سورة النساءالدرس الثامن عشر
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
في هذه الآيات كلام كثير حول اليهود، وحول أهل الكتاب بشكل عام، وحول المنافقين أيضاً. وبشكل عام كل هذه الآيات من أول ما سمعناه من [سورة البقرة] وإلى الآن تجد فيها التوجيه إلى أن يكون الإنسان مركزاً على أن يتفهم، أن يتفهم ما يقدم إليه. ووجدنا الصلاة أيضاً في مقامات كثيرة يأتي ذكرها سواء بشكل المحافظة عليها وإقامتها، وهنا يأتي ذكر الصلاة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}(النساء: من الآية43)؛ لأن الصلاة عبادة مقصود فيها ومن غاياتها أن يبقى الإنسان متذكراً فيكون في الصلاة يعلم ما يقول عندما يكبر، عندما يقرأ القرآن، عندما يسبح، إذا أدى الإنسان الصلاة وهو لا يعلم ما يقول لن يكون لها أثر في نفسه، أو يصلي بعد إمام للصلاة ولا يدري ما هي السورة التي قرأها الإمام.
الصلاة ذكر الله غايتها والشيء المهم فيها في قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}(طـه: من الآية14) لذكري، لذكر الله ولتتذكر الله لتكون ذاكراً في نفسك ومشاعرك، ذاكراً لله سبحانه وتعالى، وذكر الله هو الأساس بشكل عام لتقبل هداه وتفهم هداه والإلتزام بهداه. هو هنا ينبه المؤمنين على أن يكون الإنسان حريصاً وهو يصلي أن يعلم ما يقول ويتفهم ما يقول؛ ليحصل مما يقوله – وكلما يقوله بالطبع هو من ذكر الله سواء من القرآن أو التكبير أو التسبيح كله – ذكر لله يتذكر الله.
والصلاة لها دور كبير؛ ولهذا تجدها تذكر في مقامات متعددة يذكر طائفة من التشريعات ثم يذكر الصلاة؛ لأن المحافظة على الصلاة والغاية التي تتركها الصلاة في نفس الإنسان وهو ذكر الله قضية أساسية للحفاظ على بقية الأشياء. اختلفوا في موضوع: سكارى، هل سكارى من السكر، أو سكارى بمعنى: نائمين أو منعسين، المهم كيف ما كانت أن خلاصة الموضوع هو: أن يكون الإنسان عندما يدخل في الصلاة مركزاً على أن يعلم ما يقول، هذا هو المهم.
الصلاة عبادة لها أثر كبير في تطهير نفسية الإنسان؛ فيجب أن يكون الإنسان عندما يؤديها على طهارة، طهارة من الجنابة وطهارة من غيرها بالنسبة لفرجه وبدنه ولهذا قال بعد: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}(النساء: من الآية43) قضاء الحاجة الذي نسميه، {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً}(النساء: من الآية43) وهذا من تخفيف الله لعباده، تخفيف الله على الناس إذا لم يجد ماء فليتيمم، وعندما يقول: يتيمم لم يقل يتيمم بشيء هو نادر، {صَعِيداً طَيِّباً} التراب، والتراب هو أكثر موجود في الأرض التراب {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً}(النساء: من الآية43).
إذاً هنا فيما يتعلق بالصلاة مع الحديث عن أشياء هي مقدمات للصلاة، الطهارة سواء بالماء أو بالتراب، يركز أولاً على تذكير الناس كيف يجب أن يكونوا في الصلاة عندما يقول: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}(النساء: من الآية43) نلاحظ هكذا فقه القرآن، فقه القرآن فقه شامل يقدم القضية من شتى جوانبها لا يكون همه فقط هو: أن يذكر الأحكام فيها ويذكر السنن والمندوبات والهيئات وأشياء من هذه! يذكر المهم الرئيسي فيها: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}(النساء: من الآية43) سواء عندما تكون أنت من تقرأ عندما تكون تصلي فرادى أو تصلي في الصلاة السرية أو كأن تكون في صلاة جماعة ويكون إمام هو الذي يقرأ، الإنسان يستمع ليعلم ما يقول، ما يقول هو أو ما يقول إمام الصلاة. عندما يقول: {حتَّى تَعْلَمُوا}؛ لأنه أحياناً الإنسان يسمع ولا يعلم، أحياناً يقرأ ولا يعلم، لا يدري أحياناً إلا وهو في {وَلا الضَّالِّينَ}(الفاتحة: من الآية7)، وأحياناً يسمع الإمام ولا يدري ما هي السورة التي قرأها.
{تَعْلَمُوا} تعلموا، معنى تعلموا: تركز بذهنك وتوجه بذهنك، تعلم ما تقول أنت، أو ما يقول إمام الصلاة؛ لأن كل أذكار الصلاة هامة الصلاة عندما تقرأ فيها القرآن يجب عندما تقرأ القرآن أن تكون تعلم ما تقول عندما تسبح عندما تكبر كلها أذكار هامة أذكار عظيمة لها فوائد عظيمة جداً.
تجد الصلاة مع أنها في نفس الوقت عبادة يعبر فيها الإنسان عن خضوعه لله وهو يركع وهو يسجد، عن خضوعه لله، هذا شيء رئيسي فيها، من أجمل ما في الصلاة عندما تركع، وعندما تسجد، السجود هو علامة من أبرز علامات الخضوع، الخضوع الذي يؤدي إلى خضوع عملي الخضوع الذي هو التسليم الداخلي والخضوع العملي عندما تسجد؛ ولهذا كان أنسب ما يسجد الإنسان عليه أن يسجد على الأرض مباشرة أو أن يسجد على شيء له علاقة بالأرض وهذا فقهياً هو الذي يعتبره الكل ما بين واجب وبعضهم يعتبره هو أفضل.
لها إيحاءات كثيرة جداً، الصلاة، ومهمة جداً أعني: في الوقت الذي هي تعبير عن خضوعك لله هي قد تعطي صورة عن حالة الإنسان بشكل عام، في الحياة تأتي أحداث يكون فيها قائم، تأتي أحداث تركّعه، تأتي أحداث أحياناً تخضعه، وفي كل حالاته. بل تجد الصلاة حركاتها تقريباً من كل الحركات فيها ما هو قيام وركوع وسجود وجلسة معينة التي يتم بها الإعتدال فتكون مما تتذكر بأنه في كل حالاتك في كل ما يمر بك يجب أن تتذكر بأنك يجب أن تكون مرتبطاً بالله، وأنت في حالة الركوع تسبح للعظيم، لم يكن الله هو الذي يركعك للآخرين، فسبحان الله أن يكون هو الذي يركّعني للآخرين، ولكن أنا الذي قد أركّع نفسي، فأنزهه وأعتبر أنه هو العظيم الذي يجب أن أتوجه إليه ليرفعني من هذه الحالة.
لاحظ نبي الله يونس عندما ابتلعه الحوت وهو في بطن الحوت، أليست هذه كانت حالة صعبة جداً؟ أول ما انطلق أن ينـزه الله أن يكون هو الذي أوقعه في هذه هكذا، إنما من جهته هو. أنت عندما تعمل أعمالا قد يكون نتيجتها أن تعاقب بما يركعك بما يخضعك ويوقعك في مشكلة، في حالة السجود الإنسان يسبح الله: [سبحان الله الأعلى]، أليس الإنسان يسبح الأعلى؟ تتذكر أن هناك أعلى، مهما كانت وضعيتك، وأينما وصلت، وأينما أوصلك الزمن – إذا صحت العبارة – أو أوصل الناس تقصيرهم وتفريطهم، يجب أن يسبحوا الله وأنه الأعلى الذي يريد أن يكون أولياؤه أعلون يريد لأوليائه أن يكونوا أعلون، كما قال: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}(محمد: من الآية35) تسبح الله وترجع إلى الأعلى تنـزهه وتتذكر بأنه هو الأعلى الذي يجب أن تخضع له فلا تخضع لآخرين تسجد له ولا تسجد لآخرين.
هي هامة جداً وأذكارها هامة جداً وإيحاءاتها كثيرة جداً، ولاحظ أهمية التسبيح فيها فتجد التسبيح والتكبير بشكل واسع داخلها، إضافة إلى ما يقرأ فيها من القرآن في الركعتين الأولتين، في الركعتين الآخرتين فعلاً الأفضل هو التسبيح؛ ليكون الإنسان قد سبح الله في قيامه وركوعه وسجوده.
إذا كنا نحاول أن نعلم ما نقول عندما نصلي ونعلم ما نفعل ونحن نصلي، عندما أركع عندما أسجد عندما أعتدل عندما أقوم فسيكون للصلاة أثر كبير في نفس الإنسان، الصلاة توحي للإنسان بأنه ما يزال هناك أمل أمامه مهما أوقعته الظروف في أي وضعية كانت، أليس الناس أحياناً يقولون: [ركعه الزمن أو أخضعه كذا] هناك أمل في العظيم الكبير الأعلى وسيرفع الإنسان من أي وضعية يصل إليها عندما يرجع إليه، ومقدمة الرجوع إليه أن تسبحه أولاً، أن تنـزهه عن أن يكون هو هكذا في تدبيره – مثلما تقول – اعتباطاً، الذي أوصلك إلى هذه الحالة أو أوصل الناس إلى هذه الحالة، تسبحه، أنت الذي أوصلت نفسك وهو هنا يعطيك أملا أن ترجع إليه وسيرفعك.
ألم تكن أول كلمة، أو من أول الكلمات التي قالها نبي الله يونس وهو في بطن الحوت: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي} أنا وليس أنت {كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}(الأنبياء: من الآية87)؟ فالتسبيح في حد ذاته داخل الصلاة إذا كان الإنسان يعلم ما يقول فهو فعلاً يعطي صورة حقيقية بالنسبة لهذه الحياة ويعطي نظرة حقيقية إلى واقع هذه الحياة.
أنت لا تعتبر أنما يكون الناس فيه، وضعية سيئة هم فيها أنه الله، الله هو الذي جعل هذا، وهذه هي سنة من سننه طبع الحياة عليها هكذا! هذا غير صحيح، أليس هنا ينـزه؟ ولاحظ أنبياء الله ألم ينـزه يونس اللهَ من البداية؟ أي ليس هذا عبارة عن سنة من سننك سواء تحت عنوان: ابتلاءات مثلما يقولون: [إذا أحب الله المؤمن صب عليه البلاء صباً]! أبداً لها أسباب ولهذا جاء بعد: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}(النساء: من الآية79) بل آية قاطعة قبلها: {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} باعتبار أسباب من عندكم {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}(النساء: من الآية78).
ثم يوجه الخطاب إلى النبي نفسه (صلوات الله عليه وعلى آله) بأن ما أصابك من سيئة فمن نفسك، أي: البداية من عندك، الخطأ من عندك، الغلطة بدأت من عندك، السبب الرئيسي من عندك، يأتي هذا عقوبة، أو يأتي بأي شكل كان، لكن منشأ القضية وأساسها وأسبابها من عندك، فعندما تفهم العكس، تفهم بأنه هكذا: الله هو الذي جعل هذه الحالة، تركيع المؤمنين تركيع المسلمين إخضاعهم لأعدائهم إضعافهم تجهيلهم، هو هو الذي جعل هذه كسنة مثلما يقدمها البعض كدليل على أنك على الحق عندما تكون راكعاً على هذا النحو: أنت مستضعف ومقهور وذليل وغريب في هذه الحياة، إذاً نقول: هذا هو علامة أنك على الحق!. في المقدمة أن تسبح الله ثم ترجع أنت إلى نفسك فتقيِّم واقعك فتستغفر الله وتعرف أن الله هو يريد لعباده أن يكونوا هم الأعلون.
هذه الآية فيما يتعلق بمقدمات الصلاة، فيما يتعلق بالطهارة تعطي أساساً في التشريع أنه قائم على التخفيف، لم يجد ماءً فليتيمم بالتراب صعيداً طيباً، مع أن الصلاة عظيمة، أليست عظيمة؟ هل قال: إذا لم يجد ماءً فليبحث عن ماء ورد أو عن أي ماء يكون؛ لأن التراب لا يليق أو أشياء من هذه؟ لا، {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً}(النساء: من الآية43) التراب، عندما يوجه إلى أن يتيمم الإنسان عندما لا يجد ماءً معنى هذا أن له أثراً تطهيرياً، له أثر في التطهير.
ثم تجد الأشياء في موضوع إقامة عباداته إقامة دينه تجد أن مقدماتها هو يجعلها عادة مما هي متوفرة أو سهلة التناول، تجد الصلاة تقيس عليها حتى الجهاد نفسه، مقدمات الصلاة أن يكون هناك طهارة، الطهارة أليست من شيئين من أكثر الأشياء توفراً: الماء، والتراب؟ أليس الماء من أكثر الأشياء توفراً في الأرض والتراب من أكثر الأشياء توفراً في الأرض؟ فمع أهمية الصلاة، وأهمية أن تقيم الصلاة وأن تحافظ على الصلاة وأن تؤديها على هذا النحو: تعلم ما تقول، تأتي مقدمات لها والدخول في أدائها، في إقامتها، في أداء هذه العبادة الهامة، تراها مقدمات سهلة التناول ماء أو تراباً. ما هو الشيء الذي ربطه الله بحالات نادرة جداً تبحث عنها مثلاً زئبق أحمر أو أشياء نادرة جداً أو [بيضة ديك] هل هناك شيء من هذه في دين الله؟ تجدها كلها يقدمها عبارة عن عبادات هامة، ويجعل وسائلها مما بالإمكان أن يتناوله الناس.
تلاحظ في موضوع الجهاد، موضوع إقامة الدين ألم يقل هناك: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ}(الحديد: من الآية25)؟ ترى الحديد من أكثر الأشياء توفراً في الأرض بالقياس إلى المعادن الأخرى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}(الحديد: من الآية25). فعندما يقول: {كُونُوا أَنْصَارَاً لِلَّهِ}(الصف: من الآية14) ثم يكون المطلوب في أن تحقق نصراً لله هو أن تبحث عن زئبق أحمر، أو تبحث عن أشياء نادرة جداً جداً، قال هنا: الحديد، والحديد ملان الأرض، وهكذا تقيس عليه الأشياء الأخرى.
هذه نفسها تنسف المفاهيم المغلوطة حول المقدمات لأداء الأوامر الإلهية، العبادات بكلها، لاحظ في الجهاد أليسوا يقدمون لك قائمة من النادرات [ما معنا.. ولا جهدنا.. ولا.. ولا..] إلى آخره؟ أشياء كثيرة، لكن الله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}(الأنفال: من الآية60) ما استطعتم من قوة: ما كان في متناولك، أنت معك لسان عندك قدرة تتكلم تكلم، والكلام، الإعلام، المنطق يعتبر وسيلة هامة جداً من وسائل القوة، أنت عندك إمكانية أن تقاطع امتنع، لا تشتري. هل هي قضية صعبة أنك لا تشتري بضاعة أمريكية أو إسرائيلية؟ الحديد متوفر وفي الغالب تكون المعارك تراها ليست متوقفة على نوع واحد بل أرقى ما وصل إليه الإنسان لحد الآن هي: الأسلحة الذرية، جُمِّدت ما هي جمدت هناك؟ حصل تسابق إلى أن أدى في الأخير إلى تجميدها مكانها.
ترى المعارك تكون المعركة فيها الطائرة والدبابة وفيها المدفع وفيها البندق وفيها الخنجر أيضاً، أليس الجندي يحتاج الخنجر؟ فقل له: إذاً فأمامك الحديد، بحسب قدراتك وطور قدراتك أن تحصل على ما حصلت منه وهو كثير أعني: لاحظ هنا المقارنة بين نصر الله في إقامة دينه أن يجعل الوسيلة من الأشياء المتوفرة بشكل كبير في الأرض {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} كما هنا في الصلاة يجعل مقدمة من مقدمات إقامتها شيء متوفر في الأرض وهو الماء والتراب؛ لتكون عندك نظرة عامة، هكذا: بأن الله سبحانه وتعالى الذي يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(الحج: من الآية78) أن هذه سنة من سننه يجعل أشياء متوفرة، إنما قد يكون الإنسان هو هو الذي يجهل نفسه هو الذي يعلق الأمور بالمستحيلات يعمل له قائمة من المستحيلات ويعلق الأمور بها، وإلا فالأشياء متوفرة وفيها مجال لأن تطور خبراتك فيها، وتحصل على أسلحة متطورة من خلالها كما عمل الآخرون.
ثم لاحظ بساطة التشريع بساطته؛ ليلمس الإنسان الفارق بين تخريجات الفقهاء وتفريعاتهم وعباراتهم وبين أسلوب القرآن الكريم ولا يمكن أن تعتبر بحال بأن ذلك الأسلوب هو ضروري، تفصيلي، تفصيلي، بل تراهم عندما انشغلوا به أضاعوا الأشياء الهامة، كم ذكر في هذه الآية! آية واحدة ذكر فيها كيف تكون الصلاة وذكر الطهارة من الجنابة وذكر وأنت في حالة سفر وذكر وسائل الطهارة ماءً أو ترابا وبعبارة: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}(المائدة: من الآية6) أليست سريعة هذه؟ وانتهى الموضوع. لم يحتج إلى أن يقول: باب التيمم، بابٌ، وبابٌ تراه هناك، وأبواب أبواب كل واحد منها يخرج الناس مخرج! هذه الأبواب الحقيقية، هي هذه، هي أبواب يدخل الناس فيها وتغلقت لا يستطيع العدو إذا جاء يركلها، يبقون عاجزين حولها.
هو يترك المجال في حالات كثيرة كهذه للوضع الطبيعي للإنسان والفهم الطبيعي له {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}(المائدة: من الآية6) كل واحد يعرف وجهه، لا نحتاج نضع له حدوداً من شرق ومن غرب ومن جنوب وشمال، كل واحد عارف لوجهه وكل واحد عارف ليديه وكل واحد عارف للمسح ما هو، أليست قضية قريبة؟ تحاول تعطي رؤية منهجية أيضاً تعطي رؤية منهجية للناس للمعلمين للمرشدين يكونون هكذا هذا هو الأسلوب الصحيح وهو الأسلوب الذي بإمكانك على أساسه أن تقدم للناس الأشياء الكثيرة وهذا هو أسلوب القرآن يتحدث عن الجهاد والصلاة والصيام والزكاة والإنفاق والنكاح والطلاق كله في سورة واحدة وبسهولة يستوعبه الناس ويعرفه الناس.
عندما يقول لك: [أولاً اقرأ] تعال وأنت تقرأ باب بعد باب، فصل بعد فصل وترجيحات وأقوال وتفريعات وأشياء، كتاب تجلس فيه أربع سنين وما زال ما قد طابت نفسك، ما زال هناك بحور، باقي بحور وليس فقط هذا أو أشياء من هذه! هنا أنت تجد فعلاً بأنه عندما لم تؤخذ منهجية تعليم الناس من خلال القرآن الكريم أنه فعلاً حصل ضياع للأمة وضياع للأعمار وضياع للأجيال ضياع للناس، وهذا منشؤها: أنه ينسى الإنسان أن الله أعلم منه، هذه واحدة من المصائب فعلاً.
يجب أن تعرف أولا:ً بأن الله سيحاسبنا على كتابه، إذاً سنعمل بكتابه سواء كان قليلا أو كثيراً، سواء زائداً أو ناقصاً، لكن لا، هم يقولون: لا بد نزيد تفصيلات و… ولا تدري ومعك هناك عمل أربع سنين في كتاب واحد، أربع سنين تقضيها. أعني: أن هذا الأسلوب نعرف منه كيف تكون منهجيتنا التعليمية عندما ننطلق نعلم، ولاحظ كيف قدم بطريقة يمكنك أن تخاطب الناس بها، ما هو لازم أن يكون مع كل واحد كتاب حتى يكون طالبا والطالب هو فقط من لديه حقيبة مليئة بالكتب، هو طالب علم عندما يكون جالساً هنا يستمع إليك إذا أنت تقدم العلم بمنهجية صحيحة ستفيد الناس سيعرفون أشياء كثيرة بسرعة. تجد كيف ظهرت عبارات: [اتركوا الناس أولاً يقروا.. اتركونا أولاً نقرأ..!]، عندما نتحدث عن موضوع الجهاد مثلاً، عن موضوع مواجهة أعداء الله، [أولاً يبدع الناس يقروا..!].
إذاً عندما تقول لي: أولاً يقروا..! ضع لنا فترة محدودة، لكن سيتركه إلى أن يكمل هذا الكتاب وقال له: بقي.. وبقي.. وبقي.. في فن واحد، مثلاً: في الفقه بقي.. وبقي.. وبقي.. وشيَّب وما قد عمل شيئاً لا قد صحت الأشياء عنده ولا قدم للأمة شيئاً!! هنا في القرآن يقدمها كلها، أليس هو يقدمها كلها؟ وبشكل واسع جداً يقدم ما يعتبر له علاقة بالجانب الأخلاقي بالنسبة للإنسان، ويقدم له أيضاً ما يعتبر تقييما لأعدائه كيف هم، تقييما للمجتمعات كيف هي، ويقدم له الأمم الماضية، ويعطي صورة عن المستقبل، ويقدم له الحياة هذه، ويقدم له الآخرة، ويقدم له كل شيء في سياق واحد، كلها تراها في كتاب واحد قد يكفي الإنسان وهو يتفهمه، عندما يستعرضه يتلوه كم سيجلس واحد يتلوه؟ شهراً تقريباً وهو يتلوه تلاوة عادية أليس سيتلوه في شهر؟ كم سيفهم منه؟ أشياء كثيرة!.
ما جاء في القرآن الكريم: [أولاً نقرأ] ما ظهرت [أولاً نقرأ.. أولاً نقرأ] إلا عندما أصبحت الأشياء مطولة وأشياء مرهقة أشياء فعلاً تضيع عمرك، تضيع عمرك بكل ما تعنيه الكلمة وفي الأخير تضيع الأمة [أولاً.. وأولاً.. وأولاً..] حتى القرآن يقولون: [أولاً.. وأولاً.. أولاً تقرأ أصول فقه وتقرأ كذا، كذا..] وفي الأخير تبدي على القرآن الله أعلم متى سيكون!.
لاحظ الذين يسلكون الطريقة هذه لم يبدوا على القرآن إلا وقد أصبحوا أشخاصاً آخرين لم يعودوا على فطرتهم قد أصبح ينظر للقرآن من فوق وينظر إليه نظرة يحاول يحول القرآن على رؤيته التي قد هي حاصلة عنده من الأشياء التي قد قضى فيها سنين، عندما تقول له: أن هذا غلط، عنده أنه قد ضيع عمره فيها وقد هي غلط!؟ ضروري يشغلها قد قرأ كم سنين لم يعد مستعداً أن يضيعها قد أصبح مصمماً على أن يشتغل بها؛ لأن عنده أنه سيعتبر نفسه أنه قد تبخر علمه، قد هو فاضي، عندما تقول له: يكفي من هذه، أو لا نعتمد على هذه ونعتمد على القرآن.
لاحظ قال: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}(النساء: من الآية43) أليس الغسل معروفا؟ عندما يغتسل الإنسان يغتسل، معروف يغتسل، إذاً انتهى باب الفقه، ألم ينته؟.
يتحدث عن اليهود: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ}(النساء: من الآية44) الذين يقولون الآن: [لا، ما هو وقت هؤلاء، ليس وقت الآن، أولاً.. أولاً..] هو هذا القرآن تكلم عن هذا الموضوع وانتقل إلى هذا الموضوع وأمامك في دقيقة واحدة أو أقل، صلاة وغسل ووضوء أو تيمم وبعدها: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ}؛ لأن الناس بحاجة إلى هذه كلها يعرف الصلاة ويعرف الطهارة ويعرف اليهود والنصارى ويعرف كل شيء وهذه أفضل طريقة للناس أن يعرفوا، وهو أسلوب القرآن الكريم، والقرآن بالذات أن يخاطب به الناس هم.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ} يعني: قد أوتوا نصيباً من الكتاب ومع هذا تجدهم {يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ} يبيع الكتاب ويشتري به ضلالة، يستبدل ضلالة، إن هذه في حد ذاتها من مثارات الغرابة والعجب منهم؛ لأنهم أوتوا نصيباً من الكتاب وكان المفروض أن هذا الكتاب يترك أثره الطيب فيهم لكن لا. تجدهم نفسيات أخرى وتعامل مع الكتاب تعاملا آخر حتى أصبحوا يشترون به ضلالا ومن يشتري ضلالاً لن يصدر منه إلا ضلال.
{وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}(النساء: من الآية44) من هم هؤلاء الذين أوتوا نصيباً من الكتاب؟ أليسوا هم اليهود والنصارى؟ هذه ترد على من يقولون: هم أهل ديانات سماوية! يقول لك: هم أهل كتاب لكن لاحظ كيف طريقتهم، هم أهل كتاب لكن هكذا تعاملهم مع الكتاب اشتروا به ثمناً قليلاً استبدلوا به ضلالا، ثم تحركوا ليصدروا ضلالا {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}(النساء: من الآية44) يعني: أن تنظر إليهم؛ بأنهم وإن كانوا أهل كتاب أن لديهم ضلالا ولن يعطوا الناس إلا ضلالا ويريدون أن يضل الناس في كل سبيل {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} سبيل الحق في مجال هدى الله، في المجال الثقافي، في سبيل عزتكم، سبيل نموكم الإقتصادي، سبيل تطوركم، سبيل وحدة كلمتكم، كل السبل الصحيحة. يريدون أن نضل كذا، نضل وننصرف إلى ما هو ضلال إلى ما هو ضياع.
فيجب أن نفهم هذه كقاعدة: أنهم يريدون، والإنسان الذي يريد شيئاً عندما يتمكن من تنفيذه ينفذه، ما هذا شيء حاصل؟ عندما تراهم متمكنين إعلامياً مادياً متمكنين سياسياً نافذين فافهم بأن كل ما سيعملونه هو: أن يعملوا ما يريدونه وهو ماذا؟ أن تضلوا السبيل، كلمة ضلال مثلما قلنا: يجب أن نفهمها على معناها اللغوي على معناها العربي نترك المصطلحات الأخرى، الضلال معناه: الضياع، انظر إلى ما يريد الله أن يكون الناس عليه وإلى ما يريد لهم من خلال القرآن الكريم تجد أنه يريد لهم أن يكونوا هم الأعلون وهم الأعزاء، هم الأقوياء هم.. يعني: في كل مجال، الهدى له علاقة بكل المجالات التي هي خير للإنسان، فالضلال معناه: ضياع هذه كلها، الضياع في كل مجال من مجالات الخير للناس عندما يقدم مشاريع معينة يجب أن تنظر إليها على هذا النحو: أنه يريد أن تضل السبيل الصحيح في النظرة إليها وفي التعامل معها عندما يقدم لك مشروعا على أساس تقول: [هذا فاعل خير وناس طيبين وهم والله أحسن مننا وهم كذا، كذا..] إلى آخره، هنا ضليت السبيل سبيل ماذا؟ سبيل أن تنظر إليه هذه النظرة الحقيقية النظرة التي هو عليها لتعرف واقعه ولتعرف كيف تتعامل معه على أساس واقعه.
فيمكن أن يضلك سواء بكلمة جميلة أو بشيء يقدمه بخدمات يقدمها وهو يعلم ويحسب حسابات؛ لأنهم بخلاء يجب أن نعرف أنهم بخلاء والبخيل لا يقدم شيئا إلا وقد حسب ألف حساب لعائداته عليه، لا تتصور أنهم أمة عندهم روح الكرم مثل العرب، العرب معروفون بالكرم بالسخاء كقضية ثابتة لديهم أو عند معظمهم، أما اليهود فهم بخلاء، هم بخلاء فعلاً والبخيل لا يقدم شيئاً إلا وقد حسب ألف حساب لا يكون عطاؤه على أساس أنه كريم وسخي، وكيفما كان سواء استفاد أو لم يستفد؛ لأنه هنا يعتقد أنه ذكي.
نحن قلنا في الآية السابقة: أن واجب المؤمنين أن يشعروهم هم أنهم أذكياء، أننا أذكياء، وأننا نعرف واقعهم؛ لأنه يعتبر نفسه ذكياً من كل الجهات قدم مشروعاً هو عارف، المشروع هذا سنخدعهم به، ونخليهم ينظرون إلينا نظرة جيدة ويمكن لنا نحتل بلادهم ونهيمن على ثرواتهم وسنأخذ أضعاف أضعاف مثل هذا المشروع، بل سنستغل هذا المشروع لنا نحن لصالحنا سواء كان مشروعاً صحياً أو مشروعاً تربوياً وفي الأخير نكون قد خدعناهم ولم نخسر شيئاً، أليس هذا ذكاء؟ أليس ذكاء صدر من عندهم؟ ولهذا قلنا: أنهم ربما قد يكونون يضحكون فعلاً بعد كل خطط يعملونها ويجدونها نجحت ويلمسون أن الناس تأثروا بها، أنهم سيضحكون، ويعتبرون أنفسهم أذكياء يعتبرون أنفسهم نوابغ يعتبرون أنفسهم محنكين.
فوجَّه المسلمين أن يشعروهم بما يحبط كل هذه الأشياء في أنفسهم بما يجعلهم ينهزمون نفسياً بما يحسسهم أن الآخرين ما خُدعوا بهم وأنهم يعرفون واقعهم، على الرغم من كل ما عملوا وكل ما حاولوا أن يعملوه للناس.
{وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} أيَّ حالة عندما يقول كلمة تراها جميلة وتبدو أنها جميلة وجذابة أو عندما يعمل شيئاً يبدو وكأنه خدمة إنسانية، افهم – القضية مرتبطة بإيمان الإنسان بالله وثقته به أنه هو الذي يعلمهم ويعلم نفسياتهم ويعلم أهدافهم – أنهم يريدون أن تضل السبيل الصحيح، وكلمة: السبيل هنا كلمة عامة، مثل كلمة: الكتاب التي تأتي في بعض المواضع أي: الجنس، أي: السبيل، سبيل الخير، سبيل الحق وهو متعدد باعتبار الحالات أعني: ما هو السبيل الصحيح في موقفي من القضية الفلانية؟ ما هو السبيل الصحيح في مجال التثقيف؟ ما هو السبيل الصحيح في مجال التنمية الإقتصادية؟ ما هو السبيل الصحيح في مجال بناء الأمة وتوحيدها؟ أليس هنا يظهر سبيل، سبيل؟.
{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}(النساء: من الآية45) وهذه من النعمة الكبيرة على الناس إذا كنا نفهم وإذا كانت مداركنا محدودة والوسائل التي من خلالها نعلم ما لدى الآخرين محدودة لا يوجد عندنا أجهزة مخابرات دقيقة حتى نعرف ماذا يريدون وماذا يهدفون إليه وماذا.. وماذا.. أشياء مكلفة، الله سبحانه وتعالى يقول: هو يأتي يقدم المسألة على هذا النحو، فقط تتذكر وتفهم، ويقدمها بعبارات يفهمها الذكي ويفهمها الإنسان العادي: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}(النساء: من الآية44) أمسك بهذه أمام أي عمل تراه من جانبهم أمام أي كلام يقدم من جانبهم هم أو من يشتغلون متأثرين بهم؛ لأنه أحياناً يخدعون أناساً ثم في الأخير يشتغلون هم، يشتغلون هم لصالحهم!، فلأن الضلال قد يأتي أحياناً بطرق جذابة وخادعة وقد يحصل عند الإنسان تردد [كيف هؤلاء يريدون نعاديهم وهم هؤلاء قد بنوا مستشفى خمسين سريراً أو أكثر وخدمات عظيمة!] الله يقول: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}(النساء:من الآية45).
وفي موضوع الضلال قدم للناس في القرآن الكريم كيف يكون الضلال، أن الضلال عادة يحتاج يتقمص ثوب النصيحة والخير والحق وأشياء من هذه أليس هذا شيئاً واضحاً في القرآن تحدث عنه أكثر من مرة؟ وأنه قضية هامة جداً: أن نعرف كيف يتم الضلال حتى لا تبدو القضية عندك توجد لديك ارتيابا واضطرابا عندما تراهم يقدمون مشروعاً معيناً أو كلاما يبدو أنه كلام جميل، أنت اعرف هكذا الضلال يعمل، ما هناك أحد غبي من المضلين يقول: أنا أريد أهلكك أنا أريد أدمرك أنا أريد في هذا المشروع أن أخدعك من أجل أحتل بلادك، هل يمكن أن يقول هكذا؟ لا يمكن هذا، بل سيقول: خدمة إنسانية وتعاون مع المجتمع وتنمية المجتمع وأشياء من هذه، الله يقول: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}(النساء: من الآية45) إذاً فلنثق به هو أعلم بهم وهو قدم لنا ما يريدون، وهذا من أدق الأشياء من أدق الأشياء أن يقدم لك ما يريدون عندما يقول: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}(النساء: من الآية44) أعتبره تقريراً شاملاً عن هذا العدو تقريراً شاملاً بمعنى أن كل تحركاته ستكون بأن يضيّع هذه الأمة بأن يضيّع الناس يجعل الأمة منحطة أمة متلاشية أمة متخلفة أمة لا تقوم لها قائمة.
تجد من الصعب في مجال مراقبة الأعداء لبعضهم بعض يمكن يتحرك تحركا معينا ويقول: هو لا يريد كذا، هذه حصلت أثناء نشوب الحرب الباردة ما بين [الإتحاد السوفيتي] و[الغرب وأمريكا] فيكون أهم شيء لدى المخابرات أن يعرفوا ماذا يريد. هنا الله أعطانا التقرير الرئيسي أو القضية الرئيسية في الموضوع: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}(النساء: من الآية44) فليتحرك كيفما يريد اعرف بأن كل حركته ستكون في مجال أن يضل الناس، لست بحاجة أن تحاول أن تعرف موضوع أساليبه إلا لتعرف في الصورة كيف تجيب عليه كيف ترد عليه كيف تواجهه، أما أن تنظر إليه أنه يمكن أن يتحرك تحركا خيريا، أو تحركا لا يحمل معه نوايا سيئة هذه القضية قد هي محسومة {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}(النساء: من الآية44) بمعنى أنه أيّ تحرك تراه لديك وهو حتى يطور بلاده وهو يطور آلياته، افهم بأنه في الأخير سيتجه إليك ويضيّعك.
هو أعطانا في هذا التقرير أو القضية الهامة التي يبحث عنها الآخرون، المخابرات ضد بعضهم بعض في الصراع ما بين الدول يخسرون الكثير من الأشياء من أجل هذا من أجل أن يعرف ماذا يريدون ولا يرى أمامه إلا أشياء يقيّم عليها، تكهنات فقط واحتمالات أنهم يريدون كذا، احتمالات أنهم يريدون كذا بعد ما يسرد قائمة معينة من المعلومات أو تحركات معينة، فيحاول أن يستخلص منها أنهم ربما يريدون كذا، وهنا الله قال لنا: {وَيُرِيدُونَ} من البداية {أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً}(النساء:44-45).
لاحظ كيف هنا يقدم معلومات وافية وفي نفس الوقت يقول: يجب على الناس أن يعتمدوا عليه وأن يلتجئوا إليه وأن يهتدوا بهديه وأن يتولوه وينتصروا به {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً مِنَ الَّذِينَ هَادُوا}(النساء: من الآية46) {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}(النساء: من الآية45) {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا}(النساء: من الآية46)، فلأهمية الموضوع هذا مظهر من مظاهر رحمة الله سبحانه وتعالى أن يبادر إلى أن يشعر الناس بأنه هو وليهم فلينتصروا به وكفى به ولياً وكفى به نصيراً، يأتي بها داخل الكلام نفسه ما بين كلمة أعدائكم، ومن الذين هادوا، أليس أصلها هكذا الكلمة؟ {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ… مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} أن تأتي في هذا المقام للأهمية وفي نفس الوقت أن تعلم أنه ولي وناصر من الأعداء الذين هو يعلمهم وهو ولي وناصر يكفيكهم إذا سار الناس على هديه وتولوه وانتصروا به واعتصموا به.
{وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً}(النساء: من الآية45) لا تبحثوا عن غيره، هنا عندما يقدم لك وليا وكافيا فلتتجهوا إليه لستم بحاجة إلى أن تتجهوا إلى أي أطراف أخرى، أن تبحثوا عن الصين أو تبحثوا عن روسيا أو تبحثوا عن أي جهة، مثلما يعمل العرب الآن، اتجهوا إليه واكتفوا به ولياً لكم وناصراً لكم {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ…. مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}(النساء: من الآية46).
عندما يقول: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} يقول لك هذا العدو – وفعلاً هم يعتمدون على مسألة التحريف للحقائق – يقول لك أنه يريد المصلحة لبلدك وهو يريد نهب ثرواتها {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} وقس عليه تحريف الأشياء عن حقائقها تحريف أمامك يقدم شيئاً وواقعه شيء آخر في مقاصده يقدم لك كلاما معسولا وواقعه يريد لك الضلال يريد لك الشر.
ثم عندما تجد بأنهم هكذا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، وترى هكذا تعاملهم مع الله سبحانه وتعالى، يجب أن تفهم بأن من هكذا تعاملهم مع الله فلا يمكن أن يراعي معك أي شيء، لا يمكن أن يراعي معك أي عهد ولا ميثاق ولا ينظر إليك نظرة جيدة؛ لأنه هكذا نظرتهم إلى الله، هل يمكن أن يستحي من الإنسان وهو لا يستحي من الله؟ هل يمكن أن يلتزم مع الإنسان وهو لا يلتزم مع الله؟ هل يمكن أن يلتزم بميثاق مع الناس وهو لا يلتزم بميثاق الله؟.
{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ}(النساء: من الآية46) أيضاً يقولون للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي قد عرفوه كما يعرفون أبناءهم: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} [لا سمعت] مثلما نقول دعوة عليه يعني: [اسمع صنجوا أذانك] مثلما نقول، ألسنا نقول هكذا في عباراتنا؟.
{وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ}(النساء: من الآية46) استخدام كلمة: راعنا وهي كلمة عربية مفردة عربية معناها معروف معناها: أمهلنا أو انظرنا، يحاول يطلع لها معناً سيئاً من عنده، يستخدمها مصحوبة بهذا المعنى السيئ، وهذا مما يدل على أنه هكذا عداوتهم، يحاول بأي طريقة حتى كلمة إذا يمكن يحولها عن معناها الطبيعي تصبح كلمة سب سيستخدمها بمعناها السيئ ما بالك باستخدام أشياء أخرى، شيء ممكن يستخدمه مهما كان يبدو بسيطاً، كلمة يحولها بمعنى سيئ سيستخدمها.
{لَيَّاً بِأَلْسِنَتِهِم} يلوون ألسنتهم على طريقة: يحرفون على طريقة التحريف، {وَطَعْنَاً فِي الدِّينِ} الطعن في النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما يستخدمون معه مفردة كهذه وهو يوجه وهو يهدي، يعتبر طعنا في الدين، فعندما تسمع منهم كلاما الآن ضد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) إعتقد بأنه هو طعن في الدين؛ لأنه ليس موقفهم من النبي إلا لهذا الدين الذي جاء به، هل لهم موقف آخر منه إلا لأنه رسول لله ولأنه أنزل عليه كتاب الله ولأنه دعاهم إلى أن يؤمنوا به؟ هم كما قال هنا: {وَطَعْناً فِي الدِّين}.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً}(النساء: من الآية46) إما إيماناً جزئياً، أو إيماناً عند القليل منهم، يؤمن قليل منهم، وهذا ما وقع، المؤمنون منهم قليل بالنسبة لمن بقوا على خبثهم ويهودتهم، هم قليل.
هنا يوضح كيف أن عداوتهم ليست عداوة تعتبرها قد تكون في حالة معينة أو في ظرف معين أو.. عداوة لديهم ثابتة وعداوة متجهة إلى الناس؛ لأنهم يدينون بهذا الدين؛ لأنهم يريدون للناس أن يضلوا كما قال في آية أخرى: {حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}(البقرة: من الآية109) فهذا يعطي الناس أن يكون لديهم موقف ثابت من أهل الكتاب، موقف ثابت أعني: يقوم على هذه الرؤية: أنهم يحملون نفوساً عدائية يحملون حقداً يحملون غيضاً شديداً يحملون غلاً، وليس فقط لشيء معين جاء من عندك؛ لأنك مسلم لا يفرع فيك منهم إلا أن تكون – كما يريدون هم – ضالاً تضل السبيل هنا سيرتاحون، أو تريد أن يرضوا عنك، تترك ملتك تترك هذا الدين وتتبع ملتهم، وما هي ملتهم؟ يصبح الإنسان من هذه النوعية، أليس هذا أسوء شيء؟ إن الله قدم صوره عنهم عن واقعهم عن أعمالهم عن مقاصدهم عن نظرتهم إلى البشر بالشكل الذي لا يمكن للإنسان على الإطلاق حتى لو لم يكن صاحب دين نهائياً لو لم يحمل ديناً أن يكون كمثلهم، يجب أن لا تقبل على الإطلاق حتى لو ما هناك دين نهائياً؛ لأن هذه نوعية سيئة جداً يعمل الإنسان على أن يترفع بنفسه ويربأ بنفسه عن أن يكون كمثلهم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}(النساء:47) لاحظ هنا كيف الموقف منهم وفي شرح ما هم عليه وفي توجيه المؤمنين كيف ينظرون إليهم، لا ينسى موضوع دعوتهم، دعوتهم إلى أن يؤمنوا بهذا الكتاب ويؤمنوا بالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وفيها تهديد هنا: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ}(النساء: من الآية47) أصحاب السبت كأنهم الذين اعتدوا في السبت جعل منهم قردة وخنازير، وهذا معنى اللعنة، يعني: أن اللعنة من جهة الله تعني ماذا؟ إيقاع عقوبة إيقاع خزي على من يقضي بأن يلعنهم وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير وغالب على أمره {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً} يستطيع أن ينفذ ما هدد به وتوعد.
معنى هذا: أن الناس مهما كانوا في مواجهتهم لا بد أن يرفقوا في عملهم دعوة لهم دعوة لهم وتهديداً لما هددهم الله به ترفق دعوة لهم وتهديداً بما هددهم الله به، وشيء أساسي في الدعوة أن تقول لهم: هذا القرآن فاطلعوا عليه، أساسي في الدعوة، نفس القرآن الكريم في حد ذاته أن يقال لهم: اطلعوا عليه تدبروا آياته تأملوه يعتبر في حد ذاته دعوة لهم ودعوة شاملة. تكون هذه القضية هامة، يعتقد الناس – خاصة من هم في هذا الإتجاه – ما بدوا في الصورة بوسائل يمكننا أن ندعوهم ونوجه خطابات إليهم ولا نذكرهم على نفس هذه الطريقة القرآنية، لا يوجد لدينا لا قنوات فضائية ولا إذاعات ولا مجلات ولا صحف ولا شيء، لكن وجود القرآن وهو منتشر وبإمكانهم أن يطلعوا عليه يعتبر في حد ذاته دعوة كاملة.
وهذه القضية هي أيضاً مثلما قلنا سابقاً عند قول الله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً}(آل عمران: من الآية113) إنه تذكر الناس بموقفهم الرئيسي، وهو: أنهم من أجل الله وفي سبيل الله وأنصار لدينه فلا يطغى في مشاعرهم مواقف معينة دون ماذا؟ أن يذكروا بمهمتهم الرئيسية. هذه لها أثر حتى عند العدو نفسه لها أثر عند العدو نفسه، أن موقفك هو هذا الموقف: أنك تريد منه أن يؤمن وأنت تدعوه إلى أن يؤمن ومتى ما آمن فله ما لك وعليه ما عليك، ولا تتم هذه إلا إذا كانت حركة الناس دينية وفي سبيل الله وعلى أساس كتابه، وإلا تحت عناوين أخرى لا تستطيع، مثلاً تحت عنوان: وطنية أو قومية، لا تستطيع أن تقول لليهود: أن كونوا عرباً أو كونوا يمنيين هل تستطيع؟ وقضية ليست مقبولة، لكن هنا عندما يكون العمل في سبيل الله وعمل لإعلاء كلمته ونصره فيمكن أن تسلك نفس الطريقة هذه، فيكون موقفك هو هذا الموقف في نفسيتك: أنك أن تتحرك من أجل الله وفي سبيله مهما كنت قوياً عليهم فأنت أيضاً تدعوهم إلى أن يؤمنوا بالله وبرسوله وبكتابه.
{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}(النساء: من الآية48) هذه الآية ما يزال لها أيضاً ارتباط بموضوع اليهود بموضوع أهل الكتاب، ليست آية لوحـدها، يأتي واحد يأخذها لوحدها، لاحظ عندما واحد يتأمل في القرآن الكريم تجد فيه بأن الناس يختلفون في مواقفهم، حتى داخل الصف الكافر نفسه هناك قال: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}(آل عمران: من الآية 128-129) عندما ذكر عن اليهود {وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ}(النساء: من الآية46)؛ لأن لديهم أشياء هي لا تغفر فهو يذكرهم بمعنى ماذا؟ لا يغتفر لهم فيهدوا؛ لأن هذا موضوع آخر داخل الآخرين، قضية ثانية النفوس تختلف المواقف تختلف والرؤى تختلف، وقد يكون ناس من الكفار يمكن أن يهديهم الله ليسلموا وأناس لا يمكن أن يهتدي على الإطلاق، لا يوفق على الإطلاق إلى أن يستجيب للهدى فيسلم.
فاليهود لديهم أشياء شركية متشبثين بها ومصبوغة بصبغة دينية، هذه قضية خطيرة من أخطر الأشياء، عندما تكون الأشياء سيئة معتقدات ثقافة وتصبغ بصبغة دينية وتنسب إلى الله، هنا تشكل عائقا خطيراً جداً لا يتزحزح، في الغالب ما يتزحزح.
فعندما توعدهم: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}(النساء: من الآية 47-48) هنا حصل خلاف فيما بين العدلية والمجبرة الذين عندهم عقيدة: أن الله يغفر كل شيء فقط لا تكون مشركاً بالله! افهم، يجب أن تفهم سياق الآية، يجب أن تفهم نظائرها في القرآن يجب أن تعرف التوبة كيف هي آيات كثيرة جداً، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}(النساء: من الآية48) معناه: سيلعنهم كما لعن أصحاب السبت، وهكذا كانوا، لعنهم، {وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً}(النساء: من الآية46) هكذا ماذا؟ {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}(النساء: من الآية48) لديهم اعتقادات شركية مصبوغة بصبغة دينية متشبثين بها ويكون لها هذا الأثر الذي لا يمكن بسببه أن يهتدوا ولا يتوفقوا.
حصل آيات شبيهة بهذه مع الكافرين {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}(الأنفال: من الآية38)؛ لأنه في قضايا يمكن يغفر، نفس الموضوع لا يعاقب على نفس القضية تلك التي قد انتهى عنها {وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}(الأنفال: من الآية38) ما معنى المغفرة؟ المغفرة هي قد تكون على قضية معينة، بل داخل أمة معينة لو لم يكونوا قد أسلموا غفرت لهم فلم يعاقبوا عليها، لم يعاقبوا عليها، ليس معنى المغفرة هنا: مغفرة الذنوب كلها داخل إطار المسلمين في الأخير تطلع النتيجة بأن كل معصية يعملها الإنسان مغفورة وكل الكبائر مغفورة إلا أن يشرك به!! هذه عقيدة غير صحيحة؛ لأن الشرك بكله إنما كان كبيرة؛ لأنه يمثل صداً عن أن تلتزم بهدى الله ودينه، الشرك بكله إنما كان كبيرة لأنه في الأخير يجعل الإنسان بعيدا عن ما هو من جهة الله عن أن يقبل هدى الله أن يتقبله، هنا اعتبر كبيرة. كيف تقدم الشرك فقط بأنك إذا لم تكن مشركا فكل الذنوب تغفر لك بمعنى ماذا؟ أنك إذا أنت غير مشرك فلك أن لا تلتزم بشيء! أليس معناه هكذا؟! إنما كان الشرك كبيرة لأنه يحول بين الإنسان وبين أن يلتزم بما هو من عند الله.
{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}(النساء:48-49) تقدم من خلال آيات كثيرة داخل القرآن الكريم: أن الإنسان يجب أن يكون دائم الرجوع إلى الله والإلتجاء إلى الله، ويعترف بالتقصير وبالنقص أمام ما ينبغي لله سبحانه وتعالى، ويرجو دائماً، يكون راجياً لله يقول: [إن شاء الله أنه يوفقنا وأن يغفر لنا وأن نكون طيبين وأن نكون مؤمنين وأن نكون صالحين…] وهكذا.
{بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}(النساء: من الآية49) هذا مما يمكن أن نفهمه: أن الإنسان لا ينفرد بنفسه فيصبح يعتبر نفسه قد وصل إلى مستوى: أنْ ما يحول بينه وبين دخول الجنة إلا أن تقوم القيامة فقط وتفتح له أبواب السماء وأبواب الجنة! يجب أن يكون يستشعر بأنه ماذا؟ بأنه مقصر أمام الله وأنه بحاجة إلى رعاية الله وبحاجة إلى توفيق الله.
اليهود كانوا هم يزكون أنفسهم مثلما قالوا هناك: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}(المائدة: من الآية18) {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى}(البقرة: من الآية111) وأشياء من هذه، يحكمون لأنفسهم بهذه، وتكون بالشكل الذي ماذا؟ في مواجهة هدى الله في مواجهة نبي الله وكتاب الله، {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}(النساء: من الآية49) فيجب أن تقبل ما يأتي من جانبه؛ لأنه هو الذي هو تزكية لك.
{انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً}(النساء:50) عندما يقول: {انْظُرْ} في موضوع يتعلق باليهود؛ لأن معناه قد علم أشياء كثيرة من جانبهم مما يحكمون بها لأنفسهم بأنهم زاكون وأنهم مهتدون وأنهم.. وأنهم.. إلى آخر ما يدعون لأنفسهم، وفي نفس الوقت يستخدمونها في مواجهة ما هو من عند الله، والله هو الذي يزكي عباده، هي هذه الطريق، فيهديهم، فمن اهتدى قد يوفقه.
فكلما يدعونه في الأخير يكون افتراءً على الله عندما يقولون: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}(المائدة: من الآية18) أليس هذا افتراءً على الله؟ ولهذا قال هنا: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}(المائدة: من الآية18) رد عليهم: بأنه ليست القضية بهذا الشكل {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}(المائدة: من الآية18).
{انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}(النساء: من الآية50) وفي أعمالهم أشياء كثيرة مما يقدمونها من المعتقدات، عندما يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون: هذا من عند الله، عندما يحرفون كلام الله، أشياء كثيرة تعتبر في الأخير افتراءً على الله، {وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً}(النساء: من الآية50) أي من أكبر الجرائم: الإفتراء على الله، نعوذ بالله.
قد يكون هناك حالات مشابهة لهذه في داخل المسلمين، أحياناً تأتي قائمة من الأشياء يرتبها بعض الناس وفي الأخير يقول لك: لا، نحن سائرون على هذه الطريقة، في مواجهة أن تقول له: نعود إلى كتاب الله ونقيِّم أنفسنا ونقيِّم ما لدينا على أساس كتاب الله يقول: أبداً نحن متمسكون بالسلف الصالح ونحن على ما عليه السلف الصالح، وأولئك قالوا: نحن على ما عليه أهل البيت، وهذا هو تراث أهل البيت، وعلوم أهل البيت، وهكذا… عندما تقول: يجب أن نرجع إلى كتاب الله ونعطيه أولوية مطلقة ونهتدي به، ونقيِّم ما لدينا على أساسه ونستفيد من هذه الأحداث التي نحن نعاصرها ونستفيد من التاريخ أيضاً، نعرف كيف كانت النتائج السيئة بسبب أن هذه بعيدة عن كتاب الله، هذه الأشياء التي نحن نتشبث بها.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}(النساء: من الآية50) لاحظ هذه الآية، مثلما قلنا سابقاً عندما يقول: {الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ} وتعرف كتب الله من خلال معرفتك بالقرآن نفسه؛ لأن كتب الله تكون هدى ورحمة وبيان وموعظة ونور وشفاء ومع هذا تجد كيف أصبحوا؛ لأنهم ابتعدوا عنها وحرفوها وسلكوا طريقة أخرى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}(النساء: من الآية50) أليست كتب الله مما يهدي الناس ليبتعدوا عن الجبت والطاغوت؟ وبدل أن يؤمنوا بكتاب الله ويؤمنوا برسوله، يؤمنون بالجبت والطاغوت؛ لأنه هكذا طريقتهم: {يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ}(النساء: من الآية44) كما قال في الآية السابقة.
ما عندهم إيمان فيما يسمى بالعدل وقيم عدالة وأشياء من هذه التي يرفعونها شعارات، تجد أنهم يرفعون الشعارات هذه وهم في نفس الوقت يتدخلون في شؤون الشعوب هذه ويضعون عليها حكاماً طواغيت، هم؛ لأنه قضية عنده عادية، مؤمنون بالجبت والطاغوت ويعمل طواغيت، من أجل ماذا؟ تتحقق له أهدافه، فمَنهم مؤمنون بالجبت والطاغوت لا يمكن أن يبحثوا عن عدل للناس وأنظمة عادلة للناس ونظام عادل للناس على الإطلاق، ولا أشخاص عادلين، هذه قضية مثلما قال عنهم سابقاً: {يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}(النساء: من الآية44) من هو مشتري للضلالة لا يمكن أن يكون يريد للناس الحق والصواب وهو نفسه يبحث عن الضلال بحثا، هو فقط سيقدم ضلالا، وهنا سيقدم جبت وطاغوت سواء داخلي أو خارجي.
{وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً}(النساء: من الآية50) لاحظ كيف العبارة هذه سيئة جداً؛ لأن هذه الكلمة قالوها للمشركين عندما سألهم الكافرون: من أهدى نحن أم محمد؟ كانوا يحاولون يستثيرونهم على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، قالوا: بل أنتم أهدى! وهم يعرفون هم، بأن هؤلاء مشركون يعبدون أصناماً ويعرفون بأنهم ضالون وأن محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) أهدى منهم، لو لم يكن إلا في هذه النقطة: في توحيده لله، ومع هذا يقولون للمشركين: أنتم أهدى من محمد، أليس هذا إيمانا بالجبت والطاغوت؟.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ}(النساء: من الآية52)؛ لأنها قضية كبيرة هذه {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً}(النساء:52) من يلعنه الله من ينـزل عليه لعنته فلن تجد له نصيراً، وفعلاً ألم يضربوا من قالوا هذه؟ اليهود ضربوا في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هم ومن قالوا بأنهم أهدى من محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، هذه تكشف لنا بأنهم لا يراعون أيَّ شيء، يعني: عندهم قاعدة يسمونها: [الغاية تبرر الوسيلة] عنده هدف معين سيسلك أي طريقة كيفما كانت ولو بأن يقول لمشركين هو يعرف أنهم ضالين ومشركين ولو بأن يقول: أنتم أهدى من محمد، أليس هذا يعني: بأنهم لا يراعون أي قيم على الإطلاق؟ لا يراعون أي قيم ولا مبادئ ولا أي شيء في سبيل تحقيق أهدافهم، من يكونون على هذا النحو لا تتوقع منهم أن يقدموا قيم جيدة أن يأتوا ببدائل جيدة على الإطلاق.
{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً}(النساء:53) بخلاء هم دائماً، وعندما يكون لهم نصيب من الملك، لو حصل لديهم سيطرة، لو حصل لهم دولة لن يعطوا الآخرين شيئاً منها.
هذه ظهرت في تعاملهم مع الفلسطينيين، كم قد لعبوا بالفلسطينيين يوعدونهم بأنهم سيعطونهم حكماً ذاتياً ودولة مستقلة وسلطة فلسطينية وهي كذب، إذاً {لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرا} والنقير: كأنه الحبة التي تكون في طرف عجمة التمر، النواة، تلك الحبة الصغيرة، أقل قليل لا يعطونه، هذا واضح في تعاملهم مع الفلسطينيين، أليست قضية الآن واضحة أمام الناس؟ كم مضى عليهم وهم متفاوضون معهم ومتوهون لهم ومماطلون لهم؟ سنين وهم موعدون لهم مثلما تقول بماذا؟ بـ[خبز الشمس] لم يعطوهم شيئاً، لو أنهم يرجعون إلى القرآن الكريم لعرفوا بأن هؤلاء لا يمكن أن يعطونا شيئاً من جهة أنفسهم، إلا بأن نأخذ نحن حقنا، لأن نحرر أوطاننا منهم وعندما لا تقوم رؤية الناس على هذا الأساس سيأتي أشياء عملية سيئة.
عندما كانت [منظمة التحرير الفلسطينية] عندها بأنه يمكن أن يحصلوا على دولة وسلطة هم والكثير من المثقفين في فلسطين أصبحوا ينظرون إلى من يجاهدون نظرة بأنهم أناس مغفلون أعاقوا طريق السلام أعاقوا إقامة دولة فلسطينية أعاقوا أن تتحقق لنا سلطة فلسطينية مستقلة، وفي الأخير يعملون ضد أصحابهم بعنف وقسوة يخطؤنهم وعندهم: غلط العمليات هذه التي تعملونها، والمواجهة المسلحة غلط، أنتم تعيقون عملية إقامة دولة فلسطينية من جانب الإسرائيليين، يمنحوننا على أساس التفاوض وأخذ ورد! أعني: لا تكون المسألة أن واحد غلط فقط؛ لأن الغلط في الأخير يقوم عليه أعمال كثيرة خطأ.
{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} (النساء:54) يعني: هذه النفسية السابقة التي قال عنها: يؤمنون بالجبت والطاغوت ويشترون الضلالة ويقولون للذين كفروا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً، هؤلاء هم هكذا: لو أن الملك لهم لن يؤتوا الناس نقيراً، بل هم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} بمعنى: بل هم يحسدون الناس {عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}(النساء: من الآية54) لأن هذا الدين القرآن الكريم والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يعتبر نعمة كبيرة جداً؛ ولهذا الله يذكّر الناس بالقرآن بأنه نعمة كبيرة ويذكرهم بالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) بأنه نعمة كبيرة {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(آل عمران: من الآية164).
وأهل الكتاب هم يعرفون في تاريخهم قيمة الدين، قيمته، قيمة الحق، كيف أنه يبني أمة تكون على أرقى مستوى تكون أقوى أمة، أصبحوا حاسدين، هم ما أصبحوا حاسدين إلا لأن الناس أوتوا شيئا صحيحا أوتوا شيئا يعتبر بالنسبة لهم نعمة كبيرة، وفي نفس الوقت لماذا لم يكن النبي منهم – كما يقولون – لماذا لم يأتِ النبي منهم، هذا المقولة هم يقولونها، لكن قد جاء أنبياء منهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون. هنا يقدم المسألة: الملك، الفضل هو بيد الله وقد أعطاهم من قبل وهم الذين تخلوا وهم الذين أصبحوا يتعاملون مع أنبياء الله بالتكذيب والقتل ويتعاملون مع كتب الله بالتحريف ويشترون بها الضلالة ويشترون بها ثمناً قليلاً، فالفضل هو لله هو بيد الله والملك هو لله والأمر والحكم هو لله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً}(النساء:54-55) عندما يقول: {فَقَدْ آتَيْنَا} يعني: أن الملك له والأمر والنهي والحكم له.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً}(النساء:56) لاحظ هنا كيف يتكرر الوعيد من جهة الله سبحانه بالنسبة للكافرين، منافقين، فاسقين داخل الآيات التي فيها بيان وفيها دعوة لهم إلى الهدى وفيها شرح لواقعهم وضلالهم أيضاً يأتي بالوعيد، أعني: هذه قضية هامة، لا يكون فقط حديث عن أن الآخر موقفه ضلال وضلال إلى آخره.. بل تذكِّر أيضاً بعاقبة الضلال الذي هو عليه، هذه لها أثر نفسي كبير {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً}(النساء: من الآية56) وهنا صرح بعبارة: {كَفَرُوا بِآيَاتِنَا} مثلما قال هناك: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ}(النساء: من الآية55) لأن الصدّ عنه كفر بآيات الله.
{سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} نعوذ بالله {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}(النساء: من الآية56-57) لاحظ قيمة الترغيب، مع أن يأتي ترهيب على هذا النحو الكبير يأتي بترغيب؛ لأنه هنا يكون للترغيب موقعه في النفس بعد أن يذكر بأن الكافرين هكذا عذابهم: {سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا}(النساء: من الآية56) يأتي بعدها بما وعد به المؤمنين، هنا سيكون من خلال المقارنة ما بين ما وُعِد به الكافرون وما وعد به المؤمنون يصبح للوعد الإلهي الذي هو الجنة أثر كبير في نفسك وقيمة تتجلى من خلال المقارنة {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً}(النساء:57).
ودائماً يذكر عندما يأتي بالحديث عن الجنة وعن المؤمنين وما وعدوا به يذكر أشياء أحياناً يذكر مساكن، أحياناً يذكر أزواجا أحياناً متكئين على الأرائك، بعبارات كثيرة، قد يكون هنا مسألة: أزواج مطهرة، أن اليهود الذين ذكر الله بأنهم أعداء، وأعداء يعملون كل شيء في سبيل أن يحققوا أهدافهم، أنهم قد لا يتحاشوا أن يستخدموا بناتهم ونساءهم، مثلما يحصل، وهذا ما يحصل منهم مع عملائهم، يحصل إغراءات بما فيها النساء. هي تحذير للناس المؤمنين وأن يفهم الإنسان بأنه أن يقدم لك اليهود [قحبة] من القحاب قد تكون تشتغل معك وتشتغل مع غيرك، ليست طاهرة وليست شيء بالنسبة لنساء الجنة، أن يكون حريصاً أن يواجههم وأن يبتعد عن ضلالهم ويبتعد عن خداعهم ويبتعد عن إغراءاتهم مهما كانت، وهناك الثواب العظيم عند الله جنات تجري من تحتها الأنهار ولهم فيها أزواج مطهرة، لا فيها [إيدز] ولا هي [قحبة] وكل مرة مع عميل، حور عين، كما وصف في كثير من الآيات {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ}(الصافات:49) كأنهن الياقوت والمرجان {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً}(النساء: من الآية57).
إذا كان قد يوفر لك غرفة في فندق، عندما يقرأ واحد عن العملاء يحصل لهم أحياناً، يستأجرون له شقة في فندق راقي ويعطونه قحبة من القحاب وهنا يشعر وكأنه في ظل ظليل! لا، تجد هناك جهنم؛ لأنك عندما تكون على هذا النحو معناه أنك كافر بآيات الله، الآيات التي تبين لك هذه الفئة في ضلالها فيما تريده للبشر، في خبثها في تعاملها مع الله وتعاملها مع عباده، هنا سيكون مصيرك مثلما قال: {سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً}(النساء: من الآية56) ماذا يعني: نصليهم؟ مقابل أي فراش من الذي يمكن يعطونك ترتاح به، نصليهم يعني: مباشرة تسحب على الجمر لا يوجد أي وقاية بينك وبينها، هذا معنى الصلي مثلما تقول: يشتوي، نصليهم مباشرة على الجمر.
{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}(النساء: من الآية56) وأنك عندما تواجههم وعندما تكون مؤمنا بآيات الله يحصل هذا الوعد الإلهي العظيم: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً} يعني: قيمة الحديث عن الجنة والنار وعن الوعيد الإلهي والوعد الإلهي عن الترغيب والترهيب وهذه الأشياء التي هي أرقى شيء في ماذا؟ في مجال النعيم وأشد شيء في مجال العذاب والفضح، كلها بيد الله، فيكون الإنسان خائفا فلا ينجذب لا لترهيب ولا لترغيب من الآخرين؛ لأن ما لدى الآخرين من ترغيب لا يساوي هذا ولا يدانيها وما لديهم من ترهيب لا يقارب مما لدى الله سبحانه وتعالى؛ لأن من قالوا للكافرين: {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً}(النساء: من الآية50) وآمنوا بالجبت والطاغوت، سيقدمون بناتهم، عندهم، الغاية تبرر الوسيلة وهذا حاصل في تعاملهم يصدرون قحاب مليئات بالإيدز، مثلما قالوا: يعملون مع المصريين لعملائهم وللشباب!، هناك في الجنة أزواج مطهرة ليس فيها أمراض ولا فيها من هذه الأمراض الخطيرة ولا هي مثل النساء هؤلاء، نساء العملاء التي تكون كل مرة مع واحد، {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}(الصافات: من الآية48) ليس أمامها إلا أنت ولا تنظر إلا إليك.
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}(النساء:58) هذا توجيه بشكل عام بالنسبة للأمانة بشكل عام، والأمانة قضية هامة جداً، الأمانة تكون قائمة فيما بين الناس أداء الأمانة، التعامل بالأمانة. {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} هذا شيء عظيم يعظكم الله به، نِعمَ ما يعظكم بِه {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} سيعلم من يحكم بغير العدل ويعلم من يخون الأمانة ويتعامل على غير الأمانة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}(النساء:59) أحسن مئالاً، أحسن عاقبة، أحسن واقعاً هنا في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة، لاحظ هنا في الصورة هذه التي فيها كثير من التوجيهات كثير من التشريعات فيها أمر متكرر بطاعة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بشكل كبير في [سورة النساء] كم تجد من الآيات: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}؛ لأن الكثير من هذه التشريعات والكثير من التوجيهات هنا عملية، للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) دور فيها كبير في المجال التنفيذي في المجال التوجيهي في أشياء كثيرة جداً في مجال التبيين، هنا يأمر بطاعته وطاعة رسوله {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}.
ثم تلاحظ هنا، عندما يقولون: أن دور الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو مبين، ويقدمون لك كلمة: يبين وكأنه يبين، أن يقول، أن يفسر، يقول لك: الصلاة هي خمس والفجر ركعتين والظهر أربع والعصر أربع، إلى آخره.. يوجد هنا أشياء كثيرة أخرى أشياء كثيرة جداً في موضوع أن ينفذها؛ لأن هناك توجيهات هي تعتبر توجيهات عامة توجيهات عامة في إنزالها على تفصيلاتها ومواردها، قضية يقوم بها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أو من يقوم مقامه ولهذا قال: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء: من الآية59).
لكن ليست قضية تنفيذية بحتة، قد تجد أن الكثير من القوانين قد هي هناك واضحة عبارة عن مواد واضحة هم لا يقومون بها، ولا يطبقونها وهي قضايا واضحة سواء فقهية أو قانونية، أما هنا قضية الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بأن يفهم القضية ويفهم الواقع ويعرف علاقة هذا الواقع بهذا التوجيه القرآني في هذا المقام أو هذا المقام قضية دقيقة، أعني: ليست فقط مجرد تنفيذ أشياء قد هي موجودة حرفياً بالتفصيل، وهذا مثلما قلنا بالأمس أنه فعلا عندما تقرأ القرآن الكريم تجد أنه بهذا الشكل: أن دين الله سبحانه وتعالى عبارة عن مسيرة شاملة وواسعة تستوعب الحياة كلها خصوصاً فيما يشكل ضمانة، أن يكون هذا الدين على هذا النحو ويكون إنزاله تعبيرا عن ماذا؟ عن إقامة قسط عن الحكم بين الناس بالعدل، عن تربية الناس على أساس ما يريد الله أن يكونوا عليه، أنها قضية تحتاج إلى من؟ إلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ومن يقوم مقامه، من يقومون مقامه قضية أوسع بكثير من مسألة سلطة تنفيذية – التي يسمونها – سلطة تنفيذية سواء ما هو معروف الآن في أنظمة الدول أو ما قدم حتى داخل كتب الفقه بالنسبة لولاية الأمر، جعلوا ولاية الأمر معناها ماذا؟ مجرد سلطة تنفيذية، السلطة التنفيذية معناها: الأشياء التي حددت هناك، قد صارت مقننة واضحة مفصلة بنودها واضحة.
لا، هنا قضية أوسع من هذه بكثير؛ فلهذا أمر بطاعته سبحانه وتعالى وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر منكم، أولي الأمر ليست قضية دعوة كل واحد يدعي أنه هو من أولي الأمر، أولي الأمر قضية هنا مرتبطة بالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، الرسول مرتبط بالله سبحانه وتعالى، وقضية لا تأتي عن طريق انتخابات ولا عن طريق شورى ولا عن أي طريق مما يقدم… قضية الله هو الذي يتولاها هو، هو الذي اصطفى الرسول، هو الذي سيصطفي هو أولي أمر، لم تترك القضية لكل واحد يدعي، معك خمسين حاكم في البلاد الإسلامية أو سبعة وخمسين حاكماً، وكل واحد يأخذ هذه الآية له، وتجدهم سواء كانوا فرادى أو مجتمعين لا يقيمون أي أمر، هل أقاموا أمر الأمة الآن؟ مع أن لديهم سلطة، لديهم جنود لديهم عتاد عسكري لديهم إمكانيات كبيرة، لكن ليست القضية تنتهي عند هذه، من يعرف كيف يعمل من يعرف كيف ينـزل هذا القرآن في واقع الأمة من يبني الأمة على أساس هدى الله في القرآن الكريم.
تجد كل واحد يدعي أنه تجب طاعته على أساس: {وَأُولِي الْأَمْرِ} لكن وجدناهم لا يقيمون الأشياء الواضحة ولا أعطوا الناس شيئاً لا وهم مجتمعون في القمم، قمة عربية، أو قمة إسلامية، ولا وهم فرادى، كل واحد في بلاده، هذا من التلاعب بكتاب الله حقيقةً، من التلاعب بكتاب الله، يكفيهم [لا يكون واحد راكب على جملين] يكفيهم الشرعية التي يدعونها، أليسوا هم يدعون شرعية ديمقراطية أو شرعية وراثة حكم مثلما في البلدان الديمقراطية أو بلدان أخرى، سلطنات أو ملكية، لا، أيضاً يريد يجعل لنفسه شرعية دينية وشرعية ديمقراطية!، إذا أنت تريد شرعية دينية فالشرعية الدينية لا تأتي وفق رؤيتي ولا وفق رؤيتك، ارجع إلى القرآن، نرجع إلى القرآن؛ ولهذا قال بعد: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ}(النساء: من الآية59) إذا كنا متنازعين فيما هي الشرعية الدينية ومن هو الذي يقال له: [ولي أمر] على أساس دين الله فيكون امتداداً لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فنرجع إلى القرآن وإلا فيكفيك الشرعية الديمقراطية.
يجب أن نعرف أن الذي يشكل ضمانة للدين أن يسير بشكل صحيح، يحتاج إلى ورثة لكتاب الله وأن لا تتحطم الأشياء وينـزل الدين بشكل [مقلوب] ويوجه الناس به توجيها تضليليا، والعجيب أنهم ما زالوا يحاولون يدعون هذه، أو يحاولون حث الناس على طاعة ولي الأمر مع أنهم يعرفون هم أن أمريكا الآن هي المتسلطة وهي النافذة مثلما قلنا سابقاً، قلنا: إنزال القضية هذه الآن، ومع أنه معلوم في الأنظمة العربية القائمة أنها غير محتاجة إلى ما يسمى بشرعية دينية، هي لا تقوم على هذه، أليست قائمة على أساس ديمقراطية أو وراثة ملك؟ فلماذا الآن يوجد حركة حول طاعة ولي الأمر، طاعة ولي الأمر، طاعة ولي الأمر الآن؟ ما قد احتاجها بعضهم من سنين إلا لأنها مرحلة، الأمريكيون يقدمون أنفسهم عبارة عن محررين وأنهم يزيحون الظلم ويزيحون الطغيان ويزيحون الجبروت، ما هكذا يعملون؟ فيحاولون أن يشغلوا الناس بأنه هكذا الدين؟ وكل حاكم من حكامكم الذين أنتم تكرهونهم وهم يظلمونكم وهم كذا، دينكم يأمركم بأن تطيعوهم، من أجل أن تقبل الأمريكي وتكفر بدينك أنت عندما يقدم لك دينك بأنه يأمرك بطاعة إنسان أنت تعتبره ظالما ويظلمك، والأمريكي يقدم نفسه لك عبارة عن محرر لك من الظلم والطغيان، كيف سيكون موقفك أنت؟ ألست ستعتبر الأمريكي وستعتبر الأطروحات الأمريكية أفضل من الإسلام؟!.
هذا هو الهدف من إنزالها الآن، مثلما قلنا من يوم ما بدأوا ينـزلون ملازم من وزارة الأوقاف والإرشاد على أساس تعليم للخطباء والمرشدين، قلنا: هؤلاء ليسوا بحاجة إلى المنطق هذا، وهذا المنطق لا يقبله حتى الأمريكيون أنفسهم لا يقبله حتى الأوروبيون، لا يقبله لا يهودي ولا نصراني، أن يقول: أن تطيع الحاكم وإن قصم ظهرك وإن نهب مالك، هل هذا مقبول في الديمقراطية؟! هل هو مقبول عند أي أمة من الأمم؟ ليس مقبولاً، فلماذا ينـزلونه باسم الدين؟! ليشوّهوا الدين بهذا.. أطع الحاكم وإن قصم ظهرك [سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي..] هكذا يروون عن رسول الله كذبا عليه [لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال أطع الأمير وإن قصم ظهرك!!]، وهناك يقومون بمظاهرات ويعملون ثورات إذا كان الحاكم على هذا النحو.
إذاً فهذه عملية تشويه من جانب اليهود أنفسهم من جانب الأمريكيين ليشوهوا الدين حتى يرى الناس أن الأمريكيين أفضل، ومن يتأمل القضية واضحة، أليسوا يقدمون تحريراً، إزالة الأنظمة الطاغوتية؟ ما هكذا يقولون؟ ويقدمون لك منطقا آخر [أطع الحاكم وإن قصم ظهرك وإن.. وإن..] إلى آخره، هل هذا مقبول ديمقراطياً؟ ليس مقبولاً ديمقراطياً، معلوم أنه ليس مقبولاً في الديمقراطية فهل يقبل في دين الله؟ إذا كان البشر أنفسهم لا يقبلون هم أن يشرعوا هذا الشيء، فيأتي نظام يوجب على الشعب أن يطيعه وإن قصم ظهره وإن أخذ ماله، فكيف نجيزه على الله؟! لا يوجد في أي نظام يجيز هذا ويقول للناس: أن عليهم أن يؤمنوا ويسمعوا ويطيعوا، وإن كان تعامله على هذا النحو، أعني: أن البشر أنفسهم يترفعون عن هذه في أنظمتهم في تقنينهم، أما من كذبوا على الله فيجيزون ذلك على الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال في آية سابقاً: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً}(النساء:50).
إذاً فالآية هذه هي من الآيات التي يظلمونها فعلاً والتي يقدمون لها معاني تعتبر افتراءً على الله وفي نفس الوقت الآن هم يقدمونها بالشكل الذي ماذا؟ تجعلك تقبل الأمريكي! أولي الأمر أنفسهم الذين يسمون أنفسهم أولي الأمر، عندما اجتمعوا في ماليزيا واجتمعوا قبل في الدوحة واجتمعوا في بيروت واجتمعوا في أماكن أخرى هل عملوا شيئاً للأمة، هل قدموا شيئاً؟ ولا شيء، لأنه لم يعد لهم أمر هم، نحن قلنا في ملزمة سابقة في [الثقافة القرآنية] الله قال هنا: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء: من الآية59) نتحدى أي واحد أنه يستطيع أن يبرهن أنه ما يزال من الأمة هذه فعلاً، يمثل الأمة هذه ويقف الموقف الذي تريده الأمة هذه، ويتحرك الحركة التي تكون لصالح الأمة هذه، كلهم الآن إملاءات أمريكية ما بين من يدعي بأنها ضغوط أو عمالة، أليسوا كلهم هناك؟ إذاً لم تعد موجودة كلمة: {مِنْكُم} لم تعد صادقة عليهم كلهم، حقيقة {مِنْكُم} هذه كان تستعمل أيام الخلفاء العباسيين والأمويين وكانت تنفق على الناس؛ لأن الحاكم كان ما يزال منهم ويرونه منهم لم يكن مثل الحاكم الآن، أما الآن فلم يعد هناك ولا {مِنْكُم} لا هي صادقة كلمة: {أولِي الْأَمْرِ} ولا صادقة {مِنْكُم} لم يعد يأتي حتى على الأقل يشرح للناس واقعه، حتى يقول: هذه ضغوط وأنتم تفهمون الأمور هي هكذا تمشي علينا ونحاول جميعاً كيف نجعل مخرج، تأتي ضغوط أمريكية تأتي إملاءات أمريكية يقدمها للناس باعتبارها ماذا؟ سياسة حكيمة! ما هكذا يحصل، سياسة حكيمة وخطط هامة وأشياء من هذه؟.
إذاً لم تعد كلمة: {مِنْكُم} موجودة، لم تعد صادقة عليهم جميعاً؛ لأنه لو… أعني: هنا في كلمة: {وَأُولِي الْأَمْرِ} عندما ترى هذه السورة مليئة بالتشريعات، مليئة بالتوجيهات، مليئة بأشياء هامة جداً، وأنت ترى من يدعون بأنهم أولي أمر لا يعملون بظاهر القرآن بالنص الصريح فيه ما بالك بأن يعرف من داخله كيف يسيّر الأمة، وهنا جاء بآيات كثيرة حول موضوع بني إسرائيل، يبين كيف هم، تجد مواقفهم الآن مواقف من لا يقرأ هذه الآية يقول عن بني إسرائيل: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً}(النساء:53) يذكر أيضاً بأنهم يريدون أن تضلوا السبيل يذكر أشياء كثيرة تجد مواقفهم معهم مواقف من لا يعطي لهذه الآيات قيمتها وهي صريحة، مع أن الآية هذه هنا توحي إضافة إلى صريح القرآن الكريم فيما يتعلق بعمقه فيما يتعلق بفهمه فيما يتعلق بالإهتداء بأشياء كثيرة داخله لإنزالها على الأمة لتربية الأمة على أساسها لبناء الأمة على أساسها.
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ}(النساء: من الآية59) لأن هدى الله يقوم على أساس أن لا يكون هناك اختلاف، نظام لا يكون هناك اختلاف نهائياً {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ} طرأ تنازع {فِي شَيْءٍ} فمن أول وهلة ردوا الموضوع إلى الله ورسوله، أقفلوا الباب تماماً {فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ}(النساء: من الآية59) يعني: ردوا أمره ردوا شأنه {إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}(النساء: من الآية59) أي: لستم بحاجة إلى أن تتنازعوا في شيء، لكن لو طرأ تنازع فردوا القضية بكلها إلى الله والرسول؛ لأن الحكم له سبحانه وتعالى، وتجد أنه يهدي وبالنسبة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أعني: ليست القضية على ما تقدم بمعنى أن أرد أنا عندما نختلف أنا وأنت في شيء نأتي نرده إلى الكتاب ونرده إلى السنة، أليس هكذا يقدم الموضوع، الرد إلى الكتاب؟ ثم آتي أنا أطلع الكتاب وأحاول أؤقلم الكتاب معي، وأنت من عندك كذلك والآخر من عنده كذلك، فيما يتعلق بالكتاب، وفيما يتعلق بالسنة، ما هكذا يعملون؟ وكلهم يدعون أنهم يعملون هذه، وما يزال الإختلاف قائماً؟! لأن عملية الرد ليست على هذا النحو الذي يقدمونه هم، كل واحد من عنده، وكل واحد يدعي أنه يرد إلى الله والرسول، يرد إلى الكتاب والسنة، والإختلاف قائم؛ لأن هذه قدمت بأنها وسيلة تحسم الإختلاف تماماً فلو أن الطريقة التي يعملونها في الرد على مدى القرون هذه لو أن الطريقة الصحيحة هي التي يقومون بها لما كان هناك اختلاف.
ألم يقدمها هنا على أساس أنها تحسم الخلاف؟ فلماذا نجدهم مختلفين مع دعاوى أنهم يردون إلى الله والرسول؟ إلا أن عملية الرد ليست صحيحة وليست على الأساس الصحيح؛ ولهذا جاءت العبارة بشكل توحي بالتقليل، وكقضية فيما لو حصل تنازع اتركوا الموضوع بكله لله والرسول، ويأتي توكيد على هذه القضية بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}(النساء: من الآية59) تؤمنون بالله وتعرفون أن الله بكل شيء عليم وأنه حيٌّ قيوم وأنه لا يأتي من جانبه تقصير على الإطلاق في موضوع الهداية وتخافون منه، والإيمان باليوم الآخر. {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}(النساء: من الآية59) أحسن عاقبة من أن تظلوا متنازعين ومختلفين.
هل الآية هذه مفهومة؟ لأنها من الآيات التي يشتغلون فيها، هذه الآيات التي يأتي فيها شغل، وتلمس يداً يهودية في الموضوع مثل: {أُمَّةً وَسَطاً}(البقرة: من الآية143) ومثل: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}(البقرة: من الآية256) ومثل: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء: من الآية59) أليسوا شغالين في هذه؟ وتجد أن هنا ما يبين أن الدين قائم على أساس أمة واحدة وقيادة واحدة، عندما يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ}(النساء: من الآية59) فعندما تأتي إلى سبعة وخمسين زعيماً سبعة وخمسين زعيماً وكل واحد يريد يشغل الآية هذه له، وجاء واحد ثاني يعمل انقلاب عليه وضربه وسماه طاغية وعدو الله، إلى آخره.. وقاموا يشغلون الآية له، وهكذا، أليس هذا تلاعب بالدين؟ مع أن الإسلام قدّم على أساس أن تكون هذه الأمة أمة واحدة.
ثم عندما تتأمل أيضاً الدعاوى عندما يكون كل زعيم يدعي في بلاده أو يدَّعون له سواء مثقفون أو علماء يدعون له أليسوا في نفس الوقت يشكون من التفرق؟ إذاً إذا كان الله هو الذي أوجب على كل شعب أن يطيع الشخص الذي يحكمه، والكل يشهدون بأن هذا تفرق وأنه سبب لضعف الأمة، هل يمكن أن يكون هذا من دين الله؟ بأن تجد كل زعيم يقول العرب يجب أن يتوحدوا، وبعضهم قال: المفروض أن يكون هناك زعيم عربي واحد، ونحن مستعدون نتنازل لواحد من الزعماء مستعدون نتنازل له؟ ألم يقل هكذا؟ إذاً فمثل هذا ينقض دعوى كل شخص في بلاده، أعني: الذي ينتهي في الأخير إلى أن الله أوجب على سبعة وخمسين قُطْر أن يطيعوا كل واحد منهم الواحد الذي عندهم، وهكذا، يطلع لك سبعة وخمسين شخصاً، وإذا بالسبعة والخمسين كل واحد يشكي من التفرق الذي هم عليه وكأن الله هو الذي شرع التفرق الذي هم عليه وأمر الناس أن يطيعوهم على التفرق الذي هم عليه، وهم كلهم يصيحون من التفرق شعوب وزعماء، أليس هذا يعتبر – لو أنه صحيح – لاعتبر اختلاف في شرع الله، واعتبر تدبير غير حكيم لو أنه من عند الله؟.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً}(النساء:60-61) هذا شامل لمن يدعون من اليهود الذين يقولون آمنا وللمنافقين؛ لأنه يتبين كذبهم في أشياء كثيرة، منها هذا الشيء: التحاكم إلى الله ورسوله الرضا بحكم الله التسليم بحكم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وما يقضي به فيما بينهم.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا}(النساء: من الآية60) سماه زعماً أعني: ليست قضية حقيقية، لكن هم يقولون هكذا، وهم يعرفون أن مقتضى الإيمان بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك أن يكونوا كافرين بالجبت والطاغوت، لا يقول أنه مؤمن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ويذهب إلى الطواغيت إلى الجبت والطاغوت يتحاكم إليهم، إلى الطاغوت {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ} يبعدون الآخرين عنك، ويبتعدون عنك {يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً}(النساء:61-62) لأنه هكذا المنافقون في الأخير، أيماناً بأنهم لم يريدوا إلا الإحسان ولم يريدوا إلا التوفيق بين المتخاصمين وأشياء من هذه، أن هذا من مظاهر أنهم غير صادقين فيما يدعونه من أنهم مؤمنون بك، مؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، هذه القضية تكشف ابتعادهم عن حكمك، ابتعادهم عنك، وبحثهم عن الطاغوت يتحاكمون إليه.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ}(النساء: من الآية63) هو يعلم ما في قلوبهم ويبين لنا الأشياء التي تكشف ما في قلوبهم، أو الكثير مما في قلوبهم {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}(النساء: الآية63-64) هذه القضية أساسية {لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ} فيكون حكمه هو الذي يسلم له الناس، بل هو الذي يتولى الحكم فيما بين الناس، هو الذي يبين للناس، هو الذي يرشد الناس {لِيُطَاعَ} بما تعنيه الكلمة، بكل ما تعنيه الكلمة، وليس عبارة عن خطيب وموعظ فقط! ليطاع فيما أمر ونهى وفيما قضى به. {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً}(النساء: من الآية64) فعلاً قد ظلموا أنفسهم بهذا الشيء عندما يتحاكمون إلى الطاغوت ويصدون عنك لكن بالإمكان إذا هم يريدون أن يغفر الله لهم أن يرجعوا إليك.
{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(النساء:65) وإلا فلا يعتبرون مؤمنين، تعتبر فقط مجرد دعوى وزعم كما قال سابقاً، هذه تؤكد: أن مسيرة الدين هي مسيرة عملية، وأن الأمر كله لله، الأمر كله لله لا يكون يقدّم موضوع الرسل وموضوع الهدى وكأنهم فقط يوعظون والآخرين الذين يكونون هم في السلطة التنفيذية يحكمون! لا، هي مهمة واحدة يقدمها، مهمة واحدة، هذه النظرية التي يسمونها: [فصل الدين عن الدولة] نظرية العلمانيين: [هناك موعظين مرشدين ومدرسين وهناك حكام آخرين ولا علاقة للدين بالحياة] البعض يحاول يقدم الآيات: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}(الغاشية:21-22) {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ}(المائدة: من الآية99) يقدمها على هذا النحو! لكن لا، الآية أن تكون على هذا النحو لها أثر كبير في مقامها، لا تعني: بأنه عبارة عن موعظ فقط، وعبارة عن مرشد فقط، [ومن حكم يحكم] ومن تولى الأمر يتولى، لا. فهذه ترد على من يحاول أن يقدم مفهوما خاطئا حول الآيات الأخرى؛ لأن الله يقول في أكثر من آية {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}(النساء: من الآية59) ويقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}(النساء: من الآية64) ويأتي بالآية هذه في إطار قضية ماذا؟ التحاكم، التقاضي، الرجوع إليه.
{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ}(النساء: من الآية65) من داخل لا يكون في نفسه يعتبر أن النبي ظلمه أو تجاوز عليه في الحكم، قال: لا يكون في أنفسهم حرج {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(النساء: من الآية65) يعني: قبول في الواقع في نفس ما يقضي به في القضية وتسليم من الداخل، تسليم من داخل وخارج.
{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً}(النساء:66) لأنه قد تكون هذه القضية ربما قريبة من الأشياء التي قد تكون التوبة فيها قتل النفس، مثلما حصل عند بني إسرائيل، يعني: الله تجاوز عنهم إذاً فليقبلوا ما يوعظون به {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً}(النساء: من الآية66) لأنه كيف يكون عندك تقدير واحتمال أن النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) ممكن يقضي بباطل ممكن يظلمك في حكم يحكم به {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} تحت كلمة: وعظ، أليست تقدم عندنا عبارة عن الأشياء التي تتحدث فيها، والتي لها علاقة بالدين بشكل عام، هنا يسميه وعظا، هذا هو الوعظ الإلهي مثلما ذكر عن لقمان عندما قال لولده: {وَهُوَ يَعِظُهُ}(لقمان: من الآية13) موعظة، كيف الموعظة هناك؟ قال له: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}(لقمان: من الآية17).
كلمة: موعظة، قد أصبحت عندنا، قد تغير مفهومها، الوعظ: الحديث عن موضوع الجنة والنار، وهكذا الجنة كذا كذا، والنار كذا كذا، وأوامر عامة، توجيهات عامة هكذا، هذه موعظة يسمونها!. هذا الوعظ الإلهي؛ ولهذا قال في القرآن بكله أنه موعظة: {وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ}(آل عمران: من الآية138).
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً}(النساء: من الآية66) تثبيتاً لأنفسهم وتثبيتا للإيمان في أنفسهم {وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ}(النساء: من الآية67-69) لاحظ كم هنا من كلمة طاعة رسول، طاعة رسول، يعني: موضوع [سورة النساء] موضوع تجد فيه أشياء كثيرة كثير منها في إنزالها على الواقع ومعرفة علاقة الواقع بها مرتبطة بالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله).
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}(النساء:69) هؤلاء هم الرفقاء الصالحون الذين يجب أن يتجه إليهم المنافقون، ويتخلون عن اليهود، المنافقون تكون أنفسهم قريبة لليهود، أفضل لهم أن يؤمنوا ويرجعوا إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ويستغفروا ويفعلوا ما يوعظون به؛ ليكون رفقاؤهم هؤلاء، وليس رفقاء من أولئك السيئين، هؤلاء الرفقاء الصالحون، الإنسان الذي يسير على هدى الله يكون رفقاؤه هؤلاء، إذا ابتعد الإنسان عن دين الله يكون رفقاؤه من الشيطان وتحت كمّن مجرم.
{ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً}(النساء:70) هذا فضل عظيم على الإنسان أن يكون في طريق تكون غايتها أن يكون رفيق لهؤلاء العظماء: النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً}(النساء:71) قدّم في الآيات السابقة: أن هناك أعداء، ألم يقدم أن هناك أعداء؟ {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}(النساء: من الآية45) وذكر ما يريد هؤلاء الأعداء، وذكر أنفسهم كيف هي {خُذُوا حِذْرَكُمْ} لكن حذركم هنا كيف هو؟ عمل {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} انفروا تحركوا ثبات: مجموعات {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} هذا توجيه بشكل عام أمام الأعداء: كافرين، أو يهود، أو نصارى، لم تأت هنا {خُذُوا حِذْرَكُمْ} على ما يقدم من كثير من الناس: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} معناه: [اجلس ولا دخل لك في شيء وابتعد عن الأشياء هذه واقعد من بيتك إلى مسجدك أو من بيتك إلى شغلك وعملك]، أليسوا هكذا يقولون؟ {خُذُوا حِذْرَكُمْ}، أخذ الحذر هنا – على أساس أن العدوّ لا يضرك، العدو لا يقهرك ولا يظلمك ولا يستعبدك – هو: أن تتحركوا في مواجهته {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} كلمة: انفروا تعني ماذا؟ المسارعة، هناك يوجد أيضاً كلمة أخرى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ}(النساء: من الآية72) الناس يجب أن يكونوا حذرين ويكونوا على جاهزية قابلة لأن ينطلقوا في مواقفهم بسرعة.
{فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ}(النساء: من الآية 71-72) يتثاقل ويثبط آخرين، ويتثاقل بآخرين {فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً}(النساء: من الآية72) لاحظ القرآن الكريم أن الله يشخص فيه الناس، وفئات الناس، تقريباً كل نفسية قد يكون عليها أحد من الناس يشخصها هنا في القرآن.
{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} على الرغم من التوجيه الذي يذكر فيه بأنه هذا هو أخذ الحذر، ما هو معنى أخذ الحذر؟ أن لا يقهرك العدو ويظلمك.. إلى آخره, والتوجيه بالمسارعة {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً}(النساء: من الآية71) هناك في المقابل نفسيات أخرى أشخاص آخرين يبطئون، هم يتباطؤن ويتثاقلون ويحاولون في الآخرين أن يتباطؤا ويتثاقلوا {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ}(النساء: من الآية72) وقد يعتبر أن موقفه حكيم، وأنه كان الرؤية الصحيحة {فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً}(النساء: من الآية72) إذاً كان رأيا حكيما، واتضح له أن رؤيته كانت في محلها!.
{وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً}(النساء:73) وما الذي يمنعك أن تكون معهم؟ ألم يكن بإمكانه أن يتحرك معهم أن يميل إلى جانبهم؟ باب أن يميل إلى جانبهم ويتحرك معهم مفتوح {كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ}(النساء: من الآية73) يحصل لديه ندم {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً}(النساء: من الآية73) هنا يقدم خاسراً في ماذا؟ في الموضوع بكل اعتباراته من عندهم الفكرة هذه: التباطئ والتثاقل؛ لأنه هنا عندما يقول: {قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً}(النساء: من الآية72) أليس هو يعتبر نفسه وكأنه ناجح، وكأنه موقف صحيح؟ أنظر الآيات الأخرى التي تهدد من يكون على هذا النحو تجده خاسرا في موقفه هذا، وعندما يحصل نصر ويحصل فتح ويحصل كما قال هنا: {فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ}(النساء: من الآية73) أيضاً يرى نفسه خاسراً {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً}(النساء: من الآية73).
الموقف الصحيح موقف من يتحركون في سبيل الله، مثلما سيأتي في آخر الآية عندما قال: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}(النساء: من الآية74) هذا هو الموقف الذي أنت تعتبر فيه ناجحا، في كل الحالات، سواء حصل غلبة على العدو فقد هو ذلك نصر وفتح، أو قتلت في سبيل الله، ألم يقدم هنا القضية من الجهتين؟ كما قدم قضية النوعية الأولى: مبطئين من الجهتين، هم خاسرون في الجهتين. {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ}(النساء: من الآية74) فلا يلتفتون للآخرين، المبطئين، ولا الذي يقدم نفسه في الأخير في موقف من المواقف بأنه [لاحظوا قد قلنا لكم إن كان الرأي كذا وأحسن كذا..] وأشياء من هذه، هذه قد تحصل عندما يأتي أمر على هذا النحو: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فيها مما يعني ماذا؟ لا تلتفوا للنوعية هذه، وفي الأخير يقدم نفسه أحياناً وكأنه حكيم؛ لأنه لم يصبه في نفس الموقف ذلك بالذات شيء، هذا تراه فيما بعد يأتيهم الله من حيث لم يحتسبوا.
{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ}(النساء: من الآية74) لأنها كلها حياة والحياة الآخرة هي أعظم من الحياة الدنيا {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}(النساء: من الآية74) فهو يوجه إلى ما هو خير للإنسان سواء تحقق فتح على يده أو قتل في سبيل الله.
{وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً}(النساء:75) حث آخر، كم هنا؟ في ثلاث آيات: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً}(النساء: من الآية71)، {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ}(النساء: من الآية74)، {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} في سبيل إنقاذ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً}(النساء:75).
وهكذا يجب أن يكون المستضعفون، يعني: أنهم مستضعفون عارفون لوضعيتهم غير راضين لوضعيتهم يتمنون أن لديهم ما يُمَكِّنَهُمْ من أن يعملوا في مواجهة الوضع الذي هم فيه؛ لهذا قال عنهم: {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً}(النساء:75) ليسوا مستضعفين من الذين ليس لهم دخل، لاحظ هنا الفارق حتى يعرف الناس يقيِّمون أنفسهم كمستضعفين، مستضعفون لا يبالون بالوضع الذي هم فيه ولا يعتبرون أنفسهم مستائين من الوضع الذي هم فيه ويتمنون أن لو عندهم ماذا؟ وليّ ونصير يتحركون معه، الذين هم على هذا النحو: ليس لهم دخل، هؤلاء قد يكونون ممن يُضربون، لكن المستضعفين الذين هم مظنة أن ينقذوا أو نقول يهمُّ كتاب الله أمرهم هم هؤلاء المستضعفين، من النوعية هذه: {الَّذِينَ يَقُولُونَ} وليسوا المستضعفين من النوعية الذين بعضهم يعارض عملك لمصلحة العدو، معارضته كلها لصالح العدو الذي ماذا؟ يستضعفه ويقهره ومتجه لإهانته وهتك عرضه! لأن هذه الآية هي تعني في مجملها، تكشف لك مشاعرهم ورؤيتهم، تذمرهم من الوضعية التي هم فيها، معرفتهم بالجهة التي تشكل إنقاذاً لهم ومخرجاً من الوضعية السيئة التي هم فيها، هؤلاء المستضعفون الذين هم موعودون بالإنقاذ ويأمر المؤمنين الذين هم في وضعية أخرى أن يعملوا لتحرير هؤلاء يعملوا لتحريرهم وإنقاذهم.
أما المستضعفون الآخرون فإنهم يكونون هم الضحية؛ لأنهم هم يصبحون في الأخير، موقفهم، هم ميدان للتضليل، هم ميدان للخداع، ويأتي من جانبهم أشياء كثيرة تعتبر سنداً للعدو، هؤلاء يُداسون، ويضيعون ويسلط الله عليهم.
{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}(النساء: من الآية76). إذاً هذا فاصل في الموضوع؛ ليثبت إلى أنه هكذا المؤمنون يجب أن يكونوا مقاتلين في سبيل الله، والكافرون هم عادة يكونون مقاتلين في سبيل الطاغوت، فيعطي أملاً للمؤمنين – وهم يقاتلون في سبيل الله – بأن الله هو الولي والنصير، وكفى به وليا وكفى به نصيرا وهو القدير وهو القوي العزيز… إلى آخر الوعود التي ذكرها في كتابه، والكافرون مهما كانوا ومهما بلغت قوتهم فيهم نقطة ضعف كبيرة جداً: كونهم يقاتلون في سبيل الطاغوت، وكونهم أولياء للشيطان {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}(النساء: من الآية76).
فتجد هذا الشيء في أكثر من آية مثلما قلنا سابقاً يقدم صورة عن العدو؛ ليبين لك بأنه في حالة ضعف ولديه نقطة ضعف كبيرة جداً، كل نقاط القوة لديك وهي: كونك في سبيل الله، وكونك معتمداً على الله، ومتوكلاً على الله، ومنتصراً بالله، هذه إيجابية كبيرة، الطرف الآخر هذه نقاط ضعف كبيرة فيه، تُمكّنك من أن تتغلب عليه وتقهره؛ ولهذا قال بعد: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ}(النساء: من الآية76) بمعنى أن كونهم يقاتلون في سبيل الطاغوت يعني ماذا؟ نقطة ضعف كبيرة جداً لديهم تهيؤهم لأن يُهزموا ويُقهروا، قال بعد: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}(النساء: من الآية76) أليس هذا تشخيصا للعدو؟ يشخص للناس المؤمنين كيف سيكون العدو ونفسيته وواقعه.
كل هذه الأشياء تقابل بمنطق آخر [هم كذا ومعهم كذا ومعهم.. ومعهم.. ومعهم.. ونحن ليس لدينا.. ولا لدينا..] وينسى أنه يقدم حتى قضية الله، يعني: يعتبر نفسه في حالة ضعف لا يمتلك أي قوة لم يعد يقدم الله القوة التي لا تقهر نهائياً، يقول لك: [ليس لدينا.. ولا لدينا.. ولا.. ولا..] في الأخير ضروري نجلس، وكيفما كانت الأمور.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ}(النساء: من الآية77) قد فيهم خشوع الآن {رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}(النساء: من الآية77) كم الفارق بين المنطق هذا ومنطق الآخرين: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية250)!؟ {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ}(النساء:77-78) إذا أنت تصبح هكذا تخشى الناس كخشية الله أو أشد خشية وقد فيك دعاء بخشوع ولكن مقلوب يعني: أنت خائف من الموت، افهم بأن قضية الموت ستأتيك عندما تقول ستقعد أو أنت راغب أن تقعد {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}(النساء: من الآية78).
القضية هنا هي تقدم نموذجاً عالياً جداً، موضوع التوجيهات في القرآن الكريم تقدم إنساناً، نموذجاً عالياً جداً، قوياً لكن في نفس الوقت متزن وحكيم، ليسوا من النوعية الذين فيهم تَنَطُّط وعندما يكتب القتال قد فيهم خشوع ثاني، وخشية من الناس أشد من خشيته من الله؛ لأن هذه هي تعتبر حالة غير صحيحة، عندما يكون هناك أناس عندهم: [هيّا…] قد يؤثرون على قيادتهم فتدخل في مواقف غير حكيمة؛ لأنه ملاحظ مع أن يكونوا أشداء وأن يكونوا أولي بأس شديد، وأن يكونوا مستبسلين مضحين راغبين في الشهادة في سبيل الله يجب أن يكونوا أيضاً متزنين، وفي نفس الوقت طاعة، هنا فقط يحاولون الإمساك بهم {قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}(النساء: من الآية77) لا. أبداً!. فإذا جاء وقت الصدق لم يعد فيه ذلك التنطط وإذا به قد لديه كلام ثاني وقد صار يخشى الناس أشد من خشيته لله.
هذه نفسية عجيبة لا تحصل أبداً إلا عند المؤمنين الذين يسيرون على كتاب الله وهديه أقوياء أشداء لا يتهيب من المواجهة، لكن وكل شيء في وقته وكل موقف بما يتطلبه، ليسوا متنططين بحيث يزعجون قيادتهم تدخل في مواقف قد تكون تضر بهم لا تخدم القضية التي هم فيها، ولا هم ممن عندما يأتي مواقف كبيرة يكون قد عندهم خشية من الناس أشد من خشية الله، هذه النوعية عالية أعني: أن القرآن يبني الإنسان بناء صحيحاً متكاملاً، ثم لاحظ هنا في الأخير كشف المسألة بأنها في الواقع خوف من الموت، أليس هكذا خوف من الموت؟ بعدما قال هناك سابقاً: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}(النساء: من الآية74) وأنت لا بد أن تموت أنت تريد أن تقعد لأنك خائف من الموت لا تريد أن تموت ستموت {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}(النساء: من الآية78) فأفضل لك أن تموت في سبيل الله أن لا تخاف من موضوع الموت أن لا يقعدك الخوف من الموت؛ لأن قعودك لن ينجيك من الموت فإذا كان لا بد من الموت فالأفضل أن تموت في سبيل الله بل أن تطلب أن تموت في سبيل الله.
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}(النساء: من الآية78) قد المقاييس لديهم مخبوصة، ونظرتهم لم تعد صحيحة {لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ}(النساء: من الآية77) وهنا: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} أنت السبب، أنت الذي فتحت علينا المشاكل، ومقلب علينا بالمشاكل! {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}(النساء: من الآية78) الحسنة وهذه السيئة التي تصيحون منها كلها من عند الله، وأصلها أساسها وأسبابها الأولى من عندكم. {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}(النساء: من الآية78) لأنهم لو كانوا يفقهون حديثاً لكانت نظرتهم أخرى وكانت رؤيتهم أخرى وكانت نفسياتهم نفسيات عالية؛ أما هذه فنفسية ضعيفة نفسية يبدو وكأنها لا تسمع شيئاً ولا تفقه أي حديث من هذا الحديث العظيم الذي هو توجيه للناس ليبنوا أنفسهم على أساسه، و يربوا أنفسهم على أساسه يكونون مستبصرين مستنيرين على أساسه.
{فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}(النساء: من الآية78) هذه فيها سخرية منهم؛ لأن هذه القضية ليست سهلة {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}(النساء: من الآية78) وهم في الواقع هم أسباب رئيسية تؤدي إلى أنه يحصل عليهم مشاكل أو يحصل ما يسمونه سيئة أسبابها الرئيسية من عندهم، هذه عبارة عجيبة: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}(النساء: من الآية78).
{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}(النساء: من الآية79) مثلما قال في آية أخرى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}(الشورى:30) {فَمِنْ نَفْسِكَ} يعني: أسبابها الأولى من عندك وكلمة سيئة وحسنة شاملة وواسعة، فعندما يخاطب نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله) على هذا النحو هو ليفهم الناس كلهم فعندما يقول: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}(النساء: من الآية79) إذاً فالكل يفهمون أن ما أصابهم من سيئة فهي من جهة أنفسهم، والسيئة ليست دائماً تفسر بما يعتبر في مقاييسنا شرا ويسمى سيئة، أحياناً قد يكون شيء يبدو وكأنه سيئة لكن هو في الواقع حسنة، تتميز المسألة، هي تكون واضحة فالذي هو فقط كأنه يبدو في الصورة شيء من الأشياء التي هي صعبة لكن هو في الواقع ليس سيئاً له أثر إيجابي، بعض الأشياء تكون سيئة بكل ما تعنيه الكلمة لا يوجد وراءها أي إيجابيات إلا إذا حاولوا يأخذون دروسا وعبرا منها ليعودوا إلى الوضعية الصحيحة حتى لا يصابوا بمثل هذه، هذا ممكن، أما أشياء أخرى تكون أحياناً تبدو وكأنها سيئة لكن هي لها إيجابيات كبيرة وهامة في الموضوع الذي الناس فيه.
{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}(النساء: من الآية79) بعد ما قال: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}(النساء: من الآية79) وأنت رسول {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}(النساء: من الآية79) شهيد على عباده جميعاً على الرسل وعلى المؤمنين وعلى كل مخلوقاته {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(النساء: من الآية80) كلمة: رسول ذكرت كثيراً جداً في السورة هذه {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}(النساء:80) هذه آية قاطعة تجعل طاعة الرسول طاعة لله؛ لأن الرسول يسير فيما هو طاعة لله ويهدي إلى الله ويبلغ عن الله، وتلاحظ هذه في الأخير تبين للإنسان كيف ما يسمى: ولاية الله، أو سلطان الله، الله سبحانه وتعالى أليس ملك السموات والأرض؟ ملك السموات والأرض أنه يجعل من عباده، فرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) ولايته امتداد لولاية الله أو تجسيد لولاية الله على عباده عندما قال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(النساء: من الآية80).
عندما يقول لك مثلاً الرئيس: إذا أنت تطيع المحافظ فاعتبر طاعتك للمحافظ طاعة لي أليس هو يعتبر المحافظ امتداداً لسلطته؟ أعني: فيعرف الناس بأن ليس معناه أن الله ملك السموات والأرض ثم في الأخير لا تدري كيف يمكن أن يكون هناك امتداد لملكه وسلطانه في هذا الجانب: تعامل مع عباده في موضوع دينه في هدايته ولاية أمر عباده، ليست قضية مفصولة، حتى نقول إذاً إن الله في دينه ترك القضية إلى الناس إما يتشاورون فيما بينهم أو ينتخبون من أرادوا أو أشياء من هذه، وكأنهم متروكون هم يدبرون أنفسهم على كيفهم وعلى ما يحبون، هنا يوضح كيف أنه يختار بشراً من عباده ويكون امتداداً لولايته امتداداً لسلطانه مثلما يأتي {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}(النحل: من الآية60) رئيس أو ملك ويعين أميرا على منطقة معينة أليس هو الذي يعينه، أو محافظ، هو يعتبره امتداداً لسلطانه؟.
أي ليست المسألة أنها تقدم أرقام أخرى، إنه في إطار واحد عندما يقول: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء: من الآية59) ليس المعنى أنه يقدم أرقاماً أخرى، لا، هي مسيرة واحدة هي تجسيد وتطبيق وتمثيل لماذا؟ لولايته سبحانه وتعالى؛ لأنه ملكهم ملك مباشر وليس فقط مجرد حكم نحكم له بأنه ملك لكن ليس له نفوذ وليس له أي طريقة يمكن أن تجسد امتداد ملكه امتداد ولايته على عباده هنا يقول: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(النساء: من الآية80) ليس لأن الرسول ندّ! إن الرسول نفسه في عمله فيما يقوم به هو منفذ ما هو من عند الله سبحانه وتعالى فهو امتداد لولاية الله بالنسبة لعباده.
أن يأتي في هذا المقام: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} بعدما ذكر الفئات هذه في موضوع الحكم، القضاء الذي يقضي به فيما بينهم، الفئة هذه التي تتراجع عندما يكتب القتال وإذا أصابهم مصيبة قالوا: هي من عندك وأشياء من هذه يقول: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} كلمة، أعني: مثلما تقول قد تكون أبلغ من {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}(النساء: من الآية59) أبلغ أعني: لم يعط أي اعتبار لكل تلك المشاعر الذي تعتبر شاذة لديهم، لا بد أن يطيعوه، وطاعته هي طاعة لله، وليس أن يقولوا – عندما تصيبهم مصيبة -: هذه من عندك ويريدون أن يذهبوا من عندك، [هو فقط يريد يقلب علينا بالمشاكل ولولا هو لما حصلت علينا المصائب هذه] وأشياء من هذه لذلك جاء بعدها: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(النساء: من الآية80).
ولأن الله سبحانه وتعالى – عندما تجد في القرآن الكريم – يبين رحمته ومظاهر رحمته، يختار نوعية عالية أي هل الرسول رجل اعتباطي عبيط هكذا لا يبالي بالناس، ولا يرحم الناس وليس حريصاً على الناس وأشياء من هذه فكأنه يأمرهم بطاعة إنسان أحمق أعوج مثل صدام حسين؟ لا. {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(النساء: من الآية80) والرسول اختاره شخص على أرقى مستوى ويسير بهدى الله.
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ}(النساء: من الآية81) مجرد قول: {فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ}(النساء: من الآية81) بعد أن يكون قد قال لهم وأمرهم يقولون: طاعة، لكن وبعد ذلك يقولون رأيا ثانيا وشوراً ثانيا {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}(النساء: من الآية81) في مقامات يأتي بعبارة: اعرض عنهم، وفي مقام يقول: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً}(النساء: من الآية63) المقامات هي تختلف والوضعيات تختلف والموقف الذي هم فيه مع عدو من الأعداء يختلف. هنا يعطي الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ما يطمأنه بأن هؤلاء لا يضعفون جانبك لن يضعفوا جانبك قال هنا: {وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}(النساء: من الآية80) {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}(النساء: من الآية81) وسيهيأ منهم أفضل منهم، ويهيأ بدايل عنهم.
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}(النساء: من الآية82) عندما تكون نفسيتهم على هذا النحو، يبدو وكأنها ماذا؟ مظهر من مظاهر عدم تدبرهم للقرآن؛ لأن القرآن فيه ما يهدي الناس فتكون رؤيتهم صحيحة ونفسياتهم صحيحة ويعرفون قيمة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يعرفون أهمية هدى الله.
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}(النساء:82) هذه الآية من الآيات العظيمة في القرآن نفسه تجد على سعة المواضيع التي تناولها واسع جداً جداً، وتجد ليس فيه اختلاف على الإطلاق ولا من النوع الذي يكون اختلاف على مسافات بعيدة، قد تكون القضيتان يبدو وكأنهما متفقتان أمامك وبعد كم مسافة، لكن تختلف في أثرها هناك على بعد، هذه لا وجود لها في القرآن على الإطلاق، وفي القرآن ما يدلهم على أنه من عند الله والرسول أمامهم يعرفون أنه رسول الله، فلماذا هم على هذا النحو؟ يحكي عنهم ما تعتبر نفسياتهم وكأنهم لا يفقهون حديثاً، ألم يقل هكذا عنهم؟ {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}(النساء: من الآية82) ليفقهوا، أليست هذه دعوة حتى لمن هم نفوس مريضة، أو منافقون {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} أن يتدبروه؟ ليس معناه يأتي ليفسره تفسيرا هذا موضوع ثاني اقرأه بتأمل تجد وهو يتحدث عن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يعطي لهذا الرجل قيمة عظيمة وإنه إنسان حكيم وأنه يسير بهدى الله حينها ترجع إلى نفسك تقول: إذاً سأطيعه، أطيعه؛ لأن الله لا يمكن أن يصطفيه ويختاره ويكون بالشكل الذي يكون أحمقاً؛ لأن الله رحيم وحكيم وعليم لا يمكن أن يختار لنا شخصا أحمقا، فهنا سينطلق، لكن إذا ما هناك تدبّر فستكون نفسية الإنسان هناك بعيدة.
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}(النساء: من الآية82) تجد اختلافا كثيراً في كتاب يتناول موضوعاً واحداً مما يكتبه الناس، وهو يتناول موضوعاً واحداً، ما بالك عندما يكون هناك كتاب يتناول مواضيع الحياة بكلها، يقدم لك الحياة بكلها حتى ماضيها، كتاب عن الحياة هذه، والحياة الآخرة، عن الماضي والحاضر والمستقبل، واسع جداً جداً، ومع هذا لا ترى فيه اختلافاً على الإطلاق، والإختلاف لا يتوقف فقط على المخالفة في النص؛ لأن عندنا قاعدة أساسها حديث من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ((ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما خالف كتاب الله فليس مني)) ليس المخالفة معناها فقط المخالفة النصية الواضحة، هذا شيء، تأتي مخالفة هناك على بعد؛ ولهذا قضية العرض على القرآن قد يكون كثير من الناس ليس بإمكانه إلا أن يعرض ما يعتبر واضحاً في الصورة مثل حديث: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] و[من قال لا إله إلا الله دخل الجنة] وأشياء من هذه قريبة أمامك، ترى نصها معارضا للنصوص الواضحة أمامك، أحياناً تكون قضايا لا تظهر بأنها مخالفة للقرآن إلا على عمق، على بُعد، بعد ما تعرف أن القرآن الكريم هو كتاب عميق، في نفس الوقت تجد بأن ليس هناك اختلاف داخله، إلى أعمق عمق إلى قعره – مثلما يقولون – إذا يوجد قعر هناك لا يوجد اختلاف في هذه كلها.
رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو مبلغ عن الله وهادي على أساس كتاب الله، لا يمكن أن يأتي من عنده توجيه للناس وهو بالشكل الذي يخالف القرآن حتى على هذا البعد وعلى هذا العمق لا يمكن على الإطلاق، لاحظ في كثير من كتب الترغيب والترهيب هناك روايات هم يقولون عنها بأنها باهر وعادية تصلح الناس وستجعلهم بعيدين عن المعصية، وأشياء من هذه، لا يلمسون بأنها تخالف القرآن هناك، وبعضها قريب ليس على بعد كم أمتار في العمق، بعضها فعلاً تكون قريبة إذا هناك تأمل لظهرت مخالفة للقرآن.
عندما تعرف ميدان القرآن، ميدان القرآن: الإنسان، والحياة. هذه الميادين فإذا كان هناك توجيه معين فاعرف بأن القرآن نفسه هو له رؤية، هو يريد أن يبني الإنسان على نحو معين، نفسيته يبنيها على نحو معين، فله مقاصد وأهداف بالنسبة لنفسيات الناس أعني: عنده منهج تربوي، إذاً فعندما يكون هذا الذي هو رواية وتراها مخالفة هناك، أعني: تعطي أثرا في النفس آخر يتبين أنه مخالف لما يريده القرآن، هذا يعتبر مخالفا وهذا لا يمكن أن يكون صحيحا عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يكون صحيحا عنه كتوجيه عام، إما أنه قد لا يكون صحيحاً نهائياً أو قد يكون صحيحاً لكن قد يكون في قضية محدودة، أو أمام شخص معين، في حالة معينة فقط، مثل ذلك الذي قال له: عظني يا رسول الله، قال: ((لا تغضب)) ألم يقل له هكذا: ((لا تغضب)). وقال لواحد بعد أن شكا عنده موضوع والديه أو أحدهم قال: ((ارجع ففيهما فجاهد)) هذا خطاب خاص.
وعندما يقول هذا، هو يعرف الشخص هذا ويعرف طبيعته عندما يقول له: ((لا تغضب)). وهذا الشخص هو يعرف وضعيته ويعرف وضعية والديه عندما يقول له: ((ارجع ففيهما فجاهد)) وإذا بهم في الأخير قد هم يريدون: ارجع ففيهما فجاهد، وأبوه صحيح ومعه أولاد كثيرون غيره، وعنده أنه يجاهد لأنه يجلس عند أبيه أو عند أمه! لا يمكن هذا. هذه أيضاً هي تعتبر مقياسا هاما جداً ودقيقا يختلف عن مقاييس أصول الفقه في موضوع التفريع والتشريع الذي يسمونه تفريعات وقضايا مستجدات وأشياء من هذه، أحياناً قد تنطلق تفرع على قضية معينة ولا تدري وتكون النتيجة أنك تطلّع هناك حكماً وإذا هو مخالف لقضية أساسية في القرآن؛ ولهذا كان يظهر في حركة أهل البيت في الماضي كان يظهر فيهم أعلام ويتحركون ولا تدري واشتغلت تلك المسائل التي قد طلعها المفرعون، قد صارت مطبات أمام إقامة دين الله، تفهم أنه في دين الله لا يمكن يأتي تشريع أبداً يبدو متناقضاً أو معارضاً أو يشكل عائقا أمام تشريع آخر على الإطلاق، وإلا لكان هذا ماذا؟ مظهر من مظاهر الإختلاف.
ليس الإختلاف فقط في موضوع ما فيه اختلاف في نصه بل في مضامينه في رؤاه، فيما يتركه هناك في النفوس، لا يحصل اختلاف على الإطلاق، يقول لك تأتي تقرأ مجموعة من قواعد أصول الفقه ثم تنطلق تفرع وتشرع، في الأخير يضعون مطبات كبيرة. تجد القرآن يتحرك في أكثر من اتجاه وبشكل عجيب أي تراه في منطقه يراعي أن الله رحيم، مبني على أن الله رحيم وعلى أن الله حكيم وعلى أن الله بكل شيء عليم، وعلى أن الله غالب على أمره، وأنه على كل شيء قدير، وأنه هو الذي خلق الإنسان ولهذا قال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}(الملك: من الآية14) {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفرقان: من الآية6) وأنه غني تجده في كل مضامينه كلها، لا تجد وكأن قضية معينة تبدو تختلف مع أنه رحيم، أو قضية معينة يظهر فيها تتنافى مع أنه حكيم أو مع أنه غني أو مع أنه يعلم الغيب والشهادة، لا يوجد كلها مصاديق يصدق بعضه بعضا، كما قال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في حديث روي عنه، يقدم القضايا بشكل لا يمكن أن تصل إليها ذهنية أحد.
كم ذكر من أشياء كثيرة جدا حول [معركة أحد] وكيف يأتي يتعرض لموضوع المعركة هذه، كم قدم من دروس وأحاط بالقضية من كل جوانبها، لا يستطيع خبراء عسكريون ولا قانونيون ولا سياسيون على الإطلاق أن يصلوا إلى شيء من هذا؛ ولهذا قال عنه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}(الإسراء:88) ولو كانوا متعاونين كلهم لا يستطيعون؛ لهذا كانت خسارة كبيرة جداً على الأمة أن تبتعد عن القرآن يعطيها نور يعطيها معرفة يعطيها علم يحصل عندها شبه إحاطة بالقضايا من خلاله بالشكل الذي لا يمكن أن تحصل عليه من أي كلية أو أي جامعة على الإطلاق أو من أي جهة من الجهات مهما كانت خبراتها.
لاحظ الأمريكيين وهم متجهون إلى احتلال الناس، احتلال البلدان أليسوا يبدأون يدرسون قضايا ويضعون خططاً ويفكرون، وخطط بعضها تستمر سنين يدرسونها ويطورونها ويعدلونها وأشياء من هذه، وما تدري واكتشف عندهم أخطاء كبيرة تعيقهم في مسيرتهم أخطاء كبيرة جداً؛ لأنها كانت قضايا ليسوا محيطين بها ولن يستطيعوا أن يحيطوا بها من كل جهة، لاحظ كيف هم الآن هناك في العراق محرجين إن حاولوا أن يكون هناك أمن معنى هذا لازم حكومة، يعني يقوم في العراق دولة وهم لا يريدون هذا، وإن جاء قلاقل داخلها بهذا الشكل فسيكون معناه برهنة على أنهم لم يحققوا للناس ما يدعون أنهم يريدون تحقيقه من تغيير أنظمة ويكون هناك وضع مستتب وأمن مستقر إلى غيره، وضعية الآن محرجة فعلاً لا يحبون حصول أمن؛ لأنه سيأتي طلبات دستور وحكومة وانتخابات وأشياء من هذه وهم معهم نوايا أخرى، وأن يكون بهذا الشكل وضع مقلق جداً لهم؛ لهذا يحاولون كيف يصرفون الأشياء يحرفونها يقول لك: بقايا نظام ويقول: هناك أناس دخيلين من سوريا ومن السعودية، من أفراد آخرين؛ لأن لا يحصل عند الشعوب الأخرى فكرة تحول دون قابلية أمريكا لتحررهم كما تقول، معناه أمريكا بعدها وضع قلق على طول لا يكون هناك استقرار أمني، الناس سيفهمون هذه، يحاولون يوحون للناس، لا، هذا ليس من جهة العراقيين هذا من جهة الآخرين دول تتدخل، أليسوا يحاولون يركزون على هذه؟ ولن يحاولوا أن يكون هناك أمن؛ لأنه إحراج لهم.
إذاً فتحركوا بكل قواتهم بعد التخطيط وبعد هذه الأشياء وإذا هم في وضعية حرجة، فيحاولون أن يحملوا المسئولية أطراف أخرى، أن إيران تتدخل أن السعودية تتدخل وسوريا وتنظيم القاعدة وبقايا النظام السابق، في الأخير يعملون مع الشعوب الأخرى بهذه الحجة: أنهم يتدخلون لا يريدون للعراق أن يكون هناك مستقراً، أعني: أنهم أمة يقيمون أعمالهم على أساس تخطيط وتنظير، معهم منظرين سياسيين معهم مخططين مهندسين يسمونهم في السياسة ومعهم خبراء ومعلومات كثيرة عن المجتمعات عن الدول عن النفسيات لكن تراهم يخفقون، لا يمكن لأمة أن يحصل لها على الإطلاق لا خبرات ولا خبراء ولا أي شيء يكون مقاربا للقرآن هذا على الإطلاق، إنه خسارة كبيرة أن تكون الأمة هذه تراها في وضعية سيئة ووضعية جهل مفرط، والقرآن بين أيديهم.
{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً}(النساء:83) هذا فيما يتعلق بالإشاعات، بالأخبار يمثل ضابطا مهما وتوجيها مهما بالنسبة للمسلمين؛ لأن قضية الأخبار، إشاعتها قد يكون لها آثار سيئة في أوساط الناس توجد بلبلة وتوجد ضعفا، فالمفروض أنه في مواجهة أي أمر من الأمن أو الخوف، هي القضية بمعنى إشاعة؛ لأنه كل القضايا تكون متعلقة بجانب أمن أو خوف أن لا يشيعوه أن لا يذيعوه، {أَذَاعُوا بِهِ} مثلما تعمل القنوات الفضائية والصحفيون، أيّ خبر يكون همه أنه يستبق إليه ويعلنه قُبَل، هذه غلطة كبيرة جداً.
{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء: من الآية83) فيعرفون أن هذا الخبر قد يكون مجرد شائعة، كيف يقابلها، أو هذا الخبر يوحي بشيء حقيقي كيف الموقف المناسب منه وهكذا؛ لأن الأخبار يكون بعضها التي يسمونها تسريبات بعضها يكون تسريبات وراءها شيء، توحي بشيء، هنا قال: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء: من الآية83) هي توحي بشيء، فكيف الموقف المناسب منه كيف يعمل خبر آخر يقاومه أو كيف يعمل عملا معينا يقاوم ذلك الشيء الذي حاول الأعداء من خلال تسريبهم أن يوصلوه إلى الناس ليعرفوا كيف سيكون موقفهم منه، أو ينقل لك قضية، التحليلات، أن يتعود الناس على التحليلات والمجابر والأخذ والرد في القضايا، ليست قضية صحيحة أبداً؛ لأنه أيضاً الأعداء أنفسهم هم يحاولون يستبينون استبياناً كيف رؤى الناس وكيف مفاهيمهم وكيف يمكن أن ينفق عليهم التضليل هل يمكن نؤقلم رؤاهم على ما نريد ونصنع الرأي نحن لهم في القضايا؟.
والعجيب أنه يحصل عند الناس الطبيعة هذه، في الوقت الذي لا يوجد عندهم نية عملية، ليس لديهم نية عملية إلا مجرد كلام هكذا، هذا ممنوع سواء عند الناس نية عملية أو ليس عندهم توجه عملي، ممنوع، لا يعتبر أسلوباً صحيحاً على الإطلاق، وخاصة في المرحلة هذه، هذه مرحلة خطيرة جداً في موضوع الأخبار والتسريبات التي يأتون بها، لهذا يكون الناس أذكياء ولديهم قدرة على كشفها وعلى أن يتخذوا الموقف المناسب أمام العدو بعد تسريب معين، وإلا فقد تكون بعض الشائعات وراءها احتلال، وراءها سفك لدمائهم وراءها تدمير لبيوتهم، ليست قضية سهلة.
هذه ظهرت في العراق، الأشياء هذه، مثل بعض الشائعات التي يعملها الأمريكيون عندما ينطلق الآخرون يرددونها، في الأخير تفتح عليهم باب شر، عندما كانوا يضربونهم وقالوا: بقايا النظام السابق! قالوا: بقايا النظام السابق، على حسب ما يقدّم الأمريكيون، وضربوهم مرة ثانية، وهكذا.. المشكلة أنه في البلاد العربية فيما يتعلق بالإعلام لا ينطلقون على هذا الأساس، الذين يكونون صحفيين كثير منهم كثير من القنوات الفضائية لا يكون لديها موقف معين مبني على رؤية معينة، فقد تكون بعض الأخبار غير مناسب أن تنشره نهائياً، لكن قد عندهم هواية أنه لازم أي خبر ينشرونه، فتجدها لم تقدم شيئاً للأمة، ماذا قدموا من شيء؟ ماذا تركوا من أثر للناس؟ هل حصل توعية من خلال ما قدموه، توعية للناس، يعطي رؤية واحدة وموقفاً واحداً؟ لم يحصل شيء.
هذا يدل على أهمية الأخبار، أنه يجب أن تردّ إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، وإذا ما هناك التزام بالطريقة هذه فقد تكون منفذاً للشيطان قد تكون منفذاً لاتِّباع الشيطان، فمن رحمة الله أن يوجه الناس إلى توجيه يبعدهم عن اتِّباع الشيطان. {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}(النساء: من الآية83) وهذا من فضله: أن يوجههم كيف يتعاملون مع الخبر مع الشائعات، سواء من صحيفة أو إذاعة أو تلفزيون أو كيفما كانت.
{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً}(النساء:83 -84) ولاحظ كلما يذكر قضية هي عادة من الأشياء التي تشكل وهناً داخل المجتمع، ألم يذكر هنا عن أشخاص مواقفهم، منطقهم، لكن هنا يعطي أملا وتثبيتا للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) كذلك للمؤمنين أن يظلوا مستقيمين وثابتين؛ لأن هذه الأشياء في الأخير عندما تكون من أطراف هي تعتبر ليست منهم، فمن هو منكم من هو من الناس من هو مؤمن سيلتزم، هذه لن تضر في الأخير إذا كانوا ثابتين أي: ليس المعنى أن الإستقامة والثبات أن تكون ثابتاً ومستقيماً لكن إذا ما هناك شيء، لا عدو ولا كلام ولا شائعات ولا شيء. استقم وكن ثابتاً، ويأتي هذا التأييد من الله سبحانه وتعالى وإن كان هناك أشياء.
وهذه قضية هامة؛ لأنه كثير من الناس متى ما رأى الوضع، أناس لا ينطلقون وأناس مخذِّلون وأناس كذا وأناس يتحركون مع العدو.. إلى آخره اعتبر أنها قضية لم يعد بالإمكان أن يتحرك فيها شيء، أنها وضعية لا يمكن يستقيم فيها عمل ولا ينجح الناس أبداً أن يعملوا في دين الله فيها؛ لهذا قال له: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا}(النساء: من الآية84) وعسى من جهة الله هي وعد {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً}(النساء: من الآية84) قال سابقاً بعدما قال عنهم: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ}(النساء: من الآية81) كيف قال بعد؟ {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}(النساء: من الآية81) أليست تلك حالة تعتبر خطيرة؟ أليس المطلوب في مواقف الناس أنه طاعة، وطاعة حقيقية، لكن قد يحصل أناس آخرون يبيتون خلاف ما تقول، ألست ستعتبر هذه حالة من الوهن داخل المجتمع الذي أنت فيه؟ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّه يعني: لا تتراجع لا يحصل عندك تراجع عندما ترى مظاهر من هذه التي تعتبر خلخلة.
هذه قضية ملموسة فعلاً في الناس إذا نظر واحد ورأى [عارضوا من هنا، وأناس من هناك، وضجة وأشياء من هذه قال يا أخي لن يتم شيء]، أليس سيقول هكذا في الأخير؟ لاحظ الآيات هذه كيف مسيرتها كيف سياقها {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}(النساء: من الآية81) هنا يأتي في موضوع الخبر أو ما قد يترك الخبر والشائعات من أثر فيقعد ناس ويتخلف ناس {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ}(النساء: من الآية84) لو لم يبق إلا أنت {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ}(النساء: من الآية84) فإذا كان هناك ضعف وقد تعتقد بأن هذا الضعف يمثل نقطة قوة عند الآخر، الله على كل شيء قدير قد يوجد هناك ضعفاً في جانب العدو بالشكل الذي لا يعتبر هذا إيجابية ونقطة قوة بالنسبة للعدو، الضعف الذي حصل عندك {وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً}(النساء: من الآية84).
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.