saadahnews

سورة البقرةالدرس السابع

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين. اللهم اهدنا، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

في هذه الآيات نرى مجموعة من المواضيع الهامة، سواء مما حكاه الله عن بني إسرائيل، أو ما أثنى به على نفسه سبحانه وتعالى، كذلك ما حكاه عن آخرين، وتعتبر طلبات لا قيمة لها، وعن مهمة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كبشير ونذير، وعن موقف اليهود والنصارى بالنسبة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في المقدمة، وبالنسبة للمسلمين بشكل عام، وكيف ينبغي أن يكون الذين يؤتيهم الله كتابه، ثم تذكير أيضاً متجدد لبني إسرائيل، ثم كلام عن إبراهيم في موضع مهم جداً، وعن الإبتلاءات التي مر بها، وتأهيله للمقام الرفيع، وللنهوض بالمسؤولية التي حمّله الله سبحانه وتعالى إياها، كلام عن الكعبة المشرفة والبيت الحرام، توضيح لنفسية إبراهيم، واهتماماته ومشاعره، ثم اتجه إلى الحديث عن بني إسرائيل، ثم التوجيه بطي صفحة الماضي بالنسبة لبني إسرائيل {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(البقرة:134).

ادعاءات جديدة لبني إسرائيل: {كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى}(البقرة: من الآية135) وكيف هو الجواب المناسب أمام هذه المقولة أو ما يشابهها، حديث عن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، وقيمة هذا التحويل، إعطاء رؤية بالنسبة لأهل الكتاب وكأنهم قد وصلوا – وقد يكون هذا للتغليب يعني معظمهم – إلى حالة قد يكونون معها بعيدين جداً على ما هم عليه أن يقبلوا أي آية يأتي بها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).

توجيه للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) أن لا يصغي إليهم في أي مطلب يكون في الأخير متبعا لأهواء مقابل الدين، من خلال هذه الآيات مواضيع هامة جداً، ومتعددة، ويجب أن ننظر إليها عندما تكون متعددة – كما قلنا بالأمس – حتى تعرف إنسجام المواضيع مع بعضها بعض، وتعرف السياق المترابط، وأن تنظر إلى القضية من أصلها وفي الدائرة التي يدور حولها هذا الكلام المتعدد المواضيع.

تجد من عظمة القرآن الكريم والقضية العجيبة فيه – رغم أنه مجلد واحد، كتاب واحد – يغطي الحياة كتاب هو للسموات والأرض، وللدنيا والآخرة، والصفحة الواحدة فيه كم تجد فيها من علوم، ولهذا الإمام علي يتحدث عن انبهاره هو بالقرآن فيذكر بأنه [بحر لا يدرك قعره وعيون لا ينضبها الماتحون ولا يشبع منه العلماء ولا يخلََق على كثرة الترداد].

لا تجد هذه في أي كتابات أخرى لأي إنسان مهما كان مهما كانت قدراته البلاغية، ومهما كانت سعة تجاربه في الحياة أن يصل إلى ما يداني هذا المستوى، قد يكون كمثل – بالنسبة للبشر – أعلى الإمام علي (صلوات الله عليه) بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما تأتي إلى فقرات من كلامه تجد فيه فعلاً من هذا الزخم في المعلومات؛ لكن ذلك إنما هو أثر للقرآن الكريم، أثر من آثار القرآن الكريم في نفسية الإمام علي، في شخصيته، أثر من آثار الإهتداء به في مظاهر الحياة، وقد تجد تلك الحالة التي كان يتمتع بها الإمام علي، والصفة الهامة مفقودة عند الكثير منا على الرغم من توفر الكتابات ما أعتقد أن الإمام علياً كان لديه مكتبة، ولا دولاب واحد يكون فيه مجموعة كتب، وتجده شخصاً لديه معلومات واسعة جداً، ولديه رؤية تقييمية للحياة وللناس بشكل عجيب.

هذه الحالة مفقودة لدينا ونحن من لدينا مكتبات: علوم في السياسة، والإجتماع، والإقتصاد، والفقه، والحديث، والأصول، والتفسير….، وكم؟! صفر، لا نملك شيئاً حقيقة، لا نملك شيئاً، ليس لدينا ما يصح أن يقال له شيء بالنسبة لما ينبغي أن يكون الناس عليه، ولهذا كانت خسارة كبيرة جداً جاءت هذه الآية تنص عليها عندما قال الله سبحانه وتعالـى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(البقرة:121) العبارة هذه {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.

المشكلة مثلما – نحن نقول دائماً – تغيير معاني المفردات القرآنية، أو المصطلحات القرآنية تغيرت معانيها، وأصبحت لدينا معاني أخرى مثل كلمة: يكفر، وكافرين، ترسخت لدينا بمعنى: الجاحدين بالله، الجاحدين بالله دائماً، كلما رأى كلمة: كافرين، أي: جاحدين بالله!.

الكفر دائرة واسعة، ودرجات متفاوتة، وأكثر ما يعنيه في مقامات كثيرة: [الرفض]، الرفض الصريح، أو الرفض الواقعي، الرفض الواقعي الذي يمكن أن يترافق مع مقولات إيمانية: [نحن نؤمن بأن هذا القرآن عظيم وهدى للعالمين] هذه قضية قد لا يشك فيها إنسان مسلم؛ لكن واقعاً – بسبب أشياء كثيرة – أصبحنا وكأننا كافرين به: رافضين له.

لهذا كانت خسارة كبيرة جداً على الأمة، قلنا بالأمس حول آيتين فقط تحدثت عن أهل الكتاب أنها كانت كفيلة، لو كان هناك اهتمام بالقرآن، ورؤية قرآنية، وتأثر بالقرآن، ونظرة قرآنية صحيحة لكان تلك الآيتان لوحدهما، بمفردهما كفيلة ببناء الأمة، وكفيلة بأن تكون هذه الأمة أرقى مما وصل إليه الآخرون: عندما حكى الله عن بني إسرائيل بأنهم ما يودون لنا أي خير، وعندما قال عنهم في آية أخرى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً}(البقرة: من الآية109)لأنه هنا شخّص لك أمة من الأمم، توجهها إلى هذه الأمة الأخرى، الأمة المسلمة، كانت هاتان الآيتان تكفي في الماضي – كما قلنا بالأمس – أن تجعل من يفهمون القرآن الكريم، من يعرفون هدى القرآن الكريم كفيلة ببناء هذه الأمة بحيث لا تصل إلى ما وصلت إليه الآن من هذه الحالة السيئة، الخسارة الكبيرة، خسارة كبيرة فعلاً.

ومن هذا نعرف أيضاً شمولية القرآن الكريم عندما يقول الله فيه: {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ}(النحل: من الآية89) وأنه تبيان لكل شيء ليس معناه أن يذكر لك تفاصيل المسألة الفلانية، أعني علماً من العلوم مثلاً: قوانين في الفيزياء، أو أشياء معينة مثل: الهندسة، أو أي شيء من الأشياء هذه يأتي بها هي ويذكرها، ويعمل لك قائمة للمعادن وخواصها، وأشياء من هذه، لا، هو يعطي الناس توجهاً معيناً، هذا التوجه هو كفيل بالوصول إلى هذه الأشياء.

كان هاتان الآيتان كفيلة لو أن أحداً من أسلافنا ممن كانوا في وضعية أحسن مما نحن فيه باعتبار الضغط العالمي، ما كان يوجد بهذا الشكل الذي نحن نعاني منه من قبل الأعداء كان هذا التشخيص لأهل الكتاب يكفي بأنهم يتجهون لبناء أنفسهم، من بديهيات هذا التوجه: أن يحاولوا أن يهتموا بالجانب العلمي، بالجانب العلمي باعتباره قضية من القضايا الهامة في بناء الأمة فحينها سيصلون إلى علوم كثيرة في مختلف الأشياء التي وصل إليها أخيراً بنوا إسرائيل، أو أهل الكتاب بشكل عام من اليهود والنصارى.

عندما يقول البعض عن القرآن الكريم: [القرآن كتاب باهر وسلام الله عليه يجلس مكانه لكن نحن نريد علوماً أخرى]! هذا هو مفتاح العلوم بكلها؛ لأنه في نفس الوقت الذي يعطي التوجهات، والمسؤوليات التي هي كفيلة بأن تتوسع نظرتك لكل ما حولك، وتعمل على تطوير قدرات هذه الأمة أعطى مؤشرات أيضاً فيما يتعلق بكل ما هو محيط بالناس مما في السماوات وما في الأرض، أنه مسخر لك: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض}(الجاثـية: من الآية13) ومعنى التسخير العبارة هي توحي بأن الأشياء هذه قابلة لأن نستخدمها، وعندما تنظر إليها على سعتها الكبيرة جداً عندما يقول: {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض} أليست قائمة طويلة عريضة جداً من الأصناف، والأنواع المتعددة من المخلوقات بدءاً من الكواكب، والشمس، والقمر، والهواء، ومختلف المعادن، والنباتات، وكل العناصر الموجودة في هذا العالم، كل مفردات ما في السماوات، وما في الأرض، أنها مسخرة.

تعني هذه: أن حياة الإنسان مرتبطة بهذه الأشياء، وأن هذه الأشياء قابلة؛ لأنه ذكر مثلاً فيما يتعلق بحيوانات معينة: أنه ذللها، وسخرها، كيف تجدها قابلة لك أن تستخدمها للأغراض المتعددة كالإبل، والبقر، والخيل، والبغال، والحمير، ومختلف الحيوانات المذللة، وتجدها قابلة لمختلف الأغراض، وبيَّن في آيات أخرى كيف تكون الأشياء المسخرة قابلة للإستخدام المتعدد ذكر: تركبون، وتأكلون، وتستخدمون من جلودها بيوتاً، ومن أصوافها، ومن أوبارها، وأشعارها أثاثاً لكم ومتاعاً إلى حين، فعندما يقول: إنه سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض بعدما أعطى توجها من هذا النوع الذي يجعل الإنسان يتوجه فيرى نفسه في سبيل بناء الأمة بحاجة إلى كل ما لديه من أشياء، أن هذه تعطي أملاً كبيراً جداً: أن بالإمكان تطويع الأشياء الكثيرة للأغراض المتعددة. هذه اكتشفت أخيراً، الشمس ألم يستطيعوا أن يحولوها إلى طاقة كهربائية؟ واحدة من الإستخدامات التي برزت: أن يحولوا أشعة الشمس عبر وسائل معينة إلى طاقة كهربائية، بل تتحول هذه إلى وقود هام للمراكب الفضائية، ولكثير من الأقمار الصناعية هذه التي تحتاج إلى الوقود صفائح معينة تحول أشعة الشمس إلى كهرباء، إلى وقود تشتغل عليه هذه المركبات والأقمار.

إذاً أليس هذا من التسخير؟ الشمس التي بيننا وبينها – كما يقولون – ملايين الأميال أو عشرات الملايين من الأميال تجدها قابلة لأن تسخرها لأشياء متعددة الأغراض، وأن يكون لها دور في استخدام أشعتها في مجالات ليس بإمكانك أن تستخدم أشياء أخرى بديلة عنها، من الذي يستطيع أن يوفر مثلاً طاقة معينة للمركبات الفضائية التي تأخذ فترة طويلة؟ أين يمكن تعبئتها بترول أو أشياء أخرى؟ لكن الشمس طاقة مستمرة يومياً أمكن أن تحول بهذا الشكل فأغنت عن طاقات أخرى لا يمكن لو أن المسألة مرتبطة بطاقات هي في الأرض هنا بترول أو الطاقات التي يسمونها طاقة نووية وقود نووي أو نحوه لكانت المسألة صعبة، أي لكان هذا يشكل عائقاً دون إمكانية مركبات فضائية وأقمار صناعية ونحوها، متى يمكن أن تذهب تجدد لها الوقود هذا؟ لهذا كانت الطاقة الشمسية واحدة من استخداماتها استخدمت في مجالات هامة جداً في إعطاء معلومات وفي إمكانية التواصل فيما بين الناس عبر وسائل الإتصالات والبث الإذاعي والتلفزيوني وغيره.

إذاً هو كتاب علمي على أرقى مستوى لكن لمن يفهم، {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} فعلاً، هذا الذي حصل بالنسبة للأمة هذه، كان واقعهم نظرة انحطت جداً بالنسبة للقرآن الكريم إلى الآن قد تلمسها مثلما نقول أكثر من مرة إن هناك من يقول: فقط! فيرى أن القرآن غير كافي إذا قلنا يكفي هذا، العلوم الأخرى لا يوجد حاجة لها، هي شكلت عوائق بيننا وبين القرآن الكريم، هي جعلت أعمارنا معرضة للضياع، وأجيالنا معرضة للضياع، المواهب المتعددة معرضة للضياع، الأمة بشكل عام معرضة للضياع، نهتم بالقرآن هو الذي يعطي الناس المعارف الواسعة جداً، ويفتح لهم أبواب المعرفة، ويعطيهم التوجهات، والمسؤوليات التي هي كفيلة بأن يتوسعوا في معارفهم.

بالأمس من الآيات الأخيرة في الموضوع {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه}(البقرة: من الآية114) جاء بعدها {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:115) ليفهم الإنسان المؤمن بأنه ليس هناك فقط وجهة معينة فإذا توجه بالدعاء إليها يمكن أن الباري يسمعه ويستجيب لـه لكن إذا توجه كذا أو كذا يمكن أنه لا يسمعه! أينما تولوا فثم وجه الله {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} قد يؤخذ منها إذا وصلت الحالة بأنه مساجد معينة لم يعد بالإمكان أن تتحول إلى مساجد لله فالأرض قد جعلها الله مسجداً كما في الحديث عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)).

إذاً ليس معناه أنهم غلقوا عليك باباً وحيداً إلى الله مكاناً وحيداً فيما بينك وبين الله، أينما تولوا فثم وجه الله إن باستطاعتك أن تبني مسجداً بنيت مسجداً لله ما لم ففي أي مكان، كلها مساجد لله هذه مهمة جداً من الناحية العملية في مقام الأولويات؛ لأن مما يهدي إليه القرآن الكريم موضوع الأولويات في أعمال الناس: هذا الموضوع أهم من هذا، وتختلف الأولويات باختلاف الأزمنة باختلاف نوعية الصراع الذي الناس فيه باختلاف وضعية الجيل الذي أنت تعيش فيه، فإذا كانت القضية تتطلب أن يبذلوا الكل جهوداً كبيرة في مقام نصر الله في مجال مواجهة أعداء الله الذين لديهم وسائل متعددة إذاً لا يوجد هنا أولوية لبناء مسجد، قد يكون بناء المسجد مثلاً يؤدي إلى بذل أموال طائلة جداً ليست الصلاة في أن تكون مقبولة مرتبطة بالمسجد بل قد يكون مصلون في المسجد ولو كان في المسجد الحرام لا تقبل صلاتهم ولو كان في المسجد الحرام، الذي يصلي في الصحراء وبتوجه صحيح في عمل في سبيل الله تكون صلاته مقبولة.

هذه القضية ملموسة كثير من الناس يأتي إليهم فلوس من تجار من فاعلي خير ولا يدري ماذا يعملها فيه ولا يدري في أي شيء يضعها فيه وكأن الأمة ليست بحاجة إلى أن تعمل أي شيء ولا كأن هناك مجالات مفتوحة من مجالات العمل في سبيل الله وفي الأخير يضعها في مسجد، أحياناً يكلف حزام المسجد لوحده مأتي ألف أو أكثر حزام المسجد، تلك الزخرفة ما بالك بخسارة بنائه، ما بالك بالمنارة ما بالك بدورات المياه والأشياء الكثيرة تطلع التكلفة في الأخير خمسة ملايين عشرة ملايين بل أحياناً قد تطلع إلى سبعين مليون أو أكثر في بعض الأماكن.

{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}(البقرة: من الآية115) اهتم بالقضايا الأولية الأساسية إذا هناك مسجد صليت فيه، ليس هناك إمكانية لمسجد صل في أي مكان، ووجه عملك، ووجه قدراتك في المجال الهام، بناء المسجد يمكن أن تلحقه متى ما أمكن، متى ما أمكن؛ لأنه ليس التوجه لله منحصراً في المسجد، ولا قبول الصلاة منحصراً في المسجد حتى نقول: إذاً نبدأ أول شيء نبني مسجداً من أجل يمكننا أن نصلي نبدأ نبني مسجداً من أجل يمكننا أن نتوجه إلى الله، نبدأ نبني مسجداً من أجل يمكننا من داخله أن ندعو الله؛ لأنه من خارج المسجد لا يمكن يسمع، أو يعرف أين نحن! المساجد ليست عبارة عن كمرات تصوير الباري لا يرى إلا من كان داخل المسجد ولا يسمع إلا من كان داخل المسجد!.

المساجد هامة، هي هامة والصلاة فيها هامة لكن في مقام الأولويات ووفق سلم الأولويات قد يكون هناك في مرحلة معينة ما هو أهم منها فالحاصل يكفي، تجد كم هي المساجد التي يقوم المسلمون ببنائها في المدينة الواحدة حتى أصبحت في الأخير وسيلة تفرقة! مع أن من الأدوار الهامة للمساجد هي: أن تكون مكان التقاء للناس لأهل القرية الواحدة لأهل المدينة الواحدة، تكون محط التقاء واجتماع تساعد على موضوع التعارف والتآلف فيما بينهم وتبادل المعلومات والتذكير لبعضهم بعض والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، لمَّا اختلفت الرؤية كل واحد غضب بنى له مسجداً، والآخر قال: صجّة بنى له مسجداً، الثاني قال: يريد عند بيته لأجل يكون عند بيته مسجد نعمة عندما يكون قريباً، بنى مسجداً لا تدري والمدينة الواحدة فيها عشرات المساجد، وهي بالشكل الذي يكفيها مسجد واحد، يكفيها مسجد واحد فقط.

{إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} أينما تولوا بوجوهكم بدعائكم بضمائركم بمشاعركم بوجدانكم {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} رأينا واحداً من المساجد في صنعاء بناه واحد من التجار أصحاب الخير منارة واحدة المنارة التابعة له الصومعة كلفت سبعة ملايين ريال لا أدري كم يمكن أن يكلف المسجد! المنارة وحدها سبعة ملايين ريال السبعة الملايين هذه تعمل عملاً كبيراً جداً في هذا المجال، في مجال توجيه الناس نحو دين الله، نحو القرآن الكريم، وتثقيفهم بالقرآن، والعمل في مواجهة العدو، وإعداد كثير من وسائل القوة في مواجهة العدو، نحن نرى مبالغ زهيدة جداً تأتي في هذا المجال الذي نعمل فيه وتعمل أعمالاً كبيرة جداً، مبالغ بسيطة كيف السبعة الملايين، تلك المنارة ماذا ستعمل المنارة؟ ممكن الأمريكي يدخل منها، ويستخدمها القناصة الأمريكيون لضرب المسلمين هنا وهنا، لكن عندما تبني إنساناً على أساس القرآن أليس هو الذي سيقنص الأمريكي؟ هل بإمكان المنارة في يوم من الأيام أن تصبح صاروخاً وتنطلق وتدمر مدينة من مدن الكفر؟ لا، منارة مفتوحة ممكن يصعد فيها اليهودي والأمريكي؛ لأنك لم تبن إنساناً، لم تبن منارات، المنارة الحقيقية: هو الإنسان الذي تبنيه على أساس القرآن ويبتني ويبني نفسه بهدى الله وتوفيقه على أساس القرآن.

لهذا عندما توجه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى المدينة، وبنى المسجد هناك لم يحاول أن يكون المسجد الذي يبنيه على أرقى مستوى فيما يتعلق بالفن المعماري، فيما يتعلق بالزخرفة مع أنه كان الفن المعماري معروف، معروف من زمان، وليس قضية وكأنه لم يبتكرها إلا المتأخرون، آثار اليونانيين تشهد على موضوع ما وصلوا إليه في الفنون المعمارية، دولة فارس، والروم، كانت قضية الفن المعماري معروفة حتى عند اليمنيين سابقاً، أنظر آثار عرش بلقيس الأعمدة تلك كيف هي بشكل دقيق، ومزخرفة، منحوتة نحت الزخرفة التي فيها.

بنى المسجد من لبن، وسقفه بخشب النخل، وأعمدة من النخل، وسعف النخل، وأصبح لهذا المسجد فاعلية هامة؛ هنا يوجد أهمية فيما يتعلق ببناء مسجد في المدينة من أول مرحلة، يبين أهمية المسجد كمنطلق، وأن المسجد المهم: هو الذي يكون له فاعلية، وانطلاقة منه عملية؛ ترك المسجد الحرام هذا المسجد الهام جداً عندما لم يتمكن أن يجعل لهذا المسجد دوره، ويجعله على أصله لله في أجوائه في العبادات فيه؛ خرج من هذا المسجد العظيم، وتوجه هناك، وبنى هو مسجداً، وأصبح لهذا المسجد أيضاً فضل عظيم، وإن كان دون قيمة المسجد الحرام في الوضعية الصحيحة، أصبح له فضل عظيم ذلك المسجد الذي بني من اللََّبِن وجريد النخل لا يوجد فيه زخرفة، ولا يوجد فيه شيء.

هذا المسجد نفسه الآن أصبح واسع البناء، ومزخرف ومنارات ومُنار بالكهرباء، وأجهزة صوتية ضخمة جداً، ومفروش بفراش راقي جداً، وأشياء كثيرة، كيف دوره الآن؟ لا شيء! المسجد الحرام كيف دوره الآن؟ لا شيء! إذاً فالإنسان نفسه، عندما يبنى الإنسان نفسه هو الذي يجعل للأشياء هذه حيويتها، ويجعل لهذا المسجد قيمته، أو هو الذي قد يميت المسجد، وإن كان المسجد الحرام نفسه. فالمسجد الذي بناه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما كان فيه الذي بناه، والذي يتحرك فيه ومنه هو إنسان عظيم اهتدى بالقرآن الكريم، وهداه الله سبحانه وتعالى كان لذلك المسجد أثر كبير على مستوى الرسالة أينما وصلت الرسالة، كان انطلاقتها الأولى هو المسجد الذي بناه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قد لا تساوي تكاليف ذلك المسجد مقارنة بالتكاليف التي عليها المسجد الآن، مسجد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قد لا تساوي تكلفة عمود واحد، عمود واحد من الأعمدة التي داخله!.

إذاً ففي موضوع الأولويات قد يكون الشيء هاما في مرحلة، هاما في مرحلة، في مرحلة أخرى يجب أن تبدأ بشيء آخر، هذا الشيء الهام إذا كان في مرحلة لم يعد يعطي أهمية، ولا تمكنت أنت أن تعطيه أهميته، وحيويته فانطلق إلى غيره، اعمل غيره إذا كنت متمكناً أن تعمل غيره ما لم فالأرض مسجداً وطهوراً، مسجد كلها من المحيط إلى المحيط، مسجد أليس أكبر مسجد؟ أكبر مسجد الله قد بناه أكبر مسجد وهو هذه الأرض.

اتجه الحديث إلى بني إسرائيـل ليبين أيضاً مـا وصلوا إليه فيما يتعـلق بالمعتقدات، والمقولات والرؤى رؤى كفريـة {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً}(البقرة: من الآية116) على الرغم من النبوات والكتب والهدى وورثة الكتب داخلهم وورثة الأنبياء والهدى العظيم، لما تركوه ونبذوه وراء ظهورهم؛ ظهرت أشياء من هذه المقولات الباطلة {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً} جعلوا المسيح ابناً لله، ثم ترقوا في المسألة إلى أن جعلوه جزءاً من الإله! ما قيمة أن يجعلوا لله ولداً، وما هي الحاجة التي تقتضي أن يكون لله ولد؟ لا يوجد، أنت تفرح إذا معك ولد يقوم بأعمال لك، ومهام وأشياء من هذه، الله ليس بهذا الشكل سبحانه وتعالى، بل له ما في السماوات وما في الأرض، ليس هناك حاجة لاتخاذ ولد، ولا يجوز عليه سبحانه وتعالى هو كما قال عن نفسه: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}(الإخلاص:3) ولا بحاجة إلى أولاد ليشدوا من أزره، مع أحدنا أولاد إذا أحد يريد يعتدي عليه يكون معه مجموعة أولاد يقومون بالدفاع عنه، لا، كل من في السماوات ومن في الأرض لـه قانتون: خاضعون، الخضوع التكويني الخضوع فيما يتعلق بتدبير الله، ما هناك أحد يستطيع أن يخرج عن قدرة الله، عن إرادة الله أبداً، يستطيع أن يتغلب، الكل بما هم عليه خاضعون لله، خاضعون له، الجن، والإنس، وكل ما في السماوات وما في الأرض.

هذه من الأشياء الغريبة جداً، كتب الله، ورسل الله الذين هم دعاة إلى توحيد الله، وتعظيم الله وإجلاله وتقديسه وتنزيهه لا تدري إلا وقد مع من يدََّعوا بأنهم: أتباع لتلك الكتب، وأولئك الرسل، وإذا قد معهم عقائد كفرية صريحة، شرك، وكفر صريح! {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً}! هل تلك النبوة، وتلك الرسالة هي بالشكل الذي يمكن أن يصل بالإنسان إلى مقولات كهذه؟ أبداً، تجد كيف يصل الإنسان عندما يعرض عن هدي الله إلى أن تطلع عنده أشياء هي سيئة جداً، ولو تأمل أدنى تأمل لرأى بأنها باطلة، لا شك في بطلانها؛ هذا مثل من أمثلة الضلال الشديد الذي يصل إليه الإنسان في مختلف المجالات بما فيها المجالات العقائدية المتعلقة بتوحيد الله سبحانه وتعالى! هل هناك حاجة لولد أن يكون مثلاً بشكل سكرتير، أو يستلم الرسائل من عنده ويوصلها! {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(البقرة: من الآية115) لا يحتاج أن يقول: سلمها إلى ولدي إذا معك رسالة، أو يقول لابنه: يستمع ما يقول الناس ويسجل دعواتهم، وأشياء من هذه، هذه كلها لا يوجد حاجة على الإطلاق، قبل أن تقول: لا يجوز، هي قضية لا تصح، ولا يجوز، في نفس الوقت ما هناك حاجة على الإطلاق إلى هذه هو سبحانه وتعالى كما قال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} كما يقول: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(البقرة: من الآية116-117) هو مبدعهما.

هذا فيه رد على النصارى أنفسهم من جهة ما هي الحاجة التي يمكن أن تجعل الله يتخذ ولداً؟ هو هذا الذي ابتدع السماوات والأرض قبل أن تجعلوا لـه ولداً، لو كان هناك حاجة إلى ولد كان ممكن قبل يعينه في موضوع إنشاء السماوات والأرض، هذا البنيان الهائل الكبير الواسع {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}(غافر: من الآية57) هو مبتدعهما، لأنها قضية معلومة: أن النصارى ادعو هذه بعد، من بعد المسيح يقولون: ربما بمأتي سنة تقريباً بدأ مسألة وأطروحة [ابن الله] وأنه ولد لله، هو سبحانه وتعالى بديع السماوات والأرض، هو الذي ابتدعهما، أي أنشأهما، فطرهما، وليس فقط أنه كان هناك آثار مبنى ثم جاء يصلحه، أو أخذ خريطة من طرف معين وقام ينشئ على أساسها!.

ابتدعهما، هو شَيَّءَ الأشياء هو، هو سن القوانين هو، هذا معنى الإبتداع، بديع السماوات والأرض، أبدعهما، وجعلهما خلقاً بديعاً {وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(البقرة: من الآية117) ما هنا حاجة لولد على الإطلاق هو سبحانه وتعالى قدرته، وقنوت الأشياء لـه، خضوع الأشياء لـه، ونفوذ إرادته ومشيئته متى ما أراد قضاء أمر {فَإنَّمَاْ يَقُولُ لَـهُ كُنْ فَيَكُوْن}، أي لا يوجد حاجة إلى معين لا ولد ولا غيره ليكون بشكل معين له أبداً.

إذاً هذه الآيات هي نفسها توضح فيما يتعلق بأن تنظر إلى أن القضية هذه غير مقبولة بكل الإعتبارات: من حيث أنه لا يجوز على الله سبحانه وتعالى، ومن حيث أنه ما هناك حاجة، والحكيم لا يعمل الشيء الذي لا يحتاج إليه. إذاً تجد هذه هي تنسف موضوع أن يكون هناك حاجة لولد عندما يقول: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(البقرة:من الآية116-117) على الرغم من وضوح آيات الله سبحانه وتعالى، آيات الله في هذا الكون والآيات التي ينزلها على أنبيائه، وعلى الرغم من وضوح الآيات التي يقدمها أنبياؤه تكون هي بالشكل الذي لا يعد يبقى هناك أي تساؤل أو أي حاجة إلى بحث عن آيات أخرى؛ هدى الله واضح، هدى الله كافٍ وفوق الكفاية في كل المجالات وأمام كل التساؤلات.

لكن يحصل كما حكى في هذه الآية: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية118) لا يعلمون {لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ}(البقرة: من الآية118) هل هناك قصور فيما قدم من جهة الله حتى نقول إن هناك حاجة إلى أنه أنا أريد أن يكلمني أنا مباشرة، أو نريد آية؟! كلام الله هي كتبه ينطق بها رسله وورثة كتبه، أليس الله يقول عن القرآن الكريم بأنه كلامه {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}(التوبة: من الآية6) يسميه كلامه؟! هذا المطلب الذي يعني: هلاََّ أو ألا {يُكَلِّمُنَا اللَّهُ} إنما يأتي من جهة الذين لا يعلمون، لا يعلمون لوضوح ذلك الهدى، وتعدد الآيات البينات التي لم يعد يبقى بعدها حاجة إلى ماذا؟ إلى طرح اقتراح أن يكون هناك آيات أخرى.

قد تأتي هذه أيضاً في مقام عدم التقدير، وروح الكبرياء مثلما حكى في آية أخرى عمن قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ}(الأنعام: من الآية124) ومن قال عنهم: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً}(المدثر:52) أنه لماذا اختص ذلك الشخص من بين الناس أن يصطفيه نبياً؟! الغالب إلى أنه يكون الأنبياء بالنسبة لوضعيتهم المادية بالشكل الذي يكون عندهم، قد يرى الواحد منهم بأنه لو كان هو… إذاً فلماذا لا يؤتى مثلما أوتي رسل الله! لماذا يختص ذلك وحده ونحن يكلمنا! إذا كان كلم موسى فيكلمنا! وهكذا إذا كان اصطفى ذلك الرسول، ونحن لماذا لا يعطينا مثلما أعطى رسله؟! هي كلها نابعة عن أنهم لا يعلمون، لا يعلمون بأنه عندما يصطفي رسولا أن دور الرسول هو مرتبط بهم هم، كل ما يؤتى الرسول هو سينصب إليكم أنتم، الهدى، البينات، كل جهد الأنبياء، كل جهدهم، كل كلامهم، كل عملهم هو كله في سبيل الناس، في سبيل هداية الناس، في سبيل إخراجهم من الظلمات إلى النور، في سبيل تعليمهم، وتزكيتهم.

هذا هو مظهر من مظاهر تكريم الله للإنسان بشكل عام، من مظاهر تكريم الله للإنسان بشكل عام أن يصطفي أول شيء: لأهمية هداه، وسعة هداه، وعظمة هداه، ولقيمة هذا الإنسان، الله خلق الإنسان وكرمه فعلاً، من تكريمه: أن يصطفي له على أرقى مستوى من يكونون هداة له بمعنى من يكونون أقدر، أقدر من أي أحد منهم لإيصال هداه إليهم. إذاُ فأنت ترى في الأخير بأنه الرسول كله لك، إذاً ماذا بقي {لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} أو {حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} الرسول كله هو قد آتاكم، أليس هو يقول: جاءكم، أتتكم؟ إذاً قد أعطاك الرسول، ذلك كله هو من أجل هدايتك وتعليمك وتزكيتك، فماذا تريد بعد هذا؟ تريد أنت شخصياً فالقضية ليست مرتبطة بك شخصياً، هو هدى يكون موجهاً لأمة، لبناء أمة، هدى لا يكون على مستوى فردي فقط، يكون عنده: إذاً لماذا لا يعطيني مثل ذلك، ويكفي أن يؤتيك أنت على أساس ماذا؟ لك لوحدك، هذا لا يمكن لا يحصل ليست هذه سنة الله بكلها في الهداية.

هدى الله يأتي للناس جميعاً لماذا؟ لأدوار كثيرة مترابطة ومتعلقة بهم جميعاً ولهذا يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً}(آل عمران: من الآية103) لأن الكثير من مجالات التطبيق لهدى الله سبحانه وتعالى تكون هي مرتبطة بالأمة كأمة، المسؤوليات الكثيرة في دين الله مرتبطة بالأمة كأمة لا يمكن أن ينهض بها الفرد الواحد منهم، مسؤولية ينهض بها الكل فيصبح الكل وكأنهم شخص واحد في النهوض بتلك المسؤولية؛ ولهذا قال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(آل عمران: من الآية104) ما معنى القضية: بأنه اختص ذلك الشخص له هو هو، واصطفى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وأنزل عليه الكتاب وكأنها كلها لـه [ونحن لماذا لا يعطينا مثله] ليست القضية بهذا الشكل، هو كل ما أعطاه هو للناس، لهدى الناس، وتعليم الناس، وتزكيتهم.

هذه القضية هامة جداً يجب أن نفهمها، قضية هامة جداً يجب أن نفهمها بأنه لا تكن عندك مشاعر بأنه لماذا لا نعطى مثلما أعطي فلان، نعطى مثله، لأن المسألة على هذا النحو: أن الله أعطاك ذلك بكله، أعطى الأمة أنبياءه، وأعطى الأمة كتبه عن طريق أنبيائه، أعطى الأمة ورثة أنبيائه، إذاً لم يعد هناك أي شيء إلا مشاعر الذين لا يعلمون، لا يعلمون، لا يعلمون.

{كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ}(البقرة: من الآية118) الذين لا يعلمون من الأولين ومن الآخرين هكذا تأتي اقتراحات من هذا النوع التي لا قيمة لها، ولا واقعها غائب {لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ} قد كلمك الله بكتابه، وعلى لسان نبيه ما الله يقول: {وَأَنْزَلَ إِلَيْكُم} يقول في القرآن الكريم بأنه أنزله إلينا، إلى الناس، هو كلامه إلى الناس بواسطة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله). {أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} هذه آيات عظيمة جداً، آيات عظيمة جداً. هذه الإقتراحات ما هناك حاجة لها في الآيات هذه ما يكفي، ما يكفي الإنسان أن يكون موقناً وليس يعلم فقط أن يكون موقناً. {قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(البقرة: من الآية118) تصل بهم إلى درجة اليقين، وليس فقط لقوم يعلمون لمجرد أن يعلموا، يعلم وتصل به إلى درجة اليقين.

{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً}(البقرة: من الآية119) هذه هي سنة الله سبحانه وتعالى وليس أنه استجابة لمقترحات الآخرين: {لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} هكذا قد عمل الله سبحانه وتعالى الشيء الذي فيه فوق الكفاية {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}(البقرة:119) أنت هذه هي مهمتك: بشير ونذير، وأولئك الذين لا يهتدون سيصبحون من أصحاب الجحيم ولست المسئول عنهم لماذا ما جعلتهم مهتدين، مهمتك أنك بشير ونذير وتبذل كل ما لديك من قدرات، وتبين على أرقى مستوى فالآخرون الذين ماذا؟ لا يؤمنون، لا يستجيبون، ويكونون من أصحاب الجحيم لن نقول في الأخير: أنت تتحمل مسؤوليتهم، مثلما لا تقول لمعلم معين: لاحظ الطلاب الذين رسبوا في الفصل أنت تتحمل مسؤوليتهم، قد تتحمل مسؤولية إذا كان هناك تقصير من جانبك، لكن عندما يقول في هذه الآية: {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} هي تؤكد بأن عمل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو بالشكل الذي لا يعد يبق عليه أي مسؤولية على الإطلاق بالنسبة للآخرين الذين لم يهتدوا، أي أنه قد بين على أكمل درجة من التبيين، وأوضح على أعلى درجة من الإيضاح لهذا فلم يبق عليه أي مسؤولية، وإلا قد تكون هناك مسؤوليات حقيقية سيأتي بعد يتحدث عن المسؤوليات فيما يتعلق بمن يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}(البقرة:159) أليس يوجد مسؤولية كبيرة نتيجة أنهم كتموا، فضَّل كثير من الناس؟ أو أشخاص تقدم إليهم هداية فيضلوا أنت لا تتحمل مسؤوليتهم.

هذه الآية تؤكد لك بأنه بالنسبة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لا صلة له على الإطلاق بما هو ضلال من بعده على الإطلاق، ولا تترتب عليه أي مسؤولية بالنسبة للناس الذين ضلوا فكفروا وأصبحوا من أصحاب الجحيم أبداً، بمعنى ماذا؟ أنه لا علاقة لـه بالإضلال على الإطلاق، بمعنى أنه جاء بالتبيين الكامل، الكامل الذي لا يحصل على الإطلاق بسبب تقصير من عنده إنما يضلون عن علم؛ ولهذا يأتي في آيات أخرى: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ}(الشورى: من الآية14) ولهذا قال الله في آية أخرى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}(الأنعام: من الآية159) لا علاقة لك بهم، ولا صلة لهم بك نهائياً، الآية تكشف اهتمام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وأساه وتألمه على أولئك الذين لا يهتدون، يهتم حتى في الأخير يقول الله لـه: أنت ليس عليك مسؤولية، لكن هو مهتم جداً، هو رحيم جداً بالبشر جميعاً، ويحزن ويأسف لماذا لم يستجيبوا، لماذا لم يهتدوا لأنه يعلم عظمة هذا الدين الذي يقدمه للناس، ويعلم خطورة عدم الإستجابة بالنسبة لهم في الدنيا وفي الآخرة.

{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) أحياناً قد يكون عند الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) اهتمام كبير بشكل أنه كيف يعمل يرضى عنه الآخرون عسى أن يستجيبوا، هذه حالة تحصل عند الناس يكون الواحد يحاول أنه كيف يسترضي الآخرين من أجل إذا كانوا راضين عنه ربما يهتدون، الآية تكشف بأنه كان مهتماً جداً فيما يتعلق أيضاً باليهود، فيما يتعلق بالنصارى أنه حريص على هدايتهم متأسف جداً لماذا لم يهتدوا، قد يصل الإنسان الكثير الإهتمام الكبير الإهتمام، الحريص جداً على أن يهتدي الآخرون، قد يصل إلى محاولة أنه كيف يرضى عنه الآخرون، وقد تحصل أخطاء في هذا الموضوع هنا يقول لـه: هذه فئة لن ترضى عنك أبداً باعتبار واقعها وما هي عليه لن ترضى عنك أنت، وعندما يقول: {لَنْ تَرْضَى عَنْكَ} فبالأولى لن ترضى عنا نحن لماذا؟ لأن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) باعتبار أخلاقه، حرصه، سلامة نفسيته، تعامله الحسن، وده بأن يهتدي الكل، رحمته بالكل أليس هذا الإنسان هو أقرب إلى أن يرضى عنه أي طرف من الأطراف؟ أنت على الرغم مما أنت عليه من الأخلاق الكريمة العالية العظيمة وما فيك ما يمكن أن ينفر منك بل فيك ما يجعل الآخرين يرضون عنك لكن هؤلاء هم فئة مختصة بماذا؟ بحالة غريبة جداً هم لن يرضوا عنك أبداً.

إذاً من منا فيه الجاذبية التي في رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) والتي كانت أدعى لأن يرضوا عنه من أي واحد منا؟ إذاً فنحن لن يرضوا عنا نهائياً، فإذا كان هناك من يمكن أن يرضوا عنه فهو محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) لعلو أخلاقه وطيب نفسه ورحمته وحرصه على هداية الجميع ولا يحمل روحا عدائية شخصية على الإطلاق، عداء شخصي على الإطلاق.

هذه الآية هامة جداً، ولهذا تجد بعض الآيات، الإعراض عنها يجعل الناس يرتكبون أخطاء رهيبة جداً في سياستهم، في ممارستهم، في أعمالهم، هذه متجلية في ممارسات الحاكمين في البلاد العربية والإسلامية بشكل عام، محاولين كيف أن يرضى عنهم اليهود، يحسن علاقاته ويحمد الله أن هناك علاقات طيبة ثنائية ما بيننا وبين أمريكا، أو أشياء من هذه! بل يصلون إلى حالة أن يسترضوهم مثلما عملوا في القمة العربية في بيروت، قدمت أشياء سيئة جداً، قد هم مستعدون حتى بأن يتضمنوا بأمن إسرائيل فقط تطلق أراضي [67] التي يقولون عنها التي احتلتها [عام 67] يطلقونها للفلسطينيين ومستعدين نقيم علاقات معها، ومستعدين حتى نحافظ على أمنها! ما رضيوا، ما رضيوا أبداً.

إذاً هذه نفسها عندما نقول: يجب أن ننظر في موضوع القرآن الكريم، والإهتداء به فيما إذا دخلنا مع طرف آخر في حوار عندما يقول: إذاً ما الدليل على أن القرآن يمكن أن يكون له إيجابية؟ متى حكم القرآن حتى تستطيعوا أن تقولوا بأنه قدم نموذجاً على أعلى مستوى؟ نقول: الآن الحياة كلها شاهدة لهذا القرآن، الله يقول في القرآن أنكم: لن ترضوا عنا، وأنتم تشهدون على أن هذه حقيقة لا شك فيها، ووجدنا بأنكم عندما لم ترضوا عنا، ولستم أبداً يمكن أن ترضوا عنا؛ نجد كيف تصرفاتكم معنا بالنسبة لكم أنتم، بالنسبة لليهود والنصارى، بالنسبة للداخل، الحاكمين، المثقفين الذين يرون أن نحاول أن نحسن علاقاتنا، نحاول أن لا نعمل أشياء مثيرة للطرف الآخر نحاول ماذا؟ أن نسترضي الآخر، أي أن نكسب رضاهم نقول: وجدنا كيف كان تعاملكم بالشكل الذي ضرب الأمة هذه وأنتم تبحثون أن يرضوا عنكم فلم يرضوا عنكم!.

إذاً أنتم عملتم بالجانب الآخر مما نبه عليه القرآن فكان واقعكم شاهداً لا شك فيه على ماذا؟ على سوء عدم العمل بالقرآن، وهذا هو أبرز الأمثلة في أنه شيء لـه قيمة أن تكون قيمته متجلية في الإتجاهين، وقد تعطي قيمته وتبرهن على عظم قيمته بروز اتجاه واحد، أي إذا قلنا مثلاً بأنه الذي برز أمام هذه الآية الكريمة هو: أنهم فعلاً وجدناهم عملياً لم يرضوا عنا، ووجدنا من يبحث عن رضائهم لم يحصل على رضائهم، ووجد نا بأنه عندما يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ} فعندما تبحث عن رضاهم معناه سيحصل هناك قائمة من الأخطاء، في رؤيتك، في سلوكياتك، في تعاملك مع الناس، هذا الذي حصل، ألم يصلوا إلى درجة أن يقبلوا أن يغير الأمريكيون المناهج، وهم يقولون في نفس الوقت أنهم يريدون أن كثيراً من القرآن يخفى! لا يعد يقرأ! أليس هذا بحثا عن رضاهم؟ فلم يرضوا عنهم، ألم يسرِّحوا أعداداً كبيرة من الخطباء بالمئات في السعودية من أجل أن ترضى عنهم أمريكا فلم ترض عنهم، نقول: إذاًُ صدق الله العظيم هذا شاهد واضح، ثم تأتي تقول لي: متى حكم القرآن فقدم نموذجاًُ؟ نقول: الكل يشهد بأنه على أعلى مستوى، القرآن الكريم.

{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} ملتهم لأنه أي شيء أنت عليه يعتبر ملة بالنسبة لك، أي شيء أنت عليه، توجهك الثقافي، سلوكياتك، الشيء الذي يقوم عليه التعامل فيما بينك وبين الآخرين هو يسمى ملة، أنت هل يقبل اليهود والنصارى منك ويرضون عنك وأنت تبرهن لهم بأنك على دين إبراهيم، لا، بأن رسالتك هي امتداد لرسالة موسى وعيسى وأن كلكم رسل من عند الله وديانة واحدة من عند الله؟ لا، ملتهم هم، التي قال عنها في الأخير سماها أهواء، هذا شيء مهم بالنسبة لنا أن نفهم أن ما بين يدي بني إسرائيل مما هو الآن عبارة عن ملة لديهم باسم يهودية، أو باسم نصرانية هو ماذا؟ مجموعة من الأهواء؛ ولهذا قال: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ}(البقرة: من الآية120) عندما يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} سمى ملتهم بعد بمجموعة أهواء كأنه قال: ولئن اتبعت ملتهم، قال عن الملة نفسها {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} هو قد نبه في آيات كثيرة أخرى شخّص من خلالها واقع ما لدى بني إسرائيل، ما لدى اليهود، والنصارى عندما قال: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}(المائدة: من الآية77) {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}(البقرة: من الآية120) لأنه أحياناً قد ينطلق الإنسان بواقع حرص سواء تحت عنوان حرص على الدين، على أن يكسب الآخرين، أو حرص على مصلحة وطنية، من أجل لا يحصل شر على أبناء وطنه مثلاً فيقدمون أشياء معينة هي أهواء من جانبهم، فيحاول أن يسترضيهم بتقبلها، أن يسترضيهم بتقبلها.

إذاً سيكون في نفس الواقع كأنه غير مؤمن بهذه القضية القاطعة: أنهم لن يرضوا عنك، في الأخير ستخسر، وفي الأخير على الرغم مما أنت عليه أنت، وهذا مثل بالنسبة للآخرين، إذا كان يقول عن نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله): {وَلئن اَتََّبَعتَْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ}(البقرة: من الآية120) لأنه في الواقع هذا، اتباع أهوائهم يؤدي بك إلى تجاوز ما جاءك من العلم من جهة الله سبحانه وتعالى من العلم الذي هو هدى، ومن العلم بواقعهم هم، وأنهم لن يرضوا عنك ستكون خاسراً، وفي الأخير مالك من الله أي طرف آخر بديل عن الله معناه: أن الله سيتخلى عنك، وفي الأخير لن تجد لك أي ولي ولا نصير {مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ} مما سيأتيك من جانبه من عقوبة، وليس هناك أي طرف آخر تقول: يمكن أن يكون بديلاً لك فيكون ولياً ونصيراً، لا ليدفع عنك من الله، ولا ليكون بالشكل الذي تعتمد عليه في مجال اتباع أهوائهم.

إذاً فإذا كان مثل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لو حصل منه ما هو اتباع لأهوائهم فسيعرض نفسه لخطورة بالغة جداً، والآية توحي بأنه سيأتي شيء من جهة الله، أعني: شيء من جهة الله هو يضرب، يضربه، وفي الأخير لا يكون له لا ولي ولا نصير في أن يدفع عنه ما يأتي من جهة الله. إذا كان الرسول نفسه هكذا لو حصل منه فكيف بالناس، فكيف بالآخرين؟ أليس مقام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) عند الله أعظم من مقام مجموع هذه الأمة بكلها؟.

إذاً فهذا التهديد خطير جداً لو يتأمله الناس، لو يتفهمه الحكام، لو يتفهمه الكثير من المثقفين، الكثير من زعماء الأحزاب؛ لأنها تؤدي إلى خطورة بالغة جداً لأن الله قد قطع هنا المسألة: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى}(البقرة: من الآية120) إذاً أعلمك، أليس هنا قد أعلمك؟ لأن هذا علم جاءك من عند الله بالنسبة لهذه القضية، لم يبق محاولات: أن تجري وراء أهوائهم على أساس أن تبحث في استرضاء حتى ولو كان عندك حسن نية، سواء بالنسبة للدين أن تكسبهم ليدينوا بما أنت عليه، أو من أجل مصلحة لأمة معينة، أو مصلحة وطنية كما يتشدقون بها الآن الكثير من الحكام: أنه فقط من أجل الحفاظ على المصلحة العامة للوطن.

{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}(البقرة: من الآية120) لا يوجد ولي ولا نصير يدفع عنك سواء فيما يأتي عليك من الله سبحانه وتعالى كعقوبات إلهية، ولا فيما يأتي من جانب العدو نفسه من شر، لا يوجد ولي ولا نصير معهم إلا أن يرجعوا إلى الله ويدينوا بقطع، يقطعوا قطعاً بأن هذه قضية لا شك فيها، ويبنوا كل أمورهم، كل تعاملهم مع الآخر على أساس {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) هذه فيها تهديد خطير جداً لأنه عندما يكونون هم متوجهين لفرض أشياء علينا، ثم يقولون: نتقبلها، ثم أيضاً يترافق معها ترويج إعلامي [إننا هدفنا نحرركم ونبني أوطانكم، ونعمل كذا….] بل البعض يقولون: انظروا كيف أصبحت اليابان، وكيف أصبحت ألمانيا؟ أليست هذه الدول قد احتلت من قبل الأمريكيين، ثم انظروا كيف أصبحت؟.

هذه أولاً: قضية خداع، ليست أمريكا هي التي بنت اليابان، اليابانيون أنفسهم هم، قالوا: إن الإقطاعيين في اليابان، الذين كانوا يمتلكون رؤوس أموال كبيرة تنازلوا عن نسب كبيرة جداً من أموالهم لتمويل النهضة العلمية من جديد، والنهضة الصناعية من جديد، هم تنازلوا عن ممتلكاتهم، وصلت اليابان إلى تحطيم بشكل رهيب، كذلك ألمانيا، ليس الأمريكيون هم الذين نهضوا بألمانيا، ولا الذين نهضوا باليابان أبداً.

هذه هي تقطع أي تفكير من هذا النوع بأنه: سهل نتقبلهم، هم هؤلاء يقدمون خدمات، ومشاريع وربما يفكون عنا الطغيان، وربما تتحسن وضعيتنا، وربما، وربما، وأشياء من هذه! الله يقول هنا: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}(البقرة: من الآية120) هذا تهديد ستضرب، ستضرب الأمة هذه، أولاً: إن هؤلاء الأعداء ليس لديهم نية على الإطلاق، ليس لديهم نية أن يرتقوا بالشعوب، لو كانت النية هذه حاصلة لديهم لكانت السعودية، ودول الخليج على أرقى مستوى فيما يتعلق بنهضة علمية، وصناعية، لكن لا، هم لا يأتون ليبنوا الأمم إنما يأتون ليمتصوا دماء الشعوب كما عبر عنهم الكثير، في مقدمتهم [الإمام الخميني] سماهم: مصاصي دماء الشعوب.

ثم هذه القضية خطيرة تيئِّس الناس تماماً، فلا يقبلون أي ترويج دعائي لتقبل أمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهم على الإطلاق لأن معناها تهديد إلهي {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} إذا أنت تجد أنه يهدد النبي، فالتهديد لك وللأمة هذه بالأولى، بمعنى أنها قضية خطيرة لن يداهن فيها ويجامل فيها نبيه الذي اصطفاه وأكمله وهو يعرف بحسن نواياه، لن يتبع أهواءهم هكذا اعتباطاً، قد يكون مع حسن نية: إما من أجل نسلم شرهم مثلاً، أو من أجل عسى أن يصلحوا، أو من أجل أشياء من هذه.

إذاً ليس هناك أحد يحمل نفس النوايا الحسنة التي يحملها النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) أبداً، ومع هذا لو انطلق ليتبع أهواءهم، هم لا يمتلكون إلا أهواء، لا يمتلكون إلا أهواء، هل يمتلكون حقاً؟ هل يمتلكون ديناً حقاً؟ لا، وبالتأكيد لا يوجد مقابل الدين الحق، ومقابل الحق إلا أهواء، كلها أهواء، إذاً ستضرب الأمة عندما تتبع أهواء هؤلاء، وقد ضربت لحد الآن والله أعلم إلى أي مجال ستصل الضربة.

لاحظ علاقة الآيات التالية في الموضوع هذا نفسه {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}(البقرة: من الآية121) فعندما يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى}(البقرة: من الآية120) أليس هذا من الكتاب الذي نتلوه؟ وتتلوه أنت يا محمد؟ لأنه أول ما أنزل عليك، وأنت أول رجل أوتيته، يجب أن تكون مؤمناً به إيماناً قاطعاً {أولئك يؤمنون به وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(البقرة: من الآية121) ستخسر.

البعض يفسر {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ}(البقرة: من الآية121) معناها: يتبعونه حق اتباعه، هذا هو واحد من مصاديق تلاوته حق تلاوته، أن يتلوه حق تلاوته، كيف حق تلاوته؟ بتدبر بتأمل من منطلق رؤية واسعة كما قال الإمام القاسم: ((يجب أن تنظروا إلى القرآن ككتاب هداية)) كتاب هداية، وأنت تعرف سعة الهداية، وتعرف سعة هذا القرآن، وأنت تقرؤه وتتلوه من خلال مزج ما بين القرآن وما بين الواقع، مزج ما بين القرآن وما بين الحياة بشكل عام، وما بين الماضي والحاضر والمستقبل، وأنت تقرؤه، هذه تلاوته حق تلاوته، ليس معنى تلاوته حق تلاوته قلقلة الحروف والغنة، وأشياء من هذه!.

إذاً فمن واجب من أوتوا الكتاب: أن يتلوه حق تلاوته، وفي نفس الوقت يكونون مؤمنين به، والإيمان به إيمان تصديق، وإيمان عملي، يقطعون بالحقائق التي يقدمها، بالأخبار التي يتضمنها مثل هذه: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) وكثير من أمثال هذه.

{أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}(البقرة: من الآية121) هذه توحي: بأن تلاوة القرآن حق تلاوته فعلاً تدفع إلى الإيمان به {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} لكن لم يتلَ حق تلاوته، تلي من الناحية الفنية، أن يكون الشخص الذي أنت تتلوه عنده يراعي الغنة [هل أنت مديت، جعلت الغنة بمقدار حركتين هنا، هل المد بمقدار أربع حركات، أو ست حركات؟ هل أنت قرحت حرف القلقلة؟] بعد ذلك يقول: باهر، ممتاز، يعطيك جائزة؛ أنك حصلت على درجة عالية في تلاوته!.

لاحظ هذه الآيات عندما نقرؤها بهذا الشكل أعني: على هذه الطريقة نفسها، أليست تعطي القرآن في أنفسنا مكانة كبيرة جداً؟ وتجده كتابا يلامس القضايا، ويلامس الواقع فعلاً، وتجد فيه فعلاً، تجد فيه أيضاً المصاديق في واقع الحياة، في كل الإتجاهات، في الخارج، وفي الداخل، داخل الأمة الإسلامية، وخارج الأمة هذه. قد يكون من نعمة الله علينا: أن نكون في ظرف مليء بالأمثلة، واقع تستطيع أن تمثل من خلاله لكل شيء، تستطيع أن تقدم برهنة من خلاله فيجعلك تلمس القرآن وإذا هو كتاب حياة على طول يتجدد بتجدد الحياة، لا يكون عبارة بأنه حاولنا نأخذ ما بقي من القرآن، هو كتاب للحياة كلها، في كل جيل يخاطبهم هم، وفي كل جيل وكأنه نزل لهم، في كل جيل، هذا معنى حيويته، ليس معنى حيويته بأنه: طويل عمر لكن قد صار شيبة لم نعد نلحق منه إلا [عايل فكرة] قد صار شيبة، وقد أصبح ينسى أشياء كثيرة! ما زال حياً لكن باقي حياة فقط، شيبة عمره طويل باقي حياة يمكن تسأله، وطلع لك [عايل فكرة] وأحياناً يغلط فيها، وتحاول تتأكد منه! حيويته هذه حيوية فتوة في كل المراحل.

{يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}(البقرة:122) من رحمة الله الواسعة، والنظرة الواقعية بالنسبة للناس ككل، وهي النظرة التي يجب أن تكون عند من يهتدون بكتاب الله، في نفس الوقت الذي عرض فيه كثيراً من ماضي بني إسرائيل، الماضي المأساوي، الماضي الموحش، التاريخ الأسود في معظمه، عسى أن يكون هؤلاء الموجودين من بني إسرائيل في أيام تنزله تنزل هذا القرآن، أن يكون هذا قد ترك أثراً لديهم، فيذكرهم من جديد: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} يذكرهم من جديد: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ}(البقرة:123).

{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنّ}(البقرة: من الآية124) الكلام عن إبراهيم، إبراهيم باعتباره الشخص الذي يلتقي عليه الكل في تعظيمه، والذي يدعي كل من اليهود والنصارى بأنهم أولى به، قال في آية أخرى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا}(آل عمران: من الآية68) إذاً سيعرض فيما يتعلق بنبي الله إبراهيم لهذا الإعتبار، باعتبارها قضية مساعدة إذا كان بنوا إسرائيل سيتذكرون فضل الله ونعمته عليهم، ويذكرون أن هذا هو أبوهم الأول، وهذا مما يدفعك إلى نوع تذكر: أن يذكر لك تاريخ جدك الأعلى الفاضل الذي كان على هذا النحو؛ لتقارن من خلال عرض نفسيته، عرض اهتماماته، عرض رؤيته هو الدينية بالنسبة للدين، رؤيته بالنسبة للأمة، اهتمامه بالأجيال من بعده لتقارن بين وضعيته وبين وضعيتك أنت عسى أن تهتدي.

هذه قضية الناس يستخدمونها يقولون: [لاحظ أبوك كانه كذا وكذا، جدك كانه كذا كذا كذا…] ألست تعرض عليه كثيراً من القيم الفاضلة التي كان يتحلى بها جده؟ من أجل يتبعه من خلال المقارنة بين واقعه وواقع جده عسى أن يرجع إلى ما كان عليه جده.

نبي الله إبراهيم قُدم في القرآن بشكل رائع جداً: نبي من أعظم الأنبياء فعلاً ابتلاه الله سبحانه وتعالى بكلمات، كلمات يعني: قضايا نحن لا نعرفها ما هي بالتحديد، قد يكون منها مثلاً تلك الرؤيا التي رأى فيها: أنه يذبح ابنه، قضايا يتبين من خلالها سمو نفسيته، وطهر نفسيته، وتسليمه لله، وجدارته بهذا المقام الرفيع الذي آتاه الله فيما بعد: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}(البقرة: من الآية124) هذه الكلمات ليست كما يقول البعض: [هي حلق العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب…] وأشياء من هذه! ليست هي ابتلاءات تكشف واقع الشخص، ومدى جدارته بتحمل مسؤولية معينة، والوصول إلى مقام معين [نتف الإبط، وقص الشارب، وحلق العانة، وقص الأظافـير….] إلى آخره.

{فَأَتَمَّهُنَّ} نجح فـي الإمتحان {فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}(البقرة: من الآية124) هذا المقام الرفيع، وما يزال إماما للأنبياء، وإماما للبشر، وكل يدعي بأنه يأتم به من البشر جميعاً ممن لديهم عناوين دين {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} ليست فقط مجرد منصب، مؤهلاته هو، ما يزال يوحي، من خلال حركته، من خلال نفسيته، من خلال مواقفه يأتم به الناس، يأتمون به، يقتدون به؛ ولهذا إن الله سبحانه وتعالى في آية أخرى ألم يذكر فيما يتعلق بالبراءة من الكافرين أنه قال: أنه يجب أن يتأسوا بإبراهيم، والذين معه {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}(الممتحنة: من الآية4) نبي الله إبراهيم مع سلسلة الأنبياء من قبله، ومن بعده قدموا في آية ليقول لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله): {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(الأنعام: من الآية90) قدم له هذه القائمة الطويلة، وفي نفس الوقت حركتهم في تبليغ الرسالة، وأهم نماذج فيها، يستلهم منها، يستوحي منها، يأخذ منها ما يساعده في مجال حركته في تبليغ الرسالة.

نبي الله إبراهيم، ونبي الله موسى، وعيسى، وكل الأنبياء هم ما يزالون يعطون من خلال ما عرضه الله من حركتهم، من أعمالهم، من مواقفهم، فيها ما يستلهم الإنسان منها الأشياء العظيمة، في مجال العمل، في مجال الحركة، في مجال الإخلاص لله، والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى.

{قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}(البقرة: من الآية124) نبي الله إبراهيم وهو يعرف عظمة دين الله سبحانه وتعالى هو يعرف أنها سنة إلهية لا بد أن يكون للناس أئمة يهتدون بهم {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}(البقرة: من الآية124) أي: واجعل من ذريتي، نبي الله إبراهيم يعرف أن المسألة هنا ليست مسألة منصب متوارث، منصب متوارث، أو مؤهلات فردية، أنها: قضية هي مختصة بالله، هو الذي يجعل، هو قال هناك: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}(البقرة: من الآية124) هل قال: [إذاً ما دام قد جعلني للناس إماماً إذاً قد الجهال الكبير الكبير سوف يتحولون أئمة؟] هو يعلم أنها قضية يختص بها الله سبحانه وتعالى، وليست عبارة عن إعطاء منصب بقرار: أن هذا ولي العهد، فيكون هو الملك من بعد، أو أن هذا هو الإمام من بعد بمجرد قرار!.

إن الله هو الذي يجعل هنا قال: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}(البقرة: من الآية124) أي: واجعل ياإلهي من ذريتي أئمة للناس {قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(البقرة: من الآية124) لاحظ خطورة المسألة هنا من خلال مقت الله سبحانه وتعالى للظالمين، وكيف يجب أن يكونوا بعيدين كل البعد عن ولاية أمر الناس، عن أن يقدموا أنفسهم كهداة للناس، أو قادة للناس، ما هنا برزت أول عبارة قبل أن يقول تمام؟لم يعد يظهر إلا في مضمونها إقرار أنه سيجعل من ذريته أئمة، في مضمون العبارة هذه التي تكشف أهمية كبيرة عن ماذا؟ عن خطورة الظالمين، وعن بعدهم أنه يجب أن يكونوا بعيدين على مسافات شاسعة جداً عن ماذا؟ عن أن يكونوا أئمة للناس.

أيضاً قال مما يؤكد أن المسألة هي اختصاص إلهي: عهدي، {لا يَنَالُ عَهْدِي}(البقرة: من الآية124) ألم يسمه عهده؟ أي لن يعهد إليهم، ولن يعهد إليهم ليس معناه: فقط أن لا يعطي قراراً، قضية أن يعهد هي الإعطاء، وفي نفس الوقت اصطفاء، في نفس الوقت بناء لأن قوله: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}(البقرة: من الآية124) مثلما قلنا سابقاً ليست بمعنى قرار فقط، تأهيل لهذا الرجل أن يكون بالشكل الذي لا يزال يأتم به الأجيال جيلاً بعد جيل، ولا يزال يأتم به، ويستوحي منه، ويستلهم من مواقفه، وحركته، ومشاعره الأنبياء من بعده بما فيهم أعظم الأنبياء محمد (صلوات الله عليه وعلى آله).

{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً}(البقرة: من الآية125) لاحظ هنا قضايا كبيرة تقدم في الموضوع إبراهيم كإمام للناس، يعتبر شيء يمثل ركناً، ركن في ماذا؟ في سلسلة الدين، أو ركن في موضوع الهداية يقتدي به الناس بما فيهم الأنبياء (صلوات الله عليهم) دوره هو أشبه بدور البيت، سيأتي في البيت أيضاً هناك فيما يتعلق بالبشر كبشر من داخل البشر، وهنا فيما يتعلق بماذا؟ بالبيت الحرام مأوى يأوي إليه الناس، يثوب إليه الناس، يرجعون بطريقة متجددة.

هذه تعني عندما يقول: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}(البقرة: من الآية124) أن محور القضية هنا الإمامة {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} بمعنى: أن البشر يحتاجون إلى نوعية من الهداة على هذا النحو، أنهم يعتبرون قطباً بالنسبة للبشر كما يكون البيت نفسه، البيت له دور والإمام له دور. هذا فيه رد كامل فيما يتعلق بمفهوم ولاية الأمر الذي قدم حتى عندنا في كتبنا في كتب [الزيدية] قدم بشكل بعيد عن موضوع الهداية، خاصة في الأجيال المتأخرة، تقريباً في الثمانمائة سنة المتأخرة نتيجة [أصول الفقه] و[علم الكلام] وهذه الأشياء، جردوا المسألة من أهم قضية مرتبطة بها وهي ماذا؟ هداية الناس، هداية الناس، أعني: تربية الناس، وتوجيه الناس، وتوعية الناس، تثقيف الناس، بناء الأمة، القضية المهمة جداً جداً!.

جعلوا ولاية الأمر عبارة عن ماذا؟ عن رئاسة عامة، رئاسة عامة، منصب هناك: يجيش جيوش، ويستلم زكاة، ويعين ولاة، ويعزل ولاة، ويقيم الحدود على من زنا، أو سرق، ويقيم القصاص، وانتهى الموضوع! القضية هامة جداً، دوره قطب بالنسبة للبشر قارن بينه، وبين الكعبة أعني: في الدور العام، في الدور الهام، في سعة الدور، في سعة دوره.

{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً}(البقرة: من الآية125) يثوبون إليها، يلتقون إليها، هي بيت سميت بيت الله، معلما من معالم دينه، من معالم توحيده، من معالم ربوبيته، وألوهيته، نفس الكعبة يثوب إليها الناس بطريقة مستمرة، يعودون إليها، يعودون إليها؛ لأن ثاب إلى الشيء بمعنى: رجع، فكأن الناس وهم دائماً يعودون إلى الكعبة، يعودون إلى الكعبة باستمرار، هذا معنى يثوبون إليها.

لها قيمة هامة جداً فيما تعطيه من معاني، فيما تعطيه من مشاعر، فيما يتعلق بالله سبحانه وتعالى، الإنسان عندما يكون قريباً من الكعبة يشعر وكأنه قريب في أجواء تجعله قريباً من الله، في أجواء تراها دينية، ترى مشاعر الناس هناك كلها مشاعر دينية، مشاعر توجه إلى الله، كل واحد يشعر وكأنه قد وصل إلى المكان الذي قد هو قريب من الله جداً. يثوبون إليها التقاؤهم المتكرر هو وسيلة من وسائل بث الهدى والوعي فيما بينهم بطريقة مستمرة.

لهذا كان الحج مهماً جداً، وما يزال الأعداء من اليهود والنصارى ينظرون إليه كقضية خطيرة جداً أي: أن هذه الأمة ما تزال تمتلك نقطة تمثل قوة بالنسبة لها، وإيجابية كبيرة بالنسبة لها، وعامل من عوامل إمكانية توحدها، إمكانية نقل المفهوم الواحد فيما بينها، تعميم المفهوم الواحد، والرؤية الواحدة فيما بينها، اطلاع البعض منهم على ما يعاني البعض الآخر، من خلال التقاءاتهم، لهذا عملوا من زمان على تفريغ الحج عن محتواه، تفريغ الحج عما يمكن أن يعطيه من إيجابيات بالنسبة للأمة وبعدما ظهر [الإمام الخميني] وحاول أن يستغل الحج لتذكير المسلمين، وكان يصدر بياناً في الحج، ويوزع لأنه من هنا تنطلق الأشياء إلى مختلف بقاع الأرض أي: تمثل مؤتمراً هاماً جداً لا يستطيع أي طرف أن يمول كمثله كل سنة؛ لأنها جاءت قضية عبادية ينطلق فيها الناس هم، كل إنسان يذهب هو بتمويل نفسه فيلتقي الملايين هناك، أي دولة تستطيع أن تمول ولو مليون كل سنة أن يجتمعوا هناك؟ لا تستطيع أي دولة.

وهذه واحدة من الأشياء التي تلمسها أنها في تشريعات الله سبحانه وتعالى قضايا هامة، وتجدها بالشكل الذي ليست مكلفة، ليست مجهدة، بهذه الطريقة التوزيعية، طريقة: الإنسان هو يتحمل مسؤولية، ومتى ما استطاع أن يحج حج، يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه ينتج لك في الأخير مجتمع كبير، أمة كبيرة تلتقي في ميدان الجهاد، تلتقي في ساحات البيت الحرام، لا أحد يستطيع أن يمول تلك الأعداد، وتجد الموضوع بالنسبة لهم غير مجهد، غير مرهق، غير مثقل لأنه ماذا؟ ثقل توزع، توزع وأصبح بالنسبة لكل واحد في الأخير لا يشكل عبئاً بالنسبة له، لكن المجموع لو كان على حساب جهة واحدة لكان – فعلاً – يمثل عبئاً كبيراً جداً، يطلع لك في الأخير أرقام هائلة.

لهذا نقول: إن هذه رؤية فيما يتعلق بالمجاهدين، أو نقول: بالجيش، الجيش في الإسلام كيف هو؟ هل هو جيش نظامي يمول من أموال الأمة فتنفق الملايين بل المليارات في سبيله وفي الأخير تراه لا يقدم شيئاً؟! أم أنه جعل المسؤولية: أنه كل إنسان يعتبر جندياً، ينطلق هو، وبأمواله، ومتى ما حصل قدرات معينة تمول تمويلاً إضافياً، أو تمول من ليسوا مستطيعين على الإطلاق، في الأخير ترى أمة يتحول الناس فيها كلهم إلى جنود، فيرى العدو أن أمامه ملايين البشر كلهم جنود.

من الذي يستطيع أن يؤلف جيشاً من مليون جندي نظامي؟ يعتبر رقماً مكلفاً جداً، وباهظ التكاليف جداً، ويصل ضرره على الناس بشكل كبير أعني: بفارق ملموس، يصل ضرر الإنفاق، عندما تتولى مثلاً دولة، تتولى تكوين جيش نظامي، وتنفق عليه من الأموال العامة للمسلمين، سترى الضرر يلحق عليهم، وترى الثقل يصل إلى كل شخص منهم بالشكل الذي لا يحصل مع انطلاقتهم على حساب أنفسهم، أليس هذا شيئاً غريباً فعلاً؟ شيء غريب فعلاً: أنه لماذا نفترض أنه قد يكون مليون جندي يكلفون مثلاً تمويلهم للتحرك في اتجاه معين، أو في ظرف معين مثلاً مليار دولار إذاً مثلاً سيكلف مليار دولار فلتنفق الدولة المسلمة من نفس المال العام مليار دولار في النفقة، لو تنفق هذا المبلغ ستجد أنه مثلاً سيلحق أضراراً بالأمة من الناحية الإقتصادية، سواء فيما يتعلق بغلاء معيشة، أو بأي اعتبار معين، أو فقد خدمات هامة جداً بالشكل الذي تعتبر شديدة الوطأة عليهم هم أكثر من ذلك المليار الذي هو متوزع هو من داخل أموالهم الخاصة هم.

فالحج تراه مهماً جداً، وجعل على هذا النحو: الإنطلاقة من جهة كل إنسان هو على أساس الشعور بالمسؤولية، وأن هذه فريضة يؤديها، ويمول نفسه هو فيجتمع لك في الحج ثلاثة ملايين – مثلاً – كم تكلفتهم الباهضة لو كان على حساب جهة معينة؟ لا أحد يستطيع أن يمولهم.

هذه المقومات الأساسية الهامة للأمة التي عبرت عنها هاتان الآيتان: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}(البقرة: من الآية124) {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ}(البقرة: من الآية125) عندما لم تعد القضية على هذا النحو في الأمة ما الذي حصل؟ ضاعت الأمة فلم يعد البيت، ولم يعد الحج بالشكل الذي يعطي الإيجابية، ولم يعد لدى الأمة قيادة واحدة على هذا النحو: القيادة التي هي ماذا؟ امتداد لقيادة إبراهيم، وقيادة محمد (صلوات الله عليهما).

لديك الآن [57 قائداً] ماذا عمل هؤلاء أمام مجموعة من اليهود؟ لا شيء، و[57 قائداً] تحتهم كم؟ مليار وثلاثمائة مليون مسلم، وتحتهم ثروات هائلة جداً، وتحت أقدامهم منطقة إستراتيجية هامة جداً، وتراهم لا شيء، لا يجرؤون بكلمة واحدة إلا القليل منهم، وعندما يتكلم القليل منهم يكون الآخرون بالشكل الذي ربما مستحيل عندهم أن يستجيبوا لكلمته، وأن تنطلق إلى مواقف عملية جادة، لا يوجد.

إذاً فقدت الأمة شيئين هامين جداً تعتبر من أهم المقومات لبناء الأمة، وأن تكون أمة لها فاعليتها، أمة مؤثرة في حركتها، أمة لا يمكن أن تصل إلى الوضعية التي وصلت فيها الآن.

{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنَاً}(البقرة: من الآية125) في نفس الوقت أمناً لا يجوز لأحد أن يعمل أي شر بالآخرين في محيط ذلك البيت نهائياً؛ لهذا كان دخول رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى مكة بطريقة حكيمة يتفادى معها أي إضرار بشخص حتى من الكافرين داخل مكة حتى من أعدائهم وهم لا يزالون أعداء كافرين داخل مكة. فتح مكة ما أظن أنه حصل فيه أي حادث على الإطلاق نهائياً ترتيبات دقيقة جداً حقق من خلالها فتحاً لمكة، وانكسار شوكة الكفر نهائياً مع الحفاظ على حرمة البيت الحرام، وعلى هذه القاعدة الإلهية: أنه جعله مثابة للناس وأمناً.

ولهذا كان جريمة كبيرة جداً: عندما قتلوا العشرات من المسلمين في [عام 1407هـ] السعوديون وقع منهم تلك المجزرة الرهيبة جداً قتل فيها أكثر من أربعمائة شخص والله قد حرم قتل صيد حمامة جعل لها حرمة، حرم صيدها، وهؤلاء قتلوا أربعمائة؛ ولهذا ترى من بعد ما عاد قامت لهم قائمة الدولة السعودية ما عاد قام لها قائمة فعلاً؛ لأن الله قال: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}(الحج: من الآية25) تدهورت دولتهم من ذلك اليوم إلى الآن، ولا تتوقع لها أن تنهض، لا تتوقع لها أن تنهض على الإطلاق إلى الأفضل إنما انحطاط إلى أن تتلاشى، وتنتهي بخزي، وعذاب أليم، عذاب نفسي والله أعلم ماذا سيكون من أنواع العذاب.

قضية ليست محط اجتهادات، ولا تأويلات على الإطلاق عندما انطلقوا مجموعة من جمعية العلماء، أو لجنة كبار العلماء، وقالوا بعد تلك الجريمة الكبيرة: إن الدولة السعودية لم تقم إلا بما وجب عليها! لاحظ الآن كيف هم أخزوا هم، تراهم الآن أصبحوا في وضعية – تقريباً – سيطر على مشاعرهم: أن يتأقلموا مع الكافرين، أن يتأقلموا مع اليهود والنصارى وما تمليه أمريكا عليهم.

البيت جعله الله مثابة للناس لا يجوز لأي طرف أن يتحكم فيه بما يحول دون أن يصلوا إليه، بل واجبه أن يقدم خدمات، وليس أن يحول لا بفرضيات معينة، أعني أن المفترض أن البيت الحرام في الحج إليه، واعتماره يكون له طرق سالكة لا تتوقف لا على [جوازات]، ولا على أي ترتيبات من هذه الأشياء التي يعملونها، إلا فقط الجوانب الأمنية التي تعني: خدمة، خدمة: تفتيش لا بأس تفتيش، مراقبة الحجاج يعني هؤلاء من منطقة كذا، وهؤلاء الحجاج من منطقة كذا، إحصائية من أجل ماذا؟ لتقديم خدمة أمنية.

عندما يكون هناك مبالغ تؤخذ سواء في البلد الذي أنت تحج منه، أو من نفس الدولة التي تهيمن على هذا البيت الحرام، وعلى المشاعر المقدسة، تطلع لك تكلفة الحج في الأخير بحوالي [5000 ريال] هنا وأنت في أقرب منطقة إلى البيت الحرام، كيف ستكون التكاليف بالنسبة لمسلمين آخرين من بلدان أخرى من الهند من الصين من بلدان أخرى كم ستكون تكاليفهم؟.

إذاً فهذه جريمة في نفس الوقت المفترض أنه لا يترتب لأن الله جعله للناس، مثابة للناس، لا يجوز لأي جهة أن تهيمن عليه، وإنما تعتبر خادمة له، ولمن يحج إليه، وكان المشركون، كان المشركون يتنافسون على خدمة الحجاج، وكان البعض منهم يعدون الشراب، وأناس منهم يعدون الطعام يفتُّون للحجاج مع اللحم، الخبز مع اللحم، مع غيره، يطعمونهم، يتنافسون على خدمتهم، وهؤلاء يقولون: ضيوف الرحمن، ويختلسونك وأنت ما زلت هنا تقطع [جواز] وأنت ما زلت تقطع جوازا هنا محسوب حوالي [500 ريال] محولة هناك لمكتب الوكلاء الموحد سعوديون، وتدخل والأشياء ترتفع أسعارها، يرفعون أسعار الأشياء أسعار الشقق السكنية، أسعار المواصلات، السيارات، أسعار المأكولات المواد الغذائية، أسعار كل شيء ترتفع وتضَّاعف بنسبة هائلة، لا يتركون الوضعية على أقل تقدير يتركون الوضعية وضعية طبيعية.

إحدى المرات في مكة استأجرنا [شقة] بأربعة آلاف تقريباً وخمسمائة ستة أيام، نسأل واحد مستأجر قال هو مستأجر الشهر بسبعمائة ريال، الشهر بسبعمائة ريال لماذا حجاج بيت الله تستغلونهم بهذا الشكل ستة أيام بأربعة آلاف وخمسمائة ريال؟ بينما الشهر بسبعمائة ريال في الأوضاع العادية، يجب عندما يقول الله سبحانه وتعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنَاً}(البقرة: من الآية125).

يجب أن تكون حركة من يرون لأنفسهم أن هناك حقوقاً معينة، أو اعتبارات معينة أن يكونوا قائمين على ما يتعلق بالمشاعر المقدسة أن يكون كل عملهم في هذا الإطار، أعني: فيما يسهل أن يكون مثابة للناس وأمناً فيثوبون إليه، فيما يسهل عملية أن يثوبوا إليه، أن يترددوا عليه ليحجوا ويعتمروا، أليست تقتضي أشياء كثيرة وتسهيلات يترك طريقا سالكة هناك [خط] إذا هو يريد أن يقفل على مدن أخرى حتى لا يدخلها أحد، يترك خطاً سالكاً لمكة والمدينة والمشاعر المقدسة ما تربطه بأي شيء، حتى لو تريد تعمل عليه [شبك] اعمل على بلادك شبك إذا أنت تريد تهيمن عليها، اعمل عليها شبك حتى لو تريد أن تسقفه، اتركه خطا سالكاً ولا يكون مرتبطاً بأي رسميات على الإطلاق، جوازات معينة، أشياء معينة.لم يكن بهذا الشكل مئات القرون في تاريخ الأمة هذه، كان يحج من يحج، ويحج الناس بتكاليف بسيطة جداً.

{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}(البقرة: من الآية125) أمر من الله لما لهذا من أثر نفسي، ولما لهذا من ربط تاريخي، ربط روحي، هذه قضية هامة، استشعار وحدة المسيرة الإلهية، وأن تبقى آثار من آثار إبراهيم، مقام إبراهيم لا يزال باقياً تصلي بالقرب من ذلك المكان، يربط مشاعرك بإبراهيم، هذا يلهم فيما يتعلق بماذا؟ بالإقتداء، فيما يتعلق بالسلوك؛ لأن قضية الآثار، الآثار الدينية التي تمثل معلَما من معالم مسيرة الدين يكون لها أثرها الروحي في الناس.

هذا يبين أهمية الآثار، المعالم الدينية فيما تتركه من أثر في النفوس، والأعداء يفهمون هذه؛ لهذا حاولوا في كثير من الآثار الدينية، في مكة والمدينة أن يجردوها تماماً من أي شكلية يجعلها توحي بهذا الشكل، مسجد معين يحولونه، ويغيرونه إلى نمط جديد من البناء فلا تعد ترى فيه أي أثر إلا أنه بني في عام ألف وأربعمائة وكذا! أعني قبل عشر سنين ثمان سنين لم تعد الآثار الإسلامية باقية.

كان المفروض حتى مسجد رسول الله (صلوات الله وعلى آله) يحافظون عليه بشكليته، يحافظون على نمط المدينة بشكليتها يعملون لهم عمراناً خارج محيط هذه، ويجعلونها منطقة غير قابلة إلا فقط للترميم على نفس النمط، كما يعملون هم بماذا؟ بآثارهم هم، آل سعود، قصر [الديرة] في الرياض تراه يملجونه بطين، ويتركون بابه على ما هو عليه، بنفس النمط الذي هو عليه من يوم أن اقتحمه [عبد العزيز]، لأن عبد العزيز اقتحمه وقتل الأمير الذي كان فيه.

تلاحظ كيف كانت فعلاً قضية تؤكد: بأن الأشياء التي تعتبر من الأساسيات في معتقدات الوهابية: نسف الإلتفاتة الدينية لآثار إسلامية، أو معالم دينية، قالوا: شرك! أن هذه فعلاً عندما تقرأ كتب محمد بن عبد الوهاب، وتنظر فعلاً إلى رؤية المستعمرين، رؤية المحتلين، رؤية الأعداء الذين يحاولون أن يزيلوا الأشياء التي هي آثار تشد الناس إلى تاريخهم الديني إلى بداية حركتة في الإسلام [شرك شرك، شرك] كلها يحاولون أن يغيروا معالمها مهما أمكن، يغيرون معالمها تماماً، ولا يتركونك ترى الكثير منها ليخلقوا فراغاً روحياً عند الناس، فراغاً روحياً ينسف ذلك التأثر الذي ماذا؟ له قيمة إيجابية، وتربطك بتاريخك الديني.

عندما تدخل المدينة وكأنك عدت إلى القرن الأول ترى مسجد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ترى الأشياء وكأنك سافرت إلى ما وراء ألف وأربعمائة سنة، أليس الأثر سيكون كبيراً في النفس؟ هم يعرفون أهمية التراث؛ ولهذا عندهم قضية هامة موضوع التراث، لكن التراث الجاهلي يهتمون به أما التراث الديني يحاربونه، كلهم يحاربونه، كلهم يحاربونه، الأعداء، ومذهب من داخل الأمة تقوم عقائده على نسف معالم الدين، وآثار الدين! حتى أنهم حاولوا في مرحلة من مراحل حركتهم الوهابيين أن يدمروا قبة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)!.

يحاولون في ترتيبات بناء المسجد، وزيارة قبر رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن تكون بالشكل الذي لا تتمكن أن تراه، أو تستحضر في ذهنيتك: أن هناك داخل هذا المبنى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فقط ممر واحد، وممر ضيق، ومجموعة من المطاوعة، والجنود يدفعونك: [هيا، تحرك!] باب واحد تدخل من باب، وتخرج من باب بسرعة [هيا بسرعة] لا يتركونك تلتفت لشيء، لا يتركونك تبقى تستحضر في ذهنيتك، تعود إلى ما قبل ألف وأربعمائة سنة أبداً! ألم يكن بالإمكان أن تكون الزيارة ممرين؟ كان بالإمكان أن تكون ممرين، لكن لا، ممر واحد فقط وبسرعة هيا! محراب النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) يضعون فيه مجموعة كراسي، يملؤونه بالكراسي لا يتركونك تجلس فيه، أو تصلي فيه كل هذه الأشياء [بدعة، شرك، هيا، لاتلمس شيئاً] عندما تلمس شيئاً يبدو وكأنك تلمس شيئاً يعود بذهنيتك إلى قرون من تاريخ الأمة هذه يقول لك: ممنوع! وبطريقة وقحة، بعض المطاوعة يركلون الناس بأقدامهم، يركلونهم فعلاً، يدفعونهم، ويركلون بعضهم، ويضربونهم، والبعض يقودونه إلى السجن؛ لأنه حاول أن يلمس قبة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ويقبِّلها! لكن اذهب لتقبِّل جنب الأمير لا يوجد مانع، قبَّل جنبه، قبّل يده وهو حتى لا يبادلك التقبيل يبقى واقفاً وهم يقومون بتقبيله في جنبه، أو يقبلون يده فقط، وهو لا يبادلهم، ويتبركون بهذا، وتراهم يذهبون لهذا! لكن هناك، لا، ممنوع!.

لاحظ مثلاً من الناحية العملية! ولهذا قلنا: إنه يجب ممن يرون أنفسهم قائمين بشؤون البيت الحرام أن تكون كل أعمالهم بالشكل الذي تسهل عملية أن يثوب الناس إلى هذا البيت، وأن يكون مكاناً آمناً، مكاناً آمناً تأمن فيه على أموالك، وتأمن فيه على نفسك، تأمن فيه على وضعيتك، لا تكون هناك ولا تدري كيف، أنت تريد مثلاً تنام فأمامك مباني الغرفة – مثلاً – بخمسمائة ريال سعودي أو بأكثر خلال أيام معدودة، حتى الإجار يرفعونه بشكل كبير، يستغلون هذا المكان الذي هو للناس جميعاً ويبنون فيه مباني شاهقة، وفيها مئات الغرف، ويؤجروها بأغلى الأثمان، أليس هذا استغلالاً لما قد جعله الله للناس جميعاً، المهمة هذه قال الله عنها: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(البقرة: من الآية125) أن يكونوا خادمين لهذا البيت، نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل أنبياء من أعظم أنبياء الله، مهمتهم رعاية هذا البيت، وتسهيل مهمة الطواف، والركوع والسجود، أي أن يكون هذا البيت بالشكل الذي يستطيع الناس أن ينالوه وبخدمات تتوفر لهم حتى يثوبوا إليه، ويقوموا بتفاصيل عبادية تؤدى نحوه.

{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} وهو الذي قال لـه في آية أخرى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}(الحج: من الآية27) أليس هؤلاء الناس وهم يتجهون إلى البيت الحرام، ويطوفون حوله، ويصلون حوله، يجعل من مهامه الرئيسية: أن يكون خادما لهؤلاء، يحاول أن يكون خادماً لهذا البيت بالشكل الذي يسهل عملية العبادة عند هذا البيت، وأن يحج إليه الناس، ويثوبوا إليه.

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِنا}(البقرة: من الآية126) لأنه يعرف أن يكون هذا المكان هو مثابة للناس أن الجانب الأمني مهم، الجانب الأمني سواء من الجهة التي تعتبر نفسها قائمة عليه، أو فيما بين الناس أنفسهم، عندما تلقى من اعتدى عليك، عندما تلقى قاتل ابنك، أو قاتل أبيك، أو أي شخص ليس محلاً أبداً أن تنتقم فيه من أحد {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}(البقرة: من الآية126) كيف اهتمام الأنبياء أنفسهم، اهتمام الأنبياء بما هو من معالم دين الله، واهتمامهم أيضاً فيما يتعلق بالناس، وبالذات الناس القريبين من هذا البيت الحرام لئلا يصبحون أناساً يستغلون الوافدين إليه، وفر لهؤلاء، أرزقهم، وليس فقط سيدعو لهؤلاء فقط؛ لأنه عندما يكون المحيطون لهذا البيت، ومن هم في طريق الوصول إلى هذا البيت الحرام رزقهم متوفر قد يشكل هذا أمناً بالنسبة للناس، أمناً من السطو على ممتلكاتهم، وأمناً من استغلالهم، استغلالهم في أقواتهم، استغلالهم في توفير المسكن والطعام والشراب لهم، لكن عنده كراهة شديدة بالنسبة للكافرين بالنسبة للظالمين {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(البقرة: من الآية126).

لاحظ من الناحية الأمنية أنه حتى ولو هم أناس عاصون في ذلك المحيط قد يهيئ الله أرزاقهم رعاية لمن؟ رعاية لمن يفدون إلى هذا البيت؛ ليكون فيما يتعلق بالجانب الأمني يتوفر للناس أمن، ولكن اتركهم يعتبر متاع بالنسبة لهم قليل {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

إذاً فهذه ترد على من يقدر بأنه أولئك الناس هم على حق بحجة أنه لاحظ كيف الباري مدهم! كان يمد قريشاً {الَّذِيْ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوْعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وهم مشركون لكن على هـذه القاعدة: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً}(البقرة: من الآية126) ممكن حتى ويتوفر لـه رزقه لكن وسيؤاخذ مؤاخذة شديدة، لماذا يوفر له رزقه؟ لأنه عسى أن يكون في توفير رزقه مأمن من أن يسطو على الآخرين، ويستغل الآخرين الذين يثوبون إلى هذا البيت، ويتجهون إلى العبادة التي هي مرتبطة بأدائها على نحو معين عند ذلك البيت، ليس معناه أنه عندما أعطاهم أنهم أهل الحق، وأنه قد اعتبرهم أهل الحق؛ لأن الباري قد أعطاهم بترول، وأعطاهم، وأعطاهم، وأشياء من هذه! لا، ستكون هذه مسؤولية كبيرة جداً، وخطورة بالغة جداً عليهم عندما يتوفر لهم الرزق؛ ومن الإعتبارات الهامة في توفيره من أجل الآخرين، ثم تراهم يستغلون الآخرين، أي يتوفر لهم الرزق هناك بالشكل الذي يستطيعون أن يقدموا تسهيلات كبيرة جداً للحجاج، وليس أن يأخذوا منك خمسمائة ريال سعودي مقابل استخدام [الزفلت] استخدام الخطوط!.

إذاً ما هي الأشياء هناك التي تأخذها مجاناً؟ هل هناك شيء؟ لا يوجد، بل تأخذ بأغلى الأثمان، أحياناً يصل نقل الحجاج من منى إلى مكة بخمسين ريال سعودي فوق شبك الباصات، وهي بريالين في الوضعية العادية، في غير الحج بريالين فقط، تنقل من منى إلى مكة بريالين فقط قالوا.

{وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}(البقرة: من الآية 126-128) هنا يقدم إبراهيم وإسماعيل شخصيتين عندهم حيوية، واهتمام عالي، ومشاعرهم كلها مليئة بالتوجه إلى الله، والإخلاص لله، والتقرب إلى الله بكل عمل ممكن ينالونه متجهين لبناء البيت فيرفعون قواعده وبإخلاص لله {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} لاحظ كيف فيما يتعلق بالمسؤولية أليس شرفاً عظيماً لإبراهيم وإسماعيل؟ هنا في قضية الشعور بالجدارة أنها قضية يجب أن تنسف التي أصبح عليها بنو إسرائيل فيما بعد فرأوا أن الكثير مما حصل لهم بحيث أن فيهم أنبياء وورثة كتب، وأشياء من هذه، ونعم وأشياء وكأنها جدارة، هم جديرون، هم جديرون، فليس لله فضل!.

هو شرف عظيم لإبراهيم وإسماعيل أن يوكل إليهم القيام بهذه المهمة، لكن لاحظ أليس هنا ذائبا في مسألة أنه يؤدي عملاً صالحاً يقبله الله، ناسيا موضوع [إذاً والله شرف عظيم حظيت به] وناسي أنه فقط يرى نفسه كبيراً، ويضخم نفسه، ذائب في الله، وفي العمل الصالح الذي يرضي الله {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} هم يعرفون أهمية البيت الحرام كمعلم من معالم توحيد الله، والتوجه الواحد كقبلة، يتوجه إليها عباد الله الموحدون {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} أنفسنا هذه نسلمها لك، هنا ألست تلمس أنه لا يوجد لديه التفاتة لنفسيته على الإطلاق، ليس مستغرقاً لمشاعر: أنه نبي، أنه عظيم، أنه جدير بهذا؟ لا توجد هذه، كل ما لديه من اهتمام: أن يتقبل الله منه العمل الصالح، وأن يجعله مسلِّماً نفسه تماماً لله، يخضع نفسه لله، ويستغرق كل ذهنيته كل تفكيره الذوبان فيما يرضي الله، الذوبان في معرفة الله، وفي حب الله، التسليم لله.

{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}(البقرة: من الآية128) حريص أنهم يجمعون معهم كما أمكن، وبالذات ذريتهم لأن الشيء بالنسبة لك يؤلمك جداً: أن يكون ابنك، أو ابن ابنك، ذريتك ينشئون نشأة كافرين بالله، أليس هذا يؤلمك أكثر بكثير، يؤلمك جداً، إذاً فهم حريصون بالنسبة لذريتهم أن ينشئوا على نفس الطريقة، أمة مسلمة لك، لا يوجد مسألة: يهودة ونصرنة، وعناوين قومية من هذه، كل العنوان لديهم: مسلِمَين لك، أمة مسلمة لك، ألم يتحدث هناك عن بني إسرائيل سابقاً: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ}(البقرة: من الآية113) {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى}(البقرة: من الآية111) يقدم القضية الهامة هي: التسليم لله، التسليم لله هذا هو العنوان الرئيسي لدينه.

{وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا}(البقرة: من الآية128) أوضح لنا مناسكنا التي نؤديها، نتعبد لك بها {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة: من الآية128) لاحظ هذه المشاعر الهامة جداً والتي يجب أن يكون عليها أي إنسان مؤمن {وَتُبْ عَلَيْنَا} وهم ماذا يعملون؟ كثير من الناس يقولون: الله غفور رحيم وهم يعملون معاصي! هذا يقول: {وَتُبْ عَلَيْنَا} وهو يرفع قواعد البيت الحرام في عبادة من أرقى العبادات، يقيم معلماً من معالم دين الله في الأرض للناس جميعاً يقول: {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة: من الآية128) القرآن هنا يقدم لك حتى مشاعر أنبيائه، وأوليائه.

بعضهم يقول: القرآن ما أحد يعرف ماذا يأخذ منه، أو يقول: فقط! أمام القرآن! يشخِّص لك الناس، يشخص لك الأمم، يشخص لك مشاعر، وليس فقط يقدم لك سيرته، يقدم سيرته، أو عبارات من عنده يقولها في مقامات معينة هي بالشكل الذي تشخص لك مشاعر هذا الإنسان العظيم، أو تشخص لك مشاعر الإنسان السيئ مثلما تقدم عن بني إسرائيل الذين قال عنهم سابقاً: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ}(البقرة: من الآية118).

{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(البقرة:129) هو قال هناك: {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَة لك ً}(البقرة: من الآية128) {وَابْعَـثْ فِيهِم} في ذريتنا هذه {رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(البقرة: من الآية129) هذه فيها قضية هامة أنه حتى في الأشياء التي قد تكون أنت عارفا بأنها واقعة، وعد إلهي أيضاً ينبغي أن تكون على هذا النحو: تدعو الله، قد يكون إبراهيم نفسه يعرف بأن الله سبحانه وتعالى سيبعث نبياً في آخر الزمان من ذريته محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) ومع هذا يدعو، يدعو، علَّم المؤمنين أنفسهم، وهم يتحركون في سبيله التي وعد فيها بالنصر {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ}(محمد: من الآية7) أن يدعوه، لأنه قضية هامة تجعلك مرتبطاً بالله سبحانه وتعالى، وتتذكر أيضاً صحة الطريقة التي أنت فيها، وتستنجز وعد الله سبحانه وتعالى.

جانب عبادي مهم لا يجعلك تتحرك في حالة من الغفلة، أو تعتبر وكأن القضية قد هي منجزة فلا حاجة إلى الرجوع إلى الله، لا، إن المسألة يجب أن تكون دائماً دائماً مرتبطاً بالله بما فيه الدعاء بماذا؟ بالشيء الذي قد وعد بأن ينجزه؛ لأنه هل بإمكان إبراهيم (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى هذه الدرجة أن يدعو على هذا النحو، وهو يعرف أن المسألة هي مرتبطة بالله، مرتبطة بالله سبحانه وتعالى؟.

فيما يتعلق به هو ألم يقل: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}(البقرة: من الآية124) فقضية رسول، أن يبعث رسول هنا، أو رسول لزمان معين ليست قضية فقط خاضعة لموضوع الدعوة قضية مرتبطة بالله سبحانه وتعالى. إذاً فقد يكون إبراهيم فعلاً على علم بأن الله سيبعث من ذريته في مكة في ذلك المكان رسولاً منهم: يتلو عليهم آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، لكن يدعو مع ذلك يدعو، وهو يدعو هو يعتبر هذه نعمة عظيمة جداً، أليست تعتبر نعمة عظيمة جداً؟ يعتبرها منحة إلهية جليلة، ويبقى في نفس الوقت مرتبطاً بالله، مشاعره مرتبطة بالله في إنجاز وعده؛ تعطي الإنسان المؤمن فيما يتعلق بذريته اهتماماً أن يكون حريصاً على أن يكون ذريته على هذا النحو: ينشئون نشأة مرتبطين بالله، مسلمين لله، علومهم على هذا النحو: يتعلمون كتاب الله، والحكمة التي تضمنها كتاب الله، ويزكون أنفسهم على أساس هدي الله.

فالكثير من الناس لا يلحظ هذه، كثير من الناس يكون فارحاً بولده ماذا سيجمع ويوفر، ماذا سيعود به من غربته أو كسبه؟ لا، لاحظ هذا الجانب المهم عند إبراهيم: أن تكون ذريته على هذا النحو: مسلمة لله، وأن تحظى ذريته بذلك الرجل العظيم الذي يعلمها الكتاب والحكمة ويزكيها.

{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}(البقرة: من الآية130) هذه ملة إبراهيم ليست تلك الملة التي سيأتي في الآية بعد: {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ}(البقرة: من الآية135) هذه ملة إبراهيم، هذه طريقته، هذه مشاعره، هذا أثر الملة التي يسير عليها، فكيف قدم إبراهيم نموذجاً عالياً، نموذجاً عالياً في ماذا؟ في موضوع هداية الله، تظهر من خلاله الآثار لهدى الله عندما يسير الإنسان على هدى الله، وكيف تكون مشاعر الإنسان الذي يهتدي بهدي الله، كيف تكون اهتماماته، كيف تكون آماله، كيف تكون نفسيته في توجهه إلى الله.

هذه روحية هامة جداً: عندما يكون الناس منطلقين في أعمال صالحة: {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة: من الآية128) لا يكون عند الواحد أن لـه الفضل فيَمنّ على الله أبداً، أن يمُنّ على الله فيعتبر القضية هي قضية جدارة، لا، يجب أن تكون ذائباً في القضية أعني: في توجهك إلى الله سبحانه وتعالى ناسياً لموضوع نفسيتك تماماً؛ لأن هذه هي آية هامة أن يقول: {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وهم يرفعون قواعد بيت الله الحرام.

{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}(البقرة:130) إذاً فملة من اصطفاه الله سبحانه وتعالى هي الملة الصحيحة؛ لأنها هي الملة التي رسمها الله لـه أن يسير عليها {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}(البقرة:130-131) أخضع نفسه تماماً أخضعها تماماً لله سبحانه وتعالى.

{قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أليس هنا تجاوب؟ بعكس ما عليه بنو إسرائيل ذريَّته من بعده عندما انصرفوا عن هداه، عن الملة التي كان عليها، والهدى الذي كان على يده في المقدمة وبدايته من على يده، وهم قالوا أمام البقرة: {أتتخذنا هزواً؟} هنا قال له: {أَسْلِمْ} هل قال لماذا؟ ألست مسلماً؟ ألست مسلماً من قبل سنين؟ {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ليس فيها أخذ ورد يقول: لماذا هل أنت شاك في إسلامي أو تتخذني هزواً أو ما قد اقتنعت بعد بأني مسلم قد أنا هذا نبي! لا، ليس مثلما قالوا هناك عندما قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً}(البقرة: من الآية67) والمقام أن يقولوا أهلاً ومرحباً يذهبون يبحثون ليذبحوا بقرة، أطرف بقرة. إبراهيم قال: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} عندما يقول لك شخص: اتق الله، أو أخلص لله، مهما كنت متقياً لله، ومخلصاً، فلا تتفاجأ، وتقول: يعني عندك بأني سفيه أو عندك أني كذا.. لا، قل: إن شاء الله، الله يوفقنا أن نكون مخلصين له، وأحسن الله إليك أنك قلت لي أن أكون متقياً ومخلصاً.

{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ}(البقرة: من الآية132) أيضاً وصى بها يعقوب بنيه، هذه المسألة هذه القضية الهامة، قضية الإسلام لله، التسليم لله، الإلتزام الكامل بهدي الله {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} أيضاً وصى بها بنيه، أي قضية ذات اهتمام كبير لديهم يوصي كل واحد منهم أولاده بها ذريته {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(البقرة: من الآية132) مسلمون لله يعني كونوا حريصين على الإلتزام بهذا الدين {اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} إذا كان هناك في الدنيا ثقافات أخرى وديانات أخرى، وخرافات أخرى.

إذاً هذه نعمة عظيمة من الله عليكم: أن يصطفيكم، أن تكونوا حَمَلة دينه وأن يصطفي لكم هذا الدين، أن تدينوا به لـه، وتدينوا به مع بعضكم بعض، تتعاملون فيما بينكم على أساسه. الدين هذا محوره: هو التسليم لله، إذا ما هناك تسليم للنفس لله سبحانه وتعالى تظهر أشياء كثيرة جداً تعتبر كفراً بكثير من هذا الدين رفضاً لهذا الدين، أعني: محور قابلية الدين هو التسليم لله، القضية الأساسية فيه تساعدك على أن تكون ملتزماً بهذا الدين، وتتقبله، وتتأثر، وتستنير بنوره، وتهتدي بهديه، وتستبصر ببصائره: أن تسلم نفسك لله؛ ولهذا يقول: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(البقرة: من الآية132) أي احرص طول حياتك؛ لأن قضية {لاَ تَمُوْتُنَّ} أنت لا تدري متى ستموت يحتمل غداً يحتمل بعد غد يحتمل في هذا الشهر يحتمل في الشهر الثاني يحتمل… اجعل القضية حريص على أن تكون مسلماً دائماً نفسك لله ويكون معناه ماذا؟ في حياتك كلها.

{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي}(البقرة: من الآية133) حريص على الوصية هذه وتأكيدها حتى في لحظة احتضاره {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(البقرة: من الآية133) أليس معناه: أن أسلافهم كانوا على هذا النحو؟ هذا نموذج آخر من داخل بني إسرائيل يبين لك كيف وصل بنوا إسرائيل، وأن الذي أوصلهم إلى الحالة السيئة: هو إعراضهم عن هذه المسيرة العظيمة التي بدأت بإبراهيم فيما يتعلق ببني إسرائيل ومن بعد من بعد نبي الله إبراهيم، أن هؤلاء عندما كانوا مهتدين بهدي الله، وحريصين على هدي الله حتى لمن بعدهم، لم يصبحوا مضلين لمن في عصرهم، ومضلين لمن بعدهم.

هو قدم لنا أن القضية في بني إسرائيل أصبحت على هذا النحو: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ}(البقرة: من الآية78) هذا الجيل الذي معهم، وأصبحوا هم متبعين لأهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً، أي متقدمون أضلوا متأخرين، أضلوا الأجيال التي تعيش معهم، وأضلوا من بعدهم! هؤلاء هداة لمن كانوا معهم، ويحرصون على هداية من بعدهم أيضاً، وقضية رئيسية لديهم: التوجيه بعبوديتهم لله، وإسلامهم لله {مَا تَعْبُدُوْنَ مِنْ بَعْدِي} هدى وهو في حالة الإحتضار.

{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(البقرة:134) إذاً عرض عرضاً كاملاً بالنسبة لبني إسرائيل هذه النماذج المهمة منهم: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، كذلك الجيل الذين أقروا والتزموا عندما قالوا: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(البقرة: من الآية133)، وذلك النموذج الذي قدموه على طول تاريخهم النموذج السيئ، إذاً تلك أمة كلهم أمة مضت، أنتم الآن مستقبلون مرحلة جديدة، مرحلة نبوة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وهذا الكتاب القرآن الذي ينزل إليه، إذاًُ فما كان هناك من أعمال، أعمال حسنة لهؤلاء العظماء لن ينالكم منها شيء، ذلك الضلال الذي امتد على طول تاريخكم إلى الآن يكفي استأنفوا، استأنفوا الحياة من جديد، استفيدوا من هذه الفرصة العظيمة، أمامكم نبي جديد، وكتاب جديد هو محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) افصلوا ذهنيتكم عن الموضوع هذا تقولون: نتمسك بما كان عليه آباؤنا، فقد ظهر كيف كنتم في الأخير، مجموع ما لديكم: أهواء، عندما نقارن بين ما لديكم وبين ما لدى الآباء الأولين: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق يوجد فارق كبير جداً.

إذاً فليس مبرراً لكم أن تقولوا: نحن متمسكون بأولئك، أولئك أنتم بعيدون عنهم، إبراهيم وإسماعيل وإسحاق فيما كانوا عليه أنتم بعيدون عنهم، وأولئك أيضاً انتهوا اكتشف لكم ضلال ما كنتم عليه، وضلال ما كانوا عليه الأسلاف الآخرون، الخط الآخر من أسلافكم استأنفوا المسيرة من الآن.

إذاً هذه المسألة إنما تقال لبني إسرائيل على أساس أنهم مستقبلون لمرحلة جديدة. نحن هل يقال مثلاً بالنسبة لنا ونحن في وضعية عندما نقول: إنه يجب أن نعرف، ونحن نقيِّم واقعنا بحيث نعرف من أين أُُُتينا ما السبب الذي جعلنا نصل إلى هذه الحالة السيئة؟ فوجدنا المشكلة بدأت من هناك، بدأت من بعد موت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من داخل جيل الصحابة، ثم يقولون بعد: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} وما يزال آثار تلك الأمة إلى الآن شغَّالين فيها، ويدعون إليها، ويربون على أساسها، ويثقفون الناس على أساسها! هذا ليس مقاماً لهذه أن تقول لي: {تِلْكَ أُمَّةٌ} وأنت امتداد لتلك الأمة، وأنت ما زلت تمثل امتداداً لتلك الأمة، لكن تعال نغير الوضعية تماماً وسنقول: {تِلْكَ أُمَّةٌ} أمـا أن تقول لـي: {تِلْكَ أُمَّةٌ} وما زلت تتحرك بنفس ما كانوا عليه من أخطاء، وأنت تمثل امتداداً لأولئك الذين ضلوا بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ثم تقول لي: لا أتكلم عنهم، ولا أقيِّم الوضعية التي كانت بدايتها أخطاؤهم ومخالفاتهم، هذا منطق غير صحيح ولا تنسجم الآية هذه معه، لاحظ ماذا تعني الآية هذه؟ {تِلْكَ أُمَّةٌ} أي أنتم مستقبلون مرحلة جديدة ادخلوا فيها {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(البقرة: من الآية134).

{وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى}(البقرة: من الآية135) انظر الفارق الكبير إبراهيم يقول: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}(البقرة: من الآية128) إبراهيم وإسماعيل، ويطلقون هذا الإسم على ذريتهم {وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}(البقرة: من الآية128) يوصون أولادهم بأن يكونوا مسلمين لله. وهؤلاء قدموا عنواناً جديداً من داخلهم: كونوا هوداً، والنصارى قالوا: كونوا نصارى تهتدوا! إذاً أليست هذه مخالفة واضحة، هذا العنوان مختلف تماماً، عنوان للدين مختلف تماماً، أي وصلت المخالفة إلى درجة المخالفة في الدين بكله، في عنوانه بكله؛ كونوا هوداً، قال أولئك: كونوا نصارى!.

{قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} وتلك الملة قد شرحناها كيف كانت إسلام، إسلام {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وآباؤكم أعطوا هذا العهد عندما قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك، وأبوكم الأول الذي اسمه إسرائيل وهو يعقوب لم يفارق أولاده إلا بعد أن أقروا أمامه في اللحظة الأخيرة أن يكونوا مسلمين، وهؤلاء قد معهم عناوين أخرى: كونوا هوداً، كونوا نصارى! {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(البقرة: من الآية135) أي وصلت الحالة فيهم إلى الشرك داخل اليهود، وداخل النصارى.

{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ}(البقرة: من الآية136) خطاب للمسلمين قد يكون بشكل رئيسي خطاب للمسلمين {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}(البقرة: من الآية136) يعني القرآن الكريم {وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِم}(البقرة: من الآية136) إذاً أليست هذه أفضل طريقة؟ أعني أحجموهم، هوداً أو نصارى؟ لا، هذا العنوان كله شامل، ماذا بقي بإمكانه أن يقول لك من بعد اليهودي والنصراني؟ ماذا يستطيع أن يقول لك بعد؟.

{آمَنَّا باللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} وهو القرآن، وهذا هو التسليم لله، هذا هو الإسلام، وهذه هي ملة إبراهيم: {بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(البقرة: من الآية136).

هذه الإجابة تفحم الطرف الآخر، هذه هي الإجابة الصحيحة، وتتكرر في مقامات كثيرة، لا يبقى الناس فاضين في ذهنيتهم لا يعرفون كيف القضية فيقال لهم: ديانات سماوية، اليهودية ديانة سماوية، النصرانية ديانة سماوية، الإسلام ديانة سماوية.. هذه كلها ديانات، لا. هذه هي القضية الأساسية: نحن مسلمون ليس فيه اعتراف بيهودية، إعتراف بنصرانية، على هذا النحو تكون القضية ليست قضية اعتراف بيهودية، اعتراف بنصرانية قل: {قُولُوا آمَنَّا بِالله وما أنزلَ إِلَيْنَا وما َأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}(العنكبوت: من الآية46) لأنك بهذه تشهد على أنهم هم مفصولون عن المسيرة هذه حتى في عنوان الدين، عنوان الدين من بدايته إسلام لله، والإسلام لله مقتضاه: تقبل ما جاء به أنبياء الله، والتسليم لله: بأن ندين في أي جيل بما يريد أن ندين به؛ لأن الدين هو لـه، الدين هو لله سبحانه وتعالى.

نقول: إذاً لا يوجد ديانات سماوية، وخطر كبير عندما يكون هناك من يعممه: اليهودية، النصرانية ديانات سماوية، والإسلام، كلها ديانات سماوية، وكلها نعترف بها وكلها كذا.. هذه مشت في أوساط المسلمين للأسف، وخطيرة جداً هذه يقبلونها خطيرة جداً، ولما كانت خطيرة الله يعلّم المسلمين كيف يقولون؛ لأن اليهود قالوا: كونوا هوداً، النصارى قالوا: كونوا نصارى، هذا نموذج لما يمكن أن يقولوه، فإذا كان لا ينفق في زمن من الأزمنة أن يقولوا للناس: كونوا هوداً، قد يقولون شيئاً آخر يقولون: هذه ديانة سماوية، وهذه ديانة سماوية، اعترفوا بها مع الديانة التي أنتم عليها، ويعممونها بطريقة أخرى.

قل أمام كل ما هو من هذا النوع من المقولات: {قُولُوا} خطاب للمسلمين بشكل عام {آمنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ}(البقرة: من الآية136) أي إيمان بالرسل وإيمان بالكتب، نحن مؤمنون بالتوراة، ومؤمنون بالإنجيل، ومؤمنون بالزبور، ومؤمنون بصحف إبراهيم، ومؤمنون بكتب لا نعلم ما هي أسماؤها مما أنزل على أنبياء آخرين، هذا هو الإيمان الحقيقي، لكن أؤمن باليهودة، وأؤمن بالنصرنة هذه عناوين أخرى لا علاقة لها بدين الله، ديانة هي: مجموعة أهواء، مجموعة ضلالات، انحرافات عن ملة إبراهيم، عن التسليم لله، خروج عن الميثاق الذي أعطاه أسلافهم لله والذي أخذ أجدادهم على أبنائهم أن يكونوا مسلمين لله، ويأتي ليقول لك: ديانة سماوية!.

نحن نقول: لا نعترف بأن اليهودية ديانة سماوية، لا نعترف بأن النصرانية ديانة سماوية، نحن نؤمن بما أنزل على موسى، وما أنزل على عيسى، وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلى آخره.

تجد المسألة هنا من البداية كيف أصبح موقفهم من إسماعيل وذرية إسماعيل فعلاً في كتبهم، ليس لإسماعيل ولا لذريته أي ذكر إلا بالسخرية في كتب بنـي إسرائيل! هنا قالـوا: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}(البقرة: من الآية133) إسماعيل هو الإبن الأكبر لإبراهيم، وإبراهيم وإسماعيل هما الشخصان اللذان أسسا البيت الحرام، رفعوا قواعده، أليسوا هنا أخذوا عهداً، وداخل العهد إسماعيل مع إسحاق؟ إسماعيل مع إبراهيم وإسحاق؟ وصل بهم الحال إلى أن تنكروا لإسماعيل وذرية إسماعيل تماماً، وما كأنهم وجدوا، ولا كأن لهم ثقل، ولا كأنهم شيء، ولا كأن لهم صلة بإبراهيم.

تجد كيف فرقوا بين أنبياء الله، ثم فرقوا هم داخلهم! هنا مسيرة واحدة، وأسرة واحدة: إبراهيم إسماعيل إسحاق يعقوب، أليست هذه أسرة واحدة؟ يهمشون إسماعيل ويركزون يعقوب! هناك إسماعيل ومقابله إسحاق لكونه في الطريق فقط إلى إبراهيم، وإلا فالإهتمام لديهم بيعقوب، هم قدموها عنصرية، قدموها قومية بشكل بغيظ جداً.

{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ}(البقرة: من الآية137) ألم يعلِّم المسلمين هنا كيف يقولون: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية136) كلهم أنبياء الله، كلهم رسله، والكتب التي أنزلت عليهم، دون أن تلحظ ما بين يدي بني إسرائيل؛ ما بين أيديهم محرف، وضلالات، لا يعني أن ما بين أيديهم هو ما أنزل، في داخله قد يكون، لكن العبارة الصحيحة: ما أنزل عليهم، ما أنزل عليهم من جهة الله، وما أنزل عليهم ليس معناه ما بين أيديكم الآن، وقبل الآن مما هو مجموعة تحريفات وضلالات.

إذاً فالموقف هنا واضح {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا}(البقرة: من الآية137) بما أنزل إليكم، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل.. إلى آخره، وأن يكونوا مسلمين كما أنتم فقد اهتدوا {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاق}(البقرة: من الآية137) قضية واضحة عناد وشقاق؛ لأن ما تدعوهم إليه هو ملة إبراهيم، هو ملة إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وهذا الدين الذي هو امتداد من قبل إبراهيم، هذا موقف ليس فيه اعتراف بالآخر هل فيه قبول للآخر؟ لا. {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} إقبلهم {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَا} فقفوا منهم الموقف الذي يفرضه عليكم دينكم منهم، الموقف منهم {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}(البقرة: من الآية137) عندما يصبحون مشاققين لن يكون من جانبهم إلا ماذا؟ عناد، ومؤامرات، وحرب، وأشياء من هذه.

{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(البقرة: من الآية137) لاحظ أنه لا بد أن يكون الموقف صريح على هذا النحو، لا يكن هناك أقلمة، تأقلم، امتداد لقوله هناك: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) هنا يقول: كيف يكون الموقف فيما يتعلق بالقضية من أساسها، علاقتنا بهم تحت عنوان دين، أو غير دين عندما يقولون لك: كونوا هوداً، كونوا نصارى! قل: لا، هذا موقفنا: نحن نؤمن على هذا النحو: ونحن لـه مسلمون، لا يوجد اعتراف بكم على الإطلاق، القضية إن اهتديتم إلى ما نحن عليه، آمنتم بما أنزل إلينا، وأنزل إليكم، فقد اهتديتم، وإن توليتم فأنتم مشاققون، لا تحسب حسابات أنك تحاول أن تسترضيهم بأي عبارات مثل الذي يحاول المسلمون الآن [كلها ديانات سماوية واحدة]، أليست هذه عملية استرضاء على أساس خوف من أي شيء كان، لا يبرر هذا الخوف أن تصل بك المسألة إلى هذا التنازل، إلى هذا العنوان المشين، إلى هذا التسليم المشين، لا. يكون موقفك صريح {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ}(البقرة: من الآية137) فإن آمنتم بما نحن مؤمنون به هو هذا العنوان الكبير {بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ}(البقرة: من الآية136) إلى آخره وبعنوان مسلمون {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُوْنَ}(البقرة: من الآية 136) فإن آمنتم بما نحن مؤمنون به فقد اهتديتم، ونقبلكم كمسلمين وإلا فأنتم تعتبرون مشاققين، يشاققون كيفما يشاققون موقفنا منهم هو: الموقف القرآني الذي صرح في الأخير {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}(التوبة:29) أليس هذا موقفاً صريحاً.

إذاً فهذا هو ينسف هذه الحالة السيئة، وهذه المحاولة السيئة التي يطرحها، بل ربما قد صارت مطروحة في المناهج، في مناهج أبناء المسلمين: القبول بهم كيهود، القبول بالنصارى كنصارى وباعتبارها يهودة ونصرنة، ديانات سماوية! أليس هذا موقفا صريحا هنا حتى لو كنتَ تخاف ما تخاف من ورائهم {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(البقرة: من الآية137) لا يخفى عليه شيء من مؤامراتهم، لا ما يسرونه ولا ما يعلنونه.

{صِبْغَةَ اللَّهِ}(البقرة: من الآية138) هذه هي صبغة الله [التعميد] يعرف بأن هذا هو إنسان مسلم لله، هي هذه، ليست الصبغة التي يعملها النصارى، يغمسون أولادهم في ماء معيَّن، مصبوغ بصبغة معينة على أساس هذا قد صار نصرانياً بمعنى: أنه قد صار من الناس المتدينين بدين الله! هذه هي صبغة الله، هذه التوجيهات، هذا العنوان، هذه المقولة: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ}(البقرة: من الآية137) قبلها {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(البقرة: من الآية136) هذه هي صبغة الله، يدخل ضمن صبغة الله.

لاحظ الموقف منهم لم يأت بكلمة صبغة الله بعد قوله: {وَنَحْنُ لَـهُ مُسْلِمُوْنَ} أيضاً جاء بعدها بقوله: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}(البقرة: من الآية137) أي يكون موقفكم منهم على هذا النحو، إذاً فهذه هي صبغة الله عقيدة وموقف.

هنا سئل السيد من أحد الحاضرين: فسيكفيكهم الله، أليست توحي بأنه سيحصل معهم صراع؟ أجاب: هذا معلوم؛ ولهذا أنه جاء في القرآن الكريم توجيهات الله في كيف يتعامل الناس معهم، وفي كيف يكونون منتبهين لهم، وحريصين، وحذرين، ومتجهين عملياً في مواجهتهم إلى درجة المقاتلة.

{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} وعد بالتأييد، وعد بالنصر، وعد بفضح مؤامراتهم، وأشياء كثيرة تمثل الكفاية من الله، أشياء تأتي تنطلق أنت فيها، وما يعمله الله من خلال انطلاقتك.{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}(البقرة:138) هذه لدينا هي الصبغة التي يتبين من خلالها أن الإنسان هو مسلم لله، هو على ملة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وكل أنبياء الله إلى محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) هذه هي صبغة الله {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُوْنَ} ليست الأشياء التي تعتبرونها عندكم: أن فلان قد دخل في النصرانية، أن فلان دخل في اليهودية، عناوين معينة، أو أشياء معينة صبغة مثلما هو عند النصارى يغمسونه في ماء يسمونه [ماء المعمودية] عمدوه مثلما تقول: قد صار معمداً، نصراني، نصراني.

{قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ}(البقرة:139) ليس هناك أي مبرر في المجادلة في الله لكن هم وصلوا في ضلالهم إلى المجادلة في الله، في موضوع الألوهية، قد أصبح الكثير من النصارى على هذا النحو: مجادلة فيما يتعلق بالله، ليسوا مؤمنين بوحدانية الله، يحتاجون يجعلون الله مجموعة من ثلاثة أشياء: عيسى، والروح القدس، والله، المجموع الله، المجموع إله.

إذاً فهنا الحجة واضحة لدى المسلمين، وقدمت القضية بالشكل الذي يعتبر موقف اليهود والنصارى في مقام المحاججة ضعيفا جداً بدءاً من الله، والملة التي كان عليها إبراهيم وإسماعيل وإسحاق الدين بعنوانه، مسيرة الدين هدى الله كلها بالشكل الذي يمتلك المسلمون فيها الحجة التي تخرس أي طرف يعاندهم من اليهود أو النصارى.

قد يكون أحياناً أسلوب {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}(البقرة: من الآية139) تقدم القضية من جانب الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ومن جانب المسلمين بالشكل الواضح تماماً فلا تبقى منشغلاً على طول، على طول بمحاججتهم، بلدادتهم، بنقاشهم في كثير من التفصيلات، تتيه معهم {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}(البقرة: من الآية139) لا تعني: {وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} إقرار على ما هم عليه على الإطلاق، لا تعني هذا، ولا تعني: نحن أمة لوحدنا، وأنتم أمة لوحدكم، نحن ندين بهذا، وأنتم تدينون بذلك، لنا أعمالنا هنا، وأنتم لكم أعمالكم هناك.

{لَنَا أَعْمَالُنَا} من ضمن أعمالنا المواقف التي وجه إليها القرآن الكريم معهم، وموقف القرآن الكريم قام على أساس لا مجال – لو أنه طبق القرآن الكريم، ولو أن المسلمين جسدوه ومثلوه – ترى ما هناك مجال أمام اليهود من أن يذوبوا في المجتمع المسلم فيسلموا، أو أن يحصل من جانبهم أشياء تعتبر نقضا، تعتبر مخالفات فيضربوا.

{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ}(البقرة: من الآية140) انظر كيف بدأ المسألة بعد وضوح المسألة فيما هو دين الله، الحديث عن الله، وعن إبراهيم وإسماعيل إلى آخره. إذاً فكيف بإمكانكم أن تحاجونا في الله، القضية واضحة. ثم جاء ليتحدث عن ماذا؟ عن إبراهيم وإسماعيل، المسألة بدأت من فوق، من عند الله وتحت، هذه توحي فعلاً: بأن القضية الأساسية، والهامة جداً: معرفة الله، معرفة الله أساس لصحة المعارف الأخرى، أساس فيما يتعلق حتى بمقام المحاججة مع طرف آخر، أحياناً إذا هناك نسيان للموضوع: أن المسألة كلها تبدأ من عند الله سبحانه وتعالى، وتنتهي إليه قد يتجادلون إلى تحت، ولا ينتهون إلى شيء نهائياً، هنا يبدأ الموضوع من فوق، ورؤية صحيحة فيما يتعلق بمعرفة الله تكون مساعدة على ماذا؟ كمقاييس تنزل، وأشياء يلتقي عليها الناس في بقية القضايا التفصيلية.

{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}(البقرة: من الآية140) لأن الله قد قدم القضية هو قال هناك: بأنهم كانوا مسلمين لله، وما كانوا يهوداً، وما كانوا نصارى؛ باعتبار اليهودية لديهم أصبحت تعني ماذا؟ دين. سموا الدين يهودية، سموا الدين نصرانية. {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}(البقرة: من الآية140) والله قد أخبر عنهم كيف كانـوا، كانوا مسلمين لـه.

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(البقرة: من الآية140) لأنه في كتبهم ما يدل على كيف كان إبراهيم في واقعه، وهنا شهادة جاء بها القرآن الكريم بالنسبة لآبائهم الأولين عندما قال: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(البقرة:133) إذاً فما في كتبهم من أشياء هي تبين: أن هذا كان واقع سلفهم، يعتبر شهادة قائمة لديهم في كتبهم، فهي امتداد لما حكاه الله عن أولئك، وما قالوه هم عندما استوثقهم أبوهم يعقوب {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(البقرة: من الآية140).

{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(البقرة:134) هي نفس المعنى السابق تقول: يكفي حكينا هذه على هذا النحو إذاً عودوا واستأنفوا المسيرة من جديد في ظل نبوة جديدة، وكتاب جديد، رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، والقرآن الكريم.

أليس في هذا كفاية ما يجعلهم أن يستأنفوا المسيرة؟ لكن لا {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}(البقرة: من الآية142) يستمرون في نفس الشقاق، والعناد والتساؤلات.. إلى آخره، ناسين هذا التوضيح الهام لتاريخهم، لتاريخ آبائهم الأولين، والأنبياء منهم.

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}(البقرة: من الآية142) أليست هذه قضايا ثانوية أخرى، والموضوع هنا موضوع دين، ومسيرة دين، وكله تابع لموضوع التسليم لله، فيتوجهون إلى هذه القبلة، ألا يعرفون في الدين: بأن الله سبحانه وتعالى هو المشرع، هو الذي يهدي، هو الذي يشرع لعباده، وله الحكم، وله الأمر، يشرع كيفما أراد فالواجب التسليم له، وقدم لهم صورة كاملة عن آبائهم أنهم كانوا مسلمين له.

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}(البقرة: من الآية142) عندما كانوا متجهين إلى بيت المقدس، إلى المسجد الأقصى، ثم توجهوا إلى الكعبة، وكأنها حصلت هذه القضية – كما في الروايات – أنه توجه إلى الكعبة، ثم توجه إلى المسجد الأقصى، ثم توجه من بعد إلى الكعبة كيفما كانت المسألة أعني: هل كانت المسألة تتعلق بالتحول من الكعبة إلى المسجد الأقصى، أو من المسجد الأقصى إلى الكعبة، أنه في الموضوع تحول بأمر الله، وبإذن الله، مقتضى التسليم لله سبحانه وتعالى الذي جاء بكلام كثير حوله قابلية هذه، وهي قضية ليست جديدة في الدين، ليست قضية جديدة في تشريع الله سبحانه وتعالى.

{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(البقرة: من الآية142) فهو مالك المشرق والمغرب مالك السماوات والأرض يهدي من يشاء لأن يتوجه كذا أو كذا، وما يهدي إليه هو هداه {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ما معناه أنه هدى الناس إلى ما هو دونه، أو وجههم إلى ما يعتبر دون وأقل، أو يعتبر انحطاطاً أبـداً {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا}(البقرة: من الآية143) هذا صار خطاباً لمن؟ للمسلمين، خطاب بالذات للعرب، خطاب للعرب أنفسهم من البداية، وخطاب موجه بشكل رئيسي لقريش، دائرة الأسر التي تلتقي مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) بالجد الأقرب يشملهم اسم: قريش. المسألة عبارة عن دوائر: دائرة قريش، داخلها دائرة بني هاشم، داخلها دائرة أقارب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) بعد دائرة قريش دائرة العرب.

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا}(البقرة: من الآية143) هذه الآية هامة، جداً والكلام حولها بتحريف لمعناها، وتقديمها بشكل يخلق قابلية أن يجرد الأمة عن شهادتها قد {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} كلمة وسطاً لا تعني: عدول، أو تعني.. في آيات أخرى تبين ماذا يعني، أوسط في اللغة العربية، أوسط تعني: أفضل، تعني، أمة من أوسط الأمم، من أفضل الأمم، مهيئة لأن تحمل هذه الرسالة، وتكون في نفس الوقت شاهدة على الناس، الشهادة هنا ليس فقط في موضوع أنهم يشهدون يوم القيامة بأنه قد جاء نبي وبلغ، الشهادة بتجسيدهم للدين، وقيم هذا الدين، وتمثيلهم لهذا الدين.

هذا دين عظيم جداً تتجلى من خلال وسط معين من الناس أمة معينة، تتجلى قيمه ومثله ومبادئه بشكل جذاب جداً؛ ليكون شاهداً على عظمة هذا الدين أمام الآخرين فينجذب إليه، وتقوم الحجة على الآخرين به؛ لأن الكثير قد يقولون: مجرد نظرية، وأي نظرية لم يشهد لها الواقع في حياة الناس، لأن هذا هو المحك، هو المحك واقع الحياة، واقع الأمة، روحية الأمة، نفسية الأمة، أفرادها الذين يحملون هذه النظرية، يتجلى من خلالهم ماذا؟ مدى إيجابية هذه النظرية، أو سلبيتها بالنسبة للدين. هذه القضية لم يغفلها، موضوع أنه لا بد من دائرة تمثل قيم هذا الدين، ويتجسد فيها هذا الدين فتمثل بهذا شهادة على الناس بعظمة هذا الدين، فتقدم نموذجاً على أرقى مستوى {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}(البقرة: من الآية143) أي تكون عملية متبادلة عندما تعرف عظمة هذا الدين، كلما عرفت عظمته، كلما وجدت في شخصية الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وفي حركته شهادة أيضاً على عظمة هذا الدين نفسه.

دائماً تفسر هذه فيما أعرف بأنه: الشهادة على الآخرين، الشهادة على الأمم بأنه قد وصلتهم الدعوة، أو وصلهم البيان، أو وصلهم أخبار النبوة! وهذه هي المهمة هنا، وهي نفس القضية الأساسية أنه: التأهيل، الإصطفاء، هي مسؤولية {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً} ليس عبارة عن وسام هكذا، أي: أنهم يقدمونها وكأنها عبارة عن وسام، لا، المهمة هنا المسؤولية {لِتَكُوْنُوْا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} تحت هذه الكلمة أشياء كثيرة جداً {لِتَكُوْنُوْا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} الإلتزام بهذا الدين، الإهتمام بهذا الدين، تجسيد قيمه، الجهاد في سبيل إعلاء كلمته؛ لأنه أيضاً يحصل من خلال هذه أن يكون الناس محطاً للتأييد الإلهي أن يتلمس جانب هذه الأمة أشياء هي فعلاً تشهد بأن هذه الأمة على صراط مستقيم، وأن هذا الدين الذي تدين به هو دين عظيم، فهذه قضية هامة جداً: أنه لا بد من إناء، لا بد من محيط ليكون محطّاً للتأييد الإلهي.

هذه القضية معروفة حتى فيما يتعلق بالرزق أليس الإنسان يحتاج يعمل لـه [جربة] يجمع لها تراب حتى يمكن يعمل فيها زرع؟ أليس الواحد يحتاج يعمل للمطر الذي ينـزل من السماء يعمل له مشرب يجمعه حتى يجري إلى هناك؟ لا بد من دائرة، لا بد من محيط مكون من أمة، من مجاميع المؤمنين ينطلقون انطلاقة صحيحة، يعتبرون محطاً للتأييد الإلهي، التأييد الإلهي لا يأتي مبعثر: مؤمن هناك، ومؤمن هناك، وواحد هناك، وواحد هناك! سترى كل واحد يصيح مكانه فقط، لكن إذا كانوا عبارة عن محيط واحد، هنا سيكونون محطاً للتأييد الإلهي، يتجمع التأييد الإلهي مثلما ماذا؟ تأتي تجمع لك مشرب تصلحه من هناك يلتقي القطرات التي تنـزل من السماء حتى تصب في [جربتك] يحصل فيها زرع وتثمر.

ليست الوسطية معناها: بين اليهودية والنصرانية، بين التشدد واللين يسمونه: اعتدال، وسطية، لا، ليست بهذا الشكل؛ لأنك عندما تلحظ إلى كيف يجب أن تكون هذه الأمة التي قال: إنها أمة وسطاً في مجال أن تقوم بالمهمة التي تجسد ماذا؟ الشهادة على الناس معناها: أمة يجب أن تكون متوحدة، أن تكون قوية، أن تكون أفرادها أولي بأس شديد، بإخلاص لله عالي، بالإلتزام بهذا الدين، أشداء على الكفار، أعزاء على الكافرين؛ هذا معنى أمة وسطاً، كيف قال عنهم هناك: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}(الفتح: من الآية29) أليس الذين معه هنا على أساس أنهم أمة وسطاً؟ إن القرآن ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هم يربون الأمة الوسط كيف تكون لتكون شاهدة على الناس، ألم يربهم على مستوى أن يكونوا أقوياء {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}؟(الفتح: من الآية29) هـذه الأمـة الوسـط هـي التـي قـال لها: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}(التوبة:29) هذه وسطية، هو الذي يقول لهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ}(الأنفال:15) هذه وسطية الإسلام، أو الأمة الوسط غالباً تكون هكذا: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}(الأنفال: من الآية12) {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}(التوبة: من الآية111) {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية207).

هذه هي الأمة الوسط، ليست الأمة الوسط أن يقال: أمة ليست حول أن تكون شديدة على الكافرين، ليست شديدة على أعداء الله، ليست شديدة في ذات الله، قوية في ذات الله، في تجسيد دينه، في العمل لإعلاء كلمته، هذه لا يصح أن يقال لها أمة وسطاً، هذه أمة منحطة، تسمى أمة منحطة، ليست أمة وسطاً، كلمة وسطاً {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}(البقرة: من الآية143) أي أن الله عندما اختار أن يكون هذا الرسول منهم فهو جعلهم، ما معنى جعلهم؟ مسألة [جعل] هذه قد لا تعتبرها مرتبطة بعشر سنين، أو بعشرين سنة أحياناً قد تكون قروناً من الزمن، عملية قرون من الزمن، رعاية إلهية حفاظ إلهي على أشياء معينة بحيث أن يكونوا مهيئين لأن ينهضوا بهذه الرسالة، أن يكونوا صالحين لأن يكونوا جنوداً لها، من قبل البعثة، من قبل ربما أن يولد جد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ثم أثناء المسيرة في التربية التي تقدم لهم، في التوجيه الذي يقدم لهم، القيادة التي تقدم لهم.

الأمة الوسطية يجب أن تكون قيادتها عالية على هذا النحو الذي يحكيه الله في القرآن الكريم ستأتي الآية بعد بالنسبة للأمة الوسط كيف قيادتها هنا: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة}(البقرة: من الآية151) أليست هذه قيادة على مستوى عالي من القوة في ذات الله، من القوة في مواجهة أعداء الله؟ هذه الأمة الوسط، وقيادات الأمة الوسط، ومنهج الأمة الوسط هو هذا القرآن الكريم، عندما يأتي أناس يحملون علماً، باسم علم، ويحرفون كتاب الله كما حرف بنوا إسرائيل كتبهم، ويحرفون المعنى: [لا، الوسطية: الإعتدال، الوسطية تعني ماذا؟ أسلوب لا يكون فيه شدة، ولا مهاجمة للآخرين، ولا استعداد لمواجهة الآخرين ولا.. ولا.. ولا…!] أليس هذا يعتبر سخافة؟ يعتبر هذا كفر بالنعمة العظيمة هذه التي هي القرآن الكريم، التي تبني الأمة الوسط.

نقول بكل تأكيد: إن الأمة الوسط هي الأمة التي يبنيها القرآن، الأمة الوسط هي الأمة التي تبتني على أساس القرآن، وتتبنى المواقف التي يهدي إليها القرآن، هذه هي الأمة الوسط. ماذا يعني الوسط؟ أفضل، أمة أفضل، أمة تكون ماذا؟ تكون مؤهلة لأن تقوم بهذا الدور {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}(البقرة: من الآية143) من الشهادة على الناس، أن يكونوا أولي بأس شديد، وأن تكون أولي بأس شديد يعني أنت مؤمن بالقضية التي أنت فيها، أنت تغضب لها، أنت منشد إليها، وهي قضية في حد ذاتها جذابة جداً؛ لأن هذا شيء عجيب جداً لا يمكن أن يحظى أي منهج آخر بهذه الحالة التي تبدو وكأنها مجموعة من النقائض، أو من المتناقضات أن يقول لهم: كونوا أشداء على الكفار، كونوا أولي بأس شديد، اضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان، في مسيرة دين هو للكل إلا لأن هذا الدين هو عظيم يجعل لهذه الظاهرة نفسها جاذبية لهذا الدين نفسه؛ لأنه عندما أرى هناك أمة قوية جداً، متماسكة جداً هي تشكل أملاً عندي، ومنهجيتها صحيحة، إذاً أنا عندما أقارن بين وضعيتين، ومجتمعين وبينهم سأرى هذه الأمة أنجذب إليها، أمة تشد الإنسان، أمة تقف مع الإنسان.

أحياناً قد تكون من الأشياء التي لا تجعل لأمة معينة أي قيمة عندما ماذا؟ لا تكون هي ذات فاعلية في مواجهة أطراف أخرى حتى ولو هي أمة مؤمنة أنها بهذه الطريقة وحدها تفقد جاذبية الدين الذي تدين به، الطريقة التي هي عليها:[هؤلاء أناس لا يستطيعون أن يعملوا شيئاً، لا يمثلون شدة ظهر في شيء، لاحظ كيف هم ضعاف أمام أي عدو آخر] عندما يظهر هؤلاء أقوياء، أشداء، أمة قوية أي يعتز أي شخص ينتمي إليها يشعر بعزة يشعر برفعة يشعر بقوة.

لهذا كانت هذه الخصلة نفسها التي الآن يحاولون…، إضافة إلى أنها قد ضاعت في وسط الأمة، أشداء على الكافرين، أن يكونوا أعزاء على الكافرين، قد ضاعت، ومع هذا يحاولون أن يقدموها كثقافة يدينون بها أي: أن تعتقد أن الأمة الوسط هي هذه الأمة التي لا تمثل أي شدة، ولا قوة على أعداء الله، لم يكف انحراف عملي، وإنما يقدمون انحرافاً عقائدياً يدين الناس به، ويفهمونه بشكل خطأ، ويعتقدون أن هذا هو معنى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}(البقرة: من الآية143) هكذا ينتهي الضلال إلى أن يقدم الضلال العملي، الإنحراف العملي يحاط بماذا؟ بعقيدة أنه دين تدين به، هذا تحريف خطير جداً لآيات الله، تحريف في المعنى، في المضمون، في تقديم هام بهذا الشكل السيئ!.

نقول: نحن فعلاً أمة وسطاً ونتمنى أن نكون أمة وسطاً، والأمة الوسط هي: التي تبتني على أساس القرآن، ومواقفها قرآن، هي الأمة التي قال الله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}(البقرة: من الآية143) أنه يجعلها، وهذه طريقة من طرق أن يكون هناك أمة وسطاً، القرآن الكريم، وليس الوسط معناها بين شيئين، بين اليهودية والنصرانية، اعتدال ليس يهودياً ولا نصرانياً، لديه ملعقة يهودة وملعقة نصرنة وقليل إسلام فوقها خلطة!.

هذه قضية نركز عليها في مسألة هذا الموضوع نقول: فعلاً نحن أمة وسطاً لكن نعتقد أن الأمة الوسط: هي الأمة التي تنطلق على أساس القرآن، لا أحد يستطيع أن يقول لك: لا، يقول أبداً. إذاً الأمة الوسط أليست الأمة التي تسير على هدي القرآن، وتبتني على أساس القرآن؟ إذاً فلنكون أمة وسطاً يجب أن نسير على هدي القرآن.

إذا أنت تقدم لي شيئاً آخر هذه وسطية ثانية ليست هذه الوسطية التي قدمها القرآن، أنت تريد أمة تكسر من وسط ظهرها حقيقة، وسطية يكسروها من وسطها، لا تريد أمة وسطية على هذا النحو، على هذا المفهوم القرآني! فنحن نريد أن يكون الله هو الذي يجعلنا أمة وسطاً وليس أنت، والقضية هي بهذا الشكل: أن نفهم جميعاً أن الأمة الوسط – إذا كنا نريد أن نكون أمة وسطاً – أن نكون على هذا النحو: أن يجعلنا الله هو، وليس الآخرون الذين يجعلوننا أمة وسطاً، الذين يظهرون على شاشات التلفزيون، أو في كتابات معينة، أو على المنابر، لأنهم يحاولون أن يجعلوا المسلمين أمة وسطاً بمعنى آخر، أمة منحطة، أمة لا يخاف منها عدو، ولا يهاب منها عدو، ولا تمثل حماية لأي شيء، لا لدينها، ولا لمقدساتها، ولا لأوطانها، ولا لأعراضها، ولا لأنفسها.

{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}(البقرة: من الآية143) هذه سنة إلهية، سنة الإبتلاءات على هذا النحو، وقد تكون الإبتلاءات ليس معناها: أن القضية شديدة في وطأتها عليك، أمراض خطيرة مثلاً، أو أشياء مؤلمة جداً، قد تكون عملية معينة: تحول من هنا إلى هنا، فالنفوس المسلمة لله ستقول: أسلمت لرب العالمين كما قال إبراهيم {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}(البقرة:131) {مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}(البقرة: من الآية143) فيتبين من هو الذي يتبع الرسول، والرسول هو أول شخص، وأعظم شخص مسلم لله؛ ولذا تحول هو أن يصلي إلى المسجد الأقصى إلى القدس وهو الشخص الذي ترى فيه أعظم شخص يرى لهذا البيت ولهذا المسجد الحرام حرمته، وعظيم في نفسه سلََّم لله، وتوجه إلى هناك.

{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}(البقرة: من الآية144) قال الله توجه إلى الكعبة هذا هو التسليم لله فمن يتبع الرسول يكون مسلماً لله، هل هناك أشخاص آخرون منهم هم أكثر انشداداً إلى موضوع المسجد الحرام؟ أبداً رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو أهم شخص، أو نقول: الشخص الذي مكانة البيت الحرام في نفسه أعظم من مكانته في نفس أي شخص آخر.

{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}(البقرة: من الآية143) في الأخير تبدو القضايا التي تبدو عادية كبيرة على الناس الذين ليسوا مسلمين لله كبيرة ليس لأنها من أصلها كبيرة هي للمسلمين، هنا قال: {إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه} هي ليست كبيرة على الذين هدى الله ومسلِّمين لله، عملية مقبولة تماماً، لا يوجد أي حرج في النفس أمامها، الذين ليسوا مسلِّمين لله تكون كبيرة على أنفسهم، وهذه من الأشياء التي تجعل الإنسان الذي يسير على هدي الله، ويسلِّم لله هي ماذا؟ حالة طمأنينة، مطمئن البال، والدين كله يسر أمامه، الأطراف الأخرى تصبح الأشياء عنده كلها كبيرة {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}(البقرة: من الآية45) كما قال سابقاً.

{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه}(البقرة: من الآية143)تجد الخاشعين ومن هدى الله لا يوجد أشياء كبيرة عليهم كلها ينطلقون فيها بتسليم أنفسهم لله ليس هناك أي حرج {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}(البقرة: من الآية143) عندما يقولون: كيف سنعمل بصلاتنا يوم كنا نصلي إلى القبلة الأولة؟ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ}(البقرة: من الآية143) المؤمنون يكونون مسلمين له لا يضيع شيئاً من أعمالهم الصالحة.

{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}(البقرة:144) إن الأساس الذي جعلهم يحاربون قدسية الكعبة إلى الآن – وهم قالوا إنهم يقترحون أنها تضرب بقنبلة نووية تنسفها تحولها إلى بحيرة مكانها – موقفهم من ماذا؟ من إسماعيل وذرية إسماعيل ومحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) هو من ذرية إسماعيل، فهم هنا كارهون، متبعون أهواء شيء معين جعلهم قدموا الدين عصبية لأنفسهم حتى أصبحوا يمجدون أنفسهم هم كذرية ليعقوب، وينسفون إسماعيل، وهو عمهم، نبي من أنبياء الله ممن تعهد أسلافهم بأن يسيروا على ما كان عليه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وإلا فالقضية هذه حق من حيث هي أن الله سبحانه وتعالى هو مالك أمر الناس والذي له الأمر، له الحكم في عباده، وفي دينه، تحصل هذه، يشرع هذه، ثم يقول للناس اتجهوا كذا، ليست قضية غريبة في الدين، ليست قضية من حيث هي يقولون: باطلة؛ لأن عملية كهذه من حيث هي حق باعتبار أن الله هو له ملك السماوات والأرض، وهو الذي له الحكم والأمر في عباده، لأنهم يعلمون أن إبراهيم هو الذي أقامها، وأنها قبلة لإبراهيم نفسه من البداية من قبل هي القبلة الأساسية، هي الكعبة فقط، هم الذين صلحوا لهم قبلة أخرى على طريقة [حتى لو بنيت مسجداً فلن أصلي فيه] كرهوا إسماعيل وأبناء إسماعيل وكلما يحيط بإسماعيل وأبنائه، وإسماعيل هو الشخص الذي هاجر به أبوه إلى تلك المنطقة، إلى مكة، وهو شريكه في بناء البيت لكن بنوه ليكون ماذا؟ قبلة، هم الذين انحرفوا هم، مع أنه في تراثهم، في بقايا لديهم ما يعرفون بأن هذا هو حق.

{وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُون} كل عملية الإنصراف، عملية: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}(البقرة: من الآية142) استنكار لهذه، تشنيع على المسلمين بهذه، قضية هي ناشئة عن أعمال سيئة لديهم، وأهواء ترسخت لديهم، وأعمال في حد ذاتها باطلة يؤاخذون عليها، ليس الله بغافل عنها.

{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ}(البقرة: من الآية145) هنا يتجلى في الموضوع هنا فيما هو كمنهج للناس وتربية، أن يكون الناس عندهم تسليم لله مهما قال الآخرون، مهما كان لديهم من احتمالات: أنه سيحصل أشياء كبيرة عليهم من آخرين، التسليم لله، السير على هديه، وليكن ما كان هناك قال سابقاً: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}(البقرة: من الآية137) أليس هنا موقف هنا يوجه بالتوجيه إلى المسجد الحرام ويقول فيها في الأخير: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي}(البقرة: من الآية150) لأن هذه الحالة مثلما تقول مجموع الآيات هنا يترسخ مسألة التسليم لله، لا تعطي أي احتمالات أخرى قيمة بالشكل الذي يجعلك تؤقلم مسيرتك من أجلها، لديك فكرة التسليم لله، وأي احتمالات أخرى سيكفيكها؛ لأن هذه الحالة هي التي تجعل كثيراً من الناس – كونه يخشى يوماً معيناً، يخشى حملات دعائية معينة، يخاف من سجن، يخاف من اعتداءات، يخاف أشياء كذا – يحاول يؤقلم مسيرته وإذا هو قد أصبح يقسِّم الدين، يجامل هذا، ويجامل ذلك، يرضي هذا، ويرضي هذا! وضاع، يضيع تسليمه لله، ويضيع في الأخير دين الله؛ لأنه في الأخير هل رأيت لدى بني إسرائيل شيئاً من دين الله؟ ضيعوه، ضيعوه، وأصبح مجموع ما لديهم في غالبه، مجموع أهواء، وضلالات.

تجد في تاريخهم هم تعرضوا لحالات من هذه، لم ينطلقوا على ماذا؟ أن يكونوا مستقيمين في مسألة التسليم لله، ومتمسكين بهذه القضية: التسليم لله، والسير على هديه مهما كان الثمن، عندما كان يحكمهم أناس من الرومان، كان ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا! وإذا قد هناك بيع وشراء في الدين {اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً}(التوبة: من الآية9) معناه فقدوا التسليم التي هي قضية أساسية فأصبحوا في الأخير يقسمون الدين، يرضون هذا، ويوزعون لهذا، ويبيعون من هذا إلى أن ضاع في أوساطهم والبديل هو ماذا؟ ضلالات، وخسارة، في الأخير خسارات كبيرة، خسارات في الدنيا، وخسارة في الآخرة.

{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ}(البقرة: من الآية145) أبداً على ما هم عليه {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ}(البقرة: من الآية145) يقول: [إذاً أحسن كذا من أجل أن تكون كذا يمكن ربما يقربوا قليلاً ويلينوا قليلاً، نتفق نحن وإياهم!] وعناوين من هذه، في المقابل عندما لا تلتزم أنت على هذه الوجهة التي رسمت لك، أن تتجه إلى هذه القبلة على الرغم من أن أهل الكتاب لهم موقف، موقف حدي من قضية القبلة هذه إلى درجة أنك لو أتيتهم بكل آية ما تبعوك في أن يتوجهوا إلى هذه القبلة، ما هناك برزت المسألة وكأنه: إذاً دخلنا في موضوع يجعلنا أكثر بعداً منهم، فكرة الناس الذين لديهم فكرة لفلفة، ومحاولة تألف، وأشياء من هذه، فيعتبر إذاً هذه تتنافى مع ما ينبغي أن نحرص عليه من أن نكون قريبين ونكون… هذه المسألة أبعدتنا كثيراً؛ لأنه وجه إلى قبلة، أهل الكتاب لو جئتهم بكل آية ما تبعوها، ألم يظهر التوجه إلى هذه القبلة يشكل بعداً كبيراً؟.

ليست مشكلة هذه، لا تعتبرها مشكلة أبداً، ولو حاولت أن تتصرف على هذا من أجل أنك تحاول: أن تكون كلمتنا وحدة نحن وإياهم ونتألفهم ستكون قد اتبعت أهواءهم وستكون إذاً من الظالمين، ستخسر مثلما قال سابقاً: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}(البقرة:120) هذه القضية هي تعود إلى مسألة: التسليم، وهي القضية الهامة التي يحتاج إليها كل إنسان، ولا تقم المواقف القوية إلا بتسليم، ولا يفلح الناس إلا بالتسليم لله، إذا ما عرفوا إلا وقد طغى عليهم روحية التأقلم، التنازلات، روحية استرضاء الآخرين في الأخير يذوبون، ويتلاشون ويخسرون.

هذه القضية هي تقوم على أساس الإيمان بالله سبحانه وتعالى أنه: هو ملك الناس، مدبر شؤون هذا الكون. لو تعتقد أنه يمكن أن تمشي معهم بالشكل الذي يجعلك قريباً منهم، استرضاء لهم، وعلى أساس أنك تجذبهم إلى هذا الدين، وليس في ذهنك أنه ما الذي يمكن أن يحصل من محذور الله يمكن يطلع شيئاً يجعلك خاسراً مثلما قال هناك: {مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}(البقرة: من الآية120) أي أنه لا يظن أحد بأنه: إذاً سيقع في مشكلة كبيرة جداً، افهم بأن الله هو مدبر شؤون السماوات والأرض يمكن أن يكفيك الإحتمالات التي تراها كبيرة {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}(البقرة: من الآية137).

أو ترى بأنه عندما تتأقلم معهم من أجل تسلم الإشكاليات هذه، وترى بأنك تحاول أن تسلمها لن تسلمها لن تسلم منها ستأتي عليك بأسلوب آخر، أو من أبواب أخرى وتكون بالشكل الذي لا تجد وليا ولا نصيرا تضرب {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ}(البقرة: من الآية145) عندما ينسى الإنسان مسألة: التسليم لله، وقضية التسليم لله هي تكون في موضوع الحركة، في موضوع المنهجية، موضوع الدعوة، منهجية الدعوة، منهجية الحركة، في المواقف العملية، ستقدم تنازلات في موضوع المنهج تكون في الأخير مقابل اتباع أهواء، والنتيجة ماذا؟ خسارة.

إذاً هذه هي ظاهرة قائمة عند الناس فعلاً تجد بعضهم عندما يأتي يتبنى مدرسة علمية، أو يتبنى إرشاداً لكن ويحاول يؤقلم الإرشاد بالشكل الذي لا يثير آخرين، يحاول يجعل مدرسته بالشكل الذي على أساسه أنه بزعمه محافظ على الدين، ومحافظ على الإرشاد، ومحافظ على التعليم، وعلى المذهب، يحاول لا ينطلق من مركزه، أو من مدرسته شعار – مثلاً – [الله أكبر…] قد يؤدي إلى أن الآخرين يستثارون وفي الأخير ربما يغلقونه مثلاً، أو ربما قد يؤدي إلى أنهم يتركون معاونتنا، أو أحتاج أتشرد من هنا، ويضيع هؤلاء الطلاب! هذه تعتبر نظرات قاصرة، وضيقة، وعاقبتها دائماً خسارة، تكون خسارة دائماً، أي أن هذه الحالة قائمة؛ لهذا قلنا: التركيز على موضوع التسليم، وكلما وجدت أمامك من احتمالات تبدو صعبة تذكر بأنك لست من سيحمل الجبال هذه، أو ستحمل المشاق الكبيرة؛ لأن الله هو المدبر لشؤون السماوات والأرض هو الذي يعمل المتغيرات.

إلى هنا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

 

 

التعليقات مغلقة.