آخرسورة البقرةاول سورة آل عمرآن
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
عندما يتأمل الإنسان بالنسبة للقرآن الكريم يجد – فعلاً – أنه كتاب شامل، يتميز عن أي كتاب آخر مما تبذل الأعمار والأوقات والجهود في سبيلها. هنا يتناول القرآن الكريم كل شيء، كل شيء، فتجد فيه التذكير بالله سبحانه وتعالى، والتذكير باليوم الآخر، تجد فيه الإرشادات في كافة المجالات، تجد فيه التشريعات في كل المجالات، تجد فيه الترغيب والترهيب على أعلى مستوى، تجد فيه الحديث عن معرفة الله على أعلى مستوى، تجد فيه كل الإرشادات على أعلى مستوى كما قال الله فيه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(الإسراء: من الآية).
فعندما يكون هناك اهتمام بالقرآن الكريم، إجلال للقرآن الكريم، إيمان بأنه – فعلاً – كتاب شامل يستفيد الإنسان منه في كل شيء، لم يجعله الله سبحانه كتاباً معقداً غامضاً على الرغم من أنه ((بحر لا يدرك قعره)) يستفيد كل إنسان منه ولو من خلال أن يسمع تلاوته، عندما نسمع التلاوة ألسنا نستفيد أشياء كثيرة ونفهم أشياء كثيرة من خلال تلاوته؟ ما نفهمه من خلال التلاوة شيء كثير وهام جداً، إضافة إلى ما يمكن أن نفهمه أيضاً بطريقة أخرى زيادة تبيين للآيات نفسها، لهذا وصف الله آياته بأنها: آيات بينات، فيها بيان يكفي، يكفي من مجرد تلاوته، وما يحصل من خلال السماع لتلاوته يكون – أيضاً – أسساً لفهم أكثر، وتقبل أكثر لما يأتي من تبيين من داخل آياته، ومن عمقه كما قال الإمام علي (عليه السلام) عنه: ((إنه بحر لا يدرك قعره)).
نحن نذكر دائماً بأن كلما نقوم به هو عملية إستيحاء من خلال آيات الله من خلال آيات القرآن الكريم لا يعني أن ما نقدمه هو كل ما يمكن أن تعطيه الآيات! لو نجلس مع القرآن الكريم كل شهر، كل شهر وكل ما انتهينا منه عدنا إليه لما نفدت فوائده، لما نفدت إرشاداته وهداياته!.
وكما نذكر أكثر من مرة: بأن القرآن يكون بهذا الشكل بالنسبة لمن؟ لمن يفهمونه بأنه كتاب حركة، كتاب حياة، كتاب عمل، كتاب عمل حتى فيما يتعلق بما نسميه: [فقه] بما نسميه أحكاماً معينة، تجد بأنه لا يكون حديثه أشبه شيء يكون عبارة عن إصدار فتوى في الموضوع، بل هو فقه يعطي الحكم في القضية، ويبين الطريقة لتغيير القضية في كيف يعمل الناس ليغيروا المنكر المعين.
مثلاً نجد في موضوع: الربا، والربا من أكبر الجرائم، وأكبر الكبائر عند الله، ومن أكثر الممارسات التي يعملها كثير من الناس، ومن أكثرها ضراً على عباد الله، الربا، بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى ما فيه إشادة بالإنفاق في سبيله، وما وعد به المنفقين في سبيله، إلى أن انتهى إلى قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة:274) هناك أيضاً ممارسة أخرى فيما يتعلق بالجانب المالي تعتبر مضيعة جداً، وتعتبر من أشد الأشياء ضراً على الناس على الأمة في حياتهم لنفهم كيف أنه يمكن بالنسبة للمال أولاً: أنه مرتبط بالنسبة للناس مما يجعل للمال قيمته وأثره الكبير في حياة الناس وأن نفس المال هذا من خلال ممارسة معينة يصبح شراً على الناس.
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}(البقرة: من الآية275) الربا: عندما تقرض قرضاً وتشترط بأنه عندما يسددك يعطيك – مثلاً – زيادة سواء كانت زيادة بنسبة معينة بنسبة 2% أو 5% أو 10% كيفما كانت المهم هناك زيادة هذا يسمى: ربا وهذا كان هو الربا السائد الربا السائد عند العرب في ذلك الزمان، واليهود هم من المشهورين بالتعامل بالربا وتعميم الربا، اليهود أنفسهم.
الربا يكشف عن حالة جشع رهيبة عند الإنسان الذي يمارس هذه الجريمة الكبيرة عند المرابي أعني عملية تتنافى تماماً مع الأخلاق، تتنافى تماماً مع ما يجب أن تكون عليه في تعاملك مع الآخر، مع المحتاج يكشف عن جشع رهيب، عن نفسية لم يبق لديها أي ذرة مما يسمى بإنسانية، أو بأخلاق كريمة، لا رحمة لا عاطفة ولا شفقة، همه المال، ونفسه ذائبة في المال، وإذا أعطى شيئاً لا يعطيك من أجل أنه يريد أن يقدم إليك معروفاً، أو يريد يعطيك بدافع عاطفة، بدافع رحمة، بدافع أنه يريد أجر من الله سبحانه وتعالى، يعطيك ويريد مقابل ما يعطيك زيادة!.
للأسف هذا الربا مما هو منتشر في الدنيا بشكل رهيب، وداخل البلاد الإسلامية حتى أصبح – تقريباً – تعاملاً شبه طبيعي وكأنه لا يمثل أي منكر من المنكرات، وكأنه ليس فيه أي ضر من الأضرار.
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ}(البقرة: من الآية275) يعني يوم القيامة عندما يبعثون، يبعث فيتخبط وهو يساق إلى المحشر كالمصروع {إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}(البقرة: من الآية275) ولا يبعد أن تكون هذه حالة تصل بالإنسان الذي يسيطر الجشع والطمع على نفسه فتراه غير متزن، يصبح إنساناً غير طبيعي، غير متزن. لو تتابع حركات بعض التجار، ورجال الأعمال – كما يسمونهم – تراهم وكأنهم غير متزنين، كالمصروعين، كالسكارى! ما هناك اتزان لديهم، يقوم من بين فراشه، يقوم من محل عمله، يقوم من أي مقام هو فيه ذهنيته مستغرقة، مستغرقة تماماً بموضوع المال، ومتابعة مسيرة حركة المال ما بين ربح وخسارة، وحسابات في ذهنيته طويلة عريضة تجعله إنساناً غير متزن وغير طبيعي!.
لهذا ليس بعيداً إذا واحد تأمل – فعلاً – وتابع حركات كبار رجال الأعمال – كما يقولون – أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والمرابين يكونون بهذا الشكل؛ لأن الطمع في المال، الجشع الكبير في المال يفقد الإنسان اتزانه وحركته الطبيعية وتصرفاته الطبيعية! إذا أنت تتابع أحياناً يظهر الناس الذين يكونون في [البورصات] – كما يسمونها – ترى كيف! حركاتهم مرة تلفون من هنا، ومرة تلفون من هنا، ومرة من هنا، ومرة يمسك هذا، يقدمون له قهوة يقدمون له أكل تجده مثل المصروع!.
بالنسبة للإسلام هو فيه توازن ينفرد به فعلاً، فيما يتعلق بموضوع المال لا تجد أنه في الإسلام هناك حد معين لا يجوز أن يتجاوزه رأس مالك، بالإمكان، والتوجيهات في القرآن الكريم أن يكون الإنسان ممن يملك رؤوس أموال كبيرة جداً لكن وتجده – في نفس الوقت – متزناً، وطبيعياً، ويحب فعل الخير، وبعيداً عن كل هذه الأشياء، أعني هذا الشيء الذي حرمه الله سبحانه وتعالى ما معناه أنه سيحد من تنمية رأس مالك أبداً ممكن أن يملك أي إنسان من المسلمين أموالاً كبيرة، لكن عليه أن يعرف كيف تكون نظرته للمال، وما هي المسؤوليات والحقوق المرتبطة بهذا المال، وأن يظل دائماً متذكراً لنعمة الله.
وضرب الله مثلاً من أرقى الأمثلة بمن ملكوا من مظاهر الدنيا، والأموال ما لم يملكه أحد، نبي الله [سليمان] تجد كيف كانت تصرفاته، كيف كانت حركته، كيف كانت حتى حركة جنوده {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}(النمل:17) كان يملك أموالاً رهيبة، ويمتلك ملكاً ما توفر لأحد من بعده على الإطلاق إلى الآن، ليست سيطرة فقط على الإنس، أيضاً على الجن، وعلى الطير، وكثير من المعادن سخرت له، لكن تجد كيف هو شخصية متزنة، شخصية هادئة، شخصية حكيمة، يمتلك هذا الملك الرهيب وترى كيف يحاسب على النملة الواحدة لا تدوسها قدمه! أليس هذا إنساناً متزناً، إنساناً ثابتاً؟ المرابون يدوسون الناس، يدوسون اقتصاد البلد، يتخبط – كما قال الله -.
قلنا هذا المثل من أعلى الأمثلة للشخصية غير المتزنة، للشخصية الفاقدة للحكمة وللإتزان وللحركات الطبيعية، سليمان على الرغم من ذلك المظهر المهيب بعد أن سمع كلام النملة ماذا قال؟ {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ}(النمل: من الآية19) لأن الإنسان المؤمن مهما امتلك من الدنيا سيظل دائما ًيرى بأن هناك ما هو أرقى وأفضل هو: أن يعمل صالحاً ليحصل من خلاله على رضا الله، وليدخله الله بعمله الصالح في عباده الصالحين {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاًً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}(النمل: من الآية19) أصحاب النفوس الجشعة، المرابون لم يعد يتذكر في ذهنيته أن هناك شيئاً يعتبر أرقى من المال، أو شيئاً هو أعظم من المال، أو أهم من المال أبداً، أليس هنا نبي الله سليمان لديه نظرة بأن هناك ما هو أعظم من كل ما أوتي هو ماذا؟ {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ}(النمل: من الآية19) بحيث يجند كل ما لديه من مظاهر الملك، وكل ما بحوزته من الأموال الكثيرة جداً في أن ماذا؟ في أن يعمل بها أعمالاً صالحة؛ لأن العمل الصالح في ذهنيته، في نفسيته هو الشيء المسيطر على مشاعره، وهو الشيء الذي يراه أعظم وأهم من كل ما لديه من مظاهر الدنيا هذه.
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}(البقرة: من الآية275) هل هذه قضية حقيقية أو أنها – كما يقال – مسايرة لذهنية عربية؛ لأنهم يعتقدون أن من هو مصروع أنه مسه الشيطان، أن تلك الحالة هي من مس الشيطان! القرآن – عادة – لا يساير، هذه قاعدة، لا يساير، في حالة معينة عندما يصبح الشيء، يصبح إطلاق لفظة معينة عليه [علَمٌٌ] عليه، اسم له بالتغليب لا يلحظ مسألة الإشتقاق، أو لا تلحظ الفكرة التي انتزعت منها الكلمة مثل كلمة: مجنون، مثلاً، كلمة: مجنون قد تكون في الأصل – مثلاً – على أنه مسه جن، الذي نسميه مجنوناً أنه مسه جن فأصبح على هذه الحالة التي نسميها جنوناًً، لكن أصبحت العبارة هكذا [مجنون، مجنون] حتى أصبحت اسماًً للإنسان الذي يعاني من هذه الحالة التي تسمى جنوناًً، هنا تصبح القضية باعتبارها اسم طبيعي أن تقال.
هنا في هذه قد لا يبعد أن يكون هناك شيء حقيقي يأتي من جانب الشيطان مس كما حكى الله عن نبيه [أيوب] {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}(صّ: من الآية41) أو أن تكون هذه عند العرب تمثيل لحالة معينة أصبحت تتكرر لديهم حتى أصبحت وكأنها اسم، ليس هناك مسايرة أعني ليس هناك مسايرة نقول: توهم عند الذهنية الجاهلية لقضية معينة فيأتي القرآن الكريم يسايرها! لا، هذه لا تحصل فظاهر العبارة هذه أنه لا يبعد فعلاًً أن يكون هناك من جانب الشيطان مس، من جانب الشيطان يصل بالإنسان منا إلى حالة كهذه أو أن تكون المسألة أصبحت مشابهة تماماًً كلمة: مجنون.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا}(البقرة: من الآية275) لأنهم جشعين في المال وطماعين، ولم يعد عنده أي شيء سوى المال متى ما قدم إليه نهي عما هو عليه قال هي نفس المسألة {الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} أي لا يبقى أي قيمة لتوجيهات الله سبحانه وتعالى ولا لأي نهي ينطلق هو ليرد [لا، ألمسألة واحدة البيع مثل الربا] {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا} تلك العقوبة، وتلك الحالة التي يصلون إليها، وهذه حالة بالنسبة للمال: أن المال عندما لا يسير الإنسان فيه على ما وجه الله الناس إليه في جانب التعامل مع المال يصبح المال نفسه عذاباًً لك يضرب نفسيتك، يضرب حكمتك، يضرب اتزانك بل يشوه من شكلك! بعض أصحاب رؤوس الأموال تراهم لم يعودوا أناساًً طبيعيين، ولم يبق لهم ثقل إلا عند الجشعين من أمثالهم فقط، يتحول إلى عذاب فتلك الحالة التي هم فيها هي بأنهم رفضوا وقابلوا نهي الله عن الربا وتحريمه له بمقولة أخرى أنه: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا}(البقرة: من الآية275) لكن يجب أن يفهموا بأن الله هو الذي له الحكم، وله الأمر، هو الذي يعلم بالأشياء، ويعلم بالفارق ما بين البيع: التجارة الطبيعية، وما بين الربا {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}(البقرة: من الآية275) هو الذي أحل البيع، إذاًً هو الذي حرم الربا. فتحرك بالنسبة للمال على هذا النحو الذي أحله وابتعد عما حرمه.
{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة: من الآية275) تهديد عظيم على هذا التعامل السيئ: الربا، الإعراض عما يجب أن يكونوا عليه في قابلية نهي الله عن الربا.
{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}(البقرة: من الآية276) تقدم في الآيات الأولى مثال: أن الله يربي الصدقات، أي ينميها ويكثرها، ويجعل لها أثراًً كبيراًً في نفسك، وفي أجرك، وأثرها في واقع الحياة عندما قال هناك {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(البقرة:265) {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}(البقرة:276) إذاًً سمى المرابين أنهم أصحاب النار، وأنما هم عليه سيمحقه، وأنهم كما قال هنا: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} كافرين، آثمين.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}(البقرة: من الآية277- 279) إذاًً أليست هذه ناحية عملية؟ هناك بين {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}(البقرة: من الآية275) حرم الربا، هل انتهت المسألة إلى هذه، أو أن هناك موقفاًً عملياًً؟ {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا}(البقرة: من الآية276) هذه واحدة إضافة إلى هذه: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}(البقرة: من الآية279).
إذاً هذا هو الفقه الحقيقي، هذا هو الفقه المتكامل، ليس فقط إصدار فتاوى في القضايا: بأن هذا حرام وهذا محرم، وهذا منهي عنه وفقط! يجب أن نفقه، أن نعرف الفقه العملي لتغيير هذه الأشياء، المحرمات وإزالتها {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} فإن لم تذروا ما بقي من الربا، وتقتنعوا برأس المال فقط {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} هذا إعلام، إشعار!.
إذاً فهناك حالة من الحرب قائمة فيما بينكم من جانب، والله سبحانه وتعالى ورسوله من جانب آخر {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وبكل تأكيد عندما يكون الله هو حرب لك، ورسوله حرب لك أنك أنت المهزوم، والخاسر. حرب من جهة الله، وهي عندما يتأمل الإنسان واقع البشر الآن فعلاًً تلمس أن هناك حرباًً، حرباًً إلهية للناس؛ لأن تعاملهم في الغالب، في أكثر الدنيا هذه قائم على الربا! فتجد حالات من الغلاء الرهيب، حالات من الكساد التجاري عند الدول المصنعة، عند الدول الغنية! غلاء شديد، وكساد لكثير من التجارات، لكثير من الصناعات بشكل رهيب!.
الحرب من جانب رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) شيء آخر، الإشارة إلى أن الحرب من جهة الله حرب من جهة من يكونون معنيين بإقامة الدين، وهناك بالنسبة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان هناك إجراءات معينة يتخذها هو فيما يتعلق بالمرابين عندما لا يمتنعون، وفعلاًً أعلن ((أن كل ربا تحت قدمي هاتين)) ألم يعلن؟ وألغاه تماماً، صادره أليس هذا حرباً؟ أعلن مصادرته لكل النسب الزائدة على رأس المال إذاًً فهل كان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مجرد مفتي؟ أو كان يعمل؟ ينهى ويعمل وليس فقط يصدر فتاوى، الفتاوى كثيرة وأحياناًً الكتب الفقهية التي نقرأها في موضوع الربا كثيرة، قد تقرأها في مسجد وما بينك وبين البنك الذي يتعامل بالربا إلا أمتار، هذا المبنى الطويل العريض يتعاملون فيه بالربا وتخرج الأموال منه إلى كل جيب مصبوغة بالربا، فيكون حتى من يدرس نفسه قد يكون في جيبه فلوس قد يكون قيمة الكتاب، قد يكون قيمة فراش المسجد، قد تكون كلها مصبوغة بربا! ويكون في نفس الوقت يدرس عن أنواع الربا وأصنافه، ويبين فضاعته ((لدرهم من ربا أشد عند الله من أربع وثلاثين زنية)) نعوذ بالله!.
{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}(البقرة: من الآية279) لا تظلمون الآخرين فتأخذون زيادة على ما أعطيتموهم كقرض، ولا تبخسوا أنتم من حقكم شيئاًً، لا تنقصوا من رؤوس أموالكم شيئاً {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}(البقرة: من الآية280) إذا كان الطرف الذي عليه دين في حالة إعسار فيجب إنظاره إلى حالة يسر {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية280) فيعتبر هذه هي حالة تصدق الإنظار حالة تصدق، مقابل فضاعة الربا جعل الله على القرض أجراًً كبيراً، عندما يقرض الإنسان إنساناًً آخر يقرضه لأنه محتاج، أو تقرضه على أساس أنه يعمل له رأس مال ويتجه ليبيع ويشتري، فجعل القرض كل يوم صدقة ليشجع الناس على الإبتعاد عن الربا، فالنفوس المؤمنة، النفوس التي تطمع في أجر الله وثوابه، وتطمع فعلاً في أن يكثر أموالهم بطريقة أكثر وأحسن من أن يكثرها عن طريق الربا كما قال هناك: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}(البقرة: من الآية276).
{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية280) وخير لكم حتى فيما يتعلق برأس المال، حتى فيما يتعلق برؤوس أموالكم، أن الحلال، أن التعامل في المال بعيداًًً عن الربا، بعيداًً عن المعاملات المنهي عنها سبب هام جداً من أسباب تنميته وتكثيره. إذاًً فأفضل للإنسان أن يكثر ماله بطريقة حلال ويترافق معها أن تنمو أيضاًً، يتضاعف أجره عند الله، ولا أن ينمو المال ويبدو أمامه مجرد أرقام ولكنها ممحوقة الله سبحانه وتعالى، هو بكل شيء عليم، هو على كل شيء قدير، يستطيع بطريقة معينة أن يبقى المال مجرد أرقام أمامك ويمحقها، تعيش في حالة تكون أشبه شيء بحالة الفقير، كوارث معينة تخفض الأرقام هذه التي أنت تعمل على تجميعها من الربا!.
عندما تلاحظ في الآيات هذه التشنيع الكبير على الربا، هذا مما يعتبر من أبرز الأدلة على أن دين الله سبحانه وتعالى يتناول كل شيء، ودينه وتشريعه في هذا الدين يمثل رعاية للناس، رعاية؛ لأن الربا فيه أضرار اقتصادية كبيرة، ويؤدي إلى خلق تباين فيما بين النفوس، متى يمكن أن تقدر لهذا الشخص ما قدمه لك وأنت تعرف أنه يريد من وراء ما قدمه لك أرقاماًً إضافية يعطيك مثلاًً: مائة ألف، ولازم أن تعطي في كل سنة 10% زيادة، ثم يأتي بعد فترة وإذا قد المائة ألف تتحول إلى ثلاثمائة ألف كيف ستكون مشاعرك أنت نحوه؟!.
فالربا خطير جداًً، لأن المال له دور كبير، وقدم على أساس أن يكون له دور كبير فيما يتعلق بصلاح النفوس، فيما يتعلق ببناء المجتمع من أناس متآلفين، رحماء فيما بينهم، يعطف بعضهم على بعض. فالربا نفسه يحطم النفوس، يحطم العلاقات فيما بين الناس، أليس هناك فارق عندما يأتي شخص يقرضك قرضة ولا يريد منك إلا ما قدمه لك فقط وفي موعده، فإذا جاء موعده وأنت معسر أعطاك أجلاًً آخر، أو قصََّد لك على آجال متعددة، أو شخص يعطيك مبلغ مثله مرتين ويريد منك زيادة 5% أو 10% في كل سنة على ما أعطاك كيف ستكون مشاعرك أنت نحو هذا ونحو ذاك؟ أليس الفارق كبيراً جداً؟.
ولهذا في الأخير يتحول المجتمع كما يقولون إلى: فئتين، فئة أصحاب رؤوس الأموال المفصولين عن المجتمع تماماًً لا رحمة ولا عاطفة ولا يلحظ في نفسه ما يسمى فعل خير أبداً، وطبقة المجتمع هذه الفقيرة المغلوبة أيضاًً ترى نفسها في وضعية تتمنى أن تتحطم تلك الأموال، وأن تتهدم تلك البنايات، وأن تتفجر تلك المصانع، وأشياء من هذه! أليس هذا يوجد تبايناً فيما بين النفوس؟ لأن العلاقة الحسنة فيما بين الناس وما بين أصحاب رؤوس الأموال وما بين الفقراء وأصحاب الحالات المتوسطة قضية هامة جداً في تنمية المجتمع، في نمائه من الناحية الإقتصادية، قضية هامة، وفي نفس الوقت في بقائه مجتمعاً قادراًً على أن ينهض بمسؤولياته في مختلف القضايا: في مجال إعلاء كلمة الله، في مواجهة أعداء الله.
فتحريم الربا والتهديد للمرابين وإعلان الحرب أليس في هذا ما يدل على أن هذا الدين يهتم جداًً بالناس، أنه رعاية للناس، أنه رحمة للناس؟ أي هل موضوع الربا هذا فيه ضر على الله سبحانه وتعالى؟ لا، لكن فيه إضرار بالناس، والله جعل كتابه رحمة للعالمين، وجعل رسوله رحمة للعالمين، فدينه كله بكتابه ورسوله وكل ما يهدي إليه رحمة للعالمين في كل المجالات بما فيها الجانب الإقتصادي، جانب المعيشة، جانب المال، لم يقل: [هذه دنيا] هل هنا مسألة: [هي دنيا]؟ يعلن حرباًً شديدة على المرابين.
والربا هو في موضوع المال، أليس موضوع دنيا؟ لأن فيه إضرار بالآخرين، لم يقل للآخرين: [اصبروا وما عليكم شيء وما هي إلا دنيا] يجب أن يتوقفوا، ولهذا قام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وأعلن بأن ((كل ربا تحت قدمي هاتين)) كما قال، وأول ربا يضع ربا العباس بن عبد المطلب عمه؛ لأنهم كانوا يتعاملون سابقاًً في الجاهلية بالربا، ألغاه وصادره قد صار مصادراًً.
عندما تجد هنا في موضوع الربا فيما يتعلق بالتعامل فيما بين الشعوب نفسها، شعب من الشعوب يقترض مبالغ وتكون على هذا النحو فيها ربا فلا تدري إلا وقد المبالغ التي هي الربا وحده، الزيادات قد صارت أكثر من المبلغ الأصلي، من المبلغ الرئيسي الذي استلمه أو حول له بشكل مواد أخرى، لم يعد يستطيع الناس يتخلصون منه! الآن معظم الشعوب العربية مليئة بالديون، ترى ما يمثله رأس المال الحقيقي، المبلغ الحقيقي لم يعد يعتبر إلا ربما نصف أو أقل من النصف! صارت الزيادة تلك الأرقام الكبيرة التي تطلع مليارات الدولارات كلها ربا كلها الزيادات التي في كل سنة، نسب معينة.
{وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}(البقرة:281) هذا تذكير باليوم الآخر سيلقى جزاءً حاصلاًً معظم آيات بقية [سورة البقرة] حول موضوع المال فيما يتعلق بالتعامل معه وكيف أثر المال.
يذكر أيضاًً في التعامل فيما بين الناس، في التداين أنه يجب أن يكون هناك إشهاد وأن يكون هناك كتابة، والكتابة تكون كتابة صحيحة، كتابة بالنطق، نطق الشخص المدين: [أنا فلان عليَّ لفلان مبلغ كذا، كذا، كذا وشهادة فلان وفلان] وهكذا، تجد هذه القضية فيما يتعلق بكثير من المعاملات المالية الضوابط فيها؛ لتحافظ على أن يكون الناس بعيدين عن الشقاق والإختلاف والعداوة والبغضاء فيما بينهم، سواء فيما يتعلق بالتعامل مع المال، أو فيما يتعلق بالتعامل فيما بينهم، تعامل مالي.
التداين يجب أن يكون هناك كتابة وأن يكون هناك إشهاد، من قيمة الكتابة إنها تكون أقوى من الشهادة بعد فترة فيما لو حصل نوع اختلاف أو شيء وقرأ عليك المكتوب أنت تذكرت أنت كشاهد، فإذا لم تعد سوى قضية هكذا في الذهنية لم يعد هناك كتابة قد تكون شهادات الشهود مختلفة، أو لم يعد يذكر واحد الشهادة بشكل كامل، فلأجل أن لا تضيع الحقوق، حقوق الناس، ولأن لا يتحول التعامل فيما بينهم وسيلة للخلاف والشقاق، ولأن التعامل المالي فيما بين الناس قضية ضرورية يجب أن يكون هناك ضوابط، وضع الضوابط، وهذا هو هدى الله سبحانه وتعالى يتناول كل قضية، ولهذا قال: {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ}(البقرة: من الآية282) بعد ما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ}(البقرة: من الآية282).
ثم يقول بعد: {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا}(البقرة: من الآية282) أقرب إلى أن لا ترتابوا فيحصل إضرار وشك في بعضكم بعض سواء شك في القضية كيف حقيقتها أو شك في بعضكم بعض [بأن هذا يريد يأخذ مالي أو يريد يضيََّع حقي] وأشياء من هذه، إلا في حالة واحدة: في حالة الحركة التجارية المتبادلة، البيع الناجز، المعاطاة في القضايا اليومية، مثلما يعمل أصحاب الدكاكين وغيرها ما تحتاج إلى أنه [فلان باع من فلان حق حليب أو حق سمن] وأشياء من هذه، ما تحتاج لهذه، هي هذه: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}(البقرة: من الآية282) يكون هناك إشهاد، يكون هناك تبايع في حضور يكون التبايع فيما بين الناس في أجواء فيها آخرون، هذه تكون حاصل في الغالب فيما يتعلق بالدكاكين والأسواق.
ونهى عن المضاررة للكتََّاب وللشهداء، نهى عن كتم الشهادة، إذا لم يكن هناك إمكانية للكتابة فليكن هناك رهن، في موضوع الرهن يجب أن تعرف بأنه عبارة عن أمانة، إذا لم يكن هناك رهن فهناك ائتمان فيما بينكم {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ}(البقرة: من الآية283) المفروض في هذه التوجيهات الهامة – لأن الله قال فيها: {وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(البقرة: من الآية282) – أن تراعى من جانب الناس في كل أعمالهم التجارية، في كل أعمالهم المالية [الكتابة والإشهاد] إلا فيما يتعلق بحركة السلع المتبادلة، السلع المتبادلة في التجارة {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}(البقرة: من الآية282) وأدنى شيء أن يكون في ظل حضور آخرين واحد أو اثنين أو أكثر من أجل الإشهاد يكون هناك حضور.
كتم الشهادة جعله جريمة كبيرة {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ}(البقرة: من الآية283) لأن كتم الشهادة يؤدي إلى ضياع الحقوق، وكتم الشهادة يؤدي إلى ضياع الحقوق بشكل تبقى النفوس متباينة، ويبقى الإختلاف قائم فيما بين الناس فلا يجوز للإنسان أن يكتم الشهادة {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}(البقرة: من الآية283) قد تدنس قلبك كتم الشهادة تدنس قلبك، يتحول إلى قلب آثم، مظلم، مسوَّد، يقسوا. لهذا كتم الشهادة هنا في الآية هذه يبين أنها لها أثراًً سيئاً جداًً فيما يتعلق بقلبك بدلاًً من أن يكون قلباًً مستنيراً، قلباًً صالحاًً يتحول إلى قلب آثم، لأن الشهادة هي عمل من أعمال القلوب، شيء تتذكره أنت، شيء محفوظ لديك.
{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}(البقرة: من الآية284) يبين سبحانه وتعالى في كثير من الآيات بعد كل عدة توجيهات على اختلاف أنواعها يبين بأنه: هو له ما في السماوات وما في الأرض فهو الذي له الحق أن يهدي الناس، وأن يشرع للناس، وأن يرسم طريقة التعامل فيما بين الناس، ونفس التعامل هذا الذي يوجههم إلى أن يكونوا عليه فيما يتعلق بالمال ليفهموا أنه يوجههم إلى تعامل حسن فيما هو من عنده هو، فالمال هذا كله هو له، إذاًً فيجب عليك أن تراعي هذا التعامل؛ لأن هذه التوجيهات هي تأتي من جهة من له ما في السماوات وما في الأرض لا تقول: [هذا حقي ماله دخل أنه يملي علي إملاءات أخرى ويشرع لي أشياء هذا هو حقي وهذا أنا الذي خلقته وأنا الذي أبدعته] لا، كل ما في أيدي الناس هو من الله وهو له {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}(البقرة: من الآية284) ما زال تابعأً الموضوع كتم الشهادة، فيما يتعلق بالكتابة والشهادة.
{فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(البقرة: من الآية284) وهذا هو التشريع المتكامل الذي يكون فيه ثواب وعقاب، ويرسم طريقة معينة، يرسم تعاملاًً معيناًً، يوجه إلى أشياء معينة ثم يأتي يبين ما وراءها، وراء ألإلتزام بها، ما يعطي من ثواب في الدنيا وفي الآخرة، ويبين ما يترتب على المخالفة من عقاب في الدنيا وفي الآخرة، لأنه هو الملك، هو ملك الناس، وكل ما في السماوات وما في الأرض هو له، ولأن هذا هو الشيء الطبيعي، والشيء الذي لا بد منه أن يكون هناك ثواب وعقاب وراء كل منهج يقدم من جهته سبحانه وتعالى، ليست قضايا طوعية هكذا قضايا طوعية، لا بد من التزام، وقضية الثواب والعقاب هي قضية فطرية عند البشر، وقضية الكل متسالمين عليها، قضية ما فيها شك، لا يوجد أي دولة تعمل دستوراً، وتعمل قوانين إلا وتلحظ فيه باباً خاصاً بالعقوبات، باباً للعقوبات لأنها قضية لا بد منها في موضوع أن يكون هناك التزام بتلك الأشياء التي ترسم وتقنن.
{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}(البقرة: من الآية285) تنتهي المسألة كلها إلى الإيمان، إيمان بالله سبحانه وتعالى. إذا كان عندك إيمان بالله سبحانه وتعالى هو الذي يدفعك إلى أن تعمل بتوجيهاته، تعمل بهداه. تلتزم تخاف من عقوبات مخالفتك، ترغب إليه فيما وعد من ثواب، الإلتزام بما هدى إليه، وليبين بأنه بالنسبة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو الرجل الكبير لا يوجد أحد فوق قانون الله، كثير من القوانين في الدنيا هذه يكون الكبار يرون أنفسهم فوقها، المسئولين الكبار يرون أنفسهم فوقها، القوانين كلها فقط لهؤلاء الناس أما هو فيمكنه يتجاوزها!، لكن لا، دين الله تشريع الله تجد الكبار فيه – وأكبر الكبار فيما يتعلق بالبشر هم الأنبياء – مؤمنين هم، ملتزمين هم، وهذه قيمة كبيرة جداًً فيما يتعلق بهذا النظام، بهذا التشريع الذي رسمه الله سبحانه وتعالى كيف أنه يلزم الكل بما فيهم، في مقدمتهم الأنبياء، رسله.
وهذه هامة جداً فيما يتعلق بأفراد الناس لأنه أنت عندما تكون في بلد معين فيه تقنين أن القانون فقط يمشي عليك أما الكبار، لا، ما يمشي عليهم! أليست هذه القضية تغيظك وتجعلك تنفر من هذا التقنين وتعتبر أن هذا فقط يعني شيء لا قيمة له وتعتبره نوعاً من الظلم لك؟ لكن لا، شريعة الله سبحانه وتعالى، تشريع الله يكون النبي على هذا النحو ملزم أن يؤمن به، الرجل الذي جاء به والذي دعا إليه والذي بلغه للناس، رسله.
{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(البقرة:285) يعني: كل من الرسول والمؤمنين مؤمنون على هذا النحو، الإيمان الكامل، الإيمان بعنوانه الواسع: بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله. مسألة الإيمان بكتبه ورسله السابقين قضية هامة، هي فيها إقرار بأن الله سبحانه وتعالى هو الملك، والإله للناس [وليس فقط من الآن بدأ يشرع! من قبل ألف وأربعمائة وكم سنين بدأ ينـزل كتاب وبدأ يرسل رسول!] لا، هذه هي سنته، هو ملك للناس، وإله الناس من يوم ما استخلف الناس على هذه الأرض هو الذي يشرع لهم فهي إقرار بملكه بألوهيته لكل عباده، وعلى كل عباده من الماضين والحاضرين وممن سيأتي. [لا نفرق بين أحد من رسله] كما فرق الكثير، أو أهل الكتاب – تقريباً – يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.
هذه الآية فيها – إذا صحت العبارة – تعليم كيف يجب أن يكون الإيمان، وكيف مشاعر المؤمنين، وكيف دعاء المؤمنين، وكيف توجههم، هم هكذا بدءاً من الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} سمعنا وأطعنا تقبلنا ومستعدين أن نلتزم بما شرعته لنا، بما وجهتنا إليه. {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(البقرة: من الآية285) نحن نطلب غفرانك {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} فاغفر لنا ما قد يحصل من تجاوزات بعد أن قلنا: سمعنا وأطعنا، فاغفر لنا {وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، نحن نؤمن ونستشعر ما نؤمن به من أن إليك مصيرنا.
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}(البقرة: من الآية286) فكل تشريعه وكل هدايته سبحانه وتعالى لا تكون من الأشياء التي تعتبر حتى إلى أقصى طاقة لديك، شيء تستطيع أن تقوم به لكن يبدو مرهقاً جداً بالنسبة لك. لا، كل تشريعاته، كل هداياته كلها تكون في داخل دائرة الوسع، بمعنى بأن ما قد كلف به كلفنا أن ننهض به، أن نلتزم به، أن نسير عليه هو مما في وسعنا أن نعمله وكل نفس {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}(البقرة: من الآية286) وقدمت هذه بشكل إقراري، إقرار من جانب المؤمنين قدمت العبارات، يعني هكذا ينبغي أن يكون المؤمنون، ويقول المؤمنون، فتكون نظرتهم إلى ما شرعه الله سبحانه وتعالى أول شيء: سمع وطاعة، ثم اعتبار بأنه فعلاً ليس فيه ما يجهدنا، وليس فيه ما ينهك قوانا، هو ما يزال في وسعنا.
{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}(البقرة: من الآية286) أيضاً لديهم معرفة فيما يتعلق بآثار المخالفة التي تحصل من جانبهم. تجد في تاريخ بني إسرائيل كان بسبب مخالفات معينة، بسبب نقض الميثاق، بسبب تعدي منهم، بسبب عصيان يحصل من لديهم بعد ما تكرر النهي والتبيين لهم، تأتي تشريعات فيها قسوة بالنسبة لهم: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً}(النساء:160).
فإذا كانت المسألة بالنسبة لنا لم يعد هناك وحي نقول بأنه سيأتي تشريعات قاسية، تأتي التزامات واقعية قاسية، تكون في واقعها قاسية من النوع الذي حكاه الله عن المخلفين من الأعراب {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}(الفتح: من الآية16) أليس هذا فيه إلزام وفيه نوع من القسوة عليهم عندما تخلفوا عن القتال مع الباقين قتال الحاصلين الحاصل من الأعداء؟ قد يكون بعضهم عاديين تكون العقوبة أن يلزموا على هذا النحو {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}(الفتح: من الآية16).
إذاً أليست هذه واحدة من الأشياء القاسية {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}(الفتح: من الآية16) على طول {فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً}(الفتح: من الآية16) فالقضية هذه لم يغلق ملفها أعني لا يتصور بأنه ما دام ما لم يعد هناك وحي يأتي من جهة الله، ونبي من جهة الله يشرع تشريعات لكل زمان فتأتي أشياء تبدو قاسية، الله هو حي قيوم وفي نفس الوقت قد تطرأ أشياء تمثل قسوة في حالة الناس أعني بسبب تفريطهم، بسبب عدم التزامهم، عدم اهتمامهم، قد تحصل أشياء في واقع حياتهم يؤاخذون على التفريط بها، وتبدو في نفس الوقت فيها مما يعتبر وضعية صعبة.
{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً}(البقرة: من الآية286) والإصر: العبئ الذي يأصرك يعني: ما تستطيع تنهض به إلا بجهد جهيد {كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}(البقرة: من الآية286) هي قريب من موضوع الإصر {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية286) لاحظ هنا المؤمنين لديهم شعور بمسؤولية أمام الكافرين بدين الله، أمام أعداء الله، موقف عملي، هم يدعون الله أن ينصرهم وأنت مولانا نلتجئ إليك ونعتصم بك ونستعين بك ونتوجه بطاعتنا لك ونطلب منك أن تعفو وتغفر وترحم.. إلى آخره، وبما فيها أن تنصرنا على القوم الكافرين. مثل هذه الأدعية هي أدعية هامة جداً يحاول الإنسان يتعود على أنه في قنوت الصلاة في قنوت الفجر، وقنوت الوتر تكون أدعيته مجموعة من الأدعية الهامة داخل القرآن الكريم.
[سورة آل عمران]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}(البقرة: من الآية255) تتكرر كثيراً العبارات هذه في القرآن الكريم: بأن الله سبحانه وتعالى هو الإله الذي لا إله إلا هو الذي يأله إليه الناس وهو الحي القيوم كما قال في آية الكرسي {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}(البقرة: من الآية255) هو قيوم السماوات والأرض، هو الحي الذي لا يموت، والقيوم بشؤون عباده، القيوم بتدبير شؤون السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}(آل عمران: من الآية3) هذا مظهر من مظاهر قيوميته أن ينـزل منهجاً، وينـزل كتاباً فيه هدى للناس، فيه تشريع للناس بالحق، لأنه الإله لأنه إله الناس، لأنه الحي القيوم، هو الملك فنـزل عليك الكتاب.
يأتي الحديث في موضوع تنـزيل الكتاب بعد آيات كثيرة أحياناً بعد {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}(فصلت:2) وأحياناً بعد آيات كهذه، بعد حي قيوم، وكثيراً تجد بأنه من منطلق أنه رحيم، أنه رحمن رحيم ينـزل هذا الكتاب، نزّل هذا الكتاب لأنه الإله والحي القيوم، نزل هذا الكتاب، الكتاب هذا له أهمية يعتبر مظهراً من مظاهر رحمته، هذه الهداية، هذا التشريع، إنزال الكتاب بما فيه من هدى وتشريع للناس مظهر من مظاهر رحمته، مما تقتضيه حكمته، مما يعتبر مظهراً من مظاهر قيوميته، مما يعتبر ممارسة – إن صحت العبارة – أو تدبيراً من تدبيره لشؤون خلقه باعتباره ملكهم، وإلههم، وهكذا، فتنزيله بالحق، ونزل بالحق كما قال في آية أخرى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}(الإسراء: من الآية105).
{مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ}(آل عمران: من الآية3،4) إنزاله لهذا الكتاب هو في إطار السنة الإلهية التي هي ماذا؟ تقتضيها قيوميته سبحانه وتعالى إنه الإله الحي القيوم فنـزل من قبل التوراة، والإنجيل، وكتباً أخرى، وبعث من قبلك رسلاً آخرين. فليس بقضية جديدة أن يقول الناس [لماذا نحن يبدو أن هناك التزامات معينة وتشريع معين] وكأنه ليس هناك شيء من قبل!. لا، هذه سنة الله من أول ما أنزل آدم إلى الجنة وقال له أن يسكن هو وزوجته فيها يأتي توجيهات من لديه يعلمه ويعلم الناس جميعاً من بعده، بنيه، لأن الإنسان لا يترك في هذه الدنيا دون أن يكون هناك توجيه من الله هدى من الله تشريع من الله سبحانه وتعالى.
{وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ}(آل عمران: من الآية3،4) ما يعتبر فرقان بين الحق والباطل يشمل القرآن الكريم، وفي آيات أخرى سمى التوراة فرقانا {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}(آل عمران: من الآية4) لأنه نزله بالحق هدى للناس وفرقاناً بين الحق والباطل، فمن يكفر بآيات الله التي جعلها على هذا النحو، وهي كل آياته سبحانه وتعالى فهناك وعيد {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} وكلمة عذاب شديد عندما تطلق تشمل العذاب الذي يأتي في الدنيا وفي الآخرة {وَاللَّهُ عَزِيزٌ} لا أحد يستطيع أن يمنع نفسه منه، لا يمكن أن يلتجئ إلى طرف آخر يمثل منعة له من الله أبداً، يستطيع أن يعذب من يكفر بآياته، من يرفض آياته، من يعارضها، من يخالفها {ذُو انْتِقَامٍ} هو دائماً ينتقم، أي هو رحمن رحيم رؤوف رحيم لكنه شديد العقاب {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}(الحجر:49 – 50) {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ}(غافر: من الآية3) أليست هكذا؟.
قال سبحانه وتعالى عن نفسه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ}(آل عمران:5) ليكن كل إنسان – عندما يكون كافراً بآيات الله، عندما ينطلق في أعماله مخالفاً لهدى الله سبحانه وتعالى -، فاهماً أنه لا يخفى على الله شيء من عمله، إضافة إلى أنه لا يخفى عليه شيء مما له علاقة، وتقريباًً كل شيء له علاقة بهداه الذي تضمنته آياته، والذي جاء به رسله؛ لأنه عندما يشرع سبحانه وتعالى لا يشرع شيئاً وهو ناسي بأنه ربما التشريع هذا هناك في واقع الحياة ما يمكن أن يحول بينه وبين أن يمشي كسنن ثابتة هو شرع سبحانه وتعالى، هو الذي هدى، هو الذي نزل الكتاب، وهو الذي خلق الأرض، وخلق السماوات، وخلق الإنسان، ورسم قوانين، وفطر الإنسان على الفطرة التي هو عليها، ورسم قوانين هذا الكون على ما هي عليه.
فعندما يأمر الناس أن يكونوا أنصاراًًُ له، أليس الأمر جاء قبل ألف وأربعمائة سنة قبل أن يكون هناك أمريكا؟ فعندما يقول: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}(الحج: من الآية40) هو لا يخفى عليه بأنه سيأتي بعد أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، فوعده وعده.
{إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(آل عمران:5 – 6) كما قال في آية أخرى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(الملك:14).
{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ} هو الذي خلقكم، هو الذي يعلم بكل شيء، فعندما ينزل الكتاب، إنزال كتابه، ما في كتابه من هدى، ما وجه الناس إليه، هو من منطلق أنه يعلم، يعلم كيف يهدي، يعلم كيف يرشد، ويعلم الوسائل التي تجعل لهذا الإرشاد أثره، يعلم الطرق التي يقوم بها دينه وهداه، يعلم كل ما يمكن أن يحدث في هذه الأرض.
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}(آل عمران:7- 8) هذا من قول الراسخين في العلم حكاه الله عنهم إلى قال عنهم: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}(آل عمران:9) قال هناك في البداية: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}(آل عمران: من الآية3) ثم قال بالنسبة لهذا الكتاب {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}(آل عمران: من الآية7) أصله ومرجعه.
{وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}(آل عمران: من الآية7) موضوع المحكم والمتشابه في القرآن قضية تعددت الأقوال فيها بشكل كبير إلى الآن لا يوجد استقرار لقول فعلاً يطمئن أنه تفسير حقيقي لمعنى [محكم ومتشابه] وبالذات المتشابه لدرجة أن بعضهم قال: الآية هذه بكلها متشابهة! لشدة ما حصل من أقوال متعددة حولها. كل الأقوال التي تأتي في هذا الموضوع بعضها تكون منطلقة من فهم معين متأثر بثقافة من قولك ورأيك في القضية، مصبوغ بالثقافة التي تثقفتها من أشياء أخرى.
لكن لاحظ في المقدمة عندما قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}(آل عمران: من الآية 5 – 6) التصوير الدقيق المحكم داخل الأرحام بالنسبة للإنسان ظلام {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ}(الزمر: من الآية6) أليس هذا يعني عمق هناك؟ تصوير دقيق لهذا الإنسان الذي يعتبر من أرقى المخلوقات في تكوينه في الظلام الدامس {ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} ظلمة الرحم وظلمة البطن [الحشا] وظلمة الجسم، فالذي صورنا في الأرحام في ذلك الظلام يمكن أن يكون في كتابه في أعماقه هناك ما هو هدى راقي جداً، هناك فيما يبدو عمق، الإمام علي (عليه السلام) قال: ((القرآن بحر لا يدرك قعره)) البحر أليس من تحت ظلمات هناك؟ ظلام البحر يكون هناك مسافة معينة فيها معرض للشمس ومن تحت هناك ظلمات، فالقرآن الكريم نفسه…، لأنه هناك مقولة وهي للأسف مقولة تعكس نوعاً من الجهل لكن جهل يبدو يدفع بالإنسان إلى حالة غرور فاختلفوا حول موضوع {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}(آل عمران: من الآية7) المتشابه، والإمام علي يقول: وما يعلم تأويله إلا الله، الإمام القاسم بن إبراهيم، ويبدو كذلك الإمام الهادي: فعلاً هناك متشابه ما يعلم تأويله إلا الله.
الإمام القاسم بن إبراهيم يقول: بأنه فعلاً مما اختص الله بعلمه لكن قد يطلع عليه من يشاء من عباده، ممن اصطفاهم من عباده. آخرين منا، من المتأخرين بعدما دخلت ثقافة الآخرين لدينا قالوا كيف؟! يعني ما يمكن إلا أن يكون الإنسان بالشكل الذي يعرف كل القرآن هكذا: [لأننا خوطبنا به كيف نخاطب] يعني وبالنظرة الفردية هذه، أنا مخاطب به، وأنت مخاطب، وهذا مخاطب، كل واحد مخاطب به وكأنه خطاب فردي فإذا أنت مخاطب به فمعناه ماذا؟ لا بد أن تكون أنت فاهم لكله لكل ما فيه تماماً [ولا يمكن أن تخاطب بما لا تفهمه]!.
هذه قضية غير صحيحة لأنها مبنية على هذه، مبنية على رؤية معينة قاصرة لموضوع التشريع لموضوع الهدى بكله هل هو خطاب فردي خطاب لك لوحدك، خطاب لهذا لوحده، خطاب لهذا، وكل واحد إذاً ما دام وهو مخاطب إذاً سيفهمه هو ولا بد أن يفهمه! هذه سادت عندنا، سادت لدينا، ما أدري بالنسبة لطوائف أخرى فأصبحت الآية يأتون يقرؤونها {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم}(آل عمران: من الآية7) أضافوا والراسخون في العلم ويكون الوقوف على {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم} وتبدأ الآية استئناف {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن..ْ} يعني: حال قولهم آمنا.. إلى آخره.
ما أوضحوا لنا المتشابه ما هو إلا بطريقة غير مقنعة، غير منسجمة مع كلمة تشابه، الذي نعرف بالنسبة للغة العربية، وداخل القرآن الكريم أن كلمة تشابه تعني: تماثل، كلمة: تشابه تعني: التماثل، فإذا حصل اشتباه هناك فمعناه أن التشابه بين الشيئين، وعلى أساس أنه مطلوب واحد منهم أوجد لدي لبساً سمي اشتباه، اشتباه سمي اللبس الناشئ عن التماثل بحيث لم نعرف بالتحديد أين المطلوب منهم مثلما قال بنو إسرائيل، ألم يقولوا: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}(البقرة: من الآية70)؟ هم جعلوا الخطاب وكأنه يريد بقرة معينة لكن البقرة المعينة هذه يوجد بقر متشابهات لا ندري أين هي منهن بالذات فحصل لنا اشتباه بسبب تشابه أي تماثل التماثل عادة لا يأتي إلا بين شيئين فأكثر، هل يوجد اشتباه في الشيء الواحد لوحده؟ تماثل في الشيء الواحد لوحده! لا يوجد التشابه عادة إنما يأتي بين شيئين فأكثر.
هنا قال: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}(آل عمران: من الآية7) أخر يعني وآيات أخر متشابهات، من خلال كلمة متشابهات يعني متماثلات في شيء، وهذا التماثل له تأويل له واقع وحقيقة يؤول إليها يختص الله بعلمها. الذين في قلوبهم زيغ قد يحاولون من خلال هذا التشابه أن يطلعوا منه ما يعتبر مثلاً شبه معينة لفتنة الناس عن دينهم لطرح شبه معينة يفتنون الناس عن دينهم؛ ولهذا قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}(آل عمران: من الآية7) تطلب لمعرفة مآله، حقيقته، هو قال: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ}(آل عمران: من الآية7) أي الحقيقة التي يؤول إليها، الذي هذا التشابه يوحي به ما يعلمه {إِلَّا اللَّهُ}(آل عمران: من الآية7).
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم}(آل عمران: من الآية7) أولي العلم الثابتون أقدامهم في العلم، الذين لديهم حكمة مع العلم، ولديهم فهم لأنفسهم، وفهم لهدى الله، ومعرفة بالله سبحانه وتعالى {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}(آل عمران: من الآية7) مسلمين بالمسألة لم نعرف ما وراء هذا التشابه، ونحن مؤمنون بأن كله من عند الله، هذه الآية وهذه الآية التي تبدو متشابهة كلها من عند الله.
على التفسير الآخر جعلوا {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}(آل عمران: من الآية7) أي كل من المحكم والمتشابه المحكم! لا يوجد لبس حوله لا يوجد اختلاف حول موضوع محكم، ولا بالنسبة للآخرين الذين في قلوبهم زيغ لا يبحثون حول المحكم هم هناك حول ماذا؟ الآيات المتشابهة، فالراسخون في العلم أثنى عليهم بهذه: أنهم مقرين بأنه من عند الله {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} وأنهم في نفس الوقت يعتبرون تلك الحالة المحاولة للآخرين تنبئ عن زيغ في قلوبهم {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}(آل عمران: من الآية7) هم في حالة خطيرة على أصحابها هنا يدعون الله {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}(آل عمران: من الآية8) فنصبح كأولئك الذين قد زاغت قلوبهم وأصبحوا يتطلبون ما يفتنون به الناس عن دينهم وما يتمحلون به من أجل محاولة أن يعرفوا تأويله مع أن تأويله ما يعرفه إلا أنت {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}(آل عمران:8) ولديهم خوف من الله {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}(آل عمران:9) هؤلاء هم الراسخون في العلم، يجب أن نفهمها بالطريقة هذه وفي كلام الإمام علي بنفس الطريقة هذه: أن الراسخين في العلم هم هؤلاء {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}(آل عمران: من الآية7).
فالتأويل هنا زيادة على المعنى اللغوي للكلمة قد تكون الكلمة هذه، الآية هذه تعرف معناها بالنسبة لها هي باعتبار مفرداتها، والآية الأخرى كذلك تعرف معناها باعتبار مفرداتها لكن التشابه القائم هنا الذي قد يكون وراءه ما يشير إليه قضية ثانية، قضية ثانية، التشابه القائم بين آيتين.
أحياناً تأتي كلمة: كتاب، كلمة: كتاب، وتعني بالذات أو بشكل رئيسي أي: الأشياء المكتوبة، أي التشريع مثلما قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}(البقرة: من الآية183) {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ}(البقرة: من الآية180) المكتوب يعني: المحتوم، المفروض، التشريعات المحتومة، المواقف المحتومة، وأشياء من هذه، أحياناً يكون كلمة كتاب داخل القرآن تعني هذه بشكل رئيسي.
إذاً فما القضية على ما تقدم، تقدم بأنه يأتون إلى آية معينة ويسمونها متشابهة، آية واحدة قالوا: هي من المتشابهات باعتبار أن معناها في اللغة في مفردة من مفرداتها يحتمل كم أوجه وأن هناك واحد من معانيها وجه باطل لا يصح أن تحمل عليه أن نقول: إنه هو المراد وتحمل عليه الآية {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}(آل عمران: من الآية7) فيبحثون عن هذا المعنى ويطلعونه مثل الآيات التي فيها مثلاً {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}(المائدة: من الآية64) ألم يجعلوا هذه الآية من المتشابهات؟ والتشابه فيها يعني أن فيها معاني تحمل كلمة: [يد] على اليد الجارحة، وعلى القدرة، وعلى النعمة ولا يمكن أن يكون المراد بها اليد الجارحة، والذين في قلوبهم زيغ يصلون إلى هذا المعنى ويقولون إنه هو المراد!.
هذا الموضوع ليس هو المقصود بالتشابه، ليست هي الآيات المتشابهة هذه أعني: ما التشابه فيما أعتقد أنه آية واحدة يقال لها متشابهة؛ لأنه هنا يذكر بالنسبة للتأويل الذي يوحي به ويشير إليه التشابه القائم بين آيتين أو أكثر أنه شيء حق أنه حق وليس باطلاً، هذا المعنى عندما يقول: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}(آل عمران: من الآية7) ليس معناه أن هناك داخل آية معينة معنىً باطلاً وهؤلاء يأتون يحاولون يطلعونه ويقولون: الآية تعني: كذا، وأنه معنى موجود داخل الآية! هذا لا يصح في أي آية من هذه الآيات.
مثل {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}(الرحمن: من الآية27) ومثل {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}(القمر: من الآية14) هي وفق الإستعمال العربي وأنت تعرف الإستعمال العربي أيضاً باعتباره كلام يأتي من عند الله؛ لأنه في لغة العرب أسلوب الخطاب عند العرب معروف، أسلوب الخطاب من عند الملك، أسلوب الخطاب من عند الوالي، أسلوب الخطاب من عند شخص له مكانة يكون له أسلوب، الخطاب من عند الملك، الخطاب من عند والي يكون له أسلوب عندما يكون القرآن عربي هو عربي أن تعرف أنه وفق أساليب العرب، وتلحظ في نفس الوقت وفق أساليب العرب كخطاب من عند الله من عند الملك فلا يمكن أن يكون في هذه الآية، في موقعها، في سياقها ذلك المعنى الذي يحاول الآخرون أن يقولوا إنه معنى مما تدل عليه الآية.
مثلاً {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}(المائدة: من الآية64) يقولون له أيدي، وله أعضاء بمعنى أيدي أعضاء، ألم يقولوا هكذا هذا المعنى ليس موجوداً من أصله داخل الكلمة، ولا هو بالشكل الذي يأتي الذين في قلوبهم زيغ يبحثون له، هم من هناك جاءوا به، من خارج، إنما فقط يحاولون يعطفون الآية عليه، أما هنا فيوجد شيء قائم داخل من خلال التشابه يوحي التشابه بشيء يوحي التماثل هذا بشيء، بمآل يعني: إشارة إلى قضية هي في الخارج أعني عندما يقول: تأويله أي: مآله، ما يؤول إليه، الحقيقة التي يؤول إليها، الواقع التي يؤول إليها أي: يصير إليها، أي يرجع إليها فهو يشير إليها أو موجود من خلال التشابه له هناك حقيقة في الخارج حقيقة ماذا؟ يؤول إليها لا يعلمها إلا الله وهي موجودة، أليست موجودة في الداخل؟ هنا نفس التشابه.
تجدها كلها عندما يقدمون لنا الآيات التي يسمونها آيات متشابهة ليست آيات متشابهة على الإطلاق لأن المعنى الذي يقوله الآخرون يطلعون تجسيماً لله، أو رؤية لله، وأشياء من هذه، هي ليست من داخلها على الإطلاق، ليست موجودة في الداخل، في الأخير يلحظ أن التشابه هنا معناه: اشتباه بسبب أن المفردة هذه تعني كذا، وتعني كذا، وتعني كذا، عدة معاني متعددة واحد منها باطل أن يكون مراداً هنا.
إذاً لا يمكن أن تكون هذه المفردة وهي هنا تدل على هذا المعنى الباطل على الإطلاق؛ لأن الله يقول في القرآن الكريم {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِه}(فصلت: من الآية42) فلا يمكن أن تكون في آية من آياته ما تحمل معنىً باطلاً فيكون الذين في قلوبهم زيغ يحاولون يطلعون ذلك المعنى باعتبار الآية تحتمله هذا ليس بالشكل هذا هذه القضية على الإطلاق يسردون لنا الآيات هذه على أساس أنها آيات متشابهة، آيات متشابهة، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(القيامة:22- 23) قالوا: آية متشابهة! وأولئك قالوا: لا، آية محكمة، والآية الأخرى {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار}(الأنعام: من الآية103) قالوا: آية محكمة، قال أولئك: لا، هي التي هي متشابهة، وتلك محكمة!.
اختلفوا فيما هو محكم ومتشابه، واختلفوا في معنى المتشابه، وقدم بهذا الشكل الذي هو بعيد عن ما تعنيه كلمة تشابه؛ لأن كلمة {وَأُخَرُ} يعني: آيات أخر متشابهات، هذه الكلمة أليست تعني أنه يوجد تماثل قائم فيما بينها؟ التماثل هذا من وراءه شيء لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى؟ المحكم فيما يتعلق مثلاً بأسس قواعد رئيسية أساسية، مثلاً نلاحظ هناك في مسيرة التشريع مسيرة التشريع باعتبار القرآن الكريم يواكب الحياة كلها إلى آخر أيام الدنيا في مجال التشريع يكون هناك أسس، حتى لاحظ عند الناس في الدنيا هنا تكون النصوص الدستورية تختلف عن النصوص التقنينية يعتبرون في الدستور النصوص الدستورية يعتبرونها أسساً يجب أن يقوم عليها التقنين، ويكون الدستور قابلاً للإستمرار أكثر من التقنين يكون التقنين مثلاً على حسب رؤية المقننين، يكون التقنين بالشكل الذي يجب أن يكون منسجماً مع الدستور فإذا قام تقنين في مرحلة معينة مراعاة لنص دستوري معين في مرحلة أخرى قد يأتي ولهذا ألسنا نجدهم يغيرون على أساس قد تكون نصوصاً أخرى أيضاً من نصوص الدستور في الدستور يقولون: [باب كذا مادة كذا رقم كذا بنص كذا].
إذاً هذا قابل لماذا؟ لأن يغطي نوعاً من التغيير في التقنين وما زال وفقاً للدستور ففي مجال التشريع يكون هناك آيات على هذا النحو تلك الآية التي قال الله فيها: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}(البقرة:180) أليست هذه آية تعطي أساساً ثابتاً وقاعدة عامةً أنه لا بد أن يكون هناك في توزيع المال أن ينال الوالدين والأقربين هذه قضية أساسية قام على أساسها تفريع وتشريع معين هناك {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}(النساء: من الآية11) لا نقول الآية هذه منسوخة!.
الآية هذه تعتبر قاعدة تشريعية، قاعدة تشريعية قد تأتي وضعية معينة لشعوب أخرى يصل إليها الدين تجد أنه عندما بعث رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مشى مرحلة ما تناول موضوع توزيع المال ألم يمش فترة ثم بعد تأتي هذه الآية لتعطي قاعدة بضرورة توزيع المال ولم تتناول أنصبة معينة إذاً هذا شيء نقلة أخرى حدد فيها المال تلك النقلة اعتبرها ماذا؟ مبنية على هذا الأصل وتفريع على هذا الأصل، هو أن يكون هناك للوالدين والأقربين بالمعروف فهذه ما يقال لها منسوخة، الآية محكمة.
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ}(آل عمران: من الآية7) قالها في مجال التشريع لأن نظرة القرآن فيما يتعلق بالتشريع واسعة جداً وتختلف عن الأسس التي يقوم عليها التفريع وفق قواعد أصول الفقه فرق كبير جدا،ً فالقرآن يستوعب كل المراحل بدون أن يكون المعنى أنه هو يتأقلم تأتي عملية النقلة بالمجتمع إلى أن يصل إلى الوضعية المطلوبة ما هذه حصلت في المجتمع العربي عندما بعث رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فالآيات المحكمات باتفاق أنهم يعتبرونها آيات تعتبر متى ما حصل لبس يرجع إليها، وأنها تنفي ما يراد أن تحمل عليه الذي يسمونها آية متشابهة بمعنى باطل فتنفيه، يعني الآخرين قالوا: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(القيامة:23) أي أنها تراه قالوا تلك الآية المحكمة {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}(الأنعام: من الآية103) هي تنفي هذا المعنى الذي قلتم، هذا شيء آخر، شيء آخر؛ لأن الآية هذه بنفسها لا يمكن أن تحمل في هذا المقام على الرؤية على الإطلاق، نفس التعبير فيها وسياقها لا يمكن أن يكون بمعنى الرؤية، سياق الآية عندما يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ}(القيامة:22) من النضارة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوْهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ}(القيامة:23- 25) قابل حالتين بحالتين؛ لأن كلمة {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} تبين لك أن {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} تأمل وترجو أنها إلى خير وإلى رحمة، بينما الوجوه الأخرى باسرة لهذا لم يقل: عيون، لا يوجد شيء في اللغة العربية، وجوه ناظرة! يقولون: عيون ناظرة إذا أرادوا الرؤية، لا يقولون: وجوه، بل عيون.
لكن الوجوه هذه باعتبار الوجه هو شاشة يتبين من خلالها عبوسك، وبسرك، ونضارتك، وخوفك، ورجاك، يتبين في وجه الإنسان فالوجوه المؤمنة تجد فيها حالة متفتحة من النضارة؛ لأنها تأمل ترى المبشرات، يجعلها تأمل بماذا؟ بما يأتي من جهة الله، من رحمة فتدخل الجنة.
ووجوه أخرى باسرة لماذا؟ يقابل {نَاضِرَةٌ} يقابل تلك الوجوه التي هي ترجو، يقابلها ماذا؟ {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} منتظرين خائفين من فاقرة، من طامة تكسر فقار الظهر – كما يقولون – يعني من مصيبة كبيرة تقع عليهم متى يقاد إلى جهنم {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ}. إذاً فالآية هذه من أصلها لا يمكن أن يكون فيها مأخذ لمسألة الرؤية على الإطلاق.
فيما يتعلق بالآيات المحكمة قد تكون قضية يمكن أن ترد إلى أكثر من آية، قضية معينة ينظر من أجلها إلى أكثر من آية فتعطي رؤية في كيف يكون التعامل فيها.
عندما يقولون: [لازم تعرف محكم ومتشابه لازم واحد يقرأ ليعرف!] ما عرفوا من قرؤوا محكم ومتشابه حقيقة ما قدموا لنا موضوع [محكم ومتشابه] بالشكل الذي تعرف بأن القضية عرفت وتجاوزوا من عرفوا من السابقين، الإمام علي قال: وما يعلم تأويله إلا الله: المتشابه، الإمام القاسم قال هكذا، وأظن الإمام زيد والإمام الهادي. ونحن قلنا: [أبداً نستطيع لازم نعرف كيف، هذا خطاب لي وخطاب لك ولازم كل واحد يعرف هو!] ماذا نسميه؟ غرور هذا.
لهذا نقول أكثر من مرة: لحد الآن ما عندي أنا شخصياً مثال واضح أقدمه عن آيات متشابهة أقول الآيات المتشابهة هذه الآية وهذه الآية وهذه الآية لكن أحياناً من خلال من في قلوبهم زيغ، من خلال من في قلوبهم زيغ يحاول يعمل كيف يقدم شبهاً معينة، وتشكيكاً معيناً قد ربما هم قد يعلمونا ما هي التي تبدو آيات متشابهة من خلال وهو يبحث كيف يحاول يطلَّع شيئاً يكون فيه ردة للناس عن دينهم، صد لهم عن دينهم والذين في قلوبهم زيغ من داخل المسلمين وليس فقط من خارج قد يكون من داخل.
{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}(آل عمران: من الآية7) هنا لم تعد تقدم هذه على أنها ما زالت من بقية كلام الراسخين في العلم، عندما تأتي تقرأ في بعض الكتب فعلاً لم تعد تقدم {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ}(آل عمران: من الآية8) أنهم ناس مقرين أنهم ما يعلمون تأويله {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلاَّ اللهُ}(آل عمران: من الآية7) وهم يخافون مما رأوه عند آخرين ممن في قلوبهم زيغ يحاولون أن يطلعون تشبيهات معينة، أو شكوكاً معينة ابتغاء الفتنة، هم يدعون الله أن يبعدهم عن الحالة هذه {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}(آل عمران: من الآية8) خائفين من الله؛ لأن هذه ليست قضية سهلة، معنى هذا أن الناس يلعبون بآيات الله ويتخذونها هزؤاً، ويؤقلمونها على ما يريدون هم، يطلعون منها تشبيهاً للناس وتشكيكاً للناس، وصداً لهم عن الحق هذا معنى الفتنة، يفتنونهم عن دينهم.
وهم يخافون الله {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}(آل عمران:9) ما هي قضية أنه لا بد أن كل واحد يكون عارفاً للمحكم والمتشابه، إذا عرفنا سنة الله في الهداية كيف هي، وليس على أساس [أن كل واحد هو لازم يشتغل ويبحث لازم يعرف: خاص وعام، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه.. إلى آخره] ولهذا تجد كم أقوال فيما يتعلق بالخصوص والعموم، وكيف التعامل فيه، والناسخ والمنسوخ، كم فيه من أقوال! وكم يوجد من اختلاف فيه، ثم كذلك المحكم والمتشابه كم يوجد من أقوال مختلفين فيها إلى الآن ويقولون لك [لازم تعرف!] مع أنهم ما قد قرروا شيئاً واضحاً يكون منطقياً وصحيحاً في هذا كله! كيف يمكن الشيء الذي ما قد ثبت أن يكون آلية صحيحة؟! هو في نفسه مختلفين فيه هو داخل الفئة الواحدة وليس فقط إنما هو اختلاف بين طوائف تجد، أحياناً في موضوع محكم ومتشابه أكثر من تفسير داخلنا نحن، داخل الزيدية.
فعندما تكون القضية كما قال الله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ}(آل عمران: من الآية3) ثم قال من بعد: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ}(آل عمران:5) ثم ترى في الأخير الموضوع وهو مجلد واحد كتاب واحد، الهدى الذي فيه، التشريعات التي فيه، يسع الحياة بكلها! لو تأتي إلى مجرد معاني مفرداته سينتهي عليك في ملزمة واحدة، معاني مفرداته باعتبار اللغة أليست هناك ستخرج كتيباً صغيراً؟ أو شخص يفسره قد يخرج بكم ما يريد من مجلدات لكنه واسع جداً جداً.
هذه من الأشياء التي فيه عندما يكون هناك آيات محكمات في مجال التشريع، في مجالات كثيرة جداً ما تزال تعطي، تعتبر قواعد وأسساً ينطلق منها ويقوم عليها أي رؤية، أي موقف، أي حكم معين في قضية، تكون أشياء لها علاقة بماذا؟ بمواردها، لها علاقة بوضعية، لها علاقة باعتبارات متعددة، ليست قضية، أعني نظرية بحتة! مبنية على ماذا؟ على شيء في الواقع، في واقع الحياة، شيء في واقع الحياة، اعتبارات متعددة، وضعيات متعددة. لهذا كان القرآن واسعاً جداً يشرع للحياة كلها إلى نهاية الحياة وهو مجلد واحد.
الإمام القاسم قال في هذا: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}(آل عمران: من الآية7) ((وإن الله قد يطلع من يشاء من عباده على ما يشاء من معانيه)) أي المتشابه.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ}(آل عمران:10).
كلما يتحدث عن الهدى يتحدث عن أشياء أخرى قد تمثل موانع مثلاً أو تبين لأصحابها فتكون بالشكل الذي يصرفهم عن هدى الله. يتناول هذا في مقام التهديد: هذه لن تغني عنكم من الله إذا لم تستجيبوا لهدى الله، وواقفين على ما أنتم عليه، تائهين فيما أنتم عليه، مشغولين بأموالكم وأولادكم، لن تدفع عنكم من الله العقوبة التي كانت بسبب أنكم أعرضتم عن الهدى وانصرفتم عنه {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ}(آل عمران:من الآية10).
هذه المسألة هامة فيما يتعلق بالجانب العملي للناس؛ لأن الكثير من إطلاقات الآيات الكريمة لا تكون معناها دائماً الآخرة فقط، الآخرة، الآخرة، الآخرة… أنه كثير من أموالهم، كثير من أولادهم، كثير من إمكانياتهم الكبيرة لن تغني عنهم، لن تمثل وقاية متى ما أراد الله أن يضربوا على أيدي أوليائه، لن تمثل منعة بالنسبة لهم متى ما أراد الله أن يضربوا {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ} أي لن تدفع عنكم الشيء الذي أراد الله أن ينالكم بسبب انصرافكم عن هديه، بسبب طغيانكم بسبب تجبركم، وحتى هنا في الدنيا، حتى هنا في الدنيا قبل الآخرة؛ ولهذا قال بعد: {وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ}(آل عمران:من الآية10) لن تدفع عنهم في الدنيا؛ لأن الكثير منا يرى مثلاً طرفاً آخر، يراه عندهم جيش كثير، وعندهم أموال كثيرة، وعندهم إمكانيات كبيرة، فيكون عنده ما هو الذي يمكن أن نعمل! لكن أنت عندما تسير على هدى الله، وعلى دين الله، ألم نقل بالأمس إنه يجب أن نفهم دين الله؟ أن من مهمة أولياء الله في دينه أن يتم على أيديهم تطهير أرضه.
وهذه القضية أساسية فآخرين تجد مثلاً عندما تكون أنت تسير على هدى الله وقد أراد الله أن يكون الناس على هذا النحو: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ}(التوبة: من الآية14) أليس هذا شيء جاء من جهة الله، من الله؟ إذاً فلن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم، لن تغني عنهم إمكانياتهم الكبيرة، ولا جيوشهم الكثيرة! أليست الجيوش تتألف من أولادهم؟ سواء على مستوى الفرد أو على مستوى دولة، ومجتمع الكافرين سواء كان على مستوى فرد وعنده أموال وعنده أولاد وعنده… بشكل ما يظهر وكأنه محتاج إلى شيء أو كانوا مجتمعاً؛ لأنه عادة الجيش الذي يتألف منه مثلاً الناس، الذي يتألف منهم جيش دولة معينة، ما هم يكونون من أبناء تلك الدولة، على حسب قوانينهم، ولو منح ما يسمونها جنسية؟.
وهذه كلها تجدها قضية في القرآن الكريم بشكل كبير أنه هدى الله هو بالشكل الذي لا يمكن أن يكون هناك أمامه عوائق في واقع الحياة أبداً والمهام المنوطة بأوليائه هي أيضاً تكون بهذا الشكل؛ ولهذا قلنا في حديث سابق إنه عندما يأتي بعض الناس يفهم موضوع: [الإمام علي] عندما يقولون: [تولى فقام فلان وفلان وفلانة واتجمعوا أهل كذا وعارضوه وقاتلوه ثم قام وقاتلوه ثم قام وقاتلوه..] أنه أحياناً قد يكون هذا من دور الإمام علي المنوط به: أن تضرب على يديه هذه الفئات التي كفرت بهدى الله، أعرضت عنه وعارضته، من أدواره؛ ولهذا قال: إن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أمره بقتال ((الناكثين والقاسطين والمارقين)) أنه سيقاتل على تأويل القرآن كما قاتل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) على تنزيله.
هنا قال: {قَاتِلُوهُمْ} هذا دور من أدواركم بالنسبة للمفسدين في الأرض بالنسبة للكافرين بهدى الله {يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ}(التوبة: من الآية14) ما يعني هذا أنه منوط بكم الدور المنوط بكم سيكون الطرف الآخر بهذا الشكل الذي ماذا؟ لا تغني عنه أمواله ولا أولاده أليس هذا يعني أن الله يفتح المجال؟ لا يمكن يقول: {قَاتِلُوهُمْ} ويترك الآخرين عبارة عن كتل من الصلب إلا ويكونون هم بالنسبة لواقعهم {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} لن تدفع عنهم ما هو من جهة الله، وما هو من الله يصدق على ما هو على أيدي جنوده سواء كانوا جنود من أوليائه أو جنود من ملائكته أو جنود من… {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفتح: من الآية7) ولذا جاء بعدها: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}(آل عمران:12).
أليست قضية ستغلبون أي لن تنفعكم أموالكم ولا أولادكم لن تغني عنكم أموالكم ولا أولادكم؟ أليس هنا ستغلبون؟ في مواجهة من؟ أليست في مواجهة جنوده من المؤمنين مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في بدر وفي غيرها؟ ما هم غلبوا؟.
إذاً هذه حالة ثابتة داخل القرآن الكريم تنسف كثيراً من الأشياء التي تأتي داخل نفس كل واحد ينظر للطرف الآخر وكأنه [من الذي يستطيع] لا، اعرف هذه سنة إلهية فقط اشتغل أنت في سبيله، سر أنت على هداه فتصبح أنت جندياً من جنوده يضرب بك أعداءه، وعندما يضرب بك أعداءه سيكون أعداؤه بهذا الشكل: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ}(آل عمران: من الآية10) أو تقصر أنت يضربك بأعدائه ولا تغني عنك أنت لا أموالك ولا أولادك. ألسنا وجدنا آخرين في البلاد العربية حصل لهم هذه؟ ممن كانوا طواغيت ومتجبرين ما أغنت عنه لا جيوشه ولا أسلحته ولا أمواله!.
فالمسألة شبه متقاربة، أو متماثلة في الخطاب، أولياء الله يتحركون ويتم على أيديهم ضرب أعدائه، لكن أولياءه بالمعنى المطلوب، من يسيرون على كتابه وليس فقط عناوين معينة [سبيل الله!] وأشياء من هذه ليست صدقاً، أو من هم محسوبون على دينه وهم معنيون بأن يتحركوا فيرفضون يضربون هم ولن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم، مثلما حكى في الآية الأخرى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(التوبة:24) لا تعد تغني عنكم هذه كلها، تضربوا.
أعني: فالمسألة بالنسبة للناس إما أن يحاولوا أن يكونوا هم أولياء لله فيتم على أيديهم ضرب أعدائه، أو يقعدون فيتم ضربهم على يد أعدائه أليس الله قال هناك في بني إسرائيل: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}(آل عمران: من الآية112) في نفس السياق الذي يقول للناس: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً}(آل عمران: من الآية103) اعتصموا بحبل الله أنتم، ما لم قد يعطي حبلاً لأولئك فيضربونكم أنتم سبب، أسباب، هي عبارة عن سبب، اعتصموا بحبل الله سبب بينكم وبينه ليؤيدكم لينصركم ليرفعكم عن الوضعية السيئة التي أنتم فيها لتصبحوا جنوداً له تضربون آخرين ما لم فقد يمكن الآخرين يعطيهم حبلاً من عنده ومن عند الناس فيضربونكم.
لا يوجد حالة فراغ، لا يوجد منطقة فراغ في دين الله على الإطلاق إنما فقط تسير على هديه فتكون أنت من جنوده {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ}(التوبة: من الآية14) ولهذا كانت معروفة عند المسلمين الأوائل {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا}(التوبة: من الآية52) كلمة: {أَوْ بِأَيْدِينَا} هي تعكس ثقافة، معرفة، قدمت لديهم من عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه هكذا هي سنة ومن دوركم أنتم كأولياء لله أن يضرب أعداؤه على أيديكم.
معناه أن القضية ثابتة أعني: مسألة تثقيفية، إما أن يكون الناس بهذا الشكل وإلا فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين، هل يوجد حالة وسط؟ لا يوجد حالة وسط، منطقة فراغ، يقول: [لا مع الله ولا مع أعدائه ولا جندي من جنود الله ولا جندي من جنود أعدائه] لا يوجد حالة هكذا.
ضرب مثلاً لمن كان لديهم أموال وأولاد وملك وكثير من مظاهر الحياة: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}(آل عمران:12) سيأتي مثلما قال سابقاً: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية10) يأتي شيء من جهة الله تغلب {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ} أي لا تدفع عنكم لا أموالكم ولا أولادكم لا تعد تنفع بشيء، لا تعد تعمل شيئاً، لا تعد تشكل وقاية بالنسبة لكم.
إذاً أليست الآية هذه تعطي أملاً بالنسبة للمؤمنين بالنسبة للناس الذين يسيرون على هدي الله؟ فعلاً تعطي أملاً أن يفهموا بأنه مهما كان لدى الآخرين من أموال وأولاد وعتاد وجيش وأشياء من هذه أن تعرف أنهم هم، هم في حالة تجعل لله موقفاً منهم فلتكن من جنوده ليضربهم عندما قال هنا: {أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا}(التوبة: من الآية52) هذه الثقافة التي حكى الله عن من كان تترسخ في ذهنيتهم {بِأَيْدِينَا} لم تعد هي موجودة! نسفت في أوساطنا، نسفت تماماً، ونسف بأنه يبتنى عليها أنه إذا كان أنت جندياً من جنود، أمة من الأمم أصبحت جنوداً لله ليضرب بهم أعداءه بأن الأعداء لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم!.
قد يقول هؤلاء: [لاحظ هؤلاء كيف أمريكا ما تستطيع، إسرائيل، ذاعندك كل الناس يخافونها كل الدول تخاف منها!] ناسين لهذه السنة الإلهية التي يذكرها في الآيات هذه، يأتي مثلما تقول بمثل من الأمثلة في هذا الموضوع {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}(آل عمران:12) خسارتين كبيرتين تغلبون في الدنيا، وتساقون في الآخرة إلى جهنم، وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد.
{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ}(آل عمران: من الآية13) تدل على أنكم ستغلبون تدل على أنكم لن تغني عنكم أموالكم ولا أولادكم تدلكم على أن الله غالب على أمره تدل على أنكم لا تعجزون الله {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ}(آل عمران: من الآية13) يعني: والفئة الأخرى كافرة {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}(آل عمران: من الآية13) هذه واحدة من مظاهر ماذا؟ أن يترك في نفس الفئة الأخرى حالة من الهزيمة، أن يكونوا يرون الفئة المؤمنة عددهم أمامهم مثل عددهم مرتين فيحصل لديهم خوف أن هؤلاء كثيرون وهم في الواقع ليسوا إلا مثل نصف ما يشاهدونهم؛ لأن الله على كل شيء قدير {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} أو {تَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} مثلهم مرتين في رأي العين ليس في الواقع هم مثلاً ألف يرونهم وكأنهم ألفين أليس هذا سيوجد لديهم هزيمة نفسية؟ واحدة مما لها تأثير كبير في نفوسهم، إضافة إلى الرعب من جهة الله، إضافة إلى الملائكة أشياء كثيرة.
إذاً أليست هذه آية على أنهم سيغلبون؟ وأنهم لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً؟ وإن كانوا يرون المؤمنين في ذهنيتهم ويسمعون عنهم ما يزالون قليلاً يرونهم وكأنهم كثيراً مثلهم مرتين! هذه حصلت في مقام آخر يبين في [سورة الأنفال] في عملية أن يحصل التحام؛ لأن الله قد أراد أن يحصل هذا في بدر المشركون يرون المسلمين قليلاً، والمسلمون يرون المشركين قليلاً! وكل طرف أصبح يرى أن هؤلاء ليسوا إلا قليلاً! تواجهوا وكأنه أثناء المعركة بعد الإلتحام صاروا يرونهم كثيراً مثلهم مرتين {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ}(الأنفال: من الآية43) أليست هذه واحدة من مظاهر التأييد الإلهي أن يبدو الأعداء أمامك قليلاً، وأن تبدو أمامهم كثيراً {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً}(الأنفال: من الآية44) ليتواجهوا؛ لأنه قد أراد أن يضرب أولئك على يد أوليائه، خرجوا وهم كثير وإذا بهم قد صاروا يرونهم قليلاً، أعني: أليست هذه وحدة مما تنسف القيمة لديهم بأن يروا أمام المسلمين كثيراً، هنا ألف يرون كثيراً، ثم يرون أنفسهم قليلاً، ثم هذا الألف يرونه قليلاً! قد يرونهم وكأنهم ثلاثمائة أمامهم!.
إذاً ألم يتبخر عندهم القضية التي هم يعتبرونها تمثل نقطة قوة لديهم توجد هزيمة نفسية في طرف المسلمين عندما يرونهم كثيراً؟ يريكموهم قليلاً، ونفس المشركين يرون أولئك قليلاً فيلتحموا {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ}(آل عمران: من الآية13) لاحظ موضوع {بِنَصْرِهِ} ترتيبات كثيرة تحصل لها علاقة برفع معنويات الطرف المؤمن وعلاقة بهزيمة نفسية تلحقها في نفس الطرف الكافر المعادي لله قال {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ} يعني هذا مثل ماذا؟ من أمثلة التأييد الإلهي، التأييد معناه: تقوية، تقوية، يعطي جانبكم قوة.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}(آل عمران: من الآية13) من كل الأطراف عبرة لمن قدم لهم هذا المثل عندما قال: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ}(آل عمران: من الآية13) أي فاعتبروا بهذه إذا كنتم من أولي الأبصار، وعبرة للمؤمنين أنفسهم بأن لا تكترثوا بمواجهة أعداء الله، إن هذا عبرة أن الله سيجعل كل ما لديهم من الأشياء لا تمثل وقاية منك فيكون ما عندك أشياء ذات أثر كبير في صف أعداء الله، تؤثر تأثيراً كبيراً جداً.
لهذا تجد كل ما يحصل عند الناس من مفاهيم مغلوطة تجعلهم يجلسون، وتجعلهم يكترثون، منسوفة في القرآن تماماً، لا ترى حالة واحدة يمكن أن تعتبرها مبرراً إلا وهي منسوفة هنا، سواء موضوع أنك خائف من مجاعة، خائف على أموالك، خائف على كذا.. كلها تناولها القرآن الكريم، كل القائمة الطويلة العريضة التي تطلع عند الناس فتقعدهم عن العمل في سبيل الله، والجهاد لأعدائه كلها منسوفة هنا تماماً.
يبين للمؤمنين كيف يكون تأييده، كيف يكون نصره، يعطيهم أملاً بأنه الجانب الآخر الذي ترونه كبيراً تتهاوى قوته فيصبح لا تغني عنه قوته هذه شيئاً لا قوة الأموال، ولا قوة الأولاد.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}(آل عمران: من الآية13- 14) الناس بشكل عام هنا وهنا مما قد يجعل الإنسان بعيداً عن أن يكون لديه عبرة، أن يكون صاحب بصيرة، يعتبر بما يقدم إليه من آيات الله جانب الكافرين وأعداء الله بشكل عام، وجانب المؤمنين فمتى ما تزينت لديك الأشياء هذه صرفتك عن أن تعتبر، أن تستبصر فتعتبر بما ذكره الله من آيات كثيرة تبين لك كيف يجب أن تكون نظرتك إلى المال كيف يجب أن تكون ثقتك به، وكيف يجب أن يكون شعورك بالمسؤولية، وكيف تكون نظرتك إلى أعداء الله.
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} عملية تزيين تأتي أما هي في واقعها فهي طبيعية هي من متاع الحياة الدنيا لكن يأتي… لاحظ ما هو يأتي بعض الناس يزين لك يقول لك: [لاحظ أنت ذا عندك في خير ونعمة ومعك بيت باهر ومعك أموال إنما فقط ستكلف على نفسك وتخسر الأشياء هذه] أليست مسألة تزيين؟ يشدك إلى ما أنت عليه، إلى ما عندك من الأشياء.
{ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(آل عمران: من الآية14) كل هذه التي تبدو بأرقام كبيرة بما فيها القناطير المقنطرة من الذهب والفضة مهما كانت هي تمثل متاعاً لهذه الحياة، هذه الحياة هي قصيرة بالنسبة للحياة الآخرة {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}(آل عمران: من الآية14) يجب أن تكون نظرتك مهما كان لديك وإن كان عندك قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، القنطار يقولون عنه: ما يملئ جلد ثور من الذهب، هذا القنطار ما يملئ جلد ثور، قد يكون أكثر من [طن] من الذهب، يجب أن تعرف أن ما عند الله هو أبقى وأهم وأدوم {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}(آل عمران: من الآية14) حسن المرجع.
{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ}(آل عمران: من الآية15) لاحظ هذه قضية من القضايا التي تقعد الناس مثلاً قضية: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ} قد تقعدهم مثلاً حالة افترضها على هذا النحو: قناطير مقنطرة من الذهب والفضة {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث والأراضي والمزارع، وأشياء من هذه يجب أن تلحظ أنه مهما كان عندك من هذا الشيء أن تحرص على ذلك الخير العظيم الذي هو خير مما عندك {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ}(آل عمران: من الآية15) أفضل من النساء ألم يقل: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}(آل عمران:14) {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}(آل عمران: من الآية15) معنى هذا بأنه يمكن أن يكون عند الإنسان أي شيء لكن يجب عليه أن يفهم بأن كل ما يملكه في هذه الدنيا وإن كانت الدنيا بكلها إنما عند الله هو خير من هذه الدنيا بكلها، أي لا يعد يشكل ما لديك عائق، ولا يكون بالشكل الذي يجب أن تتخلى منه بمعنى [إذاً تدمر ذهبك وفضتك وتحرقها] لا، أن تكون عندك هذه النظرة، النظرة الصحيحة: هو أنما عند الله هو خير مما في الدنيا هذه بكلها.
أيضاً تلاحظ بأنه مسألة – لأن الله يعلم بالنسبة للإنسان أنه يحب الخير بحكم طبيعته كما قال في آية أخرى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}(العاديات:8) – القعود قد يكون خيراً لكن معروف عنك كإنسان بأنك تحب الخير والعادة أن الإنسان يحب الخير الأكثر، والخير الأدوم أكثر من الخير الذي هو دون ولا يدوم، أليست هذه أيضاً قضية؟ إذاً فهناك ما هو خير من هذا يجب أن لا يقعدك هذا فتخسر، ستكون خاسراً متى ما حصلت النظرة هذه، وهي نظرة قريبة من ذهنية الإنسان فعلاً، نظرة قريبة من ذهنيتك إذا أنت إنسان تعقل وتفهم، وتؤمن بالله، وتثق بالله، وتطلع على ما عرضه في هذه في آيات القرآن الكريم من كلام عن الآخرة، عن الجنة، وعن رضوانه، أليست هذه أفضل من كل هذه الدنيا؟ إذاً لاحظ كيف خسارة الإنسان عندما يقعد.
هذه الآية تعني: بأنه لا ينبغي لك أن تؤثر هذه الأشياء على ما هو خير أفضل منها، وأدوم منها، وأرقى منها فكيف حالتك عندما يقعدك لا شيء؟ مثلنا، لا شيء، من الذي معه كيلو من الذهب ما بالك قنطاراً من الذهب؟ يقعد الناس لا شيء! بيوت غير جيدة، ولا يوجد ذهب، ولا فضة، ولا خيل، ولا نسوان مثلما قال هناك: {وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ}(آل عمران: من الآية15) ماذا معه؟ قد يكون معه قطعة أرض عوجاء فيها [سربين، ثلاثة قات] لم يعد مستعداً أبداً أن يفلتها! مع أنه في الأخير ما تنتهي المسألة بأنه يقال لك: تخلى عن هذه لكن اعرف..
لاحظ نظرة نبي الله سليمان كيف كانت دنيا هائلة جداً، مع هذه إنسان مرتبط، في ذهنيته يعرف رضوان الله أهم من هذه كلها {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}(النمل: من الآية40) ألم يقل هكذا؟ لا يوجد إنشداداً إلا الجهل، الجهل الذي يجعل الإنسان ينشد أعني: الجهل بالله، الجهل بكتابه، الجهل بما وعد به، الجهل بما هو خير لك، أعني: نحن جاهلون بما هو خير لنا فينشد إلى دنيا ليست شيئاً! أعني: لا ينبغي أن تنشد إليها فتؤثرها وتقعدك وإن كانت على هذا النحو: نساء وبنين وقناطير مقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة – من أرقى الخيل معلَّمة، معنى مسومة: معلَّمة – والأنعام والحرث {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}(آل عمران: من الآية14).
ثم يقول: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ}(آل عمران: من الآية15) من كل هذا بكله، ليست الآية تعني هجوماً على الدنيا، هل فيها ما يعني هجوماً على الدنيا؟ لا، المشكلة هنا في الداخل، المشكلة عند الإنسان عندما لا يتفهم، لا يعقل، لا يعرف، متى ما فهم ستكون هذه وإن كان يملك هذه كلها خير له، ويأتي من ورائها الخير العظيم له في الآخرة، ما يقال نتخلى منها، هل قال نتخلى منها؟ نوضفها في الخير العظيم في الدنيا والخير العظيم الذي هو أرقى خير في الآخرة، الجنة ورضوان من الله {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}(آل عمران: من الآية15) هو بصير عندما تؤثر مثل هذه أو دونها يحولها إلى عذاب لك، يجعلها خسارة لك، هو بصير بعباده بعدما قال {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ}(آل عمران: من الآية15) لاحظ موضوع خالدين، فيجب أن تقارن حتى لو الجنة دون هذه الحالة، لو هي دون وهي دائمة لا تنقطع أنها أفضل أعني: لو أنت تقارن بين حالتك أنت في الدنيا أليس الكثير من الناس قد يكون راضياً بوضعيته هكذا؟ حتى لو لم تكن الجنة إلا مثل ما معك في الدنيا وهو دائم أنه أفضل مما معك ما بالك عندما يكون موضع سوط فيها أفضل من الدنيا هذه بكلها.
{وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}(آل عمران: من الآية15) فالذين اتقوا من هم؟ {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}(آل عمران: من الآية16) منشدين إلى الله ومزين لهم الإيمان بالله، الأعمال الصالحة، العمل في سبيل الله ليسوا من الذين زين لهم حب الشهوات من النساء والبنين… الخ، منشدين إلى الله {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}(آل عمران:16- 17) هذه صفات هامة جداً {الصَّابِرِينَ} صابرون ويعرفون الصبر عندما يكون لله وفي سبيله يعتبر عملاً صالحاً، ويعتبر الوسيلة الصحيحة للفرج، هم صابرون في سبيله، هم يعملون، صبر عملي وليس صبراً لظلم وقهر واستعباد {والصَّادِقِيْنَ} الصادقين في إيمانهم، الصادقين في مواقفهم، الصادقين في فهمهم لدينهم؛ ولهذا قال في آية سابقة، عندما قال في [سورة البقرة]: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا}(البقرة:177) إذاً لاحظ الصادقين هنا {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}(البقرة: من الآية177) الصابرون، والصادقون في أقوالهم في وعودهم كلما تتناوله كلمة صدق.
{وَالْقَانِتِيْنَ} الخاضعين لله والخاشعين لله {وَالْمُنْفِقِيْنَ} في سبيل الله وفي كل ما وجههم الله أن ينفقوا فيه {وَالْمُسْتَغْفِرِيْنَ بِالأَسْحَارِ} ليس عندهم غرور، الأسحار: آخر الليل الوقت القريب من وقت الفجر يعني في الحالة هذه التي تكون عند الكثير من العباد، عند الكثير من المؤمنين يعتبر نفسه عندما يقوم وقت السحر يتركع يكون قد عنده [أنه من أولياء الله والجنة مفتحة له] لا، المؤمنون يكونون مستغفرين في الأوقات التي قد تكون عادة ينشأ منها إذا ما هناك وعي وفهم حالة غرور فيكون قد عنده ماذا؟ [أنه يتمنى الباري إن قد مات يدخله الجنة] لا، هؤلاء مستغفرون في الأوقات التي هي أوقات يحصل فيها غرور عند آخرين عند جهلة العباد.
فهو هنا عدد أشياء ألم يعدد أشياء هذه هامة جداً؟ وهذه الأشياء هي في متناول الإنسان إذا رجع إلى الله واستعان بالله، ليست الجنة متوقفة على أنك لا بد أن يكون عندك خيل، وعندك نساء، وبنين، وقناطير مقنطرة من ذهب وفضة، وخيل مسومة، وأنعام وحرث.. إلى آخره، لا، هذه قائمة أخرى لو لم يكن عندك شيء من هذه، قائمة أخرى، ألم يعدد هنا قائمة أخرى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}(آل عمران:17) يحصل هؤلاء على ما هو خير مما لدى هؤلاء، قناطير مقنطرة من الذهب والفضة.. إلى آخره.
إذاً عندما ترى أصحاب الثروات الكبيرة مثلاً فتكون أنت متحسراً لماذا أما أنت؟ تجد أن بإمكانك أن تحصل على أفضل مما هم فيه من خلال القائمة هذه، وهي قائمة في متناولك أن تعملها، أن تستعين بالله وتكون من المؤمنين الذين يقولون {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّار الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}(آل عمران: من الآية16- 17) ألست ستحصل من خلال هذه على أحسن مما لدى الآخرين؟ تحصل من خلالها على رضوان الله وجنته بأرقى مما عند من زين لهم هذه المظاهر التي عددها في الآية السابقة.
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(آل عمران:18) شهد الله سبحانه وتعالى لنفسه بأنه لا إله إلا هو، وأنه القائم بالقسط في تشريعه، في هدايته، في تدبيره لشؤون خلقه، والملائكة شهدوا بهذه الوحدانية لله، وأنه قائم بالقسط، وأولوا العلم: – أصحاب المعرفة الحقيقية – وهم يشهدون بأنه القائم بالقسط في تشريعه، في هدايته، في تدبيره لكل شؤون خلقه.
يبدو أن كلمة: [قسط] تفسر دائماً بمعنى: العدل، والقسط قد يكون أوسع من العدل، قد يكون عدلاً باعتبار ما يقابله، وباعتبار قد يكون العدل فيما بين قضيتين، أي لا تجور في قضية لها طرفين إعدل. القسط فيما يقوم عليه التدبير، والتشريع، والهداية بشكل عام، قائم على القسط أي على أفضل ما يكون على أحسن ما يكون، العدل قد يكون واحداً من ماذا؟ من مظاهر القسط أو من ممارسات القسط.
{لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} هذا من القسط، أليس هذا واحداً من الأشياء التي تعتبر من القسط؟ لأنه عندما يكون ناس في الدنيا هذه ما حصلوا على أموال ما حصلوا على مظاهر من هذه: قناطير مقنطرة، وأشياء من هذه، أليست هذه يكون لها أسبابها بالنسبة للحياة هنا؟ يكون لها أسبابها، فـ{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ}(العنكبوت: من الآية62) لكن أمام الطرف الآخر ما يجعلهم يحصلون على أفضل مما عند الآخرين، عندما يكونون: متقين صابرين صادقين قانتين منفقين مستغفرين بالأسحار.
إذاً أليس هذا مجالاً أيضاً مفتوحاً أمامك لتحصل على أفضل مما لدى الآخرين؟ هنا باعتبار الأرقام الكبيرة لأن ما معنى هذا أيضاً لأنه عندما يقول: {للَّذِيْنَ اتَّقَوا} هو أيضاً قال في آيات أخرى أنه يأتي من عنده بالنسبة للحياة هذه بركات ويبسط الرزق ونعم كثيرة {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}(المائدة: من الآية66) ألم يقل هكذا؟ {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(الأعراف: من الآية96) {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}(الطلاق: من الآية2- 3) هنا فتح أمامهم الطريقة التي يمكن أن يحصلوا عليها ومن خلالها على أفضل مما لدى الآخرين حتى هنا في الدنيا، وأن تلك الأرقام ستتحول في الأخير إلى وسيلة تعذيب نفسي لك عندما تكون أنت تمتلكها وأنت لا تسير فيها على هدى الله {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(التوبة: من الآية55) أليست هذه واحدة؟.
إذاً ستحصل على أفضل مما حصل عليه هؤلاء هنا في الدنيا وفي الآخرة الجنة الرضا من الله الذي هو من الدنيا إلى الآخرة هذا أهم مكسب للإنسان رضوان الله أعظم من الجنة لأنه في ظل رضوان الله سبحانه وتعالى من هنا من الدنيا عندما يرضى عنك من الدنيا يحصل أشياء كثيرة لك تأييد ونصر ورحمة ولطف ورعاية، الجنة واحدة من ماذا؟ من مظاهر رضوان الله عن أوليائه واحدة من هذه؛ ولذا قال في آية أخرى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}(التوبة: من الآية72).
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ}(آل عمران: من الآية18) فعندما تكون مثلاً السنة في هذه الحياة أن يكون هناك {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ}(العنكبوت: من الآية62) كلمة يبسط: زيادة {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ}، ثم قد يقول الكثير من الناس: [لماذا إما هم؟ لماذا إما نحن؟ لماذا أولئك؟ ونحن] وأشياء من هذه! الله هو القائم بالقسط، والحياة هي حياة واحدة، يجب أن تفهم بأنها حياة واحدة بالنسبة لك من الدنيا هذه إلى الآخرة فقط يوجد فاصل في الوسط – مثلما قلنا بالأمس – مثل فاصل النشرة فقط، مسألة الموت إلى أن يأتي البعث مثل الفاصل الذي في النشرة، وإلا فهي حياة واحدة، والله هنا قد فتح أمام الناس هذا الباب الواسع الذي يجعلهم يحصلون على أفضل وأدوم وأحسن مما لدى الآخرين في الدنيا والآخرة، وهذا الباب فاتح فتحه الله بشكل عام للرجال والنساء، للرجل والمرأة.
{الَّذِيْنَ اتَّقَوْا} تشمل الرجل والمرأة، صابرين، وصادقين، وقانتين، ومنفقين، ومستغفرين بالأسحار المرأة التي يلقنها الغربيون أنها هنا تصارع وتناضل من أجل تحصل على حقوقها! يسمونها أيضاً حقوقاً يعني: أنها تتوظف، وتملك وزارة، أو وكيلة وزارة، وأشياء من هذه! يعني: هي تنظر إلى ما لدى الرجل هذا الذي هو رجل منحط في الواقع، رجل – مثلاً – يلعب بالأموال العامة، ويدير الأشياء إدارة سيئة، هي تريد تمسك مكانه لتعمل مثله! يوجد باب آخر للتنافس في الخير الكبير، والقرب من الله، وأن يحظى الرجل، أو المرأة برضوان الله.
الباب هذا هو الباب الواسع، والباب الهام لأن تحصل على أرقى الأشياء، القرب من الله من المقامات المعنوية رضوان الله يعتبر قرباً من الله، هذا الذي هو يعتبر أهم من أي قرب عند أي طرف آخر في الدنيا هذه، وأهم مما يمكن أن يعطيك منصب معين في الدنيا، القرب من الله، والجنة هذه النعيم العظيم أعلى نعيم أعلى نعيم ممكن أن يتصوره الإنسان، أو لا يبلغ به إلى أن يتصوره ويتخيله كيف هو.
إذاً لماذا المرأة تحاول أنها وهي تجد – مثلاً – أناساً في مواقع قيادية، وزير، وكيل وزارة، مدير مكتب، مسئول كذا، وهي تعرف بأن هؤلاء يديرون هذه الأشياء بطريقة سيئة، وأن الكثير منهم لا يراعون الأمة في شيء، ويظلمون عباد الله، وينهبون الأموال العامة، ويديرون الأشياء إدارة سيئة، وهي منافسة أنها تمسك مكانة على ما هو عليه تريد مكانه! إذاً فهذا جهل، أن يزين لها في الدنيا، يزين لها هنا هذه الأشياء!.
إذا نظرنا للموضوع سنجد بأنه مسألة تزيين، ويكون لهذا التزيين أثره السلبي عندما تكون ناسية ما هو أفضل منه، وتنسى إنما هو أفضل منه وأرقى منه هناك باب مفتوح أمامك لتصل إليه، تنافس هنا، هذا محل المنافسة هنا؛ ولهذا قال في آية أخرى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}(المطففين: من الآية26).
إذاً إذا تريد أن تناضل كما تقول؟ تناضل على أن تزيح هؤلاء الذين يظلمون الناس، ويحكمون بالباطل وينهبون الأموال العامة، ويفسدون في الأرض، وليس أن تكون متسابقة على أنه فقط تمسك موقعه وتكون مثله وأسوأ، وفي الأخير تعتبر أنها حصلت على حقوقها، وحصلت على كذا! هذا الباب هو باب هام للتنافس إلى ما هو أفضل [تقوى الله] وهذه النوعية من البشر عندما يكونون على هذا النحو هم الناس الذين يصلحون في الأرض من الناس سواء من الرجال أو النساء عندما يكونون مؤمنين متقين.
قلنا في هذا الموضوع: بأنه غلطة كبيرة عندما يسمونها حقوقاًً! أليسوا يسمون المسؤوليات هذه حقوقاًً؟ يلقنها الغربيون، اليهود بأنها يجب أن تناضل من أجل أن تصل إلى حقوقها، يعني أن تملك وزارة، المسؤولية، الوظيفة العامة يعتبرونها حقاًً! وهذه هي غلطة كبيرة؛ لأن القضية الأساسية أنه لا يقال لهذه حقوقاً، هذه مسؤوليات، والمسؤوليات يراعى بالنهوض بها من لديهم أهلية للقيام بها، والموضوع بشكل عام هي عبارة عن مهمة ومسؤولية واحدة منوطة بالرجل والمرأة، بالإنسان بشكل عام، بني آدم بشكل عام لهم مسؤولية واحدة وتتعدد وتختلف أدوارهم في أداء المسؤولية الواحدة، ليسوا عبارة عن عالمين، عالم رجال، وعالم نساء! بل عالم الإنسان، والقرآن الكريم يركز على هذا، أنهم عبارة عن عالم واحد، عبارة عن بناء واحد، عبارة عن أمة واحدة لا يمكن للمرأة أن تعتبر نفسها عالماًً لوحدها، والرجل يعتبر نفسه عالماًً لوحده، ولا يمكن أن يحصل الرجل على خير إلا وينال المرأة، ولا يظلم الرجل إلا وتظلم المرأة، والعكس. أليس النساء يصحن أنهن مضيعات تريد تناضل من أجل حقوقها؟ أليس الرجال مظلومون هم؟.
إذاًً فالتي تعتبر أن الظلم نالها إنما هو في إطار الظلم العام للرجال والنساء، وليست القضية أما الرجال فهم مرتاحون، بل هم مظلومون، حتى الكبار الآن، حتى الدول الآن قد هي مظلومة، قد هم يصيحون هم، إذاًً المسألة أن تعرف الأشياء، أنه لا يوجد ما يسمى حقوقاًً، في الواقع هي مسؤولية من البداية، مسؤوليات كلها تأتي الحقوق تتحقق تلقائياًً من خلال أن ينهض الناس، كل الناس بمسؤولياتهم، الرجل والمرأة وبأدوارهم للرجل دور وللمرأة دور، وداخل الرجال أدوار متعددة، وداخل النساء أدوار متعددة.
هل هو يزيد المرأة المناصب والأشياء هذه؟ مثل هذه، مثل النساء والبنين والقناطير المقنطرة، ثم يقال لها [أنت مظلومة والمجتمع هذا لا يراعي المرأة لماذا لا يعطيها وزارة..] قلنا: لسنا راضين عن الوضعية هذه بكلها. عندما تناضل المرأة لتحصل على منصب معين تنهب أموالاًً، وتستغل المنصب مثلما يستغله الرجل، إذاًً هي نفسها منحطة، أعني: هذه هي نفسية الرجل السيئ، هذه المرأة السيئة التي تقابل الرجل السيئ.
لا، إنه يجب أن تنظر إلى أنه كيف يجب أن تكون الأشياء، وما هي المسؤولية المنوطة بالناس بشكل عام وأنها مسؤوليات كلها، مسؤوليات من عند أكبر واحد إلى عند أصغر واحد، ولهذا حتى فيما يتعلق بتصرفك في مالك متى ما حصل تصرف غير طبيعي ما هو يأتي حجر؟ لماذا؟ لأن تصرفك في مالك هو في الواقع ليس هو ممارسة حقوق، هي مسؤوليات تنتهي في الأخير مسؤوليات، ما نسميه حقوقاًًًً حتى في أموالنا الخاصة في ممتلكاتنا هي في الواقع مسؤولية؛ ولهذا يحجر عليك، توقف، لأنك أصبحت تتصرف بما تحت يدك تصرفاً غير طبيعي أي تصرفاًً عن ما يجب أن تكون عليه من المسؤولية المنوطة بك التي تحكم تصرفك فيه فكلها مسؤوليات لكن لا، يسمونها: [حقوق، حقوق، حقوق… إلى آخره] لهذا يجب أن نحاربها لأنها كلها تسمى: مسؤوليات من أعلى رجل إلى آخر إنسان في المجتمع.
{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ}(آل عمران: من الآية19) وهذا عنوان لدين الله، الدين عند الله هو الإسلام له وما ذكر سابقاًً عن المتقين، وما وعدهم به من النعيم العظيم، والرضوان منه أليس هو يعكس ما لديهم من تسليم في أنفسهم لله عندما قال {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}(آل عمران:17)؟ هذه قدمت في الأخير ناس مسلّمين أنفسهم لله، ناس خاضعين لله، هذا هو الدين، التسليم لله يجعلك تدين بما قدمه لك، وتلتزم بما فرضه عليك، بما دعاك إليه، بما أمرك به، التسليم لله، والتسليم لله هي قضية عملية، لاحظ المسلمين لله، صابرين، صادقين، قانتين، منفقين، مستغفرين، كلها أليست قضية عملية؟.
{وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ}(آل عمران: من الآية19) لم يكن هناك تسليم لله {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} أي: التسليم له، الإسلام له أي: التسليم له، الخضوع له، قابلية ما وجهه به وما هداه إليه وشرعه له. تلحظ كيف يأتي من النفوس التي ليست مسلّمة لله {بَغْياً بَيْنَهُم} بعدما بين البيان الكامل {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} هذه تجدها – مثلما قلنا بالأمس – من الآيات تأتي كلما يذكر هذه، وكلها قضية هامة، يعني يكون لديك نظرة بأنه لا يأتي الإختلاف بسبب قصور في بينات الله، أو تقصير في أنبيائه أبداًً إنما يأتي هكذا وقد علموا لكن اختلفوا بغياً بينهم، والبغي هو في المقدمة يتنافى مع التسليم لله، وفي نفس الوقت اعتداء على الطرف الآخر فهنا يحصل اختلاف.
{وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}(آل عمران: من الآية19) ألم يأت في الآية هذه {يَكْفُرْ} بعد ما ذكر أهل الكتاب وبعد ما ذكر دين؟ معناه: الرفض لما يجب أن يكون الإنسان من الإلتزام به مسلماًً لله، وتحول إلى باغٍٍٍ، تحول إلى مخالف، سماه كافراًً بمعنى: رافض {فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} هذا أيضاً في الدنيا وفي الآخرة، أعني لا يكن في ذهنيتك أبداًًً العناوين هذه، أو إطلاقات الوعيد كلها فقط في الآخرة! وفي الدنيا يحصل، في الدنيا، وفي الآخرة على أعلى مستوى من النعيم أو العقاب.
{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}(آل عمران: من الآية20) جادلوك حول موضوع دين، حول موضوع أشياء من هذه بعد ما قال هناك {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ}(آل عمران:من الآية19) أنا أسلمت وجهي لله ومن اتبعني إما يكون معناها: ومن اتبعني أسلموا وجوههم لله، أو أنا مسلم وجهي لله وأمامي من اتبعني مثلما قال في آية أخرى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}(يوسف: من الآية108) أي ما أنا وراء أن أبحث عن أرقام ألفلفها وأداهنكم وأجاملكم يكفيني من اتبعني، من اتبعني أنا أنظر إليه أنا مسلم وجهي لله ومن اتبعني، قد يكون بعيداًً أن يكون ومن اتبعني معناها: مسلََّمين وجوههم لله لأنها قضية داخلية هذه هل تستطيع أن تقول أنت إلا عن نفسك، إذا صدقت مع نفسك؟ هل يمكن أن تقولها عن الآخرين؟! تقول: والآخرين هم مسلّمين وجوههم لله! قضية ثانية.
فهذه فيها ما يوجد عند الإنسان بأنه في موضوع المحاجة لن يدخل معهم في مداهنة أو تنازلات أو أشياء من هذه، إن كنتم تريدون أن تكونوا مسلمين لله وتتبعوني – كما قال في آية أخرى – : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}(آل عمران: من الآية31) أما أنا فماذا؟ سأمشي على الطريقة هذه، أنا مسلم نفسي لله ومكتفي بمن اتبعني. لأنه أحياناًً قد يأتي مثلاًً – إذا ما زال عندك نظرة أنك تريد تلف الآخرين وتلفلف لك ناس – لا يوجد فكرة من البداية تكون ثابتة، تكون لديك رؤية ثابتة، فهنا قد تغلط، تحاول تداهن تحاول تقدم تنازلات في موضوع الحجاج، في موضوع الحوار، في موضوع مفاوضات، وأشياء من هذه، وإن كانوا كثيراًً أولئك، وإن كانوا كبار شخصيات، من الذين يكون وراءهم كثير قدم لهم الموضوع بأنه موضوع تسليم لله {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ}(آل عمران: من الآية19) أنا وأنت وأي واحد أن نكون مسلمين لله ليس المقصود أنك تسلم لي أنا، أنا في المقدمة وأي إنسان يجب أن نكون مسلمين لله لأن الدين عند الله هو الإسلام ومع السلامة إذا…. يكفيني من اتبعني.
{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}(الأنفال: من الآية62) هل يعطي نظرة إلى من اتبعه؟ فإن كان من سيتبعه على الطريقة هذه: إسلام لله، ويسير بنفس المسيرة، ويكون كباقي الناس في المسيرة باعتبارهم مسلمين لله من أكبر رجل فيهم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فمرحباًً به ما لم فيجلس هناك حتى يأتي أمر الله.
{فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ}(آل عمران: من الآية20) الأميين: اسم يطلق على من يقابل أهل الكتاب يعني كان العرب يقال لهم، والأمم الأخرى التي ليست من أهل الكتاب يقال لهم: أميون، أي: الأمم التي تقابل من يقال لهم أهل الكتاب: أهل التوراة والإنجيل، يسمون أهل الكتاب {أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}(آل عمران: من الآية20) عبارة أأسلمتم؟ هي تكشف بأنه هناك تبيين، هناك عملية تبيين وبلاغ أن يقول: أسلمتم الآن بعد البلاغ والتبيين؟ وما قدم إليكم؟ ما قد هو وقت أن تسلموا؟ أي أن معناه: ما قد هو وقت أن تسلموا؟ {أَأَسْلَمْتُمْ} لأن هذا استفهام.
{فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} لاحظ الآية هذه لا يوجد فيها [ديانة سماوية أخرى واتركهم وتعايش سلمي وننظر إليهم نظرة مثلما ننظر إلى الباقي، وهي كلها ثلاث ديانات سماوية] مثلما يقولون أليسوا يقولون هكذا؟! لا، هذا موقف {فَإِنْ أَسْلَمُوا} والإسلام لله هو: قبول هذا الدين الذي هو امتداد لدينه من يوم استخلف آدم فإن اسلموا لله، وآمنوا بما جاء به محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) رسول الله، وبهذا القرآن {فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُِ}، يعني: ليست القضية أنهم إذا تولوا إذاً كيف تحاول أن تعمل استرضاءات، أو تنازلات، أو تلفيقات، أو ترضى بشيء معين مقابل شروط معينة، لا.
{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} كلهم. هذه عندما يقول: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} أي أن الطرف الآخر هذا نفسه الذي يتولى قد يأتي في يوم من الأيام شيء من جانبه يجعله عرضة لأن يضرب إذا هناك مؤمنون فاهمون لدورهم، إذا ما يزال يوجد عند الناس إيمان بالشكل الذي كان حاصلاً عند الأولين كرؤية لديهم من خلال ما كان يقدم لهم من عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من الذين حكى الله عنهم {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا}(التوبة: من الآية52) هذه سنة إلهية أخرى بالنسبة للمعارضين.
لهذا نقول أكثر من مرة في موضوع أهل الكتاب: ليس معناه إقرار لهم على ما هم عليه عندما قيل مثلاًً [يحصل مصالحة معينة أو هدنة وعهد يأتي من لديهم بأن لا يدعوا إلى ما هم عليه وأن لا يتآمروا على الإسلام وأن، وأن….] شروط من هذه هم نفوسهم إما أن يكونوا بالشكل الذي يذوبون في المجتمع فيسلمون وإلا سيحتاج يطلع من عندهم شيء، سيحتاجون ينقضون العهد، سيحتاجون يخالفون فيضربون، والله بصير بعباده يعني أنت لا تعتبر [إذاًً معنا هذا ستبقى هناك أمة أمامنا أعداء وهم كذا.. نحاول كيف نعمل من أجل نسلم شرهم!] ليست هكذا أنت ومن اتبعك أسلم وجهك لله، ويكون عندك رؤية اقتناع بمن اتبعك، وأنت أفهم بأن عليك البلاغ، والبلاغ ماذا معناه؟ ليس كما يقال (دعوة) الآن مجرد دعوة! البلاغ هنا: دعوة وتربية، وبناء أمة، والآخرين الله بصير بهم سيأتي في يوم من الأيام يعملون شيئاً، يخالفون فيضربون ماذا حصل بالنسبة لليهود الذين كانوا عند المدينة وفي خيبر وفي…؟ جاء من عندهم أشياء اتجه ضربهم.
{وَاللهُ بَصِيْرٌ بِالْعِبَادِ} هنا في الدنيا، وفي الآخرة سريع الحساب، يحاسبهم هنا في الدنيا وفي الآخرة وكثير منها نقول: ليست قضية صحيحة الذي يقول معناها [في الآخرة، في الآخرة، في الآخرة هناك!] لأنه أحياناًً في الأخير تضرب الآخرة عندنا، أعني: لا نعد نسير في طريق الآخرة إذا ما صحت نظرتنا الدينية ودور الدين هنا، هنا في الحياة هذه، ومسؤوليات من يقومون بهذا الدين في الحياة هذه فيكونون هم يحولّون على الآخرة، سيقدمون على الآخرة وهي بشكل آخر، قد يقدمون على الآخرة وهم مصيرهم جهنم، لا بد أن الإنسان يعرف هنا وقلنا هذا أثناء قول الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(البقرة:201) إذا ما أنت عارف {وَاللهٌ بًصِيْرٌ بِالْعِبَادِ} ماذا تعنيه هنا؟ سيكبر أمامك أنه [ما زال باقي هناك كثير، أمة هناك معارضين، ومشاققين] فتأتي رؤى أخرى: كيف نحاول نسترضيهم، أو ندخل في مصالحات معهم! ويكون فيها تقديم تنازلات، مفاوضات يكون فيها تقديم تنازلات مذلة، يكون فيها فضح للناس، وفضح للدين، كما يحصل الآن، كالمفاوضات التي تتم الآن بين العرب وبين اليهود أعني بشكل مخزي أليست تحصل بشكل مخزي؟ ليسوا متذكرين {وَاللهُ بَصِيْرٌ بِالْعِبَادِ} استقيموا لأن معنى {فَقُلْ أَسْلَمْتُ}(آل عمران: من الآية20) معناه استقامة، وثبات، وأنت عليك البلاغ، أنت وأنت في دورك مبلغ وتهدي، وتربي، وتعلم، وتبني، أنت جزء من التدبير الإلهي الذي يشمله {وَاللهُ بَصِيْرٌ بِالْعِبَادِ}.
هذه قضية هامة إذا عند الإنسان معرفة بالآية هذه وكثير من نظائرها في القرآن تكون مساعدة على الإسلام لله، على الإستقامة، وأن يبقى الناس مسلمين لله، وأن يبقوا في مواقف صحيحة وليس كما يحصل لا تدري إلا وهم قد صاروا يوزعون الدين تنازلات، ويقسمونه وفق رؤية أنه: [نحاول نتفادى أشياء كثيرة من كذا] لاحظ موقف الإيرانيين الآن فيما يتعلق بالطاقة النووية هو موقف ليس بالشكل اللائق أبداًً ما بالك أما العرب قدهم أولئك في مفاوضاتهم، في مبادراتهم كلها تقوم على نظرة ناسين لهذه السنن الإلهية داخل القرآن.
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ}(آل عمران: من الآية21) لأنه قد بدأ يتحدث، أو يذكر بني إسرائيل وما حصل من جانبهم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}(آل عمران:21- 22) موضوع الإحباط للأعمال نحن نقول أن إحباط الأعمال في الدنيا، وفي الآخرة، يكون نتائجها هنا سيئة، يكون النتائج سيئة هنا في الدنيا عندما يأتي يعرض ما كانوا عليه بعد ما أمره أن يسلم {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}(آل عمران: من الآية20) هي شبيه بالآية السابقة {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(البقرة:75).
فلا يكن عندك طمع بالنسبة لهؤلاء أن يسلموا لك وقد كانوا على هذا النحو: {يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(آل عمران:من الآية 21) يعني أنها قضية هامة يجب أن تعرف أنت الطرف الآخر حتى تفهم بأنه ليس بالشكل الذي تطمع فيه فيكون طمعك فيه بالشكل الذي يجعلك تقدم تنازلات تتنافى مع ما يجب أن تكون عليه من التسليم لله، واقتناع بمن هم متبعون لك في طريق التسليم لله أعني هذه القضية قد يحصل فيها أخطاء كبيرة، هذه قضية هامة أن تعرف الطرف الآخر.
ثم عندما يقول: {وَاللهُ بَصِيْرٌ بِالْعِبَادِ} وتجد أن هؤلاء تاريخهم على هذا النحو، وواقعهم على هذا النحو: إنهم من المستوجبين، والمستحقين لعذاب اليم، فقد يكون هذا العذاب الأليم في الدنيا وفي الآخرة، في الدنيا وفي الآخرة، وقد يكون مما يصل إليه الموضوع أو تصل إليه القضية لا تكترث بهؤلاء ربما في يوم من الأيام يضربون هم على يدك لأنه عندما يقدم لك عدد بأنه على هذا النحو فهو عدو بمعنى ماذا؟ لم يعد يحظى بتأييد ما هو عليه يعتبر نقطة ضعف كبيرة فيه جداًً قد تجعله ضحية على يدك أنت فتضربه أنت لأنه قال هنا{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(آل عمران:من الآية 21) أليست هنا آية مطلقة عذاب أليم؟.
يقول: {أولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة}(آل عمران: من الآية22) ومعنى أن تكون أعمالهم حابطة في الدنيا أي: نتائجها سيئة، ما كان سيئاًً قد هو ذاك سيئة نتائجه، وما كان من أجل أنهم يحصلون على نتائج طيبة من بعده وهم يشترون بآيات الله ثمناًً قليلاًً، وهم يكفرون بآيات الله، ويقتلون أنبياء الله، ويرفضون التسليم لله، أيضاًً لن تكون النتائج بالشكل الذي يطمعون فيها ويطمحون إليها، {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}(آل عمران:الآية21-22) أليس هذا يعطيك نظرة تجعلك بعيداًً عن أن تقدم تنازلات معهم تنازلات لهم؟.
{فَإِنْ حَاجُّوْكَ} هي شبيهة بموضوع مفاوضات، أو حوار، أو جدل فأنت عندما تكون في حوار مع أطراف من هذا النوع ماضيهم أسود على هذا النحو، على هذا النحو في موضوع جدال، أو حوار، أو مفاوضات يجب أن يكون عندك هذه النظرة فتعرف أن هذا الطرف في واقعه هو واقع فيه نقاط ضعف كبيرة بالنسبة له لا يجوز أن أراه كبيراً فيكون بالشكل الذي يدفعني إلى أن أقدم تنازلات في تفاوضي معه في الأخير تكون أنت من قدم دينك وقدم الأمة بسبب رؤية مغلوطة إلى الطرف الآخر.
فتعتبر قاعدة هامة في موضوع التفاوض مع الآخرين، أو الحوار، أو الجدل هذه منسية أليست منسية عند العرب؟ على الرغم من مرور سنين طويلة أعني يبدوا لا يوجد التفات للقرآن ولا يوم واحد على الرغم من صراع، مع اليهود مع تقريباًً الغربيين بشكل عام، وتجدهم في عمي، في ضلال لا يهتدون بشيء نهائياًً لا يبدو أنه يوجد التفاته ولا يوم واحد للقرآن، أن يهتدوا به! أليس هنا يعطي رؤى صحيحة في كيف يكون موقفك من الآخر؟ وأن هذه الرؤية هي هامة جداً،ً جداًً في ماذا؟ أن تبقى مستقيماًً لله ومستقيماًً مع اتباعك {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}(آل عمران من الآية20) أي ألم يؤد بهم إلى أن قدهم مستعجلين إلى أن يضحوا بأتباعهم؛ لأنه ليس فيهم من يمكن أن يكونوا مسلمين لله، ومن اتبعهم، ضحوا بدين الله، ومضحين حتى بأتباعهم، ومتحاورون، ومقدمون مبادرات، وتنازلات لليهود.
فهذه تعطي الناس أملاً أن يعرفوا أعداءهم أنهم هكذا، وأعداؤهم عندما يكونون على هذا النحو هذه نقطة ضعف فيهم كبيرة تجعلهم عرضة لأن يضربوا، بأن يذلوا، بأن يخزوا هم مستوجبون عذاباًً، مستوجبون خزياًً في الدنيا وعذاباًً في الآخرة، أليست هذه نقطة ضعف كبيرة جداًً؟ وعندك أنت كل نقاط القوة إذا فمهمتها، وسرت على هدى الله، ووثقت بالله، إنما تكون القضية صعبة لو أنك تتحرك في مواجهة مؤمنين، أولياء لله، هذه هي القضية الصعبة، أعني: هم الآن عندما يتحركون هي قضية يبدو أنها ملموسة فلذا يحاولون يبعدوننا عن الدين، هم يعرفون أنه فيما لو تحرك الناس على أساس دين الله، على أساس هذا القرآن الكريم أنهم سيدخلون في صعوبة كبيرة جداًً معهم، يهزمون أمامهم، ولهذا يحاولون يبعدوننا عن الدين؛ لأن معناه سيدخلون في ماذا؟ في حرب مع ناس الله معهم وهذه القضية كبيرة جداًً.
ولاحظ كيف هم ينطلقون، ونحن كل مقومات العمل، وكل نقاط القوة في جانبنا كمؤمنين عندما ننطلق على القرآن أن واقعهم هكذا، فواقعهم مليء بنقاط الضعف الكبيرة لا نفكر في هذه نحاول كيف نسترضيهم! نراهم أقوياء، نحاول كيف تسترضيهم، كيف نضحي بالدين وبالأمة من أجلهم! أليس هذا الذي يحصل على أيدي كثير من الحكام؟.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}(آل عمران:23- 24) يعدد في الآيات هذه كثير اًمن الأشياء التي تصرف الإنسان عن هدى الله، ألم يقل: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَات} إلى آخره…؟ أليست هذه واحدة منها؟ ذكر عن أهل الكتاب أيضاًً باعتبار ما كان يحصل على أيديهم كفر بآيات الله، وقتل النبيين، ثم ذكر كيف أنهم وهو يقدم لهم كتاباًً من عند الله هم اسمهم أهل كتاب، وهم معترفون هم، ويقولون على أنفسهم أنهم أهل الكتاب ما كان يجب أن يكونوا هم أقرب وأول من يؤمن بالكتاب الذي من عند الله؟ تجدهم أبعد الناس عن الإيمان بكتاب الله واتباع كتاب الله لماذا؟ لأنه لم يعد إلا مجرد عنوان لديهم قد حصل خلل كبير!.
فمن الخلل الكبير بالنسبة لأي أمة معتقدات باطلة تقدم لديهم فتشجعهم على أن يعارضوا، وعلى أن يكفروا بآيات الله، ويعارضوا هدى الله {ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ذَلِكَ}(آل عمران:23- 24) الذي شجعهم على المعارضة قد نسف عندهم موضوع الخوف من النار، الخوف من الله، والخوف من الوعيد الذي يؤدي في الأخير إلى ماذا؟ إلى خوف من عذابه، خوف من جهنم. فالعقائد الباطلة معناه أن لها دخلاً كبيراً جداًً في صرف الناس عن هدى الله، وفي أن يكون لديهم جرأة على أن يعارضوا هدى الله، يعارضوا ما أنزله الله.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} أعني كأنه يريد ذلك بسبب أنهم هكذا لديهم عقيدة على هذا النحو جعلت الخوف من النار قد نسف {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ}(آل عمران: من الآية24) ولهذا دائماًً نقول أن العقائد الباطلة يكون لها دخل كبير في صرف الناس عن هدى الله {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}(آل عمران: من الآية24) يخدعون أنفسهم بهذا يقولون {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أيَاَّماًَ مَعْدُوْدَاتٍ} وينطلقون يخالفون ويعارضون وهم يعرفون أنه من عند الله، وهم أهل كتاب، وهم أقرب إلى أن يكونوا عارفين الكتب التي تأتي من عند الله لكن هكذا تصنع العقائد الباطلة التي افتراها أسلافهم.
{وَغَرَّهُمْ فِيْ دِيْنِهِمْ مَا كَانُوْا يَفْتَرُوْنَ} هنا يقول الوالد في تفسير هذه الآية: معناها: وغرهم في دينهم ما كان يفتري أسلافهم، الأجيال السابقة منهم يقول: لأن الإنسان هو لا يمكن أن يفتري شيئاًً ثم يغتر به هو وهو يعرف بأنه كذب لا يغتر بشيء هو الذي افتراه، افتراه أسلافهم وقدمت لديهم كعقيدة، وعقيدة لم يعد فيها نقاش تعتبر خدعة لهم، وتنظر كيف يكون أثرها في مواجهة هدى الله، وما أنزله الله معارضة مخالفة يبين بأنهم مغرورون بالعقيدة هذه.
{فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ}(آل عمران: من الآية25) لم يعد هناك إلا أياماًً معدودة {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}(آل عمران: من الآية25) مثلما قال في آية سابقة {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة:81).
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(آل عمران:26) هذه هي تشبه الآيات السابقة التي تذكر الإنسان دائماًً، وتذكر أي فئة من البشر بما فيهم أهل الكتاب بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي له ملك السماوات والأرض هو الذي له ما في السماوات وما في الأرض، هو الذي يشرع لعباده، هو الذي يهدي فيجب عليهم أن يكونوا مسلمين له، ومسلِّمين لأمره، ويقبلون كل ما جاء من عنده.
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} مع أنه كان بنوا إسرائيل هم ممن آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة، أورثهم الكتاب، وأتاهم ملكاًً عظيماًً كما في آيات أخرى، الله هو مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينـزع الملك ممن يشاء، هذه القضية بالنسبة لبني إسرائيل ليأخذوا منها عبرة لأنه ما قد معهم تحجر على الدين بأنه لهم ويجب أن يكون النبوات فيهم، ويجب أن يكون كل شيء فيهم، ويسيروا أيضاًً على مزاجهم فلا يلتزموا! الملك هو لله، وهو الذي يؤتي الملك من يشاء، وينـزع الملك ممن يشاء.
في الموضوع الآخر أيضا ًًلها علاقة بما بعدها أن يكون الناس لا يرون أنه وضعية معينة الدنيا عليها [هناك دولة كبيرة، وهناك تركيبة معينة في العالم] وكأنه لا يمكن أن يتغير فيدفعهم إلى أن يتولوا أعداءه يجب أن تفهم بأن الله هو مالك الملك يمكن ينـزع الملك عن هؤلاء، ويمكن أن يعطي الملك لآخرين فهو الذي يؤتي الملك من يشاء، وينـزع الملك ممن يشاء، ولهذا جاء بعدها: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}(آل عمران: من الآية28).
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ}(آل عمران: من الآية26) قل هذه ليفهم الناس كلهم بما فيهم بنوا إسرائيل، وكل المؤمنين، فبنوا إسرائيل يعرفون بأن الملك هو لله يجب عليهم أن يسلموا لله فيدينوا بما أنزل عليهم، وعلى الآخرين لأجل لا يحصل لديهم رؤى فيها نوع من التنازلات تدفعهم إلى تولي أعداء الله {قُلِ اللَّهُمَّ} أنت يا الله {مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِيْ الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْـزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ} عندما ترى أنت طرفاًً معيناًً في حالة عزة وقوة ومنعة إفهم أنه {وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} مالك الملك، كل ما تعنيه كلمة ملك، ملك السماوات والأرض وما فيهما، ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم كله هو ملك الله.
{وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(آل عمران:26- 27) أليس هنا يعمل عملية مزج بين التدبيرين، التدبير في مجال التشريع الهداية الملك العزة الذلة أشياء من هذه، وتدبير شأن العالم بماذا؟ باختلاف الليل والنهار {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}.
أليست هذه حالات متقلبة؟ إذاًً القادر على أن يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويحي الميت ويميت الحي وأشياء من هذه لا يمكن يترك الجانب الآخر مهملاً يعني تدبير إلهي واحد، هذا جاء في آية سابقة في [سورة البقرة] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا….}(البقرة: من الآية164) إلى آخر الآية، لنفهم جميعاًً بأن المسألة يجب أن تفهم بأنه هكذا لا يمكن أن يكون هناك إغفال للجانب الآخر الذي هو جانب النظام في الحياة، جانب الهداية في الحياة جانب التشريع، جانب عزة، وذلة، وإيتاء ملك، ونزع ملك، وأشياء من هذه، هذا تدبير لا ينفصل عن التدبير الآخر، هو مدبر شؤون هذا العالم تدبيراً تكوينياًً – كما يقولون – وفق تدبير ماذا؟ تدبير الهداية، تدبير الهداية، والتدبير التكويني.
{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}(آل عمران: من الآية28) أعطاهم صورة عامة عن ماذا؟ عن واقع الحياة فلا يدفعك ملك هناك تراه وكأنه لا يمكن أن يتحطم، ولا عزة هناك أو طرف يبدو وكأنه في حالة منعة، يمكن يأتي يوم من الأيام يذل، ولا رزق هناك فيدفعك إلى أن تتولى بسبب هذه الأشياء، الله هو ينـزع الملك ممن يشاء، هو يذل من يشاء، هو يرزق من يشاء بغير حساب. إذاً ماذا بقي هناك من شيء يدفعك إلى أن تتولى طرفاًً آخر من هؤلاء؟ التولي قد يكون سببه هذه: لكون ذلك في موقع ملك وعزة ومال أليست هكذا؟ ويشكل منعة، يجب أن تكون متولياًً لله الذي بيده هذه الأشياء، فذلك الملك الذي قد يدفعك إلى توليه ستراه في يوم من الأيام يتهاوى، ويؤتي آخرين عزة لطرف، وذلة ترى نفسك فيها أو أنت في حالة ترى نفسك مستضعفاً ستتهاوى تلك العزة.
{وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ} يذل من كانوا أعزاء أمامك ويعز من تراهم أذلاء أمامك {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُوْنَ الْكَافِرِيْنَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُوْنِ الْمُؤْمِنِيْنَ}(آل عمران: من الآية27- 28) لا يجوز هذا ولا يصح وغلطة كبيرة؛ لأنه قد نسف لك كل الأشياء التي قد تجعلك أن تتولى بسبب أنك تراه أمامك ملك وعزة ومال {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ}(آل عمران: من الآية28) القضية خطيرة جداًً، يعني كأنه ليس بينه وبين الله أي شيء وما كأنه مؤمن بالله نهائياً {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} لم يعد هناك أوضح من الآية هذه في نفيه تماماً وفصله عن كل شيء فلا إيمان، ولا شيء، ما بقي بينه وبين الله شيء على الإطلاق مثلما قال بالنسبة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}(الأنعام: من الآية159).
{إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة}(آل عمران: من الآية28) العدو الذي هناك يعني منسوف تماماًً لكن أن يحصل تَقِيَّة – كما يقال – أن تتقوا منهم تقاة، هذه الحالة نفسها ليست حالة مطلوبة يكون للإنسان فيها تقديم وتقدير عناوين معينة، وتفاصيل معينة، هذه حالة تقدر في وقتها، وعندما تكون القضية ليست على حساب دين ولا على حساب أمة، لا تكون على حساب الدين، ولا على حساب الأمة أبداًً، وليست قضية شخصية بل تقدم بقدرها، بتقديرها، لأن التقيََّة هي حالة استثنائية خاصة ليست قاعدة عامة أبداًً لأنها لو هي قاعدة عامة لكانت على حساب الجهاد، وحساب العمل بكله، هي حالة استثنائية طارئة لها ملابساتها، لها وضعها الخاص، لها اعتبارات كثيرة بحيث لا تكون بالشكل الذي يحصل من ورائها ظلم للأمة، أو ظلم لدين الله ولهذا كانت قضية تحتاج إلى تقييم كبير جاء بعدها تحذير {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}(آل عمران: من الآية28).
لا تكن أنت مفكر في نفسك أن تعمل بالتقيََّة: [يجوز لنا أننا نسكت لأجل نسلم شرهم!] تحاول تغطي على عيونك عند المواقع التي يتبين لك من خلالها بأن السكوت لم يعد ينفع! أليس هذا هو الواقع بالنسبة لتعامل الأمريكيين والصليبيين الآن مع المسلمين؟ لم يعد ينفع صداقة، ولا عمالة، ولا سكوت عندما يأتي البعض يعتقد بأنه ما يزال بإمكانه أن يعمل شيئاًً معيناًً ويقول لك: {إِلاَّ أَْن تَتَّقُوْا مِنْهُمْ تُقَاةً}، أول شيء أن معناه: أن يكون شيئاًً على هذا النحو السابق، وفي نفس الوقت اتجاه عملي وليس على حساب أمة ودين الأمة على حساب أن يصل الناس إلى الموقف الطبيعي من هؤلاء الأعداء، وفي نفس الوقت أن يكون له أثر إيجابي.
الآن هل أحد يستطيع أن يقدم لنا شيئاًً معيناًً يقول: هذا يقينا من الأمريكيين والإسرائيليين؟ لا السكوت يقي ولا العمالة أصبحت تقي ولا الصداقة أصبحت تقي الناس منهم أبداً، أليست قضية واضحة إنما فقط قد يكون البعض ربما ممن هم يحكمون الناس، ويأتي من علماء السوء، أو العلماء قد لا يسمون علماء حقيقة يقول: إنه يجوز {إِلاَّ أَْن تَتَّقُوْا مِنْهُمْ تُقَاةً} ثم لا تدري إلا وقد صار هو يقدم شعبه، ويقدم القرآن [اعملوا كيفما تريدون وغيروا المناهج كيفما تريدون والقرآن اخفوا ما تريدون وابعدوا ما تريدون] معهم تَقِيَّة [يجوز له يجوز له] هنا يكون ماذا؟ يقدم الدين، ويقدم شعبه من أجل تحتفظ له مصالحه هو مصالحه الشخصية هو، منصبه هو ثم ترى في الأخير لا تشكل هذه وقاية، أصبحت هذه لا تعد تشكل وقاية له على الإطلاق.
في نفس الوقت هي لا تجوز على الإطلاق بهذا المعنى، بهذه الطريقة لا يصح على الإطلاق [لا يعد أحد يتحدث عن الجهاد، واتركوهم يغيرون المناهج، مستعدين نغير المناهج على ما يريدون!] على زعم أننا نتقي منهم تقاة! نتقي منهم تقاة، [تقيََّة، تقيََّة]، ترى حتى [الإثنا عشرية] الذين هم معروفون بالتقيَّة لم تعد تنفع التقيَّة حقتهم نهائياًً مع الأمريكيين يطلعون في التلفزيون وقالوا: [لا يجوز في ديننا أننا نصنع أسلحة نووية ونضرب بها الآخرين لا يجوز في الشريعة] ما صدقوهم وهم يصدرون فتاوى بهذا الشكل!.
مسألة التقيََّة: ليست قضية مزاجية، ولا قضية شخصية في تقييمها، وقضية دقيقة وخطيرة جداًً ولهذا بعدها الله يقول {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}(آل عمران: من الآية28) عندما تكون قد صرت تخدم العدو، تشتغل له على حساب الدين، وحساب الأمة على أساس أنها تقيََّة قد أنت ماذا؟ تشتغل لهم، تعمل لهم! ليست التقية بهذا الشكل نهائياً.
{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيْرُ}(آل عمران: من الآية28) {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}(الطارق:9) قد تقول في الدنيا هنا [حفاظاًً على مصلحة الشعب حفاظاًً على ماذا؟ لنقي الشعب ضربة كانت محتملة] وأشياء من هذه! أليسوا يقولون هكذا؟ لا، {وَإِلَى اللهِ الْمَصِيْرُ} أول شيء لا يكون فعلاً، الحاكمون أعتقد كلهم الآن لا يوجد شخص منهم هو يستطيع أن يفسر معنى التقيََّة، والتقيََّة التي يجوز له أن يعملها، إذا معه حاشية من علماء سوء يكون معناه في الأخير يقي نفسه، ومنصبه، ومصلحته على أساس أنها تنفع مع أنها لا تنفع فيكون يقدم الدين، والأمة، ويشتغل للأعداء! أليس هنا يضحي بالأمة، وبالدين؟ أين التقية هذه التي يمكن أن تكون جائزة؟ تقية تضحي بالأمة، والدين وأنت يجب أن تضحي بنفسك ومالك من أجل الدين ومن أجل الأمة!.
هذه أول شيء أنها قضية دقيقة فيجب أن يكون هناك تحذير يعني هناك تحذير رهيب جداً {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَه}(آل عمران: من الآية28- 30) أليس هذا مرة ثانية {وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}(آل عمران: من الآية30) وبعضهم يقول: [تقيََّة نسكت لأجل نسلم شرهم] ليست الأمور بالشكل هذا يجب أن تعرف أنها مسألة دقيقة من الذي يقدرها؟ ليست قضية مزاجية لأي شخص التقية هذه، حالة استثنائية وقتية طارئة تحتاج إلى تقييم دقيق جداً يراعي كل الإعتبارات اعتبار الأمة والدين ولا يكون فيها ذرة من الهوى من أجله شخصياً ويضحي بالأمة والدين كم لها من ضوابط كثيرة ومن العجيب أن البعض من الناس المتعلمين ومن الناس العاديون يقولون: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}(آل عمران: من الآية28) [يسكت واحد ويترك أي عمل].
أما هذه فليست تقية أول شيء أنت غالط لم تعد تمثل تقاة بمعنى أنك ستسلم شرهم على الإطلاق تأمل هم الآن لا تجد منهم الآن خصلة يمكن أن تقي الناس شرهم إلا أن يجاهدوا، لم يعد من حل إلا هذه أن يرجعوا إلى الله، ويتمسكوا بكتاب الله، ويجاهدوهم في سبيل الله، هذه هي الطريقة الوحيدة التي تمثل وقاية.
هنا كيف الآية تذكر موضوع النفس التي يأتي تطانين من داخل، يصنفها من داخل نفسه وقال: [قد هي تقية] ما هو ذكر في الآيات هذه كلها صدور ونفس {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَه}(آل عمران: من الآية28) {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ}(آل عمران: من الآية29) {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً}(آل عمران: من الآية30) وبعد يقول {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَه}(آل عمران: من الآية30) تلك المساحة وليس أن تطلّع لك تطانين أخرى وفي الأخير تقول للناس: [من أجل المصلحة العامة ومن أجل الوطن ومن أجل أن نتقي ضربة كانت محتملة] وأشياء من هذه.
لاحظ هناك تقدم قبلها تلك الآيات السابقة: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ}(آل عمران: من الآية20) ثم يبين له الطرف الآخر إذاًً فالشيء الطبيعي أمام طرف من هذا النوع هو أن تنطلق لتضرب لأنه معرض للضربة أساساً، أليس معرضاً للضربة؟ هو طاغي، هو كافر، هو محارب لله ورسوله، ماضيه وحاضره كله سيئ، وليس أن تحاول تفكر كيف تتقي تقاة، وتقدم لي تقيََّة ليست تقيََّة على الإطلاق، ستكون هي خدمة للعدو! لهذا جاء من بعد عندما قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}(آل عمران:22) أليس هنا يقدم لك نقاط ضعف فيهم؟ تفكر كيف تواجههم كيف تضربهم.
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}(آل عمران: من الآية31) اليهود كانوا يقولون: {نحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}(المائدة: من الآية18) قال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ قُلْ أَطِيْعُوْا اللهَ}(آل عمران: من الآية31- 32) لأن الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بدينه لا يقوم على أساس قومية أو عنصرية معينة، وقد أصبح له موقف من جنس معين! موقف من ناس باعتبار ما هم عليه سيئين إذا كنتم ستتبعون كما قال هناك {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} يحببكم {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ} تصبحون مثل بقية عباد الله وأوليائه، تتخلون عما أنتم عليه.
أي ليس لهذا الدين، ولهذا القرآن موقف من جنس معين وإنما باعتبار ما عليه أيُّ ناس كانوا وإن كانوا من [قريش] وإن كانوا من [آل محمد] باعتبار ما هم عليه.
{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}(آل عمران:32) واضحة هذه هنا يقول لهم: {فَاتَّبِعُوْنِيْ يُحْبِبْكُمُ اللهُ} يقول له أيضاً: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} ليست كلمة فقط هكذا، لا يحب الكافرين، وراءها أشياء كثيرة، ماذا سيعمل بالكافرين هؤلاء الذين لا يحبهم؟ كيف سيعمل بهم؟ ألم يتحدّث سابقاً؟ {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}(آل عمران:22) كم لها من أشياء أعني كلها مواقف في الأخير يبتني عليها مواقف كثيرة.
إلى هنا، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.