأتي بعدها فرج وأجر كبير من الله أو الشهادة لو حصلت المسألة وأدت إلى أن يقتل، بينما هنا في الطريق الآخر سيكون بدون مقابل، أليس سيعتبر هذا أفضل وأبسط وأسهل؟.
لكن أحياناً نأتي نتحدث في اتجاه واحد فقط: [يجب علينا أن نصبر ولو عانى الإنسان في سبيل ذلك فهو يعاني في سبيل الله…!] ونكون في نفس الوقت نقدم القضية أمام الناس بأنه سيلاقي مصائب وعقبات ويتصور بأنه لو كان قاعداً وليس هناك عمل في سبيل الله لما حصلت الأشياء هذه، وفي الأخير يقدم الدين للناس والعمل في سبيل الله للناس وكأنه أحمال ثقيلة هنا يقول: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} (البقرة: من الآية41) عبارة ما ينبغي أن تكونوا كذا… كذا… هي قضية تعطيك أيضاً أسلوباً مع الآخرين.
نقول نحن مثلاً: الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بالقرآن الكريم، أنعم علينا بموقع هام جداً من الناحية الجغرافية من ناحية الثروات الهائلة التي نرقد عليها في باطن الأرض التي نحن فيها في الجزيرة العربية هذه ما ينبغي أن نكون نحن أضعف الناس، لا ينبغي أن نكون أول كافرين بهذه النعمة، نعمة على ظاهر الأرض القرآن الكريم، ونعمة في باطن الأرض الثروات الهائلة، نعمة في الموقع بكله؛ ولهذا يتسابق الآخرون عليه؛ لأنه موقع يعرفون بأن من يسيطر عليه يسيطر على العالم، الإسرائيليون الذين دولتهم ما تزال جديدة ولها فترة قصيرة عندهم طموح أن يهيمنوا على المنطقة هذه، لأنهم يعتقدون أن الهيمنة على المنطقة هذه يعني هيمنة على العالم بكله وهذه حقيقة باعتبار موقعه باعتبار ثرواته الهائلة.
تجد الكلام مع بني إسرائيل هنا هو كلام أن يتوجهوا عملياً أعني: ينتقلون إلى مرحلة، أليست هكذا؟ مما هم عليه إلى مرحلة جديدة هي: الإيمان بالقرآن الكريم، والإيمان برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) والإنطلاقة مع النبي ومع المسلمين، أليست هذه نقلة عملية؟ تجد عادة النقلات هذه يكون هناك ما يحيط بالناس عادة، أعني: في أي وضعية أشياء كثيرة تكون محط أن يرهب أو يتقي منها، أعني: أشياء تخيف أو ترهب أشياء من هذه، هنا تأتي العبارة بأنه لا ترهبوا أحداً غيري {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} لا تفكروا في اتقاء أحدٍ غيري {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} بمعنى ماذا؟ أنه في حالة كهذه تكون مسؤولية كبيرة وعقوبة التفريط كبيرة، إذا أنت تفكر ترهب أو تخاف من أي شيء. لا، أنت في وضعية يجب أن تفكر في أن أعظم خطورة عليك هو: ما يأتي من جانب الله {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}، {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} قضية نقلات، مثلما نقول: نحن في وضعية المفروض أن الناس فيها يتوجهون توجهاً جديداً إلى أن يستشعروا مسؤوليتهم من خلال القرآن الكريم، أليست دروساً لنفس الحالة؟.
إذاً افهم القضية على هذا النحو: أنت في مرحلة خطيرة جداً جداً عليك، من جانب من؟ الله؛ فيجب أن تفهم بأن عليك أن لا تفكر إلا في أن تتقي ما يمكن أن يأتي من جهة الله، وأن لا ترهب إلا الله. هذه أليس الناس فيها؟ نحن فيها حقيقة. أعني: فعملياً نركز على هذه: عندما تكون تتحدث مع الناس يجب أن تفهم أو يكون عندك تقديرات عن الأشياء التي هي تشكل عوائق داخلية عند الناس، يخافون من كذا، خائف على كذا، يخشى كذا، هذه تحاول تبرزها إلى السطح، قل: الإنسان قد يخاف على كذا أو كذا، لكن يجب أن يفهم بأن القضية الخطيرة عليه هي – عندما يفرط – ما يحصل عليه من جهة الله.
لا تكتف بالتذكير هكذا، دون أن تحسب حساب ما في أعماق نفوس الناس. هذه الآية تراها تناولت الأعماق، ألم تتناول الأعماق؟ أعماق نفسياتهم عندما يقول: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} عندما يقول: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}(البقرة: من الآية41) وعندما يقول: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} والتوجيه بما يعين الناس، قدم للناس الشيء الذي يشكل عوناً لهم في المسألة، الله سبحانه وتعالى وجهنا في القرآن الكريم في سورة نقرأها دائماً: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(الفاتحة:5) كل الناس الإنسان مهما كان هو بحاجة إلى أن يستعين بالله ليست المسألة أنه أنت فقط فتتصور أنك سوف تتحمل جبالاً عليك ليس الأمر كذلك حتى محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) يستعين بالله دائماً المؤمنون المخلصون أولياء الله الذين هم على مستوى عالي كلهم عندهم هذه القضية ثابتة: الإستعانة الدائمة بالله، الإستعانة بالله سبحانه وتعالى هي أيضاً ما يزال فيها علاقة بمعرفة الله هو، بمعرفته هو.
هنا عندما تعرف؛ لأنه من خلال القرآن الكريم يقدم لك المسألة بأنه هو مدبر شؤون السماوات والأرض، وأنه إليه يرجع الأمر كله، وأن إليه عاقبة الأمور، معنى هذا لا تتصور بأنك أنت ومن معك الناس الذين أنت معهم أنكم ستحملون الجبال، وتغيرون مجرى العالم هذا، وتغيرون أنتم بأنفسكم، أنتم شغالين في جانب والباري هو مشتغل ويعمل – إذا صحت العبارة – يعمل كثيراً، يعمل كثيراً من الأشياء التي لا تخطر في بالك، ولا تصل إليها قدراتك، لا الذهنية ولا المادية، هو المدبر، هو المغير، هو يصنع المتغيرات، وضرب أمثلة كثيرة في القرآن على هذا.
إذاً عندما نفهم هذا نحن، ونفهم الناس قضية ينطلق الناس فيها ويرون بأنه مطلوب مني أن أكون جندياً من جنود مدبر شؤون السماوات والأرض، أتحرك، هو يؤيد، وينصر في حركتك المباشرة، ويعمل أشياء كثيرة من هناك. مثلما قلنا بأنه ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في مكة معه مجموعة مسلمين مستضعفين يعذبونهم، وناس يحتاجون يهربونهم إلى الحبشة لاجئين، أليس هو هناك يدبر ما بين فارس والروم؟ عندما يكون الناس يرون أنفسهم في وضعية تبدو أنهم مستضعفون فيها وفي حالة شدة وكذا، هم لا يعرفون ماذا يعمل الباري في مجالات أخرى في الساحة العالمية هذه، ذلك الذي يصيح وفوقه حجر في الشمس قد يأتي للواحد يأس، يأس يحصل عنده بنسبة ألف في المائة أن هذه حركة يمكن أن تنهض، ويأتي في يوم من الأيام ويكون الناس هؤلاء هم ولاة في بلاد فارس والروم وغيرها، لا، هذا في حرارة الشمس والله يدبر هناك، يغير أشياء كثيرة لا يستطيع المسلمون أن يغيروها لو يقفون كلهم في الشمس، هو يغير هناك.
هذه تعطي الناس دفعة، أعني: تفهم الإستعانة بالله، والإلتجاء إليه، وتفهم أيضاً أنه مدبر شؤون السماوات والأرض، تستعين بأشياء يقدمها هو في ممارساتك: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}(البقرة: من الآية45) لاحظ كيف جعل الصبر وسيلة عملية للوصول إلى النتائج المهمة والنتائج الجيدة، واستعينوا بالصبر، واستعينوا بالصلاة، الصلاة؛ لأنها تجعلك دائم الإرتباط بالله سبحانه وتعالى، ودائم التذكر لله والذكر لله.
تذكّر اليوم الآخر قضية مهمة، وعندما يقول: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ}(البقرة: من الآية46) أي: أنها قضية يجب نحن أن نذكِّر أنفسنا بقضية اليوم الآخر بشكل مستمر حتى تصبح المسألة عندك قضية تستشعرها دائماً، لا يحصل منك حالة نسيان لليوم الآخر. ولهذا يكون هناك أدعية مناسبة، مناسب أن الإنسان يدعو بها دائماً، مما لها علاقة بموضوع الجنة والنار، واليوم الآخر وأشياء من هذه في قنوت الصلاة، وبعد الصلاة، وفي أي لحظة، يتذكر أن يدعوه دعاء ((اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار))، أن يدعوه كلما يحصل عنده رغبة أنه يدعوه ويذكر يدعوه؛ لهذا يجب التركيز في تذكير الناس باليوم الآخر بشكل متكرر، وبشكل يكون مرتبطاً عملياً.
أعني: عندما ترى بأن الله سبحانه وتعالى يتحدث هنا بموضوع هو يعني نقلة، ولهذا قال: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} هنا يبين الأشياء التي تشكل عوناً للنقلة هذه: صبر وصلاة، وخشوع لله من مظاهره: التذكر الدائم لقضية اليوم الآخر {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(البقرة:46) لأن هذا عملياً يجب أن نسلكه مع أنفسنا حتى في مرحلة النقلة هذه، للإستمرار على الحالة هذه، وعندما تذكر الناس الذين تريدهم أن ينتقلوا إلى وضعية كهذه، أن نركز على هذا الجانب، جانب: التذكير باليوم الآخر، الترغيب بالجنة، والترهيب من النار، وربط المسألة عملياً بهذه، أي لا أقوم أعمل لك خطبة فقط أذكر فيها جنة ونار وفقط.
تجد أسلوب القرآن الكريم هنا يأتي بالجنة والنار، وذكر اليوم الآخر في إطار عملي وهو يوجه إلى شيء ينطلقون فيه، أو يحذر من الوقوع في شيء، فيأتي بحديث عن اليوم الآخر؛ ولهذا بعض الناس تجدهم ليس لديهم نقلة مع أن الخطب السابقة، أليست تركز على موضوع الجنة والنار؟ الخطب السابقة كانوا يتحدثون أيضاً عن مسألة عذاب القبر وأشياء من هذه كثيرة يتحدثون عنها، لكن لم يربط الموضوع عملياً بماذا؟ بقضايا تدفع الناس إلى أن يتحركوا فيها، وتقدم لهم موضوع اليوم الآخر، تكون القضية عندهم أن ينطلقوا في هذا. هو يأتي يعطي حديثاً هناك لوحده عن الجنة والنار! ورد ذكر الجنة والنار تقريباً في القرآن كله في مجال عملي. إذاً فهذا أسلوب يجب أن لا نغفله ويجب أن نعرف كيف نعمل فيه، أي لا يكون حديثك دائماً لا تتعرض فيه لليوم الآخر، ولا للجنة والنار، ولا تذكير بأهوال القيامة، ولا شيء من هذا، ولا أن تقدمه مجرداً عن توجيه عملي.
{يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية40) أليس هذا تكريرا من جديد للمسألة؟ لأنها هامة: موضوع القرآن الكريم ليس هناك ما يقال فيه تكرير مثلاً لمجرد التكرير، يكون تكريرا لإعطاء القضية إشعارا بأهميتها، وفي نفس الوقت يكون أيضاً في الموضوع نوع اختلاف عن سابقه، بمعنى: أن إعادة هذا التذكير هام بالنسبة لما سيأتي بعده من حديث كما يأتي أحياناً بتكرير كلمة: اتقوا الله، أحياناً يكررها في داخل الآيات مرتين ثلاث؛ لأنه يأتي بعد {اتقوا الله} كلام يوجه لقضية معينة بعد قضية أخرى يريد أن يوجه بها، أو توجيه عملي، أو أن يتركوا، يأتي بكلمة: اتقوا الله، أي: فالتكرير معناه: أن القضية هامة نفسها هذه التي يذكّر بها وفي نفس الوقت هامة في أن يتحدث بما بعدها، مع الحديث عنها، مع التذكير بها.
{يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}(البقرة:47) تفضيلهم على العالمين: بمعنى أعطاهم شيئاً هو يعتبر فضلا، أليس الله سبحانه وتعالى يذكر أن النبوة نفسها هي فضل؟ {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء: من الآية113) هي رحمة {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ}(البقرة: من الآية105) فالفضل معناه: أعطوا أشياء، أوتوا الكتاب، الحكم، النبوة، أورثوا الكتاب، أليست هذه تعتبر فضائل أعطوها؟ لكن عادة – ويجب أن نفهم هذه القضية دائماً – أن هذه الأشياء يترافق معها مسؤولية، وليست فقط أوسمة هكذا، أبداً، كلها يترافق معها مسؤوليات، ولهذا ترى أنه أعطاهم هذا الفضل لكن عندما فرطوا فيما يعتبر مسؤولية مقترنة بهذا الفضل كانت النتيجة سيئة عليهم في الأخير، فوجدنا لعن هؤلاء الذين ذكر أنه فضلهم على العالمين لماذا! فضّله يوم ولعنه ثاني يوم؛ لأن القضية ليست مجردة، ليس تفضيل بحت، إعطاء أشياء هي مسؤوليات.
فأنت يقال أنت حصلت على فضل من هذا كان فضلا فعلاً عليك من الله أن أوكل إليك هذا الموضوع الذي هو يعني: مسؤولية أمام الآخرين تتحرك به في الحياة تتحرك به مع الناس تلتزم به أنت، وتعمل بتوجيهاته، بالنسبة للآخرين أعني: ليست المسألة بالنسبة لله سبحانه وتعالى أنه يأتي يصنف عباده هكذا باعتبار الجنس مجرداً عن أي اعتبارات، هذه لا أعتقد أنها تحصل، كلها قضايا مقترنة بمسؤوليات، مهام ومسؤوليات، هو فضل كبير عليك أن يكون الله سبحانه وتعالى اختصك بشيء هو يعتبر مسؤولية، أليس هو يعتبر فضلا عليك؟ لكن هذا الفضل لن يكون له قيمته بالنسبة لك إلا عندما تتحرك وفق المسؤولية المقترنة به؛ لأنه هو في الواقع مسؤولية، الفضل اعتبره في كلمة مسؤوليات، تتحرك إذا لم تتحرك نسف وفي الأخير يصبح هذا أسوء.
ألم نجد في القرآن الكريم ضرب أمثلة لمن حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار، عندما لم يحملوها ضرب لهم أسوء مثل. عادة قد تكون المسؤوليات هذه تترافق بمؤهلات، هذه المؤهلات نفسها هي تساعدك على القيام بالمسؤولية هذه، فإذا لم تقم بالمسؤولية هذه، قد تتحول مؤهلاتك إلى شر.
بنوا إسرائيل هم يبدو ولديهم ذكاء باعتبار عندهم نفوس ذكية عندهم خبث، شياطين، مثلما يقول البعض: [فلان شيطان] إذاً هذه كان المفترض أن هذه تسخر في ماذا؟ في النهوض بمسؤوليتهم؛ لأنه عادة المسؤوليات تحتاج إلى نفسيات كهذه، حتى أنت عندما تختار لمهمة من المهام عندما يأتي رئيس دولة أو أي شخص يريد أن يكلف أشخاصاً بمهام، ألا يحتاج إلى أن ينظر إلى ما لدى هذا الشخص باعتبار نفسيته، ومؤهلاته هل هو سيكلف شخصاً غبياً؟ لا. وإنما سيكلف شخصاً يرى فيه مقومات النهوض بهذه المسؤولية. إذا لم يتحرك إذا لم يشغل هذه المؤهلات هذه المقومات التي تعتبر مساعدة على النهوض بالمسؤولية إذا لم يشغلها في هذا الإطار، في ماذا؟ في مجال مسؤوليته، تتحول إلى شر. الآن خبث بني إسرائيل أليس الناس يصيحون منهم في العالم الآن، وهم قليل لكن عندهم خبث يعرفون كيف يشتغلون كيف يخططون، عندهم الإستمرارية، الجدية هذه.
هذه القضية هي أساساً من الأشياء التي تعتبر ضرورية لمن يعطون مسؤوليات، أو لمن يوكل إليهم مسؤوليات ومهام، هل أنت يمكن أن توكل مهمة إلى شخص ليس عنده اهتمام ولا هو مستعد في نفسيته، أعني: كسلان لا يبالي أو تريد شخصاً يتحرك فيها؟ إذاً قد تكون اختصاصات من هذا النوع هي كلها معناها: منحة يعطيها الله وكلها مرتبطة بهذا الدور المنوط بهم، مثل العلم نفسه، أليس العلم نفسه هو يعتبر مسؤولية؟ لكن عندما تتجرد عن الإهتمام بهذه المسؤولية، فيمكن يتحول إلى شر فيمكن أن تحكم أحكاماً باطلة، أليس من الممكن أن يحكم أحكاماً باطلة مقابل فلوس؟ وإذا به أصبح يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً، وقد صار لديه معرفة كيف يوظف الدين للحصول على ماديات، وقد عنده ذكاء، ذلك الذكاء الذي كان المفروض أنه كيف يوظفه في إصلاح الناس، وفي دعوة الناس إلى الله، وإرشاد الناس إلى الله، وإذا هو قد صار يوظف هذا الذكاء في كيف يستثمر من ورائه.
فالقضية هي على هذا النحو: مؤهلات للنهوض بمسؤولية هي أشياء لا بد أن تكون لها قيمة في الواقع، لكن تتعطل قيمتها عندما تترك المسؤولية فتتحول إلى شر تحول ذكاؤهم تحولت جديتهم واستمراريتهم هذه الروح العملية لديهم الروح الحركية لديهم، تحولت إلى ماذا؟ إلى شر، تصبح هي وبالاً كثيراً عليهم، تصبح شراً عليهم هم، ألـم يقل في آيـة سابقة في [سورة البقرة]: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}(البقرة: من الآية 9) في الأخير يصبح ذكاؤهم تصبح روحيتهم الحركية العملية مصدر شر كبير يتضاعف عليهم، بدل ما كان المفروض أن يكون مصدر أجر كبير وفضل يتضاعف لهم.
لهذا عندما نتحدث عن بني إسرائيل، هذه القضية عندما تستعرض القرآن الكريم نلاحظ كيف النظرة إلى بني إسرائيل، معنى هذا أنه يجب أن نكون نحن لدينا هذه النظرة وهي ما تسمى بالنظرة الموضوعية، النظرة الموضوعية التي تبناها القرآن الكريم هي التي لا يجوز للناس أن يتجاوزوها، لا يجوز للناس أن يتجاوزوها أبداً، مثلاً عندما يتحدث عن بني إسرائيل، لا يقدم أن نفس الجنس، ذلك الجنس هو شرير، أنه هل يمكن أن الله يصطفي ويفضل ويعطي مسؤولية لجنس هو من حيث هو خبيث أعني: أصل خبيث؟ لا. هذه لا تحصل أبداً هم باعتبار جنسهم من ذرية إبراهيم هم من البشر لكن لِما أصبحوا عليه ولما كانوا عليه من هذا الإنقلاب على ما آتاهم الله سبحانه وتعالى، من التنكر لما آتاهم الله سبحانه وتعالى من الفضل، ولهذا يأتي في القرآن الكريم [بما كانوا، بما عصوا، وبما كانوا يعتدون، وبما كانوا، لكذا] تكرر هذه. أعتقد هذا قلناه في أول محاضرة في يوم [القدس العالمي] أول محاضرة أنه عندما نتحدث عن بني إسرائيل، عن اليهود، لا يصل بك الحال إلى درجة أنك تعتقد أن هذا جنس من حيث هو، عنصره، نفس هذا العنصر هو خبيث، هذا لا يصح على الإطلاق؛ لأن الله بين هنا بأنه فضلهم واصطفاهم وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين، وكانوا ورثة الكتاب وفيهم الحكم وفيهم النبوة، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين.
يجب في تقديسك لله، وإجلالك لله أن تعرف أن هذا ليس عنصراً خبيثاً، إنما هم خبثوا، أخبثوا أنفسهم هم بما أصبحوا عليه بعصيانهم بتمردهم بعنادهم بشيطنتهم أصبحوا على هذا النحو الذي لعنهم هو، أي: لو تعتبر أنت أن هذا العنصر من أصله عنصراً خبيثاً بدون اعتبار لما أصبحوا عليه، معنى هذا أن الله فضل واصطفى وأعطى مهمة كبيرة أناسا هم على هذا النحو، معنى هذا بأنك أنت لا تنـزه الله وأن عقيدتك هذه ونظرتك هذه تؤدي إلى ماذا؟ إلى الحط من قدسية الله وجلاله وعظمته؛ لهذا أحياناً نرى بعض الكتاب يتحدث عنهم كجنس، وهذه غلطة كبيرة يتحدث عنهم كعنصر من حيث هو، هو خبيث من أصله، هذا لا يجوز، هذا لا يصح، وأنت تنظر إلى الله وأنت إنسان تسبح الله وتقدسه وتنـزهه، لا. لاحظ القضية كيف هي: هو اصطفاهم آتاهم الكتاب والحكم والنبوة، لكن قال: التزموا بها؛ لأن هذه مسؤوليات، إذاً عندما فرطوا فيها أصبح الغضب عليهم شديداً، أنظر هذه النظرة، هو في الأخير لعنهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة، إلعنهم، عندما تلعنهم تعتبرهم ملعونين عندك لما هم عليه، ليس لأن هذا الجنس من حيث هو، هذا العرق من حيث هو أنه خبيث من أصله.
لاحظ الآن أليسوا على ما يقول الناس: [غوصوا العرب في فنجان] والعرب كانوا يستطيعون لو اهتدوا بالقرآن، العرب هم بطبيعتهم عندهم السماحة والحلم والأشياء هذه، واليهود عندهم خطط، عندهم قضايا علمية، تخطيط خبث استمرار، عمل على طول، مستمر على طول، العربي يعمل قليلاً وجلس ملَّ؛ ولهذا القضية بالنسبة للعربي نفسه هو ماذا؟ يستشعر القضية مسؤولية، لاحظ هذه القضية أساسية جداً حتى بالنسبة لعملنا أعني لا يساويها في خلق دافـع عند الناس الحديث عن مجرد دفـاع عن النفس والوطن وأشياء من هذه ركز عند العربي – لأن العربي هو بطبيعته عنده قابلية للدين – ركز عنده موضوع المسؤولية أمام الله مسؤولية وراءها عقوبات هنا في الدنيا وفي الآخرة، وبنفس الطريقة السابقة مع ما يترافق مع هذا الحديث من أشياء كثيرة، لكن رسخ المسؤولية؛ لأنك أحياناً عندما تقول له: هم سيأخذون كذا وهم سيعملون كذا هذا جانب من الحديث، جانب، لكن لا يكون تركيزك على هذا الجانب باعتبار أنه هو الذي يخلق دفعة عملية لأن ينطلق الناس، أحياناً يكون عندهم [ما في خلة ما في خلة] إلى أن يصل المحتل عندهم ثم [ما في خلة] وقد صار في طرف بلاده ولا يصيح إلا عندما يكونون في بيته قد هم هاجمين على بيته، قد يترافق مع هذا مسألة الدفاع عن النفس، حقيقة، لكن الإنسان بطبيعته والعربي بزيادة ربما يكون عنده إذا قد الشيء غير ملموس لديه وخطورته قائمة ومباشرة فعنده أنه ما يزال غيباً [فكَّة].
لاحظ الآن كيف وضعيتنا نحن هنا في اليمن وفي السعودية مثلاً نشاهد العراقيين في العراق، ألسنا نشاهدهم في العراق؟ ونشاهد ما يعملونه في العراق إذاً هل تجد للحالة تلك والناس يشاهدونها هنا في وسائل الإعلام، هل تجد أنها خلقت دفعة معينة في محاولة أن يجهزوا أنفسهم يعدون ويحذرون؟ لا. [عندما يأتون من العراق (فكَّة)] وصلوا السعودية، عنده ما زالوا في السعودية، وصلوا صنعاء وتعز، عنده هم ما زالوا هناك في صنعاء كما جاء في المسرحية التي قدمها الشباب، هكذا عندهم [ما في خلة والله أعلم متى (وفكَّة)] وفكَّة هذه لا تعطي دفعة ولكن القرآن الكريم يبني المسألة أن تكون القضية الأساسية التي تخلق عند الناس دافعا، وتستطيع أن تتجاوز هذه الحالة النفسية التي قد تقعد الإنسان، هي التركيز على المسؤولية أمام الله، لازم نتحرك أمام أعداء الله.
عندما يقول لك: [ما هو وقت..]، قل له: لا، تعال إلى القرآن تجد أنه كان وقت من قبل أربعمائة سنة، فعلاً، وقت أن يعمل الناس ويحسبوا ألف حساب لأن لا يحصل وضعية كهذه، من قبل أربعمائة سنة، من بداية نهوض [أوربا] أو من بداية اكتشاف [أمريكا]، أليس الناس الآن [مصوتين] من أمريكا، متى اكتشفت أمريكا؟ قبل أربعمائة سنة اكتشفت القارة بكلها، لم تنهض أمريكا إلا متأخرة في الوقت الذي كان المسلمون يحكمون، يحكمون هنا في اليمن [الزيود] أنفسهم، كان معنا دول قائمة قبل أربعمائة سنة، والقرآن يعطي توجيها بالشكل الذي يجعلك تحسب ألف حساب من ذلك الوقت، وأنت ترى مؤشرات النهوض لديهم، يذكر لك هنا ماذا يمكن أن يعملوا فيما إذا تمكنوا.
إذاً، فالمسؤولية في القرآن الكريم هي بالشكل الذي تنسف حالة اللامبالاة، أي حالة:[ما في خُلّة] وتعطيك عملا، أو تعطيك حركة مسبقة من واقع الشعور بالمسؤولية أمام الله، أنك لا تفرط، فيؤاخذك في الدنيا وفي الآخرة على تفريطك. هذا جانب. جانب الترغيب في هذا الموضوع جانب كبير أيضاً جداً، بالثواب من الله، بما يمنح الله الناس عندما يكونون على هذا النحو في الدنيا وفي الآخرة.
{وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً}(البقرة: من الآية48) إذاً، عرفنا من خلال هذه الآيات إلى الآن فيما تعطيه للناس من توعية في مجال منهج وأسلوب في عملهم أشياء واسعة جداً وأنها أشياء هامة، كنا نقول في موضوع منهج، الذي يسمى منهج دعوة أو منهج حركة أو منهج عمل، هي قضية في القرآن متكاملة مع مختلف الوضعيات، أنت الآن لو تأتي مثلاً أنت تحاول تضع منهج دعوة أو خطة عمل في حركتك تجعلها فقط لوضعية أمامك معينة، القرآن الكريم يعطي منهجاً متكاملاً لمختلف الوضعيات ومختلف الحالات، وأنه في الواقع في مسيرة عمل الناس أنك تلقى أو تصادف في حركتك عدة وضعيات، عدة وضعيات لأشخاص، عدة وضعيات [لِقُبُل] عدة وضعيات لمجتمعات في الزمن الواحد في السنة الواحدة، ما بالك مع تغيرات الزمن نفسه، فيما يخلق من تغيرات في وضعية الناس وفهمهم وتوجههم.
تجد الكثير – مثلاً – ممن هم منظِّرون لحركات يركزون جداً على موضوع أن يرسموا منهجاً! هذه هي قضية، أنه لا بد لأي مسيرة أن يكون لها منهج، أي حركة يكون لها خطة ومنهج، لكن ليس هناك إلتفات بالشكل المطلوب بالشكل الكامل إلى موضوع أن القرآن الكريم يعطي منهجاً متكاملاً، منهجاً عملياً لمن يدعو لمن يخطب لمن يعلم لمن يتحرك في أي مجال من المجالات، منهجاً متكاملاً. تلاحظ أنه يعطينا منهجاً لا يجعل شيئاً على حساب شيء، في الوقت الذي يعطي أهمية لقضية يذكِّر بقضايا أخرى وإن كانت تبدو عادية؛ لأنه عادة في وحدة الدين وتشابك التشريع بعضه ببعض تكون الأشياء التي تبدو عادية لها قيمتها أيضاً في الموضوع، أنت عندما تذكر الناس فأنت لا تقدم فقط قضية واحدة تذكر، أو يكونون مجموعة ناس هم يذكرون ويتحركون في التوجيه يكونون هم مجموعهم أو مجمل عملهم يتضمن الموضوع بشكل كامل، بشكل كامل، بل مناسب جداً أنه يتناول الشخص الواحد أعني: وإن كان مثلاً قد تطغى على ذهنيتنا بعض القضايا يمكن أن تعطي قضية معينة أهمية كبرى وتقدمها؛ لأن هذه القضية ملحوظة في القرآن يعطي أهمية لقضية معينة وفي نفس الوقت يتناول قضايا أخرى مثلاً هي هامة بالإمكان تناولها، فعندما يقول هنا: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}(البقرة:43) يوجه هناك: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ}(البقرة: من الآية41) بعد قوله: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية40) يعطيك عنواناً كبيراً، تذكُّر النعم، والإيمان بما أنزل، أليست هذه قضية أساسية وكبيرة: الدعوة إلى الإيمان بما أنزل؟ هم أنفسهم أصحاب ديانة، كيف ديانتهم؟ صلاة وزكاة، في نفس ديانتهم، أنتم عندما تتجهون إلى هذا الدين…؛ ولهذا جاء الخطاب معهم يختلف عن خطاب الكافرين والمشركين هو لا يقول للكافرين: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، هؤلاء في دينهم أعني: في الرسالة التي هم مؤمنون بها فيها صلاة وفيها زكاة، يدعوهم إلى شيء هو غير غريب لديهم إنما يعتبر – أن يؤدوه في هذا الإطار – يعتبر فعلاً إقامة للصلاة وإيتاء للزكاة في محلها، عندما يكونون مؤمنين بالقرآن الكريم، ومتجهون إلى أن يدينوا بهذه الرسالة.
التذكير بالموقف الذي قد يجهل الإنسان أحياناً بأنه… وهذه هي قضية حاصلة: أنه يذكر بشيء ولا يذكر بشيء آخر نهائياً، أعني: متنكر له، ليس معناه: ناسي له، متنكر له! هنا بين له خطأ ما هو عليه، عندما يأتي شخص يقول لك: هو مرشد من طرف معين، هو مرشد ويذهب يعلم وعنده أنه سيذهب إلى منطقة معينة يرشد ويعلم، أليس معناه بأنه يأمر الناس ببر؟ قل له: أنت في نفسك أنت ناسي لبرٍٍٍ هامٍ يجب أن تكون عليه أنت وتأمر الناس به، تذكره بقصور عمله، بنفسه هو، في عمله هذا، لا يكون مسترسلاً في موضوعه وعنده أنه صحيح، لا، أحياناً قد يحصل عنده أو قد يزين له من أطراف أخرى بأن هذا هو الموقف الحكيم، يتكلم عن هذه القضايا العادية ولا يتناول القضايا الكبيرة، ولا يتحدث فيها نهائياً [ما هو وقت!] قل له: يا أخي هذا ليس إرشادا ً للناس، أنت أول شيء افهم ماذا يعني إرشاد الناس، وإلى ماذا ترشدهم {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ}(البقرة: من الآية44) أليس هذا يعني فضحا لحالة هم عليها وهي غير طبيعية؟.
التذكير باليوم الآخر، ثم يقول أيضاً من جديد: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً}(البقرة: من الآية 48) {لا تَجْزِي} لا تغني، أغنى عنه: أجزى عنه، فوقاه بإجزائه العقوبة الكبيرة {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ}(البقرة: من الآية48) لاحظ في هذا السياق بشكل عام هو يأتي التعبير في بدايته يخاطب أمة، لكن لا ينسى قضية هامة أنه أيضاً يتناول في خطابه التذكير الفردي مثلاً عندما تقول: [أيها الناس] تأتي عبارات من عندك يكون فيها ما يرى كل شخص أنه خطاب يعنيه هو بعدما يقول: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ}(البقرة: من الآية40) يا بني إسرائيل، أليس هذا خطاباً لأمة؟ {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً}(البقرة: من الآية48) أليس هو هنا يوجد عندك استشعارا فرديا تحسب أنت حساب نفسك أنت يوم القيامة؟.
{وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ}(البقرة: من الآية48) فقد تكون مثلاً هناك معتقدات معينة فيكون عنده حتى لو فرضنا ونحن مقصرون أو فرضنا ونحن كذا سيحصل شفاعة من كذا أو ربما أعمل شيئاً معيناً ويمكن أن يقيني هذا المؤاخذة يوم القيامة، وبعض المعتقدات سيئة تقعد الناس وتشجعهم على البقاء على حالة هي تعتبر مخالفة لما يريد الله منهم، بمعنى لا ينجي هذه النفس لا ينجيها إلا ما عملته هي: أن تؤمن بالله وبرسوله وتنطلق على أساسه كتابه. {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ}(البقرة: من الآية48) ماذا بقي؟ لم يبق إلا أن تكون هذه النفس ملتزمة بما أمرها الله أن تؤمن به وتلتزم به وتسير عليه.
يذكر نعمة أخرى هي من النعم الكبيرة: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}(البقرة: من الآية49) {واذكروا} واذكروا هذه النعمة بخصوصها، يأتي أيضاً يعدد النعم بمختلف أنواعها، واذكروا معناه: واذكروا أيضاً {إِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} يسومونكم أي باستمرار، مستمرين في ماذا؟ في تعذيبكم أسوء العذاب سوء العذاب: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ}(البقرة: من الآية49) وهذه القضية صعبة جداً يذبحون الأبناء الذكور ويستحيون الإناث يستخدمونها في بيوتهم.
{وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}(البقرة: من الآية49) وفي ذلكم، أي هذه النعمة، إنقاذكم، نجاتكم من هذا العذاب الشديد المؤلم يعتبر نعمة عظيمة من الله هي تمثل ماذا؟ ابتلاء لكم أنتم أي أنكم يجب أن تقدروا هذه النعمة وتشكروا الله عليها وتنطلقوا على ماذا؟ على التمسك بكتابه وتسيرون على هديه؛ لأنه عندما تعظم نعمة الله عليك هي في نفس الوقت تعتبر ابتلاءً لك، أليس نبي الله سليمان قال: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}(النمل: من الآية40) لأن كل نعمة تأتي لك تكون حالتك أمامها: إما حالة أن تشكر أو أن تكفر، فعندما تكون النعمة عظيمة يكون الكفر بها سيئا جداً فالنعمة باعتبار، لهذا الإعتبار أنها ما زالت تمثل أيضاً، مطلوب منك في مقابلتها موقف هو: أن تشكر لا أن تكفر، تعتبر عظيمة. {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}(البقرة: من الآية49) ليس معناه مصيبة عظيمة، النجاة من هذه الوضعية السيئة التي كنتم لا تتصورون بأنه يمكن أن تخرجوا منها أو يأتي يوم ترون أنفسكم وأنتم قد نجيتم منها.
{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}(البقرة:50) نعمة كبيرة جداً هذه، نعمة نجاتهم من آل فرعون، ثم أن تكون النجاة بهذه الطريقة أيضاً هي نعمة في حد ذاتها أن تكون نجاتهم على هذا النحو: بأن فرق لهم البحر فيجعل من فرق البحر وسيلة لنجاتهم ووسيلة في نفس الوقت لإهلاك أعدائهم وهم ينظرون في الشاطئ الآخر، آل فرعون يدخلون ويصطفق البحر عليهم.
{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}(البقرة: 51-52) أليس هذا أيضاً في إطار الحديث عن النعم؟ تقع منكم هذه الخطيئة الكبيرة. {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}(البقرة: من الآية52) أليست هذه نعمة كبيرة من الله أن يعفو عنهم؟ غالباً ما تكون كلمة:[يعفو] تتناول ما يمكن أن يحصل بشكل واسع في الدنيا قبل الآخرة كلمة:[يعفو] {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}(المائدة: من الآية15) {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ} هناك فرق بين يعفو ويغفر؛ لأن معناه الآثار أو مجمل أو كل الآثار السيئة التي كان تترتب على خطيئتكم هذه لم يتركها تمشي كلها، عفا عنكم، مثلما قال هناك: {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}.
{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ}(البقرة: من الآية52) بأن تاب عليهم من بعد وعفا عنهم في المؤاخذة؛ لأن المعصية يؤاخذ الإنسان عليها في الدنيا، وأول مثل يضرب للناس على أن المعصية يحصل مؤاخذة عليها في واقع الحياة خطيئة آدم ألم تكن تلك الخطيئة ترتب على آثارها ماذا؟ شقاء بأن أخرج من الجنة وفاته ذلك النعيم الذي كان مستقراًً فيه ومرتاحاً فيه بسبب تلك الخطيئة مع أن الله قد تاب عليه، ألم يتب عليه؟ أحياناً تبقى المعصية تترك آثارها في واقع الحياة أعني: عقوبات معينة فمتى ما حصل عفو من الله سبحانه وتعالى بمعنى أنه لم يترك المسألة تمشي في آثارها إلى النهاية مثلما قال في أهل أحد: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ}(آل عمران: من الآية152) ألم يقل في أحد؟ {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} يعني بالشكل هذا.
{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}(البقرة: من الآية51) موسى ما زال حياً، واعد فقط ليسير إلى مكان معين يتلقى الألواح، التوراة تنـزل إليه ويكتبها في الألواح أربعين ليلة فقط يعني: أنها خطيئة هذه تعتبر كبيرة، أول شيء لا يمكن أن تقول أنه مضى عليهم فترة من النبوة حتى نسيوا، أربعين ليلة فقط غاب عنهم ويرتكبون خطيئة كبيرة جداً وهارون ما يزال موجوداً معهم ويرتكبون خطيئة كبيرة جداً، يتخذون إلهاً آخر ويعبدونه عجلاً {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}(البقرة: من الآية51) ظالمون في عملكم هذا، ظالمون لأنفسكم.
{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة:52) هذا شيء عجيب إذا حاول أحد أن يفهم كيف يمكن هكذا، أن يكون عند الناس حالة نفسية كهذه، أعني بعد النجاة بالطريقة هذه التي تعتبر آية من آيات الله الكبيرة كانوا في وضعية سيئة جداً فأنقذهم الله منها وفرق لهم البحر أمامهم، ينفلق البحر أمامهم، أيضاً القضية هذه تعتبر في حد ذاتها مذهلة ومدهشة في نفس الوقت أكثر من لو مثلاً لم يصلوا إلى الساحل إلا وقد البحر فرقين، وصلوا إلى البحر وهو ما زال كما هو بحر على ما هو عليه، ثم يضرب موسى ثم يرونه ينفلق أليست هذه قضية مدهشة جداً؟.
يخرجون من بين البحر وجدوا أناساً يعبدون شجرة أو شيء آخر كانوا يعبدونه {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}(الأعراف: من الآية138) {قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} إذا أنتم اتخذتم العجل والفارق فقط أربعين ليلة وما يزال هارون موجوداً، وكانت هذه معصية كبيرة جداً،ً وظلم كبير لأنفسكم، ولكن الله عفا عنكم، جعل توبة معينة هي كانت توبة فعلاً، توبة قاسية، لكن ليست في الواقع، هي تعتبر أقل بكثير مما كان ربما ينبغي أن يحصل لهم، أن ينـزل عذاباً من السماء يحرقهم أو يخسف بهم الأرض، أو أي شيء من هذا، عندما أمرهم موسى أن يقتل بعضهم بعض فنفذوا المسألة هذه فترة ثم قال يكفي، يعني: قد تاب الله عليهم.
لماذا تحصل الحالة هذه؟ يلحظ واحد كيف أحياناً تكون آثار البقاء في وضعية سيئة أن يسمح الناس لأنفسهم أن يظلوا في وضع سيئ جدا،ً وضع طغيان، وضع يذل النفوس ويقهر النفوس ويحطها؛ لأنه ينحط في الحالة هذه قيمة الأشياء لديك، تنحط قيمة الأشياء العظيمة لديك، الإنسان هو حالة نفسية، أعني أحياناً يتروض على شيء متى ما اتّضعت نفسك، متى ما انحطت نفسك، تصبح الأشياء الهامة لا تصبح تنظر إليها بالشكل اللائق فتعطيها أهميتها وتقدرها قدرها، أعني: هم عاشوا وضعية صعبة جدا في مصر وصلت أنفسهم إلى حالة انكسار شديدة، حالة رهيبة جداً انحطت معها النفوس، متى ما انحطت النفوس تقدم لها خدمات عالية لا تقدرها بالشكل المطلوب، آيات كبيرة لا تؤثر فيها بالشكل المطلوب، يحصل تأثير لكن عندما يأتي شيء مثلاً مظهر آخر هو من المظهر الأول أحياناً يحن إليه.
أليس البعض – مثلاً – ممن كانوا قد تعودوا عندما كانت تصل بعض الحالات بالناس أحياناً إلى أنه لم يعودوا يأكلون إلا من [الكَدّة] التي تبقى عالقة على جدران [المدافن] من الداخل التي يسمونها: [الكدة] يأكلها وقد فيها رائحة لم تعد جيدة تأقلم معها بعد سنين متى ما أحد فتح [مدفن] وما يزال فيه منها ما تزال لديه رغبة أن يأتي له [شبْعة] من ذلك الخبـز وهو يعرف أنه لم يكن يصل إليه في الحالة السابقة إلا مع ماذا؟ مع صعوبة الحياة لأن ما هناك [قمح] متوفر! هنا قالوا: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}(الأعراف: من الآية138) ما يزال لديهم رغبة أن يحصل لهم [شبعة] أعني: يتعبدون له مثلما كانوا في مصر! هذه قد تكون أغلبية فيهم الحالة هذه عند خروجهم أعني:عندما قالوا: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}(الأعراف: من الآية138).
لهذا تجد هم نفس ذلك الجيل الذي خرج؛ ولهذا نقول: إن الناس عندما يبقون في وضعية، مثلاً يكونون مفرقين ممزقين, هذا يؤدي إلى انحطاط النفوس وضعفها، هذا ينتج عنه خسارات كبيرة جداً عند الناس وتطلع الأجيال, وتظهر أجيال ضعيفة جداً منحطة نفسياً، هذه تكون جريمة كبيرة، وإذا قد أنت تلمس بأنه هل هذه الوضعية يمكن أن يكون الصبر فيها وتحملها قضية مقبولة، وما تزال تعتبر عبادة عند الله؟ انظر كيف تركت أثرها في بني إسرائيل تلك النفوس التي عاشت وضعية رهيبة جداً وكانت قد أصبحت منحطة ومنكسرة وهزيلة ومعنويات هابطة جداً كيف كان تعاملها مع الآيات الكبيرة ومع النعم الكبيرة، ثم كيف كان موقفهم مع الأعداء أنفسهم الجيل نفسه ذلك الجيل لم يرض أن يدخل القرية، هو الذي لم يرض أن يدخل القرية التي قال موسى، القرية {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}(المائدة: من الآية21) ثم تاهوا سنين حتى ظهر جيل آخر ما يزال عنده لا بأس حيوية نشأ في وضعية هي ليست وضعية قهر وإذلال بالشكل الذي كان حاصلاً في أيام آل فرعون في مصر.
لهذا دائماً يجب أن نفهم أنه لا تحصل هذه الأشياء بسبب تقصير من جانب أنبياء الله على الإطلاق، هذه القضية يؤكدها القرآن الكريم مثلما قلنا سابقاً يجب أن تفهم أن التبيين من جهة الله يأتي متكاملاً وعلى أرقى مستوى، الأنبياء الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى للتبيين لعباده يكونون هم عندهم قدرة على مستوى عالي جداً، على التبيين للناس لكن تكون هناك وضعيات وبعض الوضعيات تصبح إلى درجة أنها تشكل عائقاً تماماً عن قبول الدين، مثلما حصل عند قوم نوح؛ ولهذا عندما يعرض القرآن الكريم أشياء كثيرة تراها هي تشكل عوائق، معناه أن يحذر الناس هم، أعني: يكونون هم مجاهدين أن لا تستحكم وضعية من ذلك النوع لا يسمحون أبداً.
ذكر بالنسبة لقوم نوح أنه كان من الأشياء التي أعاقت فعلاً تلك الأمة زعماء العشائر الذين كانوا متسلطين بشكل كبير وضاغطين على أصحابهم ومصلحتهم ومقاماتهم مرتبطة بأن يبقى أصحابهم على ما هم عليه من الجهالة؛ هذه نرى لها أمثلة هنا في الدنيا كثيرة يمكن يكون عنده: [ذلك نوح نبي وحقيقة لكن والله خائف من ذلك عدو الله وترك] أما هذه فموجودة في بلداننا حتى في اليمن نفسه منطقة مهيمن عليها شيخ سيئ لا يجرؤ أحد أن يرفع له رأس، منطقة مهيمن عليها حزب معين هيمنة سيئة أو عضو مجلس نواب، هيمنة من هذا القبيل لو تحاول تعمل فيه ما تعمل [صحيح وفاهم وصدق لكن أمانة معنا عدو الله هذا لن يجرؤ أحد أن يرفع له رأس ولا أحد يجرؤ يعمل أي شيء أتركنا هكذا وعسى الباري سيرحم]؛ لهذا بقي نوح تسعمائة وخمسين سنة.
هذا كان عائقاً خطيراً جداً، عائقاً رهيباً جداً: قضية الضغط من هذا النوع أحياناً يصل بعض الناس إلى أنه يمكن أنه لا يخاف من أمريكا ولا يخاف من الدولة كما يخاف من الشيخ التابع له، يرى بأنه يمكن أن ينطلق ليس خائفاً من الدولة ولا خائفا من أمريكا كما يخاف من الشيخ نفسه، شيخ مدينته أو منطقته هذه تأتي لها مقدمات وهي: أن الناس المؤمنين يجب أن يكونوا يقظين لا يسمحون بوضعية من هذا القبيل أبداً؛ لأن معناها تصل إلى أن تخلق عوائق كبيرة تحتاج من هؤلاء الناس… هنا الإسلام وضع حلاً آخر، وضعية كهذه يجب عليك أن تخرج ليس باستطاعتك أن تعمل شيئاً وستبقى منحطاً هكذا اترك لا تدرِّس هنا ولا تعمل شيئاً هنا، اخرج، يخرجون ويتركون البلاد لذلك الشخص، هناك يستطيعون أن ينشئوا ويحسوا بحرية يحسوا بمتنفس يتقبلون فيه؛ لأنه في الأخير يصبح في الذهنية سقف تأتي تضرب برأسك فيه كلما أردت أن تقوم، يراه فوقه لا يستطيع أنه يتحرك، هذه لا تعتبر مبرر: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}(النساء: من الآية97) متى ما رأى نفسه في وضعية كهذه تماماًَ ولم يعد يستطيع أن يعمل شيئاً يخرج هو.
عندما تدرس أناساً في وضعية كهذه افهم بأنك في الغالب لا تتمكن أن تقدم الدين إلا منقوصاً تفصله بالشكل الذي لا يزعل الشيخ، بالشكل الذي لا يغضب عليك الشيخ، ويتقبلونه منك، وأنت تخطب وأنت تعلم بالشكل الذي لا يزعل منه [الشيخ]، هنا كيف يكون هناك دين بالشكل الذي لا يزعل الشيخ تقدم نسبة بسيطة جداً، والباقي سكتة منها، وضعية كهذه يعني: أمة أو ناس، مجتمع في وضعية كهذه، ربما الدنيا تتحرر من عندهم ويكونون آخر من يكون له موقف أو يخرج من وضعية كهذه، هذا شيء رهيب.. هنا نفس هذه الحالة حالة الإستضعاف التي كانوا فيها تركت أثرها في النفوس، أعني: بعدما خرجوا من البحر ورأوا الآية الكبيرة يريدون إلهاً كما لهم آلهة يغيب عنهم أربعين يوماً وإذا هم يتخذون عجلاً، ما هؤلاء الناس؟! هؤلاء الناس نفسياتهم ليست نفسيات كبيرة تقدر الأشياء، عادة الإنسان المنحط لا يكون للأشياء قيمة عند نفسيته المنحطة الضعيفة الهزيلة المقهورة؛ لأنه ليس لنفسه قيمة عنده لا يرى له هو قيمة عند نفسه، ولا لنفسه قيمة عنده، في نفس الوقت ما هو الشيء الذي يمكن أن يجعل له قيمة وإذا هذه الأشياء لم تترك أثراً في أنفسهم بحيث أنه لا يقعون في شيء يعتبر كفراً بتلك النعمة، يعتبر ماذا؟ يوحي وكأن تلك النعمة لا قيمة لها لديهم، انطلقوا يعبدون لهم عجلاً وموسى لم يغب عنهم إلا أربعين ليلة!.
تلاحظ هذه الأشياء مثلما قلنا في موضوع الملائكة سابقاً الله ذكر عن الملائكة عندما قال: {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية30) عندما جاءت من عندهم حاجة تبدو غير لائقة بالنسبة لمقامهم وغير لائقة أيضاً مع الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى هو رحيم، هؤلاء أنفسهم ما يزالون في وضعية وعادة عندما يكون مجتمع في وضعية هي حالة نفسية لا تستطيع أنك تنقلهم في يوم وليلة تماماً، تأتي تساير الأشياء قليلاً قليلاً، قليلاً قليلاً معهم، أليست هذه جريمة كبيرة جداً أن يعبدوا العجل عندما غاب عنهم؟! لاحظ موسى عندما رجع، ألم يغضب جداً؟ انفعل جداً وغضب جداً، الله سبحانه وتعالى هو رحيم، ويعلم بواقع عباده كيف تترك الأشياء آثاراً سيئة.
معنى هذا أنت أيضاً في عملك عندما تكون أنت تعمل يجب أن تلحظ وضعيات الناس بشكل عام لا يكن خطابك مرهقاً وتريد من الناس نقلة في يوم وليلة من حالة إلى حالة راقية تريد من الناس في حالة منحطة ولو نسبياً، يصبحون إلى نفسيات مالك الأشتر وعمار بن ياسر وأمثالهم، أي أن هذه فكرة قائمة أنك تراعي التنقل بالناس وأن تعرف أن الدين نفسه في موضوع نصره وإعلاء كلمته يتقبل، أعني: ممكن أنت تشغل هذه الفئة وهذه الفئة وهذه الفئة وكل ناس تقدر وضعيتهم، ليس معناه تؤقلم الدين معهم، يوجد فارق كبير بين هذا وبين التأقلم، ليس معناه تؤقلم الدين مع مصلحتك، اعرف وضعيتك العامة، الوضعية العامة تخلق نفسيات تخلق حالة نفسية في أن تنتقل بالناس قليلاً قليلاً تربوياً وتوجه من هذه أنك تعرض عليهم كيف ينبغي أن يكونوا، هذه واحدة، ليس معناه أنك ستسكت لا تتحدث كيف ينبغي أن يكونوا أن تتحدث كيف ينبغي أن يكونوا لكن في مجال عملي لا ترهقهم بالشكل الذي قد لا يصلون إليه، قليلاً قليلاً، تنتقل معهم قليلاً قليلاً في حالة، الحالات تختلف أعني: وضعية الناس، وضعية القبل، وضعية الشعوب، وضعية، أعني أيضاً القضايا التي تقدمها تختلف منها ما تحتاج إلى أن تكون على هذا النحو بنسبة كبيرة ومنها ما يمكن أن تكون عادية ينطلقون فيها.
بعض الناس مثلاً قد يذهب إلى منطقة ويرى أهلها لم يرضوا يسمعوا ولم يرضوا يتحولوا تماماً بسرعة إلى ملائكة إلى نوعيات عالية، يوجد عدة اعتبارات، أنت لا تيئس معهم لاحظ موسى نفسه، كيف عمل موسى، أليس هو عندما رفضوا أن يدخلوا القرية تلك وبعد موضوع العجل هذا وجههم إلى أن يتوبوا توبة، هي كانت توبة تظهر ندماً كبيراً، وفي نفس الوقت عندما قال ادخلوا المدينة لم يرضوا يدخلوا المدينة أو القرية، التي كتب الله لكم، ثم كتب الله عليهم أن يتيهوا، ألم يذهب معهم؟ ذهب معهم أعني هو يعرف نفسيات أصحابه هم نفس الجيل الذي خرج مثلما يقولون، فعلاً أنه نفس الجيل الذي خرج من مصر ما زالوا هم هؤلاء نفس الجيل هذا لو لم يكن إلا على أقل تقدير يفرح بالجيل الذي سيصعد منهم يكون هذا الجيل على أقل تقدير ما يكون بالشكل الذي يثبط الجيل الذي ينهض، ألم يذهب معهم؟ ذهب معهم هو في التيه في صحراء سيناء ومات هناك، قالوا موسى معهم لم يظهر أنه قال يذهبون وهو جلس. لا.
ماذا يعني هذا، هل معناه التأقلم مع فاسقين؟ مع أن الله قال أنهم فاسقين {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}(المائدة:26) هذا موسى ذهب معهم وجلس هناك {فاسقين} خارجين عن الطريقة نفس الإعتبارات قليلاً قليلاً، ليحاول معهم يحاول معهم في بقائهم في التيه فترة طويلة عسى أن لو لم يكن إلا أن يصبحوا أرضية على أقل تقدير قابلة لجيل ينهض متكامل أو على مستوى جيد.
{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة:52) أي تستشعرون النعمة كبيرة وأن هذه كانت خطيئة كبيرة وتقدرون من خلال ما عمل الله معكم فيها أنه عفا عنكم لتشكروه {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(البقرة:53) لاحظ أليس هو يُنوّع الحديث عن النعم، نعم مادية ونعم معنوية نعم هداية {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(البقرة:53) الكتاب الذي هو نفسه فرقان، وهذا الشخص نفسه الذي هو بقيادته وتدبيره شخص مثلما قال الله: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}(الأنفال: من الآية29) أعني: هو إنسان مهتدي يسير بكم سيرة هي على هذا النحو، فرقان بين الحق والباطل والخطأ والصواب {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وهذه نعمة عليهم كبيرة، لتهتدوا.
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة:54) لاحظ هنا منطق موسى في الحالة هذه، موسى ألم ينفعل جداً؟ وألقى الألواح وأخذ بلحية أخيه يجره إليه، انفعل من حالة فعلاً رهيبة جداً لا يدري – وهو كان يدعو فرعون يوحد – وإذا بأصحابه قد هم يعبدون عجلاً، هذا موقف رهيب جداً، لكن هو رجع إلى ماذا؟ إلى الوضع الطبيعي وإلى تقدير الحالة، لاحظ كيف خطابه هنا: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ}(البقرة: من الآية54) أليس هنا يذكرهم بالخطيئة؟ {بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ}(البقرة: من الآية54). أليست هذه عبارات بعيدة عن قضية الإنفعال السابق ذلك؟ هم أناس والإنسان يحتاج إلى أن تسير معه في هدايته بطريقة لا تكون أنت قاسياً دائماً، الإنفعال هناك لهول الموقف ثم تعامل بواقعية مع الموضوع، أعني: مع الناس أنفسهم.
{إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ}(البقرة: من الآية54) باتخاذكم العجل إلهاً {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة: من الآية54).
لاحظ هنا هم يتقبلون، يغلطون غلطات كبيرة وقال لهم ورجعوا وغلطوا، وناس يرجعون وناس لا يرجعون، هذه التوبة، هم انطلقوا فيها كما يقول المفسرون فعلاً انطلقوا فيها وقتل منهم عدد كبير في نفس الوقت الله أعلم كم هي قد يكونون يبالغون في الأرقام عندما يقول بعضهم: سبعين ألفا أو عددا.. لا أدري كم قتل منهم، انطلقوا في الموضوع وقتل بعضهم بعض فترة ثم تاب الله عليهم {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية54) أليس هنا يذكر بنعمة؟ من النعمة أن يكون هذا النبي على هذا النحو: أن يخاطبهم بهذا الأسلوب الذي يقدر واقعهم النفسي، مثلاً عندما يأتي هنا بقوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى}(البقرة: من الآية54) هو تذكير بنعمة في نفس الوقت أعني: أنه نفس هذا النبي على الرغم مما حصل منكم كيف كان أسلوبه معكم لطيف! يوجهكم توجيه العارف للحالة التي أنتم فيها، ويحاول أن ينتقل بكم إلى الأفضل والأحسن.
هل موسى حاول يفلتهم ويذهب بعد القضية؟ هذه قضية كبيرة [أعداء الله مجرمين ما يصلحوا و.. و..] وذهب؟ لا. عنده رؤية وفاهم هو أي: هي قضية أساسية: أن تفهم بأن الناس والملائكة والجن – مثلما قلنا بالأمس – الكل يحتاج إلى هداية الله، الهداية عادة تأتي على هذا النحو: القضية مسيرة ليست جرعة يمكن أن تعطي لواحد ملعقة وأصبح على مستوى عالي، هي تأتي في المسيرة قليلاً، قليلاً، فعندما تكون مثلاً أنت تنتقل بالناس من وضعية إلى وضعية أخرى تريدها يجب أن تقدر الوضعية السابقة كيف يمكن أن تكون آثارها في النفوس، موسى يعرف الوضعية السابقة التي كانوا فيها في مصر كيف كانت رهيبة جداً وكيف عادة وطبيعياً أن يكون تأثيرها في النفوس، النفوس لا تستطيع تقلبها في يوم وليلة تحاول تعمل مع الناس، وشجع الناس أن يكونوا هكذا وتهدي وترشد بطريقة مستمرة.
يذكر بأن هذه في نفسها {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ}(البقرة: من الآية54) أنه هكذا خاطبكم هناك بيَّن لكم كيف تتوبون والتوبة هذه أليست تبدو قاسية؟ ليست قاسية مقارنة مع ما عملوا فيما كان ينبغي أن يحصل عليهم؛ ولهذا قال هناك سابقاً: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ}(البقرة: من الآية52) ألم يذكر موضوع العجل هنا مرتين؟: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}(البقرة: 51-52) عفا عن المؤاخذة التي كان المفروض ربما كان الشيء الذي يمكن أن يحصل هو نار تأخذهم مثلما يحصل للأمم؛ لأن وضعهم سيئ جداً يعني: أشبه شيء بأمة من الأمم السابقة التي يأتي إليها نبي فتصرُّ على ما هي عليه فيصل الحال إلى أن تضرب نهائياً، التوبة هذه أن يقتلوا بعضهم بعض هي تعتبر أخف بكثير أعني: هي في إطار موضوع العفو مقارنة بما كانوا يستحقون أن يحصل عليهم لولا عفو الله {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ}(البقرة: من الآية54) ليس معناها فئة تقتل فئة، كل واحد من عنده يقتتلون، معناه: أن الموضوع لا يبقى فيها حتى ولا اثنين، اقتتلوا، اقتتلوا مثلاً فترة محدودة أو لحظة أو ساعة أو كم، لا أدري بالتحديد، ثم تاب الله عليهم، قالوا: إن موسى دعا الله ورجع إلى الله فتاب عليهم {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة: من الآية54).
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(البقرة: من الآية55) إذاً: هذا نفسه أليس مطلباً من المطالب القَلَبْ؟ مطالب متعنتين مطالب جهلة، جهلة {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(البقرة: من الآية55) قد نسيوا موضوع ماذا؟ {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ}(البقرة: من الآية50) هل ما يزال هناك آية مثل تلك كبيرة جداً؟ لاحظ كيف موضوع: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية40) التذكير بالنعم هام جداً، وإلا فسوف تأتي أشياء في الأخير هي ناتجة عن نسيان تلك النعمة، لماذا هم ما زالوا يحاولون {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ}(البقرة: من الآية55)؟ هل هم يريدون أعظم من تلك الآية حتى يطلبوا آية؟ هم قد نسيوا تلك الآية يريدون تذكيراً مستمراً، مستمراً، ثم أحياناً حالة الناس أحياناً قد يكون حالة أمة من الأمم أو فئة من الناس تتطلب تذكيراً مستمراً، مستمراً، أعني: تقريباً يومياًّ أكثر من حالات أمم أخرى.
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة:55-56) أليس هو هنا يذكّر بنعمة أيضاً؟. {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}(البقرة:57) هذه نعم مادية أخرى وهم في حالة التيه، تلك الفترة الطويلة في التيه {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}(البقرة: من الآية57) {الْمَنَّ}: شيء يشبه الحلاوى ينـزل عليهم بكميات كثيرة، {وَالسَّلْوَى} يقولون: طائر يتوفر يصطادونه ويأكلونه. {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}(البقرة: من الآية57).
{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}(البقرة: 58-59) القرية كأنها نفسها القرية التي قال لهم يدخلونها بالطريقة التي ذكرها في آية أخرى {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ}(المائدة: من الآية23) يعني: دخول اقتحام وقتال مواجهة، تراجعوا عن الموضوع هنا.
ثم قضية: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}(البقرة: من الآية58) هذا من موضوع النعم تجدها نعم متتابعة، المسيرة كلها إلى درجة ما قبل مرحلة استحقاق عذاب معين أيضاً، يقدم حالة هي سهلة لينطلقوا فيها يغفر لهم الخطيئات كلها ويزيد المحسنين من عنده بفضله ورحمته، قضية سهلة جداً، لم يتجهوا إليها، ما هو جانب النعمة في هذا، تقديم هذا هو نعمة في حد ذاته، تقديم الشيء السهل الذي يشكل لو انطلقوا فيه أنه يحول المرحلة بالنسبة لهم يغفر الخطيئات، والعقوبة إنما تأتي ماذا؟ بسبب الخطيئات المتتالية المتعاقبة.
قد يكون أيضاً في هذه لتخصيص العقوبة لأن فيها جانب {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ}(البقرة: من الآية59) الذين ظلموا تخصيص أيضاً تأتي العقوبة شاملة. عندما نجد هنا تعداد النعم، النعم التي يجب على الإنسان أن يذكرها يتذكرها باستمرار تجدها نعمة هداية، نعم متعددة، نعم كثيرة، وكلها ذات قيمة وتذكرها مهم جداً.
{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}(البقرة:60) هذه نعمة كبيرة لأنه حجر حتى قالوا أنه كان يمكن ينقلونها معهم في مرحلة التيه، كان يمكن ينقلونها معهم وينفجر منها اثنتا عشرة عيناً، لكل سبط من الأسباط عين؛ ليشربوا منها ويستغلونها، وليست عيناً واحدة بحيث يزدحمون عليها، هم اثنا عشر سبطاً ولكل سبط عين {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}(البقرة: من الآية60) أليست هذه نفسها أن تكون النعمة بالشكل الذي تتوفر وليست بالشكل الذي يزدحمون عليها ويختلفون عليها ويتضاربون عليها؟.
{كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية60) هناك مَنّ وسلوى وماء من حجر ينبع منها اثنا عشر عيناً {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا}(البقرة: من الآية60-61) لاحظ الإهتمامات الكبيرة! هذه النفوس المنحطة تكون هكذا التي مثلاً عاشت وضعية يصبح مثلما قال الإمام علي عندما قال بأنه لن يكون كالبهيمة همها تقممها أليست تشبه هذه؟ الأشياء الكبيرة والنعم الكبيرة والمواقف الهامة والآيات العجيبة ليست في البال، يريدون بصل وكراث وعدس وأشياء من هذه، أعني اهتمامات هي تعتبر اهتمامات خاصة هي طبيعية لكن في أجواء معينة.
ثم إذا كانت اهتمامات وهي في نفس الوقت توحي بأنها اهتمامات لناس هم ناسين لأشياء كبيرة جداً، نعم كبيرة جداً يجب أن يكونوا مهتمين بتذكرها، مواقف كبيرة يجب أن يكونوا مهتمين بها، مسؤولية يجب أن يكونوا مهتمين بها، فهذه الأشياء ليست ذات قيمة عندهم، لكن البصل والعدس والكراث والفول والقثاء وأشياء من هذه منحطة {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ}(البقرة: من الآية61) مع أنه قال لهم: ادخلوا المدينة ألم يقل لهم ادخلوا من أول فكلوا منها حيث شئتم رغداً؟ قالوا: {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا}(المائدة: من الآية24) لن ندخلها، لسنا مستعدين أن ندخلها أبداً، كان هنا يمكن يدخلونها يعتزون في نفس الوقت، أعداءهم يضربونهم وينهونهم، وفي نفس الوقت يأكلون رغداً كما قال: {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً}(البقرة: من الآية58) يعني: أنها أرض خصبة في نفس الوقت.
وصلوا هناك فقالوا في الأخير: {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ}(البقرة: من الآية61) مثلما قالوا: {لَنْ نَدْخُلَهَا} سابقاً، كان المفروض أن يكون عندكم اهتمام بالقضية التي يمكن أن توفر لكم أشياء كثيرة منها أن تأكلوا حيث شئتم رغداً، أعني: أصبحت القضية الكبيرة عندهم هي هذه والتي كانت محط اهتمام عندهم قالوا أبداً لن نصبر على طعام واحد! أي كم قد مضى من الوقت ونحن بدون بصل وكراث وحبحب وأشياء من هذه.
لماذا قالوا في مصر: {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}(الأعراف: من الآية129)؟ لم يعد هناك لن، لن هذه لها مواضع لن نصبر على هذه الحالة السيئة، لن نصبر على هذه الوضعية، القهر والإذلال، ألم يكن لن محلها في مصر كان المفروض أن يقولوا: لن نتراجع عن دخول هذه القرية وإن كانوا عمالقة وإن كانوا كيفما كانوا، جاءت لن الموقف الصارم أمام البصل!!.
نأخذ نحن منها دروس من هذه؛ لأنها عبرة كلها لنا لأن بني إسرائيل هم نموذج لنا؛ لأنهم مروا بحالة قد تكون متكاملة تعطي دروسا وافية هكذا قد يصل الناس، أحياناً قد تراهم متحمسين ولا يرضون أن يتقابضوا أمام قضية بسيطة [أبداً أما هذه فلسنا مستعدين أن نتراجع عنها].
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ}(البقرة: من الآية61) قد لا يكون معناها أنهم ينتقلون ويبدو أنهم لم ينتقلوا مثلما تقول: انزلوا أو [سوِّقوا] أو سافروا مناطق أخرى {مِصْراً}: يعني أرض فيها ناس، وعندهم الأشياء هذه، ما كأنها مصر نفس البلد المعروف يقولون: أن مصراً معناه أيَّ مصر، والمصر البلد الذي فيه مجتمع يعيش وعندهم الأشياء هذه يختلف عن البدو.
{فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ}(البقرة: من الآية61) مجمل الأشياء هذه التي حصلت منهم، أي أنهم ليسوا متذكرين النعمة التي هم فيها، يتذكرون كيف أنها نعم من ذلك النوع الذي ليس طبيعياً؛ ولهذا يقول: {نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية40) حجر ينبع منها اثنا عشر عيناً، منٌّ ينـزل عليهم كل يوم ويظللون بالغمام، طائر السلوى يتوفر لهم بكميات كبيرة، أليست هذه أشياء غريبة؟ أي هي كانت بالشكل الذي يجب أن يقدروها ويكونوا في نفس الوقت شاكرين لله ومتذكرين إحسان الله إليهم فيكونون منشدين إلى الله؛ لأن من قيمة النعم هذه أنها تشدك إلى الله.
{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(البقرة: من الآية61).هنا عندما ضربت عليهم الذلة والمسكنة ما كأنه باعتبار هذا الموقف الواحد هذه الحالة الواحدة قضية {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ}(البقرة: من الآية61) يعدد أشياء وقد لا يكون تعدادها مثلاً مبني على ترتيب تاريخي معين قد يكون مثلاً هذا الترتيب فيما يتعلق بواقع النعم ترتيبها باعتبار آخر وليس باعتبار ترتيب تاريخي، في الأخير كانوا على هذا النحو فضربت عليهم الذلة والمسكنة.
إذاً تجد كيف تكون أحياناً جنس العقوبة كأن مجمل تلك النعم هي أخرجتهم من ماذا؟ من وضعية ذلة ومسكنة ألم تخرجهم من هذه الوضعية وضعية آل فرعون؟ أن أنجاهم من آل فرعون، أعني يكون لديهم وضعية أخرى أمة تكون قوية وعزيزة وأمة متمكنة ومستقرة ليست مستعمرة ولا مستعبدة ولا مضطهدة لكن لم يكن لها قيمة لديهم فرض عليهم عقوبة من نفس النوعية التي كانت سابقاً في واقعها أو في أثرها النفسي {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ}(البقرة: من الآية61) ألم يكونوا يعيشون حالة ذلة ومسكنة في مصر في ظل آل فرعون؟ في القرآن الكريم يوجد عدة مؤشرات بأنه أحياناً – وهذه قضية خطيرة – أحياناً قد تكون العقوبة من نوعية الشيء الذي أنت كنت متضايقاً منه أو كنت تخاف منه أو كنت تكرهه فيعرض عليك ما يعتبر نقلة منه، تجد في القرآن الكريم عندما ذكر أناساً: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا}(البقرة: من الآية243) تجد أيضاً بالنسبة للمتخلفين كيف أنهم أحياناً عندما يكونون هم متخلفين أي: أنهم خائفون على أنفسهم لا يريدون أن يصلوا إلى موقف قد يموتون، محافظين على أعمارهم على حياتهم، أنه قد تكون القضية بالنسبة لهم أن تقصف أعمارهم {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً}(الأحزاب:16) هنا كانوا في وضعية سيئة وضعية ذلة ومسكنة عرض عليهم نعم كثيرة ومواقف كبيرة جداً تبناها موسى هي تعتبر كان جزءا رئيسيا من رسالته، من مهمته، ألم يقل لفرعون: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ}(الشعراء:17)؟ جزء رئيسي أو مهمة رئيسية من مهام رسالته، لم يكن لهذه الأشياء قيمة عندهم يؤدي إلى ماذا؟ فيأتي بعقوبة عليهم من نفس تلك العقوبة السيئة، أي تلك الحالة السيئة التي كانوا فيها في أثرها النفسي، ذلة ومسكنة.
{وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}(البقرة: من الآية61) أعني: هي تتصورها مسيرة، مسيرة كان يمكن أنها ستأتي نتيجتها في الأخير عزة ورفعة وتمكين ورضوان من الله سبحانه وتعالى، هم تراجعوا، تراجع، ألم يكن هنا تراجع، رجعوا بغضب من الله لا أحد يتصور هنا أنهم رجعوا من مكان إلى مكان، كلمة: {باءوا} قد يكون معناها: عادوا أو رجعوا لا يسمى رجعوا من هذا المكان إلى هذا المكان بغضب، تصورها مسيرة معينة هي كانت ستصل إلى نتائج إيجابية وهامة، تراجعوا، أليس التراجع تتصور له مسافة كذا؟، رجعوا رجوعاً وهم متلبسون بغضب من الله.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية61) نعمه التي هي في نفس الوقت آيات، آياته التي هي في نفس الوقت نعم {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}(البقرة: من الآية61) ما هناك أي مبرر حتى ماذا نسميه؟ لو لم يكن صحيحاً، مبرر دعائي، أعني: مبرر مقبول دعائياً، إنما هكذا باطل، باطل ليس معه حتى أي مبرر يكون مقبولاً حتى عند البسطاء من الناس، أليس من الممكن أحياناً يأتي تضليل مقبول نوعاً ما باعتبار حالة معينة أو يقدم بشكل معين أو دعاية مقبولة نوعاً ما لو كانت باطلاً؟ أما هنا فلا يوجد أي مبرر على الإطلاق، ليس معناه أنه يمكن أن يكون هناك قتل نبي بحق، ما هناك نبي سيقتل بحق إلا أن معناه أنه يبين لك كيف وصلوا هم في أن هذه الأشياء ما لها قيمة عندهم، النعم هذه والآيات هذه والأنبياء الذين هم منهم يقودونهم إلى ما فيه شرف ورفعة لهم وأنبياء يعلمون أنهم أنبياء من عند الله، وليس أنهم مكذبون؛ لأنهم لم يعرفوا أنه نبي، قد عرفوا أنه نبي، ويتآمرون عليه ويقتلونه.
{ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(البقرة: من الآية61) أحياناً قد تأتي الحالات هذه نتيجة عصيان متكرر وعصيان لا يأتي معه نهي عنه. جاء في آيات أخرى بأنهم ما كانوا يتناهون عن منكر فعلوه، المعاصي عندما تتابع على مختلف أنواعها فأحياناً قد تصل بمجتمع معين أو فئة إلى حالات من هذه: ارتكاب معاصي كبيرة بجرأة، لم يعد هذا المجتمع يتحاشى من شيء {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ}(المائدة: من الآية79) مثلما قال في آية أخرى بلغ الحال إلى أن أصبحوا هكذا: {يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}(البقرة: من الآية61).
هذه القضية حقيقية أنه قد يكون أحيانا إذا هناك مجتمع يكون الناس فيه يمارسون المعاصي بمختلف أنواعها ولا هناك نهي ولا استنكار تأتي قضية هي كبيرة من الكبائر قد ينطلقون فيها، تلك الفئة بدون مبالاة وبدون خوف وبدون خوف من أنه قد يكون هذا الشيء قد يثير الناس أو قد يؤدي إلى استنكار الناس، لا، قد هم متعودين؛ لأنه مجتمع يعمل واحد ما يريد لا أحد يستنكر عليه ولا أحد سيقول له شيئاً، تكون أشياء أو تكون حالة قد تكون هذه في المجتمع ترشحه لأن يعمل جرائم كبيرة من هذا النوع بغير حق.
{ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(البقرة: من الآية61) الإعتداء: التجاوز، إعتداء تجاوز متعمد عن علم بهدي الله لحدود الله لأوامر الله ونواهيه.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة:62) أن تأتي هذه الآية بعد الكلام المتكرر عن فئة من الناس حتى أنه تبدو القضية وكأنه موقف شخصي، حتى لا يحصل هذا الشعور وكأنه موقف شخصي من هذا الجنس، لا. {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(البقرة: من الآية61) وإلا فالقضية في أصلها وواقعها: أن القضية ليست قومية ولا مواقف من فئات لكونها الفئة الفلانية أو اسمها كذا، لا.
موضوع رحمة الله مفتوح {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}(البقرة: من الآية62) من اتجه هذا الإتجاه سواء كان أصله من الذين هادوا أو من النصارى أو من الصابئين أو من أي فئة كان {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} ماذا نفهم من الآية هذه في خلاصتها؟ أن تعرف أن هذا الحديث ما كأنه حديث عن جنس من البشر يكونون هكذا كموقف شخصي منهم بل هم لو استقاموا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، هذه الحالة هامة جداً بالنسبة للمؤمنين قضية هامة جداً، أحياناً عندما تتحول القضية عندك إلى شخصية يكون لها آثار سلبية في موقفك، آثار سلبية في قراراتك فعلاً.
هناك عبارة جميلة رأيتها في [فيلم] ولم أرها لحد الآن في أي مصدر من المصادر عن مالك الأشتر قال: [إن علياً علمني كيف أقاتل العدو دون أن أحقد عليه] أليست هكذا العبارة؟ أي المجال بالشكل الذي أنت موقفك من الآخر ليس موقفاً شخصياً بما تعنيه الكلمة؛ إنما لِما هو عليه.
عندما تكون على هذا النحو وأنت أيضاً تحمل في نفس الوقت حرصاً على أن يهتدي معناه هنا أن الموضوع عندك مقبول بأنه يتحول، إذا أصبحت القضية عندك موقفاً شخصياً تأتي أحياناً ولو قد أراد أن يتحول أن تصده تصبح أنت تعمل عكس ما أنت تتحرك فيه تصبح صادّا عن سبيل الله عندما تنطلق انطلاقة شخصية؛ ولهذا ترى من الأشياء العجيبة في مسيرة أنبياء الله كيف كانت، كيف كان يقول لهم قومهم أنه لازم يعودون في ملتهم يرجعون معهم! يقولون: لا يمكن أبداً، إلا أن يشاء الله، أليسوا يقولون العبارة هذه؟ يعني: أنا ممكن أعود في هذا لكن بالشكل الذي يشاء الله… ليس معناه موقفاً شخصياً منها موقفاً شخصياً، لا، القضية هكذا: المسألة الله لا يريد أبداً لو شاء هو ممكن أدخل معكم في هذا، هذا أيضاً يعطي جاذبية بالنسبة للطرف الآخر.
الموقف الشخصي أحياناً تتبنى مواقف شخصية بحتة تتحول المسألة إلى صراع شخصي لم يعد صراعا من أجل دين الله من أجل ما ذلك الشخص، الطرف عليه، هنا يقول: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ}(البقرة: من الآية62) أليس هنا يسردهم في مقام واحد هؤلاء الذين قد أصبحوا محسوبين على هذا الدين يعني ماذا؟ يؤمنون بالله وبرسوله وبالقرآن قد أصبحوا هكذا، {وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}(البقرة: من الآية62) ليس معناها مع ماذا؟ مع كفره بالقرآن وكفره بالرسول؛ لأن هذه لا تتأتى أي هي لا تحصل، ما هي حاصل عندما تفهم ماذا يعني الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر الإيمان بالله ما هو؛ لأن الإيمان بالله ليس مجرد عقيدة فقط الإيمان بالله ليس فقط مجرد عقيدة، من إيمانك بالله أن تؤمن بأنه هو إلهك وملكك وربك أنك عبد له تسلم نفسك له تطيعه هو يريد منك أن تكون كذا، هذا الإيمان.
أما نفس إيمان بالله كإله هو حاصل عندهم من قبل، الإيمان بالله كإله حاصل عندهم وعند المشركين الإيمان بالله إله ورباً هكذا مجرد اعتقاد معين، لكن، لا. ترى كيف الإيمان بالله يأتي في القرآن الكريم وكلها عملية، أن أكون مؤمناً بالله مقتضى إيماني بالله أن أكون مسلماً له بمعنى أني مؤمن بأنه إلهي وربي وملكي وسيدي، في نفس الوقت أسلم لأمره وهذا هو ماذا؟ الإيمان الصحيح والإيمان الذي لا يقبل إلا هو، هذا الإيمان.
عندما يقول: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}(البقرة: من الآية62) هل يمكن تتصور إلى أن معناها لم أعد بحاجة أن أؤمن بمحمد ولا أؤمن بالقرآن؟ في أول الآيات هو قال: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ}(البقرة: من الآية41) ألم يقل لهم هكذا؟ ليس معناه بأن الله سبحانه وتعالى هو يريد إذا قد اليهودي يعمل أعمالاً صالحة والنصراني يعمل أعمالاً صالحة والمجوسي والصابئي، أهم شيء أن يكون الإنسان عضواً صالحاً في المجتمع، لا. بعضهم يقولون هكذا: [المطلوب فقط هو أن تكون أنت عضواً صالحاً في المجتمع اليهودي يهودي والنصراني نصراني من عمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟] لا. ليست القضية بهذا الشكل ولا يصح أن تفهمها بالشكل هذا وأنت تجد الآيات الكثيرة والخطاب الموجه لهم هم في [سورة البقرة] و[سورة آل عمران] وفي [سورة النساء] يؤمنون هم بما أنزل {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}(البقرة: من الآية41) {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}(البقرة: من الآية41) كيف قدم الإيمان به؟ ألم يجعل الإيمان برسوله والإيمان بكتابه جزء من الإيمان به؟.
{فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة: من الآية62) لكن يستفاد منها هذا المعنى السابق الذي ذكرنا لأنه جاءت بعد كلام هنا: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ}(البقرة: من الآية61) ليس معناه أنه في الأخير يقول واحد:[اترك هؤلاء]! يصبح له موقفاً شخصياً لا. قضايا ليست شخصية على الإطلاق، في صراعك مع أعداء الله يجب أن لا تجعله صراعا شخصيا قاتله على أرقى مستوى، قاتله وتكون من أولي بأس شديد في الله ولله، وتتمنى أنه لو يهتدي ومقبول لو يهتدي، هذه قضية أعني: في التربية القرآنية يصل الإنسان إلى هذه: يكون شديداً على أعداء الله وفي نفس الوقت لا ينطلق من مواقف شخصية لديه هو، وفي نفس الوقت مقبول إذا أراد أن يسلم حياّه الله يسلم ويؤمن طبيعي، هذه القضية هامة من الناحية التربوية، هي خلاف الذي يطرحونه [القبول بالآخر] يريدون القبول بالآخر على ما هو عليه! أبداً لا تقبل هذا الآخر على ما هو عليه أبداً، تقف في وجهه تحاربه تتصارع معه لكن إذا رجع، إذا دخل فيما أنت فيه وآمن بهذا القرآن وبالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وأصبح من المسلمين، هنا قد له ما لك وعليه ما عليك.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:63) لاحظ هنا استكمال للموضوع السابق، ألم تأت أخبار أن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما كان يأتيه بعض الناس وفود من بعض المشركين، كان يأتيه وفد يستقبلهم؟ مثلاً شخص أو شخصين أو مجموعة يأتون يريدون أن يعرفوا هذا الموضوع هل يقول: هؤلاء مشركين يبعدهم عنه يخرجهم لأنهم مشركون؟! لا، عارف مهمته، هو مهمته ماذا؟ هو أن هؤلاء جاءوا يفِدون على أساس أنهم يريدون أن يعرفوا، ما زالوا مشركين، البعض منهم يصل وهو لا يزال مشركاً لا يسلم إلا بعد أن يتحدث معه ويفهمه ويوجهه، يستقبلهم بالشكل الذي هو طبيعي فيما بين الناس عند العرب أعني: كالقضايا المعروفة مثل المعروف والكرم والأشياء المعروفة في تقاليد العرب، يستقبلهم ويتحدث معهم لا يظهر في نفس الوقت أنه كاره وغاضب وزاعل منهم هم، هم كأشخاص طبيعي ويوجههم لكن هؤلاء الذين يوجههم إذا لم يرضوا يقبلوا سيقاتلهم على أعلى مستوى، وبأشد قتال يقاتلهم، يستقبلهم ويفهمهم ويوجههم ليسلموا؛ لهذا نقول: أن الناس لا بد أن يكونوا يفهمون كيف الرؤية من العدو كيفما كان العدو، عدو من الداخل من داخل صفوف الناس عدو بشكل مشرك أو يهودي أو نصراني.
التربية القرآنية هي تجعله على أعلى مستوى في مواقفه من العدو {أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}(الإسراء: من الآية5) {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}(الأنفال: من الآية12) كن غاضباً عليهم كارهاً لهم شديد الحنق عليهم لكن لماذا؟ لما هم عليه، لا يسمح لنفسه أن تترسخ القضية لديه حتى تصبح موقفاً شخصياً أو حالة نفسية شخصية، هذا في الأخير يكون لها سلبيات كبيرة منها هذه: أنه أحياناً لم يعد لديك رغبة أن يصلح قد أنت كاره له هو، هو شخصياً لم يعد لديك رغبة أن يصلح نهائياً ولا لديك رغبة أن يهتدي ولو قد أراد أن يهتدي فإنك ستحاول تعرقله حتى لا يهتدي وفي الأخير ستكون تصد أنت عن سبيل الله، فعلاً هذه قد تصل وتصل أحياناً قبل أن يكون الناس أمام يهود أو نصارى أو كفار آخرين أحياناً في مواقف داخلية فيما بين الناس، وهذه من أهم الإيجابيات فيما يتعلق بنفسيات المؤمنين بالنسبة للطرف الآخر يرون المؤمنين أناساً أقوياء وشديدين لكن في نفس الوقت يرى بأنه بإمكانه أن يدخل فيما هم فيه ويصبح طبيعيا وعاديا، له ما لهم وعليه ما عليهم لا يرى حاجزاً ما قد قام حاجز من مواقف شخصية عندما تكون القضية على هذا النحو، هذه تجعل الناس ملتزمين هم مثلاً بمبادئ المواقف من الطرف الآخر.
ألم يقل هناك: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(المائدة: من الآية8)؟ في نفس الوقت في حالة القتال مثلاً في حالة المواجهة يمكن للمؤمنين أن يكونوا ملتزمين بمبادئ القتال وفيِّين في مواثيقهم إذا دخلوا في مواثيق في هدنة وفيِّين لا يحصل منهم نكث، في نفس الوقت يلتزمون بالآداب مثلا لا يقتلون شيبة لا يقتلون طفلاً، أليس هكذا كان يحصل في توجيهات رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) للمسلمين؟ سيقاتل الرجل في ذلك الميدان قتالاً شرساً لكن بالنسبة لامرأته وطفله لا يمكن يقتلهم، أبوه الشيبة الكبير الذي هو هناك لن يقتله، المواقف الِشخصية العداوة الشخصية تريد أن تقتله وتقتل أباه وتقتل أمه وأولاده وأي شيء له علاقة به.
إذاً تحافظ على أن يبقى الناس ملتزمين هم بآداب الصراع مع الآخر يكون هناك قيم لا يتجاوزها الناس يكون هناك قيم يوجههم إليها لا يتجاوزونها، هي لها إيجابية لا تعتبر قيودا ولو ظهر في الصورة وكأنها قيود! لا. الله يقول ويوجه نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله) بأنه: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}(الأنفال: من الآية58) لا تسلك طريقتهم أعني: خداع وغدر، تنبذ إليهم إذا أنت تلمس أنهم يريدون أن يخدعوك قل: الآن انتهى ما بيننا أنتم حصل منكم كذا وكذا، إذاً انتهى [الوجه أبيض] مثلما يقول الناس لم يعد بيننا شيء {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}(الأنفال: من الآية58) هنا قال: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ}(الأنفال: من الآية62).
ولهذا القضية أساسية أن يفهم الناس بأن ليسوا هم، هم فقط يعملون ويتحركون، هناك مبادئ يلتزمون بها في ميدان المواجهة مع العدو ولو بدت وكأنها ثقيلة وكأنها قيود، وكأن العدو قد يستغلها لا. بعض المبادئ لازم تقف عليها لا يمكن أنك تخاف أن العدو قد يمثل له إيجابية أو يستغله، الله يقول: {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ}(الأنفال: من الآية62) وفي آية أخرى يقول: {فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ}(الأنفال: من الآية71) يكون عندهم استغلال للوضعية، يخادعونك، لا. في الأخير ترجع عليهم هم فيكون المؤمنون استطاعوا بأن يحافظوا على مبدئية مواقفهم وهي قضية مهمة بالنسبة للطرف الآخر.
من الأشياء التي تشد الناس إلى المؤمنين عندما يكونون أولي بأس شديد وعندما يكونون في نفس الوقت أوفياء مبدئيين الطرف الآخر يرى ضربات شديدة يراجع حساباته فيجد أمامه أمة ذات قيم ومبادئ وملتزمة تمثل نموذجاً عالياً عنده، يقول: إذاً لماذا أتحمل ضربات من هذا النوع على لا شيء وهي أمة عظيمة على هذا النحو فيكون هو قريب أن يدخل معهم، لاحظ كيف تربية القرآن تأتي بالشكل الذي يكون لها إيجابية، حتى الشدة، أليس هو يقول: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}(الفتح: من الآية29) أشداء على الكفار ألست تتصور بأن معناه يقابَلون من هناك بشدة {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}(الأنفال: من الآية12) يقول: إذاً فمعناه سيزيدون أكثر ويتشددون أكثر، وأن يكونوا أولي بأس شديد فمعناه أن الآخر سيكون أيضاً زيادة.
هي تبدو توجيهات لا أحد يستطيع أن يوجه أمة من الأمم بهذه التوجيهات إلا ويحصل في الجانب الآخر سلبيات، أن يقول لأصحابه أن يكونوا أولي بأس شديد وفتاكين وأشياء من هذه إلا وتكون تربية تؤدي إلى أن الطرف الآخر يشتد أكثر ويقاوم أكثر، إلا التوجيهات الإلهية وتربية القرآن فتأتي على هذا النحو وتجدها في المقابل بالشكل الذي لها آثار إيجابية في الطرف الآخر، مما يمثل إيجابية في مقابلة الشدة في الموقف في ميدان القتال: المبدئية والوفاء، الآخر يعود يراجع حساباته ويرى أنه لماذا؟! في الأخير يقيِّم مجتمعه ويقيِّم هذا المجتمع يقيِّم ما لديه من مبادئ وقيم يتلقى من أجلها ضربات شديدة وما الآخرون عليه، وفي الأخير يصبح موضوع القوة والشدة شيء يجذب الآخر فعلاً، في الأخير قد عنده رغبة أن يكون مع أمة على هذا النحو: قوية في مواقفها ثابتة في مواقفها مبدئية وفية، قيم، صدق، أمانة.. إلى آخره.
تكون جذابة نفس هذه بينما الضعف في داخل المؤمنين يشكل خطورة، الضعف أخيراً يعكس ما هم عليه ضعفهم في مواقفهم في نفس الوقت عدم مبدئيتهم والتزامهم يوجد حنقا عند الطرف الآخر بشكل كبير وفعلاً يظهر بأنه يأتي تخلي من جهة الله؛ ولهذا يقول: أنتم عليكم أن تلتزموا بهذه المبادئ حتى لو بدت عندك بأنها قد تكون فرصة للعدو يستغلها.
هنا يقول: ما يزال الله هناك فوق الجميع {فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ}(الأنفال: من الآية71) {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}(الأنفال:62) لم يكن يأتي عند المسلمين الأوائل أعني بناءً على ما كان يقدم لهم من تربية وتوجيه يكون فيهم قسوة على الكافرين والمشركين من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في حديثه ومن القرآن الكريم وفي نفس الوقت متى ما جاء مشركون طبيعي أن يروهم يدخلون إلى عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) واستقبلهم وجلس معهم يتحدث، هل كانوا يستغربون يقولون: [هؤلاء مشركين ألم تكن تقل عنهم أنهم أعداء الله وأنهم وأنهم كيف تتركهم يدخلون إلى عندك وهذا أنت جالس معهم تستقبلهم وبعضهم تفرش له عبايتك, أو تبعد الفراش من تحتك وتفرشه لهم] هل كان يحصل الحالة هذه؟ لا. كانوا يقولون: حيّا الله مَن جاء، ويستقبلونهم يسلمون، يسلمون ما لم فيمكن يعودون إلى أماكنهم وقد عندهم وفاء بقضية بأنه لا يمكن أن يضربوه في نفس الوقت – لكن غداً ممكن يقاتلونه بشراسة في الميدان هذه تعتبر مبدأية عالية فعلاً.
إذاً عندما يكون الناس يواجهون يهوداً ونصارى وكلام عن يهود ونصارى ما يدري الناس إلا وجاء يهود يريدون أن يعرفوا ما الذي مع واحد؟ ما هي أطروحته؟ على أساس أنهم ماذا؟، أنهم يريدون أن يتفهموا ليهتدوا هل يمكن يقولون: [هه! والله يهود قالوا أنهم عند فلان! إذاً لماذا نحارب اليهود ونلعن اليهود والآن قد هم هؤلاء عنده] إنك لاحظ كيف كان يذهب مشركون كفار يذهبون إلى عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهم ما زالوا مشركين بعضهم ما زالوا مشركين فعلاً يستقبلهم ويوجههم بعضهم يهتدي وبعضهم لا يهتدي، يتركه يرجع مع أن الأسلوب هو نفس الأسلوب في قضية تربوية ذات قيمة وذات ماذا؟ تترفع بالناس عن الحالة النفسية الشخصية التي تعتبر خطيرة ولها سلبيات كبيرة.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّور}(البقرة: من الآية63) هذه كلها وإذ، وإذ.. أليست تذكيرا بأشياء متعددة ومتنوعة {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}(البقرة: من الآية63) ميثاقه بأن تأخذوا ما آتيناكم بقوة، رفع فوقهم الطور، جبل، تهديد لهم بهذا الجبل {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ}(البقرة: من الآية63) ما هو الذي آتاهم {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(البقرة:53) لاحظ هنا محور القضية كلها هنا هو آتاهم الكتاب والحكمة والنبوة وفضلهم على العالمين، وآتاهم أعطاهم أشياء كثيرة، القضية كانت تتمثل بأن تأخذوا ما آتيناكم بقوة تستمسكوا به تتبعوه تلتزموا به وتتحركوا على أساسه، ما هو الذي حصل؟ أليس نتيجة أنهم لم يأخذوا ما آتاهم بقوة؟ فحصل عصيان واعتداء وكفر بآيات الله وقتل للأنبياء بغير حق، حصل كل هذا تعتبر ماذا؟ نتيجة عدم أخذهم للكتاب بقوة وقعوا في ضلال كبير في ثقافتهم وأخطاء كبيرة جداً نتيجة هذه.
إذاً فهكذا أي: أمة أعطيت نعمة كهذه النعمة الكبيرة ونعمة القرآن علينا أعظم من نعمة التوراة على بني إسرائيل فعلاً؛ لأن القرآن هو في قيمته يبدو أوسع وأشمل وإن كان كل كتاب من الله يكون متكاملاً في مرحلته في موضوعه متكامل، والقرآن الكريم هو رسالة وكتاب للبشر على طول التاريخ هذا الذي قد يكون من أوسع مراحل الدنيا هذه جعله الله مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}(المائدة: من الآية48) هو المرجع هو الأساس هذا القرآن هو مهيمن على الكتب السابقة، اعمل بهذا أنت في نفس الوقت على أحسن طريقة، لا تقل باقي ذلك هو يساوي هذا أو نعمل بذلك مع هذا، هذا يعتبر هو المهيمن على كل تلك الكتب السابقة.
{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(البقرة:63- 64) نفس الحالة؛ لأن الله رفع الطور فوقهم، قالوا: سجدوا سجدة وهم ينظرون إلى الجبل بعين.. قالوا: هم الآن يسجدون على شق من وجوههم! يسجدون وهم يرقبون الجبل كانوا خائفين فسجدوا بهذا الشكل، وبعد ذلك عفا عنهم {فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(البقرة: من الآية64) جبل، خطير جداً يهبط عليهم.
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}(البقرة:65-66) لاحظ هذه أحياناً تمثل جانب من النعمة فيما تعطيه من تذكير للآخرين أنه فئة معينة تعتدي بزيادة وتنهى عما هي عليه فيحصل لها عقوبات تكون نكالاً لما بين يديها وما خلفها لماذا؟ تكون موعظة للمتقين، أليس هذا جانب آخر من النعم؟ فعلى الناس أنه عندما يكونون يشاهدون مواقف يشاهدون أحداثاً تذكرك، تذكر فهو وقت أن تعتبر وتتذكر وتتعظ؛ لأنه هناك قدمت المسألة على هذا النحو: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً}(البقرة: من الآية66) أي: ضربة شديدة؛ لأنه حصل يبدو بالنسبة لهؤلاء عقوبة فضيعة، لأنه حصل أن مسخوا، حصل مسخ لهؤلاء: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}(البقرة: من الآية65) أليست هذه قضية مخيفة؟ أفضل للإنسان يقتل ويتقطع ولا أن يرى نفسه وقد تحول إلى قرد أو خنـزير هذه قضية رهيبة.
إذاً النعمة في هذا الجانب أنها تمثل موعظة للمتقين، إذا أنت ترى أحداثاً كبيرة من حولك هنا وهنا حاول أن تفهم أسبابها تفهم لماذا إذاً؟ على أساس أنك تعرف أن الله هو المدبر لشؤون السماوات والأرض وأنه عدل وأنه رحيم وأنه حكيم وأنه في نفس الوقت جبار منتقم وبطشه شديد تتعظ وما تزال الأمور هناك قبل أن تكون أنت عظة وعبرة للآخرين {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}(البقرة:66) لأنك عندما تلحظ تعداد هذه النعم والتذكير بها هو بالشكل الذي يعطي وعياً متكاملاً في عدة أشياء في عدة جوانب نفس هذا الوعي الذي تعطيه النعم المتعددة الآيات المتعددة المواقف المتعددة؛ لأن كل موعظة أو كل حدث أو كل آية يأتي فيها تميز في أن تعطي شيئاً وأخرى تعطي شيئاً آخر وهكذا يترافق من الكل رؤية متكاملة صحيحة ووعي متكامل صحيح، لكن القضية كلها تقوم على بداية هي ماذا؟ التذكر، والتذكر لها كنعم من الله، لا تتذكر أنت جدارتك.
لذلك قلنا: بني إسرائيل هم فعلاً قد يكونون وصلوا في بعض مراحلهم مما أنساهم أن يتذكروا عندما قد صاروا يعتبرون الأشياء أنها لكونهم جديرين بها وكأنه ليس للباري فضل هم جديرين بهذا ومستحقين لهذه ومن حقهم أن يحصل لهم هذا، هذه قد تكون حصلت، هذه غلطة كبيرة جداً لا أحد يعتبر جدارته هو هو.. إن الكل هو فضل من الله كل شيء هو يعتبر فضلا من الله سبحانه وتعالى لا يوجد ما يسمى استحقاقات وجدارة بما تعنيه الكلمة أبداً، إن الله قدم الأشياء كلها حتى عندما يكتب أنه سيجعل هذا جزاءً لهذا، لا تعتبره جدارة وحقا، هو فضل من الله من البداية؛ ولهذا يذكر عن الجنة أنه يعد بها المتقين المؤمنين وجزاء بما كنتم تعملون، ويذكر بأنها ماذا؟ رحمة منه وفضل.
إذاً هذه هي حالة خطيرة بني إسرائيل قد يكونون ربما في البداية ما قد ترسخت عندهم الثقافة الخاصة التي تقوم على تمجيدهم هم، تمجيد أنفسهم هم، في البداية كان هناك عوامل أخرى هي الحالة النفسية التي كانت نتيجة الإستضعاف في مصر وقد يكون – مثلاً – مرحلة أخرى وصلوا إليها من خلال أنهم يعتبرون نعم الله المتتابعة عليهم وتثقيف مغلوط لديهم إلى أن وصلوا إلى حد أنهم صاروا يتصورون أنها لجدارة لديهم، ينطلقون متعنتين [وهذا من حقنا من حقنا أن يعطينا حجرا يخرج منه اثنا عشر عين ماء ومن حقنا…] هذه غلطة كبيرة جداً، فالإنسان المؤمن لا يعتبر أن على الله حقا بالنسبة له ولا مسألة جدارة، يعتبر القضايا كلها يتعامل معها كفضل من الله ورحمة، ما هناك استحقاقات بالنسبة للإنسان على الله استحقاق بما تعنيه الكلمة كالحقوق أمام بعضنا بعض، هذه الحالة هي تكون غلطة كبيرة جداً تخليك لا تعد تقيِّم النعمة كنعمة من الله قد صرت تقيِّم نفسك أنت كجهة أو شخص جدير بهذه الأشياء، وليس المفروض هكذا.
المفروض أنه كلما عظمت النعم يعظم الله عندك وليس أن تعظم أنت أمام نفسك، يعظم الله عندك وتتذكر نعمه وتتذكر أيضاً ما يمكن أن تصل إليه المسألة عندما يكونون يرون أنفسهم بأنهم جديرون بهذه؛ لأن الله اصطفاهم ولأنهم ذرية إبراهيم ولأن، ولأن…، أليس الله في الأخير ضرب عليهم الذلة والمسكنة ولعنهم؟ إذاً معنى هذا أن الإنسان مهما كان – مثلاً – أهل البيت عندما يقولون: الله اصطفاهم وأورثهم الكتاب أن هذه القضية لا تعتبرها جدارة عندما تكون أنت إنسانا متعبدا وترى نعم لله عليك، لا تكن أنت ترجع إلى نفسك أنت تعتبرها جدارة {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي}(النمل: من الآية40) كما قال سليمان هو عندما وصل العرش إلى عنده بسرعة رهيبة عرش بلقيس {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي}(النمل: من الآية40) هذا التمكين هذا الملك هذه النعمة العظيمة من فضل ربي {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}(النمل: من الآية40) أن تكون أنت مستغرقا في ذهنيتك مع الله وفي أن تشكر لا أن تكفر، أن تعظِّم الله لا أن تعظم نفسك تعتبر ما أنت عليه نعمة من نعم الله، في نفس الوقت أنه إذا أنت هديت لقضية فعلاً يترتب عليها بفضل الله ورحمته نتائج طيبة على هذا النحو اعتبرها هي في نفسها الذي أنت عليه نعمة من نعم الله؛ ولهذا هنا يعددها كلها نعم: الكتاب والفرقان عده نعمة لبني إسرائيل.
{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(البقرة:53) يجعلها نعمة، بنوا إسرائيل أخطأوا في الأخير عندما أصبحت ثقافتهم ثقافة انزوائية تتركز بشكل كبير على تمجيد لهم إلى أن ترسخ عندهم وكأن الله عليه أن يسير وفق ما يريدون وينفذ ما يخططون، هذه القضية لا يصح لأحد سواء كان من أهل البيت أو كان من أولياء الله من أي جنس كان من أي فئة كان، أن يكون على حذر من هذه، يكون على حذر من هذه فعلاً، تعتبر ما أنت عليه من هدى هو في حد ذاته نعمة، ثم ما يأتي مثلاً من ثماره اعتبرها نعمة، ما تلمسه من جانب الله سبحانه وتعالى عليك في كل أحوالك تعتبره نعمة تذكرها وتشكر الله عليها.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.