سورة البقرةالدرس الحادي عشر
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
في هذه الآيات التي سمعناها عدة مواضيع هامة، تبين من خلالها سعة رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، أو سعة ما هو هدى لهم. عندما تتأمل تجد أن هدى الله قدم بالشكل الذي يمكن أن تكون معظم أجهزة جسمك معظم جوارحك كلها تشتغل في طاعته، وأن تكون كل ما لديك من الأشياء مثلاً: مال، المال الذي هو شيء أساسي من ضروريات الحياة، أن يكون هو أيضاً محط لأن يكون فيه خير لك، ويتضاعف بسببه الأجر لك، وتزكو بسببه نفسك، تثبت به نفسك.
هذا من رحمة الله الواسعة التي يجب أن نشكر الله سبحانه وتعالى عليها فننطلق أمام كل قضية وجهنا إليها من تلك النظرة التي سبق الحديث عنها: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة: من الآية185). فمن نعمة الله في المقدمة نعمة الآيات، ونعمة الرسل {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ}(البقرة: من الآية 252- 253) أي: من كلمه الله {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}(البقرة: من الآية253) سنة إلهية تقتضيها سعة مجالات الحياة، وسعة شؤون هذه الحياة، والأوضاع المختلفة في هذه الحياة، فيما يتعلق بالتفاضل، وتبين الآية بأن التفاضل هنا كان بشكل مهمة – كما نقول أكثر من مرة – عندما يقول سبحانه وتعالى: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ}(البقرة: من الآية253) موسى الذي نعلم من خلال القرآن الكريم، الذي نعلم بأن الله ذكر أنه كلمه، هو موسى.
مسألة التفضيل في أي شيء ليست قضية اعتباطية أبداً، كلها تقوم على أساس الحكمة ولها علاقة بالمهمة، والمسؤولية المنوطة بالشخص. عندما نأتي إلى نبي الله موسى نجد كانت مهمته صعبة جداً، حقيقة، صعبة بالشكل الذي يكاد الإنسان يعتقد بأنه كلف بالمستحيل. هو خرج من مصر خائفاً يترقب وإذا به يكلف ويؤمر بأن ينطلق إلى فرعون نفسه ليقول له: أن يؤمن بالله رب العالمين، ويدعوه إلى عبادة الله، وهو الذي يجعل نفسه رباً، يجعل نفسه رباً، سلطة قوية وشعب سامع مطيع لتلك السلطة، وسلطة بلغت ربما أقصى درجات الطغيان في التكبر والعناد. في حالة كهذه يحتاج الإنسان إلى تثبيت، إلى أعلى درجات التثبيت وطمأنة إلى أعلى درجات الطمأنة.
فالله سبحانه وتعالى يذكر بالنسبة لرسله أنهم من الناس، هم من البشر يهديهم الله، يثبتهم الله، يؤيدهم الله. وقد تكون المهمة أمام نبي من الأنبياء بالشكل الذي تتطلب أنه يثبت على أعلى درجات التثبيت، فموسى عندما يتجه إلى مصر هل سيتجه وأصحابه عبارة عن ناس مثلاً [قُُبُل] قوية داخل المجتمع؟.
بنو إسرائيل مستضعفون، ومهمته أن يحرر بني إسرائيل من طغيان فرعون، وأن يدعو فرعون وهامان وجنودهما إلى أن يتركوا الطغيان الذي هم فيه، ويعبدوا الله ويؤمنوا به هو كرسول ويتبعوه ويطيعوه. أضف إلى ذلك أنه شخص قتل رجلاً منهم، هو مدين ومطلوب بمجرد أن يصل إلى مصر. إذاً فمن رحمة الله سبحانه وتعالى أن يصل به إلى أعلى درجات الطمأنة، أن يكلمه، عندما يسمع موسى كلام الله أليس سيطمئن بشكل قوي وبشكل كبير؟ {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً}(النساء: من الآية164).
عندما يقول: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ثم يبين أثناء هذه الآية شيئاً مما فُضل به بعضهم على بعض تجدها قضية منوطة بمهامهم، منوطة بمسؤولياتهم، ثم إن أدوار الرسل تكون مختلفة ومهامهم مختلفة والمجتمعات التي يرسلون إليها ويبعثون فيها أيضاً مختلفة متفاوتة.
فموسى كان إنساناً يحتاج إلى طمأنة من أعلى درجات الطمأنة والتثبيت لنفسيته؛ لأنها مهمة صعبة جداً، لأنه لا هو إنسان يعتمد على قوم – وهم أمة مستضعفة داخل مصر – ولا هو سيرسل إلى شعب هكذا بتركيبته القبلية مثلما كان يرسل أنبياء آخرون، مثل: نوح، وغيره، بل دولة هناك، دولة قوية وطاغوتيه ومهيمنة على شعبها بشكل رهيب جداً ومهمة معناها: مهمة، عمل انقلاب كامل بدأ من الملك ممن يدعي أنه رب، من الربوبية إلى العبودية لله أليست نقلات كبيرة؟.
{وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ}(البقرة: من الآية253). عيسى كان أمامه مجتمع، مجتمع بني إسرائيل مجتمع مليء بالخلخلة، مليء بالأطروحات المتعددة، مليء بالأشياء والتشكيكات، والأشياء الكثيرة كان يحتاج بينات، بينات أي مثلما تقول: [زخم بينات] لأنه مجتمع معقد وإن لم يكن مرهقاً من ناحية طغيان، ومظاهر ملك فيها طغيان كما كان مجتمع فرعون، لكن مجتمع مليء مشاكل وإشكاليات واختلافات وانحرفات ثقافية.
{وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}(البقرة: من الآية253) قد يكون هذا مثلاً جبريل، أو ملك من ملائكة الله فيه تأييد له؛لأنها أيضاً عملية مرهقة، عملية صعبة فعلاً، فيها صعوبة يحتاج إلى طمأنة مستمرة، وتأييد.بالنسبة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) محمد يوجد أخبار بأن الله أرفق به ملكاً من ملائكته من بداية نشأته.
فعندما نعرف مسألة التفضيل، بأنها تكون على هذا النحو: ليس هناك تفضيل إلا وهو يقوم على مسؤولية، وتناط به مسؤولية قاعدة عامة فيما نفهم أنها تكون كلها على هذا النحو. وإذا فهمنا التفضيل على هذا النحو فسيفهم الناس بأنه في الأخير القضية تعود بالشكل الذي فيه منفعة للناس، منفعة للناس هم، لصالحهم هم، لهذا نقول: أنها قضية مرتبطة حتى بجانب الصحة، بجانب الذكاء، بجانب المواهب، بجانب المال، أن تكون ممن فضلك الله بنسبة من المال أكثر من الآخرين تأ كد بأن هناك مسؤوليات، وحقوقاً منوطة بهذا التفضيل.
لأنه يحصل اشكاليات عند البعض، اشكالية ممن هم يرون أنفسهم حضوا بفضل يقولون: [نحن فضلنا الله عليكم ونحن أوجب الله عليكم محبتنا، ونحن، ونحن…] بطريقة جافة. والآخرون كأنهم ينظرون إلى أنه: [لماذا فضل الله الآخرين؟ لماذا.. لماذا؟ لماذا أما نحن…؟] مفهوم مغلوط عند الطرفين، لأنه من تكريم الله للإنسان، من تفضيل الله للإنسان الذي قال عنه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}(الإسراء:70).
ألم يقل هنا: بني آدم تكريم وتفضيل، من التكريم لك، من التكريم للإنسان، من التفضيل للإنسان أن يصطفى له من يهديه أن يقدم له هدى بالشكل الذي يليق بتكريمه، بالشكل الذي يليق بتفضيله على كثير ممن خلق الله من المخلوقات الأخرى. فعندما نرى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) شخصاً كرمه الله وفضله واصطفاه تجد أنه في الأخير يقول بأنه أرسله على هذا النحو العظيم للعالمين، رحمة للعالمين. إذاً أليس في هذا تكريماً لنا؟ تكريم للناس أن يكون من يهديهم، من يقودهم، من يرشدهم، من يعلمهم شخصاً يصطفى، شخصاً يختار لهذه المهمة التي هي تكريم وتفضيل في حد ذاتها.
هنا لم يعد اشكالية على الإطلاق لأنه عندما أرى شيئاً معيناً فيه تفضيل يعني: أنه تفضيل لي أن يكون على هذا النحو، بمعنى: أنه عندما تجد القرآن الكريم، أليس الله وصفه بأنه عظيم وكريم، وحكيم ونور وهدى وشفا؟ في الأخير ماذا يقول عنه؟ للناس، أليس هو للناس؟ أليس هذا من التكريم للناس: أن ينزل الله لهم كتاباً على هذا النحو كتاباً عظيماً، كتاباً كريماً، كتاباً حكيماً؟ وأن يرسل لهم رسولاً عظيماً وحكيماً ورحيماً؟.
فإذا كان الناس مثلاً يريدون أن يقارنوا بحيث نعرف الشيء الذي هو يعبر عن تكريم لنا كناس الذي يعبر عن تفضيل لنا كناس على كثير ممن خلق الله من مخلوقاته الأخرى فقارن بين من يصطفيهم الله للناس وبين من يفرضون أنفسهم على الناس؟ لاحظ كيف يكون الذين يفرضون أنفسهم على الناس سواءً أن يفرضوا أنفسهم كحكام، أو يفرضوا أنفسهم كمثقفين، أو بأي طريقة كانت! هل يكون في ممارساتهم ما يعبر عن أنهم ينظرون إلى الإنسان كمخلوق مكرم ومفضل؟ لا. يمتهنونه، يحتقرونه فعلاً، فهل يريد الناس من النوعية هذه من أجل أن لا أقول أن هناك من هو يبدوا أفضل مني؟! إن ذلك الذي هو أفضل مني هو لي بكله لأكون أنا فاضلاً لأن كل ما يمتلك من مواهب، كلما يمتلك من مؤهلات، وكمالات هي ليرتقي بي إلى أعلى مستوى ممكن أن أصل إليه.
أليس الله قال بالنسبة للنبي: (صلوات الله عليه وعلى آله) {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}(البقرة: من الآية129) أليس هذا يرفعهم؟ أليس هو هنا سخر كل كمالاته ومؤهلاته وأخلاقه ليرتقي بالناس إلى أعلى مستوى يمكن أن يصلوا إليه هذه هي السنة الإلهية، وهذه هي السنة التي يصيح منها الكثير من الناس! أعني: كأن الشيء الذي يريده الناس هو أنه، لا، نريد من النوعية الأخرى التي تتعامل معنا بامتهان واحتقار وانحطاط هذه مقبولة!!.
قد تكون المسؤولية مشتركة بالنسبة للموضوع هذا، بالنسبة للخطأ، أو لسوء الفهم الذي حصل في المسألة، ما بين من يقولون: بأن الله فضلهم، وما بين الآخرين، طرح من هنا بشكل ليس على هذا النحو القرآني، ومن الآخرين، أو قد يكون فعلاً أوجد مشاعر عند الآخرين وكأن الله ميز آخرين هكذا اعتباطاً، وأحطََّ آخرين.! تنسى النقطة المهمة وهي أن نقول: سلمنا فضلك الله، لكن فضلك لمن؟ لنا وأنت منوط بك مسؤولية هي تجعلك كلك لنا، مثلما قال عن رسوله، ومثلما قال عن كتابه.
أليس هذا أعلى شيء قدمه؟ هذا مظهر من مظاهر التكريم الذي ينسجم مع فطرة الناس، أنت عندما تكون مكرماً لشخص ألست ستنتقي له أفضل ما يمكن لديك؟ تنتقي له مثلاً لتعبر عن تكريمك له، أو ستبحث عن أسوء ما عندك له؟ أنت تعبر عن تكريمك لآخرين أو لشخص معين أو لمجموعة معينة من خلال أنك تختار لهم أحسن ما عندك إذا أنت تريد أن تضيّفهم مثلاً، وهكذا.
في الآيات السابقة من [سورة البقرة] وعلى أساس أن [سورة البقرة] ليست هي أول سورة نزلت وإن كنا نراها في أول المصحف بالنسبة لموقعها عندما يقول: {تِلْكَ الرُّسُلُ} تلك حصيلة أعمال الرسل والهدى الذي جاء به الرسل فيما حكاه عن بني إسرائيل أليس أدوار رسل داخل بني إسرائيل؟.
تجد كيف كانت المسألة أعني: كيف كان الهدى على هذا النحو العظيم جداً، من أين جاء الهدى؟ أليس على أيدي الرسل ومن خلال الكتب التي تنزل إليهم؟ ومع هذا تجد الإختلاف في الغالب يطرأ بعد أن يفارق أي رسول أمته بسرعة على الرغم من أنهم رسل على مستوى عالي، ويكون الرسول في اصطفائه، في اختياره بالشكل الذي باعتبار المجتمع الذي يتحرك فيه وبعث فيه، وباعتبار مهمته لا يكون فيه نقص عن أن يقوم بالدور المنوط به باعتبار مستوى المجتمع الذي بعث فيه والغاية التي يريد أن يصل بهذا المجتمع إليها، ولا تقصير فيما يأتي من عند الله سبحانه وتعالى من كتب.
ومع هذا تجد كيف يحصل بعد هؤلاء الرسل العظماء، وبعد تلك الكتب التي تعتبر بينات وهدى وموعظة ونور، ومتكاملة، متكاملة أعني: لا تقول أن منشأ الإختلاف هو: أنه موضوع من المواضيع نسي، نسي ذلك الموضوع الذي لم يتناول بالتركيز عليه مما كان له أثر أن نتج عنه إختلاف ومخالفة من خالفوا! لا. من خالفوا في كل ما قدم من حديث عن المخالفة هي تكون دائماً عن علم، بغي، وتعمد، وتعدي لحدود الله.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ}(البقرة: من الآية253) قد يحصل اختلاف إلى درجة الإقتتال وهذا حصل بعد موت الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) محمد وحصل بعد – تقريباً – كأنه في أغلب الرسالات حصل {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}(البقرة: من الآية253) أي أنهم اقتتلوا.
الإقتتال بالتأكيد يكون بعد اختلاف، وفئة تخالف فئة تخرج عن الطريق المستقيم، وتبغي وتعتدي {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}(البقرة: من الآية253). ما معنى البينات هنا؟ هل هي بينات تجعلهم يختلفون؟ أو بينات بالشكل الذي توضح لهم الطريقة التي لو ساروا عليها ما اختلفوا ولا اقتتلوا؟ {وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا} على الرغم من الرسل العظماء، الحكماء، الكاملين في أداء مهمتهم، الناصحين لأممهم، من بعد البينات العظيمة التي تأتي على أيديهم {وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ}(البقرة: من الآية253). فالنتيجة في الأخير تصبح هكذا.
أيضاً لاحظوا كلمة: [كفر] موجودة كثيراً في القرآن الكريم داخل صف من؟ المسلمين، داخل صف أتباع الأنبياء تجدها تتكرر كثيراً الكلمة هذه، عندما تفهم بأن معناها كفروا: رفضوا، رفضوا تلك البينات ورفضوا ذلك العلم فانطلقوا باغين متعمدين ليخالفوا! هذه القضية هامة جداً يؤكد عليها الله سبحانه وتعالى في القرآن، أن يفهم الناس أن الإختلاف لا يكون سببه ولا منبعه شيء من جهة الله، تقصير في بيناته، أو قصور في تبليغ رسله على الإطلاق، منشؤها فئات أخرى.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}(البقرة: من الآية253). هذه القضية يكون منشؤها عند البعض من معتقدات غير لائقة بالله سبحانه وتعالى، وكأنه شاء ذلك منهم! شاءه مشيئة نافذة أي هو أراد لهم أن يختلفوا أراد لهم أن يقتتلوا! البعض يقولون في الأخير هكذا! هذه قضية غير صحيحة. في الجانب الآخر يأتي أيضاً تأويل فيه نوع من التعسف أنه كيف نحاول أن نجعل {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا}(البقرة: من الآية253) بالشكل الذي تكون لائقة بتنزيه الله سبحانه وتعالى! لكن عندما نعرف قضية هامة: الغاية من خلق الإنسان هنا في الأرض، واستخلافه في الأرض هي غاية مهمة، غاية نهايتها الشهادة بكمال الله سبحانه وتعالى – كما تحدثنا في درس سابق – الشهادة بكمال الله، الشهادة بقدسية الله، بجلاله، بعظمته، بحكمته، بعلمه، برحمته، بكل ما تعنيه أسماؤه الحسنى.
لأنه بعد أن يأتي برسل على هذا المستوى العالي، ويأتي ببينات على هذا المستوى العالي، فانظر أنت في الأخير كيف ستكون نتيجة من يخالفونه، وكيف سيكون الآخرون ممن هم لا يهتمون بما يقدم إليهم من هدى، وبينات على أيدي هؤلاء الرسل، ومن داخل هذه الكتب الإلهية، كيف سيكون واقع من يخالفون هدي الله؟ أليس هذا في حد ذاته مما يعطينا شهادة على عظمة هدى الله؟ على عظمة رحمة الله؟ على حاجة الناس كل الناس إلى أن يتلقوا بإصغاء واهتمام لما يأتي من عند الله؟ وإلا ستكون النتيجة هكذا؟.
إذاً فالموضوع شهادة، ولهذا نقول: أن الإنسان يكون دوره هنا، أعني: المجتمع البشري، المجتمع البشري رغماً عنه، رغماً عنه ولو حصل على يده ما حصل من مخالفات فإن كل ما يعمله هو يشهد، تلك الأخطاء التي يعملها، ذلك الضلال الذي هو فيه يشهد بعظمة هدى الله، لأنه [وبضدها تتميز الأشياء] هذه قضية واضحة.
ولهذا نحن نقول أكثر من مرة: يجب أن ننظر إلى القضيتين مع بعض، أن تعرف أن الجانب السلبي هو يمثل شهادة أيضاً، شهادة بطريقة أخرى، أي: أنظر عندما لا يسير الناس على هدى الله كيف سيكونون؟ عادة يكونون مختلفين، أو الذين يتجهون إلى المخالفة المتعمدة قليل في المجتمع، قليل، لكن هذا القليل يواجه ساحة من الكثير الذين ما كانوا يهتمون بالشكل المطلوب، عندما يقدم لهم هدى الله، ولهذا نحذر دائماً من قضية: [القضية معروفة الموضوع معروف] وأنها قضية يجب أن تنسف من أذهاننا، دائماً تكون مهتماً مفتحاً وإلا ستكون ضحية أنت للآخرين، النوعية، هذه وسيكون الضحية، هؤلاء البسطاء هم يقاتلون فيما بينهم، ويجعلونهم محرقة لأهوائهم، محرقة لضلالهم، محرقة لبغيهم وتعديهم.
الذين يتجهون إلى المخالفة المتعمدة يكونون نوعية من البشر قليل، وقد قال لنا في القرآن بأن هناك نوعية من الناس نوعية لا ينفع فيه شيء ولا يسمع لشيء، ولا يتجه لشيء، هذه النوعية ستبقى غير مؤثرة إذا ما كان الباقون – الذين ليس لهم الدوافع – مهتمين بالشكل المطلوب عندما يقدم لهم هدى الله، دوافع البغي والتعدي ليست قائمة عند الكثير من الناس هذه، لكن هم – عادة – يصبحون ضحية بساطتهم عندما كان يقدم لهم هدى الله على يد أنبيائه ومن داخل كتبه، وعلى أرقى مستوى، ثم لا يصغون بالشكل المطلوب، ويلتزمون حرفياً، ويقدرون القضية حق قدرها، ويهتمون بها اهتماماً كبيراً بمعنى: أنه هكذا قدم الله هداه ونبه الناس على أنه يجب أن يتفاعلوا بإيجابية مع هداه وإلا فليجربوا أنفسهم وليذوقوا وبال إهمالهم، وبساطتهم، وعدم تفاعلهم.
لاحظ كيف تنتهي المسألة؟ هذه قضية بهذا الشكل لا نحتاج نقول: نربطها بعقيدة سيئة بالنسبة لله تتنافى مع قدسيته وجلاله، ولسنا بحاجة إلى تمحلات من ذلك النوع على أساس أنه فيما يتعلق بقضية: [الأفعال] أي: أن الله هو الذي حرك أيديهم ليقتلوا بعضهم بعض! ليست المسألة هذه.
لاحظ موقف أمير المؤمنين لتعرف كيف المسألة، موقف الإمام علي عندما يقول البعض: لماذا لم يتحرك الإمام علي ويذهب يقاتلهم ولو ضحى بنفسه، لو لم يكن إلا هو وأولاده؟ لا، إنك لاحظ هذا المجتمع قدم له هدى الله على أرقى مستوى، ومن الهدى الذي قدم له على أرقى مستوى أن قال لهم: تمسكوا بهذا الشخص [علي] وهم يعرفون علياً من أول يوم في الإسلام، يعرفون علياً في معارك الإسلام، يعرفونه في كل المواطن، يعرفون مدى اهتمام النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) به لم يقل: ((من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه)) في مجلس معين، أو في زاوية من زوايا المسجد، أو لأربعة أو لخمسة، في يوم ظاهر شاهر – كما يقول الناس – ويوم شمس مشرقة، أعني: نور واضح، حتى لا يقولون: كان هناك ضباب لم ندر، ولا رأينا من هو الذي رفعه، شمس واضحة، وصحراء بينة، لا يوجد فيها إلا أشجاراً معدودة التي وقف تحتها حتى لا يقولون: [كان هناك شجرة ما عرفنا والله من هو الذي قام معه، كان قدامي شجرة سدر، أو طلحة، أو أي شيء من هذا].
أليست صحراء واضحة؟ وشمس محرقة؟ أي نور واضح، لا ضباب ولا أشجار، ولا صخرات، ولا مطبات، ولا شيء أمامهم، قضية واضحة، ثم ترص له أقتاب الإبل يعني: أن هناك جمع، أن يكون هناك عدد كبير من أقتاب الإبل ترص له، أليس هذا يعني شهادة: بأن هناك أناس كثير حاضرين لا يمكن أقتاب إبل إلا والإبل كثيرة، ولا إبل كثيرة إلا ويوجد ناس؟ أليس هذا شيء معلوم؟ ثم يصعد ولا يطلع هو لوحده، وهم يعرفونه، ويعرفون صوته، ويصعد معه بالإمام علي.
لاحظ كيف يقدم بلاغ الأنبياء حتى نعرف خطأ كل من يحاول يقدم تأويلات لمن يختلفون بعد الأنبياء، أنك في نفس الوقت تحاول تنزه أشخاصاً، وتلحق بالله ما هو نقص، تلحق بالله النقص، وتلحق بأنبيائه النقص من أجل أن تنزه أشخاصاً هم خالفوا متعمدين.
يطلع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ويخطب ما هي أول كلمة يقولها؟ لأن هذه قضية هامة، حتى لا يقولون: لم نكن منتبهين، يخطب حتى يكونوا هم مستقرين، وهادئين، وساكتين، ويأتي بالكلمة ويمهد لها بشكل يربطها بالله.
لهذا نقول في حديث الغدير: حتى نحن نقدمه بشكل مختزل [قال: من كنت مولاه فعليٌ مولاه]! لا. يجب أن تنظر إلى الموضوع من أصله ((أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين)) هذا تسلسل مثلما قال النبي في بني إسرائيل: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً}(البقرة: من الآية247) ((إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين فمن كنت مولاه فهذا – هذا – عليٌ مولاه))، هل هناك أوضح من هذه؟ لا يوجد أوضح من هذه. ذلك المجتمع الذي سمع الكلام هذا هل أحد يستطيع أن يفرض عليه موقفاً آخر؟ هل كان لدى أبو بكر وعمر مثلاً، وتلك المجموعة ما يفرضونه أمام هذا البيان؟.
إذاً موقف الإمام علي هو نفس موقف الآيات القرآنية هذه، من بعد ما يكون هذا المجتمع سمع كل شيء، وفهم كل شيء، وذكرهم أيضاً هو، وذكّرتهم الزهراء هي أيضاً، وذكّرهم العوّام، وذكّرهم آخرون، لم يرضوا. إذاً فليجربوا أنفسهم. هذه سنة إلهية، هذه سنة إلهية داخل الأمم، الناس إذا لم يستجيبوا لهدى الله فليجربوا أنفسهم، وسيذوقون العواقب السيئة نتيجة تقصيرهم ونتيجة مخالفتهم.
ألم يقم الإمام علي بكل ما لديه من وسائل؟ حتى في الجانب العسكري قال هو: ((فطفقت أرتئي بين أن أصول بيدٍ جذََّاء)). الكثير بسطاء أثر عليهم آخرون؟ ونحن نقول أكثر من مرة: يجب أن نفهم الأمور على هذا النحو لا نقع في الإحراجات التي وقع فيها الآخرون ما بين مقدس للصحابة على الرغم مما هم عليه، وما بين من له موقف سلبي تماماً يعتبر بأنهم كفروا بما تعنيه الكلمة. نقول: لا، يوجد حالة أخرى، حالة أخرى هي حالة البساطة، حالة أللا مبالاة، التي يمكن أن تحصل مع إيمانك بالقضية، مع إيمانك بالقضية.
كل الناس كانوا مؤمنين بأن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) قال هكذا لعلي سلام الله عليه في [يوم الغدير] ويعرفون ما قال سابقاً، لكن لم يعطوا القضية الأهمية اللائقة بها، كانوا ضحية للآخرين عندما ضلوا، وقلنا أكثر من مره: التضليل عادة في مواقف معينة، لا يلامس القضية الأساسية لديك فيدفعك إلى أن تكفر بها، هذه لا تحصل. هل إبليس ذهب إلى آدم ليقول له: أكفر بمسألة النهي عن أكل الشجرة؟. هل قال له هكذا؟ لا. [مجابر ثانية والموضوع هناك]. هل قدموا لهم أن يكفروا بما قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لعلي؟ قدموا أسلوباً آخر [علي قد قتل أناساً وعلىٌ كذا، وهناك أناس آخرون ويمكن نجربهم والمقصود واحد ورسول الله همه واحد، وهؤلاء الناس تعرفونهم كانوا قريبين من رسول الله] وأشياء من هذه تجعلك تتقبل المسألة التي تعتبر مخالفة، ولا يطلب منك الكفر بما سمعته من النبي، وهذه من أخطر الأشياء، من أخطر أساليب الضلال هذه الطريقة.
لم يرضوا يسمعوا ولا يتفهموا!.الإمام علي تركهم يجربون، جربوا أبا بكر، عمر، عثمان، وفي الأخير ذاقوا هم وبال أمرهم، وأهينوا، الأنصار أولاً، الذين اجتمعوا في السقيفة! ألم يكن المفروض لأولئك أن يجتمعوا مع علي؟ لا أن يجتمعوا هناك لوحدهم، ويأتمروا لوحدهم على أساس أنه ربما لا تتم المسألة لعلي! لأنه إجلسوا أنتم معه تتم، عندما يكونون مثلاً ولو ثلاثين شخصاً، ولو خمسين شخصاً يذهبون إليه، لا أن يقولوا: [ربما لا تتم المسألة أحسن أن نكون قد انتبهنا لأنفسنا حتى لا يأتي آخرون يمسكون بزمام الأمور فيظلموننا] ما نفعتهم هذه، ظلموا، وأهينوا في أيام أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، ويزيد اجتاح المدينة إجتياحاً رهيباً جداً قتل حوالي سبع مائة شخص أو أكثر منهم، وانتهك أعراضهم ودمر بيوتهم، قضية رهيبة جداً حصلت لهم، أي: هذه القضية قائمة في دين الله، هذا هدى الله هل الناس سيقبلونه؟ يجب أن يقبلونه وإلا فيجب أن يعرفوا بأن البديل هو الخزي، والعواقب السيئة في الدنيا والآخرة.
و{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ} كما سيأتي بعد {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}(البقرة: من الآية256) إذا ما تريد تستقيم ستذوق أنت العواقب السيئة للغي، للضلال.
الله سبحانه وتعالى في المشيئة يستطيع أنه يوقفهم، أليس هو يستطيع أن يجمد أيديهم؟ لكن قد قدم لهم ما كان يجعل أيديهم بناءة، وأيدي خيرية، وليست أيدي تتحول إلى خلق قتال بعد أنبياء الله بسبب مشاققتهم، وخلافهم وبغيهم، أعني: العبرة في هذا هو أننا نحن ننظر، وكل الناس ينظرون هكذا تكون عاقبة من يخالفون هدى الله، وتكون هي في حد ذاتها فيها هدى للناس.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا}(البقرة: من الآية253) لتبقى القضية من واقع الحال، من واقع حياة الأمم شاهداً، أو قضية يهتدون، يهتدون هم يفهمون، البسطاء، الكثير الذين لا يهتمون، يفهمون أنهم سيكونون ضحية للمضلين الذين هم – عادة – قليل، من يخالفون بغياً، عادة يكونون قليلاً، مثلاً بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مجموعة معينة لو توقفت عن بغيها، ومخالفتها المتعمدة، أولئك البسطاء كان يمكن أن يسيروا على ما قال رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يوم الغدير، والإمام علي يحكمهم، وليس هناك أي مانع، ولن يشاققوا ولا شيء، هذه كان يمكن أن تحصل، لكن بساطتهم، ولهذا أجابوا على الزهراء قالوا: [خشينا الفتنة، أو نخشى الفتنة]! أي: قد جاء كلام كثير، [وقوفنا مع الإمام علي سيؤدي إلى اقتتال، وقد وقف مع أبو بكر ألت فلان وألت فلان وعليٌ أنتم عارفين ربما الناس الذين يكونون معه قد يكونون قليل ربما يجتمعون مع الآخرين ويؤدي إلى اقتتال وعدو من خارج و.. و..] إلى آخره، أعني بهذه الطريقة يجعلونهم يقولون: خشينا الفتنة. قالت لهم الزهراء: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا}(التوبة: من الآية49) هذه هي الفتنة.
فهذه فيها هدى لنا، هدى للناس أن يفهموا، هكذا؛ ولهذا كانت قضية خطيرة جداً على من اختلفوا بعد آخر الأنبياء، وبعدما ذكر لهم ما حصل بعد الأنبياء الكثير، ألم تكن بالشكل الذي تفرض عليهم أن يكونوا منتبهين بشكل كبير يسطر ما حصل بعد الأنبياء السابقين، ثم ما حصل بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله). أليست بالشكل الذي تفرض على الناس أن يتنبهوا من بعد، يتنبهوا فعلاً، فإذا ما كانوا أمام القرآن أعني: أن يكونوا حريصين على الإهتداء بشكل جاد، وإلا سيكونون ضحية للتضليل.
إذا كان أولئك الذين تعاملوا مع كلام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، مع شخصه – وهو الذي يحدثهم هو، والقرآن يتنزل عليهم – ببساطة، لأنهم مؤمنون برسول الله، والآيات [وصدق الله العظيم، وباهر، والقضية معروفة، ومسلّمين] لكن ليس هناك شيء تفكر، ليس هناك تركيز، ليس هناك التزام حرفي، فاعرف بأنه سيحصل حتى بالأولى بعد آخرين لأنه ليس هناك أحد في الأمة سيكون مثل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولا حوله، بعد رسول الله، وبعد الإمام علي، وبعد الحسن والحسين. ليس هناك أحد ترى بأنه سيكون مثل واحد منهم أبداً. لكن يجب أن نلحظ ماذا؟ كل هذه الأمثلة لأنها تمثل أيضاً، تعطينا وعياً، تعطينا بصيرة، تراهم اختلفوا بعد أنبيائهم نتيجة بساطة هؤلاء، وتعمد، وعدوانية، وبغي فئة معينة. إذاً فيجب أن نحذر فلا نكون بسطاء، ولا نسمح لأولئك المخالفين، والمعاندين أن يكون لهم كلمة تسمع.
لهذا أنا أستبعد مسألة: أن الإمام عليا كان يقول: [حقي وتراثي] وأشياء من هذه! لا أعتقد أن هذه صحيحة مسألة: حقي، حقه الشخصي، وعبارة قالوها عنه: [والله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن الظلم إلا عليَّ]. هذه عبارة غير صحيحةً، بعيدة جداً، أعني: هذه عبارة من لا يعرف ولاية أمر الأمة وأهميتها. كيف يمكن لإنسان يعرف أهمية ولاية أمر الأمة بالنسبة لاستقامة الأمة ويكون ما يزال معتقد أنها ستسلم أمور المسلمين! هل سلمت أمور المسلمين من ذلك اليوم إلى اليوم؟! ما سلمت.
إذاً ففي المسألة دروس هامة، ولولا أن فيها دروساً هامة جداً، وعبرة للناس، تمثل في حد ذاتها هدى للناس كأمثلة واقعية، من الواقع، من الأمثلة السلبية، يكون هناك نماذج تقدم هدى: طالوت، والمؤمنون معه، أليست هذه نوعية، والنوع الآخر أيضاً، نماذج، تعرف أنت خطورة الجانب السلبي عندما تعرض عن هدى الله.
فعندما يأتي البعض يقولون: إذاً الإمام علي ما دام أنه ما قاتلهم، إذاً فمعناه: وكأنه رضي بهم! لا، هي هذه السنة، هي هذه، يحاول أن يبين لهم، وقد بين لهم الرسول على أكمل طريقة، هل ما يزال يحتمل أن رسول الله قصر؟ فيحتاج الإمام علي يتكلم؟ كل ما يأتي من الإمام علي هو زيادة خير فقط؛ لأن الفترة قريبة ما بين يوم الغدير، وبين يوم موت الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) والناس هؤلاء هم الذين عاصروا النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) ويعرفون علياً تماماً حتى ولو لم يتكلم، لو لم يتكلم، أما عندما يكون قد تكلم، وبين والزهراء تكلمت، وآخرون تكلموا هذا كله يعتبر زيادة من عندهم، وإلا فكان ما قد حصل من عند النبي فيه الكفاية؛ لأنه نفس الجيل، نفس الأشخاص، والقضية قريبة أعني: ما قد طالت الفترة من يوم الغدير إلى موت النبي (صلوات الله عليه وعلى آله).
في الأخير يقولون: إذاً هو عندما لم يقاتلهم فكأنه أقرهم على هذا! لا، لا يوجد مسألة إقرار، إن المسألة أنه بين المسالة وإذا نفس المجتمع ذلك نفسه ما أعطى القضية أهميتها! إذاً فانطلقوا جربوا أنفسكم، وانظروا كيف.
وهذه القضية أساسية في موضوع هدى الله، هل تجد الإمام علياً مثلاً أيام حكمه ألم يكن باستطاعته أن يمارس حكم معاوية وطريقة معاوية، وطريقة الحكام من بعده؟ ألم يكن باستطاعته؟ أي واحد منا يستطيع أن يحكم الأمة على طريقة الحكام هؤلاء، وبكل بساطة، تقمع هذا، وتوزع أموال المسلمين لهذا وهذا! يستطيع الإنسان لكن،لا، المسألة قائمة على أساس أن يكون هناك وعي عند الناس هم؛ لأن القضية مرتبطة بهم هم، أن يكونوا واعين أنهم عندما يستجيبون، وعندما يهتدون بهدي الله سيصل بهم إلى أعلى مستوى، وإذا ما خالفوا سيذوقون هم وبال أمرهم أعني: لن تكون القضية عادية أنه فقط خالفوا، وعاندوا، وعاشوا حالة اللامبالاة، وعدم الإهتمام، ومشت الأمور طبيعية، سيضربون؛ لأنها لم تقدم ولاية الأمر في الإسلام بالشكل الذي يحس الإنسان بحالة من الكبت، أو القهر، أو ضعة النفس، مثلما يحصل في ظل حكام الطاغوت، ما تحصل هذه على الإطلاق.
ألم يكن الإمام علي – وهو في الكوفة – بالشكل الذي بعضهم يتعاملون معه كأي شخص آخر؟ لكن يأتي معاوية، أو آخرون، وإذا كل واحد يشعر بأنه هناك، ضعة، تحطيم للنفوس، نسف للتكريم للإنسان لأن الله جعل ولاية أمر عباده بالشكل الذي يكون لائقاً مع تكريمهم، فإذا كانوا كرماء فليسيروا على هديه وإلا فليسوا كرماء سيدوسهم الآخرون، سيحكمهم من يليق بمثلهم.
ولهذا كان أثر معروف ما أدري هل حديث معين، أو أثر، المهم أنه مقولة واقعية: [كيفما تكونوا يولى عليكم] أنتم كرماء لن تقبلوا إلا كرماء، أنتم ما عندكم اهتمام بالجانب هذا، أي نفوس منحطة، لا تبالي، سيأتي لكم من نوعكم {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً}(الأنعام: من الآية129) هذه القضية ثابتة، وإلا فالإمام علي كان يستطيع أن يحكم العالم كله بطريقة معاوية ولا أحد يتجرأ أن يخالفه، ولا أحد يجرؤ أن يخرج عن صفه؛ لكن يكون فيها ماذا؟ خوف عند كل واحد حتى لا أحد يوشي به عند السلطان، لا يأتي أحد يلفق عليه قضية، لا يقدّر ربما أنه متآمر عليه، فيمسحه، أشياء من هذه.
يعيش الناس نفوساً منحطة، النفوس المنحطة في الأخير لا تعود جديرة بأن تنهض بالمسؤولية، لهذا لاحظ الآن الشعوب العربية الآن كيف واقعها؟ أليست شعوباً ضرب تكريمها، ضربت كرامتها من قِبل حكامها حتى في الأخير لم يعد موجود عندهم عزة نفس، ولا كرامة بأن يكونوا مستعدين أن يواجهوا العدو الآخر مهما كان سوءه أبداً؟ نفوس قد روضت على الإذلال والإهانة، والإحتقار حتى أصبحت لا تعد تبالي يحكمها من يحكمها.
فالتربية الإسلامية هي بالشكل الذي يجعل الأمة، يحمل الناس فيها نفوساً رفيعة، يشعرون بطمأنينة، يشعرون بتكريم، لا يخاف على نفسه، لا يخاف من مجرد كلمة تقال عليه، لا يوجد قتل على التهمة، والظنة كما يعمل الآخرون، لأن النفوس الرفيعة هذه تكون هي الجديرة بأن تكون ماذا؟ تواجه الأعداء الخارجيين، وترفض أي طغيان يريد أن يتحكم عليها، ويفرض نفسه عليها.
إذاً فنحن ننظر إلى الآيات هذه من منظار ما فيها من هدي، تجد نظائر لها مثلاً ما يسمى بأخطاء لأنبياء في مجال عملهم مثلما حصل في [سورة عبس] مما حكاه الله عن نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله) أليست أشياء الله سبحانه وتعالى يستطيع من قبل أن يوجهه أنه لا يجلس مع أولئك، وأن لا يعمل… بحيث لا يحصل منه الخطأ؟ أليس هذا ممكناً؟ تترك المسألة لأن فيها درساً هاماً جداً، تمثل هدى عظيماً جداً للناس، لنفس النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، وللناس من بعده، لمن يكونون هداة، وللكل يعرفون بأن دين الله يجب أن يدخل الناس فيه من باب واحد هو باب العبودية لله، ليس هناك دخول من فوق ومحاولة أقلمة للدين مع الكبار هؤلاء، وإملاءات معينة من أجل أنهم يدخلون في الإسلام.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(البقرة:254). أمر للناس بالإنفاق بشكل عام، وستأتي أكثر الآيات التي سمعناها الليلة تتناول موضوع الإنفاق بشكل كبير بمعنى: أن الإنسان عندما ينفق هو إنما ينفق مما رزقه الله، لماذا تبخل بالشيء الذي لم يبخل به الله عليك؟ عندما يقول لك: تنفق فأنت لا تنفق من الشيء الذي أنت أبدعه وفطره وخلقه، هو مما رزقك الله، وعندما تنفق مما رزقك هو أيضاً لمصلحتك أنت، لما فيها ليوم القيامة لأنه كلما تنفقه هنا أنت بحاجة إليه في يوم القيامة، يوم القيامة لا يوجد فيه بيع وشراء، لا يوجد فيه أي محاولة كسب أشياء.
{لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ}. من المخاللة، من الصداقة، أو الصحبة {وَلا شَفَاعَةٌ} لا أحد يشفع لأحد إلا لمن ارتضى {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. الكافرون بهدى الله، بتوجيهاته، فهم الظالمون لأنفسهم، هم الظالمون أعني: لا يكون ظلم الإنسان حتى محصور في دائرة نفسه، ظلمك لنفسك في الأخير له علاقة كبيرة بالظلم للآخرين.
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}(البقرة:255). هذه آية الكرسي من أهم الآيات في القرآن، من أهم الآيات في كونها آية تمجيد لله سبحانه وتعالى، وآية تحكي عن سعة علمه فيما يتعلق بالدنيا هذه، وفيما يتعلق بالآخرة، وأنه قيوم السماوات والأرض، هو الإله الذي لا إله إلا هو سبحانه وتعالى، هو الحي القيوم لا تأخذه سِنَةٌ، سِنَة يقولون: أنها أول النوم [الهقادة] ويسمونه: نعاس. {وَلا نَوْمٌ} يغط في النوم، لأنه قيوم السماوات والأرض.
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}. بمعنى: أنه عندما يخبر بموضوع الشفاعة، هو تقدم في موضوع الشفاعة في الآية السابقة، وتجد مثلاً الآية هذه لها علاقة بالآية الأولى فيما يتعلق بالناس الذين يختلفون بعد الأنبياء. عادة الإختلاف بعد الأنبياء يكون بشكل مقلق للطرف هذا الذي يخالف فيحاول أن يقدم معتقدات معينة غالباً ما تكون بالشكل الذي يؤمن الناس من ماذا؟ من عذاب الله.
موضوع شفاعات أليست هذه حصلت في الرسالات من بعد الأنبياء عند اليهود؟ تقدم ما قال الله عنهم: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً}(البقرة: من الآية80). والنصارى أيضاً حصل عندهم بأن المسيح يدخلهم الجنة، أما هو فقد شفع من الآن ذبحه كفارة لخطيئات الناس! يخطي واحد كيفما أراد فليس عليه شيء وهو يحب المسيح!.
لاحظ كل هذه يعني: أن قضية جهنم قضية مزعجة، وأن يظل الناس خائفين من جهنم يكونون بشكل أعني: بعيدين عن الاستجابة لأطراف أخرى في أشياء قد تبدوا في مرحلة من المراحل، أو في موقف من المواقف، أو على أيدي أحد من الناس أنها قضايا خطيرة تؤدي بأصحابها إلى النار فيكونون قد أمنوا، هناك شفاعات! هذه حصلت بعد موسى، وحصلت بعد عيسى داخل أهل الكتاب كلهم، وحصلت بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ألم تقدم هذه القضية: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي].
إذاً أنت لاحظ هنا يقول لك في موضوع المال، وأمام أمر بطاعة: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ}(البقرة: من الآية254). أنتم عندما لا تنفقون مما رزقناكم تقدمون على الله خاسرين ليس هناك شفاعة، ليس هناك بيع ولا خلة ولا شفاعة؟ فإذا كان ينفي الشفاعة هنا هل يمكن أن تفترضها صحيحة فيما يتعلق بالمخالفات للأنبياء؟ هل يمكن أن تفترضها صحيحة في القضايا الكبيرة التي فيها اختلاف بعد الأنبياء واقتتال وتقديم ضلال؟ لا يمكن. هنا ينفيها في موضوع أعني: هو وجه إلى عمل معين ويقول لك: أنت بحاجة إليه؛ لأنه ليس هناك شفاعة فكيف يمكن أن يُؤمِّن مجرمين ويقول لهم: أن هناك شفاعة؟.
فيقول في آية الكرسي: بأن الله وحده الإله، فليس موسى إله، وليس عيسى إله، وليس محمد إله، وليس أحد من الناس يمكن أن يكون له نفوذ في ذلك اليوم، هو وحده الإله، وهو قيوم السماوات والأرض وفي نفس الوقت، في اليوم الآخر هو يعلم ذلك اليوم، هو الذي يأتي بذلك اليوم، في الموعد الذي حدده هو، وهو الذي يبعث عباده، يبعث الناس، وهو الذي يحشرهم، وهو الذي يحاسبهم ليس هناك نفوذ لأحد من خلقه على الإطلاق كائناً من كان {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}، وكلمة: {بإذْنِهِ} ستعرف بأنه بعيد أن يشفع للمجرمين عندما ترى أنه يقول لمن لا ينفقون في سبيل الله: أنهم لن يجدوا شفاعة، فكيف من يكونون على هذا النحو الذي يحصل من بعد الأنبياء، وعلى طول مراحل – تقريباً – التاريخ: جرائم كبيرة، إنتهاك للأعراض، قتل، سفك للدماء، تحريف للدين، جرائم كبيرة فكيف يمكن أن تقبل [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي]؟.
أليس الله يقول: بأنه ليس هناك شفاعة على الإطلاق؟ هو يعلم هو ما معنى أنه يخبر عن يوم قد تأتي فيه ترتيبات آخرين يرتبون هذا اليوم، أو الذين دعوا إليه هم آخرون فتكون القضية احتمالات ربما تأتي شفاعة، لا، هو، هو يعلم بأنه لا يمكن أبداً لأنه هو الذي يقوم بشؤون ذلك اليوم هو سبحانه وتعالى {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}(غافر: من الآية16).
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}(البقرة: من الآية255)يؤكد إحاطة علمه بحيث لا يبقى أي احتمالات بأنه ربما يكون هناك شفاعة، أو ربما تقبل مغالطة معينة، نرتب مسألة معينة فقد تنفق هناك، هو يعلم بدينه الحق، ويعلم بالضلال، ويعلم بالضالين، ويعلم بالمهتدين، ويعلم بأنه لا أحد يشفع لهؤلاء على الإطلاق، وأنه لا تتم شفاعة هناك إلا بإذنه، وهو يعلم لمن سيأذن، أليس الله هو سيعلم لمن سيأذن؟.
{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}(البقرة: من الآية255). إذاً العلم هو من عنده {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً}(الإسراء: من الآية85).
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}. الكرسي هنا: بمعنى العلم، وقد تختلف مسميات العلم، قد تكون مثلاً عندك علم لكن علمك عبارة عن معلومات، أو تكون أنت عندك علم بالشكل الذي يجعلك أنت مصدر معلومات، مصدر علم مثلما يقولون: [فلان كرسي الزيدية] ألم تكن هذه عبارة معروفة؟ ماذا يعني؟ هذا عنده علم، وهذا عنده علم، وهذا عنده علم لكن علم هذا، عنده علم يعتبر ماذا؟ مصدر علم يؤتي علم، منبع علم.
فالله سبحانه وتعالى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} علمه الذي هو على هذا النحو ليس مجرد معلومات من الآخرين لأنه هو الذي يؤتي العلم هو، هو الذي يمنح العلم هو، فعلمه كرسي، كرسي بما تعنيه الكلمة.
{وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}، {وَلا يَؤُودُهُ}: لا يشق عليه، ولا يثقله أبداً {حِفْظُهُمَا}: حفظ السماوات والأرض، وحفظ ما في السماوات وما في الأرض، وحفظ أعمال الناس. هذا يبين بأنه الإله وحده، وأنه الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض، ويعلم هو الذي يعلم بأنه لا يؤتي الشفاعة أبداً؛ لأن مسألة {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ} هي قضية داخل آية الكرسي رئيسية، تقرير موضوع الشفاعة {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} بهذه العبارة يعني: هو الإله وحده، إذاً فمن ذلك الذي يمكن أن يشفع لأحد إلا بإذنه، وعلاقتها بما قبلها من الآيات هامة، علاقة هذه الآية السابقة في موضوع الشفاعة {يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ}(البقرة: من الآية254) في موضوع إنفاق هل سيأمل المجرم بشفاعة؟ وهنا لا يأمل الذي لم يقدم طاعة معينة فينفق من أمواله.
ولأنه سبحانه وتعالى هو العليم الذي وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو يعلم السر والنجوى، ويعلم الغيب والشهادة، وقال في تنزيل القرآن: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفرقان: من الآية6).
قال فيما بعد في موضوع الدين: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:256). هذه قضية مناسب جداً أننا نتفهم حولها لأنها من الآيات التي يشتغلون فيها الآن، يحاولون يهدؤوننا أن نترك ظلم الغربيين، وأن نشفق بهم! وكأننا نحن من قواعدنا العسكرية في صحاريهم، وفي براريهم، وفي مدنهم، وفي بحارهم فنسمع من يقول: [{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} لا إكراه، الله قال: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. دعوة يا أخي فقط وافق الآخر وإلا فيكفي، كل واحد على ما هو عليه والباري سيحاسبهم كلهم، كل واحد سيحاسب لوحده] بطريقة يراد منها عندما يقدمونه على هذا المنطق يراد منه أن الإنسان لا يكون لديه أي مشاعر تدفعه لأن يكون له موقف قوي في مواجهة أعداء الله.
أعني: هم يتحدثون فعلاً حول هذه الآية! ليس الآن وقت الحديث عنها على الإطلاق لأنه لو كنا نحن المتجهين لنكره الغربيين على الإسلام كان ممكن أن يتحدثوا حول الآية هذه، أما والأمريكيون هم، والإسرائيليون هم المتجهون لفرض ثقافتهم علينا، لاحتلال أوطاننا، لمحاربة ديننا فليوجهوا الآية إليهم يقولون لهم: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. فكيف تكرهون في ثقافتكم أنتم؟ كيف تفرضونها على الآخرين والله يقول: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} كسنة ثابتة في دينه كله، لا يقوم على أساس الإكراه، يقوم على أساس التبيين، وقد تحدث، أليس هذا تبيين واضح؟ كم أعطانا من تبيين خلال هذه السورة الواحدة من القرآن؟ كم أعطى من تبيين خلال الحديث عن بني إسرائيل أي: أن الله سبحانه وتعالى لأنه العليم لا يعجزه أن ما لديه معلومات وإنما فقط هكذا عملية قسر، لا، يجعل دينه قائماً على أساس التبيين، والتبيين الوافي، التبيين الكامل…
الآية هذه تحكي قاعدة عامة، أو تحكي سنة، عبارة {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} هي تحكي قاعدة عامة، أو سنة إلهية في الموضوع، في الدين، وكيف المسألة، ليس معناها كما يقدم بالشكل الذي يجعلك تقر الآخر على ما هو عليه. هؤلاء هم في نفس الوقت يقدمون تفسيرهم بالشكل الذي يشهد بأنهم مخالفون لأنبياء الله، وكتبه، وللقرآن الكريم بالذات الذي في هذه الآية.
يجب أن نفهم في المقدمة الدين عندما يقول: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} نفهم الدين ما هو أساساً، أليس في الدين إقامة العدل؟ أليس في الدين أن يكون الناس قوامين بالقسط، أليس الدين عبارة عن إصلاح للأرض التي هي لله؟ أليس الدين هو من جهة الله سبحانه وتعالى؟ منهج وهدى ليسير عليه عباده الذين خلقهم هو في الأرض التي خلقها هو.
بالنسبة للزمان الذي نحن فيه يوجد شواهد كثيرة على الآخرين، على الآخرين بحيث تستطيع أن تقنعهم أمام أي محاولة لتحريف معاني القرآن الكريم. معلوم الآن في مجال التقنيين، في مجال أعني: فيما عليه الدول عندما تكون في دولة معينة أن نظامها، قانونها أنت ملزم به كما الآخرون ملزمون به يجري عليك أحكام، قوانين، ودستور تلك الدولة، أليس هذا حاصلاً؟ إذاً الأرض هذه لمن هي؟ أليست لله؟ هي لله، ومن هو الملك؟ هو الله، وهذه هي دستوره وقوانينه بتعبيرهم.
إذاً أليس شيئاً طبيعياً والناس كلهم متفقون عليه: أنه من كان على هذه الأرض تجري عليه أحكام الملك الذي هو ملك هذه الأرض فيخضع لقوانينه. فلماذا البشر متسالمون فيما بينهم بالطريقة هذه: أنه في الإقليم المعين، في البلد المعين، من دخل هذا البلد تجري عليه قوانينه وأنت في بريطانيا، أو أنت في أمريكا، أو أنت حتى داخل إسرائيل! يجري عليك قوانين الدولة التي أنت فوق تربة أرضها، أما قانون الله، أما شريعة الله، أما نظام الله لا!؟ ليس معه مكان، لم يجعلوا له مكان في الأرض نهائياً، ولا أحد ملزم به، ولا أحد تجري عليه قوانينه!.
إذاً هذه القضية معروفة لديهم، قضية متسالم بها عالمياً – تقريباً – إذا كان يوجد مثلاً فيما يتعلق بالقوانين باقي قوانين في التعامل العالمي يوجد هناك قوانين أخرى، وقرارات أخرى من جمعية الأمم المتحدة يسمونه القانون الدولي.
إذاً أليس القانون الدولي في الأخير يجرونه على الناس، الذين يتحركون في هذا العالم في مجال التنقل مثلاً، التبادل التجاري فيما بين الناس، والتبادل الدبلوماسي فيما بين الدول، وأشياء من هذه؟ أليس هناك قوانين دولية؟ لاحظ كيف عملوا قوانين إقليمية، وقوانين دولية فتجرى في آخرها على الناس جميعاً ومن الذي صنعها؟ عبيد الله، من دون إذن الله، لكن قانونه هو ليس له مكان، أليسوا هم يكرهون؟ أليس لديهم سجون؟ ويعاقبون من خالف القانون باعتبار أنه تجري عليه أحكام قانونهم في أي بلد أنت، بل تطور الأمريكيون إلى درجة أنه ليس فقط قوانينها داخل بلادها فقط، بل وحتى خارج أنه من عمل شيئاً يمس مصالح للأمريكيين يحاكم هناك، ألم يسحبوا كثيراً ممن يسمونهم بتنظيم القاعدة إلى هناك؟ ويتدخلون في التحقيق مع أي ناس يتهمونهم بأنهم ارتكبوا أشياء ضد مصالحهم كما يقولون؟ أليسوا يعملون الآن مكاتب تحقيقات في معظم الدول بما فيها اليمن؟ هذه قضية.
القضية الثانية: أنه معلوم الآن وواضح أنهم يتجهون لفرض ثقافتهم عن طريق ماذا؟ عن طريق قوتهم العسكرية، عن طريق ضغوطهم المتنوعة: اقتصادية، سياسية، عسكرية وغيرها، أليست هذه قضية ملموسة؟.
إذاً فهم هم يمارسون هذا الشيء فهل يمكن أن يقبل من جانبهم هم؟ أن يقولوا: لا، لا إكراه! وهم هم يمارسون الإكراه فيما هو دون الدين، فيما هو دينهم هم، فيما هو ثقافتهم هم، هل يقبل منهم أن يقولوا: لا إكراه في الدين؟ وهو يكرهك على ثقافته تقبل ثقافته، وتتخلى عن الدين، ألم يصلوا إلى درجة إبعاد الناس عن الدين؟ إكراههم على إبعادهم عن الدين؟.
إذاً كان يكفي في مواجهة هؤلاء الذين يبرزون أحياناً في التلفزيون أن ينبهوهم ويقولون: ليس هذا مقام أن يقدموا الآية هذه لهم، لكن يقدموها لنا أعني: ليس هو مقام أن يقدموها لنا في مواجهة ما يأتي من جانبهم، بل يقولون: أنتم تعملون هذه الأشياء حتى لو فرضنا والدين كما تقولون: بأننا نكره الناس عليه، وأن الإسلام انتشر بالسيف، وأنه يقوم على القهر، وأشياء من هذه، فأنتم ماذا تفعلون الآن؟ أليسوا يفعلون هذه الأشياء؟ يجب أن يفهم الناس هذا بأن ما يعملونه هم يعطي كامل التبرير لأن تعمل ولو بلغ عملك إلى أن تعمل ما عملوا معك، أليست سنة عملوها هم؟ أعني: لم يبق لهم منطق مقبول حتى لو وصل الناس إلى أن يعملوا معهم كما عملوا هم معنا.
{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قضية حقيقة في موضوع أنه ليس هناك في دين الله أنه قائم على موضوع الإكراه، هو قائم على موضوع التبيين، موضوع التبيين، لكن ليس المعنى أن تأخذ موضوع التبيين بمعنى فإن قبل فلا بأس وإن لم يقبل فمع السلامة! لا، وإنما بمعنى لن أكرهك على قبول الدين لكن للدين موقف منك إذا رفضت، الدين يقدم نفسه بأنه الإصلاح لعباد الله، والإصلاح لأرضه، هذه واحدة، الدين فيه أشياء فيه قيام بالقسط، فيه قيام بالعدل، أنت إذا لم تقبل هذا الدين في الأخير تعتبر عنصراً فاسداً، عنصراً فاسداً إذاً للدين موقف منك، له موقف منك باعتبارك عنصراً فاسداً، وليس المعنى أنه يلاحقك [لازم تؤمن، لازم، لازم…] يبين لك، يبين، يبين، وعندما لا تقبل مثل هذا الهدى العظيم، مثل هذه البينات الواضحة، مثل هذه التي يقدمها بأنها خير لك أنت، إذاً فأنت عبارة عن عنصر إفساد، عن عنصر لا يصلح بقاؤك هنا في ظاهر الأرض يجب أن تبقى تحت لأن الله قال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم: من الآية41) إذاً فالموقف منه بأنه يزاح.
أول شيء لا يجوز أن تقف أمام هذا الدين، هذه قاعدة عامة، لا يجوز لأي طرف، وليس لأي طرف حق أن يصد عن تبيين هذا الدين في أي بقعة من بقاع الأرض، فإذا ما تحرك ليصد فليواجه، الذي لا يقبل هذا الدين نهائياً، على الرغم من وضوحه، وأنه هدى، وأنه بناء للنفوس لتكون نفوساً صالحة، أليس يشهد على نفسه بأنه في الأخير عنصر فاسد، وعنصر ضال؟ وأنه سيمثل أعني هو يمثل الجانب الذي يظهر صورة هنا مقتمة عنه، من خلال الحديث عن بني إسرائيل؟ من خلال الحديث عن الكافرين، أليس ينسب إليهم الفساد في الأرض، ينسب إليهم إهلاك الحرث والنسل، ينسب إليهم كل شر في هذه الأرض؟.
إذاً فتزاح، وعندما يزيحك فهو هنا لا يكرهك على الدين، لا يوجد إكراه على الدين، لا يوجد إكراه على الدين، لكن ممكن يحميك أنت عندما تدين بهذا الدين. لهذا عندما يقول: [أمرت أن أقاتل الناس…] لأن دين الله دين عملي أي: من مهمة الذين يدينون بدين الله إذا – فعلاً – كانوا صالحين، وبشكل صحيح، لا أن يستخدم الدين وسيلة لضرب عباد الله، من كانوا على هذا الدين فيعرفون أن من مسؤوليتهم تطهير الأرض من الفاسدين. وإذا الأمريكيون أنفسهم يقولون: أننا فاسدون، وأنه هناك محور الشر، أليسوا هم يقولون: محور الشر، ويقولون هم: هؤلاء الناس أشرار يجب أن يزاحوا وأن تطهر الأرض منهم، أليسوا يقدمون هذا؟.
الدين هو عملية تطهير للنفوس، وتطهير للأرض من الفساد، ومن الفاسدين، ليس معناه أنه لازم تؤمن بهذا الدين لازم تسلم رغماً عنك، رغماً عنك أبداً. عساك ما تسلم، لكن لهذا الدين موقف منك تزاح؛ لأن من مهمة الدين تطهير الأرض من الفساد.
تجد أن هذه المهمة – فعلاً – في معارك النبوة، في معركة بدر ماذا حكى الله عن قريش؟ أخرجهم إلى المجزرة، إلى حيث ينحرون، أخرجهم إلى حيث ينحرون، ومهمة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ومن معه أن يطهروا هؤلاء {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ}(آل عمران:127) هذه مهمة أساسية بالنسبة لمن يدينون بدين الله، أن الدين هو لتطهير النفوس وتطهير الأرض، تطهيرها من الخرافات، تطهيرها من الفاسدين، تطهير النفوس أولاً من الفساد.
إذاً فمسألة إكراه لا يوجد إكراه هنا، في الواقع ما هناك إكراه نهائياً. فعندما يقول: [أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله] معناه إلا أن يقولوا: هو يبين للناس، ويوضح للناس، فعندما لا ينفع هذا التبيين، ولا ينفع هذا التوضيح فهذه هي تعتبر عناصر شريرة.
فالأمريكيون هل يمكن أن ينقدوا الناس، أو ينقدوا الدين في الرؤية هذه؟ وهم يقولون هم ورفعوا شعاراً قالوا: إيران والعراق وكوريا محور الشر، وكل من حولهم شر يجب أن تطهر الأرض منهم.
وعندهم فكرة أنه يجب أن تطهر الأرض من هؤلاء المسلمين، بل كل الأمم الأخرى التي لا تسمع وتطيع لهم، وتقبل ثقافتهم، وتقبل القيم الأمريكية – كما يقولون – [هؤلاء شريرون تطهر الأرض منهم ليأتي المسيح كما يعتقدون ولا يوجد أحد شرير أمامه، أبعدناهم] هذه عقيدتهم.
إذاً فالمسألة على هذا النحو أعني: جانب منها نفهم أن {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} أي عمل الناس أساساً يجب أن يكون قائماً على التبيين، لكن ويعرفوا الدين، أن يعرفوا أن من مهمة الدين أن يكونوا يحسبون ألف حساب لمواقف الآخرين منه لأنه – عادة – أهل الباطل يجتمعون للصد عن الدين، ومواجهة من يحمل الدين قبل أن يفكر المسلمون أنفسهم أن يعدوا أنفسهم، قضية تحصل هذه ليس فيها شك، ثم إن الدين هو دين عملي، وليس ديناً يقدم هكذا مبتذلاً بحيث: [إن كنت تريد هذا وإلا فلا بأس إجلس وعلى ما أنت عليه ويكفي!] هذا دين من ملك الناس هم عبيده، والأرض هي ملكه، هو الذي خلقهم، وليس فقط تسلط عليهم، هو الذي خلقها وخلقهم هو.
فإذا كان الآخرون يفرضون هم قوانينهم، ودساتيرهم، ويلزمون من كان داخل الإقليم الذي تحكمه دولة معينة أن تجرى عليه أحكام ذلك القانون ولو فيه موت، إعدامات، فيه سجن، فيه مصادرة أموال. أليست هذه القضية معروفة.
فلماذا أما دين الله لا تكون هذه مهمته وإنما يقدم [طَلبة]: [لاحظ هذا دين باهر، تريد تستجيب وإلا مع السلامة، تريد تسير معي يا فلان وإلا مع السلامة]، لا، قدمه له لكن يجب أن يكون من يقدمونه فاهمين له، وفعلاً لو قدم الدين بالقرآن لقبله الناس؛ لأن الدين هنا يقدم نفسه رحمة للعالمين، ونصيحة، ويعطي أهمية كبرى لموضوع التبيين، ويعطي مسؤولية كبيرة على من يتحركون أن يكونوا نموذجاً يسهل على الآخرين قابلية الدين هذا عندما يرون من خلالهم: أمة مستقيمة، أمة فيها الأمانة، والوفاء، والصدق، والأخوة، والمحبة والألفة، والتعاون وكل القيم، هذه القيم هي قيم فطرية عند الناس ينجذب إليها الناس.
هي نعمة كبيرة على الناس أنهم وصلوا هم، ألم يعملوا كل شيء، عملوا إكراه في الثقافة، عملوا فرض قوانينهم على كل من كان داخل البلاد المعينة، أليست هذه القضية موجودة؟ فكرة تطهير الأرض من الأشرار ممن ليسوا على ثقافتهم أليست قضية قائمة؟ إذاً ما بقي لديهم أي منطق مقبول عندما يحاولون أن يهاجموا الإسلام، ولا بقي منطق مقبول لأحد من الناس أن يحاول أن يؤقلم الدين وفق دعاياتهم هم، دعايات الغربيين.
هنا قل لهم: أنتم تعملون هذه سكتهم، أنتم تعملون هذه، فإذا فرضنا الدين أنه على ما تقولون إذاً فهو على ما تريدون، وهو لا يعمل إلا بنفس الطريقة التي تعملونها، فلماذا يكون من يقوم بهذا الدين يعتبرون سيئين أما أنتم وأنتم تمارسون هذه الأعمال تعتبر خير، وتحرير، وحرية وتطهير للأرض؟! يعتبرونه تطهيراً للأرض من الفساد!.
في داخل الدين، في أحكامه التشريعية، أليس فيها أشياء يكره الإنسان عليها؟ إذا قتل نفساً محرمة سيكره على أن يقتل، إذا أحد أخذ مال أحد أليس من الحق أن يكره على أن يرده؟ وهكذا لأن الأحكام الشرعية ليس معناها: بأنه فقط على رغبات الناس {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} يعني: على كيفهم! ليست المسألة بهذا الشكل، لم يقم الدين على أساس الإكراه، من حيث المبدأ هو يقوم على التبيين، والتبيين هو هذا واضح كتب، بينات، ورسل مبينين ومبلغين، أليست هذه القضية واضحة؟.
لكن إعرف مهمة الدين ترى في الأخير بأنه ليس فيه إكراه للآخرين، لم يعجبك الدين إذاً مع السلامة، لكن لم يعد بقاؤك صالحاً، هذه قضية حقيقية، والأمريكيون عليها، وعندهم أنه لا يصلح بقاؤنا، وعندهم أن العرب هؤلاء أمة لا تصلح أن تبقى! لا يصلح يبقون، تطهر الأرض منهم لأنهم ليس لديهم قابلية للقيم الأمريكية، والثقافة الأمريكية، والتأقلم مع أطروحات الغرب.
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}(البقرة: من الآية193) وفي آية أخرى {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}(الأنفال: من الآية39). إذاً إذا ما عندك قابلية أن تجرى عليك أحكام هذا الدين أخرج، أخرج من الدولة هذه، من دولته لأن الأرض هي لله، وهذا دين الله، وهذا نظامه. أين سيذهب؟ أليسوا يعملون هذه؟ إذا ما لديك قابلية سيجرون عليك أحكاماً رغماً عنك، ثم ينفوك في الأخير، ينفوك.
القاعدة الثانية: بأنه من يصدون عن دين الله ليس هناك مبرر على الإطلاق لأي طرف أن يصد عن دين الله، فليدخل مثلاً الإسلام إلى أي البلدان بشكل دعوة، لكن دعوة هي امتداد لأمة، بناء أمة، أما دعوة بتلك الطريقة المعروفة فما نفقت في البلاد العربية، داخل المسلمين، ما عملت شيئاً هنا داخلهم، لكن كحركة دين على أساس الدين، وتكامل الدين، كان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ألم يكن يرسل رسائل إلى ملوك آخرين، يرسل رسائل إلى أن يسلموا، يرسل مبلغين، يرسل رسلاً برسائل إلى شعوب أخرى، يعرف أن مهمته أن يدعو هؤلاء إلى الدين، ويجب أن يصل الدين إلى هناك، ولن يدخل لن يدخلوا، يكون الموقف من عند الآخرين هم، من عند الطواغيت، من عند المفسدين هم الذين لا يريدون أن يخضعوا لقانون الله، لا يريدون أن يخضعوا لأحكام الله، وهم عبيد الله، وفوق أرضه داخل دولته، هم الذين يحاولون يجمعون الآخرين، ويصدون عنه، ويواجهون عندما يحصل قتال وإلا كان طبيعي أن يدخل هذا الدين إلى الشعوب وتقبله، وتدين به، وتقبل أحكامه، هم ليسوا بحاجة إلى سيف، ليسوا بحاجة إلى سيف.
لكن هم الذين يجعلون الجانب الديني بأنه يأخذ احتياطاته لأنهم في الأخير هم يقفون صادين عنه، ولأنهم يبقون هم على ما هم عليه من فساد، وإضلال ومحاربة، ففي الدين من أساسياته أعني: الأخذ بعين الإعتبار لهذه القضية، لأنها قضية ثابتة عند الآخرين، هم يعدون أنفسهم لمواجهته للصد عن دين الله، لرفض دين الله، ففي دين الله مواقف ثابتة من هؤلاء خارج موضوع الإكراه.
هل يقال أنه إكراه للدين؟ عساك لا تقبل الدين في الأخير، أعني: أنه لن يؤاخذك على أساس أنه مرغم لك بالدين، سيؤاخذك على أنك ماذا؟ ليس لديك قابلية أبداً أن تقبل ما يجعلك عنصراً صالحاً في هذه الأرض، وخاضعاً لإلهك، وخالقك، وملكك، وهو الله سبحانه وتعالى. إذاً فلتخرج من أرضه، ليس هناك مكان يخرج من أرضه أين يذهب؟ ليس أمامه إلا أن يدين وإلا تحت، هي هذه في الواقع.
لهذا تجد أنه فعلاً في حركة الرسالة – كما قلنا سابقاً – حصلت من هذه، أعني: أن من مهمة الدين هو تطهير الأرض من الفساد، والمفسدين هذه القضية أساسية، فإن قبلوا هم هذا الدين، وطهروا أنفسهم فلا بأس مالم فهناك مواقف لا بد منها، وتلقائياً سيحصل من جانبهم هم قبل الآخرين تلقائياً.
هذه الآية لا يصح أن تقدم على أساس أنه ما بقي توعية جهادية مثلما يعمل الآخرون [والموضوع موضوع دعوة]! لا، إن هذا الدين يعطي اعتباراً لكل الاحتمالات، ويربيك على أساس أسوأ الاحتمالات أمام حركة هذا الدين فتكون معداً لنفسك للجهاد، وأن تتحرك في أن يصل هذا الدين إلى أي بقعة في العالم، إن قبلوا بالطريقة العادية فلا بأس، عندما يصدون، عندما يرفضون تماماً فيبقون على ضلالهم، وعلى كفرهم، على الرغم من التبيين فهناك مواقف لا بد منها، وإلا معناه في الأخير: بأن هذا الدين الذي هو دين الله معناه: أنه لا يصح أن يتعامل معه كأي قانون من قوانين البشر في هذه الأرض. وهل يرضى الناس أن يكون دين الله غير مقبول أن يتعامل معه كقانون من قوانين البشر التي يضعونها هم؟.
الناس شاهدون على أنفسهم ولهذا نقول أكثر من مرة أن الناس يعملون في الدنيا هذه في سلوكياتهم، في أنظمتهم، في أعمالهم ما هو شاهد عليهم، ما هو شاهد عليهم. فلأنها قضية ثابتة بالنسبة للطرف الآخر، أنه عادة يتحرك، ويصد، ويعد نفسه للمواجهة، كان الجهاد أساس من أساسيات الإسلام كحالة ثابتة، وحالة تربوية من البداية، وليس فقط حالة طارئة استثنائية متى ما….!، مثلما يقول البعض، يقولون: أن الأساس هو الدعوة، دعوة، دعوة، فإذا ظهر عدو فلا بأس يمكن، قلنا: لكن إنك لاحظ على أساس أن هناك شيئاً – مثلما تقول – أصبح مؤكداً، أصبح مؤكداً: أن الطرف الآخر يقف أمام دين الله، أن مسألة أن يكون قادراً على مواجهة ذلك العدو، وقادراً على حمل هذه الرسالة هو أنه لا بد من تربية جهادية، وحركة جهادية، وهي قضية واسعة جداً من زمان، وليس فقط إذا…. أي: أن تدعو عشرين سنة فإذا ظهر في سنة واحد وعشرين عدو ففي تلك السنة تحاول تربيهم تربية جهادية! هي مسألة تربوية من أول سنة وليس من سنة واحد وعشرين، من أول سنة، مسألة تربوية هذه، ولهذا تجد الحديث عن الجهاد، والإنفاق داخل آيات القرآن بشكل واسع.
فعندما يقول: إنما فقط دعوة دعوة فإذا…. في الأخير تأتي هذه إذا….، وإذا ليس هناك بنيان نهائياً أليس هذا الذي يحصل؟ أين هي الحركات الإسلامية الآن في البلاد الإسلامية أين دورها؟ وبعضها لها في مجال الدعوة خمسين سنة، وبعضها ثلاثين سنة! حكموا قوميون، وبعثيون، وعلمانيون، وما زالوا داعين، داعين! ظهر عليهم اليهود وإذا ما هناك لديهم أي بناء، أين بناؤهم؟ لا يوجد؛ لأنها دعوة، دعوة وأساليب دعوة، وأخلاق دعوة فقط، ليس هناك بناء صحيح لأمة تحمل هذا الدين، وتوضح هذا الدين للآخرين بشكل جذاب من خلال سلوكياتها، من خلال بنائها كأمة، وفي نفس الوقت تكون قادرة على موقف مع أعداء الدين، عندما يواجهون، واجهنا الآن اليهود وإذا بالحركات الإسلامية تضيع! أين هي الآن؟ والدعاة ضاعوا! قد هذا بعضهم يفتي ويقول لك: [لا يجوز لعنهم]! ألم تظهر فتاوى من هذا النوع؟ أو [لا يجوز تكفيرهم]! يعني: إصدار أحكام تكفيرية.
{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}(البقرة: من الآية256) أي أن الله بيّن للناس بيّن حتى أصبح الرشد واضحاً والغي واضحاً.
{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ}(البقرة: من الآية256).لاحظ هذا أليس موقفاً عملياً؟ لم يقل هنا: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} فمن أراد يسترشد فلا بأس، وإن ما أراد فمع السلامة. لا، هنا موقف عملي: أن تكفر بالطاغوت، والكفر بالطاغوت يترتب عليه مواقف، ليست قضية تعني مجرد من داخل، البعض يقول من داخل! لا، إنك تجد الإيمان بالله عملياً، كذلك الكفر بالطاغوت قضية عملية كلها مواقف.
{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا}(البقرة: من الآية256) التي لا يمكن تخونك هذه، تنتقض، أو تنفصل [تقتطع] {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. لاحظ هنا بعد الآية هذه أليس هو سيأتي بمواقف عملية؟.
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}(البقرة: من الآية257) فكيف لا يكون في دين الله موقف من هؤلاء الذي يخرجون الناس من النور إلى الظلمات!.
لاحظ المقدمة يوجد قضيتين: في قضية الخمر، والقضية الأولى: نكاح المشركة، هل يكون هذا الدين دعوة إلى الجنة، إلى الجنة، وفي الأخير يكون في تشريعيه ما يسمح بدعاة إلى النار يدخلون إلى كل أسرة؟! حرم نكاح المشركة. هذا الهدى أليس بالشكل الذي يجعل الإنسان زاكياً، وذهنه صافياً، وحكيماً في تصرفاته، في تفكيره، في أرائه؟ هل يمكن يبيح الخمر ليشرب؟ وهو الذي يحطم كل هذه الأشياء داخل الإنسان؟ حرم الخمر. عندما يكون هذا الدين هو نور، يخرج الناس من الظلمات إلى النور، هل سيسمح بأن لا يكون هناك موقف ممن يخرجون الناس من النور إلى الظلمات؟ لا يصح هذا.
بعد أن قال: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ}(البقرة: من الآية256) قضية أساسية لا يستقيم إيمانك وتؤمن بالله إلا بأن تكفر بالطاغوت، قدمت على [فمن يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت] أليست هكذا الآية ترتيبها؟ {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} ثم يبين بأنه بالنسبة للمؤمنين بالله عمليين وعندما يقول: {اللَّهُ وَلِيُّ} أنت إذا ما عندك روح عملية، لا تبدو في وضعية تحتاج إلى ولي، ولهذا الله قال في آية الولاية: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}(المائدة:56) أعني: ما هي الولاية هنا؟ الولاية: أن تعتمد عليه لأنك تسير على ما يقتضيه إيمانك به وعلى هداه، وتواجه أعدائه، فأنت تحتاج إلى هذا الولي سبحانه وتعالى لينصرك، ليؤيدك، ليعينك ويخرجك من الظلمات إلى النور في مواقفك، وهو جاء بعد بمواقف متعددة كنموذج من مظاهر إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة: من الآية257). إذاً فقد تبين الرشد من الغي، وتبين كلما يمكن أن يقدمه كل طرف، طرف الرشد الذي على رأسه الله سبحانه وتعالى، وطرف الغي الذي يمثله وعلى رأسه الطواغيت. لاحظ ما يؤدي إليه هذا الإتجاه وهذا الإتجاه {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}(البقرة: من الآية257). أين ينتهي الخط الأول؟ إلى الجنة. الخط الآخر ينتهي إلى ماذا؟ {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
إذاً تعتبر جريمة كبيرة فيما أعتقد، عندما يتأمل الإنسان هذه الآية، وما يعمل الآخرون في تقديمه من تفسير، وتحريف للآية هذه العظيمة وما قبلها وما بعدها، وما لها علاقة به داخل آيات القرآن {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} يحاولون يبردون أعصاب الناس، ويهدئونهم من أن يكون لهم موقف أمام أعداء الله، أمام الطواغيت الذين هذا عملهم: يخرجون الناس من النور إلى الظلمات، معناه أنك تجد النور مصدره الوحيد هو الله، أليس معناه أن الطواغيت يكونون أعداء لله يخرجون الناس من نور الله إلى ظلماتهم هم؟ ليس هناك نور آخر، مسألة النور الذي يخرج الطواغيت الناس منه هو نور الله {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(النور: من الآية35). ليس هناك مصدر للنور آخر غير الله سبحانه وتعالى.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ}(البقرة: من الآية258) لاحظ كيف تكون ولاية الله في المجال العملي أعني: وهذا شيء طبيعي عند الناس إذا لم تكن أنت مؤمناً بهذا الشكل الذي تشعر بأن الله وليك أنت بحاجة إلى أن تتولاه، ما صح إيمانك، عندما يشعر الإنسان بأنه ليس في حالة وكأنه يحتاج إلى الله يمثل بالنسبة له ناصراً ومؤيداً ومعيناً ما صح إيمانه.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}(البقرة: من الآية258) أليس هذا طاغوتاً؟ يحاول يقدم نفسه وكأنه إله، كيف سيكون عمله مع الناس؟ أليس هو سيخرجهم مما يجب أن يكونوا عليه من عبادة الله وحده، إلى عبادته فيكون قد أخرجهم إلى الظلمات؟.
{قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}(البقرة: من الآية258). أليست هذه إنارة لإبراهيم في الحجة مع هذا الطاغية؟.
إذاً هناك أمامنا عدة أمثلة هامة جداً في مسألة {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}. فتكون حكيماً في مواقفك، لأن الحكمة هي نور، حكيم في كل موقف، سواءً كان موقف محاجة مع آخرين، أو حتى في حالة ارتياب معين، أو تساؤل معين يحصل لديك وأنت متولي لله، يحصل من جهة الله ما يدفعك فيخرجك من هذا الظلام الذي داخل نفسك إلى نوره فتأتي في قصة {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ}(البقرة: من الآية259).
من الحكمة في هذا، في موقف إبراهيم كيف كان بالشكل الذي أفحمه جعله كما قال: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}(البقرة: من الآية258). ألم يفحمه؟ قال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}(البقرة: من الآية258). لأن الطغاة لا يمتلكون إلا ظلاماً، والظلام هل يمكن أن يتفوق على النور؟ هل يمكن أن يغطي النور؟ أو النور هو الذي يزيح الظلام؟ ليس لديه إلا ظلام هو في نفسه، وفي أطروحاته.
فإذا كان الإنسان متولياً لله يخرجه من الظلمات إلى النور، قد تكون الظلمات في حالة كهذه عندما لا يكون ردك حكيماً، عندما لا يكون موقفك حكيماً، عندما لا يكون لديك جرأة فتعطى نوراً هنا، النور هنا موقف حكيم، رد حكيم، وقوة في طرح الرد.
لم يأت على الطريقة التي عند المتكلمين ولهذا نحن نقول في القرآن الكريم: ينبهنا إلى موضوع القضايا التي تطرح أمامك فيها ما يمكن أن ترد عليها هكذا مباشرة، وفيها ما تنتقل بالرد إلى أسلوب آخر، وفيها ما يكون إعراضاً تماماً، ليست القضية الأساسية بأ نه على كل قضية قبالها على طول، على طول، يجب أن تقيم القضايا أولاً، وتقيم الأطروحات أولاً.
هذا الأسلوب في القرآن الكريم هام جداً. لاحظ في أسلوب المتكلمين عندما انطلقوا أمام كل أطروحة معينة، أطروحة معينة يقاومها هي، هي، وفي الأخير قدموا لنا منهجاً فيما يتعلق مع الزنادقة، الذين يسمون زنادقة، أو ملحدين، بعدما قدموا كيف واقع الإنسان بالنسبة لمعرفة الله، ثم على أساس أن هناك ملحدين، وزنادقة، أول خلل بأنهم ما فهموا أن المسألة في الإسلام ليست فقط مجرد دعوة.. مجرد دعوة. هو منهج حركي، منهج حركي. هناك فئات في المجتمع هي لا تقدم إلا الشيء الذي يتنافى مع فطرة الناس، ولن ينفق أمام الناس إلا إذا كانت الساحة خالية، هذه الفئة يمكن ماذا أن يكون عملك في الساحة بالشكل الذي يهمشها تماماً، لا هي في حد ذاتها ممكن أن تقبل شيئاً لأنها قد خرجت هي عن الفطرة، لم تعد تقبل مثلاً أطروحات معينة لأن الملحد أو الزنديق الذي يسمونه يحاول يتنكر لمعرفته لله، يتنكر لله، هذا إنسان يقاوم فطرة لديه هو، يقاوم فطرة لديه هو، فهل بالإمكان يقبلك وهو لم يعد قابلاً لنفسه هو، لم يعد قابلاً لفطرته هو، فهل يمكن أن يقبلك؟ قد أصبح يقدم الأشياء بطريقة فلسفية وشبَه يلفقها.
النوعية هذه ممكن بأساليب في أن تبهتهم بها، واشتغل في الساحة تتجاوزهم، اجعلهم يضيعون هناك.
لا، قدمت المسألة يوجد واحد زنديق هناك يشغلوننا به، ويشغلون الأمة به، وينزلون شبهه وأطروحاته، وأخذ ورد ليس هناك أثر، يوجد أشياء أعني: هناك فئات من أعداء الدين ممن يقدمون أطروحات معينة، هم في خلال العمل يتلاشون، ويصبحون لا شيء فلا يبقى لهم ذكر، لا لهم ولا لأطروحاتهم بطريقة تلقائية لم يعد هناك ميدان لهم لأن الشيء الذي يتنافى مع الإيمان الذي هو موجود عند كل إنسان، إيمان بالله سبحانه وتعالى يكون مقاوماً للفطرة، يحتاج إلى أطروحات تشكيكية وعمل مستمر عندما مثلاً لا يتمكن أن يكون له ميدان يكون هناك عمل إسلامي في الساحة، عمل متكامل وليس مجرد فقط نقاش مع ذلك وتقدم ما قلت له، وقال.. وقال. ما قال هو، وما رديت عليه!.
سلك المعتزلة والمتكلمون بشكل عام الطريقة هذه، وتجدهم فعلاً [حنبوا] أمام شبه معينة كان منشؤها أسلوبهم الخاطئ في التعامل مع هؤلاء، وإذا في الأخير لا جعلوا الزنادقة يسلمون ولا سلم الناس منهم.
هنا كان جواب إبراهيم عندما ادعى هذا الملك: {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}. لم يأت يناقشه في مسألة أنه كيف تستطيع أن تحيي، وكيف، وكيف… إلى آخره، {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}(البقرة: من الآية258). طلعها من غربي {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}. عرف أنه عاجز وأنه كذاب في دعوته الربوبية.
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}(البقرة: من الآية259) أليس فيها عملية استبعاد يعني كيف ستتم المسألة هذه، ولاحظوا الناس عادة في بعض المراحل يكون هناك أخذ ورد ونقاش كثير، وتساؤلات وجدل حول نقطة معينة تكون أحياناً بالشكل الذي توجد لديك حالة من الريبة فيما لو….، لاحظ مثلاً تحصل داخل المسلمين الآن تجد علماءً كباراً لكن قضايا معينة هي في الواقع ليس لها أساس من الصحة تجده يتهيب أن يخرج منها، ولها أثر في نفسه، تجد كُتّاباً كباراً من [الاثنا عشرية] وعلماء مراجع كبار [آية الله كذا]، ومؤمن بمسألة أن المهدي موجود من [عام 255 هجرية] إلى الآن، وإلى الله أعلم، إلى أي وقت، قضية مستبعدة جداً أن يكون هذا إمام وحجة يجلس غائب الفترة الطويلة هذه وهو حجة الله على عباده! لكن الأخذ والرد والثقافة التي نشأ وهي تردد في البيت، في المدرسة، في المسجد، في المناسبات، في التجمعات، في كذا، جعلته يتأثر بهذه.
هنا عندما تكون مسألة البعث مما حصل فيها من أخذ ورد وجد الكثير حصل عنده بادرة من هذه، خاطرة معينة يعني: كيف تتم عملية إعادة هذه؟ أليس هنا حصل ماذا نسميها؟ أعني: خاطرة ظلامية، لكن هذا الإنسان يبدو هو من المؤمنين، لكن الإنسان المؤمن يحتاج إلى هداية مستمرة، إلى رعاية مستمرة فيكون بينك وبين الله في علاقتك به أسس ثابتة تساعدك على أن يرعاك في اللحظات التي تبدو خطيرة بالنسبة لك.
هنا أعطاه مثلاً من نفسه {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ}(البقرة: من الآية259). ثم قال بعد: {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(البقرة: من الآية259). ويبدو أنه في وضعية منفرد هو لوحده، لاحظ هنا فقط هو وحماره وأكله وشرابه، وصل منطقة، قرية وهي خاوية على عروشها، أعني: لا يوجد هناك سكان ولا شيء {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} كيف يمكن هذا! مات هو مائة عام، وبعد المائة عام يبعثه الله ويقول: {قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ}(البقرة: من الآية259) خلال الفترة هذه لم يتغير لتعرف أن الأشياء لا تكون على أساس أنها حتميات داخلها، لاحظ مثلاً هذه القرية، سكانها فنوا والذي قد يكون الفناء أحياناً بطريقة أنه جسم الإنسان قابل للنمو ثم الإنهيار، أليس هكذا؟ قليلاً قليلاً ليست هذه قضية بمعنى أنها شيء حتمي وثابت.
الله جعل القضية على هذا النحو هو، ثم قد يكون عندك كيف يمكن أن تعود المسألة!! لاحظ طعامك وشرابك ما تأثر بينما الحمار تأثر، أليس الحمار تحول إلى تراب؟ أليس الحمار انتهى؟ بينما الطعام والشراب لم يتغير.
أعني: القضية هي خاطره مثلاً في نفسيته موضوع الطعام والشراب {لَمْ يَتَسَنَّهْ} لتعرف أن القضايا الله هو الذي سن السنن، وقنن القوانين، وموضوع الهرم هو شيء يطرأ من جهة الله جعل الأجسام على هذا النحو، وجعل الأشياء على هذا النحو، سواء الإنسان أو الأشجار، النباتات، أو هذا الحجم الكبير، هذا الجرم الكبير الأرض، وهذه الكواكب كلها، أليست كلها تتلاشى؟ تنتهي في الأخير.
{وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ}(البقرة: من الآية259) قصته عندما يسطرها الله سبحانه وتعالى وهو هو عندما يخبر الناس.
{وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا}(البقرة: من الآية259). بمعنى: نقيمها، أو {نَنْشُرُهَا} بمعنى: الإحياء. النشر كأن معناه: عملية الإحياء، والنشز كأن معناه: إقامتها {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ} أي: رأى الحمار أمامه يتركب تلقائياً، عظامه تتركب وتكسى لحماً، وينهق،جاهز، أليست عملية أمامه؟ لاحظ هذا مظهر من مظاهر رعاية الله سبحانه وتعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}(البقرة: من الآية257).
{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ} ما كأن المسألة هنا فيها خاطرة شك؟ شك في المسألة لم يشك في إيمانه بالله أي نوع خاطرة سيئة، خاطرة ظلامية {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(البقرة: من الآية259) أليس هو هنا خرج من ظلمات إلى نور؟.
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى}(البقرة: من الآية260) هذه العملية دون بالنسبة لقصة الذي مر على قرية، هو مؤمن بالقضية فقط يريد هو أن يرتقي إيمانه إلى حالة يقينية مشاهدة {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} كما قال، يعني: المسألة عنده تختلف عن مسألة الشخص الأول {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}. هنا قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}(البقرة: من الآية260) الإستقرار الإيماني، وهذه قضية مهمة، أعني: قضية أن الإنسان يكون حريصاً على زيادة وعيه وإيمانه، وحشر كلما يستطيع أن يجد من شواهد للقضية الإيمانية، ليصل إلى مستوى عالي مسألة هامة جداً.
لاحظ كيف ارتقى نبي الله إبراهيم بروحيته هو، روحيته، كيف كانت مواقفه قوية، من روحيته، هو حريص على أن يرتقي إلى الدرجات العالية في الإيمان. هنا ليس لديه شك في المسألة كقضية إيمانية أنه يعلم بأن الله هو يحي الموتى، لكن يرغب هو أن يحصل أيضاً على شيء راقي جداً في موضوع الإيمان، ليطمئن قلبه؛ لأنه أحياناً في بعض الأشياء القضية الإيمانية المجردة هكذا، ما هناك معها شواهد معينة، تكون معرضة للتساؤلات، معرضة للكثير من الدقدقة للشك عليها، كثير من القضايا، قضايا تكون بعضها من هذا النوع.
{قَالَ بَلَى} أنا مؤمن {ولكن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً}(البقرة: من الآية260).
هذه القضية تختلف عن قضية الأول، الأول جعل منه هو مثل في {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} هناك حالة معينة يريد نوراً كثيراً يمسحها تماماً، لكن هنا: {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} وتجد فيها مثلاً على أنه – تقريباً – ولو نسميه ظلاماً خفيفاً، خفيفاً جداً أن الله يزيحه.
هناك ظلام يكون ظلاماً دامساً أحياناً، وظلاماً خفيفاً مثل ظلام وقت المغرب أليس هو ظلام خفيف؟ ليكون قلبه كله مشرق، قلبه كله نور، لم يعد فيه أي شيء ولهذا قال: {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.
ليست مسألة يقول واحد قد عنده شك أو شكوك، أو أن عنده كفر، أو أشياء من هذه. لا، إن القضية الأساسية أن تعرف أن كل مخلوق ملائكة، أنبياء، إنس، جن، كلهم بحاجة إلى هدى الله، وأن الله هو الذي يهدي، أنه هو الذي يهدي، وليست المسألة وكأن الإنسان [تماتيك] يخرج، يكون هناك أشياء ثابتة لديه هنا يقول: {بَلَى} أولم تؤمن بأني أحيي الموتى {قَالَ بَلَى} أنا مؤمن، فقط لديه رغبة أن يزداد هدى، ويزداد نوراً، ولا يكون هناك أي مجال نهائياً لأي خواطر سيئة.
{قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً}(البقرة: من الآية260).لاحظ طريقة القرآن الكريم في ماذا؟ في تقديم الحادثة ما أجملها هنا عندما يقول: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً} أليس هذا واضحاً أن معناها: أنه سيذبحها، ويقطعها، ويخلطها، ويفرقها، إجمعها إليك {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً}. لم يتناول الأشياء التي هي معروفة أي: منطقة الفراغ هنا معروفة {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً}(البقرة: من الآية260). هنا قال: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى}، {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} ستعود إليك، وتعود هي، هي، نفس الطيور تلك التي أنت أمسكت بها، وجمعتها، وذبحتها، وقطعتها، وخلطتها، ووزعتها.
{وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(البقرة: من الآية260). وموضوع البعث له علاقة بعزته بأنه قادر لا يعجزه شيء معنى أنه عزيز: أنه قادر لا يعجزه شيء، وقضية مرتبطة بالحكمة أن يكون هناك يوم آخر وبعث يعتبر يوم للجزاء على الأعمال بالشكل النهائي.
إذاً هذا مثل في مسألة النور عندما يكون هناك متولين لله، أنه ينير لهم. تجد أيضاً من النور مسألة أشياء معينة يشجع، يشجع الأشياء التي هي هدى، أليس هذا إدخال لك في موضوع الهدى، تقبله؟ فتكون ماذا؟ مستنيراً كتشجيع مثلاً بإغراءات كبيرة.
لاحظ في موضوع الإنفاق {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية261) الإنفاق في سبيل الله قضية هامة، فمن رعاية الله لعباده أنه يريد أن يدخلهم إلى هداه إلى نوره بأي طريقة تأتي عملية الإغراءات الكبيرة، التشجيع الكبير بماذا؟ بمضاعفة الأجر {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:261) هذا مثل من أمثلة أن الله يخرجهم من الظلمات إلى النور.
فعملية التشريع التي تدفعك إلى أن تقوم بهذا الشيء الذي وجهك الله إليه هي عملية إدخال للناس إلى نوره، مظهر من مظاهر رحمته، فهي في نفس الوقت تبين أهمية الإنفاق في سبيل الله، تلاحظ ما أذكر في القرآن في أشياء أخرى إغراءات أعني: في عبادات أخرى بهذا الشكل إلى سبع مائة ضعف {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} أيضاً ما يزال هناك يبدو فعلاً أن هذا وكأنه الحد الأدنى – مثلما يقولون – الحد الأدنى أن هذا مثل، ويعطي مثلاً لشيء حي وملموس {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ}. موضوع التمثيل قضية واضحة أعني: أهميتها في القرآن مما يؤكد للناس بأن موضوع المعرفة أن تكون أنت كثير التأمل لما حولك، لأن الأشياء كلها من حولك تعطي معرفة.
ألم يقدم هنا من خلال النبتة الفلانية مثلاً للقمح؟ [وقد يكون هذا القمح نفس البر] أليست قضية هناك تعتبر مثلاً واضحاً؟ قدم منها معلومة معينة، يقرب إليك فهم عملية تضعيف الأجر؟ ألم يعط هنا معرفة؟ النبتة التي كانت حبة واحدة تحولت إلى سبع شتلات، وفي كل واحدة سنبلة فيها مائة حبة، أليست مثلاً واضحاً تعطي معرفة؟ لهذا الشخص الأول أعطى معرفة، [عزير] يقولون: أنه عزير، الله أعلم من هو.. حماره وهو يتركب أمامه، وطعامه وشرابه.
نبي الله إبراهيم من خلال تلك العملية أعني: من خلال الأشياء من حول الإنسان، ليست المعرفة مرتبطة بموضوع كتاب، الكتاب هو وسيلة من وسائل توثيق المعرفة، إذا كانت صحيحة يعطي معرفة، أما إذا كانت خطأ فيعطي جهلاً، والواقع من مظاهر الحياة هذه، وتغيرات في الحياة تعطي معارف واسعة جداً.
هل يوجد تشجيع أرقى من هذا؟ أن يكون الله وعد من ينفق في سبيله يضاعفه له إلى سبع مائة ضعف؟ فعندما يبخل الإنسان مع أنه قال في الآية الأولى: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ}(البقرة: من الآية254). فعندما يبخل الإنسان فيحرم نفسه هذا الأجر المضاعف، وهو في الواقع مما رزقه الله هو مدين لله من البداية لأن ما لديه من رزق هو من الله، فهل يبخل على نفسه بما هو من الله أيضاً، ويبخل في أن يستجيب لله بأن ينفق مما أعطاه الله؟ أليس هذا يعتبر عملية أعني: متنافية تماماً عن موضوع الإنصاف والأخلاق؟ هذا جحود يعتبر.
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً}(البقرة: من الآية262). حتى عندما تتجه للإنفاق في سبيل الله هناك آداب وقضايا هامة تجعل إنفاقك بهذا الشكل الذي يكون له قيمته، يجب أن لا تتبع ما أنفقت مناً ولا أذى [نحن قد أعطينا وأعطينا، ونحن أعطينا] وأشياء من هذه،لا، {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة: من الآية262).
{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذَىْ} أليس هنا اللاشيء بالنسبة للمال؟ إذا لم يأت منك صدقة إلا وتتبعها أذىً فافهم بأنه: الله كريم، الله غني منها، أن تنفق في سبيله، وأن تتبع ما أنفقته مناً أو أذى، كلمة طيبة منك فقط، ومغفرة من الجانب الآخر.
أحياناً يأتي التمنن كلام: [نحن أعطينا…] وأحياناً أذى، التدخل في الموضوع بالشكل الذي مثلاً يريد يفرض رأيه في القضية لأنه أنفق فيها يريد أن يفرض رأيه، يريد يمشي رأيه، يريد يستغلها لأغراض معينة لديه، يحصل أذى. كلمة: {أَذىً} تختلف مظاهرها باختلاف القضايا التي يكون الناس فيها.
فقضية الإنفاق في سبيل الله في موضوع مثلاً الإنفاق لتمويل العمل لإعلاء كلمة الله يجب أن يكون الإنسان يريد بذلك وجه الله ولهذا جاء بأمثلة بعد لهذا، وأن تفهم بأنه أنك أعطيت ما معناه أنك تتبع عطاءك: لازم رؤاك أن تقبل، وأراؤك أن تمشي، وتدخلاتك في كل قضية، لا. أحياناً أعني هذه القضية تؤدي إلى خلخلة في الموضوع فتكون ضرباً لسبيل الله، وليس فقط ضرباً لعطائك، تخسر عطاءك، وضرب للمسيرة نفسها.
أو أن تكون بالنسبة لأشخاص فالعطاء يكون المفروض أنه يكون بالشكل الذي يكون لائقاً بتكريم الطرف الآخر لا يكون فيه امتهان له، ولا استغلال له ولا أي شيء من هذه، يكون فيه نوع من الأذى.
فالمغفرة مثلاً بأنه طرف آخر ربما قد أعرف بأنه فيما لو أعطى قد يتبع عطاءه مناً وأذى، ويتدخل في القضية التي أنت تتبناها، أو مشروعاً أنت تتبناه، مدرسة دينية مثلاً، أو مشروع، مصلحة عامة، أو أشياء. هذه القضية معروفة فلا تطلب منه شيئاً، ولا تحاول تأخذ منه شيئاً، تغفر له في الموضوع من جانبك. قد تكون هذه لها علاقة {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ} من هذا الطرف الذي يراد له أن يعطي لكن يتبع مناً أو أذىً فيكفي منه هذا، ما معنى هذا؟ معناه أنه قد خسر في نفس الوقت، هنا لا يكون هناك إلحاح، مغفرة، أترك هؤلاء لا تحاول تلح عليه يعطي، أو تطلبه يعطي، أو تعرض له بأن يعطي، كأنك غافرٌ له، القضية لأنه مثلاً سيتبع ما أعطى مناً وأذىً.
لهذا نحن نقول في موضوع مدارس مثلاً أو مساجد أو أي مشاريع عامة: النوعية هذه من الناس لا تحاول تقبل منهم شيئاً، ولا تلمح نهائياً، ولا تطلب في مقام دعوة عامة هم موجودين فيه فيقدمون، أحياناً قد يقدم ألف ريال، أو ألفين ريال، أو حتى عشرة ألف ريال ثم تتمنى بأنه يسكت وتعطيه عشرين ألف بدلها، يتدخل في كل قضية، في ذلك المسجد أو المدرسة أو مشروع عام يتدخل فيه لأنه قد أعطى ألف ريال، مناً وأذى، وفرض نفوذ وأشياء من هذه.
الإنسان يتجنب هذا لا يفرح ويقول: لا بأس نحاول نأخذ من هذا، لأنه في الأخير تحصل على أذية دائمة. واجهه قل: يا أخي هذا الألف الذي دفعته ومع السلامة لا تشغلنا، يمكن لا يرضى يقبله، ويصير في الأخير مشكله، فالناس يجب أن يحذروا هذه، إنفاق في سبيل الله، أو إنفاق في مواضيع، مشاريع، مصالح عامة، أو مسجد أو مدرسة أو أي مشروع آخر تجنب الآخرين إجعلهم لا شيء.
كأن الآية {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ}(البقرة: من الآية263) ليس مقام مغفرة من جانب الذي لا يعطي شيئاً أن يقال: غفر، قول معروف من هنا، ومغفرة من هنا يعني: أنه هنا يقول أنه كلمة طيبة أفضل من أن تعطي ثم تتبع ما أعطيت مناً أو أذى، إذا طلعت منه كلمة طيبة [كيف رأيك يا حاج أليس هذا عمل باهر] قال: [إلا عز الله باهر وعمل جيد والله يعينكم] ويكفي، لا تقول له: تعاون، لا، مغفرة، أو يحاول يقول لك: [ليس لدي شئ الآن لكن إنشاء الله] لا يكون حتى ولا تعريض إذا واحد يعرف لأنه تحنب الدين أحياناً تحنب دين الله مع أشخاص إن أعطوا مبالغ معينة حتى ولو كانت مبالغ كبيرة لا تفرح أبداً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ}(البقرة: من الآية264) صخرة عليها تراب {فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً}(البقرة: من الآية264) ذهب التراب من فوقه صخرة ملساء {لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا}(البقرة: من الآية264) لم يبق له أي أثر نهائياً، لم يبق له أي أثر، عطاؤه الذي هو على هذا النحو {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية264).
موضوع المال هنا قضية هامة قدمها أعني: بأنها وسيلة من وسائل تزكية النفس، وسائل إقامة الدين، وسائل حسن العلاقة فيما بين فئات المجتمع، لكن يجب أن يكون على هذا النحو وإلا ستكون النتيجة عكسية بالنسبة لك، وبالنسبة لأثرها في واقع الحياة.
لهذا جاءت العبارة مؤكدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}(البقرة: من الآية264) وكأن هذا قد يبطل صدقتك ولو بعد فترة لو أعطيت في حالة أنت أعطيت لله ثم تتمنن بعد سنة، بعد سنتين قد يبطل صدقتك هذه {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ}(البقرة: من الآية264) فيكون حالكم شبيه بمن هو على هذا النحو، بمن ينفق رئاء، فتجد أن هذا الشيء الذي أعطاك لا يمثل شيئاً بالنسبة له {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ}(البقرة: من الآية264) – مطر – {فَتَرَكَهُ صَلْداً}(البقرة: من الآية264).
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية265) وأنت تعرف أنه بالنسبة لله سبحانه وتعالى لا يمكن، هو جهة لا يمكن أنك تتمنن عليه بشيء، ابتغاء مرضاته، هدف رئيسي يتوجه إليه الإنسان بذهنيته وهو يعطي. {وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ}(البقرة: من الآية265) لأن للعطاء على هذا النحو أثر كبير في تثبيت النفس، والإستقامة، والإيمان، تزكية النفس تزكيتها وكأن المال كما لو أنه برهن، أشبه شيء ببرهنة على أنك مصدق بالله، مستجيب لله برهنة على صحة إيمانك، برهنة على تصديقك بوعد الله سبحانه وتعالى: بأنه يضاعف الأجر، وأنه يخلف على من أنفق بأضعاف مضاعفة،تزكية للنفس يكون له اثر كبير في نفسك عندما تعطي، وأنت تريد بعطائك وجه الله، ابتغاء مرضاته.
لاحظ كيف المثل الجميل هنا: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ}(البقرة: من الآية265) كم الفارق بين المثل هذا، والمثل الأول صخرة صماء عليها قليل تراب جاء مطر نفسه.
{كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} بمكان مرتفع قليلاً أي: جنة خصبة بما تعنيه الكلمة {أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ}(البقرة: من الآية265) آتت آكلها ضعفين يعني: مدبول ثمرتها خصبة، يبين هنا أثرها الهام {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ}(البقرة: من الآية265) وحتى عندما يصيبها طل تعطي ثمرها.
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(البقرة: من الآية265) إذاً أين أفضل للإنسان أن تكون نفقته من النوع الأول، أو أن تكون على هذا النوع؟ أليس هذا نوع أعني: مثلين متضادين تماماً، صخرة عليها قليل تراب جاء مطر نسفها؛ هنا جنة بربوة فجاء المطر جعلها تؤتي ثمرها ضعفين، حتى لو ما جاء مطر قوي لو لم يكن إلا طل [رشيش] كما نسميه يجعلها تثمر.
هذا المثل لأثر الصدقة، لأثر العطاء عندما يكون على هذا النحو بالنسبة لنفس الإنسان، وبالنسبة لواقع الحياة في الأموال، لهذا عندما نقول: الناس يجب أن يعتمدوا على الله، وعلى أنفسهم في أن يكونوا هم بجهودهم مهما كانت بسيطة ينفقون في سبيل الله، أن الله يجعل لها بركة، ويجعل لها أثراً. {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}(البقرة: من الآية266) هذا مثل عندما يأتي شيء ينسف تماماً ما قدمته من مَنِّ وأذىً لينسف تماماً ما قدمته.
{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَر}(البقرة: من الآية266) – شيبة ضعيف – {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ}(البقرة: من الآية266).
إذاً أليس هذا في أمس الحاجة إلى جنته هذه وثمارها لأنك في أمس الحاجة إلى أن يبقى لك أثر ما تقدمه، عندما تقدمه على الشكل الصحيح فأنت تنسف أثراً لشيء أنت في أمس الحاجة إلى ذلك الأثر. {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}(البقرة: من الآية266) وأنت شيبه، وأولادك ضعفاء، وليس معك إلا هي أليست تعتبر كارثة كبيرة عليك؟ لأنك في أمس الحاجة إليها؟.
{فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}(البقرة: من الآية266). يوطن الإنسان نفسه على أنه عندما ينفق، ينفق ابتغاء وجه الله، ينفق ابتغاء مرضات الله. فهنا توجيه يبين كيف يكون إنفاق الإنسان، وتحذير كامل بضرب أمثلة واضحة لما ينسف عطاءك عندما يكون مصحوباً بمَنّ أو أذىً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}(البقرة: من الآية267). بعد أن قدم المثل الجميل لأثر الإنفاق فتخير لنفسك أنت، تخير لنفسك فلا تنفق الشيء الذي لن تقبله أنت، تنفق الشيء الذي هو مقبول فيما بين الناس. {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} يعني: لن تأخذوه أنتم إلا على جهة الحياء، {تُغْمِضُوا فِيهِ} تأخذه وليس له قيمة عندك فتلقيه في مكان آخر فقط على جهة التغاضي عنه، تقبله على جهة الحياء كذا تقبله لكن أنت تعتبره ليس شيئاً.
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}(البقرة: من الآية267). عندما يحث الناس على الإنفاق هو غني حميد، لكن لأن الإنفاق، لأن المال نفسه له علاقة كبيرة فيما يتعلق بنفسية الإنسان وإلا فالله هو غني عن الصلاة، وغني عن الصيام، وغني عن الإنفاق، عن إنفاق الإنسان لكن الإنفاق له أثر نفسي، له أثر نفسي كبير، له أثر إجتماعي كبير، له أثر فيما يتعلق بالعلاقة فيما بينك وبين الله، أليس الله يقول: {وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ}؟ محك إيماني يعتبر المال أن يكون مرتبطاً به مسؤوليات من هذه، والحث على الإنفاق منه يعتبر محكاً إيمانياً بعدما ذكر أنه سيضاعف للإنسان ما أعطاه، وسيخلف عليه بأضعاف مضاعفة، ويكسب له أجراً كبيراً.
فهنا عندما لا يكون عندك ثقة ما الذي سيفضحك، فاثبت به أنه ليس لك ثقة عالية بالله؟ أليس هو جانب المال؟. المال أصبح محكاً إيمانياً فيما بينك وبين الله، وله أثره في نفسك، أثره في الناس، أثره في العمل الذي تتحرك فيه، فليس فقيراً سبحانه وتعالى، وليس عاجزاً عن أن لا يكون هناك أي دعوة لشخص أن يقدم شيئاً، يستطيع أن ينزل مطراً دولارات، أليس هو يستطيع سبحانه وتعالى؟ أغلى عملة ينزل منها بشكل مطر، أليس هو يستطيع؟ أو صخرات من ذهب، أو أشياء من هذه.
{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ}(البقرة: من الآية268) لاحظ الشيطان كيف يذكره في مواطن متعددة، ألم يذكره سابقاً أكثر من مرة؟ لتعرف، وليعرف كل إنسان بأن الشيطان في كل مجال هداية، في كل مجال تدعى إليه من قبل الله سبحانه وتعالى يظهر يشتغل قبل قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}(البقرة: من الآية168). وهنا وهو يتحدث عن الجانب المالي: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} الشيطان سيظهر معك وكأنه ناصح لك [لا تضيع حقك لديك البيت مليء وأنت كذا تصرف حقك هم فقط سيلعبون به] يظهر وكأنه شيبه ناصح لك يخوفك من الفقر [لا تصرف حقك وفي الأخير لن يعطوك شيئاً ولا أحد سينفعك ولن يعطيك أحد من أولئك ولا مائة ريال قرضة أترك لا دخل لك]. وبعض الشيبات يمثل شيطان حقيقة، بعض الناس يمثل في مسألة المال منطق شيطان.
بعدما قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}(البقرة: من الآية267) فعندما تنفقون يفي بما وعدكم به من الأجر، ومضاعفة ما يخلف به عليكم.
{وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}(البقرة:268) أقبح حالة، الفحشاء بمعنى: المنكر السيئ مثلما قال هناك: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ}(البقرة: من الآية169)، هنا يقدم الفحشاء: البخل، أن تبخل فلا تعطي سُمّيت فحشاء.
{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:268). إذاً فهنا انتهت القضية إلى أنه أنت أمام، إمّا أن تطيع الشيطان الذي يعدك الفقر، ويخوفك من الفقر فينتهي الموضوع إلى أنه يأمرك بفحشاء، أو أن تستجيب لله الذي {يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً}. فتعتبر حماقة، ويعتبر موقفاً فاحشاً في سوءه أن تستجيب للشيطان، ولا تستجيب لله. لأنه هنا قال الشيطان يعدكم كذا {وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً}(البقرة: من الآية268) بالإضافة إلى أن الفارق أن الشيطان سيأتي يوسوس، أما الله فقد قدم آيات واضحة، ووعوداً واضحة، وأمثلة واضحة، فأن يستجيب الإنسان لوسوسة من شيطان، ويترك وعوداً صريحة يسمعها من الله، فهذا يعتبر فحشاء فعلاً، مواقف فاحشة في سوئها. الفحشاء: الشيء الذي هو منكر في فضاعته يعني: منكر فضيع.
{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}(البقرة: من الآية269) أليس هذا إرشاداً إلى مواقف حكيمة؟ وإلى تصرفات حكيمة؟. {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} فعندما تجد آخرين لا ينطلقون على هذا الأساس أولئك أشخاص ليس لديهم حكمة، خاسرين {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} الحكمة بشكل عام قضية هامة جداً، وقضية مطلوبة – تقريباً – في كل إنسان بدءاً من الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يكون حكيماً، القرآن نفسه حكيم، من يعلّم الناس يجب أن يكون حكيماً، من يهدي الناس يجب أن يكون حكيماً، والناس أنفسهم يُعَلّمُون ليكونوا حكماء، ليكونوا حكماء {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(البقرة: من الآية129) فالحكمة تجعل الإنسان في مواقفه، في رؤاه، في تصرفاته، في أقواله، في أفعاله كلها حكيمة. يقابل الحكمة لا يقابلها إلى أخطاء، وتصرفات خاطئة، حماقة، أراء قَلَبْ، خسارات بعد كل موقف هو فيه، بعد كل رأي هو فيه.
{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}(البقرة: من الآية269). هنا فيما يتعلق بالجانب المالي أعني: بالنسبة لمن يتحرك كموجه للناس، كموجه للناس لمن يتحرك ليقدم للناس عملاً يتحركون فيه. تلحظ هنا في موضوع المال أنه موضوع حساس، موضوع المال حساس أي عندما تجد هنا الوعود العظيمة من جهة الله، والتشجيع الكبير المتكرر، أن تعرف أن المال له وقع في النفوس، فلا تحاول في عملك أن تكون بالشكل الذي يبدوا مرهقاً للناس بحيث تكون طلباتي منهم – تقريباً – في مشاريع عملية وإن كانت في سبيل الله، طلباتي منهم بالشكل الذي ربما قد يكون أكثر مما أقدمه لهم من وعي، من هدى، هنا قد تؤدي المسألة في الأخير إلى نوع من التذمر، نوع من التهرب، وربما كما قال في آية أخرى: {وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ}(محمد:37).
فيجب على الإنسان أن يفهم: بأن موضوع المال موضوع حساس، مهما كان الإنسان خيِّر، ربما الأشياء متكررة عليه، المتكررة قد تؤدي في الأخير ولو في حالة غضب معين، ولو في حالة أن يحصل له خسارة في تجارة معينة، فيحصل يقدح في نفسه أشياء، والقوادح في النفس هو هذا ذكرها فيما يتعلق بناس كبار، ألم يذكر هناك بالنسبة لنبي الله إبراهيم؟ {قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}(البقرة: من الآية260). أيضاً الشخص الآخر أيضاً من أولياء الله عندما قال: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}(البقرة: من الآية259).
الله قال في الأخير: {وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ}(محمد: من الآية36) كل أموالكم وأسئلة مجحفة، {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا} ألم يأت هنا بخطاب عام؟ {فَيُحْفِكُمْ} بعدكم، بعدكم هكذا {تَبْخَلُوا} {وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} فيطلع كلاماً سيئاً حول موضوع المال، [إنما ضيعوا حقنا، لا يوجد شيء ولا رأينا شيء ولا، ولا..] في الأخير لا تدري وقد تحول هو إلى محارب للشيء الذي كان ينفق في سبيله.
فيجب أن نتحدث مع الناس بشكل عام، أعني: هذه القضية قرآنية أساسية: أن تخاطب الناس بشكل عام، وتحثهم على الإنفاق في سبيل الله، تحثهم على الإنفاق في مختلف مجالات البر، لأن القرآن الكريم تناول المواضيع كلها، وتقدم كل ما شجع الله الناس به في القرآن الكريم، وتترك الناس على حسب اهتمامهم ومستوى إيمانهم وطاقاتهم، هذه قضية، حتى لو عندك مثلاً عشرة أشخاص، عشرين شخصاً، عندك في المدينة الفلانية، أو في الجبل الفلاني، أو في المنطقة الفلانية كذا أشخاص يجب أن تخاطب الآخرين، وأن تذكر الآخرين بأنها مسؤولية، وأنها قضية يدعى إليها كل إنسان، وأنها إيجابية بشكل كبير، لأنه يستطيع الناس أن ينهضوا بأشياء كثيرة وبدون أن يحس أي طرف بثقل، أو يحس بأنه أرهق، أو يحس بأنه وكأنه هو الذي يتحمل الأعباء بمفرده، أو مجموعة لوحدها مهما كانوا خيرين.
يجب أن يكون الطرف الآخر أنا أو أنت أعني: رحماء، رحماء بقدر الإمكان، فتقدم مشاريعك العملية بالشكل الذي تراعي فيه حساسية المال في النفوس، وبالشكل الذي لا يبدو مرهقاً للناس، وتركز بشكل كبير في توعيتك في تبيينك وتبين أهمية القضية التي أنت فيها، أهمية العمل الذي أنت فيه، أهمية الأطروحة الفلانية التي أنت تتبناها فبمقدار اهتمامهم سيقدمون.
فيجب أن يكون من الأشياء التي نعتمد عليها في موضوع هداية الناس، وتذكير الناس فلا تكون ممن يتحاشى أن تذكر بأن الله سبحانه وتعالى ربط بالمال مسؤوليات متعددة، وجعل المال محكاً إيمانياً كبيراً، وجعل المال أيضاً وسيلة من وسائل أن يتنمى نفس المال في نفسه أن يتنمى لك، وأن يكون وراءه أجر كبير في الدنيا وفي الآخرة. لا يكون واحد مستحي، فقط يقدم له عبادات معينة لا يكون فيها عبادات مالية على أساس أنه لا يقول: بأن قد معه طلبات مالية!.
قدم دين الله بشكل متكامل، لأنه أحياناً قد تقدم للناس عبادات معينة من التي ليس فيها طلبات، هنا أنت تقدم الدين ناقصاً، بالشكل الذي لا ينفعهم هم، لا يستحي الإنسان أن يتحدث عن الإنفاق في سبيل الله، وبهذا الأسلوب الخطابي العام، وفي نفس الوقت بهذا الأسلوب الذي يرفق بكثير من ماذا؟ من التشجيع والدفع بالناس إلى أن ينفقوا في سبيل الله، ولا يكون عملك في نفس الوقت مليء بالمشاريع المالية.
ناس هم بدأوا يتوجهون هكذا، تقول: [مسجد، نبني مسجداً نريد مكرفون قوي، ثم نريد كذا.. ثم نريد كذا..] لا،يكون عندك فهم، قائمة أولويات – مثلما تحدثنا سابقاً – أولويات أساسية، وتراعي مشاعر الناس، والوضعية التي لا يزالون فيها، تذكرهم، وقليلاً قليلاً، وتعطي، وأن الله يقبل من الإنسان وإن كان مبلغاً زهيداً، فقط لازم تعرف بأنك تتعامل مع الله، أنت ستعطي بمقدار اهتمامك وإيمانك، وإذا بخلت أنت تبخل عن نفسك {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ}(محمد: من الآية38) كما قال.
{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} موضوع المال موضوع يجب أن يكون فيه تصرفات حكيمة في توجيه الناس، في تقديم المشاريع العملية للناس، بأن تكون أعمالك بالشكل الذي تبعد أي حساسية من النفوس، ولهذا نقول أكثر من مرة: العمل الذي نحن فيه، فيه مجالات اشتغل أنت بمالك حتى لا يأتي بعد أيام وتقول: لا ندري أين ذهبت أموالنا؟ أو هم فقط سيأكلونها، أو يكون هناك منفذ لآخرين مخربين من الذين هم منافقون يثبطون الناس عن الإنفاق، لا تعط شيئاً، أنت اشتغل بحقك أنت، أمامك ملازم معينة، أمامك شعارات معينة اشتغل أنت بفلوسك في هذا الموضوع، أمامك أشخاص معينين من الذين هم مرشدون ومعلمون موّل شخصاً أنت لينتقل إلى منطقة في سيارتك، أو بفلوسك، اشتغل أنت.
قضية ملموسة بالنسبة للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) يبدو أنه فعلاً في قضية جمع الأموال لتمويل سرية معينة، أو غزوة معينة كان يكون خارج هناك يجمعها لا يكون في بيته لأن هذا منفذ للآخرين يقولون: [لاحظوا كم قد أدخلوا إلى بيته، لاحظوا كم قد أدخلوا] وعندما يخرج لو أخرج الذي عنده ونصف من حقه زيادة سيقولون أولئك [هذا فقط قد لا يكون إلا النصف مما قد أدخلوا إلى بيته، وما زال الباقي مراكم هناك] هذا لأنه كان حكيماً ولذا قال: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} يتحدث في الآية هذه عن موضوع الحكمة في وسط الحديث عن الجانب المالي لنعرف بأنه موضوع يجب أن يكون التصرفات فيه حكيمة، ومع الناس حكيمة، والمشاريع تكون على أساس معرفتك بالجانب المالي أيضاً حكيمة.
{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}(البقرة: من الآية269). ولأنه على يد من يؤتى الحكمة يكون هناك خير كثير، أعمال تكون مثمرة، حركة تكون مثمرة. وإذا ما هناك حكمة في الأخير لا تدري إلا وقد هم يصيحون منه، من أساليبه يكون فيها منفذاً أعني: أنه يجب أن تفهم بأنه ليس فقط القضية أنني أتحدث مع الناس عن موضوع مالي، يكون عندك نظرة عامة بما فيها الطرف الآخر الذي يكون هناك يتربص لأي منفذ يعمل دعاية مضادة، دعاية تثبط، تراعي كل الإعتبارات هذه هي الحكمة، وإلا قد تكون مخلصاً وأميناً فعلاً لكن تنسى جوانب من الحكمة تكون فيها ثغرة للطرف الآخر يعمل دعايات: [هذا فقط يجمع لنفسه وليس إلا كذا وليس إلا…] إلى آخره.
ولأن المال جانب حساس يُكون التشكيك تقريباً يؤثر فعلاً، يؤثر في الناس التشكيك أحياناً إذا ما هناك تصرفات حكيمة قد يكون هناك مطالب مالية بالشكل الذي يصد الناس عن الحضور مثلاً في مجالس معينة، أو مناسبات معينة، مثلاً إذا تعود الناس على أنه في مجلس يُقدمون لهم تعاون في سبيل الله أو أشياء من هذه. معنى هذا ماذا؟ يكون الشخص الذي لو لم يكن إلا أن ما لديه فلوس يستحي أن يسير، أو أناس ما قد بلغوا درجة مناسبة يكون مستعداً أن يقدم ولو شيئاً بسيطاً، فيكون بالشكل الذي ينصرفون، فلا يحضرون في مناسبات عامة.ولهذا ليس مناسباً أن تطرح قضايا مالية في مجالس عامة، أو في مناسبات عامة، تحدث في المناسبات العامة فيما يتعلق بأهمية الإنفاق، وتقدم للناس المشاريع العملية التي ينفقون فيها، ولا تحاول أن تطلب في نفس الوقت من الناس شيئاً.
هذه القضية ثابتة لأنه أحياناً قد تحرج كثيراً من الناس الجيدين، يستحي أن يذهب عندما لا يكون معه فلوس، يستحي أن يأتي، [ربما يدعون لشيء وليس عندي فلوس فأبدوا وكأني إنسان لا يريد أن ينفق] يتألم فعلاً لأنه غير متمكن يعطي، ويستحي أن يبدو أمام الناس وكأنه إنسان لا يريد أن يقدم شيئاً في الأخير يجلس في بيته، ولا يحضر. فلا يكون موضوع الإنفاق، أو موضوع دعوات المال بالشكل الذي يعيق الناس عن الهدى، وهو يقدم هذا الموضوع لتمويل الهدى، ولأن يهتدي الناس ويقيمون دين الله.
{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}(البقرة: من الآية269). هناك في موضوع الإنفاق أعني: إفترض ناس قدموا تبرعات، أو غنائم حصلت ثم يأتي إنفاق لطرف معين، يكون هناك في بعض الأوقات أولويات معينة لديه، فإذا الناس من البداية الإنسان المؤمن يرسخ في نفسيته: بأن الإيمان هو عطاء.
لهذا يأتي الحديث كثيراً في مسألة بأنه {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}. تترسخ هذه النفسية عندك فتروض نفسك على مسألة: أن الإيمان هو أخذ وعطاء، ويهمك هو ماذا؟ أخذ أجر من الله وما سيأتي من شيء يخلفه الله سبحانه وتعالى عليك عندما يأتي إنفاق أموال لا تكون حساسة عندك.
في بعض المواقف في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) على الرغم مما كان يعمل، ويوجه الناس، والقرآن يتنزل عليه، أحياناً، ولأنه كانوا آلفين مسألة جمع أموال، ويغزون بعضهم بعض وأشياء من هذه، أحياناً يصير عندهم حساسية عندما يعطي من الغنائم أطرافاً معينين.
في موضوع الحكمة لاحظ فيما يتعلق بالتأليف – ربما تأتي بعد الآية – ونتحدث قليلاً حول حديث الحكمة، وارتباطها بالجانب المالي ما يسمى: تأليف. يعتقد البعض أن التأليف معناه: من أجل ذلك يترسخ الإيمان في نفسه، ويؤمن بفلوس ليست بالشكل هذا، أبداً.
التأليف عندما تنظر إلى المرحلة التي كان فيها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فبدأ يتألف متى حصلت؟ بعد الفتح تقريباً بعد الفتح بدأ يتألف، هنا الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، الفتح يمثل انتصاراً كبيراً، ويعتبر قهراً لطرف، أليس هو يعتبر قهراً لطرف؟ يعتبر في نفس الوقت حكيم في هذا الموضوع أعني نظرته واسعة هو رأى الفتح يمثل انتصاراً كبيرا ًويعتبر قهراً لطرف، أليس يعتبر قهراً لطرف؟ يعتبر في نفس الوقت مما قد يثير أطرافاً أخرى، فيكون العدو الخارجي يتوقع كيف ستكون الجزيرة هذه بعد الفتح؟ كيف سيكون زعماء عشائر وأطراف أخرى، وقد رأى سلطان محمد قد صار كبيراً وقد صار يشكل خطورة مثلاً؟ قضية هامة جداً أن تهدأ الجزيرة فتبدو الساحة أمام الطرف الآخر ساحة هادئة.
فعندما أعطى أشخاصاً معينين من الغنائم حصلت أعتقد في [حنين] غنائم أخرى للتأليف ليس من أجل أنه: يؤمنون بفلوس، أبداً. هنا لتستقر وضعية في ظرف معين، ورؤية لديه، رؤية بعيدة، ونفس المرحلة ما كانت هي مرحلة متأخرة؟ هي مرحلة أنه يعطي مؤشرات، ويتجه إلى أطراف أخرى خارجية، الوضعية الداخلية مهمة فزعماء عشائر معينين يمكن يسكتّه مبلغ يسكت فلا يبدو مشاققاً، لا يبدو كذا.. قد يمثل مثلاً موطئ قدم للعدو الخارجي الذي قد رأى بأن محمداً كبر في الجزيرة، يشكل خطورة. العدو الخارجي يمكن يبحث عن موطئ قدم له، سكت أولئك، يعطي هذا، ويعطي هذا، ويعطي هذا.. والمؤمنون الذين هم مجاهدون لم يعطهم شيئاً، أو أعطاهم أشياء بسيطة جداً.
فهنا هي مبنية على رؤيته العامة للخارج، وليس فقط لتألف أشخاصاً ليؤمنوا، ليس هناك إيمان بفلوس، في دين الله ليس هناك أنه يقدم يعطيك فلوس من أجل أن تؤمن! موقف حكيم في نفس الوقت، أن لا يظهر بأنه من أجل هذا، في نفس الوقت أن لا يبدو وكأنه من أجل أنهم لا يكون عندهم شقاق فيستغلهم طرف آخر، والطرف الآخر ينهزم نفسياً عندما يرى وضعيته استقامت في الجزيرة، وهدأت من بعد الفتح، لا يمكن يقول: [نريد من أجل لا. ولا.] أو حتى يوحي، قد يكون ماذا؟ قدم ففهمت المسألة بأنه معناها: يتألف قلوبهم أو بمعنى: يستقرون في إيمانهم، ويسكتون، ويجلسون مؤمنين هكذا..
فهنا تعرف فيما يتعلق بالمال، في مجال أخذه، أو في مجال إنفاقه يجب أن يكون هناك حكمة، وأن تعرف أنه مؤثر تأثيراً كبيراً.
المال له دور كبير جداً حتى فيما يتعلق بالعدو الخارجي، عادة العدو الخارجي يبحث دائماً الوضعية الداخلية دائماً، أول ما يفكر في تقييم الوضع الداخلي لك. أعطاهم عطايا كبيرة جداً بعض كبار الشخصيات، وزعماء العشائر في تلك المرحلة أعطاهم عطايا كبيرة جداً، ومؤمنون بقيوا بغير شيء من الذين قاتلوا، لكن ما كان هؤلاء المؤمنون في الأخير قد تكون أنفسهم هي الضحية؟ لو أنهم يفكرون في المسألة على هذا النحو: يريد يلحق له مثلاً ناقة، و عنزاً، وفروة، وأشياء من هذه، وبقي شخصيات معينة تشاقق، تمثل موطئ قدم للعدو، وتعطي صورة قلقة عن الجزيرة فيهجم العدو وفي الأخير تصعب الحالة، على هؤلاء المؤمنين مقابل الشاة والناقة وفروة وحَجَمة، وأشياء من هذه أليس هذا أفضل لهم؟ الشاة [أطرف]، وناقة [أطرف]، وأشياء من هذه.
{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}(البقرة:270) ليؤكد للإنسان بحيث أنه لا يكون ما يزال عنده رغبة بأنه يراني، أو نحو ذلك، إذا كان متوجهاً ويبتغي مرضات الله فيعرف بأن الله يعلم ما قدم، وليكن هذا الشيء الذي يشجعك على أن تعطي أي: أنك لا تريد يعرف الناس أنك أعطيت، قد يكون في مقامات معينة إذا كان عطاؤك يعتبر تشجيعاً مثلماً يقول البعض، مقامات محدودة.
{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ} أي نفقة قلّت أو كثرت {أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}(البقرة: من الآية270) {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}(البقرة: من الآية271) لاحظ هذه الآيات، كلها حول موضوع الإنفاق كيف يجب أن يكون؟ مجموعة ضوابط، مجموعة آداب بالنسبة لهم ليكون له فاعليته، ويكون له أثره.
{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} جيدة {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(البقرة: من الآية271) أي: موضوع الإخفاء يبدو أفضل {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وسيأتي خير يكون في مقامات يعني: جنس الخير، وفي مقامات بمعنى أفضل يعني مثل ما تقول: [أخْيَر] لأنه ليس هنا إشتقاق بهذا الشكل في اللغة [أخيَر] خير يعني: مثلما تقول: أحسن من الصورة الأولى في العطاء، ويكون العطاء على هذا النحو مما يكفر به السيئات على قراءة: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} أي يأتي العطاء على هذا النحو يكون من أسبابه، أو يكون سبب من أسبابه أن تكفر سيئاتكم.
لا أعتقد بصحة قراءة: {وَنُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} من الذي يمكن أن يكفر السيئات؟ هو الله الذي يكفر السيئات. تلحظ المقام هنا أنه يتحدث عن نوعية من الإعطاء، أو عن حالة تعطي عليها فأن يكون التشريع مرتبطاً بالحالة قضية مهمة أعني يتوفر أمرين: أن ينشد في ذهنيتك الأثر لهذا العطاء على هذا النحو، وأنت في نفس الوقت تؤمن بأنه من يعمل الأثر هو الله، فتكون مثلاً قراءة: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} الأقرب للسياق نفسه.
موضوع القراءة يكون بعضها اجتهادات، قراءات قد تكون اجتهادات، وقالوا روايات. لكن القرآن الكريم هو أعلى من مسألة أن يحصل فيه اضطرابات في القراءة، هو يضبط نفسه بنفسه، في موضوع القراءة هو يضبط نفسه بنفسه، فهو يبرهن من داخله بشكل عام على القراءة الصحيحة في ماذا؟ في آية من الآيات التي فيها قراءتين أو ثلاث لأنه لم يكن تكتب مثلاً الكلمات مشكولة، أعني: بحركات، ونقط؛ لهذا تجد أن القرآن الكريم يمثل مجموعه ضمانة لنصوصه، لنصوصه كيف تُقرأ يمثل ضمانة لها حتى لو لم يكن هناك حركات ولا نقط، لأنه ما جاء النقط للحروف والحركات إلا متأخراً بهذا الشكل الواسع.
لاحظ كيف العبارة هنا يكون هناك نوع من البعد – تقريباً – في النص عندما يقول: {وَنُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} مرحلة إنتقال من الخطاب إلى الغيبة لأن {وَنُكَفِّرُ عَنْكُمْ} أليس معناها: ونكفر عنكم نحن؟ ثم يقول: {وَاللَّهُ} كلمة: والله، يعني: أن يأتي انتقال من الخطاب إلى الغيبة يكون لها مقامات مناسبة {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}(البقرة: من الآية272) لاحظ الأشياء التي تشجع الإنفاق أليست تأتي من قبل ومن بعد وأثناء الكلام؟ جاء من أول الآية {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ}(البقرة: من الآية261).
{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} نفس الهدى بأن يقدم للناس بينات الله، ويقدم البلاغ الكامل على أكمل وجه، أليست قضية منوطة به وعليه أن يقوم بها؟ لكن في أن يترك الأثر في النفوس شيء آخر، وهذا في الجانب المالي قضية قد تكون أعني يظهر فيها هذا: أنك قد تتحدث مع الناس، وتشجع، وتأتي بكلام كثير فتلمس بأنه فيه ناس استجابوا، وكثير لم يستجيبوا فيقول: لماذا، إفهم بأنه تلك قضية أخرى، أنت عليك أن تبين، وتوضح، ويكون أسلوبك على هذا النحو، وتقدم هذا الهدى المتكامل {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}.
قضية الجانب المالي أعني: قضية حركة الناس عادة ليفهم الإنسان أنها تكون مضبوطة بضوابط من عند الله، خارجة عن إرادتك أحياناً لو تعطى مثلاً أموالاً كثيرة في مرحلة قد تكون غير مناسبة قد تكون مشاريعك كبيرة في مرحلة غير مناسبة. أي أنه موضوع لا يصدك عندما تكون أنت تبين للناس.. تبين للناس، وتحثهم على الإنفاق، وتبين لهم الأشياء هذه التي تعتبر مشجعة، وجدت هناك ناس لم يرضوا يتجاوبوا فلا تقل: [إذاً يكفي أتركهم هؤلاء لا تتكلم معهم] يجب أن تواصل التبيين.
{وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}(البقرة: من الآية213) وهناك أشياء أخرى، ترتيبات أخرى كثيرة لأنه قد يكون أحياناً هنا بالقطارة لكن هناك تدبير آخر بكميات كبيرة في تدبير الله، لأن جانب المال أليس عبارة عن آلية، عن وسيلة في إطار حركة معينة؟ لا يستطيع الإنسان على الإطلاق أن يلحظ جوانب العمل الذي هو فيه، الذي هو جزء من تدبير الله سبحانه وتعالى قد يكون أحياناً أن يكون بالقطارة من يستجيبون لك، أو من يعطون ومرحلة لا تدري وحصل كثير، ومرحلة.. أشياء، لا تقعدك عن أن توجه الناس باستمرار، وتحثهم حتى على مسألة السبق إلى الفضيلة، السبق إلى الفضيلة مثلما قال في موضوع الإنفاق أنه حتى بالنسبة وقد الإنسان سيعطي لكن في مراحل معينة {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}(الحديد: من الآية10).
وفي نفس الوقت عندما تكون أنت تحث الناس على الإنفاق، وتراهم لا يتجاوبون بالشكل المطلوب [تقوم تتلفت] تبحث من أين يمكن تحصل على مال؟ إما أن يكون الناس أنفسهم القائمين على عمل معين يتحملون قروضاً كثيرة في الأخير تؤثر على عملهم في نفس الوقت وأنت قد عليك دين لذلك، ولذلك، ولذلك.. لم يعد بإمكانك أن تخلصهم في الوقت الذي تبدو بالشكل الذي تحط من قيمتك وبالتالي قيمة ما توجه، وقيمة حركتك، أو تبحث عن أطراف أخرى دولية أو حزبية قد تساعدك في عملك، فتدخل في أخطاء كبيرة.
يجب أن توجه، أن تهدي، استجاب من استجاب، ومن لا يستجيب لا يكون بالشكل الذي يصدك عن أن تواصل التبيين، أو بالشكل الذي يدفعك إلى أن تبحث عن أطراف من هنا، أو هنا، أو أن تتحمل أنت مبالغ مجهدة، مبالغ منهكة جداً، قروض كبيرة أنت ومن معك، حرِّضْ. {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}(البقرة: من الآية213) وهو أبصر بعباده.
{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ}(البقرة: من الآية272) بعد الحث الكثير على الإنفاق بعدما قدم {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} بالعبارة هذه التي تعني مائة في المائة: كل ما تنفقونه هو لكم. هذه العبارات التي تبين أثر المال، أو دور المال هو دور عام، دور عام في الواقع. يعني في الوقت الذي ما تنفقه الله يخلفه عليك، فكأنك قمت بعملية تبادل تجاري مع الله رده عليك بأضعاف مضاعفة. أثره هو لكم {لِأَنْفُسِكُمْ}.
{وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية272) لأن المال يكون له أثر في الأخير هو لك، لك، لك كشخص أنت الذي تنفق، ولكم، للمجمع كله أثره يكون له أثر إجتماعي، وأثر شخصي فيما يتعلق بك أنت، {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} قدمها بشكل أشبه شيء بقضية محسومة إخبارية يعني: ينبغي ألا يكون عطاؤكم إلا على النحو: ما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله. جاء هذا في أكثر من موضوع أن يقول: لا تنفقوا إلا وأنتم تبتغون وجه الله، هذا أسلوب وأسلوب راقي أعني: يجعلها قضية، وأنه لا ينبغي أن يكون هناك إنفاق إلا على هذا النحو، وأنكم يجب أن تكونوا على هذا النحو وأنتم تنفقون.
{وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية272) لاحظ التأكيدات هنا كيف هي تجعل الإنفاق هاماً جداً {مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ}(البقرة: من الآية272) وأنتم تنفقون {ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}(البقرة: من الآية272) لا تنقصون شيئاً، ولا تبخسون شيئاً مما وعدتم به. فالكثير من الناس على الرغم من هذه لا ينطلقون أليس هذا وعداً إلهياً؟ {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية272) تعطوه وافياً، وأضعافاً مضاعفة كما وعد في آية أخرى.
يذكر فئة معينة من الفئات التي هي محط للاهتمام بالإنفاق: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}(البقرة: من الآية273). لأنه بالنسبة للعمل في سبيل الله أحياناً يكون وضعية الناس فيه مختلفة، هناك من يصبح بالشكل الذي يسيطر على كل وضعيته بحيث أنه لا يتمكن أنه يلحق أشياء مما يلحقه الناس من أعمال خاصة، هذه فئة، ولهذا قال: {أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} باعتبار الدور الذي هم فيه. ويوجد ناس يمكن يكون في فسحة يستطيع أنه يعمل في سبيل الله وأيضاً يمكن يلحق له أعمال معينة لأنه أدوار الناس تكون مختلفة ومتعددة.
{لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}(البقرة: من الآية273) ليس عندهم أبداً أي تعريض أنهم بحاجة إلى مال، أو أي تعريض في وضعيته وكأنه فقير، {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ} لحالهم {أَغْنِيَاءَ} من تعففهم {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} تحتاج تظهر أثر الحالة عليهم، وعلى مثلاً أسرتهم. {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}(البقرة: من الآية273) ليس لديهم إلحاح نهائياً.
أحياناً قد تكون عبارة كهذه، وهو قد سبقها في عبارة: {مِنَ التَّعَفُّفِ} والتعفف – عادة – يتنافى مع السؤال، قد يأتي سؤال بأسلوب آخر مثلاً قرضة أو سلف أليس هذا قد يحصل؟ لا يحصل من جانبهم السؤال الآخر يكون فقط أنهم لا يسألون الناس بإلحاح وإلا فإنهم يسألون. الذي يسأل فإنه لا يعتبر متعففاً، الذي يسأل الناس يسألهم، أي السؤال يعني: [الطلبة] ليس قضية القرضة، أو السلف، وأشياء من هذه.
أحياناً تكون تعريضاً بآخرين، تعريضاً بناس من غير الفئة هذه الذين فيهم إلحاح في سؤالهم للناس. {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(البقرة: من الآية273) أي تلاحظ هنا كما أعطي اهتمام بفئة من المجتمع سابقاً: {فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(البقرة: من الآية215) هنا يذكر أيضاً فئة معينة.
تجد كل الفئات هذه التي يركز عليها يكون لها علاقة بموضوع العمل في سبيل الله، لها علاقة بموضوع بناء المجتمع بالشكل الذي يكون قادراً على النهوض بمسؤوليته في إعلاء كلمة الله، والإلتزام بدين الله في الموضوع هذا نفسه، لاحظ كيف يكون الإنفاق التعبير عنه مفتوح؟ ولا يوجد يبدو هنا تركيز على أنه مورد معين ومنه ينطلق التوزيع لأنه أحياناً مثلاً أشخاص هم يتحركون لا تستطيع أن تعرف حالتهم.
فالقضية ينبه لها الناس فمن هم حولهم يستطيعون أن يكونوا عارفين لحالتهم يعطونهم مباشرة، ليس من الضروري أن تصل أولاً إلى جهة معينة ثم توزع منها بشكل مرتبات، أو بشكل هبات، أو بشكل مساعدات شهرية، لا. القضية هنا تلحظ أنه هكذا أن الناس يحثون على الإنفاق وأن يتلمسوا وضعية بعضهم بعض، يتلمسوا من يرونهم يعملون في سبيل الله.
مثلاً قد يكونون من الفئة هذه، هنا يأتي الخطاب للناس {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا} بعدما جاء الخطاب عام أي يلحظ الإنسان بأنه ليست قضية لا بد أن يكون الناس عليها في موضوع أن يكون هناك جهة معينة تنصبّ إليها الأموال، ومنها تنطلق المساعدات لمن يعملون وللفقراء… لا، هذه يحصل معها غياب في الذهنية لشخصيات كثيرة لأن الإنسان أي إنسان لا يستطيع أن يعلم الغيب، قد يكون أناس متعففون أو بعيدون عنك فلا تستطيع تعرف وضعيتهم، أو تكون أنت مثلاً لك أولويات أخرى تأخذ نسبة كبيرة، يكون الناس هم أنفسهم في ساحة المجتمع المسلم يكونون هم يتلمسون الفقراء في قريتهم، في بلادهم أينما هم، هذه تشكل ضمانة أفضل.
فعندما يأتي التوجيه على هذا النحو يقدم أمام الناس الإنفاق في سبيل الله، الإنفاق لفئات المجتمع: يتامى، مساكين، ابن السبيل، هنا فقراء أحصروا في سبيل الله. أليس هنا تجد أمامك عدة أشياء أنت المنفق، أنت تستطيع أن توزع.. توزع نوعاً ما، وتلحظ ذلك الفقير هل ربما هو شخص يعتمد فقط على عطاءاتك أو أيضاً يأتي آخرون، تكون عارفاً بأنه أيضاً يأتي آخرون تعرف أنهم فعلاً أنهم يساعدونه تعطيه نصف مساعداتك مثلاً، أو تعرف وضعيته في حالة معينة قد لا يحتاج إلى أنك تعطيه في ذلك الأسبوع، أو في ذلك الشهر بخصوصة لأنك تعرف وضعيته، وأمامك قائمة الإنفاق في سبيل الله، وفئات أخرى.
فالتوجيه على هذا النحو، وأن يكون الناس هم على هذا النحو أفضل.
فعندما نقول: كل تبرعاتنا تنصبّ إلى جهة معينة ويكون مع الناس وزارة مالية، أو معهم خزانة، وهناك يؤتى منها الفقراء، ويقدم للفقراء، ويقدم للعاملين، هذه من الناحية التربوية ليست جيدة، من الناحية التربوية ليست جيدة بالنسبة للناس نهائياً، لأن أذهانهم تنشد إلى جهة فيكون عنده أنه يعمل وقد هو منتظر لمرتب معين، تترسخ في ذهنيته مسألة الأخذ، وهنا الإنسان يربى على الأخذ والعطاء فلا يكون هناك جهة معينة هكذا.
ولأنه فعلاً تحصل غلطة، لاحظ الآن قد تلاحظ أن الدولة بأكملها معها وزارة مالية، ومعها أرصدة كبيرة، ومعها، ومعها.. وتجد الكثير ممن يعيش على الضمان الإجتماعي هذا، معظم ما يأتي إليهم مساعدات من الخارج عندما يكون الإنسان نفسه بشكل ليس لديه اهتمام بالآخرين، أو حتى عنده الاهتمام قد لا يصل في ذهنيته إلى استيعاب أن يعرف حالة كل الناس، فالذي يعرف حالة الناس هَم بعضهم بعض، أهل القرية هم يعرفون وضعية الفقير بينهم، أهل أي منطقة كانوا هم يستطيعون أن يقيموا حالة بعضهم بعض.
لهذا لا يوجد هنا توجيه بأن الأموال تصب إلى بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو الذي يتحرك بين الفقراء ويعطي. نحن قلنا في حديث أثناء اجتماع الجمعية – وهذه تعتبر ميزة للجمعية هذه – : أن تحث الناس، من العمل الكبير أن تحث الناس على عمل أعمال البر، والإنفاق في مجالات البر هذه، والاهتمام بالفقراء، والمرضى، والمتزوجين، والمساكين، وبالطريقة هذه أفضل بكثير من أن تقدم أولاً إلى صندوق معين ثم تخرج – هذه تكون لها سلبيات – مثلما تعمل جمعيات أخرى.
هذا أسلوب القرآن في موضوع أن يكون هناك مجتمع متكافل. في الأخير ترى هذا الموضوع فيما يتعلق بحقوق الجوار، وكيف يكون الناس منتبهين لبعضهم بعض، هنا توفر أشياء كثيرة، لو نقول مثلاً يتعلق بشخص معين، أو شكلت لجنة معينة نقول: إذاً كل من يريد يتبرع لفقراء، أو عاملين في سبيل الله يأتي بها إلى هنا، وتقوم هنا تعمل لك كشف سيطلع لك عمل كبير، وتضيع كثير من الجهود، ويحصل فيه كثير من الأخطاء.
إذاً فالطريقة هذه طريقة هامة جداً، الناس هم الأعرف بالفقراء، والمساكين، وسبيل الله، وكل من قدم هنا، ألم يقدم أشياء متكاملة؟ تنظر إليها نظرة عامة هذه، من أول [سورة البقرة] إلى آخرها، وكل ما ذكره في سور أخرى، وهنا يوفر الناس جهداً كبيراً، وعملاً كبيراً، وقوائم كثيرة، وزعل كثير [وما أعطونا وآخر المعاش، وآخر، وكذا…] أشياء من هذه تضيع الوقت، تضيع كثير من الجهود.
{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(البقرة: من الآية273) لاحظ الأوامر تأتي هكذا موجهة تنفقون، أليس الإنفاق هو حالة العطاء؟ من البداية {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}(البقرة: الآية270- 271) أليست تتحدث عن الشخص نفسه عن كل فرد مسلم؟ تبدوها {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا} أليس هكذا؟ لا يوجد حديث عن جهة معينة يجب أن تستقبل، وأن تقدم إليها ثم هي تقوم بالمهمة لأنه هذا أفضل من كل جهة، وبكل الاعتبارات {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ} ثم يقول: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ثم يقول: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}(البقرة: من الآية272) {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(البقرة: من الآية215) وهكذا كلام بالشكل الذي يدل على أنه يحث الناس هم أن يقدموا هم وللجهات هذه هي، ولم يقل تمر أولاً على أي جهة.
فالإنفاق في سبيل الله أنت تعطيه في مجاله، والإنفاق إلى الفقير في مجاله، والإنفاق إلى المسكين واليتيم.. إلى آخره.
ثم إن المال له أثر فيما يتعلق بنظرة الناس إلى بعضهم بعض، أعني: عندما يكون الفقير أنت تعطيه أنت، أنت غني عندك سعة من المال تعطي أنت فقراء، تعطيهم بالطريقة المؤدبة، بالطريقة التي فيها حفاظ على كرامتهم، وعلى نفسياتهم، ومشاعرهم، هنا تتحسن العلاقة فيما بين الفقراء، والأغنياء، فلا يحصل عندهم حسد، ولا يحصل عندهم تغيض، ولا يحصل عندهم [حمس]، ولا يحصل عندهم مثلاً تفكير بأن يسطوا على أموالك، أو على [قاتك] أو على [بِنّك] أو على أي شيء من هذه، أو يفرحون عندما يأتي لك كارثة قد يمثلون عوناً لك.
أعني: فيما يتعلق ببناء النفوس، فيما يتعلق بالألفة فيما بين الناس، هذه القضية لا تتحقق عندما أكون أنا أسلم كل التبرعات إلى جهة معينة، وهي التي تقدمها، قد تكون نظرة الناس إلى الآخرين نظرة يمكن تكون سلبية عندما يكونون هم يرون هم – ولهذا أن الله جعل الزكاة من عين المال.. جعل الزكاة من عين المال – لأن الفقير عندما يرى أموال [بن] ويرى أموال [قات] ورأى أموال [ذرة] ورأى أموال هو سيعتبرها حقنا جميعاً لأنه يعتبر أنه شريك في هذه، يوجد [قات] جيد هو عارف أنه سيأخذ منه سيكون له منه، [بن] عارف سيعطى منه، [قمح] سيعطى منه، ولهذا كانت الزكاة من عين المال لأن له أثراً نفسياً هاماً جداً، وهذا الأثر له أهميته في بناء المجتمع المسلم بحيث يكون متكافلاً، ونفوساً متآلفة.
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة:274) وهذا أيضاً وعد هام جداً، وشيء مشجع بشكل كبير، تجد كم داخله من تشجيع في موضوع المال، فلنأخذ منه المنهجية التي ذكرناها سابقاً، تعرف أن هذه القضية هامة جداً، يجب أن تكون تصرفاتك حكيمة.
نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه رضاه وأن يؤتينا الحكمة كما قال: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}(البقرة: من الآية269).
إلى هنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله،،،
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.