saadahnews

سورة البقرةالدرس العاشــر

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.

اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

لبيان عظمة القرآن الكريم، وأهميته، أقسم الله في آية، هي – حقيقة – تدل بشكل لا يكاد أن يتصور الإنسان مقدار عظمة القرآن، من خلال تلك الآية نفسها عندما قال الله سبحانه وتعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إنه لقرآن كريم}(الواقعة 75 :76). أليس هذا قسماً عظيماًً؟ أقسم به عظيم سبحانه وتعالى وهو الله، ومع القسم جاء بالتأكيد، القسم مؤكد، والعبارة مؤكدة، كلها تؤكد عظمة القرآن الكريم، وأنه كريم فعلاًُ، كريم في أصله، فيما يهدي إليه، يهدي إلى مكارم الأخلاق، يهدي إلى الأشياء التي تعتبر كريمة، الكريم يقابل المنحط، ويقابل سفاسف الأشياء، ويقابل الهامشيات، وكريم من جهة أخرى فيما يعطيه كما نقول: [فلان كريم]، ممكن أن تقول: كريم باعتبار أصله، ونفسيته..نفسيته، في نفسه كريم، وباعتبار جوده.

فالقرآن الكريم هو كريم بما تعنيه الكلمة، وهو كريم بهذا المعنى أيضاًً: أنه يعطي.. يعطي الأشياء الكثيرة جداًً. ما نزال في سورة واحدة منه [سورة البقرة]، وما نزال لم نكمل هذه السورة، ونجد كم يعطينا هذا القرآن الكريم، وكم لا يزال فيه! هو: ((بحر لا يدرك قعره)) كما قال الإمام علي عليه السلام؛ إنما يريد نفوساًَ كريمة.

أيضاًً النفوس الكريمة هي التي تتقبل الأشياء الكريمة، ومما كان وراء شقاء بني إسرائيل – كما قلنا في درس سابق – ربما وضعية معينة جعلت أنفسهم منكسرة، ومنحطة حتى أصبحت لا تُقدر الأشياء حق قدرها، فقدوا النفوس الكريمة، تلك النفوس التي تكرم الأشياء الكريمة، وتقدرها حق قدرها.

الإنسان يجب أن يعمل على أن تزكو نفسه، تكون نفساًً كريمة، فإذا ما زكت النفس، وأصبحت نفساًً كريمة، كان للأشياء العظيمة، الكريمة أهميتها عنده.

نجد في ترتيب آيات القرآن الكريم الشيء العجيب، والشيء المهم في نفس الوقت، تارة يتحدث عن الجهاد، وتارة يتحدث عن الإنفاق، وتارة يتحدث عن أشياء في مجال الهداية، توجيهات تربوية معينة، وأحياناًً يتناول تشريعات معينه فيما يتعلق بالطلاق، فيما يتعلق بأشياء نهى عنها، كشرب الخمر، وغير ذلك.

هذه تعطي نظرة هامة جداًً وهو: أن التشريع مترابط، أن الأشياء لها علاقة ببعضها بعض، كل تشريعات الله سبحانه وتعالى، ما كانت تشريعات على هذا النحو تتعلق بمعاملات فيما بين الناس، أو تتعلق بقضايا النكاح، أو الطلاق، وكل المنهيات عنها وكل ما كانت توجيهات كلها مترابطة، وكل واحدة منها لها أثر فيما يتعلق بالمجموع. لهذا كان القرآن على أرقى مستوى وكل آية في مكانها عندما تنظر إلى ما قبلها وما بعدها، وإلى الموضوع بشكل عام، الذي جاءت في سياقه ترى لها أهميتها بشكل كبير.

فهذا الأسلوب القرآني فيما يتعلق بالجانب الفقهي، الجانب الفقهي بالمصطلح المعروف [الفقه] الذي يعني: عبادات، ومعاملات، أسلوبه هو أفضل أسلوب من أسلوب الفصل بين الأشياء، لأنه فيما بعد أصبح الفقه في حد ذاته عبارة عن فن مستقل تقدم فيه مسائل فيما يتعلق بالعبادات، والمعاملات مسرودة سرداًً قانونياًً، صياغة أشبه شيء بالصياغة القانونية. لكن الأسلوب القرآني يُلحظ بأنه هناك شيء هام جداًً هي نفسية الإنسان، نفسية الإنسان، ولهذا قلنا: أنه من معجزة القرآن الكريم، أنه استطاع أن يجعل العرب يتقبلون هذا التشريع، وهم أمة من البداية ليست أمة متحضرة، وليست أمة تألف أشياء تعتبر حدوداًً وضوابطاًً وتقنيناًً من هذا النوع، ما كانوا آلفين لهذه، وهي عملية كبيرة في الواقع، تعني: نقلة من حالة اللاإلتزام بشيء تقريباًً، مجتمع ليس آلف لأن يكون لديه ضوابط وحدود، وأشياء معينة أشياء – ما تسمى – قانونية، ثم ينقل نقلة إلى مرحلة إلتزام بحدود وضوابط، وتشريعات محددة، أن هذه تعتبر معجزة – حقيقة – للقرآن.

لكن أنظر إلى الأسلوب الذي قدم فيه القرآن تلك التشريعات، لم يقدمها بمعزل عن مشاعر الإنسان نفسه عن الأسلوب الذي يلامس نفسية الإنسان حتى يتقبل تلك التشريعات بمختلف أنواعها، تجدهم مثلاًً فيما يتعلق بالمواريث نقلة حصلت لديهم لم تكن مألوفة، فيما يتعلق بطعامهم، بشرابهم، مثلاً الخمر، الخمر كان شيئاًً يألفونه، والخمر هو مادة متى ما أدمن الإنسان عليها يعتبر الإنتقال إلى أن يتركها قضية فيها نوع من الصعوبة، ومع هذا استطاع القرآن الكريم أن يجعل العرب يصلون إلى هذه المرحلة، إلى مرحلة الإلتزام! كيف؟ هل لمجرد تقديم الأشياء، ولمجرد فقط الوعيد على الأشياء؟ ما نزال نحن المتأخرين، هناك وعيد على الأشياء لكن لم نستطع أن نجعل الأشياء ذات أهمية في نفوسنا، ونلتزم بها.

تجد كثيراً من العرب في بلادهم – مثلاً – الخمر منتشر بشكل كبير، أشياء أخرى تعتبر تعدي لحدود الله، منتشرة بشكل كبير! على الرغم من انتشار القرآن الكريم! لكن لما عزل أسلوب القرآن، عزل القرآن أصلاً جانباً، وأصبح كتاباً يتلى لمجرد التلاوة تقريباً، وقدمت الأشياء الأخرى هي البديل عنه، وهي التي تقدم للناس، سواء بشكل تفسير، أو بشكل أحاديث، أو بشكل كتب متخصصة للمسائل التي هي مسائل عبادات، ومعاملات، والأشياء المنهي عنها، والأشياء المحرمة، والأشياء المباحة. أعداد كبيرة من المجلدات لم تستطع أن تصنع ما صنع القرآن بالعرب في تلك المرحلة! لأنه نقلهم نقلة كبيرة جداً.

هنا تجد هذا الدمج ما بين مختلف الأشياء داخل آيات القرآن الكريم تبين لك: أن هذا القرآن الكريم – إذا صحت العبارة – أخرج على أرقى مستوى، ليس الإخراج الصحيح هو: أن يكون هناك في الموضوع الفلاني باب مستقل، وفصل، ثم باب يختص بموضوع الصلاة، باب يختص بموضوع النكاح، باب يختص بموضوع الطلاق، وهكذا كما أصبح معروفاً، وكما قدم على أنه إخراج جيد، وهو الإخراج الجيد؟ من الناحية الفنية بالنسبة لشكل الكتاب ممكن، لكن بالنسبة للنفوس، بالنسبة للنفوس الإخراج الجيد، الإخراج الراقي هو هذا الإخراج القرآني الذي قدم الأشياء مدموجة مع بعضها بعض.

نجد هنا في البداية من أول الآيات التي سمعناها قول الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ}(البقرة: من الآية215) موضوع الأسئلة، بعض الأسئلة قد تكون وجيهة، ولكن بعض الأسئلة قد تكون مستعجلة أيضاً، لأنه في مسيرة التشريع يجب أن يفهم المجتمع بأن من هو على يديه يتم التشريع هو يعرف. أي: أن الأشياء منظورة أمام الله سبحانه وتعالى، كل الأشياء منظورة أمام الله، وهو يعلم بكل شيء، والرسول الذي أنزل إليه الكتاب هو إنسان حكيم، ويفهم المجتمع يفهم تركيبة المجتمع، ويفهم أن هناك يتامى وهناك أقارب وهناك كذا.. و.. وأشياء كثيرة جداً يفهمها.

أحياناً قد تكون القضية التي يراعيها التشريع هو: أن قضية معينة مسكوت عنها فلا يبدو من جانبه ما هو إقرار، ولا يرى بأنه مناسب أن ينزل شيئاً في نفس الوقت يكون تغييراً، فأحياناً أسئلة توجد حرجاً أن يسكت وكأنه أقرّ تلك الحالة القائمة، أو أن ينزل شيئاً وقد يكون إنزاله في غير وقته فهنا عندما قال: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ}(البقرة: من الآية215). هم قد سمعوا موضوع الإنفاق، والحث على الإنفاق ماذا ننفق؟. يعني: هل من أموالنا هذه؟ أو يعني: من العفو من أموالنا، أو الفائض من أموالنا، وأي نوع من الأموال ننفق؟.

وجههم بطريقة جميلة هي في نفسها ترويض في عملية الإنفاق، وكل شيء يحتاج إلى ترويض بالنسبة للنفس، تحتاج أنت أن تروض نفسك وتحتاج أنت إلى أن تروض أولادك أيضاً. يبدأ الترويض فيما يتعلق بجانب معين هو: الأقارب، الوالدين، والأقربين، قضية ليست صعبة جداً بالنسبة لك أن تنفق للأقربين، كذلك أشياء كانت معروفة عند العرب باعتبارهم أمة لديهم نفوس جيدة فيما يتعلق بالكرم، فيما يتعلق بفعل المعروف كانوا معروفين بهذا، بالسخاء، وبالكرم، هناك مثلاً اليتامى والمساكين، وابن السبيل.

ثم يبين أهمية هذه، هذه الفئات من المجتمع مهما كان الناس في أحلك ظروفهم فيها يجب أن لا ينسوا، لأنه متى ما نسي هذه الفئات، أقاربك محتاجون، والداك محتاجان، أو هناك يتامى، ومساكين، وابن سبيل مسافرون يحتاجون، يعطيهم الناس حتى وإن كانوا في مراحل جهاد تتطلب أكبر نسبة من أموالهم؛ لأن هنا في الموضوع أنك تعطي شيئاً هو من اهتمامات الدين في نفس الوقت، أو تعطي لفئة، الدين هو يهتم بها في نفس الوقت، ثم مشاعرهم لا يكون هناك في المجتمع فئة تتحول إلى معادية لنفس الخط لأنها ترى أن الأموال كلها تستنزف في هذا مهما كان عظيماً.

الحاجات الخاصة تترك أثرها في النفس، مهما كان عظيماً، قد يحصل لديهم عقدة [كل ما قلنا قالوا مشغولين نحن نريد في مجال كذا في مجال كذا.. على طول على طول.] أن تنفق في سبيل الله مجال هام جداً لكن في نفس الوقت لاحظ أن لا توجد في المجتمع فئة تصبح معادية لهذا التوجه باعتبار أنها تراه يستغرق كل شيء، متى ما تحول فقراء، أو مساكين، أو أيتام، أو كذا..إلى ناس لديهم هذه النظرة، أو أقارب لك لديهم هذه النظرة ستنطلق من أفواههم كلمات فيها نوع من التثبيط، فيها نوع من العتاب، فيها نوع من الغضب، فملحوظ في مجال بناء الأمة بشكل عام هذه الأشياء،لا تكن حريصاً أنك تبني خارج، وأنت تخلخل داخل.

فهذه القضية هامة في أنها تعود الإنسان على أن ينفق، تروض نفسه على أن يعطي، وفي نفس الوقت فئات لا تنسى. نقول لهذه الفئات، مثلاً في مرحلة معينة: يكفيكم أنه مقدار معين مثلما قال الإمام الهادي، أذكر أن الإمام الهادي قال في مرحلة معينة كانت حرجة جداً: أن يصبر الفقراء، يصبروا فترة وإنشاء الله عندما تنكشف القضية التي هو فيها محرج فيها في موضوع جهاد على أساس، مثلاً غزوة معينة، أو فترة محدودة، لكن هنا ما الذي عمل الإمام الهادي؟ حاول أن يخاطب الفقراء، فالفقير عندما تخاطبه المسكين عندما تخاطبه تقول: [نحن نهتم بكم جداً، ونحن فعلاً نتألم لحاجتكم، لكن ظرف معين تفهمون بأننا نحاول نحن أن نصبر، وأن نخفف من نفقاتنا الخاصة، أنتم كذلك وإنشاء الله عندما تتحسن الوضعية، أو يخرج الناس من إشكالية معينة نحاول نعطي أكثر، أو نعطي الشيء المعتاد].

كلمة طيبة، يفهمون بأنهم محط اهتمام لدى الناس، ويفهم بأنها قضية ليست قضية ثابتة على طول. أي: أن هناك شيء قدم ليصرف المجتمع، ليصرف المتعاونين، المحسنين عن أن يقدموا لهم فيعتبر أنها ستكون طريقة على طول، وأنه قد صار هناك توجيهاً يقوم على أنه يصرف الناس في مجال إنفاقهم، وعطائهم إلى شيء معين، يصرفهم عنهم، وبطريقة يفهمونها وكأنها حالة ثابتة، وحالة دائمة!.

عندما يقول الناس، وهذه القضية هامة، إذا واحد – مثلاً – متعود على أن هناك فقراء معينين يعطيهم، يذكرهم هو: [أننا في مرحلة لا تكن أنت منتظر بأنه يعني: تريد يتوفر لك [لحمة] كل يوم، وتريد مصاريف كثيرة، وتريد..وتريد.. خفف قليلاً، وإنشاء الله عندما يفتح الباري علينا أكثر، أو عندما تتحسن وضعية الناس نعطي، نحن نحاول نقلل نحن في نفقاتنا – يقول له هكذا – ونحن لا ننساكم ونحن].. هذه قضية هامة، وقضية ملموسة فعلاً في المجتمع، ملموسة.

أيضاً أن يفهم الفقير نفسه، والمسكين نفسه، وابن السبيل نفسه بأنهم ناس هم عليهم مسئولية أيضاً عندما تكون أنت فقيراً ليس لديك أموال، يأتيك مساعدات من الناس حاول وأنت أيضاً أن تقدم بمقدار ما تستطيع أن تقدمه، أن تعوّد نفسك أنت على العطاء في سبيل الله، وتعرف بأنك لا تخرج من المخاطبين في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، أو في قوله: {وَأَنْفِقُوا} وفي كل ما فيه أمر إلهي يوجه للناس جميعاً، ويلحظ أيضاً وضعية كل إنسان بمفرده.

هنا لم يأت الجواب عن ماذا ينفقون، أجاب عن محط الإنفاق، وبطريقة جميلة جداً يعني: طريقة فيها ما يكشف نوعاً من الإهتمام بالفئة هذه، وهذا الشيء مهم؛لأنه في خلال آيات الجهاد ذكر الإنفاق في سبيل الله، ألم يذكر في نفس السورة هذه الإنفاق في سبيل الله؟ {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}(البقرة: من الآية195) ويأتي بعد آيات يذكر فيها الثواب الكبير جداً للإنفاق في سبيل الله فهنا قد يترسخ في ذهنية الإنسان توجه معين ينسيه فئة في المجتمع، هي فئة من؟ الأقارب، وفئة اليتامى، والمساكين، وابن السبيل.

هل ذكر هنا سبيل الله؟ ما ذكرها هنا، هذا عملية تكامل، أو موضوع قدم فيه توجيه متكامل أن تنفق في سبيل الله، وتهتم بالإنفاق في سبيل الله، ولا يكون على حساب بنسبة كبيرة، نفسيات وحالة الفئة هذه من الأقارب وغيرهم الذين حكاهم في الآية، اليتامى والمساكين، وابن السبيل. هذه الآية بالنسبة للفقراء، بالنسبة للفئة هذه، أليست هي في حد ذاتها ترى أن الله يهتم بهم؟ – إذا صحت العبارة – ما نملك إلا هذه، يهتم بهم، أو نقول: القرآن الكريم يعطي حالتهم اهتماماً، ويجعلهم محط اهتمام لدى الناس عندما يقول: {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(البقرة: من الآية215) لايضيع أجر الإنسان، ويضاعف أجره.

هناك في آية أخرى بعد: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} ماذا ينفقون؟ {قُلِ الْعَفْوَ}(البقرة: من الآية219). أي لستم هنا موجهين بأن تنفق كل ما لديك، كما قال الله هناك في آية أخرى لرسول الله (صلوات الله وعلى آله) {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً}(الإسراء:29). يعني: لا تبسط وفي الأخير تحس بحرج بالنسبة لك، بالنسبة لأسرتك، بالنسبة لأشياء يكون فيها إلتزامات مالية عليك، بالنسبة لضيوف معينين، بالنسبة لابن السبيل، بالنسبة لأشياء كثيرة تكون {فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً}(الإسراء: من الآية29) يعني: كأن المطلوب أساساً، المطلوب أساساً هو: الإنفاق، أن الإنسان ينفق. والعفو يعني: الشيء الذي لا يؤدي إخراجه إلى إجحاف إجحاف بك أنت، والموضوع مفتوح، موضوع الخير، لكن هنا في الشيء المطلوب ولو أن الناس، لاحظوا لو أن الناس يعطون من هذا، من العفو أنه سيأتي شيء كثير جداً في سبيل الله من العفو نفسه. والعفو معناه: ما يقابل – تقريباً – الضروري، شيء زائد على الضروري، شيء إنفاقك منه لا يوجد إجحافاً بالإنسان على الحالة تلك التي حكاها في الآية الأخرى: {فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً}(الإسراء: من الآية29).

بعد هذه الآية التي ذكر فيها الإنفاق، وذكر فئة معينة في المجتمع، ولم يذكر سبيل الله هنا، ألم يأت بعدها بآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}(البقرة: من الآية216).؟

لاحظ أن موضوع القتال، موضوع الجهاد في سبيل الله دائرة واسعة جداً، وتريد نظرة متكاملة لكل محيط هذا العنوان العظيم: الجهاد في سبيل الله، القتال في سبيل الله بما فيها مراعاة نفسية هذه الفئة.

عندما تكون أنت إنساناً مؤمناً، ومجاهداً، وتنفق، وعندك والداك، وعندك أسرتك، فتكون أنت تصل في وضعيتهم إلى حالة منهكة جداً، أليس الذي سيحصل في نفوسهم هو تضايق من العملية هذه، من التوجه الذي أنت فيه؟ إذا أنت تحاول تراعي مشاعرهم أو تحاول توفر لهم – بحسب الوضعية، وبحسب الشيء الضروري – توفر لهم، وتذكرهم بأننا الآن في مرحلة لا بد أن تكون نفقاتنا محدودة، لا بد أن نتقشف نوعاً ما من أجل نوفر أن ننفق في سبيل الله و…سيحصل من الوالدين، سيحصل من الأقربين عبارات تشجيع.

لكن قد تتحرك هنا ويكون أبوك، وأمك، وأقاربك الذين هم عالة عليك يقولون: [ذلك الإنسان لم يعد يهتم بنا، ومتخبط هناك، وبعد فلان ويقول له كذا، وأعطاه حقنا، ولم يعد يوصل لنا منه شيء ولا.. ولا.] كلام كثير، والمطلوب بالنسبة للمجتمع في حالة مواجهة مع العدو أن تسوده حالة الرضا، لأنه عادة العدو يعمل استبيان، واستقراء لوضعية المجتمع، فإذا لمس أنه هنا في الأسرة هذه، وفي الأسرة تلك، وفي الأسرة الثانية، في القرية هذه، والقرية تلك وهكذا.. كلام من هذا النوع هنا سيظهر ماذا؟ عدم رضا عند نسبة كبيرة من المجتمع بالموضوع الذي يتحرك فيه المجاهدون من أبنائهم، تعتبر حالة فيها ما يسُر العدو نفسه.

لكن إذا عمل جولة – خاصة أمام أعداء كهؤلاء، بنو إسرائيل هم يهتمون جداً بموضوع الإحصائيات والإستبيان، ومحاولة الاستقراء لوضعية المجتمع، ونفسية الناس – فإذا لم يسمع في المجتمع، عبارات من هذه التي قد يكون من أسبابها ماذا؟ إهمال، من أجل أنك تنفق في سبيل الله، ويكون يسمع، كلما يسمع كلام تشجيع ما هناك أي خلخلة، هنا يرى المجتمع هذا كله مجاهداً.

لأنه يعتبر في موضوع الجهاد في سبيل الله، القتال بشكل عام – وهي قضية معروفة عند الأمم – أن الشعب نفسه، أن المجتمع نفسه هو يشكل سنداً كبيراً جداً، إذا كان هو راضي بالوضعية، راضي بالمواجهة، ويشجع على المواجهة معنى هذا: أن أمام العدو بحر لا ينفد من ماذا؟ ممن يرفدون المجاهدين، ممن يعملون على رفع معنوياتهم، ممن يساعدونهم.

يعتبر فعلاً من أهم الأشياء، قضية معروفة – تقريباً – عند الأمم كلها، قضية الشعب، ومساندة المجتمع نفسه.

إذاً فهذه القضية هامة، قضية هامة. والله سبحانه وتعالى يجعل توجيهه، وتربيته حتى في موضوع الأشياء الهامة جداً أن لا تكون على حساب أيضاً بنسبة 100% أشياء مهمة. أحياناً قد تكون هذه الأشياء التي تعتبر مهمة، أو حتى أشياء شبه عادية التقصير فيها في الأخير يوجد خللاً في القضية الهامة.

هذا الذي ذكرناه أليست قضية معروفة فعلاً؟ لو يعمل اليهود استبيان للمجتمع وسمعوا في كل قرية هنا الناس يقولون: [أولادنا كذا ولم يعودوا يهتمون بنا ولم يعودوا يشتغلون معنا ولم يعودوا كذا وقد خذلوه آل فلان]. أليست هذه تطمع العدو؟ تطمع العدو أنه يواصل ضرباته للمجتمع هذا لماذا؟ لأنه يعرف أنه مجتمع قريب من الخلخلة، وقريب من الهزيمة النفسية، والهزيمة العسكرية أيضاً.

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}(البقرة: من الآية216) لكم باعتبار رؤيتكم، ونفسياتكم، وفهمكم للأشياء، وإلا فالواقع، لو أن الإنسان يتأمل يتذكر بشكل جيد لرأى بأنه ليس القتال بالشكل الذي تكرهه. عندما تنظر إلى قضية واحدة هو أنه: أن كل إنسان سيموت، أليست هذه قضية معروفة؟ كل إنسان سيموت، وكل إنسان يلاقي في هذه الحياة أشياء تتعبه، ويعاني منها. أليست هذه قضية معروفة؟ إذاً فالقتال ما هو؟ غاية ما هناك أن تقتل، ألست ستموت وإن لم تقتل؟ أليس الأفضل لك أن تستثمر موتك فتقتل في سبيل الله؟ أفضل من أن تموت فلا يحسب لك موتك شيء؟.

إذا أنت مثلاً تخاف من الموت كموت، فالله جعل من يقتل في سبيله حياً أي: أن الشهداء هم لا يموتون فعلاً، تراها في الأخير قضية لو يتأملها الإنسان حتى وإن كان ضعيف نفس، وإن كان يتخوف من الموت، إذا أنت تخاف من الموت حاول أن تقتل في سبيل الله شهيداً؛ لأنه بالعملية هذه أنت قهرت الموت فعلاً، ولم يكن الموت بالنسبة لك إلا نقلة قد تكون ربما [ثواني] قد تكون [دقائق] وتنتقل إلى حياة أبدية في نعيم، وفرح، واستبشار، ورزق كما ذكر الله في آية أخرى ولهذا لم يقل {وهو كره}لم يقل: {وَهُوَ كُرْهٌ} هذه قضية هامة أن كل ما أمرنا الله به، كل تشريعات الله ما فيها كره هي، هي. قد يكون المحيط الذي نحن فيه هو الذي يجعل القضية ونحن نتحرك فيها، فيها نوع من الكره، لكن هناك في دين الله، في هدي الله ما يعطيك دفعة كبيرة إلى أن تتجاوز كلما تراها كرهاً، كلما تراها صعوبات وأنت تقوم بالعمل الذي أمرك الله أن تتحرك فيه فقط أنتم {كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}(البقرة: من الآية216) لأن الإنسان لا يعلم الغيب والإنسان وكثير من الناس تكون نظرته محدودة، نظرته قاصرة ومحدودة {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}(البقرة: من الآية216) ربما قد تكرهون شيئاً هو في الواقع هو خير لكم، وأنتم تحبون الخير، وهو معلوم أن الإنسان نفسه في حياته يعمل أشياء فيها كره له عندما يكون فاهماً أن وراءها خيراً.

أعمال الناس، أليس هناك أعمال شاقة؟ في تجارتهم، في زراعتهم، في أشياء كثيرة من أعمالهم، يذهب يتغرب ويعمل من الفجر إلى المغرب [بنّاء أو مليّس أو خلطة، أو أشياء من هذه، أو يحفر في الأرض] هو عارف أن هذا كره، وهذا عمل ثقيل لكن متمسك به يجمع له فلوساً ويعود إلى البلاد ويجلس فترة ويأخذ بعض أشياء هو يرى بأنه بحاجة إليها، أو كانت نفسه تطمح إليها، أليس هذا يجعله وهو يعرف أن وراء التعب هذا خير أليست معنوياته ستكون مرتفعة؟ ويذهب يبحث هو لمن يتعب معه، أليس هناك حراج للعمال؟ حراج للعمال ماذا معناه في الأخير؟ مجموعة ناس يبحثون عمن يتعبون معهم، أليست هكذا؟ لأنه يعرف أن وراء التعب خيراً له.

إذاً هذه قضية تقيس عليها ومن منطلق ثقتك بالله سبحانه وتعالى عندما يقول لك: لو كان في هذا كره لك لكن فيه خير لك، فثق به فعلاً، عليك أن تقيس المسألة على الأشياء التي هي معروفة في حياتك أنت تُكره نفسك على أعمال معينة لأن وراءها خيراً لك.

{وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}(البقرة: من الآية216) قد تحب أن لا تتحرك، أن لا تعمل، أن لا تنطلق تقاتل في سبيل الله ويكون في الأخير موقفك هذا شر لك. ويمكن من خلال ما نشاهده في التلفزيون أن نأخذ عبرة، تجد الأمريكيين في العراق يقتحمون كثيراً من البيوت، تجدهم ينتهكون الأعراض، وينهبون الأموال، ويدمرون، ويهينون كرامة الناس، يربطون كثيراً منهم أمام عوائلهم! أليس هذا شراً؟ أليس من الأسهل للإنسان أن يقتل؟ ولا أن يصل به الأمر إلى الحالة هذه، أن يقتحموا بيته لماذا؟ لأنه في الماضي كان يغلق بيته على نفسه، ويجلس [وما له حاجة] يقول: [ماله حاجة] أليس هنا، أحب الحالة هذه؟ وإذا بها في الأخير شر له، يأتي العدو يركل بقدمه باب بيته، فيقلعه، نحن نشاهدهم بالطريقة هذه، ولهذا قلنا: هذه فيها عبرة حتى بالنسبة للأبواب، هذا كان إنساناً يغلق بيته على نفسه [وماله حاجة] يأتي من يركل باب بيته، ويدخل في الليل يدخل إلى وسط العائلة، ويربطونهم أمام عوائلهم، أليس هذا شراً؟.

إذاً، فمعنى هذا: أن الآية هذه أن كل ما يأمرنا الله به، كلما يدعونا إلى أن نعمله هو خير لنا بما فيه القتال الذي عند الناس أنها قضية صعبة، وأنها قضية شر، يسمونها مشاكل، ولا نريد مشاكل!.

أليس الناس يقولون هكذا؟ إنه يجب أن تعرف من أين مفتاح المشاكل التي تسمى مشاكل، والتي هي شر؟ يكون أحياناً مفتاحها – وهذه قضية أكيدة – عندما تقعد، عندما تتخلف، عندما لا تتحمل مسئوليتك أمام الله تنطلق مجاهداً في سبيله، وتقاتل في سبيله أنت فتحت على نفسك باب شر كبير، وشر، إهانة، خزي، ذلة يصل إلى القتل، يصل إلى قتل الأسرة، يصل إلى تدمير البيت، يصل إلى جرف المزرعة نفسها، وفي الأخير لا تجد وراءها شيئاً، لن يكون وراءها {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}(آل عمران: من الآية169). لا يوجد شيء، أو أن وراءها جنة؟ شر بحت، ووراءها – والله أعلم – الشر الدائم، وهو جهنم.

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ}(البقرة: من الآية216) لأنه خير لكم، ولأن العملية في الأخير لا تعتبر شيئا أكثر من أنه قدم لك أن تستثمر موتك، وأن تكتب حياً من بعد أن تفارق الحياة هذه، وهي حياة واحدة، هي حياة واحدة هذه مقدمتها، مقدمة الحياة الطويلة جداً التي لا انتهاء لها، الحياة الآخرة، إما أن تجعلها مقدمة جميلة تنتقل إلى حياة في نعيم وشرف، خلود لا ينقطع، أو إلى سوء المصير – ونعوذ بالله – إلى جهنم.

فتجد هذه القضية في القرآن الكريم – تقريبأً – بأنه يبين للناس كلما يأمرهم به، كله هو خير، خير..خير كله لهم من كل الجهتين. كلمة خير هي كلمة عامة، كلمة عامة تشمل كل ما هو خير. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (البقرة: من الآية216) ولهذا قال هناك: {وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}(البقرة: من الآية216) لأنه أحياناً يكون عند الإنسان ما دام ما هو شر عليه هو هو، شر على آخرين، أو شر بالنسبة للدين، الباري هو المسئول عن دينه [نصر دينه وإلا فلا!] لا. القتال في سبيل الله هو خير لك، وقعودك عنه هو شر لك أنت، شر لك أنت، هذه هي نظرة قائمة عند الناس يكون عند واحد أنه [قالوا نقاتل في سبيل الله من أجل دين الله] أليس هو يراه شيئاً هناك، منه وكذاك، شيئاً آخر!. لا، هي قضية تلامسك أنت بخيرها أو شرها، خير لكم، أو شر لكم إذا لم تقاتلوا في سبيل الله.

{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية216) فإذا كان عندك ثقة بالله أنه أعلم منك، وأنت تثق بـأنه عالم الغيب والشهادة وأنت تثق بأنه لا يريد لك إلا الخير في الدنيا والآخرة، فيجب أن يكون مسيطراً على مشاعرك: أن الله يعلم وأنتم لا تعلمون لأنه أحياناً يظهر كثير من الناس ينسى أن الله هو أعلم منه، يكون قد قاس المسألة وطلعت عنده شراً فجلس، لا يريد شراً! الله يقول: لا. ربما ما تراه أمامك كره لك، وتظن أن وراءه شر لك. لا، قد يكون عاقبته خير لك، والعكس بالعكس.

إذاً، يجب أن ينطلق الإنسان من قاعدة: أن الله في كل ما يأمرنا به، في ما يوجهنا إليه من ورائه خير لنا، خير لنا، وأنه يعلم ونحن لا نعلم {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية216).

في الوقت الذي يحث المسلمين على أن يكونوا مقاتلين في سبيل الله، وبشكل كبير في القرآن الكريم يضع حدوداً، يضع آداباً معينة، يضع مبادئ في موضوع القتال. ليس معناه أن يتحولوا إلى وحوش، فلا يراعون أي مبدأ، ولا أي أخلاق، ولا حرمة أي شيء من الحرمات. هنا يقول: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}(البقرة: من الآية217) القتال فيه يعتبر انتهاك لحرمته وهي كبيرة عند الله {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ}(البقرة: من الآية217) الذي تعملونه أنتم، صدكم عن سبيل الله، وانتهاككم أنتم لحرمة المسجد الحرام، وصد عن المسجد الحرام – لأن الأشهر الحرم لها علاقة بموضوع زيارة المسجد الحرام بشكل حج أو عمرة – وإخراج أهله منه، الذين هم أولى به منكم أكبر عند الله.

لكن الله سبحانه وتعالى في الوقت الذي يجعل حرمة هذه الأشهر الحرم كبيرة، ويجعل حرمة المسجد الحرام حرمة عظيمة، فيما إذا انطلق الطرف الآخر ليقاتل المؤمنين معتدياً هو فيجوز لهم أن يقاتلوه {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}(البقرة: من الآية191). هناك قال: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية194).

إذاً هناك حرمات معينة، هناك ضوابط معينة، هناك مبادئ معينة في موضوع القتال، ولكنها ليست بالشكل الذي تمثل قيوداً تعتبر فرصة للطرف الآخر أن يضرب المؤمنين، يجب أن يراعي المؤمنون حرمتها، لكن متى اعتدى العدو فليعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليهم {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}(البقرة: من الآية217) فتنتهم للمسلمين، عندما كانوا يعذبونهم ليصرفوهم عن دينهم، ولو لم يكونوا يصلون ببعضهم إلى القتل، لكنها تعتبر أشد من القتل حتى وإن لم تصل إلى القتل.

ثم قال سبحانه وتعالى فيما يتعلق بنوايا الكافرين وغير الكافرين من أهل الكتاب: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}(البقرة: من الآية217) لاحظ هذا الشيء العجيب أعني فيما بين الجهتين، جهة المؤمنين، وجهة الكافرين، أن الكافرين لا يقاتلون المؤمنين على أساس أن هؤلاء ناس معتدين، ومتوحشين وجبابرة، وأشياء من هذه، يخافون منهم على نفوسهم وأموالهم، وأعراضهم، لا. يقاتلونهم ليردوهم عن دينهم! أعني: هذه هي في الواقع شهادة وهي قضية من القضايا العجيبة! أن الطرف الآخر هو لا يخاف من المؤمنين، لكن المؤمنين الذين يلتزمون فعلاً، يلتزمون بالتوجيهات الإلهية فيما يتعلق بموضوع الصراع مع الآخر، القتال مع الآخر. لا يكونون خائفين من المؤمنين أنهم سيعتدون عليهم، ولا خائفين على أعراضهم، ولا خائفين على أموالهم، ولا خائفين على شيء. وإنما ينطلقون فقط: {يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}(البقرة: من الآية217) {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة: من الآية217).

لا يكون الإنسان عنده [لا نريد هذا الدين، ما دام أني قد أكون ضحية هذا الدين]، ليست قضية سهله دينك معناه: حياتك، معناه: سعادتك، معناه: الدرجات الرفيعة لك، معناه: الجنة بكل ما تعنيه الكلمة.

{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ}(البقرة: من الآية217) يجعلونكم تكفرون بدينكم، {إِنِ اسْتَطَاعُوا}(البقرة: من الآية217) {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}(البقرة: من الآية217) لأن هذه حالة، وقد تكون حالة تحصل عند الكثير من الناس [أنه ما دام أنه قد يؤدي ونحن نقاتل من أجل هذا الدين، إلى أنه سوف أصبح ضحية هذا الدين فسنرتد معهم نسلم أذيتهم] لا. لأن هذه هي الخسارة الكبيرة. لهذا جاء بالتهديد بعده لتعرف أن الشيء الذي يجعلك تخاف منهم فترتد من أجل هذا الشيء الذي تخاف من قبلهم، أن هناك النار، وهي أشد، هي أشد بكثير مما يمكن أن تخافه من عند أي جهة من الناس، أي عدو كان.

{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة: من الآية217) الآية هذه توحي بأنه حتى أنت ستفقد قيمة إرتدادك، لن يكون ذو قيمة. أي لن يكون فيه ما يشكل وقاية لك لأن الأعمال يكون لها أثر في الدنيا، وفي الآخرة، قد تعمل عملاً معيناً وأنت تريد من وراءه شيئاً معيناً لا يتحقق هذا الشيء، عندما يكون ثمنه هو دينك، أبداً، سيحبط، سيحبط هدفك أنت من وراء ارتدادك عن دينك، وتأقلمك مع العدو من أجل أنك ستسلم منه، لن تسلم منه، سيتسلط عليك!.

وهذه قضية ملموسة لمن يتأمل الآن في واقع العرب يجدها واضحة، ألم تحبط كل أعمالهم مع أمريكا؟ من أجل استرضاء أمريكا أن لا يحصل شيء من جانبها عليهم؟ وإذا بها هي تتجه لضربهم عندما يقول: [حبطت] يعني: أن يكون العمل محبطاً أي: ليس ذو جدوى لا يمثل شيئاً، ولا يحقق الغرض، لا يتحقق الغرض من وراء القيام به، ولذا الإحباط في الدنيا موجود بالنسبة للأعمال {فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ}(البقرة: من الآية217) الأعمال إذا كان معه أعمال صالحة من قبل، وفي نفس الوقت هذا العمل بالذات لم يجعل الله لإرتداده قيمة، ولن يتحقق له ما أراده من وراء إرتداده.

هذه قضية ملموسة، أليس بعض الدول قتلت عدداً كبيراً من الحجاج استرضاءً لأمريكا من أجل الشعار؟ لأنه مزعج لأمريكا، والآن أصبحت أمريكا تشكل شيئاً مقلقاً جداً بالنسبة لهم، يخافون منها، ومتجهة لإزالتهم، متجهة لإزالتهم حقيقة.

{وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة: من الآية217). إذاً، هذه هي الخسارة الحقيقة، وهذا يعطي الإنسان ثقة بدينه، وحرصاً على دينه، أن لا يتراجع ولو كان ضحيته هو، عندما تكون أنت ضحية من أجل دينك، أنت هنا تكون شهيداً عند الله، وتفوز بالجنة، وعندما تبيع دينك ستكون النتيجة كما ذكرنا سابقاً، والنتيجة هذه السيئة {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة: من الآية217). أي عدو يمتلك مثلما يساوي يوما واحدا في جهنم؟ هل أحد من الأعداء يمتلك هذا؟ لا.

عندما يخبر الله سبحانه وتعالى عنهم بأنهم هذه هي لديهم دائماً {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}(البقرة: من الآية217) في المقابل يجب أن تكونوا معدين أنفسكم دائماً، تكونوا معدين أنفسكم دائماً، لهذا نقول: أنه فيما يتعلق بالتوعية الجهادية، فيما يتعلق بتوجيه الإنسان على أساس القرآن، أن يكون لديه روح جهادية، ليست قضية جديدة، أو قضية غريبة أو قضية فقط ترتبط بوقت من الأوقات، إنها تربية قرآنية دائمة يجب أن يكون المسلمون عليها دائماً، دائماً في أي وضعية كانوا، وفي ظل أي دولة كانوا، في ظل دولة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، يجب أن تكون عندك روح جهادية عالية، في ظل دولة الإمام علي، في ظل أي وضعية كانت، أنها روح دائماً يجب أن تكون موجودة لدى كل فرد في الأمة، لأن الأمة هذه لها أعداء، والأعداء الله أخبر عنهم هكذا {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}(البقرة: من الآية217).

أعني: هو يلامس القضية الخطيرة لديك، هو من أجل أن ترتدّ عن دينك، لم يبق أمامك إلا أن تكون مستعداً دائماً.. دائماً، ولديك روح جهادية عالية دائماً، وإلا قد تؤدي النتيجة في الأخير إلا أنه يتغلب عليك العدو، وقد يذلك ويقهرك ويردك عن دينك فعلاً، أو يرد آخرين عن دينهم بسبب تخاذلك أنت.

أي: أننا عندما نتحدث مع الناس في الوقت هذا لا يعتبر أنه موضوع جديد، إن كان الدين مثلما كنا من قبل وكذاك، أو مثلما كنا عليه في سنين معينة ألفناها لا يوجد أي كلام حول موضوع جهاد إلا نادراً؟! إن تلك الحالة هي الحالة الشاذة، لكن الحالة الصحيحة هي هذه: التوجيه للمسلمين دائماً أن يكونوا مستعدين، وعندهم روح جهادية، وعندهم إيمان قوي بالله، وعندهم معرفة للعدو أنه دائماً يحمل هذه الروح العدائية التي تلامس أخطر قضية لديه، وهي قضية الدين.

لو أن العدو مثلاً معه مطلب معين قد ربما يقولون: معه مطلب معين لا بأس أعطوه! لكن لا تحصل، العدو نفسه هو يتجه إلى القضية الرئيسية عندك هو سيجعلك بين خيارين: إما أن تكون من أصحاب النار، أو تكون كما قال بعد: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة:218).

بعد موضوع الجهاد يأتي بآية حول الخمر والميسر: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}(البقرة:219).

لاحظ أن هدى الله سبحانه وتعالى يقدم للإنسان بالشكل الذي يجعل نفسه زاكية، إنساناً قادراً، أعني: ذهنيته متوقدة، قادرٌ على أن يعقل، وأن يتفكر، وأن يكون إنساناً متزناً.

الخمر يضرب هذه الحالة، يضرب هذا الأثر الذي يراد أن يكون في نفسية الإنسان من خلال هدى الله. الخمر يؤثر على نفسية الإنسان، على عقليته، على ذهنيته، يؤثر على اتزانه، على حلمه، على الحكمة لديه، لأن السير على هدى الله يعطي الإنسان حكمة.

الخمر ينسف الحكمة تماماً، ينسف الإتزان، يصبح إنساناً لا شيء في الأخير لا يصبح لك قيمة، لا يعود لك قيمة.

إذاً فتحريمه قضية مهمة، قضية أساسية، يبقى الإنسان مستقيماً على هدى الله فيصل إلى المستوى الذي يتأثر، أو الذي يظهر من خلال تصرفاته، وتفكيره، وآرائه، ومفاهيمه حكمة هذا الهدى الذي جاء من عند الله، آيات الله من قيمتها {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}(البقرة: من الآية219) هل الخمر سيتركك تتفكر؟ الخمر لا يتركك تتفكر في شيء، تكون إنساناً تتخبط بكلامك، وتصرفاتك، وتفكيرك يكون تفكير سفاهة.

{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}(البقرة: من الآية220) هذه دائرة التفكر، والتذكر، في موضوع الدنيا والآخرة.

ثم ذكر موضوع اليتامى، هنا تجد كيف أن تشريع الله، أن هدى الله يقدم اهتماماً بمختلف القضايا، وبشكل واسع، يتحدث عن الخمر، يتحدث عن اليتامى، يتحدث عن نكاح المشركات، وإنكاح المشركين فينهى عنها، ويبين الحكمة، أو الأثر الطيب من وراء تحريم نكاح المشركة، أو إنكاح المشرك، {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(البقرة: من الآية221).

لاحظ هنا يبين الأشياء التي لها أثر في أن تبقى، ويبقى المجتمع ميداناً صالحاً لتقبل هدى الله، لأن هدى الله هو يدعو الناس إلى الجنة، وهدى الله يبني نفسيات الناس وذهنيتهم، فيكونون قادرين على التفكر، ويكونون حكماء، فالخمر يضرب موضوع التفكر.

والمشركون، أن تزوج مشركاً سيدعو قريبتك وأولادها إلى النار، أو تتزوج بمشركة ستشتغل داخل المجتمع داعية إلى النار. أليس هذا متضاداً مع ما يدعو إليه هدى الله، لذلك تجد الأشياء التي تشكل صيانة للمجتمع بأن لا يكون بعيداً عما يراد له من خلال ما يقدم له من هدى الله، فحرم الأشياء التي تشكل خللاً، لأنه كيف يمكن أن يكون هدى الله يدعو الناس إلى الجنة، ويبيح في نفس الوقت نكاح المشركات، وتكون تدخل في كل أسرة داعية إلى النار! أليس هذا خللاً يعتبر؟ يعتبر تناقضاً! لا. فكان من الحكمة هو: أن يحرم هذا، أن لا يكون في كل بيت داعية إلى النار، لأن الله يدعو عباده إلى الجنة فيبعدهم عن الدعاة إلى النار.

يذكر قضايا أخرى فيما يتعلق بالتعامل مع النساء، يذكر قضية أخرى فيها تأديب للناس عندما يغضب الإنسان مثلاً، لا يكون كلما يغضب [وقد الباري في طرف فمه على ما قالوا]، {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ}(البقرة: من الآية224). عندما يقول: قد حلفت، ممكن تغضب لكن لا يدفعك وبسرعة إلى أن تحلف أن لا تدّخل في الموضوع الفلاني، تحلف بالله ما تحاول أن تصلح بين فلان وزوجته، أو بين فلان وفلان.

فيما يتعلق بموضوع [الإيلاء] من النساء، الذي يقسم على نفسه بأن لا يقرب زوجته، أن لا يقربها، له أربعة أشهر بعدها إما أن يفي فيرجع إليها، أو يطلق.

كذلك موضوع المطلقات، والطلاق هنا قدم بضوابط هامة يجب على الناس أن يراعوها فعلاً بالنسبة للطلاق، لا يجعل الإنسان الطلاق أيضاً قضية عندما يغضب، وعندما ينفعل يطلق فيكون هو سريع في هذا. لا. الطلاق له ضوابط، والطلاق يتم بطريقة أيضاً فيها مراعاة لمشاعر المرأة نفسها، ولهذا أوجب المتاع، أو المتعة.

المرأة التي تطلقها يجب عليك أن تعطيها تمتعها بشيء، تعطيها مثلاً بذلة، أو تعطيها شيء من أثاث البيت الذي كان موجوداً لا تتم عملية الطلاق وكأنها طرد، تطرد إمرأة وقد جلست معها سنين، وتمثل سكناً لك ولباساً لك، كما قال الله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}(البقرة: من الآية187). ثم في يوم من الأيام تطردها.

الطلاق لا يمثل بالنسبة للمرأة عملية طرد، هو يمثل عملية إنفصال، عندما تكون الحالة غير قابلة للبقاء مع بعض، لم يعد هناك وضعية منسجمة فيما بينهم، عملية انفصال باحترام، انفصال بهدوء، انفصال لا يجرح مشاعر المرأة نفسها، ولهذا ذكر فيما يتعلق بالطلاق {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} أول شيء في البداية قال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(البقرة: من الآية228) {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(البقرة: من الآية229) لا تصبح المرأة محط تلاعب للرجل، لا يكن هناك نهاية للطلاق، يكن يطلق ثم يتراجع، وجلس فترة وطلق وتراجع، وطلق وتراجع، لا. يوجد فقط مرتان الذي يمكن فيها مراجعة، المرة الثالثة لا تعد تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.

{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(البقرة: من الآية229). الآية توحي بأن المفترض أن يكون الطلاق على هذا النحو – يوجد حالة أخرى هي تعتبر حالة نادرة – أعني: أن يكون الطلاق على هذا النحو الذي يمكن فيها مراجعة، أعنى ما زالت تعتبر في ملكه – على ما نقول – حال العدة في الطلاق الرجعي يمكن للإنسان يتراجعها، فالطلاق عندما يكون على هذا النحو، العدة هي أشهر معينة، قروء معينة، ثلاث حيضات، فأثنائها..أثناء العدة هذه إلى قرب نهايتها، له أن يمسكها لكن إمساك بمعروف، وليس إمساك مضاررة، أو تسريح بإحسان، يترك العدة تنتهي، وتسريح لها بإحسان. لاحظ هنا كيف العبارة {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(البقرة: من الآية229). يعني: ليس الطلاق يمثل عملية طرد للمرأة وقهر لنفسيتها.

{وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً}(البقرة: من الآية229). يريد واحد يسترجع المهر، أو يريد يسترجع بعض الذي خسره في وليمة العرس {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً}(البقرة: من الآية229). أو شيئاً اشتريته أنت لها وهي في بيتك، شيء من كسوتها، أو شيء من حليها، أو أشياء من هذه باعتبار لها أو شيء تجعله لها.

{إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}(البقرة: من الآية229). عندما تصبح المسألة عملية إفتداء من جانب المرأة بأن تتخلص من هذا الرجل الذي عشرته سيئة، أصبحت كارهة له فلا بأس، لكن ما تعني المسألة: أنه بالنسبة للرجل يعتبر حلالاً، قد صار حلالاً له، إلا أن المسألة تجوز بالنسبة للمرأة وإلا فالمفترض أنه يتقيد بالطريقة الأولى {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً}(البقرة: من الآية229). {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}(البقرة: من الآية229) في عملية هي ليتحقق الإنفصال فيما بينهم.

{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(البقرة: من الآية229) فهو يذكر فيما يتعلق بالطلاق، فيما يتعلق بالعدة، فيما يتعلق بالعشرة يسميها حدوداً لا يجوز للناس أن يعتدوها، ولا أن يسير الناس وراء عبارات الفقهاء في كثير من التفريعات التي لا تكون منسجمة مع القرآن الكريم، الأساس هو القرآن.

{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(البقرة: من الآية229) يعني: ما ينبغي للإنسان أن يطلق زوجته إلا على الطريقة هذه، يطلقها الطلاق الشرعي، تكون مستقبلة لعدتها يعني: يطلقها في طهر لا وطئ فيه، لا يكون قد جامعها، إذا قد أراد أن يطلقها، يطلقها في وضعية يكون القرار من عنده قراراً في وضعية طبيعية لا يكون حالة غضب، أو أشياء من هذه.

أن يترك الناس العادة هذه، هذه العادة أصبحت شبه سائدة بين الناس أن يأخذ الذي يسمونه: [مرجوع، مرجوع] هكذا على طول. هذه الطريقة ليست صحيحة وأحياناً قد تكون من الأشياء التي تؤدي إلى ارتفاع المهر، ارتفاع المهر عندما يكون الولي هو الذي يأخذ المهر هو، وإذا المرأة تُظلم لا يحصل لها شيء من المهر، وتبقى في بيت الزوج سنين، وفي الأخير يطلقها، ويحتاج الزوج يسترد، لا يتسلم لها مهر، ولا تعطى شيئاً، لا يصل إلى يديها شيء، تطرد من البيت حتى أنه لا تأتى المتعة هذه، المتعة قد نسيها الناس بسبب بعض التفريعات الفقهية.

{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}(البقرة:241) بعدما ذكر المطلقات، وأنواع المطلقات يأتي في الأخير بهذه الآية {حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}(البقرة: من الآية241). متعة معناها: أن تعطيها شيئاً، تمتعها بشيء، حتى لا تبدو العملية وكأنها عملية طرد، عملية نفي، يعطيها بذلة، أو يعطيها مبلغاً من الفلوس. {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ}(البقرة: من الآية230) بعدما قال هناك: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(البقرة: من الآية229). {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}(البقرة: من الآية230). أي تنظم عشرتهم فيما بينهم {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(البقرة: من الآية228) {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية230). يفهمونها، وفي نفس الوقت يعلمون أهميتها، ويعلمون أثرها فيما يتعلق بالمجتمع، فيما يتعلق بالأسر.

في موضوع الطلاق يأتي بكثير من الآيات هذه، هنا يقول: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(البقرة: من الآية229). {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية230). وبعد يقول: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً}(البقرة: من الآية231). لأنها قضايا مؤكدة. وضوابط يجب الإلتزام بها {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ}(البقرة: من الآية231). كم يوجد من تأكيدات في هذه!.

{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(البقرة: من الآية231). عندما يحصل طلاق للمرأة قاربت في انتهاء العدة {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}(البقرة: من الآية231) أشرفت على نهاية العدة، يبين لك القضية هنا داخلها {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}(البقرة: من الآية231). أليست هذه الآيات توحي بأن الطلاق يجب أن يكون رجعياً؟ أو ينبغي أن يكون رجعياً؟ على هذا النحو: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا}(البقرة: من الآية231). لاحظ أهمية التوجيهات الإلهية هذه، ولأن القرآن نزله الذي يعلم السر في السموات والأرض، وأن كل قضية يكون لها علاقة بموضوع الدين بشكل عام.

موضوع الطلاق مثلاً أليس يأتي أحياناً من بعض المجتمعات، خاصة المجتمعات الغربية محاولة أنه لماذا المرأة لا يكون لها الحق في أن تطلق؟ هذا عندما يفهم الطلاق عملية نفي، عملية طرد، أما عندما يتم الطلاق على هذه الطريقة الصحيحة، الطريقة القرآنية فمعنى هذا بأنه لا تعتبر مشكلة: أن يكون من جهة الرجل العبارات التي تعني ماذا؟ إصدار الطلاق لأنه يتم في أجواء بإحسان، بمعروف، ورعاية ومتعة، {وَمَتِّعُوهُنَّ}(البقرة: من الآية236). مثلما قال في الآية الأخرى أعني: لا حظ بأن هذه القضية تبدو أنها قضية سهلة، عملية انفصال زوجين، إمرأة ورجل أليست تبدو وكأنها قضية عادية؟ قضية لها علاقة بالدين، عندما تقدم بطريقة غير صحيحة، وعندما تكون عبارات المفرعين من الفقهاء تقدم جافة، ويلاحظ لك فقط العقود، ما هي العبارات التي يتم بها الطلاق؟! ولم يعودوا يلاحظون أشياء من هذه التي هي هامة جداً، أعني: من أهميتها في الزمن هذا بالذات أنه عندما يكون الناس فاهمين، الرجل والمرأة فاهمان أن الطلاق يجب أن يتم على هذه الطريقة، وأن يتم في أجواء فيها معروف وإحسان، معنى هذا أنه لا يعتبر الطلاق عملية تستخدم للتشنيع على هذا الحكم الإلهي في دين الله، في الإسلام.

الغربيون يشنعون بها، يعتبرون وكأنه لماذا الرجل له حق أنه يصدر عبارة وتفصل المرأة، طردها وهي لا تمتلك شيئاً. لا. لاحظ هذه الأجواء كلها تجعل عملية الطلاق طبيعية جداً، لا تعد تعتبر عملية طرد، عملية نفي، أن تصدر الكلمة من الرجل لا تعد تمثل شيئاً اختص بها الرجل دون المرأة في الواقع اختص به وكأن له حق أن يطردها وليس لها حق أن تطرده. هذه القضية هامة، ولهذا أكدها من أول الآيات {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(البقرة: من الآية229).

ثم يذكر بعد: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}(البقرة: من الآية231) فإن تراجعتها فلا تتراجعها من أجل أنك تضاررها، بل على أساس أنك تتعامل معها تعاملاً جيداً وتعاشرها عشرة جيدة، {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}(البقرة: من الآية231). فعندما يقول: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً}(البقرة: من الآية231). {وتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا}. أي أن هذه تبين لك أنها قضية هامة، والقضايا الهامة معناها: أنه يكون لها علاقة بأشياء أخرى كثيرة، أعني فعلاً الآن تلاحظ عملية الطلاق من الأشياء التي يشنعون بها على هذا الدين لماذا أنه في الإسلام طلاق؟ عندما فهموا الطلاق وكأنها عملية طرد.

{وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ}(البقرة: من الآية231) تصرفات حكيمة هذه، تصرفات حكيمة وجه الناس إليها في عملية انفصال الرجل والمرأة، {يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(البقرة: من الآية231) أعني: أليس هذا تأكيداً هاماً؟ يدل على أن المسألة هذه لها علاقة بأشياء كثيرة؟ فنرى في زماننا هذا وإذا لها علاقة بموضوع الدين بكله أن تقديمها بالشكل غير المناسب، جعل الآخرين يستخدمونها دعاية يشنعون بها على الإسلام، مع أنها قضية هامة أن يكون بإمكان الزوجين عندما يرون بأنه لم يعد هناك رغبة لبعضهم بعض، ولم يعد هناك إمكانية لعشرة جيدة فيما بينهم فهناك عملية انفصال فهي تعتبر رحمة، تعتبر نعمة من الله أنه يسمح بهذا. لكن يجب أن تتم في أجواء من هذه التي ذكرها: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(البقرة: من الآية229).

{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ}(البقرة: من الآية232). جعل الله سبحانه وتعالى تشريعه، هداه من أجل أن يكون الناس زاكين وطاهرين، فمثلاً الشخص الذي طلق قريبتك سواءً أثناء العدة يريد أن يتراجعها، أو قد انتهت العدة ويريد أن يعود إليها بعقد جديد لا تمنع من هذا، إذا كان هناك احتمال أنه يتم الزواج فيما بينهما بطريقة أصبحوا راغبين أن يعودوا إلى بعضهم بعض {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ}(البقرة: من الآية232). لا تمنعوهن، هذا أزكى لكم وأطهر: أشرف حتى لعرضك، أليس الإنسان حريصاً على عرضه؟ هذا أزكى لكم وأطهر، أبعد من الظلم، أن تظلمها وهي راغبة أن تعود إلى زوجها، ولو قد انتهت العدة ما دامت هي راغبة وهو راغب، إذاً تعقد بها من جديد ويعودون، وتعود إلى بيته.

{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية232). قد تكون كثير من حالات الطلاق التي تتم في وضعية معينة بعد انتهاء العدة، أو أثناء مرور فترة من العدة كل واحد من الزوجين يراجع حساباته وندموا.. فلا يبق الأولياء يشكلون عائقاً، هذه القضية هامة فما دامت هي راغبة أن ترجع، ويكونون راغبين أن يعودوا إلى بعضهم بعض فليتعاون الإنسان إلى أن يعيدهم، إلا إذا كان هذا الإنسان سيئاً، بمعنى: أن خروجها منه كان فرصة تتخلص منه. إذا هناك رغبة متبادلة فيما بينها وبينه {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ}. {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية232). لا يحصل عندك التي يسمونها [كبرة] فيكون هذا مستكبراً فلا يعود يرضى. لا، عادي اتركها ترجع له، وتعقد بها، وترجع له.

يأتي الحديث عن إرضاع الأولاد، وهكذا يمشي الموضوع أعني: خلاصة ما نفهم من هذه: أن دين الله يهتم بالقضايا كلها الكبيرة والصغيرة، وأنه دين شامل يعالج كل مناحي الحياة، وكلما الناس يتحركون فيه، سواء كان في مجال قتال في سبيل الله، أو في علاقاتهم الخاصة فيما بينهم، علاقة الأسرة فيما بينها، وعلاقتهم مع بعضهم بعض، يمشي الموضوع في الآيات هذه بكلها في قضايا الطلاق، والعدة، وعدة الوفاة.

ثم يذكر سبحانه وتعالى موضوعاً جديداً موضوع الصلاة. لاحظ أليس هو هنا ينتقل الموضوع من جهاد إلى إنفاق، إلى موضوع نكاح وطلاق، ثم إلى جوانب أخرى، إلى موضوع الصلاة {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}(البقرة:283 239).

الصلاة هامة جداً تجد لها ذكراً متكرراً في القرآن الكريم، في مواضيع كثيرة وكأنها عبادة لها علاقة بمختلف الأشياء أي تساعد الناس على أن يحافظوا على حدود الله، تجد موضوع النكاح والطلاق، وأشياء من هذه، أليست في كلام فيما نسميه حدوداً لا يتعدونها؟ ترى الصلاة لها علاقة تقريباً بكل الأشياء، وكأن الحفاظ عليها فعلاً يساعد على أن تحافظ على حدود الله، لأن الصلاة من أهم الأشياء فيها تذكّر الله، ذكر الله وتذكّره، إذا أنت متذكّر لله يدفعك ذكره وتذكّره إلى أن تحافظ على حدوده في كل المجالات.

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} الصلاة الوسطى يقال عنها: أنها صلاة الجمعة بالنسبة للأيام، وأنها صلاة الظهر بالنسبة لعدد الصلوات.

{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}(البقرة:238). حتى تتم الصلاة بتوجه لله هذه القضية في موضوع أن تكون العبادات، عندما تؤدي عبادة من العبادات كلها تتوجه بها [لله] لله جاءت في مختلف العبادات، قتال في سبيل الله، في الصلاة يقول لك: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} خاشعين متذللين، أي تعرف بأنك في الصلاة تؤدي عبادة تتوجه بها إلى الله، أي في مقام كما يقال: بين يدي الله، تناجي الله، وكما هو الحال بالنسبة لتشريع الله سبحانه وتعالى أنه يراعي كل الاعتبارات.

{فَإِنْ خِفْتُمْ}. عندما تريد أن تؤدي الصلاة على ما شرعت عليه تماماً قد تؤدي إلى أنه تعرضك لخوف أي قد تؤدي بك إلى خطورة كبيرة، فصلِّ على الوضعية هذه {فإن خفتم فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}(البقرة:238). إذا أنت خائف، وأنت في وقت الصلاة صلِّ على الحالة لا تعتبر تارك للصلاة نهائياً، يخرج وقتها وينتهي وأنت لم تصلِّ، صلِّ ولو أنت في السيارة ماشي، أو أنت في ميدان مواجهة مثلما يصلون بما يسمونها: [المسايفة] يصلي وهو يقاتل، يذكر الله، وبما تحصل من قرآن، وتسبيح، وتكبير، ويكفي.

وما كأنها تختص، {فَإِنْ خِفْتُمْ}. بشكل عام وليس فقط فإن خفتم مثلاً وأنت في ميدان المواجهة مع عدو، مع كفار، مع يهود، مع نصارى، مع مجرمين، في سبيل الله، أعني في ميدان القتال. عندما تكون أنت خائفاً وأنت في سيارتك هناك ناس مثلاً يطاردونك يريدون أن يقتلوك ويأخذوا سيارتك وأنت ترى الوقت، وأنت بين خيارين إما أن توقف وتصلي لحقوا بك، أو أنك ماذا؟ لا تصلي نهائياً، وذهب الوقت، صل وأنت سائق وسائر {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}؛لأن الله يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(الحج: من الآية78). فإذا كنت خائفاً تصبح بين خيارين في واقعك، أن تؤدي الصلاة بهذا الشكل: تكبر، وتقرأ، وتركع، وتسجد إلى آخر الركعات التي تستلزم مكاناً معيناً وتأخذ وقتاً في مكان معين. أليست الصلاة وقفة؟ إذا كانت الوقفة هذه تشكل خطورة عليك صلِّ وأنت إما راجلاً أعني: تمشي، أو راكباً.

{فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية239). فتؤدي الصلاة بالشكل الكامل الذي شرعت عليه من قيام وركوع وسجود باعتبارها وقفة في موضع واحد.

ثم قال تعالى بعد أن ذكر الموضوع بالنسبة للمرأة التي يتوفى عنها زوجها، والآيتان هذه من الآيات التي واحدة يسمونها ناسخة، وواحدة يسمونها منسوخة! والإشكالية فيها أيضاً يعتبرون أنه كيف كانت الآية الناسخة متقدمة والمنسوخة متأخرة! والشيء الطبيعي فيما يسمونه ناسخاً ومنسوخاً: أن المنسوخ يكون هو المتأخر.

لا، كل آية هي تذكر قضية خاصة، كل آية تذكر قضية خاصة. الآية الأولى في موضوع: العدة، أن المرأة عندما يتوفى عنها زوجها ملزمة بأن تتربص بنفسها، أي تمسك نفسها، وتنظر نفسها لا تتزوج أربعة أشهر وعشرا.

الآية هذه تتحدث عن حق للمرأة نفسها، أن تبقى في بيت الزوج سنة كاملة، أن تبقى إذا أحبت سنة كاملة. كل قضية لوحدها أعني: لها أن تبقى في بيته، أن تستنفق من أمواله، من تركته، أن تسكن في نفس البيت متاعاً كما قال: {متاعاً}. هنا سماها متاعاً {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}(البقرة: من الآية240). هذا موضوع ثاني: متاعاً إلى الحول غير إخراج، ليست حول موضوع العدة، العدة هناك في الآية السابقة.

{فَإِنْ خَرَجْنَ}(البقرة: من الآية240). إذا أرادت أن تخرج هي سواء ما زالت أثناء العدة تعتد في بيت أهلها مثلاً، أو بعد انتهاء العدة فلا بأس، أما الحق فلها الحق أن تبقى، أن تبقى، وهذه قضية هامة.

قد يتوفى الإنسان، وتكون زوجته يقال لها: مع السلامة مثلاً، خاصة إذا لم يكن معها أولاد في البيت، أو ليس معها إلا ولداً واحداً، ويكونون هم يريدون: هيّا تخرج، لا. تبقى سنة، أثناء سنة يمكن تفكر في كيف تكون وضعيتها في المستقبل، أثناء السنة، ولهذا سماها متاعاً، متاعاً حتى يتهيأ لها نقلة جديدة إما أن تستقر في نفس البيت أو ترجع إلى بيت أهلها وتكون وضعية مستقرة في بيت أهلها، أو يكون هناك بيت مستقل، أو يكون بإمكانها تتزوج.

ثم قال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}(البقرة:241). يجب أن الناس يتنبهون لهذا جميعاً، فإذا طلق واحد إمرأة مهما كان حنقه عليها يحاول أن يقدم لها شيئاً، يقدم لها بذلة مثلاً، ملابس، أو يقدم لها فلوساً أو أي شيء يعتبر [تطيابة] لنفسها {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(البقرة:242).

ثم قال تعالى في موضوع الجهاد، يحكي قصة فيمن جبنوا، وخرجوا من ديارهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ}(البقرة: من الآية243). وهم ألوف! خرجوا من ديارهم، الله أعلم في أي أمة، يقول البعض: بأنه كان هؤلاء من بني إسرائيل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}(البقرة: من الآية243). قد تكون هذه أحياهم هم ليأخذوا عبرة من هذه، أو أحيا تلك الأمة مثلاً جيلاً من بعدهم {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}(البقرة: من الآية243). وهذه لها علاقة بالآية السابقة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}(البقرة: من الآية216).

لاحظ هؤلاء أليسوا وقعوا في مصيبة؟ هم خائفون من الموت، وقعوا في الموت. بل هذه تبدو أنها قضية لها علاقة بالناس الذين يتراجعون عن القتال في سبيل الله بدافع الخوف، والحرص على الحياة، يعرّضون أعمارهم لأن تقصف سريعاً! هذه آية من الآيات.

وآية أخرى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ}(الأحزاب: من الآية16). {وإذاً} لاحظ هنا {وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً}(الأحزاب: من الآية16). ليست قضية سهلة هذه أعني: أنت عندما تكون حريصاً على حياتك، وعندك ما زال عمرك ثلاثين، أو أربعين، أو عشرين، أو خمسة وعشرين، يكون عندك أنك عندما تنطلق في قتال أنك ستخسر ما تبقى من عمرك، ربما تقتل، وما زال متبقي من عمرك مثلاً، ما زال عندك أمل ربما أربعين سنة، ربما لا.

هذه الآيات هي بمعنى ماذا؟ تلك، عملية التحيل على الله، لذا نقول دائماً: أنه يجب على الإنسان أن يفهم بأنه لا يمكن أن يكون ذكياً أمام الله، أنت عندما تجبن، وتخاف من أجل أنك حريص على حياتك تقصف حياتك {وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً}(الأحزاب: من الآية16). قد تموت بعد سنة، أو سنتين أي: تخسر فعلاً ربما لو انطلقت تقاتل في سبيل الله قد لا تقتل، إن قتلت كانت شهادة، وحياة أطول من الحياة التي أنت حريص عليها، أليست أطول؟ نقلك إلى حياة حتى فيها فارق كبير جداً لأن الشهيد يعيش حالة طمأنينة وهو في حياته، يعلم أنه قد صار في موضع آمن، أنه في موضع آمن في الحياة بعد أن يتحول إلى حي.

ويبدو أن الشهيد لا يموت نهائياً، قد صارت هي الموتة الواحدة، حتى ولا يوم القيامة مع زلزلة الأشياء لأنه في آيات أخرى يقول الله فيها: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}(الزمر: من الآية68). إلا من شاء الله هنا في عملية استثناء، فكأن هؤلاء الشهداء هم فعلاً يذهبون إلى الجنة، الجسم ذلك عبارة عن [بذلة] خلعها فقط.

إذاً فإذا أنت حريص على حياتك، من خلال القتال في سبيل الله لو قتلت أنت ستدخل إلى الحياة الأبدية بسرعة أفضل من أن تحرص على عدد من السنين، هي في ذهنيتك، وأنت لا تستطيع أن تضمن نفسك لا تستطيع أن تضمن بأنك ستعمر إلى سن ثمانين، أو خمسة وسبعين سنة.

هذه الآيات نفسها هي تدل على أنه قد تقصف فعلاً {وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً}(الأحزاب: من الآية16). لأن هؤلاء ربما قد يكونون رأوا أن القتال كره لهم تركوا ديارهم وخرجوا، أليسوا هم وقعوا في شر؟ {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}.لهذا الإمام علي له كلمة معروفة عنه قال: ((بقية السيف أبقى ولدا وأنمى عدداً)). إذاً فهذه هي قضية خطيرة جداً يجب أن نتنبه لها أي: عندما تتذكر بشكل كامل تجد بأنه تعتبر خاسراً عندما تجبن عن القتال في سبيل الله، وأنك تعرض نفسك لأن يقصف عمرك فتخسر الحياة الأولى والحياة الأخرى.

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:244). لاحظ كم تكرر في سورة واحدة موضوع القتال في سبيل الله لأنها قضية هامة جداً، ثم التأكيد على أن يكون {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} في سبيل الله هذه قضية يجب أن يكون الناس متأكدين منها، أن تكون نواياهم كلها وهم ينطلقون، أنه في سبيل الله، ومعنى في سبيل الله: أن يكون توجهك أنه لله، واستجابة لله، وفي سبيله، في نفس الطريق التي رسمها لأن تقاتل فيها، نفس الطريق التي رسمها أن تسير عليها وأنت تقاتل هي تعني: الموضوعين، هذه قضية هامة.

ثم بين من الناحية العملية الإيجابية الكبيرة لمن انطلقوا مقاتلين في سبيل الله، ثم قال بعد هذه: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:244). هو يسمعك ويعلم بنواياك، ولا يغفل عن أحد.

لأهمية الإنفاق جاءت الآية بشكل آخر قال في آية سابقة: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}(البقرة: من الآية195). لأهمية الإنفاق هنا قدمه بعبارة لا تقل أهمية عن العبارة الأولى، وعبارة توحي أيضاً بخطورة في التهاون بهذا الموضوع: الإنفاق في سبيل الله، هنا قال: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(البقرة:245). بعدما ذكر القتال قدم المسألة وكأنه هو يستقرض! هذه توحي بأهمية الموضوع ذلك بشكل رهيب جداً، عندما يأتي الله سبحانه وتعالى بهذه العبارة التي قد يقولها أي واحد منا عندما يحتاج إلى قرضة من الآخرين [من الذي عنده لي ألف ريال قرضة] أليس الواحد منا يقول هكذا؟.

لأن القتال في سبيل الله يحتاج إلى تمويل، يحتاج إلى إنفاق وأن الله سيعتبر ما يقدمه الإنسان وكأنه قرض له، فيضاعفه له أضعافاً كثيرة، يرد عليك بأكثر مما أعطيت بأضعاف كثيرة إضافة إلى الأجر المرصود لك في الآخرة. هذه الآية نفسها توحي بأنه بعد أن يستقرض الله عباده ليمولوا موضوعاً هو خير لهم فيحصل إهمال، ويحصل إمساك للأيدي أن بعدها غضبة، يأتي بعدها غضبة شديدة من الله، لأن هذه العبارة تعتبر – لكن لا يمكن أحياناً نعبر فيما يتعلق بالله ببعض العبارات – معناه: عندما آتي أنا أمارس هذا الموضوع أنني حطيت نفسيتي أمامك أقول عندك [من الذي سيقرضني ألف ريال؟] أليس هذا مثل قولك عندما تدخل مجلساً وتقول: [يا جماعة من الذي عنده لي ألف ريال أحاسب فلان] صاحب سيارة مثلاً، أو أي شيء، أليست حالة وما كأن في المجلس شخص معين أنت معتمد عليه أن يقدم لك هو، أو تأخذ من جيبه؟ كيف ستكون أنت عندما تخرج من مجلس وقد قلت هذه العبارة التي تعتبر – نوعاً ما – فيها حط لنفسيتك. أليس فيها حط لنفسيتك؟ ستقول: [في هذا المجلس فيه كم ناس ولا واحد منهم أقرضني] ألست تعتبرهم أناساً سيئين، ستعتبرهم أناساً لا يعتمد عليهم.

الله عندما يأتي بالعبارة هذه قد توحي بغضب شديد بعدها إذا ما هناك إنطلاقة من الناس أن ينفقوا في سبيله، قد استقرضهم وهو غني لكن يبين من خلال هذه أهمية الموضوع، وأنه عندما لم تعد تثق به في قرضة! معناها في الأخير أي: لم نعد نثق بالله في قرضة، لم نعد نتعامل معه كما نتعامل مع أي واحد منا عندما يأتي شخص يستقرض منك ألست قد تعطيه قرضة؟ الله يقول اعتبرها عندي قرضة، أليس هكذا يقول؟ ولن يرد لك نفس المبلغ سيرد لك بأضعاف مضاعفة. إذاً ماذا وراء هذه؟ وراءها كما نقول نحن في تعبيرنا: [قلبت وجه خطيرة]. حقيقة، وراءها غضب شديد لأن معناه: أنه لم يعد أحد يثق بالباري، ولا أنه يقرضه مائة ريال ما معنى هذا؟ بأنه كفر بالله، وما لله في أنفسنا أي شعور بإجلال، أو عظمة، أو حب، أو إكبار له.

وهو سبحانه وتعالى عندما يستقرض هو الذي يقبض ويبسط عندما تقبض يدك يمكن يقبض عليك فعلاً أشياء كثيرة، وعندما تبسط سيرد لك أضعافاً مضاعفة، هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، وإليه ترجعون في الأخير، فإن قبضت سيقبض عليك أشياء هامة جداً، أليست خسارة كبيرة أن يقبض عليك الجنة؟ فلا يدخلك الجنة، وتسير إلى النار، تساق إلى النار {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فيثيبك عندما تنفق في سبيله.

هنا يلاحظ الإنسان أهمية الجهاد في سبيل الله، والإنفاق في سبيله بأنها قضيتان مرتبطتان، بل قدمها في آيات أخرى سماها جهاداً كلها {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}(التوبة: من الآية20). ألم يجعلها عملية واحدة جهاداً بالمال وبالنفس، جعل الإنفاق في سبيله عبارة عن جهاد، وجعل مقومات الجهاد هي هذه. جهاد بالنفس وبالمال.

بعد أن قال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية244). ضرب لنا مثلاً رائعاً من بني إسرائيل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية246). من يأتي لاحتلال أرضك يجب أن تتوجه لقتاله في سبيل الله، وأن تتوجه في سبيل الله أي: إرفع بنيتك، وارفع برأسك إلى الله لا تنزل تحت تقول: [من أجل الوطن، من أجل تربة الوطن] هذه نكسة، هذه النكسة خطيرة، إنتكس العرب عندما نكسوا نواياهم [منزل]، فالإنسان يرفع بنيته إلى الله، يرفع بمقصده إلى الله، ويتوجه إلى الله ليرفعه.

لاحظ كيف ضرب مثلاً رائعاً جداً، وكلاماً هاماً جداً في الموضوع: من انطلقوا يقاتلون في سبيله، مع أنهم لم يبقوا في الأخير إلا قليل من قليل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً} قائداً {نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية246). هذه القضية معروفة عند بني إسرائيل، ولاحظ كيف هم خباث جداً يعرفون، ونحن نقول أكثر من مرة هم يحاربوننا، وعندهم معرفة بالسنن الدينية، بالسنن الإلهية، يجب أن نكون حذرين، ونكون واعين، من أين جاءت لنا الوطنية، والقومية من أين؟ من عندهم صدروها من أجل ننكس رؤوسنا [منزل] لينكسونا منزل. أليس العرب في الأخير انتهوا إلى أن دسوا رؤوسهم في التراب، لأنهم يقولون: [وطنية، وطنية، من أجل الوطن، وتربة الوطن] إلى أن دسوا رؤوسهم في الوطن، أعني: في التربة. يأتي العدو يدوسهم وقد دسوا رؤوسهم، لكن يرفع الناس رؤوسهم إلى الله، تحمى أوطانهم فعلاً، وتصان أوطانهم.

بنو إسرائيل فاهمون في ثقافتهم هذه أعني: الآية تحكي بأنه في تلك المرحلة فاهمين بأنه يجب أن يتوجهوا ليقاتلوا في سبيل الله، مع أن الدافع لديهم هو ماذا؟ أنهم قد أخرجوا من ديارهم، وأبنائهم، أليس هذا الدفاع الذي يسمى الدفاع عن وطن؟ انتقام من عدو أخرجنا من ديارنا، وأبنائنا. أليس دفاعاً عن وطن؟ لكن لو قالوا: وطن، نقاتل من أجل الوطن، لن يرد النبي عليهم، ولن يحصل لهم شيء. معنى هذا أنها قضية مؤكدة لديهم أنه في الوقت الذي هم يحسون فيه بأنهم مضطهدون، ومقهورون من جانب عدو أخرجهم من ديارهم، وأبنائهم، عليهم أن ينطلقوا في سبيل الله.

لاحظ الآن عندما انطلق الناس في هذا الموضوع هذا [الشعار] الذي يبدو عملاً سهلاً أزعجهم جداً لأنه عمل ديني، ولأنه في سبيل الله.

قال السفير الأمريكي: [إن بلاده لا تريد أن يتحول عداء الشعب العربي إلى عداء ديني] ما هو العداء الديني؟ يعني: لا نريد أن تتحولوا في مواجهتنا تحت عنوان: في سبيل الله. هم عارفون بأنهم سيهزمون في الأخير هم، يعنون: أنه اعملوا لكم عناوين أخرى قولوا: قتالاً من أجل الوطن، أو دفاعاً عن الوطن، أو بعبارات من هذه!.

هذه العبارة لا تجد لها في القرآن الكريم فيما أعتقد موقع على الإطلاق إلا مرة واحدة خوطب بها من؟ خوطب بها منافقون لم يخاطب بها مؤمنون. {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا}(آل عمران: من الآية167). إذا ما زال عندكم حرص على أعراضكم، وعلى بيوتكم، وعلى ممتلكاتكم {أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ}(آل عمران: من الآية167). ما خوطب بها المؤمنون أبداً. المؤمنون يوجهون دائماً، المسلمون بشكل عام أن يتحركوا في سبيل الله وليعرفوا أنها لا تتحرر أوطانهم أبداً بعناوين أخرى إلا إذا انطلقوا في سبيل الله، أين البلد الذي قد تحرر من بداية الاستعمار الأول إلى الآن؟ هناك بلد تحرر فعلاً بما تعنيه الكلمة وأصبح مستقلاً؟ لا.

بعد الاستعمار الأول خرج المحتل وأبقى أقدامه، أبقى عملاءه، وبعده ماذا؟ يأتي ضغوط أمريكية، واحتلال ونفوذ أمريكي في كل المجالات وأصبح من يحكم الناس صاروا هم عبارة عن أشخاص عاملين مع السفير الأمريكي. أعني: طول الفترة هذه. ما تحرر الناس من المحتل أبداً لأنه ما رفع هذا الشعار الهام، ما توجهوا هذا التوجه الهام {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.

ثم انظر أهمية أن يتوجه الناس هذا التوجه: في سبيل الله، عندما قال هنا في الأخير: {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا}(البقرة: من الآية246). ربما عندما ترون القتال أن لا تقاتلوا {قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا}(البقرة: من الآية246). أليسوا هنا يذكرون الدافع إلى أن يقاتلوا أنهم يريدون أن تحرر أوطانهم، وأن ينتقموا من عدوهم؟ لكن وفاهمين كلهم، الملأ منهم على ما نقول: وجهاؤهم، وكبارهم الذين توجهوا إلى نبيهم وقالوا يبعث لهم ملكاًَ.

هم الآن لا يريدون منا أن نتوجه إلى كتاب الله ورسوله لنعرف كيف نواجههم، ومع من نواجه، تعرف أن هذه القضية عندهم معروفة؟.

الله ضرب لنا مثلاً منهم هم، أي: عندما نقول: نحن الآن متوجهون ضدكم في سبيل الله، في سبيل الله إذا ما هناك لدينا نبي قائم موجود نبينا هو نبي للزمان كله والكتاب لا يزال موجوداً لنعرف من خلال كتاب الله، من خلال سنة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وتوجيهاته وحركته، كيف يجب أن يكون مقصدنا في مواجهتهم ومع من؟ وتحت أي عنوان يكون؟ نحن عندما نعمل هذا نحن إنما عملنا مثلكم سابقاً، لماذا عندما يقول لك: [لا نريد أن يتحول عداء الشعب العربي إلى عداء ديني] أليسوا هنا انطلقوا بعداء ديني عندما قالوا: {نقاتل في سبيل الله}؟. نقول: نحن فقط نعمل مثلكم فقط نريد نقاتلكم في سبيل الله، ونحاربكم في سبيل الله، ونتحرك في سبيل الله.

أعني: هم فاهمون، سهل الآن [سبهم] لاحظ لو ترفع شعار سب في المسجد لن يقولوا شيئاً، لكن شعار ديني، خطير، أن يكون في المسجد له أثر عليهم أكثر من أن يكون في الشارع لأن معناه: عمل ديني، ولهذا عندما يرون من هؤلاء الذين يسجنون يقولون: القرآن الذي دفعنا [نكبر…]. قضية هذه جداً تؤثر عليهم، معناه: أنتم أناس متوجهون في سبيل الله، وهم لا يخافون إلا من العناوين هذه، ممن يسيرون في سبيل الله وبصدق، وعلى توجه كتاب الله.

تريد ترفع شعارات أخرى؟ تريد تسبهم؟ سبهم، أليسوا في المظاهرات يسبونهم فيها؟ يسبون [شارون، وبوش] لا يبالون بهذه؟ أو ترفع شعار وطنية لا ينزعجون منك ولا ينزعجون عندما ترفع شعار وطنية [حركة كذا لتحرير الوطن] أو [حركة كذا للدفاع عن الوطن]. هذه عارفين أنهم فاشلين يعتبرونهم فاشلين.

{قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية246). ألم تتكرر مرتين من عندهم؟ أعني: يعرفون أهمية هذه {وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية246). هذه أول مجموعة منهم خرجوا، الأغلبية {تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية246). ثم انظر القليل هذا {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}(البقرة: من الآية246).

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً}(البقرة: من الآية247). أنتم قلتم: نريد ملكاًَ، أي قائداً يقودنا.

لاحظ في موضوع القيادة هم يركزون جداً في موضوع القيادة، لازم قيادة تكون مختارة بطريقة إلهية، وليس تحت أي قيادة. هم يعرفون سبيل الله، هو طريق من القيادة، والمنهج والطريقة التي ترسم فيها، أو يسير الناس عليها، وهم يتحركون في سبيله، والهدف هو هو من أجله، من أجل الله، وفي سبيله.

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ}(البقرة: من الآية247). ليس من الأشخاص الذين هم ينتظرون أنه قد يكون ربما ذلك، أو ذاك، أو ذاك.. جاء شخص ليسوا متوقعين أن يكون هو..هو {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ}(البقرة: من الآية247). هؤلاء الملأ، والكلام من البداية مع الملأ، الملأ: يعني كبار الوجهاء، وكبار الناس. أي: ربما يكونون منتظرين أنه سيقول: أنت يا فلان، أو أنت. ألستم أنتم قلتم أنكم تريدون من جهة النبي نفسه، هو أن يبعث؟ إذاً فالله هو أعلم بمن يصلح للقيادة، أليس هو أعلم؟ قالوا هنا: {وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ}(البقرة: من الآية247). ليس لديه فلوس كثيرة. لاحظ هذه نظرة ثانية في تقييم مؤهلات القيادة، ما لديه فلوس.

{قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}(البقرة: من الآية247). لكن ليس معناه الإصطفاء عليهم، اصطفاه على الملأ هؤلاء الذين قد يكون عند كل واحد منهم يتصور أنه سيعيّن قائداً من عند الله.

{قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ}. ثم لاحظ {اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ} أي: اصطفاه عليكم لكم، أليس عليكم لكم في الواقع؟ لاحظ كيف انتهت الطريقة بشكل عجيب؟ {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} في تأهيله لقيادتهم {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(البقرة: من الآية247). فإذا البشر يريدون أن يتحركوا على هداه، وفي سبيله هي هذه، يريدون هم عناوين ثانية، يتفقون هم وأنفسهم، عناوين أخرى وقادة آخرين هم يختارونهم وفق مواصفات أخرى، ونظرة أخرى من عندهم، هذا موضوع ثاني، يتفقون هم وأنفسهم والنتيجة هم سيرونها في الأخير.

أما إذا أنتم تريدون طريق الله فهي هذه، الله يقول: {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(البقرة: من الآية247). لا يقدرّون أنه لم يعد مع الله مجال إلا واحداً منهم، الملأ عندما يكونون اثنا عشر أو كمَّا كانوا من كبارهم عندهم أن ما هناك غيرهم {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(البقرة: من الآية247). يطلع واحد من هناك لماذا؟ لأنه من أجلهم هم، ولمصلحتهم هم، وحتى تكون العملية ناجحة وينتصرون في الأخير.

لاحظ في موضوع المال ليس مقياساً، كثير من أصحاب رؤوس الأموال يشكل المال لديه مصدر خوف، مصدر خوف، لا ينطلق عندما يقول: [لماذا لا تريدون واحد عنده مال]؟ كثير من أصحاب رؤوس الأموال يجعله ماله يخاف، بعضهم إذا هو يدعم مركزاً من المراكز أحياناً بـ[رز أو بزاليا] أو بأشياء من هذه، يريد يفرض عليهم أن لا يرفعوا شعاراً من أجل أن لا يقولوا أنه يدعم مركزاً وفيه ناس يرفعون شعاراً لا يؤثرون على مصالحه، هل هذه النوعية ستقود أمة؟ كثير منهم يكونون بهذا الشكل خوافين.

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(البقرة:248). فيكون فيه طمأنينة لأنفسهم.

إذاً تحركوا بعد، القليل ألم يقل: {تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً}(البقرة: من الآية246). بعد ذلك تحرك القليل هؤلاء، وهم آلاف. أي لا يزالون كثيراً الذين تحركوا كما في بعض التفاسير وليسوا إلا قليلاً ممن قعدوا، أي احسب عشرات الآلاف جلسوا {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ}(البقرة: من الآية249). تحرك باتجاه ميدان المعركة مع العدو، هذا القائد اصطفاه الله. لاحظ كيف ترتيباته القيادية {قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً}(البقرة: من الآية249).

لاحظ القليل لم يخرج منهم إلا قليل، أعني: هو نفس طالوت قائد يعرف مجتمعه، ويعرف المواجهة مع العدو تتطلب أناساً ثابتين، وأنه عندما يكون هناك أكثرية، هو يعرف أنهم قد ينهزمون فيشكلون هزيمة منكرة، تكون العاقبة سيئة أسوأ مما هم فيه، هو قائد ثابت لأنه لاحظ ترتيبات العدو هناك هي مبنية على أساس عشرات الآلاف من بني إسرائيل، لأنهم ذهبوا كبار بني إسرائيل أي: المجتمع كله معناه، أليس العدو هناك سيهيئ نفسه لأن يكون بالشكل الذي يواجه مجتمع بني إسرائيل؟ وإذا بنوا إسرائيل أول أكثرية منهم تنفصل، ثم ثاني أكثرية منهم تنفصل، بقي القليل في مواجهة جيش هو في إعداده وعدده مرتب نفسه لمواجهة عشرات الآلاف.

لكنه قائد ثابت، قائد ليس عنده تراجع بعدما رأى أول أكثرية، ثم بعدما شربوا من النهر، لم يبق إلا عدد قليل، يقولون بأنهم فقط ثلاث مائة شخص وقليل! وهناك جالوت، الملك نفسه، أن يقود الملك المعركة يعني: معركة هامة وعندما يخرج الملك يعني: يخرج بكامل ما لديه من عدة، وعتاد، وجنود. هنا هذا القائد ما تراجع يقول: [إذاً ما دام قد رجع الكثير وأمامنا العدو كثير إذاً سنعود] لا. إتجه.

{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}(البقرة: من الآية249). والآخرين ظهروا أنهم ليسوا مؤمنين في الأخير، ألم يظهروا أنهم ليسوا مؤمنين؟ الذين تراجعوا من البداية، والذين تراجعوا عندما شربوا من النهر.

{فَلَمَّا جَاوَزَهُ} جاوز النهر {هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}(البقرة: من الآية249). لأنه قد القضية كبيرة أمامهم، والمؤمنون عادة يتفاوتون في درجات الإيمان، يتفاوتون لكن هذه نوعية قد هم يعتبرون راقين جداً، هم قالوا العبارة هذه لكن في الأخير عندما قال الآخرون منهم الذين حكى عنهم هنا: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ}(البقرة: من الآية249). مستشعرين لقاء الله، ويعرفون أهمية العمل أنهم في سبيله، وأنه لا بد أن يموتوا إذا لم يقتلوا سيموتون.

{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية249). هم ذكروهم هنا بقضية ثابتة في التاريخ {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً}(البقرة: من الآية249). أي لا تقاس المسألة بالأرقام، بحيث لا بد أن يكون عددنا كعددهم، أو يكون عتادنا بالكامل كعتادهم {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}(البقرة: من الآية249). إذاً اتجهوا ألم يكفهم كلمة؟ كفاهم كلمة واتجهوا.

{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}(البقرة: من الآية250). من برز الآن؟ قليل من قليل من قليل! أليسوا الذين برزوا الآن أمام الملك وجنوده؟ {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة:250). إنقطاع إلى الله بمشاعرهم، بنفسياتهم، وثقة بأن الله مع الصابرين. هذه تمثل وعياً إيمانياً.

لاحظ الإنسان يجب مهما كان مؤمناً يعرف بأنه إنسان يجب أن يكون مستمداً قوته من الله، لا تركن على مجرد إيمانك أنك عندك طاقة من الصبر، أنت.. أنت.. استفرغ الصبر من الله {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً}(البقرة: من الآية250). مثلما تقول: [صب صبوب علينا صبراً] {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية250) {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية251).

كيف كانت النتيجة؟ {فَهَزَمُوهُمْ}. هزموا جالوت وجنوده بإذن الله {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ}(البقرة: من الآية251). وداوود هو واحد من الجنود في ظل قيادة طالوت كانت قضية عجيبة هذه، قضية عجيبة، وتعطي الناس أملاً كبيراً فيما إذا كانوا صادقين مع الله، أنه قد يأتي النصر في الظروف الحرجة هذه، بالشكل الذي يخزي العدو ويخزي المتراجعين في وقت واحد، كيف ستكون نفسيات الناس الذين رجعوا من البداية؟ {تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ}.

الناس الآلاف الذين رجعوا من عند النهر بعدما شربوا، ورجعوا، وإذا أمكن واحد من الجنود أن يقتل جالوت الملك نفسه! وقالوا بأنه قتله بحجر، رماه بحجر قتله فانهزم جنوده {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ}(البقرة: من الآية251). أليست هذه تعتبر خزي للمتراجعين! أليس هذا يعتبر خزياً بالنسبة للعدو نفسه؟ يعتبر مثلا أعلى في أهمية أن يكون الناس متوجهين في سبيل الله، لأن هذا هو مثل لهذه من البداية. وتجد كيف كلامهم كله، أليس هو كله مرتبطاً بالله؟. لا يوجد فيه أي عبارة حول موضوع الوطن نهائياً.

عندما تراجع الكثير منهم بعد النهر، وناس منهم قالوا: {لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}(البقرة: من الآية249). كيف كان خطاب الآخرين؟ أليس خطاباً إيمانياً يذكرهم بالله، وبسنة إلهية معروفة في تاريخ البشر {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}(البقرة: من الآية249). لا يوجد كلام أخر.

تلاحظ هنا مواقف الدعاء، ومواطن الدعاء متى تكون؟! في ميدان المواجهة، في الميدان العملي، أن تدعو الله، كيف كان دعاؤهم هنا؟ أليس دعاءً لأنفسهم هم؟ أعني: القصة هذه تكشف لك مشاعر هؤلاء وثقافتهم، ومفاهيمهم الدينية، نفس القصة هذه هم دعوا الله بالنسبة لأنفسهم: أن يفرغ عليهم صبراً، وأن يثبت أقدامهم، وأن ينصرهم على القوم الكافرين، هل قالوا: اللهم دمرهم؟ يقول: طالوت إذاً ما دام أنه لم يبق إلا نحن، ونحن عدد قليل سندعو عليهم من على شاطئ النهر: اللهم دمرهم، اللهم أهلكهم!. برزوا ومع المواجهة دعوا لأنفسهم؛ لأنهم يعرفون في سنة الله سبحانه وتعالى أنه إذا ما كان المقاتلون في سبيله مستبصرين، وثابتين، أن موضوع العدو محسوم أنه يهزم. وذكر بهذه في أكثر من آية في القرآن.

من العجيب أنه قام لبني إسرائيل بعد العملية هذه – لاحظ كيف قليل من قليل من قليل ممن كانوا ثابتين، وفي سبيل الله، وقيادة سبيل الله، لا بد أن تكون قيادة سبيل الله مساوية لهذا العنوان الكبير، تكون مساوية لهذا العنوان الكبير، أعني: قيادة اصطفاها الله، قيادة مصطفاة من جهة الله – بعد هذه ينتهي جالوت ودولته بكلها. وتقوم لبني إسرائيل أهم مملكة في تاريخهم بسبب هؤلاء العدد القليل.

ألم يقل الله عن داود: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ}(البقرة: من الآية251)؟ وملك بشكل واسع، وسليمان ملك لا ينبغي لأحد من بعده، كيف كان بداية هذا الملك من أين؟ ألم يحصل لهم تمكين لهم في الأرض؟ وحصل ضربة للعدو قاضية؟ وحصل ملك لا ينبغي لأحد من بعد أعني: مملكة واسعة، ومملكة عظيمة لبني إسرائيل على يد من؟ على يد هذه الفئة القليلة الصادقة، الصابرة التي انطلقت في سبيل الله.

هذه القضية هامة، أن يكون أرقى ما وصل إليه بنو إسرائيل تتحقق على أيدي هؤلاء {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}(البقرة:251). سنة إلهية، التدافع، عندما يكون على المسلمين أن يقاتلوا أعداء الله، لأن هذا العمل يعتبر في إطار البشر بشكل عام يدخل ضمن سنة التدافع لأن معناه ضرب للمفسدين، أحياناً داخل المفسدين هم لا يسمح لطرف من الأطراف أن يصل إلى درجة عالية من طغيانه وفساده، يهيئ طرفاً آخر يضربه حتى ولو كان منهم، لأن الله ذو فضل على العالمين، وهو رب العالمين جميعاً. بمعنى: أنه لا يتمادى الفساد بشكل رهيب، وهذا لا يحقق بالنسبة لجانب من يمثلون جنود الله فعندما يقعدون، لو حصل هذا التضارب بين هذا و هذا لا يحصل فرج إلا إذا كانوا هم في سبيل الله، ومتجهين للعمل في سبيل الله، تتحول الأشياء كلها بالشكل الذي يكون فيه سند لهم، وفتح مجالات أمامهم.

هذه القصة هامة جداً فيما يتعلق بالمقصد كيف يجب أن يكون في وضعيتنا هذه، في مواجهة بني إسرائيل؟ نقول: نحن نعمل مثلكم الآن تماماً، رجعنا إلى كتابنا ونبينا محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) نقاتل في سبيل الله و{ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية246). أليست نفس العملية؟ لا يمكن يقولون: أبداً. أن توجهونا إلى أشياء أخرى..نحن فاهمون [إعمل لك عناوين ثانية، شكل لك حزب تنظيم سياسي، إعمل لك عناوين وطنية، إعمل لك جبهة تحرير كذا، أو جبهة الدفاع عن كذا..] لا. يجب أن نفهم، هذا درس من داخل بني إسرائيل أنفسهم الذين الناس الآن في مواجهة معهم.

ثم انظر ماذا يمكن أن يعمل الذين يتشدقون بوطنية؟ أليسوا هم تراجعوا! الوطنيون أولئك هم هناك؟ الذين قالوا: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا}(البقرة: من الآية246). تراجعوا فلم يقاتلوا لا في سبيل ديارهم، ولا في سبيل أبنائهم، عندما لم ينطلقوا في سبيل الله، وقالوا في سبيل الله ولم ينطلقوا بصدق، تراجعوا لكن الخلاصة منهم حققوا نتيجة هامة لم تتحقق لبني إسرائيل في تاريخهم! ولا لأحد إلى الآن ما قد تحقق في تاريخ البشر مثل دولة سليمان، وملك سليمان فكان مفتاحه هذا العدد القليل الذين انطلقوا بصدق في سبيل الله.

هذا القائد يعتبر قائداً عظيماً جداً أعني: قائداً شجاعاً بشكل غير طبيعي – فعلاً – طالوت، أنه بعدما ينفصل أول جزء من بني إسرائيل، ثم ثاني أغلبية كبيرة عندما شربوا من النهر، وينطلق ليواجه هذا الملك بجنوده، بعتاده، بكل طاقاته، وبعدد قليل أليست هذه تعتبر شجاعة عالية؟ وناس عندهم شجاعة عالية، وعندهم صبر، وعندهم ثقة بالله، لأن شجاعتك أحياناً إذا ما هي مرتبطة بالله، الشجاعة تعتبر قوة لكن هي ستكون محدودة إذا لم تكن مرتبطة بالله، ودرس لكل المتراجعين، لكل الناس الذين يبدون حكماء أما هم، فهم أذكياء! أما أولئك فهم يريدون أن يورطوا أنفسهم، هؤلاء الذين شربوا من النهر أليسوا يعتبرون أولئك أنهم مغفلين؟ عندما يريدون أن يذهبوا لمواجهتهم، وهم ليسوا إلا قدر ثلاث مائة فيعتبرونهم مغفلين ليس لديهم حكمة! فتأتي النتيجة بالشكل الذي تخزيهم هم.

هذه تحكي وكأنها سنة إلهية لمن يتراجعون، وهم يسخرون من الآخرين وعندهم أنهم مغفلين، لأنهم يريدون أن يواجهوا دولة كبيرة وأشياء من هذه، تأتي انتصارات بشكل تخزيهم هم، يرون أنفسهم صغاراً، يرون كل أرائهم تلك التي يعتبرونها حكيمة أنها سخيفة. هذا من أول عذاب للقاعدين حينما يرى نفسه صغيراً جداً، يرى أراءه التي كان يعتبرها حكيمة، واتزان، ورؤية صحيحة أنها كلها كانت أراء لا تمثل شيئاً، وأنها كانت خطأً.

من شجاعتهم هنا أنهم برزوا لم يقولوا: إذا لم يبق إلا نحن إذاً نتخذ مواقع تحصينية كجبهة، لا. برزوا الميدان ألم يبرزوا؟ {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}(البقرة: من الآية250). يعني: ناس هؤلاء عجيبون فعلاً، ولهذا قدموا مثل أعلى في الموضوع هذا لبيان سنة إلهية، ولبيان قيمة أن ينطلق الناس لله، وفي سبيله، وأن يفهموا أنه عندما ينطلقون للجهاد من أجل الله، وفي سبيله يجب أن يكون هو الذي يختار قيادة، الله هو الذي يصطفي قيادة.

إذاً هذه القصة تبين لنا أهمية {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية190). أعني: لا يستجيب الإنسان لأي عناوين أخرى نهائياً، أترك الآخرين يتفاعلون كيفما يتفاعلون، وترى عروضاً عسكرية من أجل الوطن، ويقبل بعضهم الوطن، أليس بعضهم يقبل الوطن؟ هذه ما منها شيء. كيف يمكن أن الله يقف معك، ويعينك، وأنت تؤثر التربة عليه! لا يصح هذا. أما هذا القتال في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله، هو في الأخير هو خير لكم، الخير أليس من الخير صيانة الأوطان والأعراض، والأموال، والممتلكات؟ أليست من الخير الذي يريده الناس؟ ألم تحقق هنا لبني إسرائيل.؟ وتحقق لهم ملك عظيم؟.

فمن أهمية هذه أن الله في القرآن الكريم يزيح كلما يمكن أن تراه عقبات كبيرة أمامك فلا تكترث عندما تجد عدواً كبيراً، وتجد كثيراً من الناس يتراجعون هذه لا تحسب لها حساب نهائياً.

أليست هذه الصورة كانت بهذا الشكل هنا؟ تراجع الكثير وعدو كبير أمامهم، وهم قليل لكن كيف كانت النتيجة؟ نتيجة هامة لم تحقق ربما لو برز معهم الآلاف الذين تراجعوا من على النهر أنهم لأدوا إلى هزيمة منكرة. هذه القضية هامة في وعي الناس، وفي وعيهم أن يكونوا أولي بأس شديد. يجب أن تفهم بأن هؤلاء أناس يعرفون بأن الله هو يعمل أكثر مما يمكن أن يعملوه، ألم يقل هنا: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}(البقرة: من الآية249). وفي نفس الوقت لم يكن عندهم اكتراث بمن تراجعوا ولا اكتراث بالعدو، وهو الملك بكله بكامل جيشه.

العادة إذا كان الملك هو الذي يخرج يكون الجيش أكثر، ويكون العتاد أكثر من لو كان مجرد قائد آخر وأن المعركة رئيسية ومعركة فاصلة بمعنى: أنه كان معداً لنفسه لمجتمع بني إسرائيل وللآلاف منهم، لأنه قد هؤلاء كبارهم ذهبوا هم وليس فقط أفراد منهم وهذه هي من الأشياء التي تجعل الكثير من الناس يتراجعون.

يلاحظ الناس يتخاذلون ويرى العدو كبيراً وأخيراً يقول: [ونحن ماذا نعمل ماذا يمكن أن نعمل ماذا نستطيع أن نعمل]؟ أليس هذا مثل يبين لك؟ لا. أن هذه الفكرة خطأ لو أنك تكترث بمن تراجعوا وتكترث بحجم العدو، إعرف بأنك تتحرك مع الله سبحانه وتعالى، وهو مع الصابرين. فاصبر، واعتمد عليه، وانطلق في سبيله، وستكون النتيجة بهذا الشكل، بهذا الشكل العجيب أعني: قضية من أغرب ما حصل في التاريخ، هذه القضية، قضية طالوت وجنوده.

هنا يحكي عن طالوت والقليل عندما قال: {وَالَّذِينَ مَعَهُ}. هي عبارة تفيد التقليل {مَعَهُ} هي عبارة توحي فعلاً بأنهم قليل، أنهم برزوا، أليس البعض يقول: [فكَّة] متى ما جاءوا، هو في الأخير في بيته سيترك بندقه وسوف يستلمهم عندما يصلوا إلى الباب.! هذه ليست صحيحة، أولياء الله يكونون بهذا الشكل: موطن نفسه أن يبرز هو، أما إذا هم سيصلون عند باب بيتك لا تصدق أنك سوف تتوفق، وأنت متخاذل من البداية، أنك سوف تتوفق أن يكون لك موقف قد أنت عارف أنك لو قتلت أحداً فسوف يقتلونك، وسوف يدوسون البيت قد أحسن لك أن تسلم البندق، وأحسن لك أن تتسلم في الأخير سيحدث هكذا.. لا تتوفق عندما يقول البعض: لا، وأنه سيجلس في البيت!. إفهم بأن المؤمنين هكذا يجب أن يكون عندهم روحية أن يبرزوا هم {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}(البقرة: من الآية250).

{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}(البقرة:252). لاحظ هذه حقائق حقيقية، حق لا شك فيها. {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}. والمرسلون أليس لديهم مهام من النوعية هذه؟ المرسلون يكون مرسل ليقيم دين الله مثلما قال لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كواحد من المرسلين ألم يقل في آية آخرى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}(النساء: من الآية84).

حرض المؤمنين وذكر المؤمنين بمثل هذه. ورسول الله أليس هو رسول للناس جميعاً إلى آخر أيام الدنيا؟ وفي حركته فعلاً في حركة رسول الله (صلوات الله وعلى آله) أمثلة من هذه، ما حصل في يوم بدر شبيه بهذه تماماً، ما حصل في يوم بدر عندما برز المؤمنون وهم قليل، وما زال فيهم نوع ربما أشد من ذلك أعني: أما هؤلاء نوعية متميزة بشكل عام {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}(آل عمران: من الآية123).

لكن موضوع القيادة تبدو تكون قضية هامة، قضية رئيسية في موضوع القتال في سبيل الله أنها قضية هامة وفي يوم بدر حقق انتصاراً كبيراً، وكسرت شوكة الكفر، وقريش خرجوا كما قال الله عنهم: {بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ}(الأنفال: من الآية47). يعني: غير مكترثين بتلك القلة، وغير مكترثين برسول الله ومن معه، وعندهم قوة، وعندهم شجاعة حصل مثلما حصل {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية251).

عندما يقول: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ}(البقرة: من الآية252). يعني: أن الناس يثقون، أن نثق جميعاً في هذه لأن الله هو ما يزال حياً قيوماً، أليس الله سبحانه وتعالى ما يزال حياً قيوماً هو الذي دعاه بنو إسرائيل قبل الله أعلم، قبل كم، آلاف من السنين حدثت القصة هذه؟ هو ما يزال حياً قيوماً، هل يمكن أننا نقول: أنه قد ضعف ملكه، أو قل جنوده، أو يتخلى عن أوليائه؟ لا يمكن هذا.

الله يوفقنا جميعاً لما فيه رضاه، ويجعلنا من المستنيرين بكتابه، ومن المستبصرين بهداه.

إلى هنا، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله،،،

 

 


تكملة للموضوع بعد الانتهاء من الدرس العاشر مباشرة

أحيانا قد يحصل عند الإنسان تساؤل عندما نقول: نهتم بالعمل، نتحرك بالعمل، نجدُّ في العمل، وننفق، وأشياء من هذه.. قد نقول: بأن العمل الذي أمامنا هو: شعار نرفعه، ماذا يوجد غيره؟ يوجد أعمال هي هامة، هو: أن يعمل الناس على تبصير أنفسهم، هذه قضية هامة: تبصير أنفسهم في موضوع الشيطان – كما ذكر الأستاذ زيد – أنه يحاول يأتي الإنسان بأي طريقة، أحياناً يأتي لأي واحد منا بطريقة أن الموضوع قد هو معروف، والقضية معروفة ما عاد تحتاج إلى تركيز.

لكن لا، القضية ليست بالشكل هذا، إنها فرصة عندما يكون الناس ما يزالون يتمكنون من أن يجتمعوا، ويستمعوا للتوجيهات، كل شيء من التوجيهات يحتاج إليه الناس في مسيرتهم العملية، وقد تحتاج إلى توجيه معين تسمعه من كتاب الله في المكان الذي ليس هناك من يوجهك فيه، وأنت في موقع آخر.

لاحظوا فيما حكاه الله في قصة طالوت، ومن معه من المؤمنين، الذين هم الصفوة، أليسوا هم الصفوة من بني إسرائيل؟ وفي نفس الوقت ظهر عند بعضهم ما يبدو مؤشر نقطة ضعف، عندما قالوا: {قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ}(البقرة249) ألم تبرز في الموقع الخطير؟ برز هذا التساؤل الذي هو يعتبر مؤشر إلى أن هؤلاء لديهم قابلية، لو قيل لهم: إذاً فلنرجع.

يفهم الإنسان أن الشيء الذي ينبغي أن يكون عليه: أن يحرص على أن يتفهم أكثر، ويتوجه أكثر، ولا يعتقد بأنه في مسيرته العملية قد لا يحتاج إلى هذا التوجيه، أو هذا، أو هذا، ربما كل شيء يحتاج إليه الإنسان، يحتاج إلى كل شيء يسمعه، ولأهمية هذه القضية تجد القرآن الكريم كيف ذكَّرنا، فترى الأشياء فيه بشكل كثير، وتوجيهات من الهداية تتناول كل المجالات، توجيهات في كل المجالات.

فالإنسان لا يصغي لفكرة: أن الموضوع قد هو معروف، وأنا شخصياً قد أنا مستعد، هذه إيجابية أن تكون مستعداً، لكن تفهم: أن استعدادك من أولياته، والأشياء المهمة بان تكون مستعداً فعلاً هو أن تصغي باهتمام لكل ما تسمع من هدى الله.

ألسنا كلنا نهتدي بهدى الله سبحانه وتعالى، من خلال القرآن الكريم، وإلا فقد تأتي مواقف تبرز، لأن الإنسان أحياناً قد لا يدري بما في أعماق نفسه، قد تبرز قضية معينة، يبرز أمامها تساؤل يمثل نقطة ضعف، تبرز حالة معينة، يكون مؤشر لأن يتخذ الناس موقفاً فيه ضعف، وما عندنا صورة عن المستقبل، أن نقول: أن المستقبل هو هكذا بالتفصيل، وأمام هذه السنة سيكون كذا، وأمام هذه السنة سيكون كذا، لكن ما يعطينا الله من خلال القرآن الكريم هو بالشكل الذي يعطيك هدى، فلتكن القائمة طويلة، أو عريضة، ولتكن تفاصيلها بالشكل الذي تتوقع، أو بالشكل الذي لا تتوقع، تفاصيل المسيرة العملية في صراع الناس مع الأعداء.

عندما يكون الإنسان حريصاً على أن يتوجه سينفع في مقامات هامة جداً آخرين؛ ولهذا نقول: أن العمل في سبيل الله هو وسيلة لها توجيهها، لها أساليبها. لاحظ من كانوا في داخل الأقلية من جنود طالوت، ألم يوجهوا الآخرين؟ {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ}(البقرة:249) هنا كيف يظهر لك الحاجة الماسة إلى ما لدى هؤلاء من وعي، وبصيرة، وإيمان قوي.

إنطلقوا يوجهوا الآخرين توجيهاً حكيماً نسف تلك التي هي مؤشرات موقف ضعف، {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} إذا هناك وعي فافترض هذا الشيء: أنك أنت شخصياً تحتاج، كل واحد منا يحتاج إلى التوجيهات في المسيرة العملية طول حياته؛ لأنه سيحتاجه، في كل المواقف، تحتاج لنفسك، وتحسب حساب للآخرين، قضية هامة هذه: تحسب حساب للآخرين.

قد تضيع أمام كل مؤشر ضعف، كل كلمة غير صحيحة، كل رؤية تكون غير صحيحة، يكون عندك ما ينسفها، وما يثبِّت من انطلقت منه. ألم تنفع بشكل كبير عندما {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.

من الأشياء الهامة التي برزت في القصة هذه هو كيف أنهم كانوا مجموعة أصحاب نفوس قوية، يعني: الفكرة لديهم، أو المشروع لديهم مشروع انتصار، ما تغير الموقف لديهم عندما رأوا أنفسهم قليلاً بأنه فكرة دفاع، أو فكرة مدافعة، أو هكذا، مقاومة حتى عسى أحد يتشجع من الآخرين، هم برزوا وعندهم ماذا؟ طموح، وأمل أن ينتصروا على أولئك على الرغم من كثرتهم.

هذه تعتبر حالة هامة جداً تحتاج من الإنسان إلى أن يرتقي إليها، ولا ترتقي إليها إلا من خلال هدي الله سبحانه وتعالى، من خلال هدى الله، وأن تكون متقبل للتوجيهات، ولو أنت تفترض بأنك ما تحتاجها إلا بعد عشرين سنة.

في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الأولى في مكة، ما هي المهمة التي كانت عند الناس المؤمنين؟ أن يتفهموا، ويتوجهوا، ويصغوا، ويعملوا بما ينزل إليهم، ويحاول أي واحد منهم إذا استطاع أن يجعل أحداً من أقاربه، أو من ناس آخرين أن يدخلوا في الإسلام.

هل كانوا في مرحلة مواجهة؟ لا، لم يكونوا قد دخلوا في مواجهة، لكن التوجيهات السابقة التي كانت في مكة احتاجوها بعد، قد ربما يكون بالنسبة لبعضهم بعد مثلاً أربعة عشر سنة، فكان لها أثر في نفوسهم بعد أربعة عشر سنة.

الناس عندما يكونون متوجهين من البداية، يوفروا على أنفسكم حالة اضطراب، ورؤى متعددة، وتساؤلات، وأشياء كثيرة، في المواقف المتعددة، تكون القضية عندهم قريبة، يعني: هل قُدم من خلال الآيات هذه أنه حصل أخذ ورد فيما بين تلك المجموعة من أصحاب طالوت؟ هل حصل أخذ ورد كثير؟ كلمة برزت، كلمة طفَّتها، وانتهى الموضوع، وكأنهم ذكَّروهم بشيء استعادوا به رؤيتهم، واستعادوا به ما سمعوه، وما وعوه من سابق.

إذا بقي الإنسان هكذا فقد يكون الناس أمام أي موقف يحصل تساؤلات، ويحصل اضطراب، هذه تعتبر نقطة ضعف أمام العدو، وكما نقول دائماً: نحن أمام أعداء خطيرين، يعني دقيقين في مراقباتهم، متى ما لمسوا أيّ مظاهر ضعف، أيّ مظاهر توحي بخلخلة، أيّ مظاهر توحي بتعدد رؤى، واضطرابات، أيّ شيء يدل على أن هؤلاء ما عندهم بصيرة، ولا عندهم – مثلما تقول – وعي كامل بالمواقف التي سيدخلون فيها، يتشجع العدو.

إذا ظهر الناس بمظهر، نحن نقول: القرآن الكريم قدم لنا طريقة تستطيع أن تجعل الناس بالشكل الذي يراهم العدو كباراً، يراهم كباراً فعلاً، وهذا العدو نفسه يؤثر فيه سلباً، عندما يرى الآخرين يبدو أقوياء، يبدو صامدين، يبدو ملتزمين، ما هناك خلخلة، ولا هناك ضجة، ولا هناك شيء.

لاحظ في موضوع الشعار كم له؟ أثر تأثيراً كبيراً. وعندما أضيف إليه السجن ترك آثارأً كبيرة جداً، يعني في الأخير ظهر له أثر ما كنا نتوقع، ما كنا نتصور، من أين حصل هذا؟ هل برز أثناءه خلخلة في المجتمع، إما من عند الآباء، أو داخل الشباب هؤلاء، أو أخذ ورد فيما بين الناس؟.

نقول دائماً: هؤلاء الأعداء، لا تتوقع بأنهم ما يكون لهم مثلاً عيون، يحاولون أن يستقرؤا وضعية الناس، فإذا لمسوا بأنه سجن مجموعة كبيرة، هم سيحاولون كيف هي أقوال الناس، وكيف أثرت في الناس، ما هم فقط سيلحظوا المسجونين، بل والآخرين؛ ولهذا نقول: ما يكون عندنا إلحاح في موضوع الزيارة، إذا أمكن أن تزور، وقالوا: هناك وقت، لا بأس تزور، ما لم فما هي مشكلة.

بل مناسب أن يقولوا لهم: لو تخلوهم إلى آخر أيام الدنيا، هم في عمل في نفس الوقت؛ لأن سجنهم يفضحكم، سجنهم فعلاً، هؤلاء المسجونين، الذين سجنوا من أجل شعار يرفع، شعار يرفع وفي فترة قصيرة جداً في الأسبوع دقيقة واحدة أو أقل هذا يفضح الأمريكيين. فظهر في الصورة أن الأمريكيين هم وراء هذه بقضية معروفة. إذاً هم في نفس الوقت في عمل.

من الأثر الكبير لعملهم، من هم في السجن، منهم ما يزالون يرفعون الشعار، ومن هم ما يزالون صامدين، يعني: بشكل عام مَن في السجن، ومَن خارج، ما هناك ضجة، ولا هناك أخذ ورد، وما هناك أشوار كثيرة، مثل: [أمانه خلاص أو بس أو قد به مسجونين، أو..] هذه نفسها توحي بأن هذه أمة صامدة، قوية.

هذا نفسه من رحمة الله بنا: أن تبرز قضية توحي للعدو كيف هم الناس الذين يسيرون على كتاب الله؛ ليذوقوا هم كتاب الله الذي يريدون أن يحاربوه؛ ولهذا نقول أنه يجب أن نكون في عملنا كله، أن نكون مدينين لله، مدينين لكتابه، القرآن هو الذي حركنا، الله هو الذي هدانا، على هديه كنا بهذا الشكل، على هداه سنكون أقوياء بهذا الشكل؛ لأنهم متجهين لمحاربة القرآن، فليعرفوا أن القرآن ليس بالشكل الذي يمكن أن يحاربوه، ويطمسوه من النفوس.

القرآن هو يبني النفوس بتوفيق الله على هذا النحو، أن تظهر مثلاً فئة صادقة، يسجنوا ولا يبالوا، يكبروا، ويسافروا إلى هناك يكبروا، قد أصبح الجامع الكبير أشبه شيء بعبارة عن ميدان، فيما بين الناس، وفيما بين الأمريكيين، مواجهة، هذه المواجهة لها آثار فيما يتعلق بالجوانب النفسية، والجوانب التي يسمونها: الجوانب السياسية، والمعنوية، لو لم تكن مواجهة مسلحة.

هؤلاء يكبرون، وكل جمعة وهم أكثر، وكل جمعة ما توقفت على الرغم من أنهم يسجنون، وكل أسبوع يسجنون عدداً منهم، بلغ في بعض الجمع إلى أن سجنوا ثماني عشر شخصاً، وبعد كل جمعة يكون عندهم خلاص، يمكن أنهم قد نجحوا، أو ربما قد توقفوا، وتضعضعوا، وأيسوا! ورأوهم مكبرين، وسجنوهم، ورأوهم ثاني جمعة مكبرين، وهكذا، وهكذا.. هذا في الأخير يعني: أن هذه أمة صامدة، وأنه هكذا يكون الناس إذا ساروا على هدى الله.

في نفس الوقت، عندما يكون عملهم مثلما نقول دائماً: يجب أن يكون في سبيل الله، وأنه بسبب أننا على هدى الله؛ لأن هذا هو البديل الوحيد أمام الناس، البديل الوحيد أمام الناس، يعطي ثقة للآخرين بـأنه متى ما سار الناس على هدى الله سيكونون أقوياء، وسيخاف منهم العدو، وسينتصرون على العدو إذا ساروا على هدى الله.

فالشعار نفسه في حد ذاته عمل كبير، أن نعمل على توسيع دائرته، أن نعمل على نشر ملازم، نعمل نحن [ونتحرك في الساحة] هكذا يحاول واحد على ضوء ما يسمع، وعلى ضوء ما ينزل، يعني: العمل معناه: أن نعمل بالحاصل. هذه هي القضية الصحيحة، يكون عندك استعداد عملي أن تعمل، وتشتغل بما حصل، في المسيرة العملية [نعمل بهدى الله] ولا ندري نحن كيف الخارطة أمامنا لكن عندنا ثقة بالله سبحانه وتعالى أن نسير على هداه، وكيفما كانت النتيجة بالنسبة لنا شخصياً كيفما كانت.

لكن لدينا ثقة، عندما نرى أمامنا وكأنهم يسجنوهم كل أسبوع، كل أسبوع، سنواصل كل أسبوع؛ لأن القضية لها قيمة، وليس فقط من منطلق – التي يسمونها – كبره، لا، باعتبار القضية ما يزال لها قيمة كبيرة، لها أثر هام على العدو، ولها أثر هام بالنسبة للناس، ولها أثر هام في الساحة بشكل عام.

من فوائد العملية هذه: شعار ينطلق الناس فيه، ثم سجن على أيدي الأمريكيين بطريقة مكشوفة، أنه أقفل مجال الدعاية للأمريكيين في اليمن فعلاً، أقفل مجال الدعاية التي هي الوسيلة لأن تسوغ عند الناس قابلية الأمريكيين أن يحتلوا، هنا افتضح الأمريكيون فيما يتعلق بديمقراطية، وحرية، وحقوق إنسان من خلال هذا العمل؛ إذاً فهذا عمل هام فعلاً، ما هو يقول واحد: [أنه بين نكبر، ما هي الفائدة من التكابير هذه غير يسجنوهم؟!] أن يكونوا يسجنوهم هو عمل في نفس الوقت، ونحن نعرف عندما يكون الناس صابرين فعلاً، وصامدين، ومتجهين بإخلاص، أن الله يضع نهايات للأشياء، الله يقول: {وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}(يونس:109) أليس هكذا يقول: أن لله حكم ستنتهي به كل قضية، والحكم عادة يكون لصالح أوليائه في الأخير.

عندما يقول البعض بأن معناه سجن دائم، قل: نحن سنتحرك حتى يحكم الله، ما الله قال لنبيه هكذا؟ وما بإمكان الله سبحانه وتعالى أن يبين لنبيه كيف سيكون الحكم في الأخير؟ لكن لا؛ ليبقى لديه ثقة بالله أنه سيحكم، أنه سيحكم لا محالة، وأن الحكم سيكون لصالح أوليائه الصابرين. هذه القضية ما فيها شك.

فتبدوا المسألة فيما يتعلق برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن تبهم المسألة أمامه حتى يحكم الله؛ لأنها قضية هامة بالنسبة له، وبالنسبة للناس من بعده وإن بدت قضية فيها نوع من العناء، أو تحتاج إلى صبر، يصبر الناس، يصبروا والله يقول دائماً لمن يصبرون في سبيله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(البقرة155) {إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(البقرة153).

ولاحظ كيف كان هؤلاء الصابرين في مواجهة جالوت وجنوده، ألم يحققوا انتصاراً كبيراً جداً؟ انتصاراً بشكل مذهل، هم في نفس الوقت قدم لهم بشكل كلام {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} أما نحن فقد قدم لنا مثلاً حياً هو ماذا؟ قدم لنا طالوت ومن معه، وجالوت وجنوده.

ما قد هي قضية هنا واقعية، حصلت في التاريخ؟ وحصل لها نظائر في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وحصل لها نظائر أيضاً من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، في جهاد المسلمين في أيام الإمام يحيى بن زيد، وقبله، ومن بعده، قد حصل نظائر لهذا، يعني: نحن أمام أمثلة واقعية، أن الله مع الصابرين، فمتى ما صبروا، متى ما واصلوا العمل، يعني: يصبرون وهم في مجال مواصلة عملهم.

إذاً فهذا من ألطاف الله سبحانه وتعالى بنا، فلنتفهم حتى نعرف قيمة ما نعمل، هذه قضية هامة، نتفهم أثرها، وأن تعرف أنها مؤثره بالنسبة للعدو، وفق رؤية العدو، ومقاييسه هناك، وإن كانت قد تبدو غير مؤثرة بالنسبة لمقاييسنا نحن العرب في الصراع.

معلوم أن العدو نفسه من الأمريكيين والإسرائيليين يركزون جداً على موضوع أن يهيئوا قابلية لهم في الشعب الذي يريدون أن يحتلوه، ودعاية عن طريق عملاء لهم، سواء بشكل أحزاب، أو بشكل غير أحزاب، يروجون لهم، وكل الترويج ينصب على ثلاثة أشياء: حرية، وديمقراطية، ورعاية حقوق إنسان.

تلاحظ أنه استطاع الناس بهذا الشعار أن يفضحوهم. إذاً ألم يحصل هنا انتصار بأعداد قليلة؟ فعلاً حصل انتصار للناس أنهم وقوا الأمة هذه على أقل تقدير، وما يمكن أن يستفيدوا من هذا من خارج، وقوا اليمن على الأقل، ووقينا أنفسنا نحن من ننطلق في هذا الموضوع من أن يتقبل أحد منا أي دعاية ترويجية للأمريكيين هي في الأخير تخلق قابلية للإحتلال. أليست هذه تعتبر إيجابية كبيرة جدا؟.

إذاً فكما قلنا سابقاً: هذا الشيء من العمل نعرف قيمته، عمل في الساحة مطروح، عمل أن تنشر ملازم، وشعارات، وزعها، وتتحرك من عندك أنت، بقدراتك الخاصة، توزعها بين الناس، وتشجع الناس على قراءتها، وتشجع الناس أن يرفعوا الشعار في هذا المسجد، أو هذا المسجد بالطريقة العادية. هذا عمل.

وعمل مهم هو هذا: أن يكون الإنسان حريصاً على أن يتوجه، يتفهم، يصغي، ويعرف بأنه سيحتاج إلى كل شيء سمعه، سيحتاج إلى كل شيء سمعه، ويكون له إيجابيته في الوقت المناسب بالنسبة له. القضية نحتاج إليها فعلاً، يعني: نحن الآن في مرحلة يجب علينا أن نقدم أنفسنا كشهداء كما قال الله في القرآن: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ}(البقرة143) يعني مرحلة أن يقدم الناس أنفسهم نموذج.

نموذج، يعني: نبين كيف يكون أثر كتاب الله، وأثر هدى الله في الناس، والعرب بأمس الحاجة إلى هذا النموذج بل العالم بكله بأمس الحاجة إلى نموذج؛ لأنه كل شيء ما عاد بقي له قيمة من الأشياء الأخرى، كل الأطروحات، كل طريقة ما عاد بقي لها جاذبية، ولا أثر في نفوس الناس ينشدون إليها.

بقي الطريقة هذه، لكن الطريقة هذه تحتاج إلى أمة تقدم نفسها كنموذج؛ ولهذا نقول: أنه يجب أن يكون توجهنا في سبيل الله، وأن نسند كل ما نحن فيه، وكل ما نحصل عليه إلى الله، وإلى كتابه؛ لأننا نسير على كتابه، وهذا أثر هداه فيمن يسيرون على هداه، هذه في حد ذاتها عمل هام.

عندما يستمر الناس في عملهم، ما ندري ماذا بالنسبة للمستقبل، إذا ما هناك وعي بالشكل المطلوب عند الكثير مننا، ستظهر أشياء تقدم باسم الدين، إذا ما عندك وعي، ما عندك بصيرة، ما عندك تفهم من قبل تكون معرض لأن تتضعضع فعلاً، تكون معرضاً لأن تتراجع، لو لم يكن باسم انك متراجع عن القضية من أساسها، ولو في موقف.

أحياناً قد يأتي مثلاً أثر لدعاية معينة، تؤثر في الناس، في اتخاذ موقف معين، في وضعية معينة، في وقت معين، وأن لم تكن أنت بمعنى أنه أدى بك إلى أن تتراجع بشكل عام عن المسيرة كلها. إذاً فالمرحلة التي نحن فيها لم تعد مرحلة أن الناس يتحركون بدون وعي، وبدون فهم، وأن لا يحاولوا أن يرسخوا في أنفسهم؛ لأن النتيجة ستكون أخطاء تصدر، تراجعات من البعض، ومن يتراجع الشيطان يجعله في الأخير يتحرك هو، يخرب، متى ما تراجع شخص في الأخير هو يحاول أن يبرر تراجعه [وينطلق يخرب].

[نلاحظ أن] طالوت وجنوده، كان القضية لديهم، بنو إسرائيل بشكل عام، وهذه من الأشياء العجيبة أن مما يدل على أنها كانت قضية أساسية، وهامة جداً، موضوع في سبيل الله، قضية مترسخة لديهم على الرغم من سوء حالهم، وعلى الرغم من مخالفاتهم الكبيرة، بقيت قضية متجذرة في ذهنيتهم، في ثقافتهم، أنه يجب أن تكون الانطلاقة في سبيل الله، ويجب أن تكون القيادة مختارة من الله، وأن تكون القيادة منسجمة مع سبيله.

ليست القضية فقط مجرد عنوان، نحن في زمن يمكن أن تسمع عناوين أخرى: في سبيل الله. يجب أن تفهم بأنه ما القضية فقط مجرد عنوان، القضية هي: أن تكون متوجهاً إلى الله، والسبيل هو: الطريق التي رسمها لتتحرك فيها، وأنت تقاتل في سبيل الله، وأنت تجاهد في سبيل الله. ما كلمة في سبيل الله ممكن أن يرفعها ناس آخرين؟ وقد رفعها آخرون قبلنا، وطمَّروا كثيراً من الناس، وخدعوا الكثير من الشباب باسم في سبيل الله وإذا هم يجرونهم في سبيل أمريكا.

فعندما تكون أنت فاهم من البداية أن مسألة سبيل الله ليس معناه فقط مجرد النية أنك تقاتل تقرباً إلى الله، أن هناك طريقة، هناك طريقة مرسومة تبدأ من القيادة، والمنهج الذي يسير عليه الناس، قضية ليست سهلة.

إذا أنت فاهم الطريقة هذه تستطيع تميز من يقول لك: في سبيل الله، من خلال الطريقة التي يسير عليها، تمام أنت عندك عنوان: في سبيل الله، وذاك عنده عنوان: في سبيل الله، لكن ستبقى الطرق، والمنهجيات التي يسيرون عليها تبين من هو الذي في سبيل الله حقاً.

هذه عندما نفهمها وحدها تكفينا بأن لا نخدع بآخرين، نحن أمام أعداء يستطيعون أن يجعلوا الآخرين يتحركون بنفس العناوين التي تتحرك بها أنت، بنفس العناوين، ويبدو أكثر إمكانية، ويبدو وكأنهم أكثر فاعلية [عاد بيفجروا اما هم، ومدري إيش عاد بيعملوا] وأشياء من هذه، فيكون عند واحد إذاً فما دام أن أولئك في سبيل الله، وعاد عندهم إمكانيات، وهم هؤلاء فاعلين من صدق، إذاً معهم، ثم تكتشف في الأخير وإذا هي مجرد خدعة، حركة وهمية.

فنريد من خلال عندما نسمع القرآن الكريم، وعندما نتفهم توجيهاته، ستستبين لنا سبيل الله، تستبين سبيل الله لنا، حينها نصبح ناس ما أحد يستطيع أن يخدعنا بأي شعارات، حتى بنفس عناويننا؛ لأن العدو ممن أن يخادع الآخرين بنفس العناوين التي يرفعها الناس، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ}(البقرة8) أليست نفس العناوين التي يرفعها المسلمون الأوائل: إيمان بالله، وحركة من أجل الإيمان بالله، رفعها آخرون، {وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} وهم من الذين يقولون: آمنا بالله، وباليوم الآخر.

إذاً فنفهم أنه إذا كان خدع في الماضي شباب كثير من اليمن، من السعودية، ومن بلدان عربية أخرى تحت عنوان في سبيل الله؛ فلأنهم فقدوا معرفة الطريق التي تمثل سبيل الله، الذي أمامهم مجرد عنوان. إذاً فأي واحد منا يحتاج أن يفهم هذه من الآن، وهذه قضية هامة، في هذه النقطة لوحدها، خلي عنك أشياء أخرى.

المهم أنه خلاصة الموضوع بأن الإنسان يحاول أن يتفهم دائماً، كل ما يسمع، إذا هو موطن نفسه عملياً فيعرف أنه بحاجة إلى كل ما يسمع لنفسه، ولغيره، وفي المواقف الحرجة سينفعك ما تسمع، هذه قضية هامة.

في موضوع الفرج مثلاً بالأمس عندما قرأنا الآية، عندما قال الله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}(البقرة214) قلنا: أن من الأشياء التي يجب أن نفهمها: أن تكون ثقتك بالله بأنه في الموقف الحرج سيكون النصر؛ لأن العادة بالنسبة للناس، عندما يقول: [ممكن نتحرك، لكن..] يكون عنده صورة أنه ربما – مثلما يقولون – تحمض القضية، ربما يتطور الموضوع.

يعني: الناس – عادة – يخافون من ماذا؟ من تطور القضية، وأن يصبح موقفاً كبيراً، وصراعاً كبيراً، وخطورة كبيرة، ما هي هذه الحالة التي تحصل عند الناس؟ أنت عندما تستفسر آخرين، يعني: عندما يأتي واحد يتحدث مع آخرين ستعرف من داخل أنفسهم: أن الشيء الذي يهيِّب الكثير من الناس، ممكن يتحرك معك في كذا، وفي كذا، لكن أما هناك فمشكلة كبيرة، أما إذا كان الموضوع سيصل إلى مواجهة مع قوة كبرى.

لاحظوا هنا في القرآن الكريم في أكثر من آية يذكِّر الله الناس بما يعطيهم ضمانة في النقطة التي عادة يتهيبون من أن يصلوا إليها، وهي ماذا؟ عندما تشتد القضية، عندما تكون المواقف الحرجة سيكون هناك نصر، سيكون هناك فرج؛ ولهذا قال هنا: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}.

قد تكون مثلاً بالنسبة للمجتمعات عندما يحصل بأساء، وضراء، وزلزلة، قد يجعل التزلزل أكثر بسبب نقص الوعي عند الناس، يحصل تزلزل أكبر، يعني: يحصل اضطراب، وتردد لديهم، ونوع من القلق، فمما يشكل ضمانة في هذه أن تعتبر أنه خلي الزلزلة، وبأساء، وضراء، تشتد بكيفها، متى ما اشتدت سيأتي فرج.

ما الإنسان قد يتراجع من البداية على أساس أنها قد تشتد، قد تحصل خطورة كبيرة فيتراجع؟ فعند ما تكون واعياً من خلال الآية، لا، لأنه لو اشتدت فهناك الفرج، ما أنت ستتحمل في الوسط؟ نفس الوعي، الوعي نفسه، الوعي الذي يقوم على أساس هدى الله سبحانه وتعالى يقي الناس من الكثير من الزلزلة؛ لأن الزلزلة هنا بمعنى أنه حكى من داخل المجتمع، قد لا يحتمل أن يكون النبي نفسه، أو مؤمنين واعين على مستوى عالي، أن يكونوا اكترثوا بالزلزلة؛ لأنه قدم لنا نموذج آخر: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ}(آل عمران173) أليست هذه من الأشياء التي تزلزل؟ {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ألم يحصل هنا ثبات؟.

في نفس المقام مع بني إسرائيل، في هذه الآية نفسها، عندما قال الآخرون: {لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} هذا مؤشر خطير، يعني: قد راح أكثرنا قبل، وراح أكثرنا بعد النهر، ونحن الآن في الميدان، قد هذا بعضنا قد هم يقولون هكذا.

ما هذه توجد زلزلة؟ لكن لاحظ كيف الوعي لديهم جعلهم هم يثبِّتون الآخرين، ما اضطربوا هم، {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ} ما تزلزل هؤلاء، ما تزلزلوا مع أن قد هي حالة رهيبة فعلاً، وهم في ميدان المواجهة ما تزلزلوا! لماذا؟ إيمانهم قوي، وعندهم وعي بالشكل الذي يقيهم الإضطراب، كانوا هم ثابتين، وساعدوا على أن يثبت الآخرون.

إذاً فمعنى هذا بأنه قد تحصل، ولو مع نبي من أنبياء الله، إذا ما هناك تفهم بالشكل الكامل لتوجيهاته، قد تحصل زلزلة عند نسبة، ومن هم يتفهمون لا يضطربون، ولا يتزحزحون، سيكون عندهم فكرة بأنه خليها تصل إلى أن يقتل واحد، أليست القضية هذه؟ أليست نهاية كل شيء هنا في الدنيا؟ خليها تصل إلى أن تقتل، معناه ماذا؟ أن تنتقل شهيداً فتحيا من جديد في أفضل حياة، فهل يمكن تتزلزل؟.

ولهذا كان الناس الثابتون تكون مشاريعهم كبيرة، ماذا يعني كبيرة؟ هؤلاء المؤمنون برزوا وعندهم مشروع نصر في مواجهة تلك القوة الجبارة، والكثيرة العدد بقيادة ملكهم جالوت، انطلقوا بذلك الدعاء: {وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة250) ما هم دعوا الله بالشكل هذا؟ عندهم طموح أن ينتصروا عليهم، وفعلاً انتصروا عليهم {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ}(البقرة251).

هذه قضية هامة، لا بد أن تؤمن بأن يكون مشروعك هو مشروع القرآن نفسه، ألم يكن القرآن للناس جميعاً، للعالمين جميعاً؟ تكون نظرتك نظرته، وبعده، أين ما وصلت، بعد القرآن أينما وصلت، هذه قضية.

أن يكون في نفس الوقت عندك إيمان بأن النصر الإلهي، والفرج الإلهي، يأتي في النقطة التي تجعل الآخرين لتهيبهم منها يتراجعون. هنا إذاً لم يعد هناك ما يخليك تتراجع.

في نفس الوقت يكون الإنسان دائم الدعاء لله، هذه قضية لا ينفرد الإنسان بنفسه أبداً مهما لمس عنده من قوة إيمان، واستعداد، وثبات، لازم يكون دائم العلاقة بالله، والدعاء باستمرار، {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}(آل عمران8) {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة250) مجموعة أدعية من هذه نحاول أن نقولها يومياً، في قنوت الفجر، في قنوت الوتر، في خارج الصلاة، ندعو بها.

يجلس الإنسان على علاقة دائمة بالله، ولنعرف جميعاً بأنه قد تكون المرحلة هذه التي نحن فيها مرحلة من أفضل المراحل لمن يسيرون في سبيل الله، ونقول أكثر من مرة: من أفضل المراحل لمن يتحركون على أساس كتاب الله؛ لأنه إذا كانت مظاهر الإرتداد التي تحصل داخل البلاد العربية تجعل الكثير منهم يتراجعون، لاحظ أنه في القرآن جعلها بالشكل الذي تعتبر مؤشر خير بالنسبة لك، أنه إذا ما كان هناك ارتداد فإن الله سيأتي بقوم يحبهم، ويحبونه.

هل هذا بالشكل الذي يحصل لديك هزيمة، وتراجع، عندما ترى آخرين لا ينطلقون، لا حكومات، ولا كثير من الناس، هذا معناه ماذا؟ ارتداد عما يجب أن يكونوا عليه، هذا الإرتداد في الآية، معناه: يبقى لديك أمل كبير؛ لأن الله قال: – إذاً فرصة – {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}(المائدة54) ففرصة لي أن أعرض نفسي أمام الله عسى أن أكون من هؤلاء.

تجد هذا نموذج عالي جداً، يعني: أن هدى الله بالشكل الذي لا يجعل لليأس منفذاً إلى نفسك، ولا للشيطان أي وسيلة للتغلغل إلى صدرك نهائياً؛ لأن كل شيء من الذي يبدو حرج يجعله بالشكل الذي يعطي أمل في نفس الوقت، دائماً هذه سنة إلهية في القرآن.

أليست ملحوظة هذه – قضية إرتداد – داخل العرب؟ ملحوظة هذه، حتى تجد أنه عندما أصبح الناس يسمعون بموضوع تغيير مناهج، أن الأمريكيين يغيرون المناهج، والقرآن الكريم يخفون الكثير من آياته، وأشياء من هذه، ما حصل تفاعل، ولا ضجة بالشكل الذي كان يجب أن يكون حاصل عند المسلمين.

إذاً هذه حالة تراجع، حالة ارتداد بما تعنيه الكلمة في هذه الآية، تقهقر، أنت إذا عندك وعي قل: إذاً فرصة بالنسبة لي أن أكون؛ لأنه وعد، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ}، إذا ما عندك وعي ستقول: [أمانه ما هو وقت يا جماعة، ولاحظوا الناس ما عاد يحركهم حتى أن يعرفوا بأن القرآن قد هو معرَّض هو للخطر، أن يخفوا الكثير من آياته، في المدارس، والمساجد، وغيرها] ما هو سيتراجع؟.

إذاً فهي دائرة واسعة مسألة أن الناس يتوعوا، تحصل على الوعي لنفسك وللآخرين.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً بأن نكون ممن وعد أن يأتي بهم، يحبهم، ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.