سورة الانعام الدرس السادس والعشرون
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
من بداية السورة هذه، [سورة الأنعام] المباركة تعليمات كثيرة جداً، ومزدحمة، ونسبة كبيرة منها موجهة إلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بعبارة: قل أو نحوها، ويبدو من خلال هذه أن الله سبحانه وتعالى جعل آياته بينات إلى درجة أن الإنسان لا يحتاج إلى أن يقول: هو بحاجة إلى أن يرى الله كما قال بنو إسرائيل: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(البقرة: من الآية55)، فالناس لا يحتاجون إلى هذه، فيما يتعلق ببيناته، هي بينات واضحة جداً؛ ولهذا قال بعد {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}(الأنعام: من الآية103)، قال: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ}(الأنعام: من الآية104).
فيما يتعلق بالنعم منه سبحانه وتعالى هو منعم على الناس بنعم كثيرة جداً جداً، وليسوا مع ذلك بحاجة إلى أن يروه، وليس هناك حاجة بالنسبة للإنسان حتى يستبصر، أو حتى يحصل على نعم من جهة الله سبحانه وتعالى أن يرى الله، يقفل هذا الموضوع بالنسبة للمسلمين، أن لا يكونوا كبني إسرائيل عندما خرجوا من مصر وهم يريدون إلهاً يرونه بأعينهم، ويطوفون عنده، إلهاً يرونه! القضية لا تحتاج إلى هذا على الإطلاق، لا بالنسبة لآيات الله، ولا بالنسبة لنعمه على الإنسان.
فآية: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(الأنعام:103) هي جاءت في هذا السياق، سياق توحيد الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بذاته، ثم التبيين للإنسان أنه ليس بحاجة إلى الرؤية هذه.
هذه تعتبر من العقيدة السائدة عند كثير من المسلمين، الرؤية، وأن الله سيُرى، وأشياء من هذه!. فعلاً ليس هناك في القرآن الكريم ما يدل عليها على الإطلاق، بل هناك ما يدل على أنها لا تقع، عندما يبين في هذه السورة، هذه الآية في إطار الحديث عن البصائر للناس، وعن النعم للناس، الإنسان يجد هكذا، يجد أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يفلق البذرة، وهو الذي يفلق الإصباح – الصباح -، وهو الذي يسيِّر الشمس والقمر، ويولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، وهكذا، بدون حاجة إلى أن يتساءل أين الله، ويرى الله.
{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ}(الأنعام: من الآية105) يصرف الله الآيات، تتكرر هذه العبارة: {نُصَرِّفُ الْآياتِ} في آيات كثيرة، بمعنى: أن الله سبحانه وتعالى في هدايته للناس؛ لأنه رحيم، ولأنه يعلم بخلقه هؤلاء، لا يكتفي في موضوع معين بآية واحدة، أو إشارة واحدة، أو إيحاء واحد، بل يصرِّف، يعني: يكرر الأشياء، ويقلبها على كل نوع، من توجيهات، إلى أمثلة، إلى ترغيب، إلى ترهيب، وهكذا.
{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ} بعد قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(الأنعام: 104 – 105) جاء في آية بعد كم آيات من هذه: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ}(الأنعام:156)، إذاً، أنت منهم، ووجدوك درست، يعني: أنت تتلو عليهم القرآن، تتلو عليهم كتاباً من جهة الله.
{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}(الأنعام:106)، أعرض عن أي تقولات من جانبهم، أعرض عن أي دعايات من جانبهم، أعرض عن أي مقترحات، أو أطروحات من جانبهم، معنى أن تعرض عنها: لا تعطيها قيمة، وسيكون موقفك منها موقفاً من ضمن المواقف المتعددة – كما سيأتي من خلال الآيات، وكما لاحظنا في الماضي – منها ما يجيب عنها، ومنها ما يجيب عنه بشكل آخر، ومنها ما يعرض عنها تماماً.
{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} هذه من التوكيدات المتكررة في القرآن الكريم، والموجهة إلى النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، أن عليه أن يستقيم في كل حركاته، في كل توجيهاته، في كل مواقفه مع الآخرين، على أساس ما يوحى إليه من الله، يعني هذا: أن ما يوحى إليه من جهة الله سبحانه وتعالى فيه الكفاية وفوق الكفاية، هو ليس بحاجة إلى أشياء أخرى.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}(الأنعام:107) ولو شاء الله ما أشركوا، تتكرر العبارة هذه أيضاً في مقامات كثيرة، العبارة هذه مما يستفاد منها عندما يقول: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}(الأنعام: من الآية112)، ولو شاء كذا، أن يتبين للإنسان أن الله سبحانه وتعالى ليس عاجزاً، يعني: هؤلاء الناس عندما ينزل لهم بينات كثيرة، ثم لا يهتدون، عندما تراهم يعبدون أصناماً أخرى، ليس معناه: أن هؤلاء أعجزوا الله، أي: نجحت قدرته وما استطاع على الإطلاق أن يعمل معهم شيئاً! هو يستطيع، هو قادر على أن يكفهم عن هذا بطريقة، أو بأخرى، من الطرق الأخرى النافذة، مثلاً يستطيع أن يفجر أصنامهم فيهم، يستطيع أن يحول بينهم وبين الوصول إلى الأماكن التي فيها أصنام، أليس قادراً على هذا؟.
يعني: خلاصة ما تعنيه هو: أن الله ليس بعاجز أمامهم عندما تراهم لا يقبلون هذا الهدى فيبدو وكأن الباري لم يعد يدري كيف يعمل معهم، هو على كل شيء قدير، اقتضت حكمته أن يكون هكذا بالنسبة لعباده: أن يوجههم، أن يرشدهم، أن يعلمهم بهذه الطريقة؛ لأن الطريقة الأخرى قد لا تكون ذات قيمة بالنسبة للإنسان، قد لا تكون ذات قيمة بالنسبة لدورك في هذه الحياة. الطريقة الأخرى مثلاً أنهم يريدون أن يتجهوا إلى الأصنام ولكن يحصل مثلاً نوم، ينام، كل من فكر أن يتجه إلى صنم ينام، يمكن يطلع من خلال هذه تقولات أخرى مثلاً، بأنه أن الله يتعامل مع الإنسان تعامل تجبر، تعامل تسلط، ليس معناه: أن تلك القضية باطلة من حيث هي، أو أن هذه القضية حق من حيث هي، وإنما هكذا عمله كعمل الملوك الآخرين، الشيء الذي لا يعجبه لمجرد أنه لا يعجبه بغض النظر عن كونه حق في ذاته، أو باطل في ذاته، أنه هكذا يوقفك اعتباطاً.
يعني أنها قضية بالنسبة للإنسان، لو تتم على هذا النحو الذي يسمونه: القسري، لما كان ذا قيمة بالنسبة للإنسان نفسه، ولما كان ذا قيمة فيما يعطيه من تجليات، فيما يتعلق بماذا؟ بقيمة هدى الله سبحانه وتعالى، فتأتي بطريقة أخرى، فيأتي يقدم ويقول: إن هذا هو حق، هذا هو باطل، إذا سرتم على هذا الحق ستكون النتيجة بالنسبة لكم كذا كذا، كلها إيجابيات، عندما تسيرون على هذا الباطل ستكون النتيجة كذا كذا في الدنيا وفي الآخرة، كلها عذاب وخزي… إلى آخره.
هنا سيتجلى، أليس سيتجلى في واقع الحياة؟ وبالنسبة للآخرة بأن عملهم هذا هو عمل يعتبر باطلاً في نفسه، أنه يؤدي إلى هذه العقوبات السيئة، إلى هذه الحالة السيئة، إلى هذا الضلال، هذا يكفي، وهذا ذو قيمة بالنسبة للإنسان، فيما يتعلق بنفسيته؛ لأنه ممكن موضوع القسر أن تقسر دون أن تعرف لماذا، لا يترك أثراً في نفسك إلا أن الجهة تلك جهة متجبرة فقط، لكن أن تقنع بالمسألة، أن يقال لك: هذا هو باطل، هذا يؤدي إلى كذا…، هذا ليس له أساس من الصحة أن تكون عليه، وسترى عواقبه كذا؛ ولهذا لاحظ في السورة هذه وهو يبين بالنسبة للآلهة هذه أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تعمل لهم شيئاً، وهي عاجزة وهي، وهي… إلخ، ليست ذات قيمة. هنا عندما تتركها تترك عبادتها، سيكون تركك لعبادتها ذو قيمة بالنسبة لنفسك، تسمو نفسك، تزكو نفسك، يعني: تعتبر مستبصراً، أفضل من الطرق الإعتباطية، القسرية.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا}، هذه لا تعني على ما يقول الآخرون معناه: إذاً فقد شاء، إذاً فمن هو مشرك الله شاء أن يشرك! هذا معناه يعتبر تحريفاً للآية، لأن معناها: أن الله غني عن العالمين، وأنه لا يعجزه أن يردهم بطريقة أو بأخرى، لكن فيما يقدمه من آيات، فيما يقدمه من بينات، فيما يكشفه من بطلان ما هم عليه هو الطريقة الجيدة بالنسبة للإنسان، هو الطريقة الصحيحة التي يكتشف له من خلالها حق وباطل.
{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الأنعام:108)، هنا عندما تأتي الآية بهذا اللفظ: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} مع أننا وجدنا بالنسبة للقرآن الكريم فيه آيات كثيرة تتكلم عن هذه الأصنام، بعبارات، من خلال ضرب أمثلة مثلاً بأنها أوهى من بيت العنكبوت، وبأنها لا تنفع ولا تضر، وبأنها لا تسمع ولا تبصر وأنها.. وأنها.. بكلام كله سخرية بها، أليس سخرية؟ في إطار كونه تبيين. لكن لأنه قد يكون هناك ربما من الناس من تكون عباراتهم بالشكل المثير لآخرين، يتجنبون هم التعبير، يتركون القضية لله سبحانه وتعالى، ولرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) في تبيين حالة هذه الأصنام؛ لأن الطرف الآخر هو يعتبره إلهاً، تأتي أنت بكلمة جارحة، غير لائقة، مثيرة، قد تجعله ينشد إلى هذا؛ لأنه عنده بالنسبة لنفسه، وهو تربى على هذا، إله لديه، ليس معناه أن لا تتعرضوا للأصنام نهائياً، إلا لأنه قد يحصل هذا، وهذا شيء معلوم في حياة الناس.
لذلك نقول في كثير من القضايا بأنه ليس مناسباً أن أي إنسان يتناول هذه القضية الفلانية، لأن كل شيء يحتاج إلى حكمة، وكل شيء له أسلوب، قد يكون طريقة شخص معين بالشكل الذي يجعل هذا الإنسان يتخلى عما هو عليه من ضلال، وقد تكون طريقة شخص آخر بشكل يجعله ينشدُّ إلى ما هو عليه من ضلال، والله هو رحيم بعباده، ويريد لعباده جميعاً أن يهتدوا، فمن واجب المؤمنين أن تكون لديهم هذه الروحية، أن يكونوا حريصين على أن يهتدي الآخرون، فلا تأتي من جانبهم عبارات مثيرة وبالإمكان أن تأتي عبارات أخرى وتؤدي نفس الغرض المطلوب، وبأفضل وأكمل، وتؤدي إلى نتيجة طيبة بأن يهتدي هذا الإنسان أو ذاك.
هذا بشكل عام، هناك نوعية من الناس، نوعية محدودة من الناس الذين قد يكون مناسباً أن يأتي لهم عبارات قاسية؛ لأنه فعلاً عندما يأتي شخص يسب صنماً لكن بطريقة مثيرة، مع أن العرب يعتبرون الله سبحانه وتعالى هو إله أقدس من الأصنام هذه التي لديهم، لكن من أجل ماذا؟ من أجل نفسه، يستثار فيسب الله؛ لأجل هذا الشخص بأسلوبه المثير، الغير حكيم، قد يؤدي إلى أنه يسب الله، فتكون أنت كأنك حملته على هذا بطريقتك غير الحكيمة.
هذا فيما يتعلق بالمؤمنين، يعتبر من التزيين لأعمالهم، فيما يتعلق بالمؤمنين، بالأمة المؤمنة، يعتبر من التزيين لأعمالهم بحيث تكون ذات قابلية عند الآخرين، {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ}(الأنعام: من الآية108) في توجيهات الله لكل أمة تنطلق على أساس كتابه، وتتبع رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) تزين لها الطريقة بحيث كما قال في آية أخرى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}(النحل: من الآية125) والحكمة عندما يقدم الشيء في قالب من الحكمة يقدم جميلاً، أليس هو يقدم جميلاً؟ في نفس الوقت يكون أمام الشخص الآخر، أمام الجهة الأخرى جميلاً، مزيناً، جذاباً، فيتجه إلى الهدى.
{ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} لا نستطيع أن نفهم، إذا قلنا: إن الآية هذه: {زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} بالنسبة للمشركين يوجد تزيين لعملهم بالنسبة لهم، كيف يمكن أن يجعل الصنم ذا جاذبية لديه، ومزين لديه، يجاهد فيه، من أجله! هو سيأتي بعد، وفي آيات أخرى: أن الشيطان يزين بالنسبة للآخرين، والأصنام أيضاً، من خلال أساطير معينة، من خلال كذا..، يزين له بأن يقتل ابنه لأي اعتبار كان، كما سيأتي في آية أخرى.
من واجب الناس أن يتفهموا الأطراف الأخرى، مثلاً الناس في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هم كانوا مجتمعاً أغلبيته مشركين، يعبدون الأصنام، وهذه الأصنام محاطة بأساطير، لا تعتقد بأن هناك شيء لا يكون محاطاً بهالة من الأساطير تجعله وكأنه حق، وكأنه صحيح، إضافة إلى أنه يصبح حالة سائدة في المجتمع، ومسلَّمة في المجتمع، تبدو وكأنها طبيعي، وكأنها قضية تسالم عليها الناس، وكأنها لم يعد فيها أي إشكال بأنها صواب! هنا النقلة إلى أن يكفروا بها، إلى أن يتخلوا عنها، تعتبر نقلة كبيرة هذه، تحتاج إلى تصرفات حكيمة.
كذلك الناس مثلاً، عندما نقول: نحن في عصر كهذا، يوجد ثقافة سائدة نعتبرها مليئة بالأخطاء، مليئة بالأغلاط، يجب أن تكون عباراتنا حكيمة، بالنسبة لمن هم على هذا.
هنا تجد في القرآن كيف يفرق بين موضوع مهاجمة الشرك كشرك، أليس هذا شيء؟ بالنسبة للناس كناس يتخذ أسلوباً حكيماً معهم، عندما نتحدث عن ثقافة معينة، نحن عادة لا نتحدث عن أشخاص، خاصة من الموجودين، نتحدث عن أشخاص بأعيانهم، نتحدث عن محط الإشكالية، وهو ما هو؟ ثقافة مغلوطة، كيف نحاول أن نخرج منها نحن، وكيف نعمل على توجيه الناس لأن يبتعدوا عنها، إذاً لا يكون أسلوبك مع الأشخاص أنفسهم، نفس الأسلوب في مهاجمة القضية من حيث هي؛ لأنه فعلاً تجد الناس منشدين إلى ما هم عليه، أليس هذا شيئاً معلوماً؟ منشدين إلى ما هم عليه، سواء كانوا داخل الشيعة أو داخل السنة، منشدين إلى ما هم عليه، ويعتبرون أنه مضى عليه أعلام منهم، ومضى عليه عظماء منهم، والناس جميعاً على هذا، وقضية تبدو وكأنها ليست محط إشكال، فيحتاج الإنسان إلى أسلوب حكيم إذا دخل في حوار مع آخرين، أو وجد آخرين مثلاً تدخل مسجداً وفيه حلقة درس، معهم درس في أصول الفقه فلا تقول: [روحوا لكم أنتم وضلالكم هذا..] مثلاً، أو [اجلسوا تخيضعوا أنتم وضلالكم هذا….]، هنا تستثيره، لكن بطريقة وبأخرى تتحدث عن القرآن، وتذكر بما تعتبر أساسيات، وهي مقبولة عند الجميع، وهذا أسلوب ذكر في القرآن نفسه، تقول: كيف..! يعني بالنسبة لهذه الكتب كلها أليس القرآن الكريم هو يعتبر حاكماً عليها جميعاً، وله الأولوية عليها جميعاً؟ لا أحد سيقول لك: لا، قل: إذاً القرآن عندما نجد أي شيء فيه تكون هذه الأشياء مخالفة له، أي شيء سواء كان في كتب داخل التفسير، أو حديث، أو أصول فقه، أو علم كلام، أو أشياء من هذه، كتب ترغيب وترهيب، ألا يعتبر خطئاً، ويجب أن نرفضه عندما يكون مخالفاً للقرآن؟ سيقول أيُّ واحد: نعم، وبالطريقة الحكيمة هذه، فيما إذا دخل أحد مع ناس في حوار.
ثم أيضاً تكون الأشياء مختلفة، لاحظوا، هناك فارق كبير، أحياناً قد يكون الكلام من هذا، قد لا يكون مثيراً كما لو كان الكلام من هذا، هل تلاحظون فارقاً في هذا؟. {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ}، لكن ربما عندما يأتي شيء من جهة الله هو يقول عن الأصنام كذا، أو شيء من جهة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول عن الأصنام كذا، أو يقول عن نفس الأشخاص مثلما سبق في آية فيها مقابلة سخرية بسخرية، عندما ذكر الذين يخوضون في آياتنا، وأشياء من هذه، بعدها قال: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا}(الأنعام:71)، أليست هذه العبارة تعني: أنتم في واقعكم هكذا؟ {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ}.
هذه القضية ملموسة، الإنسان يجب أن يعرف أنه ربما قضية – حتى لو كانت خطيرة في التعبير عنها – قد تكون من شخص بشكل لا تكون مثيرة، كما لو كانت من شخص آخر، فيجب أن نفهم نحن في عملنا هذا نفسه، الإنسان إذا كان مخلصاً لله، وهمه فعلاً هو أن يهتدي الناس، همه هو أن يعمم هذا التوجه، أنه وإن كان فاهماً أحياناً شيئاً معيناً يحاول أن يوكل القضية على آخرين، نحن نؤكد على هذا من زمان من البداية، نحن نعرف أننا تناولنا قضايا هي عند الآخرين قضايا ينشدون إليها، بل يعتبرونها ديناً.
إذاً فبدل أن يدخل أي واحد من الناس في مهاترة مع الآخرين، وقد يحاولون هم أن يستثيروه؛ ليدخلوا في مهاترة معه، ثم قد لا يقدم القضية بالشكل المطلوب، أو لأي اعتبار كان، أفضل عملياً هو أن يقول: القضية هذه روحوا عند فلان، هو الذي تناول هذا الموضوع، لاحظوا كتاباته، لاحظوا كلامه، اتفقوا أنتم وإياه.
هذه الطريقة من الناحية العملية ذات قيمة كبيرة، أولاً تجنب الناس الأخطاء؛ لأن النقل عادة يأتي فيه أخطاء؛ ولأنه لم تمر فترة طويلة بحيث أن القضية تكون قد اتضحت لكثير من الناس في كيف يعبر عن القضايا هذه مع الآخرين، وكيف يتناولها، وقد تتجمع أخطاء من هذا وهذا، وهذا، ولا تدري والساحة ملان أخطاء، هذه الأخطاء في الأخير تراها وإذا هي كل منطق الآخرين الذي ماذا؟ يعارضون هذا العمل: [هم يقولون كذا وكذا..]، يقدمون مجموعة الأخطاء التي أتت من عند هذا وهذا، وهذا، ويقدمونها صورة لهذا الموضوع بكله. ثم في نفس الوقت يعتبر من ناحية ما يتعلق بالعدو نفسه، إذا لمس من الناس أنهم أمة منضبطة، أمة متقيدة، أمة لا تسير بطريقة عشوائية، لا يوجد عندها أسلوب الثرثرة، كل واحد من عنده، كل واحد يتناول القضية من عنده، ويغلط، والثاني يغلط، يجد أمة متقيدة، قضايا معينة يتركونها لجهة معينة، يوحي بأن هذه أمة مبنية بشكل صحيح، أمة كلمتها واحدة.
من الناحية العملية أنت ستؤثر في الآخر، أنت ربما تجره إلى موضوع قد يكون عندما يراجعه ربما يتأثر. هذا قلناه في البداية، عندما مررنا – في [سورة البقرة] – بقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ}(البقرة: من الآية23)، قلنا أنه هنا يدفعهم إلى أنهم يرجعون إلى القرآن، إذا اطلعوا على القرآن لن يخرج الإنسان من داخله مرتاباً نهائياً، يريد يبحث كيف يعمل في القرآن حتى يطلع سورة، لن يخرج من القرآن إلا وقد صار هو مستقيماً، وإن كان عندك خبرة أنت، بعض المقامات بالنسبة لكثير من الأشخاص وإن كان عندك خبرة في الرد عليه، أو التبيين له ربما الأفضل أن ترده إلى الموضوع؛ لأنه عندما يقرأ هذه الأشياء ربما في الأخير سيرى مواضيع هامة أخرى، سيرى حديثاً عن الأمريكيين، حديثاً عن الإسرائيليين، حديثاً قد يكون أوسع من القضية التي أنتما تخوضان فيها، موضوع أصول فقه مثلاً، سيقرأ أشياء أخرى، وسيرى هذه القضية داخلها مرتبطة بأشياء أخرى، وفي الأخير: إما يتحول ويستجيب، أو على الأقل يترك المعارضة ويسكت، يرى بأنه غير مناسب أن يدخل في هذا الموضوع، ويعارض ويشاقق. هذه الطريقة أفضل حتى وإن كان عندك خبرة أن تبين بالنسبة لأشخاص.
نلمس من خلال آيات في القرآن الكريم: أن القضية، موضوع التوجيه الإلهي في القرآن يعطي الإنسان أسساً منها أن يكون همه ليس أنه يبرز شخصيته، أو يبرز أنه قدير في منطقه، أو أنه استطاع أن يفحم فلاناً، أو استطاع أن يفضح فلاناً في جلسة، لا، عنده روح عملية كيف يهدي الناس، وفي نفس الوقت محب بالنسبة للآخرين أن يهتدوا، فعندما يرى أنه فعلاً، أو قيل له: أن لا يتناول هذه القضية، سوف لا يتناولها؛ لأنه يعلم بأنه أن لا يتناولها هو أفضل للموضوع، أفضل للقضية التي هي ماذا؟ التي هي دين الله، أفضل للقضية التي هي ماذا؟ محاولة إبعاد الناس عن الضلال، ومحاولة إزاحة هذا الضلال من الساحة في داخل ثقافة الأمة هذه، يعني أنه سينضبط.
هذه القضية هامة: أن الإنسان يكون عنده رغبة فعلاً بأن القضية التي يتحرك فيها، أنها هي التي تنجح، هي التي تبرز، وليس شخصه هو الذي يبرز، هذا مثلما نقول: أنه حتى لو عندك قدرة أحياناً أن تبين، وقد يكون شخص معين الأفضل أن توكله على الموضوع تتركه يراجع أشياء ثانية، اتركه يطلع عليها، وأنت في المرة الثانية تسأله.
يجب أن يفرق الناس بالنسبة لنا عندما نتحدث عن القضية هذه، نحن نتحدث عنها فعلاً على أساس نبين، ونتلمس نحن جميعاً – من خلال قراءتنا للقرآن الكريم – الفارق بين ما يقدمه القرآن وما قدمته لنا هذه الأخطاء في ثقافتنا، هذه تؤدي بالإنسان فعلاً إلى أنه يعتبرها قضية رهيبة جداً، ضلال رهيب جداً ضرب الأمة ضربة شديدة جداً، هذا شيء. لكن، لا ما تدري إلا وقد أنت متحامل على أشخاص بأعيانهم، هكذا، [أنتم كذا، أو هم كذا] هذه ليست جيدة، إذا سمعنا فلاناً هو نفسه يتحدث، قد يضطر الإنسان أن يتحدث أحياناً، قد يضطر أن يتحدث، لا يحاول واحد يقلده في القضية هذه بالذات، في قضية أشخاص من الماضين، أو من الموجودين، لا نحاول نقلد فلاناً، لأنه يتكلم، أو سمعناه يتكلم فلنتكلم كمثله في تناول أشخاص، هذه قضية غير صحيحة، ولو لم يكن إلا في مرحلة معينة، أنت تريد أن تطلع الآخرين على ما قيل، حاول توزع ما نزل للتوزيع، وتخليهم يتفقون هم والذي جاء الكلام هذا من عنده.
بل من الناحية الأمنية أحياناً، افهموا هذه، من الناحية الأمنية أيضاً، أحياناً قد يكون كلمة من عندك في مسجد تجعل الآخرين، قسم شرطة، أو إدارة أمن، أو أي شخص آخر يأتي يمسكك ويذهب بك إلى السجن، شخص آخر ربما لا يحصل هذا، هل تفهمون هذه؟. إذاً فبطريقة أخرى مشِّي الموضوع، توزيع، وزع، وما يكون التوزيع مكتوب لا أحد يدري من هو منه، الاسم موجود فوقه، إذا هناك أحد يريد يحمس، أو يعمل شيء هو ذاك فلان يتفقون هم وإياه.
هذه قضية ملموسة بالنسبة للقرآن الكريم، داخله، افهموا، افهموا هذه القضية أساسية، ربما لو حاولنا نتطرق إليها نجد فعلاً أنه قد يكون بالنسبة لأشخاص، قد لا يحصل شيء في الغالب، وإذا جاء الآخرون كل واحد عنده يريد أن يعمل مثل ذلك ربما يحصل لك أنت، وقد يكون فيها فائدة من جهة أن يبقى الناس مرتبطين بجهة واحدة، ويسيرون على توجيهات واحدة. وأنه كلما يقدمه القرآن الكريم من أشياء تجعلك مثلاً قد يكون عندك غضب شديد، وعندك عداوة شديدة مثلاً، لكن هناك شيء أساسي هو: أن تكون حريصاً على أن يهتدي الناس، كل الناس، هذه قاعدة، أنك حريص على أن يهتدي حتى اليهود، أليس هذا أسلوب نراه داخل القرآن.
إذاً فهذه القضية لا يجب أن تتحول الأشياء إلى شخصية، رأينا في القرآن كم حاول! يعني كم عمل فعلاً من أشياء داخل القرآن الكريم تبعد الموضوع أن يتحول إلى موقف شخصي، موقف شخصي، إلى آخره؛ لأن من سلبياته أنه قد يجعلك في حالة تصد عن سبيل الله فعلاً بمنطقك؛ لأنك قد أصبحت تعتبر القضية قد صارت قضية هناك ناس معينين لم يعودوا يصلحوا نهائياً، تحاول بعبارات قاسية، وأشياء من هذه، إلى درجة أنه قد يأتي الرد هكذا، يحدث سب لله مثلاً كما قال في الآية هذه.
اتبع الحكمة على أساس أنك تريد أن تنجح القضية هذه، وتعمل الطريقة التي يمكن أن يهتدي الآخرون، أو ينصرفوا بطريقة هكذا؛ ولهذا يقول أنهم هكذا يصدفون عن آيات الله بعد أن تأتي بطريقة حكيمة ومقبولة، لا تكن أنت الذي صدفه، أو صرفه بأسلوبك، إذا انصرف هو بأسلوبه بعد آيات تقدم إليه بشكل حكيم، وبتبيين حكيم، هذا الشيء الذي قد يضربه هو فعلاً، ولا يضرك أنت، لكن عندما يكون عملك أنت، أسلوبك أنت بالشكل الذي يصرف هذا، بعباراتك غير اللائقة، بأسلوبك الذي يبدو وكأنه قد أصبح قضية شخصية لديك، هنا قد تكون القضية مؤثرة عليك أنت، ويكون تأثيرها السلبي عليك أنت.
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ}(الأنعام:109). وهم يحاولون: لولا تأتينا آية، آية يريدون من الآيات التي كانت تأتي مثلاً لعيسى بأن يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، أو آية من الآيات القاهرة، يقسمون بأنهم سيؤمنون. هنا الله يقول: بأنه {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} الله هو العالم بالناس، هنا يقول لهم: {قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ} لا يمكن، سواء تقسمون، أو لا تقسمون، ليست بيدي، والله هو العالم بعباده جميعاً، ومعلوم بأن الله رحيم، لو أن شيئا معيناً عندما يأتي قد يؤمنون، وبطريقة على وفق سنة الله في هدايته لعباده، أنه سيأتي بها، بل رأينا يأتي بأشياء كثيرة {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ}، هل يوجد شيء أبلغ من هذا؟ {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}(الروم: من الآية58).
هنا في عمل الناس، عندما يكون الناس يعملون على أساس دين الله؛ لإقامة دينه، قد تجد أطرافاً تقدم مقترحات، وتقسم بالله [أن لو تعملوا كذا أننا معكم] لا تشدك هذه، عندما يقترحون أولويات هم، يقترح رؤية معينة هو، يقول هذا: [لاحظ أقسم لك بالله لو أنتم على هذه الطريقة أننا معكم بقلب ورب و… الخ]، لا.
{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}(الأنعام:110)، إذاً هذه الآية من الآيات التي توضح لنا متى يكون ما يقول في آيات أخرى: {جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً}(الكهف: من الآية57) {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}(البقرة: من الآية7) طبع عليها، أشياء من هذه، {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، ولأنه يقدم من أول مرة بطريقة كاملة وواضحة، إلى درجة أن يوصل الإيمان إلى داخل نفوسهم، أن يكونوا مؤمنين في واقعهم من داخل نفوسهم بأن هذه القضية هي حق وصدق، فمتى لم ينطلقوا على أساس ما قد قدم إليهم في المرة الأولى، نقلب أفئدتهم، وأبصارهم، ونذرهم في طغيانهم، فلا يهتدون نهائياً.
{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ}(الأنعام:111)، ألم يقولوا هناك: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}(الأنعام: من الآية109)؟ {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً}(الأنعام:111)، مواجهة، عياناً {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا}(الأنعام:111) إلا أن يشاء الله – كما يقول في آيات أخرى – إلا أن يشاء الله، معناه أنهم ليسوا معجزين هؤلاء، هذه القضية يجب أن نفهمها: أن الله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض، ولا في السماء، ولو افترضنا بأنه أدى كلما عنده من قدرة، وكلما بإمكانه أن يعمل من أشياء، وعجز في الإنسان هذا، ألن يكون عجزاً؟.
إذاً هو سلك مع الإنسان هذه الطريقة، أن يهتدي على هذا النحو، إذا أراد يهتدي، إن اهتدى سيجازيه جزاء حسناً، وإن لم يهتد سيعاقبه، وعندما يكون معانداً إلى آخر درجة، ليس معناه بأنه أعجزه؛ لأنه يستطيع أن يهديه بطريقته الأخرى، بالطريقة التكوينية، بالطريقة القسرية، بأي طريقة أخرى، يستطيع، بمعنى أنهم لم يعجزوه. إذاً فقد تنطلق الأيمان هذه: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا}، قد يكونون نوعية لو نزَّل إليهم الملائكة، وكلمهم الموتى، وحشر عليهم كل شيء قبلاً، مواجهة، عياناً ما كانوا ليؤمنوا.
إذاً فالقرآن الكريم، من خلاله نفهم بأن الإنسان هو يسير وفق التوجيه القرآني، وليس وفق ما يمليه عليه الآخرون، وليس وفق مقترحات الآخرين، ومقترحات أولويات من جانبهم. هذه القضية أساسية، امش على الطريقة هذه؛ لأن الآخرين قد يجرجرونك إلى أن تضيِّع ما لديك، وتَضِيْع أنت، وقد ترى من عندهم أحياناً حالات يبدو وكأنهم جادين [أقسم بالله لو أنكم كذا كذا من أننا لنكون معكم ولا نفارقكم ونكون في المقدمة]، هم في الواقع من هذا النوع، ستقول: تمام، معك، سوف يقول: لكن باقي أيضاً واحدة، وقدم لك خصلة ثانية، وهكذا، حتى تضيِّع الذي لديك، وإذا بك قد صرت تمشي على هداه هو، الذي هو هوى وضلال، وتترك هدى الله!.
هذه القضية أساسية يحتاج إليها الناس، وكلما مشى الزمن، وكلما مشوا في أعمالهم يحتاجون إلى هذه الرؤية الثابتة وهي: أن نتعامل مع الآخرين، ونعمل في طريقنا هذا وفق ما يهدينا إليه الله، على أساس كتابه، دون أن نعطي الأولويات الأخرى، والاقتراحات من الأطراف الأخرى أي قيمة. إذا هناك أحد من داخل الناس هم يقدم رؤية معينة، وسيعرف إلى أي جهة يقدمها، وسيعرف على أي أساس يقدمها، أنه قدم رؤية إن قبلت فلا بأس، ما لم فهو مع الناس لن يخرج، لكن الآخرين يقدم لك رؤية هناك على أساس أنك إن مشيت عليها فسيقول لك إنه معك وليس صادقاً، إذا لم تمش عليها سيقول: [رأيتم أنكم لا تريدون أحداً يكون معكم فقط تريدون أن تفرقونا، فقط تريدون كذا وكذا] لا تصغ لهذه.
والقرآن الكريم يقدم أمثلة كثيرة لهذه الفئة من الناس التي على هذا الشكل، ثم ترى بأنه لم يعطهم اعتباراً، هل نزل لهم آية كما قالوا؟ بل كشف واقعهم كيف هم، بعد أن أقسموا بالله جهد أيمانهم، يعني بكل ما عنده من عبارات يمين، أيمان بالغة، أقصى ما يمكن أن يقول من يمين، وهو في الواقع غير صادق؛ لأنك تجد من العجيب أن الله لا يترك الناس هم، نفس المخلصين، نفس المؤمنين، نفس العاملين، لا يتركهم يسيرون على أمزجتهم، وعلى ما رأوه هم، وهم الذين عندهم إخلاص للقضية، وعندهم حسن نية، خلي عنك أن يتركك للآخرين يملون عليك هم، أليس هنا يقول لنبيه: قل كذا، قل كذا.. الخ.
{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}(الأنعام: من الآية106) يعني: ما تركت القضية لشخصه هو، أن يمشي على مزاجه، وعلى ما رآه؛ لأن المهمة كبيرة جداً، وأدق من أن يحيط بها فهمك كإنسان. إذاً فكيف يمكن أن تخضع المسألة لاقتراحات الآخرين، ورؤى الآخرين الذين ليسوا في عملك، وليسوا حولك!.
قد يقول الإنسان: لكن لماذا يأتي ناس من النوعية هذه في مواجهة الأنبياء؟ لماذا ما يهلك الباري أولاً الناس جميعاً الذين هم سيئون ثم يبعث نبياً؟! ماذا سيعمل النبي؟ ماذا بقي له من عمل؟!، إن الناس هم عباد لله كلهم، ومطلوب أن تقوم حجته عليهم جميعاً، من آمن ومن كفر، من اهتدى ومن ضل. فتجد المسألة بشكل آخر، تأتي العبارة بطريقة أخرى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ}(الأنعام:112) وأعداء شغالين من الفئتين، من الجنسين: الجن والإنس، وشغالين، يوحي بعضهم إلى بعض في مواجهة هذا النبي، {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}(الأنعام:112).
كنا نسمع كثيراً عبارة: [معنا أعداء، ولا هو وقت شيء، ومعنا أعداء، وأعدانا كثيرين، وأعداءنا معهم قدرات كذا، ونحن ليس معنا شيء…] إلخ! أليست هذه رؤية معناها بأن الناس مستعدون أن يعملوا إذا ما هناك أعداء؟ لكن الله هنا يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً}.
إذاً لاحظ أن الصراع نفسه، الصراع على أساس هدى الله يكون له إيجابيات كبيرة جداً، الأعداء الآخرون يكون عملهم دائماً يعطي شواهد لصحة ما عندك؛ لأنه بالنسبة للباطل، عندما يكون الباطل مجرد نظرية، ليس هناك من يجسده، من يمثله، لا تستطيع أن تتصور قبحه، لا تستطيع أن تتصور فضاعته، نفسك قد لا تحمل غيضاً، أو تحمل غضباً، أو تحمل قوة في مواجهته. متى ما تجلى، وعادة أهل الباطل هم يتحركون فيتجلى الباطل من خلال مواقفهم، ويتجلى الحق بشكل أكبر في جانبك، من جانب ما يقدم من عندك يتجلى، فترى قبح الباطل كيف هو، وترى كيف – عادة – يكون أهل الباطل، وترى كيف – عادة – يكون منطق أهل الباطل، وتصرفاتهم، وكيف تكون نتائج أعمالهم، وكيف تكون عاقبتهم، وعاقبة من يسيرون معهم، وهكذا.
ليست المسألة معناها أنها تشكل عوائق، وقلنا بالأمس: بأن هذه من أهم الأشياء التي يمكن أن نستفيدها من خلال القرآن الكريم، مما يعطي الناس ثقة قوية بأن يسيروا على هدى الله، وسينجحون، عرض كل الأشياء من العوائق والمطبات التي تتصور أبسط شيء منها، أبسط عائق في الزمن هذا لا يعد يعمل شيئاً، ولا يعمل الكبير شيئاً، يعرض لك أن هناك أعداء: جن وإنس، ويتآمرون، ويكيدون، ومحاربين، ومتآمرين، من كل الفئات، جن وإنس، يهود، ونصارى، ومشركين، ومنافقين، ويستخدمون كل وسيلة، دعايات مضللة، تآمر، محاولة اغتيالات، محاولة تسميم، محاولة كذا… أشياء كثيرة جداً يتحركون فيها، ومع هذا نجح، ألم ينجح؟.
عندما تفترض أن هذا دين لكن هذا الدين لا يمكن يعمل شيئاً، ولا يمكن أن يكون له أثر إلا إذا ما هناك يهود، ولا نصارى، ولا منافقين، ولا كافرين، ولا أعداء. إذاً أن يكون الناس من نوعية الإمام علي، فتكون أنت مستعداً أنك تجاهد، ومستعد أنك تكون قوياً، تكون قوياً على من؟! وتجاهد من؟ في الأخير تجاهد من؟! إذاً معناه أنه هكذا، عندما تجد في واقع الحياة هكذا، أناس أعداء بمختلف أصنافهم يجب أن تفهم بأنك عندما تسير على هذا الكتاب، على هدى الله، ستتجاوز كل هذه الصعاب مهما كانت، فمن خلال الصراع، والصراع هو الذي يعتبرها في الحياة، أصبحت عادة مثلاً، أصبحت قضية ثابتة، نفس الصراع وإلا فما نفس مثلاً نقول: أحقية هذا الدين، لا تظهر إلا إذا كان هناك صراع، تظهر أحقيته إذا كان هناك من يتحرك على أساسه، أليس هذا يعني أن هذا الدين عظيم جداً؟ هو حق حتى وإن لم يكن هناك من يصارعه، تستقيم الحياة عليه على أفضل طريقة، وفي نفس الوقت حتى لو كان هناك من يصارع ستجده أيضاً يتجاوز الكل، ويظهر على الكل.
ليس معنى هذا بأن الله جعل لكل نبي عدواً يؤاذيه، ويشغله، ويزعجه، ويقلقله من أجل يأتي له ثواب! ليست هكذا، لكن الصراع نفسه يفيد الإنسان كثيراً، ينمي خبراته، مواهبه، مداركه، تتجلى أمامه جاذبية الحق، وسوء الباطل.
ولاحظ الآن عندما نشاهد ما يعمل الأمريكيون، والإسرائيليون، ألست تجد كيف يكون الناس، أهل الباطل مضللين؟ وكيف تكون نتائج تضليلهم؟ كيف تكون ممارساتهم، كيف تكون سياستهم، مثلاً مستعد يفجر تفجيراً كبيراً، ويقتل أناساً من شعبه، من أجل الانتخابات المقبلة، أن لا تنحط شعبيته فيها، من أجل يجلب أصوات! أليس هذا الباطل واضح كيف هو؟ أنت تجد كيف يعملون بالعراق، وفلسطين، وأفغانسان، وكيف يعملون في بقية الشعوب، أليس الباطل يتجلى لك بشكل تعرف سوءه وخبثه؟ عندما ترجع إلى القرآن، وتفهم ما يريد الله للناس في هذه الحياة، سترى فعلاً بأنه شيء عظيم لو ساروا عليه، ولما كان لهذا الباطل وجود.
لكن لاحظ كل الأمثلة ستضرب إذا ما قدمت لها مفاهيم أخرى، هذا مثال هام جداً، عندما تقول: فعلاً هناك أعداء للأنبياء بما فيهم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وأعداء من مختلف الفئات، ومع هذا نجح! ألم يكن المفروض بأن نفهم؟ إذاً فهذه الطريقة طريقة يعتمد عليها، وأنها طريقة من يسير عليها سيجعل الآخرين يفشلون تماماً في مواجهته، ألم يكن هذا الشيء الذي يجب أن نفهمه؟ ويعطي دفعه للناس أن يتحركوا على أساس هدى الله؟ لكن قدموا لها معنى آخر معنى [أنه هكذا الدنيا، ابتلاءات يعمل له عدو يزعجه، يزعجه..، لأجله يأتي له ثواب]!! موتوا الموضوع تماماً، هل أصبح له قيمة من الناحية العملية؟!.
ولاحظ كيف في المقابل {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}، وكأنها قضية ليست محط افتراء، وعندك أنهم سيسدون الآفاق عليك، ويحبطون طريقتك، والعمل الذي أنت فيه، إشتغل، اتركهم، {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} يعني: لن يضرك، لكن ماذا؟ إذا أنت مستقيم، عندما يقول له: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ}، لاحظ هنا العبارة هذه، وهي في مقامها مما يوحي لك بأنه فعلاً: هؤلاء الأعداء مهما كانوا لن يضروك، ولن يعيقوك، بل تستفيد من خلال الصراع معهم، ومعلوم في هذا العصر نفسه أن الأمريكيين يقولون: إنهم يحاولون أن تأتي حروب من أجل أن يستفيدوا، ويجربوا أسلحة جديدة لديهم، ويحصلوا على خبرات عسكرية، لا يمكن أن يحصلوا عليها نظرياً، أبداً، هي هناك مجرد مثلاً تنظير، هم يريدون ميدانياً، ولا يريدون مناورات، المناورات تكون وهمية لا يستطيع أن يجعلها فاعلة، ويكسب خبرات حقيقية منها، فحروب حقيقية، حروب حقيقية إذاً سيجرب أسلحته، ويجرب خبراته التي لديه، ويفهم خبرات جديدة، ويعرف أشياء جديدة.
وما يأتي مثلاً من جانب عندما يقول: {شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ}(الأنعام:112-113)، فيكون هذا بدل أنهم لم يسيروا على هدى الله، يأتي لهم وحي شياطين جن وإنس، غرور، عندما ينصرفون عن الوحي الذي هو من الله إلى رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي هو هدى، هو حقيقة وحق، وليس غروراً، لم يعد معهم إلا أن يرجعوا للذين معهم شياطين الجن والإنس، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.
{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ}(الأنعام:113)، ثم في الأخير يعملون أعمالاً على أساس ما قد ارتضوه من وحي الشياطين، فتكون كلها ضلال على ضلال، وكلها تؤدي إلى عواقب سيئة.
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً}(الأنعام: من الآية114)، مقابل اقتراح آيات، أو مقابل اقتراح أولويات، أو أشياء من هذه، أشياء كثيرة، يقول: لا يمكن أن أميل إلى غير ما جاء من عند الله. {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً}، حكماً بيني وبينكم، ويفصل بيني وبينكم، {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}(الأنعام: من الآية114).
يجب أن نفهم بأنها قضايا هامة جداً، عندما تجد توجيهات للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، توجيهات تؤكد عليه أن يكون مستقيماً، أن لا يميل كذا أو كذا مهما وجد من اقتراحات، مهما سمع من أيمان بالغة، مهما قدمت من أشياء، لا يميل، قضية خطيرة لو مال، يمشي وإن كان ما كان أمامه من أعداء، وأشياء من هذه، يعرف بأنه سينجح، وهذا الذي حصل، أليس هو الذي حصل بالنسبة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟.
بالنسبة لأهل الكتاب {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ} هذا القرآن {مُنَزَّلٌ} إليك {مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}، أنه حق في نفسه، وأنزل بالحق، ومتضمن للحق، {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} فيما لديك، وفيما أنزل عليك، عندما ترى الآخرين ما آمنوا به، هذه قضية نقول دائماً: القرآن يركز على أن يرفع الناس من هذه الحالة، حالة أن لا تثق بما لديك إلا إذا قبله الآخرون، أو آمن به الآخرون، أو صدقوه، خاصة إذا الناس قد يكونون هم مظنة أن يصدقوا بما جئت به، مثل أهل كتاب، أو أهل علم أو أشياء من هذه. فعندما ترى بأنهم لم يرضوا يؤمنوا به، في الأخير تشك أنت فيما لديك فيضعف عملك، تضعف نفسيتك، تضعف مواقفك. هذه تكون غلطة كبيرة جداً. افهم بأنه قد يكون هناك آخرين لا يؤمنون به وهم يعلمون أنه حق.
{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}(الأنعام: من الآية115) أليس هو يعطي هنا أشياء أساسية؟ أشياء تعطي مواقف ثابتة، ورؤى ثابتة؟ وهذا من نعمة الله عليه (صلوات الله عليه وعلى آله)، كلمات تامة، لا يوجد قصور فيها على الإطلاق. {صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}، لن يأتي واقع يكشف أن هذه الكلمات لم تكن صحيحة، أو غير واقعية، أبداً، ولا أحد من الأطراف يستطيع أن يبدل كلمات الله. {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(البقرة: من الآية137).
{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}(الأنعام: من الآية116)، يعطيه هذه الرؤية الواضحة، لا تكن دائماً لا تنظر إلى ما لديك أنه ذو قيمة إلا إذا آمن به الآخرون، افهم، الآخرون، وهم عادة، خاصة إذا كانوا مجتمعاً واحداً، وهم كانوا عندما بعث رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عبارة عن مجتمع واحد، بل اليهود كانوا ضمن المجتمع، يعني: لم يكونوا مجتمعاً متميزاً، كانوا ضمن المجتمع العربي في المنطقة. فهنا عادة يأتي اقتراحات، ويأتي رؤى، ويأتي أشياء كثيرة من داخل المشركين الذين ما يزالون هو وإياهم أصحاب، وما يزالون قبيلة واحدة، وأشياء من هذه، ومن داخل أهل الكتاب، يقدمون له رؤى، يقدمون له أشياء كثيرة.
فيعرف أنه لو أطاع أكثر الناس، وعلى أساس يقولون: تمام، ويريد يكسب أكثر الناس سيضلونك عن سبيل الله، فيصبح ما لديك أنت والأكثرية هذه لا يساوي شيئاً، كم المسلمون اليوم؟ أليسوا يقولون: إنهم مليار وحوالي ثلاث مائة مليون؟ أعداد كبيرة جداً، لكن أصبحت وضعيتهم وما يعمم في أوساطهم من ثقافة هي الفاعلة لديهم، لم تجعل لهم قيمة، عندما يقول واحد [نريد نفرح، نفرح، ونجمع، ونتجمع – وأشياء من هذه – ونوافق هذا، ونوافق ذاك، ونرضى باقتراحات ذاك، ونمشي بعد هذا، وهكذا حتى نكون عدداً كبيراً]. إذاً اجتمع لك آلاف، لكن أنت وإياهم على لا شيء، ضالين، إذا أنتم ضالين تصبحوا ليس لكم قيمة، لا تتركون أيَّ أثر في الحياة هذه، ولا يكون لكم قابلية عند الله لا في الدنيا هذه ولا في الآخرة.
{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}(الأنعام:116)، فيما هم عليه، وفيما يقدمونه لك من مقترحات، ورؤى، وأشياء من هذه، لا يمتلكون هدى نهائياً، ومعنى هذا: أنه في عملية مقايضة مثلاً، أنه عندما تأتي وهي عادة تحصل هذه، وهي حاصلة، هي أبرز حاجة الآن هذه الخصلة عند العرب، تقريباً كثير من علمائهم، ومرشديهم، ومعلميهم، حكوماتهم، هذه الخصلة، محاولين كيف أنه يسترضي الآخرين، ويطيعهم فيما يقدمون من أشياء، على أساس أنه يكسبهم، أو يسلم شرهم، أو بأي جهة كان، المهم أنه قد تأتي المسألة هذه عادة في إطار مقايضة.
{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ} لو اقترح عليك أكثر من في الأرض بأنه أنت اعمل كذا كذا، ونحن سنكون معك مثلاً، فقط تمشي على مقترحهم، وعلى ما قدموه لك، فتطيعهم فيه، يضلوك عن سبيل الله، فتكون ضالاً أنت وإياهم، معنى هذا أنه يريد أن يقطع الطريق تماماً، عندما يكون عندك حرص أن الناس كلهم [تلفلفهم] من أجل طمعك قد تحاول أن تسترضي هذا، وتطيع هذا فيما يقدم من رؤى ومقترحات، أكثر من في الأرض لو أنهم سيطيعونك كلهم، على أساس ما يقدمونه لك هم، سيضلونك عن سبيل الله، فتصبح ضالاً أنت وإياهم، إذاً فاقنع بالنسبة لقبيلة، أو قرية، أو حتى الجزيرة هذه بكلها، أن لا تفرح بالأرقام الكبيرة هذه على الإطلاق.
{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}(الأنعام:116)، تخرصات: كذب وافتراءات.. {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(الأنعام:117)، لأنه أحياناً قد تحصل عند الإنسان فكرة أنه يقول لهم: تمام، عسى أنهم سيهتدون، الله أعلم بمن سيهتدي، وبدون شروط، ولا إملاءات، وبمن هو سيضل لو تقبل كلما عنده من شروط، أليست هذه قضية حاسمة؛ لأن هذه ثغرات كبيرة في أعمال الناس، [نقبل، عسى عندما نقول له: تمام في هذه إنه سيهتدي] الله هو يعلم من البداية من هو الذي سيهتدي، ومن هو الذي سيظل ضالاً، لا يقبل نهائياً، نحن بحاجة إلى أن نفهم هذه الأشياء بجدية.
الناس إذا لم يفهموا هم على أساس واحد في الأخير يختلفون هم فيما بينهم، سيقولون: [أمانة أما هكذا جور، قد أنت متشدد بزيادة، هذه فقط اقبلها منهم، ومضمون ستراهم يستقيمون كلهم]، ثم يختلف الناس فيما بينهم؛ لأنك لاحظ هنا أنه تقدم المسألة، وعلى أساس أن رسول الله وهو فعلاً هكذا، (صلوات الله عليه وعلى آله) إنسان حريص جداً على أن يهتدي الناس، وكل الناس، حريص على هداية الناس كلهم، لكن هذا الحرص يحتاج إلى رقابة شديدة وإلا فهو يعتبر واحدة من المنزلقات الخطيرة، لولا أنه رجل حكيم، وبتوجيه من الله، وبيَّن الباري كيف كان أحياناً يكاد يحصل له انزلاقة لولا رعاية الله، ليس على أساس أنه إنسان ينطلق على أساس – مثلاً – مطامع لديه، يقول: إذاً سيقبلون كلهم، وستكون أكبر واحد فيهم ملكا عليهم، أو يحصل لك مصالح، أو أشياء من هذه، أبداً، عنده روح واحدة، حرص على هداية الناس كل الناس.
إذاً فهذه الحالة على الرغم من أنها حالة ممتازة جداً، هي حالة تعتبر فضيلة عظيمة، لكن يجب أن تكون دقيقاً في التعامل مع الآخرين وإلا قد يحصل خطأ كبير، وأنت حريص على هداية الناس، قالوا: نريد كذا، ونريد كذا، ونحن مستعدون نؤمن بك! في الأخير قد صار يرى أنه ممكن أن يأخذ عدداً من البلدان قالوا قد هم مستعدين، إذاً لا بأس قبلنا، وهكذا، ولا تدري وقد ألفوا أن يقدموا هم أشياء، وباقي هذه، وهذه، وآخرين قدموا قائمة فيها أيضاً زيادة على ما قالوا، قد رضيوا ذولاك أيضاً نريد يرضى لنا في هذه يقبلها، ثم في الأخير عنده عسى لا بأس وفكَّة من بعد سنحاول بعد ذلك نهديهم.
هنا يقول الطريقة هذه تلغى تماماً، {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ}(الأنعام: من الآية106) {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}(الشورى: من الآية15) وعندك توجيهات معينة، يعتمد على الطريقة هذه لا يعتمد على ما يقدمه الآخرون حتى ولو من منطلق الحرص على هدايتهم، أو على أنهم عسى أنهم سيهتدون من بعد، هنا يقول: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ}، أليس هذا يوحي بأن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان لحرصه الشديد على هداية الناس أن هذه الحالة وإن لم يكن قد يحصل عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو شيء من المنزلقات هذه الخطيرة لكن تحصل عند الآخرين من بعده، نحن بحاجة نحن والذين قبلنا، والذي بعدنا، الناس بحاجة إلى الرؤية الثابتة هذه، وفعلاً نجد هنا في داخلنا، في داخل الزيدية خلي عنك في باقي الدنيا، من عندهم النظرة هذه: يحاول يتأقلم كذا، يحاول كذا، من أجل إما أن يحافظ على مشروعه الفلاني، مدرسة معينة معه، أو كونه خطيب مسجد، أو أشياء من هذه، أو من أجل يكسب الطرف الآخر، يكسبهم!! ولا يدري في الأخير إلا وقد هو يقصد الدين، يقدمه استرضاءات لهذا وهذا، وهو في الأخير يعتبر ضالاً {يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} يقول له: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
ثم لاحظ من الأشياء العجيبة في الأخير يأتي في قضايا مثلاً هي قضايا مأكولات، ذبائح، أليس يأتي فيها: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(الأنعام: من الآية121)، ثم بعد التوجيهات الهامة هذه يقول: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْأِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(الأنعام:119- 121) ما هي القضية هذه؟ قضية أكل من ذبيحة معينة، هنا يقول: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} فكيف بالقضايا الأخرى القضايا الهامة؟.
يؤكد بأن عليه أن يأكل فقط مما ذكر اسم الله عليه، لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، لا يقول في الأخير: سهل، ليست مشكلة، على أساس نجلس مع بعضنا، ونأكل معهم جميعاً، ونتحدث بعد الغداء، وربما يهتدون! يكون لديه موقفاً ثابتاً، لا يأكل أبداً من شيء لم يذكر اسم الله عليه، ولو أدى إلى أنه لا يعد يحصل اجتماع بينه وبين الذين قد هم مستعدون أن يعطوه ذبيحة لكنهم غير مستعدين أن يذكر اسم الله عليها، بمعنى ماذا؟ أن يكون ثابتاً، أليست هذه قضية تبدو عادية؟ قد تكون من الأشياء التي يمكن أن واحد يضحي بها؟ ما هي مشكلة يأكل واحد معهم ربما يهتدون ثم من بعد سنذكر اسم الله على ذبائحنا نحن وإياهم! لا، الدين لا تقدمه أبداً تقصده؛ لأنك تدعو الناس إليه، لا، أن تقدمه لهم يعني هكذا تقصيد، استرضاءات.
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الأنعام:122)، لهذا يجب أن يفهم الفارق، ونفهم نحن جميعاً بأن الناس لديهم ما يعتبر نوراً، لديهم ما يعتبرون به أحياء؛ فيجب أن يلمسوا هم الفارق بينهم وبين الآخرين، فلا تحاول أن تقبل من الأموات، وتقبل ممن هم في الظلام أشياء يردونك بها إلى أن تكون كمثلهم، لأن هذه القضية تجدها في آيات كثيرة، موضوع المقارنة؛ ليعرف الناس، ليعرف المؤمنون أهمية ما هم عليه، أنها طريق ذات قيمة، أنها نور، أنها حياة، أنها صراط مستقيم، من أجل ماذا؟ يثقون، يجب أن تراجع نفسك من خلال المقارنة، يجعلك تنشد إلى ما أنت عليه، إذا انشديت إلى ما أنت عليه، ووثقت بما أنت عليه، واعتبرته نعمة كبيرة، لن تكون مستعداً أنك تبيعه وتعطيه تقصيدات للآخرين، مقابل استعطاف لهم أنهم يميلون معك.
قد مر مثل هذا في آيات سابقة، ذكرنا أن هذه قضية هامة تقدم للإنسان، والإنسان بحاجة إلى أن يستشعر هذا؛ لأنه أحياناً يذوب واحد في موضوع الآخرين، وهو يريد كيف يكسب الآخرين، وكيف يعمل بالآخرين، وكيف أنه لم يستجب الآخرون إلى أن أصبح هو ينسى الموضوع الذي هو عليه، وأهمية ما هو عليه، وقيمة ما هو عليه.
هذه القضية تحصل للإنسان إذا استرسل ذهنه في موضوع الآخرين، يجب أن يكون عندك التفاتة إلى أن تقيِّم ما أنت عليه، هذا الهدى، وهذا النور؛ لتعرف ماذا؟ يشد موقفك أمام الآخرين، يعني: لو قدموا تنازلات، أو يريدون منك تقدم تنازلات، لا ترض أبداً. عندما يقول: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}، ألم يقدم في الأخير مقارنة فيما بينهم؟ أطعتموهم أنتم، ما بين المؤمنين، وما بين المشركين، هل ستقبلون، والواقع هكذا: أن هنا أموات في الظلمات، وهنا أحياء مستنيرين، أليس هذا يعتبر فارقاً كبيراً جداً، تطيعونهم تكونون كمثلهم، هم أموات، وفي الظلمات.
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}(الأنعام:123). أكابر مجرميها، وفي آية أخرى يذكر مترفين: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}(الإسراء:16) عادة يكون بسطاء الناس ينشدون إلى الوجهاء، أصحاب رؤوس الأموال، والكبار في مدينتهم، أو كبار مجتمعهم، حتى أنه يحاول أولاً يلاحظ هل أولئك سيقبلون هذا الدين؟ هل سيرضوا أن يستجيبوا له؟ وإلا فيقول: والله ما رضيوا، هو غير مستعد أن يسير معك إلا إذا قد رضي ذلك التاجر، وذلك الذي هو كبير في عينه! هنا يقول له: هؤلاء هم في الواقع هم شر على المجتمع، أنهم هم بداية الشر على المجتمع، لأنهم عادة هم من يكونون مكذبين؛ لأنهم يكونون أصحاب مصالح كبيرة، مترفين، أصحاب مصالح كبيرة، ولا يريدون أن يأتي شيء يخرجهم مما هم عليه، يعطي أشياء قد يعتبرونها قيوداً أمام لهو، ولعب، وترف، وأشياء من هذه، وأمام كسب الأموال بأي طريقة، أو بأخرى، وأمام استعباد الناس من خلال الأموال، فيعتبر أن هذه الفئة هي الفئة التي عادة تجلب الدمار على المجتمعات.
إذاً فأنت عندما تتعلق بنظرك إلى هؤلاء، أنت إذاً تعلق نظرك بمن هم أساس الدمار لك وللآخرين من أمثالك، التفت إلى ما قدم إليك؛ لأن القضية هي حاصلة عند الناس، في المجتمعات، وذكرها فيما يتعلق بمجتمع فرعون، من خلال المقارنة ما بين موسى وفرعون، هم يرون فرعون هناك! معنى هذا: أن الإنسان ينظر إلى الهدى من أين أتى، ولا يقيِّم الهدى على أساس أن يكون معه أموال، وأن يكون ذو وجاهة كبيرة، وأن يكون عنده إمكانيات كبيرة، وأشياء من هذه، أبداً.
يفهم الناس أنه لا يأتي الشر على الناس إلا ويبدأ بسبب هؤلاء، وفعلاً هذه القضية ملحوظة، يكون المترفون هم في المدن العربية هذه، في المجتمعات العربية، المترفون هم من يتمكنون من أن يسيروا إلى الغرب، ويأتوا، ويحاولوا ينقلوا معهم تقاليد الغرب، وثقافة الغرب، ويحاول يعمم في المجتمع، في الشارع، في الحديقة، في الاجتماعات الحياة الغربية، من السفور والأشياء هذه، وهكذا، ويحرك المجتمع، يعمم فيه الفساد، يعمم فيه الجريمة، حتى في الأخير تكون القرية هذه، أو المدينة هذه، قد استحقت أن تدمر، أما الفقير فهو لا يستطيع يسافر إلى فرنسا، وإلى أمريكا، وإلى البلدان الأخرى، ويرجع وقد بناته لابسات قصير، وكاشفات، ويخرج هو وإياهم في الحديقة؛ لأن الفقير لا يكون حول هذا، لا يستطيع يأمن معيشته إلا غصبا، حياته اليومية.
وهنا يفهم الناس بأنه هكذا؛ لأنه عادة يجهل الناس من أين يأتي في العادة المشاكل عليهم ودمارهم، يكون عندهم ذلك فلان، أو فلان الذي يدعوهم إلى هدى؛ ليكونوا بعيدين عن غضب الله، بعيدين عن العقوبات التي تأتي من جهة الله، أو تأتي أيضاً عن طريق تسليط الآخرين عليهم، فهنا يقدم بأن مترفي المدن، أكابرها هم أساس دمار الأمة، أساس دمار البشر.
هنا يبين هذه الفئة بأنها عادة تكون فئة متكبرة، فئة لا تقبل، ويأتي بعبارات عنهم عندما يقول عنهم: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ}(الأنعام:124). وتجد هذه أيضاً لها قيمة من ناحية أخرى، أنك أنت وأنت في مسيرتك العملية لا تحتقر نفسك على أساس لماذا أنه ليس معك الشخص الكبير الفلاني، التاجر الكبير الفلاني، المسئول الفلاني، وأشياء من هذه، أن هؤلاء عادة هم هكذا، وفي الأخير يقدم لك عنهم كيف ستكون عاقبتهم، {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ} أنت تراهم كباراً، وتستصغر نفسك، تستصغر مَنْهم في طريقك، فأولئك هم الذين سيكونون صغاراً {صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ}.
إذاً ألم يقطع في هذه الآية النظر إلى الشخصيات الكبيرة في المجتمعات، التي عادة تكون كبيرة، مترفة، مجرمة في نفس الوقت؟ لا تعلق أملك عليها، ولا تعلق قيمة الشيء الذي يقدم لك إليها على أساس أنها تقبل، هي عادة فئة لا تقبل، هي التي تجلب الدمار على المجتمعات، هي فئة مستكبرة، وهي فئة في الأخير سيصيبها صغار، وعذاب شديد؛ لأنه هكذا طريقتها: تمكر.
{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}(الأنعام:125)، وهنا قد قدم قبل الآيات هذه ما يجعل الإنسان يفصل نظرته عن الجهات التي هي فعلاً قد لا تهتدي؛ ليتجه إلى الهدى من بابه، بدون أن يرتبه عنده على أنه أولاً فلان يؤمن، أو فلان أولاً يستجيب، أو فلان يكون في الموضوع، هنا يقول: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} لا تترتب المسألة على أن فلان أولاً يؤمن، أو فلان أولاً يستجيب؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يهدي من يشاء، {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} لله، تسليم نفسك، تسليم نفسك لله يكون ما فيه قيود ولا شروط نهائياً، تسلِّم نفسك لله، لا يكون مترتباً على أنه أولاً يستجيب سيدي فلان، أو المسئول الفلاني، أو [زعطان]، أو [فلتان] من الكبار هؤلاء، هنا لا يوجد تسليم، ليس الإنسان مسلِّم نفسه، هو مسلِّم نفسه للآخرين، أنت مسلِّم نفسك للآخرين.
فبداية الهداية: أن يكون عندك انطلاقة تسليم نفسك لله دون قيد ولا شرط، ودون أن يكون فلان قد استجاب للموضوع، أو قد دخل فيه، أو ما زال خارج، نهائياً.
إن الله عندما يقول: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} يبين طريقة تكون بها بالشكل الذي يمكن أن تعرض نفسك لهداية الله، أليس هو يبين هنا الطريقة؟ يفصلك عن أشياء كثيرة، شياطين الجن والإنس، وأشياء من هذه، ثم كبار الشخصيات، أكابر مجرميها كما في الآية: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا}، إذاً بقي ماذا؟ تتجه إلى الله، دون أن تعطي الموضوع أي اعتبارات أخرى تعلقه عليها، معناه أن الله يهدي إلى الطريقة التي بها تدخل باب الهداية ليشرح صدرك، هو لا يجعلها قضية للتبخيت هكذا بالحظ، أو لا تدري كيف، يبين للإنسان الطريقة كيف يعمل إذا هو يريد أن يهتدي فيهتدي، سيشرح الله صدره، ويهتدي فعلاً.
{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}، لأنه في الواقع نوعية معلق نفسه بالكبار هناك، يصعَّد في السماء [أولاً يستجيب أولئك، أولاً يؤمن فلان، أولاً يسلم فلان، أولاً يدخل في الموضوع الفلاني فلان] فيكون هو معلق نفسه بشيء هو لا يعطيه حتى نسمة مستقيمة يرتاح بها، فيكون كأنه في السماء هناك خارج الغلاف الذي فيه الأكسجين، فيكون ضيِّق، كلما تقدمه له ما رضي يستجيب له؛ لأن ذهنيته معلقة بأشياء أخرى.
هنا قد تكون الآية هذه تعالج مشكلة، هي مشكلة كبيرة في المجتمعات، وفعلاً هو ذكر قوم نوح، كانت هذه من المشاكل الكبيرة الأساسية لديهم التي أعاقتهم عن الإيمان، على الرغم من بقائه تسعمائة وخمسين سنة! متعلقين بالزعماء، زعماء العشائر، كبارهم، الملأ، [أولاً يؤمن، والبادي منه يسلم] وذلك لن يؤمن؛ لأنه يعتبر أن مقامه، ومصالحه متوقفة على أن يكون المجتمع على النحو الفلاني، وهم عادة يكون الكثير منهم هكذا، لا يبالي حتى بأصحابه، يكون همه مقامه، ومصالحه الخاصة، وهو يعرف بأن مصالحه الخاصة، بأنها لن تكون إلا ما داموا على تلك الطريقة، متمسكين بأصنام؛ ولهذا ذكر عنهم أنهم يقولون: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}(ص:6)، يقولون للمساكين: قاتلوا عن الآلهة! وعادة يكون الكثير منهم أذكياء، الكبار عادة يكونون فاهمين أن تلك الطريقة حق، لكن هو ليس حول حق، هو حول منصب معين، وحول مصالح معينة، من خلال المجتمع الذي هو فيه، يحركهم، قاتلوا على الأصنام هذه، كيف!. ولا همه الأصنام، همه أن يبقوا على الحالة التي هم عليها، وهو عليها معهم؛ ليبقى منصبه ومصالحه. بقي قوم نوح تسعمائة وخمسين سنة، إشكالية كبيرة جداً هذه.
والقرآن الكريم يتناول كل قضية تعتبر عوائق، يتناولها بتفصيل كامل، لاحظ كيف في موضوع الإرشاد في الفترة الماضية، ومراكز، وأشياء من هذه، ألم يبرز بعض المشايخ، الشيخ الذي هنا يوصي الشيخ الذي هناك، يقول: [انتبه عملوا عندك مركز، يعني: في الأخير أصحابك سيأخذونهم!] أليسوا يقولون لهم هكذا؟.
هم لا يفهمون بأن هذا الإسلام هو للناس جميعاً، أن بإمكانه هو وقبيلته يكونون في الموضوع، ويجلس شيخ وستكون قبيلته أفضل له، هو وإياهم مؤمنين، ملتزمين، على صراط الله، وليست المسألة أنه سيؤدي إلى ذلتهم، بل سيكونون أقوياء أفضل، سيكونون متعاونين معه أكثر، ويكونون منشدين إليه أكبر، لكن لا، يكونون مُعتَمِين، فيأتي يقول لذلك: [انتبه سيأخذون أصحابك، قد أخذوا أصحابنا] لكن هو الذي عزل نفسه، يعزل نفسه هناك هو، وعنده أنه لا بد أن يجلس الناس على ما هم عليه، ولو كان الذي سيحصل لهم حق سهل يجلسون على باطل، أليس بإمكانه أن يدخل هو وإياهم في الحق؟ وانتهى الموضوع، ويجلس شيخ عليهم، وله مقام محترم عندهم، ويتعاونون معه، يقفون معه أحسن من قبل.
{وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً}(الأنعام: من الآية126) طريق واضحة، وتتسع لكل من يريدون أن يتحركوا عليها، ويدخلوا فيها. {قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ}(الأنعام: من الآية126 – 127) وهذا قد يكون مثلاً على اختلاف تركيبة المجتمعات، أو الأشياء التي هي مؤثرة في المجتمعات، قد يكون مجتمعاً معيناً ليس فيهم مثلاً زعماء قبائل، قد يكون فيهم زعامات مثقفة، مثلاً علماء، أو أحبار هناك، أو رهبان، أو أي عناوين من هذه، أو زعماء طوائف، المهم أن الكبار هؤلاء بعضهم يشكلون عائقاً، إذاً فمن واجب الصغار أنفسهم أن لا يعلقوا المسألة على الكبير هذا، يتجهون هم يرجعون إلى الكبير هذا، يقولون: أنت لازم تدخل في الموضوع، ادخل في الموضوع وأنت كبيرنا، وأنت معنا، وحياك الله، لا أن يسيروا هم يرفضوا ويقولوا: البادي منك، يفهمونه هم يقولون: [هذا دين الله لا يمكن لنا أن نطيعك، ونتخذك صنماً، نتخذك نداً لله، نطيعك، ونرفض دين الله، ادخل أنت في الموضوع، ونحن على ما نحن عليه، أليس من الممكن أن يكون هذا؟.
{وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً} هو صراط مستقيم، لا يحتاج إلى أنك تحاول [تدَّارى] به هذا، أو هذا، أو [تدَّارى] به كباراً، أو [تدَّارى] به تجاراً، أو أشياء من هذه نهائياً، {مُسْتَقِيماًً} امش عليه، وهو يؤدي إلى الغاية، يؤدي بك إلى الغاية، لا يستطيع أحد يوقف لك بالطريق نهائياً. أحياناً في ذهنية الإنسان قد يكون عنده أنه يحاول كذا، أو كذا من أجل أن لا يقفوا في الطريق، ويصطدم بهم! هذا صراط مستقيم، إمش، مستقيم يعني: واضح، والصراط المستقيم أليس يؤدي بك إلى غايته؟ امش عليه فقط، ولن يقف أحد في طريقك بشكل يعيقك أبداً. {قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الأنعام: من الآية126 -127) هذا صراط مستقيم في الحياة هذه، ويؤدي بالناس إلى دار السلام.
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ}(الأنعام: من الآية128) هنا يتجه يبين هذه بطريقة متكررة في القرآن، على وفق ما قال الله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}(الكهف: من الآية54)، {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ}(الأنعام: من الآية105)، لاحظ كيف يأتي بشكل توجيهات مباشرة، أو بشكل توجيهات بواسطة قول للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، وبواسطة أن يذكر ما سيحصل في الآخرة، وهذا من تصريف الآيات ليذكر الإنسان.
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ} أنتم أضليتم كثيراً من الإنس، {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا}(الأنعام: من الآية128) وكأنهم قد هم يريدون أن يقولوا: إلى هنا ويكفي، وسنرجع، وابشر بنا، ومستعدين لكذا، {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ} في نصف الكلام، انتهى لا يوجد فرصة.
{قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(الأنعام:129) كيف يبين هنا أيضاً ما سيحصل لمن يضلون عن سبيل الله، إن الإنسان لا يظن بأنه سيجلس في منطقة فراغ، وهذه إشكالية أيضاً، إشكالية ملموسة عند الناس، في تاريخ البشر، وفي الحاضر، يكون عند واحد أنه إذا لم يستجب لهذه الطريقة أنه جالس هكذا في الوسط. لا، اعرف بأنك لم يبق لك عندما تعرض عن هذا الوحي الإلهي إلا وحي الشياطين بعضهم إلى بعض، فتتأثر بهم، عندما تعرض عن هذه الطريقة التي سيكون وليك فيها الله ورسوله وأوليائه، سيكون أولياؤك ظالمين مضلين تلقائياً، لا تعتقد أنه بالإمكان أن تعيش في حالة وسط؛ لأنه لا يوجد وسط أبداً {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ}(يونس: من الآية32)، الله أو تكون مع الشيطان، وحي الله، أو وحي الشياطين، فتكون متولياً لله، أو متولياً لشياطين الجن والإنس، وللظالمين والمضلين.
فالقضية هذه يجب أن يفهمها كل إنسان منا، لا يفهم بأنه سيجلس في حالة وسط أبداً، ولاحظ كيف أنك تلمس هذه القضية فعلاً، الإنسان إذا ابتعد، أليس هو سيقبل كلام ذلك الذي يأتي من هناك، حتى أحياناً لا يوجه الكلام إليه مباشرة ليقول له، يعرض عليه، لاحظ أولئك الذين هم كذا وكذا، أليسوا مدبرين، أليسوا كذا وكذا؟ يجلسون وليس لهم دخل، ويتركون كذا، سيقول: والله صحيح، أليس هنا صار يؤمن بما يوحي به شياطين إنس، أو عن طريق شياطين جن، الله أعلم كيف تتم القضية، صار يؤمن بها، ويستجيب لها من غير أن توجه إليه مباشرة، إنما فقط تعرض أمامه عرضاً.
هذا من مظاهر ما سيأتي في القرآن الكريم، أو من مصاديق ما يأتي في آيات مثل كلمة: يضل من يشاء، إذا لم تستجيب فتكون من أولياء الله سيجعل لك أولياء من الضالين، أولياء من الظالمين، ولا تحصل المسألة: أن الله يخرج مؤمن، ويدخله ضلال، يفصل ولي من أوليائه عنه، ويعطي ضالين يتولاهم، لا تحصل هذه أبداً، هم نوعية لا يصلح لهم إلا من النوعية هذه، ضالين، فلنجعل لهم أولياء ضالين، ويجلسوا [يقلعبوا] على أنفسهم، يجمعون سيئات على أنفسهم، وأشياء، فيحصل لهم عليها عقوبات بها في الدنيا وفي الآخرة.
هذه حالة هامة جداً إذا واحد تأمل في الناس هم بحاجة إلى أن يفهموها، يفهم الإنسان أنه لن يعيش في حالة وسط أبداً، وأنه إذا لم يهتد سيضل، يعرف أن القضية خطيرة، لماذا؟ لأن الهدى من جهة الله – مثلما نقول أكثر من مرة – عملية مبنية على ماذا؟ على أن الناس في طريق، وعلى أساس تربي أمة لتكون سباقة، أمة أو ناس قابلين لئن تزكوا نفوسهم، هؤلاء المتثاقلين المتبهطلين المتشرطين، هذه النوعية لا يصلح، يجلس هناك، قد يضلهم، يبعدهم؛ ليخاف الإنسان، يخافه، وهذا مظهر من مظاهر أن الله غني، هو رحيم، ترى كم يعمل من أشياء كثيرة، يصرف الآيات لعلهم يعقلون، لعلهم يفقهون، وأشياء كثيرة، ولا يريد أن يقبل سيضله إلى آخر درجة، لا يعد معه إلا أن يبقى في ضلال، ويكسب ضلال، ويدخل في ضلال، فيغرق ويهلك.
{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} بما كانوا يكسبون، وإلا فالله لا يمكر لأوليائه أبداً، ولا يمكر للمهتدين، بل يرعاهم، فهو بما كانوا يكسبون، فلا يصلح لهم إلا النوعية هذه، وأن يعيشوا في وضعية كهذه.
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}(الأنعام: من الآية130) هنا يذكر لهم ما سيقال لهم في الآخرة، {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا}(الأنعام: من الآية130) قد جاءت رسل، وجاءت آيات، وفعلاً كنا ضالين، وكنا كذا، مثلما حكى عنهم سابقاً، يريدون أن يفتحوا موضوع: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا}(الأنعام: من الآية128) وقطع الموضوع عليهم.
{وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}(الأنعام: من الآية130) هنا، فتجد عندما غرتهم هذه الحياة، كيف سيكونون في الآخرة؟ فعلاً موقف من اغتر، بمعنى خدع، ضل، هنا أعطى صورة كاملة، {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}(الأنعام:44)، ألم يقدم لك هنا صورة عن مظاهر الآخرين؟ حتى لا تنخدع بها.
{وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ}(الأنعام:131)، هذا التبيين، وما يقصه الرسل على البشر، ما يأتي من تبيين للناس، أن الله سبحانه وتعالى لا يهلك أناساً وهم غافلون، لا يهلكهم إلا من بعد، وقد بين لهم، وجاء لهم بيان كثير. بقي في حالة أن يكونوا معرضين، يعني: إذا تأمل واحد في واقع الحياة الآن تجد أن القضية تسير على سنة الله هو مع الناس، ولو لم يلتفتوا، يؤاخذهم بما هم عليه؛ لأنهم في واقعهم معرضين، عندما يكون القرآن بين أيديهم، أليس القرآن موجوداً؟ موجود عند المسلمين، وموجود عند البشر ربما في معظم الدنيا هذه، بالذات عند المسلمين.
في الأخير ترى وإذا الدنيا تسير، وإذا فيها عقوبات، عقوبات ظالمين، عقوبات فاسقين، عقوبات بعيدين عن هدى الله، وعقوبات مفترين على الله، وعقوبات معرضين عن هدي الله، دائماً هذه، يعني ماذا؟ لم تعد القضية أن نعتبر الحالة التي نحن عليها حالة طبيعية، وكأننا غير عارفين! أليس الناس فاهمين أن هناك قرآن؟ وبلغتهم، وهم يقرؤنه، ويسمعونه من الإذاعات، ويسمعونه من المسجلات، ويسمعونه من التلفزيونات.
إذاً هو يؤاخذ الناس على واقع القضية، على واقعهم هم، هم معرضون، فلكونهم معرضين، هم ضالون، هم كذا، هم كذا، تأتي عقوبات. ومع هذا يأتي عادة في سنة الله، يأتي تبيين بأشياء كثيرة. لاحظ الآن إلى درجة ربما قد يكون حتى من كانوا بعيدين عن الأشياء هذه، عن موضوع القرآن، وعن الإلتفات إليه، مثلاً كثير من حكام العرب، ألم تتجل لهم القضية، وضعيتهم الآن أنها وضعية خطيرة، وأمام عدو خطير، وأمام كذا، ورأوا آخرين ممن عانوا كيف رجعوا إلى الدين، وكيف رجعوا يحاولون أن يتحركوا باسم جهاد في سبيل الله، مثلما عمل صدام! إذاً أليس هناك أشياء تأتي تبين لهم؟ الآن اتضحت مثلاً مثلما نسمع حتى الليلة هذه، يوجد تساؤلات في أوساط الناس: من هو المستفيد عن التفجيرات هذه التي حصلت في تركيا؟ هناك سؤال بدا يظهر، يعني: أن قد الناس يشكون، أن الإسرائيليين، والأمريكيين هم فعلاً وراء هذه التفجيرات، فيكون إعراضاً واضحاً.
وقد يأتي من يذكر الناس هنا، أو هنا، وما يرضوا يفهموا، لاحظ عندما ننطلق نحن، ألم ننطلق على مدى سنتين، نحاول نذكر بالموضوع هذا؟ ماذا يعملون من هم بحاجة إلى التذكير هذا نفسه؟ مثلاً الدولة هذه القائمة عندنا، أليسوا بحاجة إلى هذا التذكير هم، أليسوا أول من سيضرب هم؟ ماذا يعملون؟ يحاولون يسكتون الناس، يحاولون يسكتونهم، ويحاولون يحبسونهم! أليست هذه أشياء غريبة؟.
{ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ}(الأنعام:131) لأنه رحيم، {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}(الأنعام:132) لهم درجات بالنسبة للضالين، للمجرمين، وكل سيجعله في الدرجة التي يستحقها درجات جهنم.
{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ}(الأنعام: من الآية133) ولاحظ هذه الآيات الأولى أليست آيات منطق غنى؟ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}(الأنعام: من الآية112) {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا}(الأنعام: من الآية107) الخ.. يذكر بأنه ممكن يهلك قرى، ويهلك أمم، {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} هو غني، ورحيم، وهذه من الأشياء العجيبة، الإنسان الذي ليس رحيماً عندما يرى نفسه مستغنياً لا يبالي بالآخرين، فهو غني ورحيم، الآخرين يقدم لهم هدى، ويهديهم إلى طريق نجاة، ويبين لهم أهمية هذا الطريق، لم يرضوا، هو غني عنهم، يزيحهم من طريقه هناك، من صراطه المستقيم،ألم يقل: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}(الأعراف: من الآية146)؟.
{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ}(الأنعام: من الآية133)، فهو قادر على ذلك {كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ}(الأنعام: من الآية133)، وقد أهلك أمماً من قبلكم، وجاء بكم أنتم من بعدهم {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ}(الأنعام: من الآية134)، كلام قاطع، ما توعدون به لآت، حقيقة، لا يتخلف، {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}(الأنعام: من الآية134). فلاحظ هنا عندما يأتي عبارة كهذه: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ} فهو سبحانه وتعالى رحيم، أليس هناك وعود من جانبه بالنسبة للمؤمنين في الدنيا هذه، وفي الآخرة، الرحيم، القدير، ألا يكون إلى تحقيق ما وعد به مما هو رحمة أسرع من تحقيق ما وعد به من عقوبة؟ فعندما يقول هنا في مجال العقوبة وهو رحيم: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ} معناه في الأشياء التي هي رحمة لأوليائه بالتأكيد هي مثل حين تقرأها مرتين، إنما وعدتم به لآت.
{قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}(الأنعام:135) في الأخير عندما يكون هناك فئات من الناس، هم مصرون على ما هم عليه، وعادة هم ينطلقون من نظرة وقتية لمظهر الحياة، يقول تمام: [أنا سأمشي في طريقتي، وأنتم خلاص إذا أنتم مصرين على هذا، وسيتبين في الأخير من تكون له عاقبة الدار، العاقبة الحسنة] ألم يتبين في الأخير من كانت له عاقبة الدار؟ أليس الإسلام ظهر في المنطقة هذه، وفشل المشركون، وأصبحوا في الأخير عندما دخل عليهم إلى مكة، قد صاروا هناك بين يديه ((ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم)).
هذه قضية هامة بالنسبة للناس عندما يكونون لا يفهمون، قل على أقل تقدير: راقبوا المستقبل، إذا ما يزال بالإمكان أنكم عسى تأخذون عبرة مما سيأتي من أحداث، لتعرفوا بأن رؤيتكم رؤية خاطئة، وأن طريقتكم طريقة عاقبتها سيئة؛ لتعودوا إلى الصراط المستقيم، وإلى الطريقة الصحيحة. ما يزال ممكن أن الإنسان يتحدث مع الآخرين، يقول لهم.
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا}(الأنعام: من الآية136) ثم بين بعد: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ}(الأنعام: من الآية137) ثم بعد: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ}(الأنعام: من الآية138)، تلاحظ هنا كيف أن الإنسان بفطرته، بتكوينه عنده النزعة هذه، النزعة التشريعية، التقنينية، سواء تقدم بشكل تقاليد، أو تقدم بشكل قوانين، سواء تقاليد لمجتمع قبلي، عشائري، أو بشكل قوانين لمجتمع دولة؛ لأنها قضية فطرية عند الإنسان.
ثم لاحظ ماذا يقدم الإنسان هو متى ما قدم، يقدم أشياء تافهة، أشياء غريبة، أشياء لا قيمة لها، وأن الإنسان يجب عليه أن يفهم أن عليه أن يهتدي بهدى الله، وأن يلتزم بما شرَّعه الله له، أول شيء هو يعرف أن التشريع قضية ضرورية في الحياة؛ لهذا يجعلون مثلما قال: {هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ} أليس هؤلاء مشرعين من جهة أنفسهم تشريعات؟ وربما هم يضفون عليها شرعية، يحسبونها على الله، وكأنها من بقايا دين سابق مثلاً؛ ولهذا سماها في الأخير جعلها افتراء عليه، سواء افتراء عليه باعتبار أنهم يشرعونها، ويحسبونها على الله، أو أنهم يشرعون هم، وليس لهم أن يشرعوا، فمن يشرع فيتناول ما ليس له فهو مفتر على صاحب الحق الذي له الحق أن يشرِّع.
هذه من الأشياء الغريبة: أنه يُقَدَم تشريع، هدى على مستوى راقي، ويبين لهم فيه من خلال تقديمه قيمته بالنسبة لهم، أثره في حياتهم، ثم ينصرفون عنه، ويذهبون ليشرعوا هم، أنها قضية بالنسبة للسابقين، وبالنسبة للمعاصرين، ينصرفون الآن عن القرآن، ويتجهون، يصيغون دساتير، وقوانين، ولوائح وأشياء من هذه، والآخرون كانوا يشرعون، وكل واحد يشرع على مستوى مجتمعه، والأشياء الحاصلة عنده، تشريعات هنا كانت على البقر والغنم والإبل، هذه لا نأكلها، وهذه نأكلها نحن والنسوان، وهذه للذكور وحدهم، وهذه سائبة، وهذه نقص أذنها ونتركها، تشريعات، أليست [تطانين]؟.
{وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ} ولاحظ كيف هناك أنها أشياء، تشريعات خطيرة، بعضها خطيرة، مثلاً لا تدري إلا وقد عنده فكرة أنه يقتل ابنه: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} زين لهم شركاؤهم قتل أولادهم، {لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}(الأنعام: من الآية137)، مع أن دين الله يقدم ليحيا الإنسان، ويحيا أولاده، ويقال له: اطلب ذرية طيبة كمَّا تريد، وأنت تسير على هدى لست بحاجة إلى أن تقتل أحداً من أولادك، لأي اعتبار كان، لا خوف إملاق، ولا لأي شيء آخر، أليست هذه تشريعات خطيرة؟ أن الإنسان إذا انطلق هو ليشرع سيشرع أشياء خطيرة جداً عليه، ليس فقط على المجتمع، بل على داخل الأسرة نفسها.
{وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}(الأنعام:139) تشريعات هذه لا قيمة لها، تشريعاتهم هم هو يقدمها على أساس أنه يقارن الإنسان بين تشريعات الله، وبين ما يقدم الآخرون، وأن يعرف الإنسان أنه هكذا بالنسبة للمجتمع هو يحتاج إلى تشريعات، وعند الناس فطرة تشريعات، فيجب عليهم أن يرجعوا إلى الله الذي له الحق أن يشرع لهم، وأن يفهم أيضاً من يتحركون لتطبيق شرع الله أنهم لن يأتوا بشيء منافي للفطرة، أن الناس بطبيعتهم يقبلون التشريع، هم هؤلاء قبلوا تشريعات خطأ، في الزمن هذا، وفي الزمن الأول.
{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ}(الأنعام: من الآية140)، هذه بسبب تشريعات تحصل عندهم، وصلوا إلى درجة أن يقتلوا أولادهم، وهناك فيما يذكر نبي الله نوح وهو يتحدث مع قومه {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}(نوح: 10 – 12)، أليس هذا تشريعاً يعطيك أموالاً، وبنين، وجنات، وأنهاراً، من جهة الله، ليس تشريعاً ترجع على أولادك تقتلهم هكذا سفهاً، ما لها أي قيمة.
{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ}(الأنعام: من الآية140) يحرمون على أنفسهم أشياء ليس لتحريمها قيمة، ويأكلون أشياء هي التي كان يجب أن يمتنعوا عنها مثل أكل الميتة التي حرمها عليهم فيما بعد، {افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}(الأنعام: من الآية140)، ثم لاحظ أيضاً بأنه كيف يبين، والتشريعات هذه في أي شيء هي، أليست في قضايا بسيطة؟ قضايا مأكولات، وهنا يبين بأنها قضية ليست طبيعية، ليست عادية، ليس للإنسان حق أن يشرع، ولا في أبسط الأشياء من جهة نفسه، الحق هو لله سبحانه وتعالى، فمن شرَّع – وإن كانت قضايا بسيطة، وإن كانت قضايا قد تبدو غير مؤثرة بالنسبة للمجتمع، لكن هي سخيفة – يعتبر مفترياً على الله، أليس هنا يقول: {افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ}؟.
{قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}؟ فمعنى هذا ماذا؟ بأن الناس عندما يتجهون تحت اسم اجتهادات، وينزِّلون تشريعات خلاف ما شرع الله، وينزلون توجيهات خلاف هدي الله سبحانه وتعالى، هذه جريمة كبيرة، هو افتراء على الله، ليست قضية سهلة، أنه إذا كان هنا لا يسكت عن أشياء، ويعتبرها افتراءات عليه، ويعتبرها جريمة أن يتناولوا التشريع فيها، ويحسبونها عليه سبحانه وتعالى، وهي قضايا مأكولات، أليست مأكولات هذه؟ فكيف بقضايا أمة!، كيف بالتشريع في الأشياء الأخرى؟ كيف بمفاهيم تنزلها غلط للناس، وتحسبها على دين الله، وتحسبها على الله، [أن الله هو الذي جعل الحياة كذا كذا، الله هو الذي شرع كذا كذا، هو الذي توجيهاته كذا كذا] أو تقدم آية قرآنية بشكل تقدم لها مفهوماً يضرب ما يريد الله منها في نفوس الناس، هذا افتراء في قضايا خطيرة، يعتبر جريمة كبيرة؛ لأن الإفتراء على الله يعتبر جريمة كبيرة حتى في القضايا هذه البسيطة قضايا مأكولات، وأنه هناك اعتبر هم فيما لو أطاعوهم عندما قال هناك: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ}(الأنعام: من الآية121) في ماذا؟ أليس في قضايا ميتة، أكل الحيوان؟ {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(الأنعام: من الآية121)، فكيف عندما تطيع في قضايا أكبر من المأكولات، تطيع ما يقدم لك من غير شرع الله، وغير هدى الله، هذا معناه بأنه شرك أعظم من هذا الشرك نفسه، بأنه أطاع ناس عندما يجادلونه في موضوع ميتة، ويقبل منهم ما قالوا، ويأكل معهم، ألم يطعهم؟.
هذا يؤكد أنها قضية خطيرة جداً؛ لهذا نقول: بأنه غير صحيح أن الله يفتح هكذا الموضوع للناس، كل واحد يطنن من عنده، وكل واحد يشرع من عنده، ويوجه، ويقدم مفاهيم من عنده؛ لأن الله هو ملك الناس، إلههم، وربهم، هو الذي له الحق وحده أن يشرع، له الحق وحده أن يوجههم، أن ينزل إليهم هدى، أن يكون هداه هو الذي ينزل إليهم.
ثم لاحظ كيف تأتي الطريقة، أن يذكر أيضاً أشياء من مظاهر الحياة: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ}(الأنعام: من الآية141) أليست هذه أشياء فيها مظهر من مظاهر تدبير الله، وملكه، وربوبيته، وتدبيره؟ إذاً فهو الذي له الحق أن يشرِّع، هو الذي له الحق أن يشرِّع لعباده، وهو الذي له الحق أن يطاع، لا أن يطاع الآخرون، أن يطاع فيما يهدي إليه، فيما يشرع لعباده؛ لأنه هو ربهم، هو الذي يسبغ عليهم هذه النعم العظيمة، {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}، لاحظ كيف يأتي سياق الآيات هذه في تعبيرها يشبه منطق تشريعهم: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا}(الأنعام: من الآية138)، أليس هذا تقليب، كذا وكذا؟ يقول الذي يقلب الأشياء، جنات معروشات، وغير معروشات، هو الذي له الحق أن يطاع فيما شرعه، والذي له الحق وحده أن يشرع.
وقد عندهم أنهم لديهم خبرة، وقد عندهم تفصيلات، هذا لا بأس، وهذا لا تقربه، وهذا إذا كان كذا فلا بأس، وإذا كان هكذا فلا، أليست هذه تعتبر [فنقلة]؟ وكأنه ذكي عارف بتفصيل الأشياء، وعارف بكذا، يقول: إعرف إن الله سبحانه وتعالى لاحظ كيف تدبيره، حتى وفق رؤيتك هذه: هذا كذا، وهذا كذا، كيف أنه مدبر، وعلى مختلف الصور تدبيره. {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ}، يعني: من الأشجار التي تحتاج إلى أشياء، عريش مثلاً من الخشب، أو أشجار أخرى تعتمد عليها مثل العنب، {وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} مثل النخيل، والرمان، وغيره من الأشياء التي تكون قائمة في نفسها.
{وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ}، منها شيء حالي، وشيء متوسط الحلاوة، وشيء كذا، وشيء كذا، أليس أولئك يقولون: كذا وكذا؛ لأنه أحياناً إذا في موضوع التشريع يكون الإنسان الذي يقدر أنه عنده قدرة للتفصيل ويأتي يقدم بنوداً معينة، تفصيلات: مادة واحد، إذا كان كذا كذا فليكن كذا، وإذا لم يكن، فإن كان كذا وكذا فكذا. مادة اثنين….، وهكذا، ثم يعتبر أنها صياغة تشريعية راقية، أنه قد صار يستطيع أن يقدم فقرات مختلفة يقلبها كذا وكذا! هنا يقول له: انظر، الله هو يقدم الأشياء كذا وكذا؛ لتعرف أنه يدبر ويشرع، هذا كذا وهذا كذا، هو صاحب كذا وكذا هو وليس أنت.
{وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ}(الأنعام: من الآية141) كلوا، أليس هو يقول: كلوا؟ إذاً وفي شرعه: اتبعوا، ما تحتاج أولاً تقول: كذا، وتعمل كذا وكذا، {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(الأنعام: من الآية141)، آتوا ما فرضه من حق فيه، وهذا يبدو أنه فعلاً هناك فرضية في الأموال {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}(المعارج:24 – 25)، أو كالزكاة، الزكاة عندما يكون الناس في وضعية قد تكون مثلاً جهة تأخذ الزكاة، ولا تعطي الفقراء شيئاً منها، يفهم الإنسان أنه بقي أن يعطي حقاً للفقراء {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.
{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} أي أنه يكون واجباً في عين المال وقت حصاده، وهذه لها أهمية كبيرة تحدثنا عنها سابقاً في موضوع المال، كيف أن هذه لها أثر كبير فيما يتعلق بالنفوس، أن الفقراء أنفسهم وهم يرون مختلف الجنات، ومختلف الزروع، سيكون هو نفسياً مرتاح بأنه سيحصل له من هذه الثمرة، ويحصل له من هذه الشجرة، ويحصل من هذه، فتكون نفسه طيبة، نفسه طيبة، تزيح ما يمكن أن يكون هناك من حالات نفسية قد تؤدي في الأخير إلى حسد، وإلى عداوة لأصحاب المزروعات، الأغنياء، هنا لن يدخل في نفسه شيء عليهم؛ لأنه إذا رأى [قات] ممتاز عارف أنه سيأتي له منه، إذاً هنيئا لهذا التاجر الذي معه أموال كثيرة، يرى زرعاً جيداً، يرى فواكه أخرى؛ ولهذا كان لها أهمية كبرى أن تخرج من عين المال، {يَوْمَ حَصَادِهِ} لا تخرج نقوداً، النقود موضوع آخر، ليس لها قيمتها في النفوس كقيمة أن يعرف الفقير أنه سيحصل من عين هذه الجنات، والثمار، من ثمار هذه الجنات، وثمار هذه المزارع. فهذا هو الصحيح الذي يجب أن يعمل به، لا يأتي واحد يعمل اجتهادات أخرى، وتفريعات أخرى، أنه يصح ويجوز، وأشياء من هذه، مفروض في عين المال يوم حصاده تخرجه.
{وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً}(الأنعام: من الآية142)، وهو الذي جعل لكم الأنعام حمولة، يحمل، ومنها ما يصلح أن يكون فراشاً لكم، أصوافها وجلودها. {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}(الأنعام: من الآية142) هنا، ألم يقدم المسألة بأنه يجب أن تفهموا بأنه في تدبيره هذا ترون كيف أنه يقدم الشيء جاهزاً لكم، فلا تحتاجون إلى كذا، أو تحتاج أنت تعمل لك سطل رنج أسود، وتسرح على العنب تطليه [بويه] سوداء، هل يحتاج واحد، أو يحتاج [بوية] حمراء للتفاح؟ أو يحتاج أشياء من هذه؟ يقدم لكم الأشياء جاهزة، كلوا.
إذاً في التشريعات يقدم الأشياء جاهزة، اتبعوا، لا تحتاج إلى تصنيفات كذا وكذا، يعرف واحد إذا رأى التقنين في مجلس النواب، وفي غيره، الصياغات كيف تكون، كذا وكذا، وإن كان كذا فكذا وإلا فكذا، أليست هي تكون بالشكل هذا؟. {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}، واتبعوا ما هداكم إليه الله، {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} فيما قدم لكم من نعم، تعملون فيها تشريعات أخرى، ولا فيما هداكم إليه فتسيروا طريقة أخرى هي طريقة الشيطان {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، الشيطان عدو مبين، يحاول أن يعمل أي شيء يضرك، وإن كان في أبسط الأشياء، يجعلك تلعب، وتقدم تشريعات في أشياء لا قيمة لها؛ لأنه يفرح بأي موقف تضل فيه، وإن كان بسيطاً، لو لم يطلع لك إلا سيئة واحدة، هو يعتبرها مكسباً كبيراً، عدو مبين: ظاهر العداوة، معنى هذا: أن الشيء الذي يعتبر خلافاً لهدى الله، وتشريعه، لم يعد إلا خطوات الشيطان، فإما أن تسير بعد ما رسمه الله لك، تسير بعده، وإلا فستسير بعد خطوات الشيطان تلقائياً، والشيطان يسير أين سيوصل؟.
لاحظ أنه كيف يقول: صراط مستقيم، يقدم دينه صراطاً مستقيماً، ويجعل له أعلاماً لهذا الدين، يقول لهم: اتبعوهم، أليس هو يقول بالنسبة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فاتبعوه، لأنه يسير على الصراط هذا، ويؤدي إلى الغاية العظيمة هنا، في الحياة هذه، وإلى الجنة، رضوان الله وجنته، أليست هذه خطوات هامة؟ وإلا إذا لم تسر هنا فستسير بعد الشيطان، في طريقه، خطوة بعد خطوة، إلى جهنم، أليس هنا يقدم المسألة ما هناك حالة وسط؟ لا يوجد، فقط إما أن تسير هنا إلى الغاية العظيمة، أو تسير بعد خطوات الشيطان إلى جهنم.
يذكر أيضاً بالنسبة للأنعام هذه أنه هو خلقها ثمانية أزواج، وهو يعلم، من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الإبل اثنين، وأشياء من هذه. إذاً فلا يحتاج منكم – ما حرم {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} – التقنينات حقتهم هذه، الصياغات، التعبيرات القانونية، هو يعلم، لكان سيحرم هو؛ لأنه هو الذي جعلها أزواجاً يعني: لاحظ هنا كيف القضية تسير فيما هو أشبه بالسخرية من حالتهم وهم يشرعون، هذا كذا وهذا كذا، وهذا إذا كان فلا بأس، وإن كان كذا فكذا، أليست هكذا؟ فهنا يقول: هو خلق الثمانية الأزواج، الأصناف، من الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، جعل من كل زوج اثنين: ذكر وأنثى، وقد يكون من الصنف الواحد أيضاً أصناف كثيرة.
إذاً فلا يحتاج إلى تشطيبات من عندكم، تكملون، تقولون: هذا حرام، وهذا حلال، وهذا كذا، وهذا كذا؛ لأنه لاحظوا من البداية أن الذي خلقها أصنافاً ألم يكن باستطاعته أن يقول: الذكر هذا محرم، والأنثى هذه محرمة، ويعمل تصنيفات من هذه؟ لهذا يقول: {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} هل حصل تحريم من جانبه لهذا؟ {أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(الأنعام: من الآية143) ليس من عنده تحريم لهذه، معنى هذا بأنه لو كان يريد أن يعمل تحريم لعمله هو؛ لأنه هو الذي صنفها، إذا عندكم تصنيفات هو الذي صنفها، فلا يحتاج إلى أن المصنفين يعملون [تشطيبات] بعده، يقولون: هذه حلال، وهذه حرام، وهذه كذا، وهذه كذا.
هذه هي حالة كانت قائمة عند الجاهليين، وعند غيرهم من بعد، [يشطبون] بعد الباري، وتكميلات، أليس هنا يقدم الصورة أنه هكذا: هو الذي صنف الأشياء؟ هو الذي جعلها متعددة الأغراض، هو الذي كذا، هو الذي.. إلى آخره. فكان بإمكانه وهو الذي له الحق أن يشرع دون أن تأتوا أنتم لتشرعوا.
{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا}(الأنعام: من الآية144)، عندما تقولون: إن الله هو الذي حرم هذا، هل الله وصاكم وكنتم شهداء على ما وصاكم به؟ هذا معناه ماذا؟ أنتم فقط تفترون على الله، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}(الأنعام: من الآية144)، لاحظ العبارة هذه، أليست عبارة خطيرة؟ وما هو الموضوع هنا؟ أليس موضوع مأكولات؟ كيف سيكون ظلم الإنسان الذي يضل الناس بغير علم في القضايا الكبيرة، في قضايا حياة الأمة، حركة الأمة بكلها. {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(الأنعام: من الآية144).
{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً}(الأنعام: من الآية145)، لاحظ العبارة هذه كيف هي فيها نوع من السخرية، وهم يشرعون من عندهم، ويقولون: إنها من عند الله، ثم يقول في العبارة الأولى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} أما أنا الذي عندي فلا يوجد إلا هذه المحرمات، من داخل هذه المأكولات المعهودة، في الحيوانات التي هي معهودة أن تؤكل عند الناس، كأنه يقول: أما الذي عندي فما وجدت فيه إلا هذا، ما كأن معناه سخرية منهم، وكأنهم يدعون أن عندهم تشريعات أخرى.
{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ}، وهذه هي الطريقة الصحيحة، ما عندي تفكيرات أنا من جهة نفسي أنا مثلكم، تصنيفات، أنا معتمد على ما يوحى إلي ّ من جهة الله، فأنا لا أجد فيما أوحي إلي من جهة الله سبحانه وتعالى الذي له الحق أن يشرع.
{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}(الأنعام: من الآية145) هذا معناه ماذا؟ على طاعم يطعمه، المطعومات المعروفة في المجتمع بمشركيه، ويهوده، ونصاراه، وسيأتي فيما يتعلق باليهود أيضاً، كان الخنزير من الحيوانات التي يأكلونها، وربما كان النصارى يحاولون يعممونه، إذا أمكن أن يعمموا أكل الخنزير بالنسبة للآخرين، مثلما يعملون اليوم، يحاولون هذا.
بمعنى أن الآية ليست في مقام تقول: بأن معناها: ما سوى هذا فهو حلال، أيَّ حيوان آخر، إلحظ الموضوع الذي الكلام حوله، الكلام حول ماذا هنا؟ حول المأكولات، وحول الأنعام، المأكولات المعروفة، وحول ميتة من الأنعام المعروفة، أو غير ميتة تذكى، يذكر عليها اسم الله، أو لا يذكر اسم الله عليها.
موضوع الكلام وسياقه كله حول ماذا؟ حول المأكولات، أو الحيوانات المعروفة التي تؤكل في الحياة اليومية عند الناس، وهنا يقابله ما عندهم هناك من رؤى أخرى، شيء يحرمونه، ويحللونه، في موضوع الأنعام: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها}(الأنعام: من الآية138) وأشياء أليست كلها حول موضوع الأنعام؟ {لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ}، في هذا الموضوع {مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}(الأنعام: من الآية145)، معناه هكذا، {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً}(الأنعام: من الآية145) من هذه الأنعام، {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً}(الأنعام: من الآية145)، أو ما كان على سبيل الفسق {أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}(الأنعام: من الآية145)، يعني: ما ذبح وذكر اسم غير الله عليه.
{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(الأنعام: من الآية145)، إلا أن يأكل ما يسد رمقه في حالة لا يجد إلا هذا، في حالة مشرف فيها على الهلاك، في حالة الإضطرار {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}(الأنعام:146).
لاحظ من العجيب كيف في النص هذا نفسه، في النص التحريمي، هناك مع اليهود، كيف فيه نوع من رؤيتهم التي كان قد صارت رؤية لديهم ملان [فنقلة] فقهية، وأشياء من هذه؛ لأن بعض الأشياء تكون تحريماً لطيبات، والتحريم نفسه يكون على سبيل العقوبة، فيأتي النص التحريم بالشكل الذي ماذا؟ يتعب هو وهو يبحث عن الشيء الذي هو محرم عليه، يكون فيه تعب أيضاً! هناك: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} قد يكون في الأخير حاجة معينة تطلع، لكن كل يهودي سيحتاج إلى أن يقلب، يرى، يتعرف على هذه؛ لأنهم لا يقبلون آيات واضحات، وبينات واضحات، لا يقبلون! إذا لم ينفع سيحرم طيبات أحلت لهم سابقاً بسبب تعديهم، وعصيانهم، وتمردهم على الله. هذا النص لاحظ أليس نصاً يختلف عن النصوص الأخرى، التي هي تقديم بينات، بينات، يقدم بينات، بينات واضحة إلى آخره. والنوعية التي لا تقبل البينات، هذه وملان [فنقلة]، يعطيهم بنفس الأسلوب.
لاحظ في موضوع عندما قال الله في القرآن: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}(البقرة: من الآية26)، بعضهم عندما يرجع إلى القرآن الكريم وفق النظرة هذه أوجه: يحتمل كذا، ويحتمل، ويحتمل.. وفي الأخير خرج عطل، يعني: عندما تفهم بأنه هكذا سنة الله بالنسبة لبيناته وهو يقدمها، يقدمها واضحة، يقول: صراط مستقيم، صراط مستقيم…..الخ، فعندما تأتي أنت تنظر بطريقة أخرى، بطريقة [الفنقلة] والتصنيفات هذه، يقدم لك المسألة لا تحتاج إلى فنقلة، وتفصيلات، وتصنيفات، واحتمالات، ووجوه، وأشياء من هذه، لا تحتاج إلى هذه، متى ما دخلت القرآن بالرؤية هذه ستخرج منه عطل، قد تحصل على ضلال، لن تستفيد من القرآن، فما بقي معك إلا ماذا؟ تقع في ضلال.
هنا اتركه يكون يذبح الجلبة، ويجلس يبحث أين هي؛ لأن الشحم ليس محرما كله{إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} يقلب، ويصْلِب، ويصنف ويبحث.. أليست هكذا؟ من لا يقبل هدى الله الواضح لا يكون معه في المقابل إلا من الأشياء هذه، وتصبح عنده حالة طبيعية، وتصبح لا شيء بالنسبة له، مثلما قال هناك: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً}(الأنعام: من الآية129) لم يعجبه أولياء مهتدين، حريصين عليه، رحيمين به، يهمهم أمره، يهمهم مصلحته، يهمهم سعادته، يجي له أولياء ظلمة على طبيعته.
{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}؛ لأنه حصل منهم بغي، حتى فيما يتعلق بالتعامل مع آيات الله، وهذه الظاهرة للأسف موجودة، حيث حصلت من بعد، من خلال رؤية أصول الفقه، الرؤية التصنيفية، البحث، الدوَّار، الأوجه المتعددة، الاحتمالات، وأشياء من هذه. بعض الطوائف يكون قد صار عنده رؤية في القضية الواحدة: [أنه يحتمل كذا، وهذا هو الأوجه، أو كذا، وهذا وجيه، أو كذا، وهذا هو الأشبه، أو كذا وهذا هو كذا] أربعة، خمسة، تطلبات يعني: قد هي حالة من التطلب، وكأن الله غير قادر على أن يبين طريقته لعباده!. {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ}، أن يحرم عليهم طيبات، وأن يكون النص التحريمي بالشكل الذي يحتاج يدوِّر داخل الجلبة، على الطبيعة التي لديهم؛ لأنهم ملان وجوه، وتصنيفات: [يحتمل هذا، ويحتمل هذا].
لاحظ العبارة الأولى، أليست واضحة؟ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} ليس فيه من النص الثاني، البيان الطبيعي.
{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}(الأنعام:147)، قد ذكر كثيراً فيما يتعلق بتكذيبهم، وجزاء تكذيبهم، هو رحيم، إن يشأ يرحمكم، إن أراد أن يرحمكم، أو أراد أن يعذبكم فهو سبحانه ذو رحمة واسعة، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين. {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}(الأنعام: من الآية148) لاحظ كم تقدم في السورة من عبارات، ولو شاء الله، ولو شاء ربك، ألم تتكرر؟ لتمهد لرؤية في هذا الموضوع نفسه، {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}.
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا}(الأنعام: من الآية148) إن الله شاء هذا {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}(الأنعام: من الآية148)، فيما تقولونه: إن الله قد شاء هذا، ثم في الأخير يمشون عليه.
{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}(الأنعام: من الآية149) يعني: الله سبحانه وتعالى لم يشأ هذا؛ ولهذا أرسل رسلاً يبينون لكم بأن هذا باطل، هو لا يشاءه، ولا يرضاه. إذاً فبالطريقة هذه يأتي ماذا؟ بيان أن هذا باطل، وأن هذا لا يشاؤه الله، بهذه الطريقة، عن طريق البينات، عن طريق حجة بالغة، تتمثل في كتبه ورسله، ليست القضية مبنية على أنه إذا لم يمنعنا قسراً فقد شاءه، عندما يأتي بالعبارة هذه: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا}، ربما أنه سيأتي من خلال تلقين من عند أهل الكتاب، أو من عند أي طرف آخر، وإلا قد يكون بالنسبة للمشركين، بطبيعتهم البدائية، العادية لا يلحظون هذه؛ لأن القضية ليست ملحوظة، إذا جاءت من عند ناس يكون قد عندهم شبيه بأطروحات فلسفية، أو تمحلات، وتقولات عندما قال: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا}، هنا قد سبق بالمسألة من البداية، عندما يقول: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا}، يبدو أنهم ما قد قالوا فعلاً، ما قد قالوا إلى نفس وقت نزول الآية.
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}، يعني: نحن مشركون، وما منعنا بأن مثلاً يميتنا، أو يكف أيدينا بطريقة قسرية هكذا، ولكنه قد منع عن طريق الحجة البالغة، يرسل رسلاً، وينزل كتباً، ويبين لكم بأن هذا لا يشاءه، وأن هذا لا يرضاه، وأنه باطل.
{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}(الأنعام:149)، فهو سبحانه على كل شيء قدير، أنتم لا تعجزونه، فهو لو شاء لهداكم أجمعين، ولو شاء لمنعكم بالطريقة القسرية الأخرى. إذاً فمعنى هذا بأن الشيء الذي قد بين الله للناس بأنه باطل هو لا يشاؤه، لا تتعلق المسألة على أنه ما دام لم يمنع وهو قادر أن يمنع بالطريقة الأخرى القسرية إذاً فقد شاءه، هذه شبه قامت من بعد، استمرت من بعد، يقولون: [هو قادر على أن يجعل الكافرين مؤمنين، ولكن ما جعلهم مؤمنين، إذاً فقد شاء أن يبقوا على هذا] عقيدة جاءت عند البعض بأنه هكذا الكافرون، الله قد شاء منهم أن يكونوا كافرين، وشاء أن يكون المنافقون منافقين إلى آخره.
{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا}(الأنعام: من الآية150)، فيما يتعلق بالشرك هناك، وفي قولهم: {وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} يعني: حرمنا شيئاً، وكان باستطاعته أن يمنعنا لا نحرمه، إذاً نقول أيضاً: بأن القضية فيما يتعلق بالتحريم هي إليه، فكان يجب أولاً: أن يكون شيئاً من عنده حتى يصح أن تقولوا أنه قد شاء، هنا قال: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا} إذا كان هو الذي حرمه إذاً يصح أن تقولوا: شاءه. {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ}(الأنعام: من الآية150) أليس هنا تدارك للمسألة؟ أنك لا تربط قضيتك بالآخرين، في مصداقية ما تقدمه، ولو شهدوا، لا تشهد معهم.
{فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}(الأنعام: من الآية150-151)، وهناك يذكر في الخطاب فيما ذكرناه سابقاً، فيما يتعلق بأهل الكتاب، وفيما يتعلق بالمشركين، وسيأتي سرد يشمل الكل. {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إذا أنتم تريدون بدون أخذ ورد حول: الله حرم هذا، أو ما حرم هذا، القضية إذاً أننا متفقون على أن الله لا بد أن يكون هو الذي يحرم، إذاً فتعالوا أتل عليكم ما حرم ربكم.
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}، هذه طريقة هامة، من ناحية ماذا؟ فيما يتعلق بتعزيز ثقة الإنسان بالطريقة التي هو عليها، أنه ليس هو الذي يلحق بعد الآخرين، هو الذي يقول للآخرين: تعالوا، هذه هي الطريقة التي ماذا؟ رسمها الله لعباده جميعاً.
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(الأنعام:151)، أي إذا كنتم أنتم ستقولون: أن الله حرم هذا، أو لو شاء الله ما حرمنا هذا، قد بين لكم الآن قائمة تحريمات، أنتم تريدون أن تلتزموا، التزموا.
{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(الأنعام:152 – 153)، نأخذ من هذه شيئاً يعتبر سنة من سنن الله، وهي قضية واضحة في القرآن فعلاً: أن المسالة هناك لا تحتاج إلى أخذ ورد، ولا يوجد أشياء غامضة، لا نحتاج إلى أن نتجادل في ما هو الذي من عند الله؟ وما هو الذي كلفنا الله به؟ وما هو الحكم الشرعي في كذا، أو كذا؟ أن طريقة الله هي أن يبين، ألم يبين هنا؟ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}، لا نترك القضية لكم أنتم تأخذون وتردون حولها، وتتجادلون حولها، أن الله حرم، أو شاء أن يحرم، أو ما شاء، أو اقتضى، أو أن هذا الحكم هو مفهوم الآية الفلانية، أو الحديث الفلاني، وأخذ ورد في الموضوع.
أن سنة الله: أنه هو الذي يبين هو، ما هنا جاء بعد الآية هذه السابقة في دعاواهم أن الله حرم، أو لو شاء الله ما حرم؟ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}، هنا قدم قائمة محرمات، يعني: أن هذه هي سنة إلهية، ليس الناس بحاجة إلى أن يختلفوا، ما الذي حرمه؟ ما الذي شرعه؟ ما الذي وجه إليه؟ وأشياء من هذه. هو يبين، لا يحتاج إلى استنباطات من عند الناس، ولا إلى تشريعات يستنبطونها هم ويحسبونها على الله، هو يبين طريقته هو، يبين صراطه هو، يبين سبيله هو، يبين شريعته هو، لا يوكل المسألة إلى الآخرين؛ لأنه سيأتي من جهة الناس من يحسبون أشياء على الله هي افتراء عليه.
في الأخير قالوا في داخل المسلمين بأنه قد علمنا بأن الله كلفنا، لاحظ لا توجد الرؤية هذه:إذاً نقول: فما دام أنه كلفنا بالتأكيد سيبين ما كلفنا به، لا توجد عندهم الفكرة هذه، في الأخير قالوا: الله كلفنا بالتأكيد، ولم يقم على ما كلفنا به أدلة تفيد العلم، فلم يبق إلا ظن، واعتماد أمارات وظن؟! إذاً فوجب أن يقبل هذه منا، ووجب علينا أن ينطلق كل إنسان على ما أدى إليه ظنه، ممن يتعلم، والآخر يقلد من ترجح له تقليده من هؤلاء!! أليست هذه الطريقة خطأ؟ يبنون المسألة على أن الله لم يبين، وهنا يقول للمشركين أنفسهم، أليس الموضوع هذا أمام مشركين، وأمام يهود، أهل الكتاب؟ أو دعاواهم في موضوع تشريعات، وتحريمات، وأشياء من هذه، {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إنه هو الذي يبين سبحانه وتعالى لعباده ما شرَّعه لهم، وما يريد منهم أن يسيروا عليه من هداه وتوجيهاته، {ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون}.
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}، لاحظوا هنا، أليس هو يبين: أن هذا صراطي مستقيماً، وأنا الذي سأتولى تبيينه، ورسمه، أليس معناه هكذا؟ بعدما يقول: {تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ}، هذا صراطه، وهذه هي سنته في تبيين صراطه، هذا سبيله الذي رسمه لعباده؛ ليسيروا عليه، ولا يتبعوا السبل الأخرى فتفرق بهم عن سبيله.
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} مستقيماً، لا يحتاج إليكم، إلى استنباطات، ووجوه، وتشريعات، وآراء، وأشياء من هذه. {فَاتَّبِعُوهُ} لاحظ كيف هذه الكلمة متكررة في القرآن بشكل كبير، ولذلك نقول: إن ثقافة القرآن بالنسبة لنا هي إتباع؛ لأن الله رحيم، هو يرسم الطريق الواضح، لا يحتاج من جانب الناس إلى أي تصنيفات، ولا فنقلات، ولا تشريعات، ولا شيء، القضية جاهزة، صراط واضح يسيرون عليه، يتبعونه، أليس الإتباع معناه: أن هناك شيئاً جاهزاً؟ أليس الصراط معناه: أن هناك طريقاً، عندما يقول لك بهذه العبارة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ}، أليس المعنى تسيرون عليه، وتتبعوا ما رسم في هذا الطريق؟ {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.
كلمة: {فَاتَّبِعُوهُ} في حد ذاتها تعني: أن الطريق واضح، لا يحتاج إلى من يأتي يشتغل بـ[فرسته]، ويمهد، وأشياء من هذه، والتشريعات هو من عنده يبينها، وهو من عنده يبين الهدى، فيتبعوا فقط، القضية جاهزة، يتبعون، ليس فيها: فابحثوا، أو فيها صنفوا، أو فنقلوا، أو استنبطوا، أو أشياء من هذه.
ضاعت قضية تثقيف الناس لأنفسهم وللأمة بأن المسألة هي ماذا؟ مسألة إتباع، قدموا القضية قضية ماذا؟ اجتهاد، أو تقليد! يسمونها: اجتهاد، أو تقليد، والمسألة ليست اجتهادات، ولا تقليدات، المسألة مسألة: إتباع، فهو الذي يرسم الطريق، وطريق بيِّن، فيتبع الناس كلهم، ليس هناك حاجة لأحد يأتي يستنبط، ويحتاج يطلَّع أشياء من عنده أبداً. {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}، هناك سبل أخرى تقدم من الآخرين، أي سبيل تسيرون عليها ستبعدكم عن سبيله، هي طريق تمشيك كذاك، كلما مشيت عليها، كلما ابتعدت عن الطريق الذي رسمه الله، الصراط المستقيم.
{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، إذا نحن نريد أن نتقيه فالقضية جاهزة، بمعنى: أن من يعدلون عنها، وهذا هو المنطق الذي اعتمدوا عليه في تبرير الاجتهادات، والترجيحات، أننا قد علمنا أننا كلفنا ولم تأت أدلة تفيد العلم على كل قضية، فما بقي إلا ماذا؟ أن كل من تعلم يحاول يستنبط، ويحاول يرجح، ويحاول يدوِّر هو، يبحث ويدور داخل القرآن، وداخل ما روي من أحاديث.
الطريقة تلك لا تؤدي إلى تقوى، لاحظ عندما تأتي عبارة عندما يقول: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، تقوى الله سبحانه وتعالى، وتقون أنفسكم من الشر الذي تسلمونه، لا يحصل عليكم إذا سرتم على صراطه.
ولاحظ الآن، هل الطريقة هذه شكلت وقاية بالنسبة للناس؟ الطريقة التي رسمت، طريقة كل واحد من عنده، يقوم يبحث ويدور، ويرجح، ويستنبط، ويطلع قول، والثاني طلع قول، وهذا اتبع هذا، وهذا اتبع هذا، هل شكلت وقاية في الأخير للأمة؟ لم تشكل وقاية! إن الله جعل دينه بالشكل الذي يشكل وقاية لمن يسيرون عليه، هنا في الحياة قبل الحياة الآخرة، ألم يقل هناك في آية أخرى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ}(آل عمران: من الآية108)، أي هذا الدين يشكل وقاية هنا من الشرور؛ ولهذا يقول في كثير من الآيات بالنسبة للأعداء الذين دائماً الناس يعرفون أن العدو إنما يفكر في أن يضرك، وأنت تفكر فيما يقيك شره، عندما يقول بعد: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}(آل عمران: من الآية120)، {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}(آل عمران:111).أي: الطريقة الأخرى، السبل الأخرى لن تشكل لكم وقاية، لا في الدنيا هذه، ولا في الآخرة، من كل ما أنتم تحبون أن تقوا أنفسكم منه، وهذا واضح، أي: هذه الآية نفسها تقيِّم لنا الحالة التي نحن عليها، والثقافة التي بين أيدينا، هل هي ثقافة في الأخير تجعل الأمة في وضعية تشكل وقاية لها من شرور أعدائها، أو أنها أخضعت الأمة، وجعلتها في حالة تعتبر لقمة سائغة لأعدائها، وهذا هو الواضح.
هل كان الناس الذين كانوا في عصر رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندهم رؤى، ومقترحات، وتشريعات، وأشياء من هذه؛ لأنه هو الذي يشرع للأولين، والآخرين، هذه قد تكون من الأشياء المهمة بالنسبة للناس المسلمين أن يؤمنوا بكتب الله كلها، ورسله، يتقرر في أنفسهم أنه هو الذي يهدي من قبلهم، الأمم الماضية، هو الذي أنزل إليها كتباً، وبعث إليها رسلاً، وهو المتكفل بهداية البشر من قبل أن تخلق أنت، فتاتي على أساس أنك تستنبط، وتقدم هدايات للناس، وتشريعات، {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ}(الأنعام:154) من ذلك اليوم، من قبل.
كما ظهر عند بني إسرائيل من أشياء، تحريمات، وتحليلات، هي مخالفة لما نزله على موسى، وتفصيلاً لكل شيء، بمعنى أنكم وقعتم في قضية لم تكونوا بحاجة إليها، ولم يكن هناك في شرعه تقصير، هو فصل كل شيء، أيام موسى بالنسبة لهم، لكن لم ينفع، كانوا يتركون الكتب هناك، وتقدم طريقة أخرى، ومنهجية أخرى، تجعل الناس هم الذين يتحركون، فيقدمون تصنيفات أخرى، وتحريم، وتحليل، وتشريعات ثانية.
بالنسبة للأمة هذه، بالنسبة لنا، كيف نرى أنفسنا أننا بحاجة إلى أن نقوم نشرع نحن، وعلى طول تاريخ المجتهدين يتحركون على أساس أصول الفقه، والله يقول لنا من قبل أن يبعث محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله)، من قبل، موسى، وإبراهيم، وكل الأنبياء، من نزل عليهم كتباً، نزل عليهم كتباً تفصيلاً لكل شيء، وهدى ورحمة، شاملة لموضوع التشريعات، وموضوع الهداية بكلها.
{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(الأنعام:155) الآية هذه بالنسبة لنا، بالنسبة للمسلمين يقول: {فَاتَّبِعُوهُ}، {وَاتَّقُوا} قد تشمل عبارة واتقوا: اتقوا أن تسلكوا الطريقة الأخرى، طريقة ما حصل عند بني إسرائيل، عندما أصبحوا هم يشرعون من عند أنفسهم، ويقدمون توجيهات أخرى مخالفة لهدي الله من عند أنفسهم مع أنه نزل عليهم كتاباً تفصيلاً لكل شيء! {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لم نسلك الطريقة هذه فرأينا أنفسنا… كيف واقع الأمة الآن؟ واقع أمة مرحومة أو واقع مغضوب عليها؟ قد يكون مغضوب عليها فعلاً، فهناك في البداية: {لَعَلَكُمْ تَتَقُوْن} وهنا أيضاً يقول: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ}(الأنعام: من الآية155) أيضاً فيه بركة، استنباطاتكم ليس فيها بركة، وفعلاً هذا الذي حصل، ما حصل عند بني إسرائيل، من استنباطات، وأشياء من هذه، لم يكن فيها بركة، كان فيها ضلال يؤدي إلى ضلال، أما القرآن فهو مبارك {فَاْتَبِعُوْهُ} التوجيه هو للكل، التوجيه لكل الناس، لبني إسرائيل، وللعرب جميعاً، وأن تكون الطريقة في التعامل معه طريقة إتباع، أليست هذه عبارة واضحة كلمة: إتبعوه؟ هل أحد يمكن أن يقول لك: اتبع إلا وقد قدم لك القضية جاهزة.
عندما يأتي يقول لك: صحيح فاتبعوه، لكن ما فصل كذا، ولا تناول كذا، ولا قال كذا، ولا، ولا.. أنت لم تتبعه هنا، لأنه يقول لك له طريقة، وله ورثة، له ورثة وهم يعرفون كيف يتعاملون معه، وبين لك هو في داخله بقوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ}(فاطر: من الآية32) وبين لك هو بأسلوبه وهو يتنزل على محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) قل كذا، بيِّن كذا، أليس هذا توجيهاً إلى شخص واحد، لا أتصور بأنني متتبع للقرآن، إذا لم أكن مؤمناً بالطريقة هذه، في الأخير سيبدو القرآن أمامي ناقصاً [لم يبين كذا، ذكر الصلوات ولم يعددها، ذكر كذا ولم يبينه، ذكر كذا وما بينه] وهو يقول: {وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ}(الأنعام: من الآية154) إذاً له طريقة، ليس المعنى تفصيلاً لكل شيء، لكل من فتحه سيرى تفصيلات كل شيء.
أنت عندما تكون على هذا النحو أنت جاهل لقاعدة هامة القرآن يبتني عليها بكله، وأنه كتاب لبناء أمة، ليس كتاباً فردياً، كل واحد يريد أن يتناول منه الذي يريد ويمشي مع السلامة، هو كتاب قائم على أساس بناء أمة، تصور أنت كيف بناء الأمة، كيف يمكن بناء قبيلة واحدة؟ هل يمكن تتصورها بدون أن يكون هناك قيادة لها، دون أن يكون هناك مرجعية لها؟ هو مبني على هذه، في الأخير يقولون: [لا بأس القرآن، لكن وجدنا ما فيه كذا، ولا قال كذا، ولا فصل كذا] وهو يقول: {وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ}(الأنعام: من الآية154) في آيات أخرى يقول: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً}(الإسراء: من الآية12)، لكن يأتي كل واحد يريد هو يعرف كل التفصيلات، أليس هذا جهلاً بالقرآن نفسه؟ عندما يقول: {فَاتَّبِعُوهُ}، أن تعرف كيف اتباعه، كيف اتباعه، أسس اتباعه، وسترى كل شيء واضحاً، وترى صراطاً مستقيماً.
إذا ما هناك رؤية على هذه ستراه ناقصاً، وترى الذي يقول عندما يقول: أيضاً الرسول مبيناً، ثم الرسول، ورأى أشياء ليست كاملة، رأى أشياء تحتاج إلى ترجيحات، ورأى أشياء تحتاج إلى كذا، أيضاً احتاجوا إلى استنباطات، وتفريعات، واجتهادات، وأشياء من هذه، وأخيراً ضاعت الأمة بكلها. أليس هو في الوقت الذي يقول: فاتبعوه يقول: اتبعوا محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله)، {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}(النساء: من الآية59)، أليس هو يقول هكذا، أليس هو يربط موضوع أن يكون القرآن تفصيلاً لكل شيء بالنسبة لهم مرتبطاً بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. وبعد أن مات رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، قالوا: مات، لم يبق شيء إلا أن كل واحد يبحث هو! ورأى القرآن ليس فيه تفصيل لكل شيء، [إذاً نحتاج إلى كذا، ونحتاج] وبحثوا، وأخذ ورد إلى أن ضاع.
إذاً هل يمكن أن نجهل بأن الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ}(فاطر: من الآية32) أنه يعلم أن أنبياءه سيموتون، وقال هو: أن الرسل سيموتون، ويموت الناس جميعاً، أنه هو يورث؛ لأنه كتاب – كما قلنا بالأمس – مع البعض، كتاب الله الحي القيوم، ليس كتاباً مثل الكتب الأخرى التي نقرأها، ونقول: قال رحمه الله تعالى، تحدثنا مع البعض حول هذا.
هذا كتاب الله، والله هو حي قيوم، فالقرآن نفسه في مسيرة القرآن هو ليس بمعزل عن قيومية الله على خلقه، على طول تاريخ الأمة هذه، إذاً قاموا يشتغلوا، لكن هل شكلوا وقاية أو رحمة؟ أبداً، الأمة الآن وضعيتها سيئة؛ لهذا لاحظ أنه يأتي توجيهات، ويأتي بعدها في: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً}(الأنعام: من الآية159) متى لم يحصل إتباع، وبرؤية حقيقية، وصحيحة بهذا المعنى، معنى الإتباع، وهي قضايا بسيطة، نفس أسس الإتباع، أن تفهم أنه قرآن يحتاج إلى وارث علم بالنسبة للناس، يحتاجون هم إلى وارث له، متى ما توفر القرآن مع وارث له يمكن يمشي كل شيء، ويحصل تفصيلاً لكل شيء، ويتناول كل شيء.
أليس القرآن هو من عند الله؟ أليس الله هو الذي يخلق {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}(القصص: من الآية68)، ما القضية أنه قد توقف المصنع حقه، لم يعد هناك مصنع إنما فقط ذلك الزمن وانتهى، هو يخلق رسل، وبعد الرسل يخلق ورثة للرسل، وورثة لكتبه.
{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا}(الأنعام: من الآية156)، حتى لا تقولون كلاماً كهذا، هذا كتاب قد نزل إليكم، {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} بني إسرائيل نزل عليهم التوراة، نزل عليهم الإنجيل، نزل عليهم كتب أخرى، {وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ}(الأنعام: من الآية156)، عن دراستهم لكتبهم، عن دراستهم لكتبهم لغافلين.
{أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ}(الأنعام: من الآية157)، إذاً فانطلقوا، فلم يبق لكم عذر أن تقولوا: {لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ}. {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا}(الأنعام: من الآية157)، كذب بآيات الله، وصدف عنها: انصرف وصرف عنها، {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ}(الأنعام: من الآية157)، والشيء المخيف في هذا أنه عبارات العذاب هي تأتي مطلقة في كثير من الآيات، بالشكل الذي يحتمل أنه هنا عذاب في الدنيا، وعذاب في الآخرة، فهي آيات واضحة، وكتب واضحة، وبينات واضحة.
ما الذي بقي؟ عندما يأتي بقوله تعالى بعد: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}(الأنعام: من الآية158)، ماذا ينتظرون بعد هذا البيان الكامل؟ الشيء الذي هو إلى درجة أن يقول: فاتبعوه {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} ماذا ينتظرون بعد، ينتظرون أن تأتيهم ملائكة، أو يأتي الله، أو يرون الله كما قال بنو إسرائيل من قبل، أو يأتي بعض آيات ربك، الآيات التي تعتبر قاضية.
{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً}(الأنعام: من الآية158) بمعنى أن هذا هدى متكامل، وبينات واضحة، كاملة، وبلاغ مبين، لم تعد بحاجة إلى شيء آخر بعده، ماذا تنتظرون بعده؟ تنتظرون ملائكة تأتي، أو تنتظرون الله يأتي، أو تنتظرون آيات من الكوارث التي يضرب بها الأمم. {قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}(الأنعام: من الآية158) هذا تهديد مثل: و{تَرَبَّصُوا}(الطور: من الآية31) {فَانْتَظِرُوا}(الأعراف: من الآية71) إذا لم تكفك هذه الآيات فانتظر، لن يأتي ملائكة، ولن يأتي ربك، وقد تأتي بعض آيات ربك، مثلما قال سابقاً: {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ}.
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}(الأنعام:159)، هنا يؤكد هذا بأنه يرسم طريقة واحدة، وطريقة واضحة، وأعلامها بينة، وبينات واضحة، وأن الناس إذا انطلقوا هم برؤية أخرى، لم يسيروا على هذا النحو الذي وجهوا إليه: إتباع، وسير على هذا الصراط المستقيم الواضح، لن يكون البديل إلا ماذا؟ إلا أن يتفرقوا، فيفرقوا الدين نفسه.
أن تأتي الآية بالشكل الذي تذكر ماضي؛ لأنه بالنسبة لهذه الرسالة نفسها، رسالة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ما قد ظهر شيء، ما قد ظهر تفريق من جانب المسلمين لهذا الدين، لكن معنى عندما يقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} سواء في الماضي، أو في المستقبل {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}، فبالنسبة للأولين لا علاقة لك بهم نهائياً، ألم يقل هناك في آية أخرى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(الأنعام: من الآية90)، عندما جاء بقائمة من الأنبياء، هؤلاء الذين تهتدي بهداهم، الآخرون الذين فرقوا دينهم لا علاقة لك بهم، ولا بينك وبينهم نهائياً.
إذاً تجد بأنهم أين موقعهم هم؛ لأنه هو (صلوات الله عليه وعلى آله) في ضمن المسيرة الطويلة هذه، مسيرة أنبياء الله، إلى إبراهيم، إلى نوح، إلى أول نبي من أنبيائه، أليس الآخرون هم الذين هم خارجون هناك، هم، {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} لا علاقة لك بهم، كما لو قال: أنت بريء منهم، أو هم براء منك.
كذلك من فرقوا هذا الدين من بعده، أو يمكن نقول: أما بني إسرائيل إذا فرقوا دينهم فالقضية هي على هذا النحو: تهديد عظيم إلى درجة أن يقول: هؤلاء ما بينك وبينهم، وبالتأكيد عندما يقول: ما بينك وبينهم {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} أنهم في اتجاه هناك، غايتهم غير غايتك، أليست هكذا؟ أين سيكون رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ أليس هو سيكون مع إبراهيم، ومع نوح، مع الأنبياء في رضوان الله وجنته؟ والآخرون الذين ليسوا منه، وليس منهم بالتأكيد لن يكون موقعهم معه، هم في مكان آخر. {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}، حتى لو قالوا: [وكل من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم] ويعني: إما شرب شروب، أو رشف من الديم، من الأمطار.
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً}، هذا للأسف حصل في الأمة هذه، ألم يحصل تفريق للدين حتى أصبحوا طوائف متعددة؟ هذا التفريق للدين، لا نتصور أن هناك طريقة أخرى يقال لها: تفريق للدين غير هذه، بنوا إسرائيل ما عملوا إلا هكذا، كيف عملوا حتى فرقوا دينهم، كيف عملوا؟ طوائف، وأقوال متعددة، وتوجهات متعددة، أليس هذا هو تفريق الدين؟.
{إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}، يفعلون، يفعلونه هم، ومن جهتهم هم، لم يأت نتيجة لتقصير من جهة الله سبحانه وتعالى، لأنه سمَّا التكليف فعلهم هم، ومنشؤه من عندهم هم، ليس من عنده.
إذاً فهذا يبين لنا سوء الاختلاف والتفرق، لسنا بحاجة إلى أن نبحث كيف نجعله مشروعاً، ونجعله سائغاً ومقبولاً، وخطيرة هذه الآية جداً بالنسبة للمسلمين، وقد اتضح أنهم فرقوا دينهم فعلاً، عندما تأتي الآية بهذا الشكل: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً} طوائف، فرق {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} لأن طريقته ثانية، طريقته طريقة تبني أمة واحدة، وطريقته أنه قدم منهجاً واضحاً، لا يحتاج إلى أن يأتي الناس بشيء من جهة أنفسهم، إنما يتبعونه، ويسيرون عليه، فهو جاهز إذا ساروا واتبعوه لا يتفرقون، لكن ينطلقون هم وكأنهم مكملين، على ما قال الإمام علي: ((أم كانوا شركاء لله في ملكه فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى))، أو بعبارة تشبه هذه، في نهج البلاغة جاء بها استنكاراً على من يأتون بأقوال متعددة في الفتوى.
{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الأنعام: من الآية160-161) فمن يدعو أنهم مني وإلي، أو مغترفين مني، أو راشفين مني، فليعلموا بأن الله هو الذي يهدي، وليس اجتهادات حتى من عندي أنا، اجتهادات، {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وهو نفس الصراط الذي دعاكم إلى أن تتبعوه، وتسيروا عليه.
{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(الأنعام:161) جواب للكل، للمختلفين من قبله، والمختلفين من بعده، ومثل الذي قال هناك: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} هم من جهة أنفسهم يقدمون أشياء تؤدي إلى تفرقهم، واختلافهم، أما هو فطريقته ليست على هذا النحو، طريقته أنها من عند الله سبحانه وتعالى، وليس من عند نفسه هو، من عند الله {إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً} مستقيم لا يحتاج إلى من يأتي [يِرفِّد له، ويدخل طوب داخله، أو حجار، ويبعد حجراً، ويدخل حجراً أخرى] مستقيم.
{مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الأنعام:162) إذاً هنا إعلان تسليم؛ لأن القضية عادة تنتهي إلى التسليم لله، إذا هناك تسليم لله من جهة الناس يكونون قابلين للإتباع، ولا يحصل اختلاف، ولا تفرق، إذا لم يحصل تسليم يكون كل واحد يقدم نفسه، يريد أن يطلع نصف إله، أو ربع إله، من عنده يشرع.
هذا أساس القضية: التسليم لله، إذا كان الناس مسلِّمين لله فهو سبحانه وتعالى هو قد جاء بالهدى، وصراط مستقيم، وبينات واضحة، يتبعونه، لا يحتاجون إلى أي شيء آخر يتعبون أنفسهم فيه، لا بحث، ولا استنباطات، ولا ترجيحات، ولا رؤى متعددة، ولا شيء.
{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(الأنعام:163) المسلمين لله، {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا}(الأنعام: من الآية164) لأن من لا يقتنع بالمسألة هذه كأنه يعدل، يبحث عن أرباب آخرين، هذه القضية خطيرة، ألم يقل في بني إسرائيل: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}(التوبة: من الآية31)، {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(الأنعام: من الآية164)، وهذه أيضاً فيها تنبيه خطير بالنسبة للناس، في الأجيال المتأخرة، عندما تحاول تقول: لازم نمشي على الطريقة هذه؛ لأنه لاحظ الذي قبلنا، والذي قبلنا كانوا، وكانوا.. ضروري نسير بعدهم، يقول لك: أنهم لن يحملوا أوزارك إذا أردت أن تنتبه أنت، ما تكسبه هو على نفسك أنت، هم سيكسبون أوزارهم، وأوزار من أوزار الذين يضلونهم بغير علم، كما جاء في آية أخرى، لكن ليس معناه أنك تقول: أما نحن فسنسير وإلى ذمتهم، ليست القضية بهذا الشكل، سنمشي بعدهم وإلى ذمتهم.
{وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} لأن هذه تضرب شيئاً من الأشياء التي عند الناس تخلي الضلال يستمر، يكون عنده: نمشي بعدهم، ولسنا أحسن منهم، وهم كانوا أحسن منا، وهم كانوا أعرف، وكانوا، وكانوا..، قد نحن من [جيزاهم] وإلى ذمتهم، لا، أنت عندما تمشي على ضلال، أنت تكسب على نفسك، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لن يأخذوا أوزارك، قد يحملون من الأوزار باعتبار حصل ضلال على أيديهم، أو أضلوا عمداً.
{ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}(الأنعام: من الآية164)، أليس معنى هذا أن الاختلاف نفسه محط تساؤل: لماذا تختلفون؟ لأنه قدم دينه بالشكل الذي لا يختلف الناس إذا ساروا عليه، وليسوا بحاجة إلى أن ينطلقوا هم ليعملوا تكميلات، وأشياء من هذه هي بالتأكيد مما يؤدي إلى اختلاف فيما بينهم.
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ}(الأنعام: من الآية165)، هو الذي استخلفكم، وهو الذي تكفل بأن ينزل هدى إليكم، لا يمكن يستخلفهم، ولا ينزل هدى ويكون في هداه الكفاية؛ لتقوموا بواجبكم، وتقوموا بدوركم في هذه الحياة.
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}(الأنعام:165).
صدق الله العظيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين،،،
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.