سورة المائدةالدرس الحادي والعشرون
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
اللهم اهدنا، وتقبل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.
بالأمس انتهينا من [سورة النساء] هذه السورة التي عنوانها: [سورة النساء]، وفعلاً إذا تأمل الإنسان يجد سورة هامة جداً، فيها توجيهات كثيرة، تتناول مختلف القضايا، فيما يتعلق بإقامة القسط، فيما يتعلق بالجهاد، فيما يتعلق بالجوانب الأمنية، فيما يتعلق بقيمة هدى الله، وأهميته، فيما يتعلق بطاعة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله).
وكان من الآيات الأخيرة فيها هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً}(النساء: 174-175) هذه الآية هي تعطي خلاصة للسورة، يفهم منها بأن الله سبحانه وتعالى يريد لعباده المؤمنين – ذكوراً وإناثاً – أن يكونوا على مستوى عالي من الذكاء، من الحكمة، من الفهم، من النباهة؛ لأن هذا نور، ووعد إلهي بالهداية إلى صراط مستقيم، أي: أن الله سبحانه وتعالى يريد للنساء – ناهيك عن الرجال – أن يكنَّ على هذه الدرجة العالية من الذكاء، والنباهة، والفطنة، والحكمة، والرؤية الصحيحة، والاهتمامات الكبيرة، كما يريد ذلك للرجال.
الإنسان المؤمن يجب فعلاً أن يكون مستنيراً، وأن يكون مهتماً، ولكن ربما أن الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى درجة أن يهتدي بهدى الله، أو يستنير. وكما قلنا في جلسة سابقة حول قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال من الآية: 24) والآية الأخرى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة: 186) أن الإنسان يحتاج إلى أن يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى، كل واحد منا حتى نستفيد، حتى يهدينا الله، حتى نستنير، أن يتوجه كل واحد منا بنفسه إلى الله سبحانه وتعالى، ويقطع، ويعزم مع الله، ويستعين بالله، ويرجو الله أن يعينه بأن يكون مهتدياً بهديه، بمعنى: أن يعزم فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى أنه سيسير على هدى الله، وأنه مسلِّم نفسه لله، وانه موطِّن نفسه للاستجابة لله، وإلا إذا جلس الإنسان هكذا لا يقطع بهذا الشكل مع الله سبحانه وتعالى، وفعلاً، كما قلنا أكثر من مرة في أجواء من الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، من الاستعانة بالله، إذا لم تحصل هذه ربما لو سمعنا أشياء كثيرة، لو لدينا دروس، لو قرأ القرآن علينا عدة مرات ربما لا يترك أثراً في نفوسنا بالشكل المطلوب، هذا بقية فعلاً لما تناولته [سورة النساء] وما يمكن أن نفهمه إجمالاً من سورة النساء.
نحن الآن مع سورة أخرى، والقرآن كله اتجاهه واحد، وتتناول سوره مختلف المواضيع، لم يأت على طريقة التبويب لكل موضوع باب خاص؛ لأن المواضيع مترابطة، والقضايا مترابطة، والإنسان بحاجة إلى معرفة شاملة في مختلف القضايا، وقد يكون من حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون القرآن على هذا النحو، ولما يعلم بأن كل إنسان من عباده بحاجة إلى أن تقدم له هذه المعارف جملة، وليكون بالشكل الذي لا يمكن لأي جهة أن تتحكم فيه، أو تفصل الناس عن أبواب معينة أو أجزاء معينة منه، أو فصول معينة منه، لو كان مفصلاً، يعني – مثلاً – لو أن القرآن جاء: [باب التوحيد] بعده [باب الصلاة] [باب الطهارة] باب بعد باب بعد باب إلى أن يصل [باب الجهاد] لربما كان هذا الباب مما تمنع قراءة سوره، أو مما لا يسمح بطباعته، فيأتي هذا القرآن العظيم هكذا مدمج.
ولهذا نحن في مرحلة فعلاً ونقول من زمان بأنه يجب علينا أن نتمسك بالقرآن وليعمل ما يريد الآخرون أن يعملوا لن يضرونا ما دمنا متمسكين بالقرآن، ولن ينقصوا علينا شيئاً يعتبر خسارة علينا في ثقافتنا أو في إيماننا على الإطلاق، والقرآن هو بالشكل الذي يتهيب الكل فعلاً أن يتناولوه بطريقة قاسية، أن يجمعوه مثلاً ويحرقوه، لكن لن يتناولوه – مثلما قلنا سابقاً – إلا عن طريقنا نحن، أن يفصلونا عنه، وأن تحرف معانيه أمامنا من قبل ناس منا نحن، أما هم فكانوا يتهيبون أمام الكتب التي تنزل عليهم أن يمسوها هي، نفس الكتاب الذي أنزل على موسى، نفس الكتاب الذي أنزل على عيسى أن يمسوه هو بتحريف، كانوا يتركونه على جنب، تبدونها، كما قال الله عنهم، وتخفون كثيرا {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً}(الأنعام من الآية: 91) وسيأتي من خلال هذه الآية حديث حول، ما كنتم تخفون من الكتاب، لكن ممكن أن نُضرَب نحن بأن نفصل نحن عن القرآن عن طريقنا نحن، من داخل أبناء الأمة هذه، سواء ممن هم يتحركون برغبة أو برهبة، بغباء أو بطمع للحصول على مصالح معينة، وهكذا، ارتباطنا بالقرآن، ارتباطنا بالقرآن يشكل فعلاً سلاحاً هاماً جداً للمسلمين، سلاحاً هاماً جداً للمؤمنين، ارتباطهم به، أن يقولوا مثلاً في موضوع الخطابة: اعملوا ما تريدون، فنحن لن نخطب إلا بالقرآن، هل يمكن أي جهة تقول: [لا، ولا القرآن] لا يمكن؛ لأن له مكانة في نفوس الناس، وأي جهة تقول: [أبداً، ولا القرآن]؟! أبعدوا ما تريدون، ولا تتعبوا أنفسكم بأنكم تبحثون عن خطباء وكتب معينة، ومراجع معينة وأشياء من هذه، مستعدين ما نقدم ولا خطبة واحدة إلا من القرآن، والقرآن لا يمكن أن نسمح لأحد أن يقف أمامه ليسكتنا عنه على الإطلاق.
هذه القضية لا بد منها، لا يمكن لهم أن يقولوا: [لا بأس القرآن لكن الفصل الأخير منه، باب الجهاد فقط مثلاً أو الجزء المختص بتاريخ بني إسرائيل منه فقط]. وأنت تقرأ [سورة البقرة] ترى فيها بني إسرائيل، وجهاد، وصلاة، وإنفاق، وصيام، ونكاح، وطلاق، وأشياء من هذه.. إلى آخره، تدخل [سورة آل عمران] نفس الشيء تدخل [سورة النساء]، [المائدة] وهكذا القرآن حكيم بكل ما تعنيه الكلمة، {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ}(فصلت: من الآية42) ليس معهم مدخل عليه على الإطلاق، إنما تحصل مداخل علينا نحن، على الإنسان نفسه؛ ولهذا كان الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يعتبر القرآن سلاحاً، سلاحاً فعلاً، حتى في قضايا كثيرة لا تعتقد بأن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يقرأ كتب بني إسرائيل، أو يحاول يرد عليهم من داخل كتبهم، وأشياء من هذه، من القرآن، وسيأتي آيات مما سمعناها حول هذا الموضوع، فالقرآن يعتبر عصمة، ويعتبر سلاحاً، وهو مبارك، والتوجيهات منه مباركة، الاعتصام به قضية مقبولة عند المسلمين جميعاً، كل المسلمين، ممكن أن يقولوا: [لا، أما القرآن لسنا مستعدين] إلا إذا كان مثلاً في بعض بلدان، أو في وضعية معينة عن طريق علماء سوء، فعلاً أو خطباء سوء، أو أمة غير واعية لا تفهم وضعية الحكومات الآن، فمتى ما جاء شيء من جهة الوزارة الفلانية قالوا: [قانون، دولة، أوامر دولة].
يجب أن يفهم الناس – كما نقول أكثر من مرة – نفهم الوضعية الآن بشكل عام، الدول الآن مقهورة، الدول الآن مغلوبة على أمرها، الدول الآن ممكن أن يأتي من جانبها أي شيء حتى وإن كان الكثير منهم لا يريد ذلك، فلم يبق إلا أن يكون الناس هم من يقولون: لا، أي شيء يلمسون فيه يداً أمريكية، يلمسون فيه خططاً يهودية صهيونية، نصرانية، يقولون: لا، لا يمكن، ويعمل الناس في نفس الوقت الأشياء التي يمكن أن تعيق ما يمكن أن يفكروا فيه من أشياء تبعد الناس عن القرآن، أو تكون أشياء تؤدي في الأخير إلى التحكم في مساجد المسلمين، أو مدارسهم، أو مناسباتهم، أو كيفما كان.
[سورة المائدة] قد سمعنا منها آيات، وتجد فيها حديثاً في نفس الوقت عن بني إسرائيل، إضافة إلى أحكام أخرى فيما يتعلق بمأكولات، ومشروبات، ونكاح، وأشياء من هذه، لماذا يأتي هذا الموضوع متكرراً؟؛ لأن الإنسان يحتاج إلى أن يكون ذهنه مستحضراً للأشياء هذه كلها؛ لأنها مترابطة، فلا يكون ذهنك متجهاً إلى ما يسمى: [فقه] وأنت ناسي قضايا الأعداء، هذا الذي حصل بالنسبة لنا كمسلمين فعلاً، عندما فصلت الأشياء وقدمت فنون، الفقه اعتبر هناك كتب مستقلة لوحده، وكتب أصبحت طويلة عريضة، مجلدات بمئات المجلدات، وإذا قد الإنسان منشغل فيها، وذهنه يسيطر عليه أقوال أصحابها، والترجيحات داخلها، ونسي القضايا الأخرى، هنا يذكر لك قضية فقهية على ما نفهم في الزمن هذا، أو حسب مصطلحاتنا، وهو في نفس الوقت يأتي لك بحديث يذكر لك أعداء، منافقين، يهود، نصارى، مشركين، أو بعنوان آخر أهل الكتاب مثلاً، من كل الفئات؛ ليبقى الإنسان هكذا ذهنه، ذهنه يستوعب، وذهنه واسع، ومداركه واسعة، لا يجلس ذهنه فقط مشغولاً بموضوع معين.
هذه قضية لمست فعلاً، منهم من يتحول إلى نحوي بحت وغارق في النحو ووجوه النحو وأشياء من هذه، ومنهم من يتحول إلى فقيه مستغرق ذهنه ومسيطر على مشاعره وكل تفكيره قضايا أحكام شرعية فقهية، وناسين قضايا أخرى هامة جداً، هي أساس في أن يكون لهذه اللغة التي أنت تسهر على أن تعرف أحكام مفرداتها، سواء باعتبار الصيغة، أو باعتبار النطق، أو هذا الفقه الذي أنت تسهر لمعرفة أحكامه، قد تصبح في الأخير تموت بين يديك، إذا كنت تجهل القضايا الأخرى، قضايا إقامة الدين؛ لأن الفقه معناه: أن يفقه الناس هذا الدين، هذا هو الفقه، كتاب الفقه هو القرآن، كتاب الفقه بكل ما تعنيه الكلمة، وبمعناها العربي القرآني يعني: فهم الدين بشكل عام، بدءاً من معرفة الله سبحانه وتعالى، لا يعتقد واحد بأنه هنا يحصل تكرير لمجرد التكرير، التكرير له أهمية كبيرة في تأثيره في النفس، وأهمية من الناحية التربوية، أن تجلس أنت تستعرض، مشاعرك مليئة بهذه المعلومات التي تراها مترابطة، واهتمامك بها يكون اهتماماً بها جميعاً، وليس ببعضها دون بعض، يكون اهتمامك بها أيضاً على أساس أولويات، على حسب ما تتركه تربية القرآن من أثر في نفسية الإنسان في النظر إلى القضايا، هذه هامة، وهذه أهم، هذه هامة اليوم وغداً هي أهم، وهكذا.
في بداية هذه السورة يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}(المائدة من الآية: 1) التزامات على المؤمنين، وتراها التزامات سواء فيما يتعلق بتعاملهم العام، أو التزامات حتى مع العدو، فيما يحصل مثلاً من مواثيق أو عقود يجب أن يكون هناك وفاء بها، لكن ويجب من البداية أن تقوم العقود على أسس صحيحة، وإذا كانت عقوداً بمعنى مواثيق فيما بين مؤمنين وأعداء من أهل الكتاب، أو ممن كانوا أعداء، فهنا يجب أن ينظر أولاً إلى الطرف الذي يمثل المؤمنين، وأن يكون على مستوى عالي من المعرفة، هل هو مناسب أن يكون هناك ميثاق معين، وأن يكون هذا الميثاق مثلاً مؤقتا، ثم متى ما حصل مواثيق فيجب الوفاء بها.
العهود فيما بين الناس، أيُّ التزامات تلتزم بها أنت يجب أن تفي بها، إذا رأيت بأنك محرج مثلاً، حصل حرج معين فحاول أن تستقيل من الطرف الآخر، لا تحاول أن تخلف العهود، أو تنقض العقد من عندك أنت، حاول أنت من جانبك أن تقول: [يا خبير الالتزام الفلاني أصبح كذا وكذا ما رأيك لو…؟ يأتي تعديل فيه ممكن] فيما لو تلمس من طرف آخر في مواثيق مثلاً فيما بين المسلمين وأعدائهم، تلمس من جانبهم أنهم ربما يفكرون في نقضه، أنت لا تقول: إذاً هم يفكرون في النقض أنا سأنقض، أنبذ إليهم على سواء، أعلن بأنه أنتم يبدو أنكم متجهين لنقض المواثيق إذاً انتهى، إذا لم تعودوا تريدون التزاما، إذاً [فالوجه أبيض] كما يقول الناس، انبذ إليهم على سواء، تريد قضية فيما بينك وبينهم تكون معروفة وتكون معلنة. الوفاء قضية هامة جداً فيما بين المؤمنين مع بعضهم بعض، ووفق التزامات صحيحة يدخلون فيها.
{أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}(المائدة: 1) بهيمة الأنعام تطلق على الإبل والبقر والغنم، الأنعام هي هذه الثلاثة الأجناس، هي التي يطلق عليها الأنعام، ويعرف بغلبة الاستعمال إطلاق هذا الاسم عليها. هناك أشياء كثيرة من الحيوانات أبيح اصطيادها، وأبيح أكلها، خارج هذه الأجناس الثلاثة، وبالنسبة للصيد لا يصح والإنسان مُحْرِم أن يصطاد، نهائياً، التأكيد بالنسبة لهذه القضية أن لا يكون هناك اصطياد من جانب المحرمين للحيوانات التي عادة هي حلال في غير وقت الإحرام هو يوحي بأهمية كبرى لحرمة البيت الحرام، وما جاور البيت الحرام، نفس تلك المنطقة، وحرمة الفريضة التي تدخل فيها، سواء حج أو عمرة بدءاً من إحرامك.
ثم ربما نفس هذه المخلوقات قد يكون لها دور معين فيما يتعلق بالبيت الحرام، وكما يجد الإنسان أثناء الحج، أليس الناس يرون الحمام بين الحجاج ولا تنفر منهم؟ قد يكون عندها فهم هي، قد يكون هذا البيت – كما قال الله -: {وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ}(آل عمران: من الآية96)، قد يكون لعوالم كثيرة غير الإنسان، غير الأنس، وغير الجن، قد يكون لمخلوقات أخرى، منها هذه المخلوقات، فإذا وجدنا بأنه لا يصح أن تصطاد صيداً ولو أرنبة أو حمامة، فما أعظم حرمة الإنسان المسلم في ذلك الوقت، وقت العمرة، ووقت الحج وأنت محرم ولو من الميقات، ثم في تلك المساحة كلها، البيت الحرام وما جاورها، أن حرمة الإنسان، عندما تجد أنه لم يبح للناس أن يصطادوا حمامة، فيسفك دم حمامة، فكيف بدم إنسان.
{إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} هو رب العالمين جميعاً، وهو ربنا جميعاً، هو يحكم ما يريد، لا يسأل عما يفعل فيقال له لماذا؟ لا يجوز لي أن أصطاد في الوقت هذا، ويجوز لي أن أصطاد بعد.. لا.. الحكم هو لله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ}(المائدة من الآية: 2) كل ما جعله الله معالم لدينه {وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ}(المائدة من الآية: 2) يعني: لا تستحلوا حرمتها، لا تنتهكوا حرمتها {وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ} لاحظ على الرغم من التأكيدات الكثيرة حول الشهر الحرام، تجد بعض الفقهاء يقولون: منسوخة حرمة الأشهر هذه، وأنت تجدها في عدة آيات، مما يؤكد بطلان قولهم، حرمة الأشهر الحرم حرمة قائمة {وَلاَ الْهَدْيَ} الذي يقدمه الحجاج أو المعتمرون {وَلاَ الْقَلآئِدَ}(المائدة من الآية: 2) التي تقلد بها الهدي، تصبح لها حرمة يعني: تترك في الهدي إلى أن يصل مَحلَّه، ثم يتصدق بها على الفقراء مع الهدي، كانوا يضعون قلادة للهدي ليميزه عن بقية الأشياء التي هي مركوبة في السفر، تبين أن هذا هدي، مثلاً بعير، أو أي شيء من الأنعام {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}(المائدة من الآية: 2) قاصدين البيت الحرام، لا يجوز أن تنتهكوا حرماتهم {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ}(المائدة من الآية: 2) لاحظ هذه القضية نرى مثيلاً لها في الآيات السابقة، في السور الماضية، أن الإنسان يترفع تماماً عن العداء الشخصي، عن الغضب الشخصي{لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} لا يحملكم عداوة آخرين أغاضوكم {أَن تَعْتَدُواْ} فتنتهكوا الحرمات هذه، إنما أجاز فيما لو حصل منهم في نفس الوقت، في نفس الشهر، أو حتى في نفس المكان اعتداء من جانب أعداء المسلمين، يحصل اعتداء هو انتهاك لحرمة هذا الشهر فقد أجاز الله للمسلمين أن يردوا {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}(البقرة من الآية: 194).
{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(المائدة من الآية: 2) في حالة كهذه، في أجواء قد يأتي من جانب، أو قد يلمس الناس في داخلهم من يتحرك بغضب ويبدو ماذا؟ موقف شخصي، أن لا يستثير الآخرين فيستثاروا له، بل يجب ماذا؟ أن يتعاونوا جميعاً على البر والتقوى، ومهما كان يهدئونه، يقولون: هذا لا يمكن، مثلاً، قد تحصل هذه، قد يحصل من داخل الناس من مثلاً لا يمسك أعصابه فيستثار غضباً، غضباً هكذا، يبدو وكأنه موقف شخصي، لا، يجب أن يكون الناس من أجل أن يلتزموا، من أجل أن يراعوا الحرم، من أجل أن لا ينتهكوا الحرمات، أن يتعاونوا فيما بينهم على تهدئة بعضهم بعض، لا أن يسمحوا بأن يستثار الناس من قبل من قد يكون أعصابهم تستثار، ويبدو وكأنه موقف شخص.
{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} عبارة شاملة هذه، عبارة شاملة؛ لأن التقوى بأن يكون الناس متقين يحتاج إلى تعاون، قد يأتي التعاون مثلاً في مجال معين من باب التواصي، من باب أن يردوا عليه أن [ما هو وقت، ولا يمكن] وأشياء من هذه، أو ما القضية إليك أنت، أو لأي اعتبار كان، أو يكون أن الناس بحاجة دائماً إلى تعاون فيما بينهم؛ ليصبحوا متقين، وتكون أعمالهم أعمال بر. {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، أحياناً الاستفزازات قد تؤدي إلى أن طرفاً معيناً يستثار ولا تدري واستثيروا آخرين معه وانطلقوا، وقد تكون القضية تعاون فيما بينهم على إثم وعدوان، فهذا منهي عنه.
{وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(المائدة من الآية: 2) صدَّر السورة هذه بضرورة إلتزام الناس بأن يفوا بالعقود فيما بينهم، فبالأولى ما هو من جهة الله إلزاماً لهم {وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ}(المائدة من الآية: 7) هذا يعتبر ميثاقاً من جهة الله، إذا أنت ترى بأن الله سبحانه وتعالى يلزم الناس فيما بينهم بالوفاء بالعهود القائمة فيما بينهم، فبالأولى يجب أن يلتزموا بالعهود التي تقدم من عنده التي تعتبر ميثاقاً من جهته سبحانه وتعالى عهداً من جهته سبحانه وتعالى عهد به إلى الناس.
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ}(المائدة من الآية: 3) هنا يبين سبحانه وتعالى مجموعة من الأشياء التي تعتبر محرمة على الناس أن يأكلوها، سواء كانت من الأنعام المعروفة، أو مما أحل وأباح أكله من الصيد، الحيوانات الأخرى التي أباح اصطيادها وأكلها. {الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} معروفة، الميتة من أي حيوان من الحيوانات هذه، والدم، أكله، وقالوا: كان عند بعض العرب، كانوا يشربون الدم، {وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} الخنزير، {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ} ما كان يذكر اسم غير الله عليه عند ذبحه، باسم كذا.. ويعلن شيئاً آخر.
{وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ} المنخنقة التي تختنق، والموقوذة التي تضرب مثلاً في رأسها، أو في غيره فتموت بالضرب، والمتردية التي تسقط، والنطيحة كذلك التي ينطحها حيوان آخر فتموت {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} مثلاً ما لحقتم ذكاته فلا مانع من أكله {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} مثلاً يأكل السبع ويبقي شيئاً يعتبر محرماً {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} مثلاً ما لحقتم ذكاته من هذه الأشياء التي يمكن أن تلحق ذكاتها، أن يذكى وهو ما يزال حياً، {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} هناك {مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ} وإن لم يكن على نصب، أن يرفع عليه اسم غير اسم الله، أو يذبح على النصب، والنصب كان عندهم الأصنام، أو ما يسمى المناشح، أو أشياء من هذه.
{وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ} كان العرب عندهم عادة: معهم [أقداح] معينة إذا يريد أن يسافر، أو يدخل في قضية، يحاول.. أشبه شيء بـ[الفال]، ينظر هل أنه يدخل في الموضوع أو لا يدخل، هل يسافر أو لا يسافر، هذا أيضاً مما نهى الله عنه؛ لأن الناس أمروا بأن يتوكلوا على الله، وأن يهتدوا بهدي الله، وأن يسيروا في الأرض يبتغون من فضل الله، {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} خروج عن طريق الله وسنته.
{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ}(المائدة من الآية: 2) لا تخشوا من جانبهم بأنهم قد يعملون حملات دعائية مؤثرة، مثلما كان يحصل سابقاً عندما يقولون: كيف نأكل ما قتلنا، ولا نأكل ما قتل الله، كانوا يقولون هكذا، عندما كان يقول المسلمون: الميتة حرام لا تؤكل، قالوا: كيف نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله! من هذا الشيء، ميتة قد حرمها الله، انتهى، {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}(المائدة: من الآية1)، {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ} اعتبروا بأن هذا الدين قائم، قائم، هذا معنى يئسوا، في البداية قد يكون عندهم أمل، ويكونون نشيطين أن يعارضوا، ويعملوا دعايات، ويحاربوه، وأشياء من هذه، لكن عندما واصل المسلمون بقيادة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عمل، عمل حتى أصبح الإسلام قضية مسلَّمة، ومفروغ منها، وانتهى الموضوع، ينسوا أنه ما يزال باستطاعتهم أن يمحوا هذا الدين، أو يعيقوا هذا الدين، أو يؤثروا على أحد، في الأخير يسكتون وييئسون، أعني: يئسوا من أن باستطاعتهم أن يعيقوه، أو يمحوه، لكن سيبقى لديهم دوافع محاربته مثلما قال في آية أخرى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ}(البقرة من الآية: 217).
[سورة المائدة] يقال بأنها من آخر السور نزولاً؛ لهذا تجد فيها كلمة: [اليوم]، اليوم تحكي وضعية معينة في أكثر من آية، {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} وهذه القضية أساسية في أن يلتزم الإنسان المؤمن، في أن يستقيم، يحتاج إلى أن يكون على هذا النحو، أن يخشى الله ولا يخشى غيره؛ لأنه متى ما حصل لديك خشية من غير الله أثرت عليك فيما يتعلق بالتزاماتك أمام الله سبحانه وتعالى، والالتزام بما وجهك إليه، وبما فرضه عليك، فعندما تخشى آخرين في الأخير تحاول أن تستجيب لهم، وبالطبع يكون على حساب استجابتك لله.
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}(المائدة من الآية: 2) هذا أشبه شيء بإعلان {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} هذه الآية روي بأنها نزلت بعد إعلان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ولاية الإمام علي، وكلها جاءت في نفس السورة هذه، إنما لماذا لم تأت هناك؟ هذا أسلوب ربما قد مررنا بأمثلة له، عندما تجد هناك قضايا تبدو صغيرة وهي محط اهتمام، أليس هنا قضية مأكولات؟ تجدها محط اهتمام في هذا الدين، وتشريع دقيق، والتزامات تقوم على هذا التشريع، هدى في هذه القضايا الصغيرة، تعرف أن هذا الدين الذي يهدي الناس على هذا النحو الشامل، ولا يهمل القضايا الصغيرة، هل يمكن أن يهمل قضية كبيرة؟ هل يمكن؟.
إذاً موقع الآية هنا فعلاً مؤثر جداً أن تكون هذه الآية هنا {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} في الأخير ترى ما هي الأشياء التي ذكرت هنا؟ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ..} إلى آخرها، هذا يعني ماذا؟ أن هذا من دين الله، تجد أن دين الله هو شامل، كامل، فهل يمكن أن تأتي، أو أن تقبل أنت – إذا كنت تفهم الدين على هذا النحو – أن قضية كبيرة قد يقوم عليها موت الأمة إذا ضاعت، {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ألا يمكن أن يحرم على الناس ما قد يميتهم كأمة؟ هل يمكن أن يهمل قضية تقوم عليها حياة الأمة؟ لا يمكن هذا، ولاية الأمر، من يخلف رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولاية أمر الأمة، قيادة الأمة قضية هامة جداً جداً، إذا لم تكن على هذا النحو القرآني تموت الآمة، كيف يحرم عليك ميتة ولا يحرم على الأمة ما قد يميتها؟!.
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} الدين يعتبر لهذا الاسم ديناً، ويعتبر نعمة إلهية، ويعتبر الالتزام به، تعتبر إقامته تسليماً لله سبحانه وتعالى، فدينه هذا هو الإسلام، أي هو طريق التسليم له سبحانه وتعالى، هو الذي بالتزامك به، باهتدائك به، بتطبيقك له تعتبر مسلِّما لله، ومستسلماً أمام الله سبحانه وتعالى.
{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(المائدة من الآية: 2) هو راجع إلى ما قبل {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..} إلى آخرها، {فَمَنِ اضْطُرَّ} راجع إلى قوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} وما قبلها {الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} إلى آخر المحرمات، فمن اضطر إلى أن يتناول شيئاً من هذه، لكن في حالة هو مشرف فعلاً على الموت لا يجد غيرها على الإطلاق فاضطر إلى أن يتناول شيئاً منها ليسد به رمقه، {مَخْمَصَةٍ} يعني مجاعة {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ} يميل لارتكاب إثم {فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}(المائدة من الآية: 4) إلى آخره، ما قد سبق أن قال لهم: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ}(المائدة من الآية: 3) أحياناً تكون الأسئلة غير مناسبة فعلاً، يعني: قد يكون وضعية معينة في مسيرة التشريع غير مناسب أن يسألوا نهائياً، قد تكون وضعية غير مناسب بالنسبة للناس أن يتناول فيها ما يمكن أن يحرمه بعد، أن يحرمه الآن، قد يكون مسكوت عن قضية معينة، عن أشياء معينة، قد يكون مسكوت عنها، لكن متى ما حصل سؤال أصبح هنا الموضوع إحراج، إما أن يقول: هي كذا، أو أن يسكت فيأخذوا منها وكأنه أقرها؛ ولهذا تأتي بعض الأسئلة يجيب عنها جوابات أخرى.
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} قد ذكر ما حرم هنا، فإن جاء بقائمة أخرى بالمحرمات فلا بأس وإلا قد تكون هناك قاعدة بأنه أشياء تعتبر خبيثة، والأشياء الخبيثة هي تؤثر بالنسبة لنفسية الإنسان، حتى الأشياء التي قد يكون شكلها بشع، نفس الإنسان متى ما كانت نفساً زاكية، وعالية، يرتقي ذوقها أيضاً معها، يرتقي ذوقك، وتجد مقياساً لهذه من الأشياء التي أحلها الله سبحانه وتعالى وهي طيبات تجدها جميلة، وتجدها لائقة في أشكالها، سواء فيما يتعلق بالحيوانات، أو فيما يتعلق بالفواكه. تجد الآخرين يأكلون أشياء فضيعة مثل [الجمبري] ذلك الحيوان البشع، والسمك الآخر، ثعابين وأشياء من هذه يأكلونها! نفوسهم منحطة، ذوقهم منحط فعلاً، ذوقهم منحط، حتى تلمس مثلاً انحطاط ذوقهم حتى فيما يتعلق بالصناعات، فالصناعات السابقة كانت أجمل، كلما تقدموا تراهم يميلون إلى الأشياء الفضيعة، إلى الدمى الفضيعة وكألعاب حتى للأطفال، الدمى الفضيعة، أليست الدمى كلها فضيعة، وأفلام كرتون كلها أشكال فضيعة، كذلك هكذا أصبح عندهم انحطاط في ذوقهم.
لاحظ أنه كيف كان فيما يتعلق بالفن الإسلامي، كيف كان الفن الإسلامي بعد ظهور الإسلام كان جميلاً جداً سواء الفن المعماري، أو فن الرسم، أو فن الخط، أو أشياء من هذه كان راقياً؛ لأنه متى ما سمت نفسية الإنسان سمى ذوقه أيضاً، ومتى ما انحطت نفسيته انحط ذوقه أيضاً. يعملون الضفادع محشي في بريطانيا وفي غيرها، ضفادع يصدرونها لهم من مصر ومن غيرها! أليست هذه أشكال فضيعة؟ يعمل الضفدعة محشي، يحشيها رز وخضار، أشكال فضيعة، وثعابين وكلاب مثلما يحصل في الفلبين!!.
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ}(المائدة من الآية: 4) وأحل لكم أيضاً بأن تعلِّموا من الجوارح مثل الكلاب، أو بعض الحيوانات، مثل الباز، أو أشياء من هذه التي يمكن أن تتعلم إلى درجة أن تمسك عليكم، تمسك فريسة معينة وتأتي بها إليك، أما أن تهجم عليها وتأكل فهي قد أصبحت مثلما {أَكَلَ السَّبُعُ} إن لحقت ذكاته فلا بأس وإلا فلا تأكل من الباقي {مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} لأن هذا معنى التعليم، أن تعلمه إلى درجة أن يعرف بأنك تزجره لينطلق للفريسة ويأتي بها إليك، أما فقط ينطلق قد يكون من أول يوم ما تحتاج تعلمه، كلب مثلاً رأى أرنبة تقول له يلحقها، قد يلحقها يصطادها من أول يوم، لكن لا، التعليم هو يكون على هذا النحو، يصل إلى درجة أنه يعرف أنك تزجره للصيد، وأن يفهم أنك تريد منه أن يأتي به إليك.
{تُعَلِّمُونَهُنَّ} أليس هذا يدل على أن هذه الحيوانات تدرك؟ تدرك فعلاً، قابلة أن تتعلم، لكن عندما لم يتعلم الإنسان هو، لم يتعلم الإنسان هو فعلاً، جاء المعتزلة وقالوا لنا: أن هذه ليس معها عقول، يقولون هكذا فقط، نحن لدينا عقول أما هي فليس معها عقول فهي لا تدرك، إنما فقط هي غرائز لديها ولا تدري ماذا تعمل! {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ}.
{فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}(المائدة من الآية: 4) قد يكون مثلاً ذِكْر اسم الله عليه عند إطلاقه – كما يقولون – عند إطلاق الكلب مثلاً للصيد، وعندما يأتي به أذكر اسم الله عليه، عندما تذبحه، عندما تأكل منه.
{وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أليس هنا أوامر بتقواه؟ هذه حدود لا يتعداها الإنسان {وَاتَّقُواْ اللّهَ} فلا يكون معك كلب تعلِّمه قليلاً على أساس أنه قد صار يلحق الفريسة ويذهب هناك يربض عليها ويأكل منها وتلحق تأكل الباقي وهو لم يمسك عليك، أيضاً فيما يتعلق بالأشياء السابقة من عندما قال عنهم: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} ألم يلفت أنظارهم في الأخير إلى مسألة الالتزام؟ {وَاتَّقُواْ اللّهَ} اتقوا الله، أي: كونوا ملتزمين؛ لأن التقوى التي تعني الالتزام والحذر من المخالفة تحتاج إلى ماذا؟ إلى اهتمام من جانبك وأنت تتلقى التوجيهات هذه، بمعنى أنه أحياناً – مثلما كنا نقول بالأمس – أن لا يربي الإنسان نفسيته على موضوع التساؤلات؛ لأنه قد يحضر في مقام معين مثلاً وعنده في رأسه قضية يريد أن يسأل عنها تشغله طول الجلسة، منتظر متى ستكمل حديثك حتى يقدم سؤاله، لم يعد يهتم أن يصغي، فهذا قد يؤدي إلى خلل في ماذا؟ في أنه ما يتفهم وبالتالي نقص في تقواه؛ لأنك إذا لم تفهم أهمية الشيء، لن يكون عندك اهتمام بأن تلتزم به، وبالتالي معناه أنك لا تكون متقياً.
هل أجاب هنا على {مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ}؟! أجاب عليها؟ لأنهم عندما يكونون سائلين قد يكونون سائلين عن قائمة: ما هو الذي أحل لهم؟! يقول: أحل كذا، وأحل، وأحل.. إلى آخره {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} والطيبات هي التي أحلها، ليس الطيبات كل ما قد يطيب لك أنت؛ لأنه أحياناً أنت قد تهبط نفسيتك، فيصبح شيء هو في الواقع خبيث يصبح طيباً عندك مثلما ترى آخرين؛ لأن الله يذكر عن رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه يحل لهم الطيبات، إذاً فالطيب هو الذي قد أحله، ليس الطيبات قضية مزاج. مثلاً الكلاب التي يأكلونها في جنوب آسيا، والذين يأكلون أشياء أخرى، وتألف في المطاعم، وبين الناس، وتصبح عادي إلى أن يصير عندك عادي وهو خبيث في الواقع، يعني: ما قد أحله لكم هو الطيبات {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} يعني: أن الطيبات ليست قضية مزاجية، إن الله هو الذي يعلم بما هو طيب وما هو خبيث، فما قد أحله هو الطيبات، وما حرمه هو خبيث.
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(المائدة: 5) إذاً هذه الآية تصدرت بقول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} بمعنى أنه عندما يحل شيئاً آخر لا تعتقد بأنه يحل طيبات ويحل أحياناً بعض خبائث، لا، كل ما يحله هو طيبات، يطيب لك أن تتناوله، كلمة: {الْيَوْمَ} هي تعني وضعية، وضعية، وقضية الوضعية أعني: قد تأتي وضعيات أحياناً تعتبر أشياء فيها مباح تناولها أو عملها، وضعيات معينة؛ لهذا مثلما نقول: أننا عندما نقرأ القرآن سنعرف أسس التشريع، ليست قضية قواعد أصول فقه على الإطلاق، التعامل مع مجرد المفردة هكذا ليطلِّع منها حكماً ثابتاً على طول، أو يطلع منها لا شيء، وضعيات لها أحكامها {الْيَوْمَ} تعني وضعية أمة، وضعية مسلمين، يعني وضعية كوضعية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ومجتمعه عندما نزلت [المائدة] كيف كانت تلك الوضعية؟ ألم يكونوا هم الأعلون، وضعية متمكنين، وضعية أمة قائمة، وضعية أمة قد قهرت أعداءها فعلاً؟ إذاً وضعية كهذه لها أحكامها الخاصة.
هذا أولى من أن نحاول مثلاً أن نأتي إلى أشياء معينة تخريجات، أو تأويلات، أو أشياء أخرى، لا، {الْيَوْمَ}، وعند العرب يسمون اليوم مرحلة، تاريخ، يسمى يوم عندهم، قد يسمون مثلاً قتال بين قبيلة وقبيلة استمر كم أشهر يسمونه يوم، يطلقون عليه كلمة: يوم، هذا أولى أعتقد، هذا أحسن، وإلا يكون بعيداً عن باقي الآية، باقي الآية خطيرة، عندما قال الله فيها: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}؛ لأنه في وضعية معينة تكون الأمة فيها قد لا يكون هناك مانع، لكن وضعية كوضعية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ويكون تقدير الوضعية يعود إلى من؟ إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أو إلى فعلاً من يكون قائماً مقامه بكل ما تعنيه الكلمة، في تقدير الوضعية، فهنا قد يكون فعلاً ومثلما تصرح الآية: {طَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} أيضاً كلمة: {الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} قضية ثانية، قد تكون فعلاً أخص من أهل الكتاب، كلمة: {أُوتُواْ الْكِتَابَ}، رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو في غزوة من الغزوات أو في حصار معين استصفى [صفية] وبسرعة وكأنها لم تسلم إلا بعد أن استصفاها.
إذاً في وضعية كهذه عندما يقول: {الْيَوْمَ} أي في وضعية كهذه ممكن، وتقدير الوضعية إلى من؟ لأن أهل الكتاب فيهم طوائف كثيرة قد تكون طائفة منهم مشركة يصدق عليهم {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}(البقرة من الآية: 221) وهكذا وقد يكون طائفة من أهل الكتاب ما يزالون ملتزمين مثلاً، وقالوا فعلاً كان يوجد، ولا ندري إلى حد الآن هل يوجد منهم أو لا، كان يوجد من أهل الكتاب طائفة ليسوا مشركين، لا يقولون بأن المسيح مثلاً ابن الله، ولا يقولون أنه ثالث ثلاثة، وكذلك من نفس اليهود، لكن في وضعية فقط كهذه.
فكلمة: {الْيَوْمَ} هي تعتبر ضابطاً لما وراءها كلها، لسنا بحاجة إلى إصدار أحكام مطلقة ولا إقفال مجالات، قد يكون في وضعية معينة فعلاً يصبح أهل الكتاب قد أصبحوا ليس لهم كيان نهائياً، ولم يعد لديهم أمل نهائياً، كعبارة: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ}(المائدة من الآية: 3) ألم يقل: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ} ومجتمع يقدم نموذجاً عن الإسلام جذاباً، هنا ربما قد يكون احتواء يؤدي إلى ماذا؟ إلى ذوبان هؤلاء، هذه الفئة، في وضعية كهذه وكوضعية {الْيَوْمَ} في [سورة المائدة] قد تكون وضعية تؤدي في الأخير إلى ذوبان بقايا من هؤلاء لكن منهم؟ الذين أوتوا الكتاب واعتقد قد يكون فيها نوع تمييز يختلف عن عبارة: أهل الكتاب، وقلنا سابقاً في ليلة سابقة بأنه يأتي في القرآن كلمة: أهل الكتاب، وأوتوا الكتاب، وهي متعددة؛ لأنه عادة المؤمنون فئات، أهل الكتاب فئات، الكفار فئات، المنافقين فئات.
أما في وضعية كوضعية المسلمين ربما على طول التاريخ هذا، لا نقول أنه الآن فقط، على طول تاريخ الأمة من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من يوم ما تولى أبو بكر وعمر فاعتبرها وضعية لم تعد وضعية {الْيَوْمَ} كان قد الكبير نفسه – كما يحكون – كان يؤثر عليه كعب الأحبار، وصديق حميم له! وهناك يترك الإمام علياً، يترك الإمام علياً هناك، وصديق حميم لكعب الأحبار! هذا عمر.
إذاً ما هناك حاجة إلى الاختلاف في هذه القضية، أو قالوا أحد من أهل البيت أجاز، قالوا آخر نفى، قد يكون مثلاً روي عن الإمام زيد كلام شبيه بهذا لكن النقل أحياناً، واعتقد يكون النقل – وهذا مؤسف فعلاً – يكون غلط، قد يكون الإمام زيد قال في أجواء كهذه: لا مانع {الْيَوْمَ} {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}، أحل لكم الطيبات أيضاً فيها اعتبار مثلاً ظروف معينة يكون الناس في مراحل جهاد معناه: لا تكون مرحلة أن تبحث عن طيبات، تبحث عما طاب من الطعام وما طاب من الأثاث وما طاب من الشراب وما طاب من الملبس وأشياء من هذه، لكن في وضعية قد تكون مستقرة نوعاً ما، يصبح شيئاً طبيعياً بالنسبة لك، ثم إن لها أثراً أيضاً فيما بعدها، ما يقال بأنه أحل طيبات ثم جاء بقائمة أخرى تعتبر خبائث، فكأنه أحل طيبات وأيضاً يحل بعض خبائث، يكون استكمال، أو ربط للقضية.
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} المحصنات ماذا يسمونها؟ العفيفات من المؤمنات {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} هنا جاء إشكالية حول المحصنات، فعلاً المحصنة تطلق وتعني أكثر من معنى بحسب السياق الذي هي فيه، السياق الذي هي فيه يحدد معناها، المحصنة قد تأتي بمعنى العفيفة، بمعنى المؤمنة، بمعنى الحرة، وبمعنى أيضاً المتزوجة، يأتي من تفسيرها أن معناها {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} بأنه عندما تسلم فلا مانع، لا بأس عندما تسلم وإنما كلمة: {أُوتُواْ الْكِتَابَ} تطلق على أن معناها أصلها من أهل الكتاب، والمحصنات الذين أصلهم من أهل الكتاب، يعني: والمؤمنات الذين أصلهم من أهل الكتاب!.
هذا يحتاج إلى أن نعرف أنه فعلاً هل كان يحصل تحرج عندما تسلم امرأة من أهل الكتاب، هل كان يحصل تحرج عندما تصبح مؤمنة، وهل يتبادر إلى الذهن أن يحصل تحرج وهم لم يتحرجوا ممن كانت مشركة ثم آمنت؟! اعتقد قد تكون هذه فرضية تحتاج إلى أنه فعلاً نعرف هل كان فعلاً يحصل تحرج؟ وما منشأ التحرج، من أين نشأ التحرج عن امرأة آمنت من أهل الكتاب، ثم تأتي الآية وتعني أنه أحل لكم، أحل لكم أنكم ماذا؟ تتزوجون بهذه المرأة التي قد أسلمت وآمنت {مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ}.
هنا نستطيع أن نوفق فعلاً بين ما روي عن الإمام زيد وبين ما روي عن الإمام الهادي، الإمام الهادي كان يعرف الوضعية التي هو فيها، الإمام الهادي إمام بما تعنيه الكلمة ويعرف الوضعيات وأحياناً قد لا يطلق، قد لا يطلق في بعض الأشياء. الإمام زيد قد يكون أطلق على أساس أن يقدم رؤية قرآنية في الموضوع، رؤية قرآنية في الموضوع فعلاً.
إذاً فلا يقال هنا: أن هناك اختلافاً؛ لأنه في وضعية كهذه فعلاً غير صحيح لا طعام الذين أوتوا الكتاب، ولا نساء أهل الكتاب، تتزوج منهم في وضعية كوضعيتنا هذه، بل الوضعية هذه على طول إلى أيام أبي بكر، حتى في أيام الإمام علي، لم تستقر الوضعية حتى نرى مثل وضعية {الْيَوْمَ} متى جاءت كلمة {الْيَوْمَ}؟ بعد ظهور الإسلام، وبعد ضرب الآخرين، وبعد تلاشي الآخرين، وبعد هدى كثير يجعل الأمة هذه تفهم كثيراً، وتعرف كثيراً وأشياء كثيرة، وقيادة عالية، والقيادة لها دورها الكبير في تقدير الوضعية، وتصنيف الفئات من داخل الذين أوتوا الكتاب {الْيَوْمَ} لا مانع، لكن في وضعية كوضعيتنا وما سبقها ليست وضعية {الْيَوْمَ}؛ لأن أهل الكتاب يستخدمون نساءهم الآن؛ لأن لديهم كيان قائم، والمسلمون هم المستضعفون.
المسلمون الآن أمة مستضعفة وممزقة وجاهلة بدينها حتى، جاهلة بدينها، يمكن أن تأتي امرأة من أهل الكتاب يتزوج بها أحد وهي في الواقع عميلة؛ لأن هناك كياناً يعمل، هناك دول قائمة لهم وحريصون جداً على تذويب هذه الأمة، فلو أن الزواج مفتوح لأدى إلى ماذا؟ إلى تغلغل نسائهم إلى كل بيت، الكثير جاهلون بالإسلام، قد يؤثرون على الكثير أن يتنصرنوا، أو يتيهودوا فعلاً، يؤثرون على الكثير أن تكون علاقاتهم جيدة مع كيان قائم لهم، أي ليست وضعية أن يذوب فيها أهل الكتاب، ليست وضعية أمة مسلمة قائمة متفانية، وضعيتها وضعية {الْيَوْمَ} ففي هذه الصورة لن تقبل لأن يذوب أهل الكتاب فيها، بل قد يذوبون المسلمين هم.
طعامهم كذلك؛ لأنه لاحظ الإنسان عندما يكون لديه كيان، أو ما يزال لديه طموح أن يقيم كياناً، قد يسعى إلى أن يستخدم أشياء كثيرة تؤثر على المسلمين عن طريق الطعام، وعن طريق النساء، تسميم معين، أشياء معينة، وهذه المرحلة التي نحن فيها مرحلة خطيرة جداً، استخدام أطعمتهم، لذلك نحن نقول عندما يأتي البعض يأتي بهذه الآية في موضوع المقاطعة، مقاطعة بضائعهم، قال إن الله يقول: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} قلنا: نحن بحاجة إلى فقه قرآني، بحاجة إلى أن نعرف القرآن؛ لأن الذي يقول هذا لا يعطي معنى لكلمة {الْيَوْمَ}، {الْيَوْمَ} هي تحكي لك وضعية هامة جداً، وضعية من الذي يستطيع يشخصها إلا من يفهم كتاب الله، في الأخير يقول لك: لا، نقول: لا، نحن في وضعية ممكن يدسون في كثير من الأغذية، حبوب وغيرها، وأدوية، سموم، مواد أخرى تؤدي إلى أمراض فتاكة، مواد أخرى تؤدي مثلاً إلى تغيير في ميول الإنسان ونفسيته، ويحصل عنده حالة لامبالاة، وفتور وأشياء من هذه، قد عندهم خبرات عالية، ويستخدمون خبرات عالية، ولديهم شركات غنية، ولديهم كيان قائم، ويعرفون وضعيتنا أنها وضعية منهارة. أعني: هم عندهم أمل الآن أن باستطاعتهم أن يقضوا على الأمة هذه نهائياً.
إذاً في وضعية كهذه لا يصح لأحد من الفقهاء يقول: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} نهائياً على أساس ماذا؟ على أساس {الْيَوْمَ} الذي هنا يقدم لك وضعية معينة؛ لأنه أيضاً من الناحية الأخرى لاحظ أنه في وضعية كهذه يجب أن تحتاط حتى ولو تمظهرت بالإيمان، أنه لم يعد يشكل… على أساس أنهم يقولون: إلا إذا آمنت، أليسوا يقولون هكذا؟ إلا إذا آمنت، لا، يلاحظ الوضعية؛ لأنه ممكن، بل معلوم أنهم قد يعملون هذا، تتمظهر واحدة منهم بالإسلام، وتدخل فيه، إذا كان مثلاً يمكن يكون هناك هدف غير التأثير الثقافي إلى داخل أسرة معينة؛ لتنقل مثلاً معلومات، تكون عبارة عن جاسوسة، أو لتقوم بمهمة خطيرة، مثلاً دس سم، أو أشياء من هذه، ألا يمكن أن تتمظهر بالإسلام؟ نحن في وضعية ربما قد تصل الحالة إلى أنه ممن هن مسلمات، من بعض الأسر، أو من بعض القبل، أو من بعض الفئات، ما بالك بيهودية تظهر الإسلام.
إذاً فعندما يقول: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ} الذي يقول على أساس رؤية ثابتة على طول معناه: التي ما زالت يهودية، أما إذا قد أسلمت فجائز، أليس هو سيقول لك: فجايز؟ ليس فاهماً، لا، ما القضية تحتاج إلى هذا، إنها قضية توحي برؤية {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} اليوم توحي بماذا؟ توحي بتقييم لوضعية ولتعرف أن الآخرين إذا لم يعد لديه أمل في إقامة كيان له، وليس هناك كيان قائم له إذاً لن يفكر أن يحاول أن يعمل سم أو يحاول يعمل أشياء أخرى، قابل لأن يذوب، خاصة إذا وجد هناك مجتمعاً مسلماً متميزاً جذاباً يمثل الإسلام، لكن ما دام هناك فكرة لإقامة كيان لهم، وما دام هناك كيانات قائمة لهم ودول فهي خطيرة حتى لو أظهرت الإسلام.
لهذا لاحظ الرؤية القرآنية لا تترتب عليها إشكالات نهائياً، يمكنك هنا بدون أن يترتب إشكالات. لكن غير الرؤية القرآنية تجد الفقهاء في الأخير بعضهم يقول: الإمام زيد قال كذا، وفلان قال، الإمام الهادي قال كذا، وتجد الطوائف الأخرى أما هم فمفتوح الموضوع لديهم، أليس مفتوحاً لديهم؟ هذه حماقة فعلاً، قضية خطيرة جداً تفتح الشر على المسلمين، والكثير من الأسر الإسلامية قد تتحول إلى نصرانية وإذا قد أنت أمك يهودية، وخالك إسرائيلي، هل يمكن أن تتحرك ضد إسرائيل وخالك إسرائيلي من هذا الكيان القائم؟ لا.
لاحظ أين جاءت هذه الآية في [سورة المائدة] وسورة المائدة نزلت وهم في الوضعية المستقيمة المستقرة بالنسبة لظهور الإسلام، وضرب الفئات الأخرى، أيضاً في نفس الوقت؛ لأن معناها هي مربوطة بقضية تقييم أليست هكذا؟ مسألة التقييم قضية واسعة، وقضية دقيقة، هي متروكة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، قد يكون حتى في نفس الوقت، في نفس الوقت أحد من الناس قد يقول له: لا، لا يتزوج من أهل الكتاب، أحد من الناس – مثلاً – قد يقول له: لا، إذا قد عنده رغبة أن يتزوج منهم، يقول له: لا.
إذاً لا يأتي خلل في النقل، افهموا هذه، لا يكون الناس هكذا، لا بد أن يكون الناس عارفين للنقل، أن الآية على {الْيَوْمَ} تحكي وضعية معينة، في وضعية كوضعية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عند نزول المائدة، كقضية موكولة إليه أو إلى من يقوم مقامه في تقدير تلك الوضعية.
لا تقولوا في الأخير: سيدي فلان قال كذا، بعض الناس يختصر الكلام، وفعلاً يقول السيد حميدان: أنه يأتي نقل كثير خطأ على الأئمة فعلاً، من الأشياء التي قد تبدو وكأنها مختلفة، بعضها نتيجة النقل، وقضية ملموسة أن بعضهم يختصر العبارة: فلان قال كذا، وبسهولة! لا يحاول أن يكون دقيقاً، نحن نقول: بأن الله يعلمنا أن نكون دقيقين في منطقنا، أن نكون أذكياء، أن نكون فاهمين؛ ولهذا يسميه هدى ونوراً، فأحياناً قد يأتي إنسان قد يضل أمة بسبب نقل خاطئ، نقل خاطئ عن الإمام زيد، أو عن الإمام الهادي، أو عن أي شخص آخر، في الأخير يقدم النقل الخاطئ المنقوص، يقدم عقيدة في الأخيرة، ثم لا تدري إلا وقد هناك تأرجح، إما أنهم قد صاروا يقيِّمون الإمام الفلاني مخالف لصريح القرآن، أو قد صاروا يقيِّمون الإمام الفلاني مخالف للإمام الآخر، وهكذا بسبب عبارة نقصها الناقل.
إذاً في وضعية كهذه نقول: حتى لو أظهرت الإسلام، في وضعية كهذه حتى لو أظهرت اليهودية أو النصرانية الإسلام فيجب أن يكون الناس بعيدين عنها، إلا في تقديرات معينة، وقد أظهرت إيماناً، ألسنا ندعو إلى مقاطعة منتجاتهم؟ ندعو إلى مقاطعة منتجاتهم، ولا نعتبر أنه مقبول أن يقول أحد لكن الله يقول: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} لأنه لا يعرف {الْيَوْمَ} ماذا تعني.
ومثلما نقول: نحن لا نتربى على أساس فتاوى يكون كل واحد ينطلق كمفتي إنما فعلاً على أساس أنك قد تجد حرجاً عندما تقرأ للإمام الهادي، قد تقرأ القرآن، وتقرأ عن الإمام الهادي، يجب أن تعرف منطلق الإمام الهادي، وعلى أساس أنك تعتبره أنه رجل قرآني، قد يكون هناك نوع من الخطأ في النقل عنه، أو يكون قدم القضية لاعتبار معين لديه؛ لأنه يعرف أن مسألة {اليَوْمَ} قضية تعني اعتبارات كثيرة، والإمام زيد كذلك، الإمام زيد ألم ينقلها؟.
لهذا نقول: نحن بحاجة إلى أن نفهم القرآن، وفهم على هذا النحو لا يؤثر سلباً، فهم على هذا النحو الذي قدمنا لا يؤثر سلباً، أول شيء سيجعلك تطمأن بأنه – أعني: قضية الإمام الهادي عندما منع أنه – فعلاً وضعية يجب أن يمتنع الناس فيها عن نكاح الكتابيات، وعن تناول طعامهم، والإمام زيد عندما قال هكذا أن معناه أن الإمام زيد لا بد أنه انطلق من منطلق على نحو ما ذكرناه، على منطلق {اليَوْمَ} أي: أنه في ظل وضعية معينة على نحو ما كان عليه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في وقت نزول المائدة، يعني: آخر مرحلة، مرحلة الاستقرار وظهور الإسلام في تلك المرحلة، وقيادة على ذلك النحو، وهي قضية ما يزال له فيها تقديرات أيضاً (صلوات الله عليه وعلى آله) في نفس الوقت.
ثم أيضاً أن العبارة صريحة هنا في القرآن عندما يقول: {وَاْلْمُحْصَنَاتُ} وهنا هي قضية أساسية؛ لأنك تقرأ في القرآن الله يقول فيه: {كِتَابٍ مُّبِينٍ} أليس هكذا؟ بينات، مبين، مبين، لكن إذا انطلقت برؤية وفق رؤية الفقهاء الذين ينطلقون على أساس قواعد أصول الفقه فلا تدري في الأخير إلا وقد عندك فكرة، وكأنه صريح القرآن ما زال يحتاج شيئاً آخر، صريح القرآن واضح تماماً هنا، ولا غبار عليه، لكن الخلل من عند {الْيَوْمَ} متى يحكي اليوم؟ أليس يوم نزول المائدة، يوم نزول الآية هذه؟ وعلى من نزلت، وفي أي وضعية نزلت، بالنسبة للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) هل نزلت في مكة، أو نزلت في المدينة؟ هل نزلت في أول الفترة، أو في آخرها؟ إذاً فالآية صريحة، ولا إشكال عليها، ولا نحتاج نقول: المحصنات تعني: كذا، وتمحلات؛ لأن معناه في الأخير أنك تُعْطَى رؤية أنت وكأنها تفسح لك المجال أمام عبارات صريحة في القرآن لتقول: ما يزال فيها أخذ ورد! هذا قد يكون متنافي مع مسألة بيان، ونحن نقول: أن الله لا يأتي ببيان فيه لبس على الإطلاق، إنما يأتي فقط الالتباس على أساس الرؤية الفقهية، الرؤية التشريعية التي هي نتيجة ثقافة أخرى، أما الرؤية التشريعية وفق ما يقدمه القرآن – أي: أن تفهم أسس التشريع هنا على الرؤية التي يعطيك القرآن إياها لتفهم – تجد ما هناك إشكال، ولا يأتي من جهة الله لبس عندما يقول: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} فيكون معناها: إذا قد آمنت! قد هناك {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} ما قد هي هناك حاصل، والمحصنات من المؤمنات؟!.
إذاً فعلاً اليهود وصلوا في تلك المرحلة إلى حالة كيانات منهارة، ألم تنهار كياناتهم تماماً؟ خيبر، وبني قريضة، وبني النضير، ولم يعد هناك لديهم طموح، بالنسبة لليهود، اليهود هم كانوا في حالة عداء مع الرومان يعني: لم يكونوا حتى يعتبرون دولة الرومان سنداً لهم، لا، بل عندما انتصر الفرس على الروم فرح اليهود، قالوا أنهم فرحوا، بل قالوا أنهم اشتروا من الفرس عدداً من الأسرى، ربما قد يكون اليهود شمال الجزيرة، اشتروا منهم عدداً كبيراً من الأسرى وهم نصارى، اشتروهم وذبحوهم من شدة عداوتهم لهم.
فـ{الْيَوْمَ} هنا هي القاعدة الأساسية لما بعدها، فهنا القضية واضحة، لكن ليس معناها انطلاقة فردية، كل شخص. تجد الصلاة مثلها، مثلاً الصلاة ألسنا وجدنا لها في القرآن عدة صور باعتبار الوضعيات؟ تجد لها صورة تصلي وأنت فوق الخيل مقاتل، أليست هذه صورة من صور الصلاة، وأنت تصلي وأنت مسافر ركعتين، وأنت تصلي صلاة الخوف تقسمها نصفين، وهكذا. {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(المائدة6) أليس هذا الباب واضحاً؟ – على ما يقول الفقهاء – واضح، الوضوء انتهى. إذا تفقهت بفقه القرآن ستجده فقهاً واسعاً، وفقهاً يسع الحياة كلها، وفقهاً يستوعب العالمين جميعاً، أن تقول: أولاً نقرأ، نقرأ، نقرأ، وأمامك كتب لا تنجح، أقوال آخرين، تضيع عمرك بين أقوال متعددة، [قال فلان، وقال فلان، وقال فلان، والأرجح كذا، والراجح كذا، واستدل فلان بكذا…] تضيع وقتك في موضوع واحد من موضوعات الدين مليء باللبس والالتباسات، ويسيطر على ذهنك، ومشاعرك، واهتماماتك، هذه غلطة كبيرة، تجد كيف أسلوب القرآن الكريم، يقدم قضايا أخرى، مسألة معينة تتعلق بنكاح، أو طلاق، أو حج، أو وضوء، أو أشياء من هذه، ويحركك في المجالات الأخرى؛ ليكون اهتمام الإنسان بالدين بهذا الشكل، اهتماماً متكاملاً؛ لأنه مترابط فعلاً؛ ولأنه عندما تجد أنه فعلاً في التشريع لا يشرع شيئاً يكون بالشكل الذي يقف أمام تشريع آخر يعيقه، معنى هذا بأنه قد يمكن أن يكون الإهتمام بمجال بالشكل الذي يعيق مجالات أخرى.
هذه منهجية قرآنية يجب أن نستفيد منها في ثقافتنا، أنك إذا جئت إلى الدين تهتم بفن واحد، بفقه مثلاً، قسموه لك إلى أشياء متجزئة كثيرة، وتغرق داخل الفقه، فكأنك اهتميت بمجال معين، وأهملت المجالات الأخرى، كان على حساب أن يكون لهذه المجالات الأخرى اهتمام في نفسك، وتهتم بها، معنى هذا في الأخير ماذا؟ أن منهجيتك هنا خاطئة هي تخالف منهجية القرآن؛ لأنك قدمت مجالاً الاهتمام به طغى على الاهتمام بكل المجالات الأخرى، ترى في الأخير بأنك لم تعد تقوم بهذه الأشياء التي أنت تهتم بها.
الآن أليسوا يقرؤون فقه، نقرأ فقه، أحكام ربا، وأحكام أشياء كثيرة، ولا يستطيع يغير في واقع الحياة قضية واحدة أليس هذا حاصل؟ إذاً أليس هذا فقه مضروب؟ فقه لم يعد له قيمة في الواقع لماذا؟ لأنه لم يعد معمولاً به، عندما يقريك الربا، وأبواب الربا، وأصناف الربا، والبنوك عنده كلها تشتغل بالربا، وهو يأكل ربا، لا يوجد أحد مننا قد لا يكون أكله مصبوغا بالربا؛ لأن كل ما عندنا هي كلها تأتي من البنوك عملة، أو مواد غذائية، هي تأتي عن طريق شركات تتعامل مع البنوك، مصبوغ بالربا، ألم يرو أنه في آخر الزمان أنه قد يكون أندر الأشياء أخ مؤمن، ودرهم حلال، أندر الأشياء.
جالس يبين أحكام الربا، والربا حرام، ودرهم من ربا مثل أربعة وثلاثين زنية.. وإلى آخره، لكن وفرَّغ اهتمامه، وعمره في هذا الموضوع، وترك المجالات الأخرى التي كان لو بقي اهتمام بها لضربت الربا في واقع الحياة، لا يكون هناك ربا. وهذه هي منهجية قرآنية، القرآن ليس فقط كتاب فتاوى، كتاب عمل، كتاب عمل، يعطيك فقه المسألة وفقه إقامتها، كيف تعرف أحكام الله، وكيف تعرف إقامة أحكام الله في واقع الحياة.
وهم يشهدون هم الذين قد ترسخ لديهم، وهي قضية فعلاً راسخة من قرون، أليسوا يقولون أولاً نقرأ؟! عندما يتحدث أحد عن أمريكا وإسرائيل، وتوعية جهادية، وأشياء من هذه، قالوا: أولاً نقري الناس، إذاً لاحظ أليس هو هنا يشهد بأنها قد قدمت الأشياء بشكل أن مجالات تحول دون الاهتمام بمجالات أخرى، بالمجالات الكبيرة، أليست هذه شهادة تحصل من كلام كل من يقول لك: أولاً نقرأ؟ إذاً فالمنهجية الثقافية فعلاً قدمت، من حيث المنهجية – خلي عنك المادة الثقافية – غلط، منهج القرآن ليس فيه أولاً، أليس القرآن يأتي بها كلها؟ يأتي بها كلها، يأتي بالجهاد بعد ذكر الوضوء، بعد ذكر الصلاة، بعد ذكر الزكاة، كلها مع بعض.
لاحظ هنا أليست الاستفسارات معظمها يأتي بطريقة توحي بسخرية من السائلين {يَسْأَلُوْنَكَ} وقال في آخر [سورة النساء]: {يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(النساء من الآية: 176) يريدون أن يتعاملوا معه كمفتي، ما رأيك في كذا؟ قد تقول لو أنت مفتي: رأيي بان كذا حرام، والربا حرام، لكن حبر على ورق، لا يوجد ما يمكن أن يجعل هذا الحرام يتغير، لا يوجد، يعني: الفقه الذي يبني أمة تغير هذه المحرمات ضائع، ليس وقته، أولا نقرأ، لماذا أولاً نقرأ؟ هذا أهم ما يمكن أن نبدأ نقرأه، القرآن، يعلمنا كيف يجب أن تكون منهجيتنا الثقافية حتى نتفادى الخسارة التي وقعنا فيها فعلاً بسبب المنهجية الثقافية خلي عنك المادة الثقافية ما يوجد فيها من غلط.
{وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}(المائدة7) قبول الإنسان بالإسلام، دخوله في الإسلام، إيمانه بالله وبرسوله وبكتابه يعني ماذا؟ التزام {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} تعني ماذا؟ ميثاق فيما بين الناس وبين الله، فليحذر الناس أن يخالفوا {وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ}(المائدة من الآية: 8) أليس هذا بعد باب الوضوء؟ بعد ذكر الوضوء وبعد ذكر الأحكام السابقة؟ أما الآن فربما قد يكون الكثير من المدن تأتي إليها ميتات من الخارج، لحم من الصين، ولحم من البرازيل، ولحم من كل مكان؛ لأنه عندما يحرم الميتة وليس هناك من يقوم بالقسط، سيعرف الناس بأن الميتة حرام وترى الناس يأكلونها! معلبات تأتي، لحم من الصين، ومن بلدان أخرى؛ لأنه عندما أضعنا الدين أضعنا أنفسنا حتى أصبحنا أمة وكأنه غير ممكن أن تزرع بلداننا، وأن تربي حيوانات، وأن نكتفي بأن نأكل مما نربيه من حيوانات، وأن نأكل من مزروعاتنا، يستورد اللحم من استراليا، لحم من استراليا ومن الصين ومن البرازيل ومن فرنسا، من البلدان الأخرى ما كأن اليمن أو السعودية أو أي إقليم من الأقاليم هذه يصلح لأن تربى فيه بقرة أو دجاجة!!.
لهذا كان مهما جداً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}(النساء من الآية: 135) {قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ}(المائدة من الآية: 8) هناك سابقاً كيف جاءت الآية؟ {كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}(النساء من الآية: 135) هنا {قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ}(المائدة من الآية: 8) أن تكون الآية على هذا النحو لها علاقة بما بعدها فيما نفهم.
{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(المائدة: من الآية8) يؤكد ما يأتي في الآيات الأخرى دائماً: في سبيل الله، في سبيل الله، في سبيل الله؛ ليبعد الإنسان عن ماذا؟ العداوة الشخصية، هذه التي تعنيه كلمة شنآن {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ} يجب أن تكونوا قوامين لله، من أجله وفي سبيله، شهداء {شُهَدَاءَ لِلَّهِ} بالقسط، شهداء بالقسط لله، هنا لله، في المقدمة قوامين لله، يعني: في سبيله ليبعدنا عن ماذا؟ عن أي مشاعر شخصية في عداواتنا للآخرين، ألم يركز هنا على أن يقول: لله في المقدمة، قوامين لله، من أجله {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} ابتعدوا عن ماذا؟ عن أشياء شخصية تحملكم، عن مواقف شخصية لديكم حتى وإن كان من الطرف الآخر ما هو مثير يجب أن يكون الموقف كله في إطار لله، معناه هو نفس المعنى الأول {قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ}(النساء من الآية: 135) إنما هنا تذكير بسرعة في قضية لله، لله، ليبعدنا عن هذه، عن عداوات شخصية، عن موقف شخصي، وأشياء من هذه.
أعتقد أنه قد يكون – مثلما نقول – هضم للآية عندما يأتون دائماً يربطونها بالشهادة، أي: معناها أن تشهد لله في قضية معينة، هذه واحدة، نوع أو مظهر من مظاهر إقامة القسط، أن تؤدي الشهادة، لكن المسؤولية كبيرة، القسط معناه: الدين بكله في الأخير، إقامة دين الله، إقامة دين الله هو ما تعنيه كلمة إقامة القسط، إنما ليكن من أجل الله وفي سبيل الله، ولتفهم بأن القضية أيضاً أنها شهادة بأن هذا قسط، وأن الله هو قائم بالقسط؛ لأنك تطبق أحكامه، تطبق توجيهاته، تعمل بهداه.
{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ} لاحظ أليست آية واحدة؟ آية واحدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ماذا يعني كلمة تقوى؟ تقوى الله يعني: هذا أقرب لك إلى أن تكون ملتزماً فعلاً أنت، واقرب للتقوى ولو بالنسبة للطرف الآخر، قضية هامة جداً جداً، أن يكون المسلمون بالشكل الذي يقدمون نموذجاً صادقاً عن دينهم للتأثير على الآخرين، عندما يتأثر الآخرون ستراهم وأنت متجه إليهم سيرحبون بك، ألست تجد الآن العرب يرحبون بأمريكا كشعوب على أساس قد عندها أنها ستأتي لتقيم حرية وعدل، وهم يعيشون في ظل وضعية سيئة، ما قد عند معظمهم – تقريباً – شبه ترحيب؟.
فافهم بأنك عندما تقدم الإسلام، وتلتزم به أنت ستكفي الأمة هذه أشياء كثيرة جداً من العناء في سبيل المواجهة مع الآخرين، تتجه إلى الآخرين ويكونون متقبلين لك؛ لأنه ليس هناك قسط في الدنيا إلا عندك أنت، عندما تبرز الأمة كنموذج فعلاً يقدم نموذجاً صادقاً عن الإسلام، وإقامة القسط، وهم يعيشون في ظل وضع متخلف من الناحية النفسية، من الناحية الروحية، وفي ظل وضع – أيضاً – قهر، في حالة صراع، حتى عندما يقول لك: ديمقراطية، هي صراع أساساً أليست صراعاً بين فئات وأحزاب؟ وفعلاً هي صراع يصبح ضحيته ملايين الملايين من ماذا؟ من أموال الناس، ومن جهودهم، وعداوات كبيرة تأتي بينهم.
فهو يمثل، إقامة القسط – بالنسب للناس – يمثل وقاية أي: ستقبل على أمة ترحب بك، إنما فقط عندما لا يسافر أحد الغرب ربما، أو مثلاً لا نرى في التلفزيون إلا أشياء تمثل نموذج فقط، هناك فقراء ومضطهدين بشكل كبير داخل أمريكا وداخل أوربا وداخل البلدان كلها، هؤلاء عندما يجدون أمة تكون محط أمل لهم، هم من سيكونون في الأخير سنداً لتلك الحكومات الطاغية لديهم، أو لا يكون عندهم أي رغبة أن يتفاعلوا مع حكوماتهم، ويرحبون بالمسلمين، أليس هنا ستكون الحرب سهلة؟ فعلاً تصبح سهلة مثلما الأمريكيون يطمحون بأن الدخول إلى المنطقة سيكون سهلاً؛ لأن الشعوب ترحب بهم، عندهم الفكرة هذه، لكن ناقصة جداً عما قدمه الإسلام، ولهذا عندما يقول: {أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ} هنا أيضاً أمر آخر بالتقوى بكل ما تعنيه الكلمة، وفي نفس الوقت {وَاتَّقُواْ اللّهَ} لا تُخِلِّوا، هنا يوجد قضية هامة يقدمها باهتمام كبير {وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} هو خبير بأثره، خبير بأهميته، وخبير بأعمالكم عندما تقصرون، حينما تصبحون بعيدين عن التقوى، قد يضربون فعلاً.
يعني موضوع إقامة القسط خاصة في كثير من القضايا التي تقدم الإسلام هذا نفسه نموذجاً عظيماً وراقياً عند الأمم الأخرى، بل نحن الآن بحاجة داخل المسلمين خلي عنك خارج فعلاً، الناس بحاجة إلى أن يقدموا الإسلام بشكل جذاب فعلاً داخل المسلمين أنفسهم، خلي عنك الغربيين، أو الشرقيين.
إذاً لاحظ أن المسألة هامة جداً جداً، بعد الكلام عن الوضوء، أليست قضية كبيرة جداً؟ هذا هو المنهج الصحيح، هناك أبواب باب بعد باب، وفقه على طول هناك، هناك، يضيعون عمرك، ويضيعون اهتماماتك، وتصبح رؤيتك قاصرة تماماً.
{وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}(المائدة: 9) أليس هذا شبيه بتلك المسألة {كِفْلَيْنِ} مغفرة وأجر عظيم؟ هذه من الأشياء التي لا يستطيع أحد أن يصل إليها على الإطلاق من أي أنظمة أخرى، من أي ثقافات أخرى، أن يقدم تربية للإنسان على هذا النحو الذي يقدمه القرآن نهائياً، لا يستطيع على الإطلاق، يقدم لك تربية تكون قوياً شديداً، أعزة على الكافرين إلى الدرجة التي تجعل قوتك محط جاذبية للآخرين، أي ليست قوتك وشدة بأسك وفتكك بالشكل الذي يثير الآخر عليك، ما تحصل بهذا، قدمها بطريقة متكاملة عجيبة جداً، هنا يأتي وفاء، التزام بالمبادئ في الصراع مع الآخر، وشدة بأس.
فالأمة التي تكون على هذا النحو ستقدم بهذا الدين، وبهذا القسط الذي هو من عند الله شهادة للآخرين ينجذبون، حينئذ سيرى الطرف الآخر أمامه أمة وفية، ملتزمة، مبدئية، قوية جداً، تشكل أملاً، هو لن يقول: أمة ليست شيئاً، وضعيفة. لماذا الآن الكثير من العرب قد يكونون ينظرون إلى أمريكا كأمل تحررهم من حكومات عانوا منها، أليس هذا حاصل على ما كنا نسمع فعلاً داخل عراقيين أو سوريين أو سعوديين لماذا؟ لأنهم يعتبرون أمريكا قوية، يقول: فعلاً قوية تضرب ولو فيها عدوان لكن عندهم إذا قد هي ستخلصهم، أليسوا هنا قد صاروا يعتبرونها محط أمل لكونها قوية؟ إذاً هنا قوة، القوة في الإسلام قدمت لها جاذبيتها، القوة عند أمة ملتزمة وفية، قيم عالية، وفي نفس الوقت تشكل أملاً لتحرير الآخرين من الظلم، من الاضطهاد في أي بلد من البلدان، في الأخير سينجذبون إليها، سينجذبون إليها حتى ربما قد يكون من هم في الميدان، وهذا حصل عند العرب أنفسهم، ألم يحصل؟ في الأخير يراجع حساباته هو، لماذا هو يدخل في عناء كبير مع أمة هي على هذا النحو فتاكة جداً.
لاحظ كيف في معركة بدر الله يقول لهم: {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}(الأنفال من الآية: 12) وعندما أخذوا منهم أسرى ما كان ينبغي {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}(الأنفال من الآية: 67) الطرف الآخر في الأخير يراجع حساباته هو لماذا يدخل في مواجهة قوية شرسة مع ناس هم أمة ملتزمة، أمة وفية أمة هكذا يعرف عنها صورة جميلة جداً، ويرجع إلى مجتمعه ويرجع إلى معتقداته وإذا هي كلها ليست بالشكل الذي تجعله يضحي من أجلها، في الأخير ينجذب إليهم.
هنا تكون قوة المسلمين بالشكل الذي تقدم أملاً للآخرين، وفي نفس الوقت حتى منهم في الميدان سيراجع حساباته، من هم الذين أسلموا بعد في الجزيرة؟ منهم؟ أليسوا هم الذين كانوا يصارعون في الميدان فعلاً في بدر وفي أحد، هم الذين أسلموا في الأخير، هو يريد يقاتل، وهو يرى ناس أقوياء، لاحظ الروم أنفسهم ألم يتراجعوا في تبوك؟ حركة، حركة ناس يبدو شديدين، وعندهم قيادة عالية جداً، وكان قد سبق في [مؤتة] قتال فيما بين الروم بين المسلمين ولم يكن المسلمون تقريباً إلا ثلاثة آلاف أو أقل، لكن هناك قيادة، عندهم جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وبعده عبد الله بن رواحة، حصل قتال قوي جداً، هنا راجع الروم حساباتهم، ألم يراجعوا حساباتهم؟ قرروا أن لا يدخلوا في مواجهة.
هكذا تجد بشكل عام تربية القرآن، كيف يقول للناس أن يكونوا قوامين بالقسط، ويربيهم كيف يكونون في مواجهة الآخرين وكل ما يقدم صورة عن الآخرين دائماً يرجع إلى مسألة: لا تتأثر نفسيتك أنت، يكون لك مواقف شخصية، اترك عداءك لله؛ لأن هذه القضية خطيرة جداً، خطير جداً في مجال إقامة القسط، المواقف الشخصية، وستفقدك جاذبية تقيك الصراع، تقيك فعلاً، جاذبية عند الآخر تقيك أن يكون منشداً وقوياً في صراعك؛ ولهذا ربطها دائماً في سبيل الله، في سبيل الله، ولله، شهداء لله، وهكذا، لو تنطلق بعنوان وطنية ألست ستفقد كل هذه العناوين الهامة؟ لأنك عندما تقول من منطلق قومية عربية مثلاً، أو قومية يمنية، أو قومية مصرية، أو نحوها، هل يمكن أنك تشد الآخرين إلى أن يكونوا يمنيين؟ هل يمكن أن تدعوهم إلى أن يكونوا يمنيين؟ أو يكونوا مصريين؟ هنا يأتي في بعض الآيات، أليس هو يأتي – أيضاً – بدعوة، دعوة لهم أن يؤمنوا بالله وبرسوله، وبالكتاب الذي أنزل على رسوله، أليس هو يأتي أيضاً بدعوة للآخرين أنفسهم؟ هل يمكن وأنت عنوانك وطنية معينة، قومية معينة أن تقدم أشياء من هذه؟ تفقد أشياء كثيرة جداً قد يكون في مقدمتها التأييد الإلهي بكله، الآخر يراك أنك قومية تواجه قومية، جنس يواجه جنس، لون يواجه لون، إقليم يواجه إقليم، هناك سينشد، سينشد هناك، ويقاتل باعتبار أنك يمكن تريد أن تحتله، لكن هنا القرآن يذوِّب هذه المسألة تماماً، مسألة الإقليمية، مسألة القومية، مسألة وطنية، يجعلها كلها لله، والإسلام هو لله، وقابل للكل، وهو جذَّاب فعلاً عند الكل فيما لو قدم، وحصل من يكونون فعلاً شهداء لله، كما في الآية هذه، يقدمونه بجاذبية عالية.
{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}(المائدة: 10) ولاحظ في نفس الوقت أنه يقدم للمسلمين أنه يجب أن يكون عندهم التزامات بمبادئ معينة في صراعهم، تبدأ من داخل أنفسهم، أن لا يكون عندهم تصور بأن هذا قد يتيح للعدو فرصاً، وأنه قد يؤدي إلى ضياع فرص، وأشياء من هذه، أبداً لا تحصل هذه، الله هو رقيب على الجميع، لا تتصور بأنه شيء أمرك الله به يعتبر إضاعة فرصة لك، والأفضل أن تكون هكذا [متلون متقلب] تغدر وتمكر وتخون؛ من أجل تتمكن من عدوك، في الأخير لا تنجح، فعلاً لا تنجح بالطريقة هذه، ولو رأيت أنك نجحت في مرة أو مرتين، فعندما تلتزم فعلاً بالمبدئية التي قدمها القرآن الكريم، حتى لو عندك يمكن أنه ربما قد يكون هذا بالشكل الذي يتيح فرصة للآخر، أبداً لا يحصل هذا {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}(الأنفال: 62) ألم يقل هكذا في آية أخرى؟، {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ}(الأنفال من الآية: 71).
هذا لن يحصل، الشيء الذي قد يكون في الصراع، وقد مر في الحديث حول الأشهر لحرم أو {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ}(البقرة من الآية:194) هذا أيضاً تعتبره دليلاً على أنه عندما يكون هناك التزامات معينة – لكن عندما تكون قائمة على أسس صحيحة – وأنت في ميدان المواجهة، فئات لا تقتلها، أصحاب سن معين مثلاً لا تقتلهم، أشياء معينة لا تقربها، لا تقل: إذاً ماذا بقي لي! فلا نستطيع أن نضرب العدو نهائياً، وقد يتمكن العدو من أن يعمل كذا، أحسن نضربه بطريقة معينة؛ من أجل لا يتمكن.
إفهم بأن التزامك بمبادئ الدين في ميدان المواجهة لن يضيعك الله أبداً {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ}، {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ} ماذا يعني؟ هو سيكفيك لا تخف، لا تخف إلا من ماذا؟ من أن لا تلتزم بهذه المبادئ في ميدان المواجهة؛ لأنها مبادئ مهمة، مهمة في التأثير في نفسية العدو، قد تكون أخطاء مثلاً عندما يكون الطرف الذي يمثل المؤمنين ليس طرفاً بمستوى أن يكون جديراً بأن يمثلهم فعلاً في موضوع مثلاً إما دخول في هدنة، أو ميثاق، أو أي شيء معين، أما هذا فيجلب فعلاً شراً، مثلما كان تعمل إسرائيل مع العرب، أليسوا يتقاتلون فترة ثم يدخلون في هدنة؛ لأن مسألة الهدنة، مسألة ميثاق، هذه الأشياء تقيَّم، وتقيم على اعتبارات متعددة، ومن جهة خاصة جديرة بأن تمثل المسلمين فعلاً عندما لم يكونوا جديرين بتمثيل الأمة هذه، أصبحت تلك الهدن كلها لصالح العدو فعلاً، هنا يلمح إلى هذه، وكما هو أسلوب القرآن الكريم، قد لا يكرر الشيء دائما، دائما بطريقة موسعة، يشير لك إلى الموضوع.
هو يقول هنا: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}(المائدة: 10) هنا يقول لك الطرف الآخر الذي قد تفكر أمامه عندما يقول لك: {لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ} ثم تجلس تفكر في الطرف الآخر، هو قول لك: الطرف الآخر أمامنا، ننظر إليه، نراقبه، هم أصحاب الجحيم، أصحاب الجحيم يعني ماذا؟ هم خاسرين هنا، إذا ذكر لك بأنهم من أصحاب الجحيم فاعرف بأن تدبيره معهم هنا تدبير يقوم على أن لا ينجحوا، على أن يخسروا.
ثم جاء بمثال واضح {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ}(المائدة من الآية: 11) فلا تقول: نحن عندما نلتزم قد نعطي فرصة للعدو، وقد.. وقد يتمكن ثم.. إلى آخره، الله يقول هنا: {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} من حيث لا تشعرون، وفي وقت ما قد دخلتم في التزامات قائمة على أساس توجيهه مع آخرين، فإذا هو كف أيديهم عنكم من حيث لا تشعرون ألن يكف أيديهم عنكم؟ ألن يكونوا هم الخاسرين، ألن يحبط كيدهم عندما يفكرون أن يستغلوا فرصة معينة؟، بل ربما قد يدفعون إلى أن يظهروا في الصورة ناقضين مثلاً، مثلما تعامل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) معهم؟ ما كان أحياناً ما تدري ونقضوا هم من هناك، ينبذ إليهم على سواء ويضربهم، لكن العرب عندما كانوا يدخلون في هدن، كانوا يدخلون في هدنة لم تقم على أساس تقييم صحيح، ثم في نفس الوقت لا يهتمون ببناء أنفسهم كما يهتم العدو ببناء نفسه، ينخدعون به وهو شغال يبني نفسه وبدا عليهم من جديد وضربهم، ولا قيادات جديرة فعلاً بكثير من الأشياء هذه التي وعد الله بها المؤمنين، لأنه قد يكون بعضهم لا يختلفون فعلاً عن قيادات العدو، هل هذا محط تأييد إلهي؟ وبعضهم لا يختلف عن شارون.
لاحظ كيف الآية هذه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} لأن تذكر نعم الله لها أثر مستمر، وأثر هام في كل الظروف، وفي كل الوضعيات {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} لكن المؤمنون بما تعنيه الكلمة، والمؤمنون الذين بنيانهم بنيان صحيح، على أساس قرآني، تجد الآية هذه أيضاً فيما يتعلق بنسف كثير من المفاهيم التي تقعد الناس، أو الرؤى القاصرة التي تؤدي بالناس إلى أن يقعدوا، أنها كلها ناتجة عن ضعف ثقة بالله سبحانه وتعالى، هو هنا يقول للمؤمنين: {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ}؛ لأن الله هو مسيطر ورقيب ومهيمن على كل الناس، على نفوس وقلوب أوليائه وجنده، ونفوس أعدائه.
وفي الوقت الذي يقدم وعوداً عندما يقول: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}(الحج من الآية: 40) يقدم أمثلة عملية وقعت فعلاً {هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} هذه تنسف الشعور الذي هو حاصل عند الناس، نقول: العدو.. قال العدو إذا كذا.. فيمكن يضربنا، لا تعملوا كذا، لأنه يمكن يضربنا ضربة قاضية!!.
لا، إذا الناس يتحركون على أساس دين الله، على أساس هدي الله، ويثقون بالله وثوقاً عملياً، ويبتنون على أساس قرآني، فهذه هي سنة الله أن ينصر أولياءه، وأن يكف أشياء كثيرة من جانب العدو قد لا يكون في طاقتك أنت، ولا إمكانياتك – سواء معدات عسكرية، أو إمكانيات أخرى – أن تدفعه، هو يكف يده عنك {وَاتَّقُوا اللَّهَ} لا يكون من عند الإنسان تقصير يقصر، يتراجع، يقعد؛ لأنه يرى العدو كبيراً، ربما يحصل، وربما يضربنا، وأحسن نحافظ على أنفسنا، أحسن نتحول إلى دعوة، دعوة هكذا نحافظ على الدين بشكل دعوة، لا ننطلق بهذا الشكل فيضربونا فيقضوا على الإسلام، هذه رؤى قاصرة كلها، الله يقول: {وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
{وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ}(المائدة: 12) وسيأتي كلام من بعد عن بني إسرائيل، يقدم هنا بأن ما وقعوا فيه لم يكن بسبب تقصير من جهته سبحانه وتعالى، بل المسألة وصلت إلى درجة أن يأخذ ميثاقاً عليهم، والتزاماً بما عهد به إليهم، ووعد من جانبه سبحانه وتعالى.. إلى أن قال في الأخير: {لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ} ثم يبين بأن أعداءه، أعداء أوليائه – مثلما تقول – معلومون لديه، يعلمهم، وفي نفس الوقت هم في موقع أن يعاقبهم مثلما جاء بعد: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(المائدة: 13).
هذه فيها عبرة لنا، عبرة للناس، المسلمين بشكل عام بأن عليهم أن يأخذوا بهدي الله بقوة كما قال مع بني إسرائيل {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ}(الأعراف من الآية: 171)؛ لأن ما أخذه على بني إسرائيل هو أخذه على الناس، وإلا فقد تكون النتيجة هكذا، هم عندما نقضوا ميثاقهم كما قال: {لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} لم يعودوا يتأثرون بشيء مما يسمعونه مهما فهموا، مهما تبينوا، مهما تجلى لهم؛ لأنه عندما يوجه الناس إلى أن يكونوا ملتزمين – في صراعهم مع الآخر – بالمبادئ التي وجههم إليها، مبادئ قرآنية، وليست أفكار أخرى، أو مبادئ يأخذونها من عند آخرين، أو من داخل مواثيق أخرى يصنعها آخرون، مبادئ قرآنية، أنه أيضاً هو يعلم الآخرين تماماً، يعرف بأنهم هكذا: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} لاحظ هنا تلمس الفارق الكبير بين موضوع: فاعف عنهم، واصفح سابقاً، وبين ما يقدم، المرحلة التي الناس فيها ليست مرحلة: فاعف عنهم واصفح، قد لا يقال إلا للقوي يعف عن طرف آخر، للقوي، ولا يقال للقوي وعلى أساس أنه يترك الموضوع، هو يتحرك، يبني أمة، يواجه أعداء شرسين في نفس المرحلة أكثر من هؤلاء شراسة في الميدان، معناه: لا ينشغل بهؤلاء سيلحقهم معه.
ثم تجد في نفس الوقت، وهذا من عظمة الإسلام، وأنه لا يستطيع على الإطلاق أعداؤه أن يؤثروا على الناس إذا كانوا ملتزمين به ألم يقل: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} هل أدى عفوه وصفحه عنهم إلى أنهم تمكنوا وضربوه؟ لا، لم يحصل أليس كذلك؟ لأن من تبنى فاعف واصفح قائد على مستوى عالي جداً، رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، لا يأتي مثل الآن يقدم لك وسطية، وعفو وصفح، وأشياء من هذه على أساس: اسكت واجلس، ولا حركة أمامهم.
كلمة: فاعف واصفح، فاعف عنهم واصفح ليس معناها اتركهم ولا تتعرض لهم ولا شيء، قد يكون أمام قضية واحدة، أمام قضايا معينة، وهو في مسيرة عملية، مواجه أعداء شرسين في الميدان، من كان ينزل إليهم في الميدان في أكثر تلك الفترة؟ ألم يكونوا هم المشركون، اليهود كانوا يتآمرون، وهكذا لا يجرؤون أن يبرزوا في الميدان.
هذه الآية أيضاً من الآيات التي يحرف معناها الآن، عندما يقول: {فَاعْفُ} أليس هذا خطاب للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) {وَاصْفَحْ} هو يعرف، هذا المنطق ليس منطقاً مبنياً على قواعد [أصول فقه] منطق مبني على تقييم وضعية، هو يفهم هذا الطرف نفسه، بني إسرائيل في تلك المرحلة، ويفهم بأنه يواجه عدواً أكبر منهم، عدواً أخطر منهم في نفس الوقت؛ لاعتبارات أخرى، هم خطيرون في موضوع المؤامرات، وأشياء من هذه، لكن كان في تلك المرحلة الذي يمثل خطورة واقعية، والذي يجعل لمؤامرات بني إسرائيل فاعلية هم الطرف الآخر، المشركون، وهؤلاء لحقهم على الطريق فعلاً، عندما برز من عندهم أشياء، خيانات برزت من عندهم لحقهم وضربهم، وتجد أن ضربتهم فعلاً كانت على هامش حركته، على هامش حركته، ومواجهته للآخرين.
هنا قد صاروا يخاطبون الناس: [فاعفوا]، وهي هنا {فَاعْفُ} موجهة للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) صاحب القرار في القضية والعارف للوضع، وعارف للناس، وعارف أنها لا تعني – مثلما يقدمونها الآن – اسكت منهم، ولا تتكلم معهم، وأقبلهم إلى آخر ما يقدم الآن، مرحلة معينة {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} ويمكن تلحقهم بعد، لا تنشغل بهم عن قضايا هي أهم، عن عدو هو أخطر في نفس الوقت، بحسب تلك الوضعية، ونوعية الصراع في ذلك الزمن، أما الآن فإنه يقدم للناس يعفوا ويصفحوا ويقبلوا، ولا يعملوا أي شيء نهائياً! أول شيء أن هذه الكلمة لا يصح أن تقال للعرب الآن، ما يقال: أعف إلا للقوي، ما يقال للمسكين المظلوم: أعف عن فلان، إنما يقال لمن هو مقتدر: أعف واصفح، هل العرب الآن في وضعية قوة والآخرين هم المستضعفون وإنما يأتي من عندهم مؤامرات بسيطة وأذية معينة نقول نعف عنهم، لا يمثلون شيئاً ممكن تلحقونهم من بعد؟ لا، معناه اعف عن هؤلاء الظالمين، الطغاة، المتجهين للأمة هذه لطمسها تماماً، هذا من تحريف الكلم عن مواضعه.
ثم تجد فعلاً بالنسبة لبني إسرائيل حصل عفو، حصل صفح في مراحل، وكانوا في نفس الوقت لا يقدرون هذا للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) مع أنه شخص يثقون به، إنسان مبدئي وملتزم، ليس إنساناً عدوانياً – كما يقولون – إنساناً متوحشاً، هو إنسان صاحب قيم ومبادئ، وحريص عليهم أن يهتدوا، وهم يعرفون هذا عنه، ومع هذا لم يقدروا لعفوه وصفحه قدره، يذهبون يتآمرون عليه، عندما تآمروا عليه في الأخير استطاع أن يضربهم نهائياً، وفعلاً ليس هناك أي مبرر لديهم على الإطلاق أن يقولوا: ظلمهم، أو يقولوا اعتدى عليهم، أبداً، هم الذين لم يقدروا عفوه ولا صفحه، وتآمروا عليه، ونصروا أعداءه إلى درجة أنهم قالوا لهم: أنتم أهدى من محمد، وهم مشركون، ويعرفون أنهم كاذبون ومفترون على الله عندما يقولون لهم هذا القول، مثلما تقدم في الآيات السابقة.
فإذا وجدت بأنه لم ينفع معهم عفو محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وصفحه، لن ينفع معهم ما يقدم الناس من تنازلات، إذا لم ينفع عفوه عنهم وهم في وقت مستضعفين، لا يمثلون قوة كبيرة، هل يمكن أن ينفع أمامهم الآن تنازلات وهم قوة جبارة؟ الآن هل يمكن يقبل؟ لا يقبل.
ثم من يتحدثون مع الناس على أساس أن يعفوا ويصفحوا ويعتدلوا ويقبلوا ووسطية وأشياء من هذه، هل ترى لديهم عمل آخر لبناء الأمة فيبدو أمامك وكأنها مرحلة فقط، وتعامل مع مرحلة بشكل معين، وسنضربهم من بعد، هل يعملون هذه؟ أبداً ولا حركة، يعني: نحن فاهمون الأشياء التي يتطلبها الصراع الآن مع اليهود، قلنا إننا لا نلمس في الساحة على الإطلاق أي عمل تقول بأن هذا فعلاً يؤشر على أن هناك بناء من جانب هذه الدولة، أو هذه، داخل البلاد العربية لتبني أمتها، وتبني شعبها، وجيشها؛ لتضرب ذلك العدو، ربما قد يكون سوريا باعتبارها دولة ما تزال في حالة حرب مع إسرائيل، حصل بناء عسكري من أيام حافظ الأسد، ولا ندري كيف واقعها الآن، لكن هنا مثلاً في اليمن هل نلمس شيئاً، يلمس واحد مراكز تدريب مثلاً، يدرب الشباب؟ هل تلمس اهتماماً بالزراعة؟ هل تلمس اهتماماً بالاقتصاد بشكل عام؟ هل تلمس مثلاً حركة هناك من قبل المرشدين لتوجيه الناس إلى أن يكونوا مستعدين للجهاد، فنقول: إنما فقط الإعلام يقول هكذا: وسطية، وأشياء من هذه، وهم شغالين من تحت، هذا لا يوجد! يعني: أنه منطق من يثقف الأمة أن لا يكون لها موقف نهائياً، تقبل بهذا العدو أن يدوسها، وينهيها.
بل تجد أن هناك تضليلاً للناس باسم كتاب الله، هذه جريمة كبيرة عند الله، قد يكون لها اثر كبير في أن يسلط عليهم لهذه في حد ذاتها، خلي عنك الأشياء الأخرى، هنا يبين بأنهم أمة ما عندها التزامات، لم يفوا مع الله سبحانه وتعالى، لم يفوا معه، ألم يقل هنا: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً}(المائدة من الآية: 12) كأنهم كفلاء، أو ملتزمين، أو قد يكون بعضهم ملتزمين على من ورائهم، أخذ ميثاقاً، ولكن لم يلتزموا، فلعنهم. معنى هذا في الأخير ماذا؟ ألم يقل: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} هل المعنى هؤلاء ناس هم هكذا سيئون، وهم، وهم.. إلى آخره، لكن لا تنشغل بهم، ولا تعد نفسك لمواجهتهم في يوم من الأيام، ولا.. ولا.. إلى آخره، لن يكون هذا توجيهاً حكيماً، بل على الرغم من هذا وهم في تلك المرحلة منظورين، أعني: هم تحت المراقبة، وتحت التقييم، ويتعامل معهم بحذر، ومنشغل بعدو أخطر منهم في الساحة، وهم في وضعية متى ما حصل منهم أي مؤامرة ظهرت سيضربهم، وهذا الذي حصل.
هم ليسوا على الإطلاق في أي زمن من الأزمنة إلى درجة أن تثق بمواثيق معهم على الإطلاق، كان من واجب العرب، لو أن إسرائيل هي التي تقدم طلبات، ومبادرات شبيهة بالتي يقدمها العرب أن لا يثقوا بهم، وأن يكونوا معدين أنفسهم في يوم من الأيام أن يضربوهم ما بالك إذا كان العكس هم الذين يقدمون مبادرات، تنازلات، استسلام، وهي في نفس الوقت ترفض، ولا يعدون أنفسهم لمواجهتهم.
{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}(المائدة من الآية: 14) إذاً فكل هذه الأطراف هي في وضعية فيها – مثلما نقول أكثر من مرة عندما نمر بآيات من هذا النوع – نقاط ضعف خطيرة، هؤلاء ملعونين لعنهم الله {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ} واللعنة عليهم معناها ماذا؟ لها آثارها السيئة بالنسبة لهم، وبالنسبة لهؤلاء، وقد تكون تعود إلى الكل {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء} يعني وهم أيضا لم يحصل منهم التزام، {فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أليست هذه نقطة ضعف فيهم كبيرة؟.
{وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} وهذه هي القضية الخطيرة؛ لأنه في الدنيا هذه مهما حصل من مؤاخذة، من معاقبة، مهما حصل من أشياء، ليست شيئاً بالنسبة للأشياء المرصودة في الآخرة {وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.
{فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ماذا تعني هذه؟ أليست توحي بأنه سيبقى منهم ناس إلى يوم القيامة، الأحاديث التي تقول: أن المسيح سينزل، وسيسلم كل النصارى غير صحيحة؛ لأنه هنا معناه..، في عدة آيات تبين بأنه سيبقى منهم حتى في ظهور الإسلام، سيبقون لكن بشكل غير ظاهرين أقليات هكذا، أو في بلدان لا يعتبرون ظاهرين مثلما هم ظاهرين الآن، ولا حول الآن، {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} هذه ما تزال قائمة فعلاً، وتجد لها آثارها فعلاً الآن، نقول ربما تخفيف ما كان يمكن أن يحصل منهم فعلاً لو أنهم متآلفين، لكن يتحرك حزب والحزب الآخر يحاول ينقده، ويحاول يقدم سياسته خطأ، من أجل أنه يفوز في الانتخابات بدلاً عنه، عندما يقتل أمريكيون، الحزب الآخر يحاول أن يستثير أهالي القتلى، والحزب الحاكم يحاول يتفادى أن لا يحصل قتلى لأن هذا سيؤثر عليه، ماذا حصل في الأخير؟ نقطة ضعف كبيرة بالنسبة لهم هذه، لو أنت في مواجهة أمة وليست بالشكل هذا لكانت خطيرة جداً.
ومع هذا تجد حكومات العرب نفسها حكوماتهم الذين يوجد معهم أموال، أموال هائلة جداً، وليس السبب أنهم ممن يتورعون أن لا يدخل في محظور، أو يدخل في شبهة، ألم يكن المفروض عندما يعرفون بأن هذه أمة – بالنسبة لليهود والنصارى – داخلهم عداوات وبغضاء، أن بإمكانهم أن يتغلغلوا داخلهم، يشترون منهم أناساً بأموالهم، ويحركونهم ضد آخرين، ألم يكن هذا بالإمكان؟ أعني: أنهم ما استطاعوا أن يشتغلوا حتى بأموالهم!!.
تجد الآخرين هم، بنوا إسرائيل، من اليهود والنصارى هم الذين يتغلغلون داخل المسلمين! لا نقول: لأن هؤلاء هم مبدئيون، وإلا فهي قضية قد تكون غير صحيحة على ما يمكن أنه يفكر فيها كثير من حكام العرب الآن، لكن لم يصلوا ولا حتى إلى الدرجة هذه: أن يشتغلوا بأموالهم، يوجد داخل أمريكا [لوبي] يسمونه: [لوبي صهيوني] اليهود عارفون بأن بإمكانهم أن يتغلغلوا داخل الإدارة الأمريكية، وداخل المجتمع الأمريكي، هل يوجد لوبي إسلامي، أو لوبي عربي – مثلما يقولون – يحاول أن يصل هناك إلى درجة التأثير في القرار الأمريكي؟ لا يوجد، وإنما يأكلون أموالهم هكذا.. ويضربونهم في نفس الوقت، ثروات هنا يستنزفونها، والأرصدة التي هناك، مبالغ كبيرة جداً.. يعني: أنهم ما استطاعوا يشتغلون ضدهم، لا باسم دين، ولا حتى وفق ما يعمل الناس الذين لا يوجد عندهم التزامات في حالة الصراع نهائياً!!.
يقولون: في إسرائيل نفسها أنه يمكن يهود، يأتي أحد من الفلسطينيين الذين يحاولون الدخول ليفجروا أماكن معينة يستطيع أن يعطي بعض اليهود مبلغاً ويدخِّل له هذه العبوة الناسفة من نقاط معينة بفلوس، ليس بينهم ألفة حتى تقول: هذا مجتمع متآلف، لكن خذيلة بكل المقاييس، خذل حكام العرب بكل المقاييس من كل جهة.
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ}(المائدة: 15) إلى آخر الآيات، هنا في بداية الآية يبين لنا أن أهل الكتاب فعلاً كان عندهم الطريقة هذه: يخفون أشياء كثيرة من الكتاب، عندما يقول: {قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لم يطلِّع على التوراة والإنجيل، إنما من خلال القرآن هذا نفسه؛ لأنه هنا هذا القرآن نفسه يقدم أشياء كثيرة مما هي عند بني إسرائيل، قد حرفوها، أو أخفوها، يبينها، ويظهرها، ويفضحهم في نفس الوقت، فهذه تعتبر – إذا كانوا يفهمون وما زال ممكن أن ينفع فيهم آية – تعتبر آية من الآيات لديهم، أنه إنسان لم يقرأ كتبهم، لم يقرأ، لا يستطيع أن يقرأ خطاً عربياً ما بالك بخط عبراني، وفعلاً لم يتجه إلى هذه الطريقة، وفي نفس الوقت يأتي على يديه – من خلال هذا الكتاب العظيم – ما يكشف حقائق هم يعرفونها، أليس في هذا ما يدل – إذا ممكن أن تنفع فيهم الآيات – أن هذا من عند الله؛ ليعودوا إلى الله سبحانه وتعالى، ويؤمنوا به؟.
{يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} هناك كثير ما قد تعرض لها {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} وهم يعرفون هم الكتب السماوية، والكتب الإلهية كيف تكون، كيف يكون أسلوبها، ومنطقها، والقضايا التي تتناولها {يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ}(المائدة من الآية: 16) إذا كنتم تفكرون في السلام، للبشر جميعاً هو يهدي الناس إلى سبل السلام، لكن كل من سار على هذه الطريقة، من اتبعوا رضوان الله {يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(المائدة: 16).
على الرغم من أن الآية هذه تبدو موجهة إلى أهل الكتاب، أليست هكذا؟ تجد نفس العرب لم يلتفتوا إليها، وكان المفروض أما بالنسبة للعرب، بالنسبة لمن هم مؤمنون، أنها قضية ثابتة لديهم: أن القرآن الكريم هو الذي يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، وهم يبحثون عن السلام من كم سنين، أليسوا يبحثون عن السلام؟ لكن بطريقة خاطئة يبحثون عن السلام عند العدو، يقدمون تنازلات، يقدمون استسلامات، ويقدمون أشياء مذلة تذلهم وتذل شعوبهم، وفي الوقت الذي يخاطب بني إسرائيل بأن هذا الكتاب هو من يجب أن تعودوا إليه لتهتدوا إلى سبل السلام، ولأن السلام هو مطلب عادة للبشر، إذا أنت ترى مثلاً حكومة معينة مثل حكومة إسرائيل مثلاً تجد أنه قد يكون هناك مواطنين عاديين يكونون مهتمين بأشيائهم اليومية يتمنون أن لا يحصل حروب ولا شيء، لكن الساسة نفوسهم عارفون أنه لازم تكون الوضعية على هذا النحو.
إذاً هو يخاطبهم على أساس أن القرآن يخاطب البشر جميعاً، لا يخاطب فقط الفئات الحاكمة، يخاطب البشر جميعاً، بل يعطي أهمية للشعوب بأنها التي هي مظنة أن تستجيب، واستجابتها مؤثرة، والتأثير عليها مؤثر أيضاً، يقول لهم هذا نفسه، يعودون هم إلى هذا القرآن؛ ليحصلوا على السلام. تجد العرب بالمقلوب، يذهبون هم إلى بني إسرائيل يبحثون عن السلام في الوقت الذي هم أعداء واضحة عداوتهم، ويبحثون هناك عندهم عن السلام، ويتركون الكتاب، مع أن أهل الكتاب هم دعوا إلى هذا القرآن ليؤمنوا به، ويهتدوا به، ليهتدوا إلى سبل السلام. ومعنى هذا بأنه فيما يتعلق بالمؤمنين وبأعدائهم من بني إسرائيل بأن السلام كله يقوم على أساس هذا، نحن نريد سلاماً، وأنتم تريدون سلاماً، تعالوا إلى هذا {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ} هذا سيحقق لنا سلاماً نحن وإياكم وبدون تلاعب، وبدون تعب، نرجع إليه، جميعاً، ونؤمن به جميعاً، وننطلق على أساس هداه جميعاً؛ ليتحقق السلام.
{وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} في هذا طريقة من الناحية المنهجية، يعرف الإنسان أن أشياء كهذه هي مطالب عادة للبشر، كيفما كانوا أعني: الآن في نفوسنا أليس عندنا صورة مثلاً عن أمريكا وعن أوربا هي الصورة التي نراها، صورة الحكومات، أليس هكذا؟ حكومات تسوق الشعوب نفسها، قد تكون تسوقها بضغط، أو تسوقها بإغراءات، وبإعلام مضلل، حول موضوع سلام، ونور وهدى بالنسبة لهم، أعني: يقدمون كل الأشياء لديهم، يعتمدون جداً على وسائل الإعلام؛ للتضليل على الناس، والتضليل يتم على هذه الطريقة، أن السياسة التي تتبناها حكومة إسرائيل، أو حكومة أمريكا، أو أي دولة أخرى أنه من أجل تحقيق السلام للشعب الفلاني الأمريكي أو.. هم يقولون هكذا: محاربة الإرهاب هنا تحقيق سلام للأمريكيين، وأمن وحفاظ على مصالح أمريكا، وأشياء من هذه يعني: طريقة تعتبر هدى، يزعمون أنهم يهدون إلى طريقة هي في مصلحة الناس، وخير للناس.
إذاً هذا مطلب أساساً، هو مطلب للبشر جميعاً، ولأن أكبر نسبة من البشر هم عادة مواطنون من الذين يسمونهم مواطنون عاديون يهمهم سلام، يهمهم هدى، يهمهم حق، مطالب لديهم أساسية، معنى هذا بأنه عندما يوجه هذا الخطاب إليهم هو يخاطب فطرة لدى شعوب هم ما يزالون أناساً، تقول له بأن ما عندك هو سلام، وعندك نور، وعندك هدى إلى صراط مستقيم؛ لأن الذي يضلل هناك هو يستخدم طريقة كهذه كعناوين وتحتها ضلال، تحتها ضياع لهم كشعوب، قل لهم: السلام هو هذا، أن نتبع جميعاً كتاب الله، ونؤمن بالقرآن، ونؤمن جميعاً بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، وندخل في السلم كافة، وتحقق السلام، ويتحقق للناس خروجاً من الظلمات إلى النور، ويهتدون إلى صراط مستقيم في كل حياتهم هذه.
لاحظوا هذه الدعوة ما أعلاها، أليست تعتبر عالية جداً؟ هل يمكن أحد من العرب أن يقوم بها الآن؟ أو حتى مجموعة الدول العربية في قمة معينة؟ هل يمكن أن يخاطبوا بهذه؟ في وقت لديهم إمكانيات هائلة من الناحية المادية، لديهم جيوش كثيرة، لديهم عتاد عسكري كبير، لديهم منطقة واحدة، موقعها الجغرافي واحد، وشعوب متقاربة مختلطة، ومع هذا لا يجرؤن على أن يخاطبوا بني إسرائيل بما خاطبهم به محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) في ذلك الزمن، عندما يخاطبهم فإنه خطاب ممتد وليس فقط يخاطب مجموعة يهود في ضواحي المدينة، خطاب لأهل الكتاب بشكل عام؛ لأنه جاء الكلام هذا تناوله بعد الحديث عن اليهود، والحديث عن النصارى، وكان النصارى أكثر ما يكون تواجدهم ربما في شمال الجزيرة، أو في داخل بلاد الروم التي كانت تسمى ذلك الزمن بلاد الروم، أليست دعوة جاءت من محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي لم يكن يمتلك ربما كقدرات محافظ من محافظي اليمن ما بالك بدولة، قدرات محافظ واعتماد محافظة ومعسكرات محافظة، وأشياء من هذه، ودعوة على مستوى عالي أنه إذا تريدون السلام فتعالوا إلى هنا، هذا هو السلام، وهذا هو الذي يخرجكم من الظلمات إلى النور، وبه تهتدون إلى صراط مستقيم.
والقرآن الكريم في رؤيته للسلام تختلف عن رؤية العرب تماماً التي تقوم عليها مبادراتهم للسلام، رؤيته بناء أمة روح جهادية، هنا يصبح العدو نفسه إذا كان يريد سلاماً يتحقق يعود إلى هذا الدين سيتحقق له السلام أعني: أليس هو هنا يقول: {يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ}؟ كيف يذكر عمن اتبعوا رضوانه؟ أليس هو يذكر {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ}(البقرة من الآية: 207) {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ}(البقرة من الآية: 265) يذكر الإنفاق في سبيل الله، وبناء أمة، جهاد، توعية لبناء أمة.
الطرف الآخر،نفس الأمريكيين هم عندهم الفكرة هذه بأنك لا تحصل على السلام إلا عندما تبني نفسك، وتصل إلى مواقع قوة، فعندما تدخل في مفاوضات لن تكون أنت بالشكل الذي تهضم في المفاوضات هذه، أو الطرف الآخر هو الذي سيستسلم أمامك ويتحقق لك السلام، أليس هذا عندهم الآن؟ هم عندهم الآن أن القوة هي التي ستحقق لهم السلام. موقف العرب الآن هو موقف استسلام، وضعف وذلة، ودائماً يقدمون مبادرات سلام وهم في حالة ضعف ما قبلت. الأمة بأمس الحاجة إلى أن تعود للرؤية القرآنية، وخاصة أن هناك توجهاً إلى أنه يزاح هذا الجنس البشري من المنطقة هذه، يزاحون، مثلما أزاحوا الهنود الحمر في أمريكا.
{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(المائدة: 17) يبين لك هذا الطرف نفسه سواء عندما يدعو مثلاً يقول:الإسلام دين السماحة، أليسوا يقولون: الإسلام دين السماحة الآن، ودين السلام، ودين التسامح، وشريعة سمحة، أليس هكذا؟ لكن كلها يقدمونها على أساس وكأن هذا الإسلام يجيز الاستسلام، ويجيز القبول بالآخر على ما هو عليه لماذا؟ لأنه لا يوجد عندهم نظرة بالنسبة للطرف الآخر، وفق النظرة التي تكررت في القرآن، وموجودة بشكل كبير، يعطيك صورة عن الطرف الآخر أنه مغضوب عليه، أنه مضروب، أنه في وضعية سيئة.
أنت عندما يقول لك هنا موضوع سلام، لا يكون عندك رؤية مغلوطة، إفهم هذه هي دعوة إلى السلام أليست هذه هي دعوة إلى السلام؟ لكن على أساس ماذا؟ أن نتبع رضوان الله جميعاً، أن نتبع هذا الهدى، وهذا النور لنهتدي به إلى سبل السلام جميعاً، أليست هذه هي دعوة السلام في الإسلام؟ وفي نفس الوقت لا تأتي لتأخذ منها ما تضفي به شرعية على مبادراتهم، وهي مبادرات استسلام، وعلى منطق هو منطق استسلام؛ لأنك ترى العدو ذلك كبيراً، هنا يبين لك العدو دائما يبينه أنه في وضعية سيئة، وضعية ضعف، هو مضروب لكونه عدواً لله، لكن لأن الله لم يعد في الذهنية عند العرب، وعند زعمائهم، لا يتذكرون بأنها نقطة ضعف في ذلك الطرف كونه عدواً لله؛ لأن الله قوة جبارة، ومن هم أعداء له هو يضربهم، ويكيد لهم ليضربهم، وسيخذلهم أمام أوليائه، لا يحسبون هذه على الإطلاق!! مع أنها من الناحية السياسية في هذه الحياة قضية معمول بها لديهم، إذا هناك مثلاً دولة معادي لدولة أخرى، ووجدت دولة أخرى أكبر منها قامت تعادي تلك الدولة التي تعاديها، أليست هي تعتبرها نقطة قوة لها لتستغلها فتضربها مثلاً المهم هي ترى أنها في واقع ضعف يمكنها من أن تضربها مثلاً مع تلك الدولة الكبرى، أو على الأقل تضطهدها بأي طريقة كانت.
الله منسوف عندهم تماماً، لم يعد في الذهنية يشكل قوة في مواجهة أعدائهم، فنرى أعداءنا في موقع ضعف؛ لأنهم في مواجهة قوة جبارة لا تقهر هو الله، هذه منسوفة في الذهنية، مع أنه هنا في القرآن يعرضها دائماً بشكل متكرر.
{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(المائدة: 17).
هذا بالنسبة لمن؟ للنصارى أليست هكذا؟ يذكر أيضاً اليهود {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}(المائدة: 18) ألم يذكر الآن أعداء الأمة الرئيسيين أنهم هكذا في واقع ضعف؟ وذكر أنه سبحانه وتعالى له ملك السموات والأرض وهو على كل شيء قدير وأن إليه المصير، ومع هذا لم ينفع في العرب! مثلما ترى في بني إسرائيل لم ينفع، لم ينفع، يأتي بصورة عن بني إسرائيل بما فيها أنه لم ينفع معهم لا أنبياء ولا آيات ولا غيرها.. ونفس الشيء أصبح العرب فعلاً وبالذات معظم الحكومات التي تحكمهم، بهذا الشكل، بل ربما تصل الحالة هذه إلى حملة الدين نفسه ما بالك بالآخرين. {وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ}(المائدة من الآية: 19) هنا يخلط بين التهديد، والتذكير بسوء ما هم عليه، وفضاعة ما يقولونه على الله سبحانه وتعالى، يفترون عليه، ثم أيضاً يأتي بآيات فيها دعوة لهم أن يعودوا إلى الحق، هذه قضية أساسية في منهج الناس، في التعامل معهم، أحياناً قد ترى بأنه هنا يتحدث عن بني إسرائيل، بل يدعوهم إلى أن يعودوا إلى السلام، فتأخذ منها بأنه إذاً هو يفتح لنا الباب أننا نتسالم معهم، ونتقارب معهم، وأشياء من هذه.. لا.. إن القضية هنا تقوم على أساس أن عندك مسؤولية، وعندك مهمة كبيرة أنك تدعوهم إليك، تدعوهم إلى الطريقة التي أنت عليها، لا أن تلحقهم، و[هنا قد سمح لنا أننا ندخل في سلام معهم، وأشياء من هذه.. وبعدهم] في الأخير يقدم قبولاً لكل ما يملونه عليه من شروط، هنا في الأخير يعطيك تذكيراً أو يذكرك بماذا؟ بموقعك، يذكر الأمة هذه بموقعها، بالموقف الذي يجب أن تكون عليه، أنك تدعوهم، هم الذين يأتون إلى هنا ليتبعوا ما نحن عليه، يتبعون الهدى الذي نحن عليه.
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(المائدة: 19) لاحظ هل هذا المنطق هو الآن قائم؟ منطق أن يبقى الناس متذكرين لموقعهم أنه موقع مسؤولية، أن يقولوا للآخرين: أنتم تعالوا إلى ما نحن عليه، هل ما يزال هذا المنطق قائماً؟ لا يوجد، هم يأخذون من الآيات سبل السلام، والإسلام هو دين السلام والتسامح وأشياء من هذه؛ ليلحقوهم هناك، ويقبلوا ما يملون عليهم من شروط ناسين هذه المهمة تماماً التي تذكرك بأنك هنا أنت صاحب مهمة ومسؤولية وموقع ثابت، ادعوهم هم يرجعون إليك، وإلى ما أنت عليه، هذه نسفت تماماً.
تجدها متكررة مع أن الناس لديهم ممارسة من هذا النوع، دعوة، وفي نفس الوقت لها أهميتها بأن تتذكر موقعك، تتذكر كيف يجب أن يكون تعاملك معهم، أنك أنت تدعوهم إلى أن يسيروا إليك، ويؤمنوا بما أنت عليه كما قال في آية سابقة: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ} (البقرة من الآية: 137) ولاحظ كيف خواتم الآيات هذه: {وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}(المائدة من الآية: 18) وفي آخر الآية الثانية {وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(المائدة من الآية: 19) هذه لم يعد يلتفت إليها بشكل تعطي ثقة، عندما تقيم كل مواقف الناس في مواجهة بني إسرائيل اليوم أعني: الحكومات، وكثير من المثقفين، والأحزاب كلها هذه ما كأن الله شيء، ما كأنه موجود، ولا كأن له أثر في الذهنية نهائياً، أنه ملك السموات والأرض، وله ملك السموات والأرض، معنى ملك ليس فقط أن أصلها له وقد صار مغلوباً على أمره! هو الذي يدبر شئونها، هو المدبر لشئونها، وهو على كل شيء قدير.
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ}(المائدة من الآية: 20- 22) أليس هنا يبين لنا أيضاً واقعهم، ضعفهم، على الرغم من أنهم تحت قيادة عالية موسى، فهل لديهم في قياداتهم قيادة عالية كموسى؟ لا يوجد عندهم {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} هنا يستوحى من هذه بأنهم هم نفوس ضعيفة، سواء الجيل الأول منهم؛ لما كانوا عليه من ظلم واضطهاد وأشياء من هذه، وأجيال متأخرة لانصرافهم عن هدى الله حتى ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وكان يأتي منهم من كان لا يزال مستقيماً، يأتي منهم مواقف قوية، الفئات التي هي مستقيمة منهم مثلما قال في آية سابقة: {لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ}(النساء من الآية: 162) لو أن النوعية تلك موجودة لكانوا مؤمنين.
إذاً فالنوعية القوية منهم ليست موجودة، لديهم فئة تكون قوية فعلاً غير موجودة، أما النوعية القوية، أو الفئة القوية تلك التي كانت مستقيمة، لو أنها لا تزال، أو هناك من يمكن أن يكون منها لكانوا مسلمين من أول يوم؛ إذاً فلم يبق إلا فئات واقعهم ضعف على هذا النحو، ضعيف {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}(المائدة: 22) أليس هذا رأي عندهم اعتبروه حكيماً؟ كأن لهم الفضل أيضاً أن يدخلوا {فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} مستعدين ندخل وقد خرجوا منها! معناه [إبشر بنا] ندخل إذا لم يعد فيها أحد! ليعرف واحد فعلاً أنه قد يكون هكذا واقع الناس إذا كانوا مبتعدين عن هدى الله، وفعلاً هناك حالة قائمة لدينا من هذه لو نأتي نقيمها، أعني هناك فكرة بالنسبة للعمل معناها في الأخير أنه إذا لم يعد هناك أعداء فمستعدين نجاهد في سبيل الله، إذا لم يعد خائفاً فمستعد يتحرك في سبيل الله، أليست هكذا بنفس الطريقة {فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} ويبدو أن هذا القرار حصل من عند الأغلبية الساحقة فيهم فعلاً ما بقي إلا موسى وهارون ورجلان قدما هذا المقترح الجميل: {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ}(المائدة: من الآية23) يخافون العواقب ويخافون الله {أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ}(المائدة: من الآية23) قدموا لهم خطة {ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(المائدة: 23) هذه نوعية ممتازة هذه لكن لم يكونا إلا رجلين فقط.
هذه ذكرناها سابقاً في حديث يكون فيها إجابة على من يأتي يقول لك: [لكن بقي فلان وفلان وفلان لا يقولون هكذا، ولم يتحركوا] لاحظ هنا بني إسرائيل أليس قد يكون فيهم عباد في الفترة هذه؟ لديهم علماء بما قد حصل من علم علماء وعباد وإذا هم مع أصحاب القرار الآخر الذين قالوا: {إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} {قَالَ رَجُلاَنِ} ألم يثن هنا على موقف رجلين واعتبرها خطة حكيمة؟ هل التفت إلى باقي عباد وعلماء آخرين من بني إسرائيل؟ إذا أنت هنا تحسب علماء وعباد هم بالتأكيد في الصف الثاني، صف قرار الرفض {فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}.
{قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا}(المائدة من الآية: 24) ماذا يعني هذا؟ جبن إلى آخر درجة، ومن العجيب أنهم يقولون هكذا مع أن قائدهم موسى، ويعرفون موسى كيف كانت قوته في مصر في مواجهة الفراعنة عند فرعون وهامان وجنودهم منطقه قوي يدخل عليهم إلى قصورهم ويعظهم ويبين لهم آيات الله ويدعوهم إلى عبادة الله، إنسان قوي والقائد يكون عليه عمد كبير جداً {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا}(المائدة من الآية: 24) هذه عبارة سيئة {فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة من الآية: 24) هذا رفض نهائي، إذهب أنت وربك قاتلا!.
هكذا تجد الناس الذي لا يذكرون نعمة الله، ألم يذكرهم في البداية بنعمة الله عليهم، فممكن أن تقيس الأمور على بعضها بعض بالنسبة لنعم الله فلا تتصور بأنه فقط سيقدم لك خبزاً وماء وأشياء من هذه وينسى التأييد في القضايا الهامة الأخرى، هم لم يحصل عندهم تذكر لنعمة الله فيحبوا الله ويستجيبوا لله ويضحوا في سبيله، مع أن العبارة التي قالها موسى هنا عندما يقول: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}(المائدة: من الآية21) أليست تعطي مؤشراً بأنهم سيغلبون؛ لأن معنى كتب لهم أنهم سيأخذونها إذاً معناه أنهم سيقهرون الآخرين، أليس هذا شيء واضح؟.
إذاً نحن المسلمون معنا من هذا النوع، آيات كثيرة لكن نفسية بني إسرائيل {لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا} ووصلنا فعلاً إلى {اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} جالس يعتزل ويقول: اللهم دمرهم، دمرهم، اعمل كذا.. أما أنا فلست مستعداً ولا حتى أسجن في سبيلك ليلة، أليس الكثير من الناس وصلوا إلى هذه، يكون عنده ستة أولاد أو أكثر وهو غير مستعد أن يترك واحدا منهم يذهب يرفع شعاراً من أجل ربما يسجن، ربما.. لكن أقرب أننا من فوق المنابر نقول: اللهم، اللهم.. أو من داخل بيته، أو من زاوية مسجده. قضية لا تلمس لها اثر في القرآن هذه، هذه الطريقة؛ لأن معناها إذهب أنت أما نحن ولا كلمة ولا ريال ولا موقف، أليست تشبه كلمة بني إسرائيل؟ لكن لاحظ كيف كانت العقوبة سيئة جداً عليهم.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}(المائدة: 25) لم يعد يمتلك إلا نفسه وأخاه ممكن يطيعه أما الآخرون رفضوا، والرجلين أولئك الذين قدما المقترح، ويمكن أنهم وهم ربما قدهم مجملِّين والله أعلم {لا أَمْلِكُ} هو قال لم يعد يملك إلا نفسه وأخاه فقد يكونون مؤيدين ربما قد يكونون كل واحد قد يرجع إلى ماذا؟ إلى السبط الذي هو منه، لكن يتمنون أن الناس يستجيبون لموسى وأشياء من هذه.
عبارة موسى عندما يقول: {رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} ألم يسمهم فاسقين هنا؟ خرجوا عن طريقة الله عن صراط الله {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} (المائدة من الآية: 26) لاحظ على خسارة كبيرة أرض كتبت لهم، وكان بالإمكان أن يدخلوها فعلاً، وعبارة موسى توحي بهذا، لكن قد يكون عندهم رؤية نقول نحاول أن نكون بعيدين عنها وهي: رؤية وكأن لك الفضل أنت، عندما يقول لهم: {كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ} قد يكون عندهم إذاً من أجل سواد عيوننا، إذاً يخرجهم ونحن مستعدون أن ندخل! لا، إنك يجب تعتبرها كلها فضلاً من الله، أي نعمة أنت فيها، اعتبرها فضلاً من الله، ويجب أن تشكر الله عليها، وأن تثق بالله وتحبه؛ لأنه أسدى إليك نعمة كبيرة.
الأرض المقدسة هنا لم يفصلِّها، ذكر في آية أخرى ما يوحي بأنها قرية، ذكر هنا الأرض المقدسة مبهمة، لكن مفسرين مسلمين جاؤوا ليقولوا: هي بلاد الشام! أليس هذا من الأخطاء الكبيرة، يقول لك: بلاد الشام، من أين علم؟ الله يقول هنا أرضاً مقدسة، لا أحد يدري بالتحديد ما هي، وأنت تأتي تعطيهم مساحة، بلاد الشام والتي تعني ماذا؟ فلسطين ولبنان ومعظم ما يسمى بلاد الشام، فعلاً بعض المفسرين يأتي يفسرها هكذا، قد يكون يعتمد على إسرائيليات، على ناس من بني إسرائيل يفسرونها، ونفس الآية توحي عندما قال: {ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ} إنها مدينة فعلاً، الأرض المقدسة إنها منطقة محدودة عندما قال: {ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} أليست هذه توحي بأنها قرية؟ كيف يأتي مفسر ويجعلها بلاد الشام؟!.
إذاً فكانت العقوبة عليهم أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة {فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}(المائدة من الآية: 26) معناه أن نبي الله موسى يتألم، لكن هنا لا تأس عليهم هم يستحقون هذه..
إلى هنا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
[الله أكبر / الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.