saadahnews

سورة الاعراف الدرس السابع والعشرون

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

في هذه السورة المباركة، [سورة الأعراف] – وهي من أطول السور في القرآن الكريم – مواضيع متعددة، وهامة، ومواضيع وكأنها تقدم سنناً، أو تبين سنناً إلهية.

تصدَّرت هذه السورة بأحرف مقطعة: [ألف، لام، ميم، صاد]، تقدم الحديث حول هذه في [سورة البقرة]، وكما يقول الإمام القاسم بن إبراهيم: بأن هذه السور التي تبدأ بأحرف على هذا النحو، أنها سور يكون فيها من مكنون العلم، يعني: من الأسرار التي عبر عنها بمكنون العلم.

في المقدمة يأتي الحديث عن هذا الكتاب العظيم: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ}(الأعراف: من الآية2)، وعندما يتصفح الإنسان سور هذا الكتاب العظيم يجد فعلاً أنه عظيم وحكيم، أنه اشتمل – كما قال الإمام علي فيما رواه عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) – على أخبار الماضين، وأنباء الآتين من الناس: ((فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم)).

{كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}(الأعراف: من الآية2) لأن المهمة كبيرة، مهمة كبيرة؛ ولهذا في آية أخرى قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}(المزمل:5) عظيم، مهمة كبيرة، ومهمة واسعة، ولكن لا يكن في صدرك حرج فتظن أننا كلفناك بالشيء الذي لا تطيق أن تنهض به؛ يأتي العون الإلهي، والتأييد الإلهي، والهداية المستمرة، والمتابعة المستمرة لحركتك في تبليغ هذا الكتاب، فلا تشعر بحرج منه، وهذا من الأشياء العجيبة، مما يدل أنه فعلاً، أن هذا الدين العظيم لم يأت بالشكل الذي يكون فيه حرج للناس، كما قال في آية أخرى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}(المائدة: من الآية6) {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(الحج: من الآية78).

فإذا كانت هذه المهمة الكبيرة الواسعة التي توكل إلى شخص واحد هو رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وفي نفس الوقت يقول: لن تكون في حرج، {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ}، تشعر بثقل، تشعر وكأن هذا الموضوع فوق طاقتك.

فعندما نأتي نحن بعد، والكثير من قبلنا يحصل لديهم نظرة إلى بعض الأشياء في هذا الدين، بعض ما وجه لنا القرآن الكريم، وكأنها أشياء فيها حرج، وأشياء ثقيلة، وأشياء شاقة، وأشياء من هذه، وهي بالشكل الذي يوكل الخطاب فيها إلى أمة، لم يوكل الخطاب فيها إلى شخص معين، مثل موضوع الجهاد في سبيل الله، وأن يكونوا قوامين بالقسط، ألم يأت الخطاب لمجاميع من المؤمنين؟. ومع هذا الكثير يعتقد بأن هذه القضية فيها حرج، فيها مشقة، يبحث عن كيف يبرر لنفسه أن لا ينطلق في هذا الموضوع! مع أننا وجدنا بأنه فعلاً هذا الكتاب الواسع بكله، كتاب واسع جداً، ومهمة كبيرة جداً وُجِّه بالقيام بها، والنهوض بها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، شخص واحد، ومع هذا يقول له: اطمئن، لا يحصل عندك حرج، {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ}، بمعنى ماذا؟ أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يؤيد ويعين.

هذا من المفارقات العجيبة، ومما يدل على أنه حصل فعلاً لدينا فهم للدين بشكل آخر، ومن الأخطاء التي ربما رسخت هذا الشيء محاولة البعض لتعريف الدين بأنه: تكليف، ثم تعريف التكليف بأنه: تشريع، أو توجيه يتوخى فيه المشقة، من التعريفات التي حصلت: تكليف يتوخى فيه المشقة، المطلوب فيه أن يكـون شاقـاً؛ ليتبين – هكذا يقولون: – ليتبين من هو الذي سيتحمل هذه المشاق فيؤجر، وترتفع درجاته، ومن هو الذي يفشل فلا يتحمل هذه المشاق! هذا التعريف خاطئ بشكل رهيب جداً، وترك عند الناس نظرة إلى هذا الدين وإذا كأنه حمل ثقيل، وكأنه بعض منه، أو أجزاء منه تعتبر ثقيلة، وحرج النهوض بها، والتحرك في أدائها، مع أنه بكله وهو موجه إلى شخص واحد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول له: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ}. {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}(الأعراف: من الآية2) هذه المهمة الرئيسية، وأحياناً تأتي العبارات مختلفة في بعض الآيات، أحياناً يقول: {بَشِيراً وَنَذِيراً}(البقرة: من الآية119) وأحياناً يأتي بشكل آخر.

هنا تجد في السورة أشياء كثيرة مما تعتبر نُذُر، عندما يسرد قصصاً بدءاً من آدم، ثم نوح، ومِن بعد نوح، أليس هذا يعني أن السورة هذه مليئة بالإنذارات، والحديث عن جهنم، الحديث عما سيقول أهل النار، ما سيقول المكذبون بآيات الله، والمستكبرون عنها، فهي مليئة بالإنذارات، والقرآن هذا هو نذير وبشير وهدى وتشريع، كل شيء داخله، كل شيء فيه.

تجد أن الموضوع كله يتمحور حول الكتاب، حركة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) مهمته تتمثل في هذا الكتاب، كتاب أنزل إليك تتحرك على أساس هذا الكتاب؛ لتنذر به، أليس هكذا الآية واضحة: {لِتُنْذِرَ بِهِ}؟.

هذه للأسف مما غيبت في تاريخ المسلمين، وقدموا الإنذارات بطرق أخرى لم تترك أثراً إيجابياً، بل تركت آثاراً سلبية مثلما نقول كثيراً حول ما تتضمنه كتب الترغيب والترهيب، أن من المهام الرئيسية للقرآن الكريم هو الإنذار به، مهمة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن ينذر الناس به، وهو من جهة نفسه إنسان بليغ، إنسان قدير على التحدث، لكن يجب أن يتحرك في إطار هذا القرآن، فينذر به؛ لأن القرآن هو أبلغ موعظة؛ ولهذا قال الله فيه في آية أخرى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(الحشر:21).

حصل عدول عن القرآن الكريم في موضوع ما نسميه المواعظ، ترهيب وترغيب إلى كتب أخرى مليئة بحكايات عملها ناس، مليئة بأحاديث لم يدققوا حتى في أسانيدها باعتراف أهل هذا الفن، أنهم يقولون أنهم لا يتقصون في أسانيد أحاديث الترغيب والترهيب على أساس أنها ستترك [أثر باهر]، ترغب الناس في طاعة الله، وتخوفهم من عذاب الله، ويحصل عند واحد خوف من أن يدخل في معصية، وأشياء من هذه، لكن قدموا مفاهيم أخرى رهيبة جداً، نظرة إلى الدين قاصرة جداً، نظرة إلى الحياة هذه، نظرة إلى الحياة الآخرة، نظرة إلى الإنسان، دوره في هذه الحياة، نظرة قاصرة جداً، ومتنافية مع ما يريد القرآن الكريم أن يتركه في نفوس الناس من أثر، بل قُدم من خلالها موضوع الخشية بشكل آخر، غير الخشية في القرآن.

في القرآن يتركز موضوع الخشية: أن الخشية من الله، من الله، فيأتي إلى آيات كثيرة جداً تتحدث عن معرفة الله سبحانه وتعالى؛ ليعرفه الإنسان فيخشاه، في الوقت الذي يحبه ويجله ويقدسه ويعظمه. في كتب الترغيب والترهيب قدم موضوع آخر هو الخشية من النار، وهناك فارق كبير في الموضوع، هناك فارق كبير جداً، أنه ممكن يحصل عندك خشية من النار من خلال هذا المنطق الذي يرسخ لديك موضوع النار، النار فقط دون أن يقدم في نفسك ما يجعلك تخشى الله هو؛ ولهذا جاء في آية أخرى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(فاطر: من الآية28)، يعني: العارفين به، فيأتي موضوع النار بكله، موضوع آيات الوعد والوعيد، إنما هي جزء من موضوع معرفة الله، لتخشى الله باعتبار أنه هو الذي بيده الجنة، وبيده النار.

وعندما تكون أنت متوجه إلى الله سبحانه وتعالى، متوجه إليه، وتعرفه، ما تحصل القضية فقط مجرد خشية، بل يأتي أيضاً حب له، وتعظيم له، وحرص على رضاه؛ فيكون تعاملك معه، في الحالة هذه ستحصل تلقائياً على ما يقيك من النار، الإنسان بطبيعته إذا خُوِف بشيء يخاف، إذا خوف بجهنم، ولجانب جهنم دور كبير جداً في التخويف، لكن لم يقدم موضوع التخويف بجهنم مجرداً عن موضوع ربط الإنسان بالله؛ ولهذا قلنا: إنه مما تميز به القرآن الكريم أنه يقدم آيات الوعيد في إطار عملي، هذه التوجيهات العملية تأتي من جهة الله، ودائماً ترى السور فيها الكثير من الآيات التي تذكر ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى، ملكه، ألوهيته، علمه، قدرته، أشياء من هذه، هي آيات في معرفته.

فمن الآثار لآيات الوعد والوعيد هو ماذا؟ أن تعرف الله أنه هذا هو الله الذي بيده الجنة، بيده النار، بيده الثواب، بيده العقاب؛ فتتوجه أنت إليه، فتبحث عن رضاه، ويعظم في نفسك، هنا ستسير بطريقة صحيحة، وهو الشيء الرئيسي في القرآن الكريم. ما قدمت آيات الترغيب والترهيب بمعزل عن آيات معرفة الله، وبمعزل عن التوجيهات العملية أبداً، كتب الترغيب والترهيب في الغالب تقدمها هكذا بصورة مستقلة، حديث حول الجنة، وحديث حول النار هناك، لا يأتي في إطار الحديث حول الله سبحانه وتعالى، فتقدم ضمن معرفته؛ لأن من أسمائه سبحانه وتعالى – عندما نقرأ قول الله في سورة [الحشر]: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ – ألم يذكر هنا الجبار؟ – الْمُتَكَبِّرُ}(الحشر: من الآية22 – 23) – من أسمائه: الجبار، مما يذكره سبحانه وتعالى أنه ينتقم، أنه يبطش {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}(البروج:12)، {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي}(الحجر: من الآية50) هنا أليس هو يقدم جهنم حقه؟ {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}(الحجر:50)؛ ليعظم في نفسك الله.

تخاف لعدة أشياء يقدمها، لكن يتوجه الخوف ممن؟ منه هو، تخشاه هو، هذه هي القاعدة الصحيحة؛ ولهذا نجد بأنه حصل من الأشياء التي تعتبر غريبة، في كتب الترغيب والترهيب ترفق بأشياء في مجال الترغيب حسنات بكميات كبيرة جداً، فترى أشياء هناك تخيفك، جهنم، وترى هناك كميات كبيرة من الحسنات، ترى بأنه يمكن أنك تمشي في هذه تجمِّعها وتصرف عنك جهنم، وإذا أنت ذهنك يدور بين النار، والنار هي خطيرة، وكل إنسان يخاف منها، وهناك كميات كبيرة حسنات من أعمال معينة، تكاد تكون في ذهنيتك مفصول عن الله، مع أن هذه الآية لاحظ {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، أليس هو هنا يذكر نفسه، يتحدث عن نفسه، {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}.

فالإنذار من القرآن الكريم هو الشيء الأساسي، الإنذار من القرآن الكريم هو الشيء الذي له إيجابية كبيرة جداً، ولا يحصل معه سلبيات؛ لأنه يشدك في نفس الوقت إلى الله سبحانه وتعالى. جاء بكلام كثير حول يوم القيامة لكن أليس هو يذكر فيه أنه الذي سيجمع الناس، سيحشر الناس، سينبئهم بما كانوا يعملون، أنه هو الذي سيجازي، أنه هو الذي سيدخل من أدخل الجنة، وسيدخل من أدخل النار، أليس هو ينسب الأشياء هذه كلها إليه؛ لأن لا تنظر إليها منفصلة عنه.

وموضوع واسع جداً في القرآن، موضوع الترغيب والترهيب، موضوع واسع جداً، لا نحتاج معه إلى الأشياء الأخرى، تصفية قلوب، وإرشاد قلوب، وأشياء من هذه، وعناوين أخرى، ما نحتاج إليها.

هذا الذي يُصفِّي القلوب حقيقة، القرآن، ويعرف الإنسان من خلاله كيف يكون توجهه، كيف تكون نظرته، كثير ممن قرؤوا كتب الترغيب والترهيب تراه ما عنده توجه أنه مثلاً يجاهد في سبيل الله؛ لأنه ماذا؟ قد هناك حسنات كثيرة، يغرف واحد كما يريد دون أن يحاول أن يدخل نفسه في موضوع فيه مصاعب، وفيه خوف، وفيه سجون، وربما فيه قتل.

إذاً هذه النظرة، وهذا الموقف موقف من؟ موقف من نفسيته فعلاً منفصلة عن الله، قدم له الموضوع مجرداً هناك لوحده، هناك نار، وهناك حسنات خذ لك كمّا تريد حسنات وستسير إلى الجنة، والنار تسلمها! لو أن الموضوع قدم على النحو الذي قدم في القرآن لكان الإنسان – وهو متوجه إلى الله سبحانه وتعالى – يحرص على أن يعمل الشيء الذي فيه رضاه مهما بدا شاقاً أمامه، فلماذا – مع أنهم قد قرؤوا أشياء كثيرة عن جهنم – لا يأتي لديه انطلاقة لأن يجاهد في سبيل الله ولو ضحى بنفسه، لا أعتقد أنه يوجد أحد ممن قرؤوا إلا وهم يقرؤون كتب ترغيب وترهيب بدءاً من [كنز الرشاد] و[شرح كنز الرشاد] و[تصفية القلوب] وكتب أخرى.

إذاً فهذه القاعدة المهمة: أن الله قال لنبيه (صلوات الله عليه وعلى آله): {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ}، ثم يذكر بعد {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، وليكون ذكرى للمؤمنين، تنذر به وتذكِّر به.

{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}(الأعراف: من الآية3) وهذا تأكيد آخر، {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}(الأعراف:3)، عندما تكون كلمة أولياء في زمن نزول القرآن الكريم، كان يتمثل أولياء بشكل ظاهر مثلاً أصنام، يوجد هناك أولياء آخرين قدمهم أيضاً من البشر ممن كانوا يتخذونهم أولياء فيصدونهم عن سبيل الله، فكلمة أولياء تتناول من يتخذون الأصنام أولياء، وتتناول من يتخذون أناساً من البشر أولياء، كيفما كانوا، أولياء من دونه، هناك فارق بين أولياء هم أولياء له، وفي طريقه؛ ليجعلوا الناس أولياء لله.

لكن هنا يكون هناك أولياء من دون الله، الأولياء الذين من دون الله هم يصرفونك عن الله، ويبعدونك عن الله، وقدم في هذه السورة وهو يعرض قصص الأمم الماضية: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ}(الأعراف: من الآية75)، كبار ووجهاء الناس، ترى كيف كانوا يبرزون صادين عن سبيل الله، والآخرون الجماهير قد اتخذوهم أولياء، فهنا أنذر الناس بدءاً من أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يحذروا أن يتبعوا من دون الله أولياء بعد أن عرض عليهم كيف كان مصير أولئك الناس الذين اتخذوا الملأ الذين استكبروا من قوم نوح، أو هود، أو صالح، أو أي واحد من الأنبياء الذين ذكرهم، كيف كانت عاقبتهم، وأنهم خسروا، أهلكهم الله وانتهوا بعقوبة شديدة.

{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} هنا تقدم القضية في القرآن الكريم – مثلما نذكر أكثر من مرة – أنه في الواقع لا يوجد غير هذين الطريقين: إما أولياء لله، أو أولياء لمن هم من دونه، بدءاً من الشيطان، ألم يبدأ بالحديث عن الشيطان، الشيطان، ثم أولياء من كبار العشائر، ثم انظر كيف عاقبة من تولوهم. فالإنسان يكون مدققاً جداً في موضوع التولي، يعرف بأنه لا يخلو من واحدة من الحالتين: إما أن يكون متبعاً لأولياء هم أولياء لله، أو أولياء من دونه، {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}.

{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}(الأعراف:4)، هذه بداية الموضوع، يتحدث بأنه كم قد حصل من إهلاك لأمم ماضية، تأتيهم العقوبة الرهيبة في وقت استراحتهم، في الليل، أو في وقت القيلولة، وهذا من أشد الأشياء عليك أن تأتيك العقوبة الشديدة في حالة ارتياح مثلما قال سابقاً: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً}(الأنعام: من الآية44)، فهنا كذلك أنه عندما تنزل عقوبة الله سبحانه وتعالى يلاحظ الوقت؛ لأنه كما قال: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}(البروج:12) تكون العقوبة شديدة، ويختار الوقت الذي يجعل العقوبة شديدة بزيادة على أن لو كانت في وقت آخر، ثم يبين بعد، سيبين بعد ما الذي أدى بهذه الأمم إلى أن تصل إلى هذا المصير السيئ فتنزل عليها عقوبة شديدة في أوقات استراحتها.

{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}(الأعراف:5) أما الله سبحانه وتعالى بشهادة من يهلكهم لا أحد يستطيع أن يقول بأن الله ظلمه، وسيتبين من خلال ما يعرضه من قصص الأمم السابقة كيف أنه كان يأتي الأنبياء بمنطق لطيف، وببينات واضحة، ويذكرهم بالعقوبة، ثم تأتي العقوبة، فعرفوا فعلاً {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}، و هذا من عدالة الله سبحانه وتعالى ورحمته، أنه يقدم للناس الأشياء الكثيرة حتى يشهدوا هم على أنفسهم فيما يأتي عليهم من عقوبات في هذه الدنيا أنهم هم الظالمون، ثم بين كيف أنهم يشهدون على أنفسهم في الآخرة أيضاً أنهم كانوا كافرين.

{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ}(الأعراف:7)، في يوم القيامة كما جاء في آخر سورة [المائدة]: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ}(المائدة: من الآية109) سيسأل الله الرسل ويسأل المرسل إليهم، الأمم، {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ} على طول هذه المسيرة، مسيرة البشر، الإنس والجن في كيف كانت مواقفهم من دعوة أنبيائهم، {بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} لأنه شهيد على كل شيء ولا ينسى شيئاً.

{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ}(الأعراف:9)، هنا الوزن المعنوي، الصالحون الذين استجابوا لدعوة رسل الله سيكون لهم وزن، لهم ثقل، ليس المعنى موازين مادية، يوزنون فلاناً، ويوزنون آخر، ويلاحظون الميزان أين سترجح كفته! هناك التقييم الحقيقي، ويتبين فعلاً من له وزن، من له ثقل، والآخرون: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً}(الكهف: من الآية105) ألم يقل هكذا عن الآخرين؟ الكافرين، والضالين.

ولاحظ عندما تأتي الآيات متنوعة في أسلوبها حول موضوع جهنم، أو موضوع الجنة، أو يعرض شيئاً من صور الحشر أن الموضوع ثقل معنوي، أو خفة معنوية، هذه من القضايا الرئيسية هنا في الحياة، وعندما يأتي يذكر الأمم الماضية فيها الملأ الذين استكبروا، أصحاب وجاهة، وثقل اجتماعي، هؤلاء سيكونون يوم القيامة خفيفين مثل الريشة ليس له وزن.

كذلك الأتباع أنفسهم عندما يريد يحافظ على أن يبقى له وزن ويبقى له ثقل، ويبقى له علاقة بالشخص الكبير هذا الذي يصد عن سبيل الله، هنا ينبه بأنه يجب على الإنسان أن يحرص كيف يكون له وزن يوم القيامة، ليست قضية الوزن هناك تبحث عن كيف يكون لك وزن وثقل اجتماعي ولو بالصد عن سبيل الله، يذكر في آيات أخرى بأنه سيكون للمؤمنين وزن في هذه الحياة وفي الآخرة.

{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}(الأعراف:8 -11).يبدأ يسرد للبشر هذا القصص الهام الذي فيه عبر كثيرة جداً بدءاً من موضوع آدم وإبليس، وموضوع الملائكة.

{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}(الأعراف:12)، لاحظ هنا هذه القصة ألم تأت شبه مختصرة في الموضوع هنا؛ لأنه قد يكون من الأشياء الرئيسية فيها موضوع الوزن، موضوع الثقل، الصورة هنا موضوع الثقل المعنوي الذي قد يكون في الواقع عندما لا يكون على أساس صحيح في الأخير يصبح لا شيء، إبليس هنا يعتبر لنفسه ثقلاً عندما قال له: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}، إذاً يعني ماذا؟ وزني ثقيل، أليس معناه هكذا؟ كيف أصبح هذا الوزن؟ أصبح لا شيء، {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}(الأعراف:13)، أليس هنا صَغار، وعنده أن وزنه ثقيل أنه خلق من نار وآدم خلق من طين!.

{قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}(الأعراف:14)، هذا مما يكشف عداوة إبليس لله، وبالذات لبني آدم {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} على أساس هو يريد أن يشتغل، يريد يشتغل مع هؤلاء البشر؛ لأنه قد صار يعتبر بأن الذي أدى به إلى هذه الخسارة بعد المقام الذي كان هو فيه، أن المسئول عنه هو آدم، إذاً سيشتغل ضد آدم، وفعلاً ألم يشتغل ضدهم هو وزوجته وما قد هناك إلا هم؟ واشتغل ضد أولاده إلى يوم الوقت المعلوم، إلى يوم يبعثون.

{قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، أليس هذا يعني بأنه قد قُدِم أخبار كثيرة بالنسبة للملائكة، وممن قد اطلع على الموضوع إبليس، حول مسيرة البشر، وحول أنه سيكون هناك يوم قيامة، وحساب وجزاء؟. {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}(الأعراف:16) أبحث عن الطريق الذي أنت ترسمه…، أليس هذا يعني عداوة لله وعداوة للإنسان؟ صراطك المستقيم الذي ترسمه أنت ليسيروا عليه سأقف فيه لأصدهم عنه، يعني أن هذا هو الموضوع الذي سيركز جهده عليه بالذات، صراطك المستقيم، ناس قد هم ضالين، فقط يحاول يحافظ على أن يجلسوا على ما هم عليه، ويحركهم، وأشياء من هذه، أنه سيبذل كل جهده في الصراط المستقيم؛ ليصد الناس عنه. عندما يقول العبارة هذه هو يعني ماذا؟ يعرف، يعرف هو كيف سيكون الحق والباطل؛ لأنه لو لم يكن عنده معرفة للحق والباطل لما عرف أن يصد الناس عن الحق.

{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً}(الأعراف:18) محتقر، مطرود، {لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}(الأعراف: من الآية18)، هذا مظهر من مظاهر غنى الله سبحانه وتعالى، هذا واحدة منها، ثم أيضاً بالنسبة للمؤمنين لن يكون له عليهم سلطان، وسيأتي بعد: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}(الأعراف: من الآية27) إذا أنت شرير، وأنت سيئ، وأنت.. وأنت.. اشتغل بكيفك، واشتغل بجهدك، لن يتبعك إلا من هم جديرون باتباعك، من لا يصلح أن يكون لهم ولي إلا أنت، فعلاً لا يستطيع أن يصد عن دين الله مؤمنين، لا يستطيع، {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(النحل:99)، وعرف هو الشيطان، ولهذا قال هناك في آية أخرى: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}(الحجر:40).

إذاً موضوع الشيطان من المواضيع أيضاً التي فيها مفاهيم قد تكون غير صحيحة فعلاً، أنه لماذا الشيطان؟ لماذا الشيطان؟! هل نتصور بأن الإنسان هذا لولا الشيطان لكانوا ملائكة، برز من الإنس شياطين ألعن من الشيطان نفسه، ربما الشيطان يمكن أنه يتعلم منهم في بعض القضايا! ليس معناه أن الله سبحانه وتعالى ابتلى الإنسان، ابتلاه بالشيطان، وجعل له الشيطان، خلقه يزعجه، ويصده عن سبيله، ويؤذيه… إلى آخره.. لا، أولاً هو قال هناك: {إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، ثم نفس ما يقدمه إبليس، هل إبليس يقدم معجزات؟ هل هو يقدم بينات واضحات؟ هل هو مثلاً يقدم براهين تجذبك إلى طريقته؟ عندما تقارن بين ما يعمله إبليس وبين ما قدم من جهة الله سبحانه وتعالى، تجد هنا رسلاً على مستوى عالي من الطهارة، والحرص على هداية الناس، والمؤهلات التي تجعلهم قديرين على أن يبينوا للناس، وبينات إلهية متكررة واضحة، بينات على أيدي رسله، معجزات، وبينات داخل كتبه، كذلك تكون شبيهة بالمعجزات فعلاً، بينات واضحة بشكل كبير.

إذاً من الذي سينصرف هناك فيمشي في طريق الشيطان، مع أن الشيطان لا يرسل أنبياء بمعجزات، ولا معه براهين على صحة طريقته، إنما فقط يوسوس، إذاً {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}، فيجعله رمزاً للأشرار، فمن انصرف عن طريقة الله ليعلم ابتداء بأنه سيكون وليه الشيطان.

يقدم الشيطان بأنه عدو، قد تكون هذه من الإيجابيات؛ لينشد الإنسان إلى طريقة الله، أن يقول لك: الطريقة الأخرى على رأسها عدوك، عدوّ لك، هذا العدو دائماً يشتغل من أجل إضلالك، من أجل أن يصل بك إلى أحط مستوى في هذه الحياة فتشقى، من أجل أن يصل بك إلى قعر جهنم، فعندما يرسخ في نفوس الناس أن هذا عدو كما قال في آية أخرى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً}(فاطر: من الآية6)، على أساس أن هذه قد تصرفك فعلاً عن طريقة الشيطان؛ لأنك تعرف هذه الطريقة على رأسها الشيطان، والشيطان هو عدو، وهو خبيث، وكل ما يأمر به فحشاء ومنكر، كل ما يوجه به سوء، كله شر، ربما قد تنصرف عن طريقته لكراهيتك له، ولمعرفتك بأنه سيئ، فأن يكون هناك على رأس طريق الشر، طريق الضلال، طريق الباطل، فهذه أيضاً تشكل إيجابية للإنسان هو، إذا اتخذ هذا عدواً ستدفعه عداوته له إلى أن يبتعد عن طريقه.

وهذه قضية ملحوظة بالنسبة للناس، الإنسان الذي يعادي شخصاً آخر يحاول أن لا يأتي إلى دكانه ليشتري منه، يحاول أن لا يركب في سيارته أحياناً، يحاول أي شي حتى لو كان مسجد، لو بنى مسجداً لا يصلي فيه؛ لأنه يكرهه، ولا يعجبه أي رأي من عنده، لو قدم رأياً سيذهب يعارض هو، حتى لو كان رأياً صحيحاً، لو كان رأياً صواباً، أليست هذه القضية معروفة؟ أن عداوتك لشخص معين تكون عادة بالشكل الذي يصرفك عن الطريقة التي يسير عليها؟ فمن إيجابية أن يكون الشيطان موجوداً هي هذه: أن يكون علَماً لطريق الباطل، ويقول للناس هو عدو، عدو مبين، ويعرض عداوته بصور متعددة داخل القرآن، بدءاً من أيام آدم ومِن بعده، فإذا أنت تتخذه عدواً، وتعرف أنه عدو، ستبتعد عن إتباع خطواته، وتبتعد عن وساوسه، وترجع إلى طريقة الله سبحانه وتعالى.

الشيطان لا يكون معه سلطان، لا يأتي يقسر الواحد قسراً، يغصبه غصباً، على أساس أنه يمشي في طريقته، وسوسة، إذاً لا يؤثر الشيطان إلا في من؟ في من هم مبتعدون عن هدى الله، فيصبحون أولياء للشيطان، ويصبح الشيطان والشياطين من بعده أولياء لهم، {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}. يعني عندما تتأمل أن وجود الشيطان له إيجابية من هذه الناحية، الله هو رحيم بعباده، لو أن الشيطان بالشكل الذي لولا هو لكانوا صالحين، لكانوا شبيهين بالملائكة لما أوجده، لما أنظره. فنجد طريقة الله سبحانه وتعالى أنه يأتي بالأشياء الكثيرة التي فيها هدى للناس.

إذاً طريق الباطل تحتاج إلى أن يكون على رأسها شخص يقال هو عدو لي، ودائماً يعمل ليضلني هنا، ويدعوني لأكون من أصحاب النار. إذاً سأكرهه، أعاديه، وبالتالي سأبتعد عن طريقته، أليست هذه إيجابية في الموضوع؟ ليست القضية أن الله ابتلى الإنسان بالشيطان، ولولا الشيطان لكانوا سيصبحون باهرين، أبداً.

يبين الشيطان نفسه أنه يخسر دائماً، يخسر هو، لاحظ كم حاول في آدم وجلس يتردد عليهم، وغرور، وأيمان فاجرة، وفي الأخير ما الذي حصل؟ حصل نتيجة بأن خرجوا من الجنة، لكن غفر الله لهم، وتاب عليهم، ورعاهم، الشيطان ألم يخسر هنا؟ يخسر، بل قالوا إنه يصيح عندما يستغفر الإنسان، عندما تحصل مثلاً منك خطيئة وتستغفر الله؛ لأنه يرى بأنه قد تعب كثيراً وهو يحاول يدخلك في معصية، وفي الأخير لا يدري إلا وقد أنت تستغفر، وتتوب إلى الله، وذهبت كل جهوده تلك سدىً.

في بعض الأدعية بهذا المعنى أنه لولا الشيطان استمالهم عن طاعتك، وكذا.. لكانوا كذا.. وكذا.. هذه أعتقد بعيدة جداً لمن يتأمل القرآن الكريم بعيدة؛ لأنه هل معقول أن هذا الإنسان، أنه لولا الشيطان لكانوا سيصبحون ملائكة، لما خلق الله الشيطان، لما أنظر الشيطان نهائياً، لكن هناك إيجابية لوجوده، إيجابية لوجوده، ودائماً إذا أنت تفهم بأنه عدو ستبتعد، وهذه قضية فطرية عند الناس، أليست قضية فطرية؟ فطريق الحق يضع لها أعلاماً تحبهم وتتولاهم، يقدم لك كيف أنهم حريصون عليك، رحماء بك، ما هكذا قال عن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة:128) هذا عَلَم لطريق الحق، أليس بالشكل الذي تحبه فتنجذب لطريقته؟ والشيطان هناك، نوعية سيئة، يقول لك: هو عدو مبين، يأمر بالسوء والفحشاء، وكله شر، ابتعد عنه تعرف أنه هكذا، يعني: يساعدك على الابتعاد عن طريقته.

عندما تهِّم بالدخول في معصية، وتعرف بأن الشيطان الذي يحاول يدفعك إليها، ويوسوس لك، أو على أقل تقدير أن الشيطان سيرتاح، وأنت تعادي الشيطان ستبتعد عنه، لا يمكن عمل حاجة تريح الشيطان الذي هو عدو، حتى لو لم يوسوس هو، لو لم يتدخل في القضية التي بخصوصها يوسوس لي وأنا أعرف بأنه سيرتاح جداً [ويكيِّف] عندما أعمل معصية وهو عدو مبين سأبتعد عنها؛ لأغيظه، لأن لا أدخل السرور على قلبه.

تلاحظ كيف أنه من الأشياء العجيبة: أن الله يقدم هداه بالشكل الذي لا يمكن لأحد أن يعيق عنه تماماً، إلا إذا هناك استجابة من جانب الناس هم لمن يعملون للصد عن سبيله، ويشكلون عوائق، إذا هناك استجابة هم من جهة أنفسهم، وإلا فلن يكون لأحد سلطان عليهم، لا الشيطان، لا الملأ الذين استكبروا، أي شيء آخر لا يمكن، ولا أعداء.

هذه الطريقة ناجحة، يمشي من يمشي عليها، ويشق طريقه، ويجعل كل الأعداء بدءاً من الشيطان، وكل الموسوسين، وكل المنافقين، وكل المزينين، كلهم يتهمشون، كلهم يخسرون، إلا إذا عندك استجابة أنت؛ ولهذا كان يهلك الأمم التي يذكر بأن الملأ الذين استكبروا وكانوا هم الذين ينطلقون ويصدون إذا الآخرين ماذا؟ يمشون معهم، يستجيبون لهم، الشيطان نفسه يستجيبون له، وإلا فهو ليس بالشكل الذي يستطيع أن يصد الناس، ولهذا قال: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}(النحل: 99-100).

إذاً هذا موضوع الشيطان هنا باختصار قال: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ….} إلى آخرها، وكيف انتهى به الموضوع فأصبح لا وزن له، ولن يكون له وزن، لا هو ولا من اتبعه، وهنا قال: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ} لن أجعل لك وزن لا أنت ولا من اتبعك، وجهنم مكان الذين لا وزن لهم.

يأتي الكلام حول آدم: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}(الأعراف: من الآية19)، شجرة واحدة لا تقربوها، {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}(الأعراف: من الآية19) هنا يبين لنا من أول شيء بأن الشيطان الذي أقسم بأنه سيتحرك ليغوي، أن الله لا يترك الناس دون أن يبين لهم أن الشيطان عدو، ويبين لهم كيف يعملون، كيف يسيرون، {وَ} قلنا {يَا آدَمُ} هذا معناها، {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}، أليس هذا بيان؟ لا يقول بأنه يترك الإنسان هناك لا يبين له، ولا يهديه، لا يوجهه، ولا يأمره، ولا ينهاه، فيأتي الشيطان إليه فيخدعه، وهو كان من قبل فاضي ليس معه أي توجيهات! هذه لا تحصل. الشيطان لا يستطيع، إلا إذا حصل ثغرة من عندك أنت؛ ليكون له مدخل عليك، ربما يضربك، ليس معناه أنه يأتي تقصير من جهة الله في موضوع التبيين، في موضوع التوجيه، فبسبب التقصير نفذ الشيطان إلى الناس.

نفس الآيتين هذه، آية: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}، وآية: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}، تقدمان لنا نموذجاً بأنه هكذا سنة الله سبحانه وتعالى، يبين كمال التبيين، الشيطان امتنع عن السجود بعد أن أمره هو: {إِذْ أَمَرْتُكَ}، آدم ارتكب الخطيئة هو، وزينها الشيطان له، بعد أن نهاه هو: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}.

لم يكن الخطأ الذي حصل من إبليس، وكذلك الخطأ الذي حصل من آدم، بسبب أنه حصل تقصير في تبيين الله، أو بسبب تقصير في هداه أبداً، هذه تضرب من يقولون: بأنه [نحن كُلفنا، ولم تأت أدلة تفيد العلم بما كلفنا به، فما بقي إلا نشتغل على ظنوننا]، لا توجد رؤية صحيحة! هذا يبين لك سنة الله مع عباده، مع خلقه، أنه يبين على أعلى مستوى، ويوضح بالشكل الذي لا يبقى للإنسان عذر، ولا للشيطان نفسه عذر {إِذْ أَمَرْتُكَ}، وفي آية أخرى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}(صّ: من الآية75) ألم يقل هكذا؟ في آية أخرى أيضاً ينبه آدم بـ{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}(لأعراف: من الآية22)، لا تقربا هذه الشجرة، الشيطان قد يحاول أن يحملكم على أكلها ويخرجكم من الجنة هذه فتشقى، هو لكم عدو مبين، أليس هذا تبييناً كاملاً؟ تبيين كامل، هذه هي سنة الله في هداه، فمن أين جاءت بأنه [لا يوجد أدلة تفيد العلم..] مع ما قد يكون ربما أرقى وسائل الهدى، أرقى، وأكمل، وأشمل، باعتبار سعة الحياة، رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وكتابه القرآن، ثم يأتي من بعد من يقول: [لا يوجد أدلة تفيد العلم، لا يوجد أدلة نعرف ماذا كلفنا به]! أليس هذا يعتبر جهلاً فضيعاً جداً بسنة الله سبحانه وتعالى في موضوع الهداية، أنه يبين على أعلى تبيين؟!.

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا}(الأعراف: من الآية20) قد هو عارف أنه إذا نجح ستحصل عاقبتهم كذا وكذا، وهم قد أُفهِموا هم بأن الشيطان إذا غلبهم وأكلوا من الشجرة سيخرجون من الجنة، {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} وسوس، وهناك تبيين واضح، لاحظ الفارق ما هناك فارق كبير؟ لأن الخلل يأتي من عند الإنسان هو، هناك خطاب إلهي واضح، وهناك: {فَوَسْوَسَ}، {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} وليس لأنه يريد لهما نتيجة طيبة، هو يريد أن يشقوا، هو عدو، قد عرف بأنهم فيما إذا أكلوا من الشجرة، سيطردون من الجنة، وتنزع عنهم ملابسهم، هو حريص على أن يوقع الإنسان في هذا، حتى لو ما عنده أنه قد يكون من ورائه أيضاً النار، من وراء ارتكاب هذه المعصية، لكن فائدة…، هذا عدو مبين يحاول يشقيك بأي طريقة، ولو لم يكن إلا هنا، في الحياة هذه.

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}(الأعراف:20) يعني: {إِلَّا} لأن لا {تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}.

{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}(الأعراف:21) هنا أيضاً قدم للناس من بعد آدم – بالنسبة لآدم مشت عليه الحيلة هذه – بأنه هكذا تضليل إبليس، وكل من في خط إبليس، يأتي بعناوين جذابة، يأتي تحت أغطية يبدو وكأنها نصيحة، وخير، ومصلحة، وفي الأخير {قَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}، بعد أن كشف واقعه هو {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} واقعه هكذا ليس ناصحاً، ومع هذا يقسم لهم بأنه ناصح.

{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ}(الأعراف: من الآية22) والموضوع هذا يدل على أنه تردد عليهم كثيراً، ما كأنه في حالة واحدة، عندما تتابع القصة هذه في أكثر من سورة، وكأنه تردد عليهم فترة وهو يحاول يخدعهم {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} دلاهم: قربهم إلى أن يرتكبوا هذه الخطيئة، بأشياء هي غرور، خداع، {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}(الأعراف: من الآية22) أليس هذا تبييناً كاملاً؟ تبييناً واضحاً، بعبارات واضحة تماماً. وقعوا، وفعلاً وقعوا في الشقاء الذي حذرهم بأنهم إذا أكلوا من الشجرة سيقعون فيه، أخرجوا من الجنة، ونزعت عنهم ملابسهم، لم يبق لهم حتى ولا الملابس، {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} يسترا سوءاتهما.

هذا يبين بأن المعصية نفسها، المعصية هي تحط حياة الإنسان إلى درجة تبدو وليس لها وزن، تشقي الإنسان، المعصية ليس فقط قضية العقاب الأخروي عليها، بل في الحياة هنا، في الحياة هنا، أن لمعاصي الناس أثراً سيئاً فيما يتعلق بشقاء الحياة، كما يأتي في آية أخرى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طـه:124).

{قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(الأعراف:23)، لاحظ هنا كيف وقعوا في الخطيئة، وتجلى لهم فعلاً بأنه جاء التقصير من عندهم، وهم الذين ظلموا أنفسهم، ليس عنده تقصير على الإطلاق، هذه تحكي سنة: أن الإنسان هو الذي يظلم نفسه، سيأتي في آيات أخرى يبين بأنهم هكذا، مثلما قال سابقاً بالنسبة للأمم: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}(الأعراف:5) أما من جهة الله فلا يظلم أحداً، لا أمة، ولا فرد، هو غفور رحيم، هو عندما رجعوا إليه تاب عليهم.

{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}(الأعراف:25) هنا قدم نموذجاً، كيف أنه عندما خالف آدم وزوجته ما نهاهما الله عنه كيف أنهم وقعوا في ماذا؟ في انحطاط بالنسبة لحياتهم، هذه لها علاقة بموضوع أول السورة، الوزن، وزن مادي، ووزن معنوي، عندما كانوا في الجنة، أليس هذا يعتبر ثقلاً مادياً؟ {وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا}(البقرة: من الآية35) ملابس متوفرة، وأكل متوفر، ونعيم متوفر، ارتكبوا الخطيئة، حصل هبوط في هذا الجانب، ألم يحصل هبوط؟ هبوط اقتصادي؟ أليسوا يعتبرون هذا؟ أليسوا يسمونها موازنة؟ ويسمونها هبوط وصعود اقتصادي؟ حصل هبوط، يخرجون إلى الوضع الآخر، للحياة هذه، ويكُدُّ، ويشتغل.

ربما كانت هذه الجنة ليستقر فيها هو وزوجته حتى يتكاثروا، ويتفرعوا تلقائياً إلى باقي الأرض؛ لأنه هو وزوجته ما قد عندهم قدرة على أنهم يعملون، ويتحركون، تتوفر الأشياء هذه، وينجبون، ويفرخون في باقي الأرض، ما كأنها الجنة الحقيقية، الجنة الموعودة للمتقين، جنة في مكان من الدنيا، يستقرون فيها، وأصل مهمتهم ليس ليستقروا في تلك الجنة، مهمتهم استخلاف في هذه الأرض، لكن من رحمة الله سبحانه وتعالى أنه يهيئ لهم مكاناً، تتوفر حاجتهم فيه؛ لأنه ما قد وجد إلا هم، هو وزوجته، ما قد باستطاعتهم يعملون شيئاً، لكن حصل منه الخطيئة فخرج، يخرج [يلهم الله] يبحث كيف يعمل ليأكل، وكيف يزرع.

{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} ألم يقل للشيطان هناك: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً}(الأعراف: من الآية18)؟ وآدم خرج من الجنة هذه، وسيكون بعضهم لبعض عدو، إبليس مع بني آدم سيكونون متعادين، {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} إلى أجل محدود. {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} بالنسبة لبني آدم {وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} من نفس الأرض هذه، وكأنها هي التي ستكون ساحة، تكون ساحة هي للمحشر، نفس الأرض هذه، بعد أن تُعَدَّل، وتُسَّوى، وتُبَدَّل بغير الوضعية هذه التي هي عليها.

ماذا فهمنا هنا من موضوع إبليس؟ موضوع إبليس أليس من النوعية الذين يجعلهم الباري أولياء للذين لا يؤمنون؟ من النوعية هذه، إبليس والشياطين من الإنس بما فيهم كبار الشخصيات الذين قال عنهم: الملأ الذين استكبروا، الكبار من المجرمين، هم في واقعهم لا يكونون حريصين على مصلحة الناس، هذا أول قضية؛ لأنه لاحظ كيف قال عن إبليس بأنه يحاول يتردد على آدم وزوجته؛ {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا}(لأعراف: من الآية20) يعني ماذا؟ ليشقيهم، ليوقعهم في الشقاء، لكن منطقه يقدم بأنه ماذا؟ ناصح، وأنه يريد أن يكونا ملكين، وأن يكونا من الخالدين.

إذاً أنت ترجع إلى الله سبحانه وتعالى هو الذي يقول للناس أن يتولوه هو، أنه سيكون رحيماً بهم، ورءوفاً بهم، وينعم عليهم، ويكرِّمهم، وأشياء كثيرة، فلماذا يتخذ الإنسان الآخرين أولياء من دون الله؟ أليست بداية السورة؟ لماذا يتخذ الإنسان الآخرين أولياء وهم عادة ليسوا ناصحين؟ وبرزت هذه في كثير من مسيرات البشر، أنهم يقدمون أنفسهم ليتولاهم عامة الناس، من الكبار السيئين الذين هم في الواقع، وهم يصدون الناس عن سبيل الله إنما يحافظون على مصلحتهم هم، ويعرفون أن القضية هذه فيها هلاك هؤلاء، فليهلكوا، لا يبالي بأن يهلكوا.

تلاحظ هنا كيف ذكر موضوع الملابس، موضوع اللباس نفسه، أليس الشيطان حاول أنه يخلع عنهم ملابسهم؟ الله يقول: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ}(الأعراف: من الآية26) وعندما يتولاه الناس يخلق لهم الأشياء الكثيرة التي منها يصنعون ملابسهم؛ ليواروا سوءاتهم، وأعداؤكم الذين قد يتخذونهم أولياء من دونه، يحاولون أن ينزعوا عنهم حتى ملابسهم، حتى يخلعوا ملابسهم من فوق أجسادهم، لكن لن تكون سوءاتكم مستورة إلا إذا هناك تقوى، لباس التقوى، آدم معه ملابس لكن ما حصل تقوى، تقيه مكر إبليس، فنسي – كما قال عنه في آية أخرى – نسي ما أكد عليه في موضوع أن الشيطان عدو، فلم تنفعه ملابسه، خلعت.

{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى}(الأعراف: من الآية26) من الأشياء التي تعتبر كماليات {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} التقوى في الأخير تشكل لك مناعة من أشياء كثيرة، الأعداء دائماً هم يريدون أن يوقعوك فيها، التقوى مثلما قال الإمام علي: ((أنها حمت أولياء الله محارمه)).

{ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ}(الأعراف: من الآية27) بعدما ذكر ما عمل مع أبوينا {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}(الأعراف: من الآية27) يعني: هو عدو يحاول أن يفتنكم، يوقعكم فيما هو شقاء. {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}(الأعراف: من الآية27) فكونوا على حذر منه، لا يكن عندك أن ما هناك شيطان؛ لأنك لا تراه، ربما أنها نعمة أن الإنسان لا يراه، وإلا من يكن واحد يرى زحمة شياطين عليه ويتأثر، مزدحمين عنده، لاحظ إذا تجمعوا عليه اثنين أو ثلاثة شياطين من الإنس، أليسوا يؤثرون؟ شياطين الإنس يؤثرون؛ لأنه يراهم، يراهم يزدحمون عليه، وهذا كلمه هنا، والثاني كلمه هنا، وأحياناً يكلمونه في مجلس واحد….

{إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}(الأعراف:28) كيف تقولون على الله هذا الكلام بعد أن قدم القضية بالنسبة لآدم، أليس الذي رعى آدم ونبه آدم من هذا العدو ثم بعد أن وقعت منه الخطيئة تاب عليه، كيف تقولون بأن الله هو الذي يأمركم بالفحشاء؟! هو الشيطان الذي قال عنه هكذا في آيات أخرى بأنه يأمركم بالسوء والفحشاء.

{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}(الأعراف:29)، أمر بالقسط، وأمركم بالتوجه لعبادته. {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}(الأعراف:30) إذاً فهذا مما يبين فضاعة الضلال، أنك وأنت في الضلال معناه ماذا؟ أنك أصبحت ولياً للشيطان، وما أسوأ أن يكون الإنسان وليه الشيطان؛ لأن هذه في حد ذاتها تعتبر عقوبة على الضلال نفسه، أن يكون الضلال الذي أنت فيه يجعلك ولياً للشيطان.

{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(الأعراف:31)، دائماً يذكر بالنسبة للدين بأنه لا يحول دون اللباس الجيد، دون الأكل من الطيبات، يعني: لا يأتي دينه على أساس أنه يحرم الناس من اللباس، فقط الضلال والشيطان الذي يحاول أن يحرم الناس منه، أما الله فيقول للناس هذا الدين الذي تتجهون عليه هو أيضاً وسيلة من وسائل البركة والخير لكم، مثلما جاء في آية أخرى بعد أن ذكر ما حصل للأمم التي أعرضت عن هداه.

{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} إذاً أليس الله سبحانه هو الولي الذي يريد لعباده، بل وفَّر لعباده هو حين قال في الآية السابقة: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ}، هنا يقول: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} بينما العدو الآخر الشيطان وأوليائه يريدون للإنسان بأن يشقى، لا يحصل على ملابسه إلا غصباً، لا يحصل على أكله وشربه إلا بتعب شديد.

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(الأعراف:32) فيجب أن نعلم بأن دين الله ليس معناه بأنه يكون نتيجته أن نحرم من الطيبات، وأن نحرم من اللباس، طيبات الملبس، والمأكل، والمشرب، وغيره.

إذاً ليس في الدين حرج، هل فيه حرج؟ هو قال في المقدمة: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}(الأعراف: من الآية2) هنا يبين بأنه لا يؤدي هذا الدين إلى حرج أبداً، لا يؤدي إلى الحرج والشقاء إلا خطوات الشيطان عندما يسير الناس عليها، هذا أول مثل حصل لآدم.

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}(الأعراف: من الآية33) والفواحش هي تضر بحياة الناس، هي تؤثر على استقامة حياتهم {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}(الأعراف: من الآية33) إذاً هذه القائمة هل هي قائمة تجعلك تنصرف عن من يدعوك إلى هذا الدين؟ الشيطان – يقول – هو عدو مبين، قال بالنسبة لمؤامرته على آدم وزوجته: أنه يريد أن يخرجهم من الجنة ويبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما، بالنسبة لدين الله إنما حرم الأشياء التي تعتبر ضارة، تعتبر خللاً كبيراً في حياة الإنسان: {الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}. إذاً هل امتناعنا عن هذه الأشياء يعتبر حرجاً؟ أو أنها هي التي توقع البشر في حرج، هذه الأشياء: الفواحش والإثم والبغي.. إلى آخره.

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}(الأعراف:34) يجعل لها أجلاً، خلال فترة الأجل يقدم لها الهدى والبيان، وأشياء كثيرة جداً حتى ينتهي الأجل، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} ثم تضرب. وهذه آية هامة بالنسبة لأن يفهم الإنسان فيما يتعلق بمسيرة الحياة، أحياناً يسيطر على ذهنية الإنسان بأنه هذا طابع مستمر هكذا، لا، الأمم كلها لها أجل، ألسنا الآن نقرأ في التاريخ من خلال ما قدمه القرآن الكريم أمم وانتهت، ثم من بعد في تاريخ الإسلام أمم كانت إمبراطوريات قائمة ثم انتهت.

{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}(الأعراف:35)، يقصون عليكم آياتي، ويجب أن تفهمها بأنها على وفق تلك السنة، وهو يبين لإبليس، ويبين لآدم وزوجته على أرقى مستوى {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} [ليس فقط آيات غامضة، أو خطف، أو إذا صادف تلحق النبي وتبحث عنه أين هو في أي الغابات، ربما يطلُّ عليك من أي مكان ويعطيك كلمة ثم يضيع عليك] يأتون هم ويقصون عليكم آياتي، أليس هذا يعني: أن سنته تقوم على التبيين الكامل. إنما فقط عند الإثنا عشرية الذين سبرت المسألة لديهم، عندهم محمد بن الحسن أنه الإمام الثاني عشر – ويبدو أنه لم يوجد نهائياً – هو قرين القرآن، وهو يمثل عترة رسول الله، وهو الحجة على الناس، ولا تدري أين هو، ولا تستطيع تأخذ منه كلمة، أو تبحث عنه أين هو، نهائياً!.

لا، هذه سنة الله بالنسبة لرسله، وبالنسبة للهداة من عباده، عمل مباشر، يباشرون الناس مباشرة {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(الأعراف:36) يعني: الله يذكر بأنه هو، هو سبحانه وتعالى الذي يأتي من جانبه ما يبين للإنسان الطريقة التي يسير عليها في هذه الحياة: {إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} أليس معنى هذا أنها قضية بيد الله هو، أطراف أخرى خارج عن هذه السنة لم يبق لهم إلا افتراء على الله، يأتي بعدها: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً}، إما افتراء بالشكل الذي يبدو وكأن الله قصر في التبليغ، أليس هنا يذكر بأنه يرسل رسلاً {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي}؟ وهذه للأسف حصلت داخل المسلمين! أو يبتعد عنهم فيقدم شيئاً من جانبه. إذاً فهو مفتري على الله، يبتعد عن الرسل، ويقدم أشياء هو للبشرية من عنده.

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ}(الأعراف: من الآية37) يبدو أنه نصيبهم مما قد كتب؛ لأنه هناك قال: {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ}(يونس: من الآية49)، فعندما تنطلق الأمة وهذه حصلت في داخل بني إسرائيل، وحصل بالنسبة للمسلمين أيضاً من بعد الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) انطلقوا انطلاقة وكأن الله حصل من جانبه تقصير، أو نقص في موضوع البلاغ بالنسبة للناس، فانطلقوا هم.

إذاً هذا الشيء الذي انطلقوا فيه هو في الواقع يعتبر مبنياً على افتراء على الله، وصرحوا بالعبارة هذه، العبارة التي نقول عنها في كثير من الحالات نقول: لماذا نضطر أنه كل واحد يحاول أن يبحث ويعتمد على ظنه، وكل مجتهد يعتمد على ما غلب في ظنه وهو يبحث؟ لأنهم قالوا: غابت القضية، يعني رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مات فما بقي إلا هكذا، ما بقي وحي، ما بقي نبوة، لم يبق طريقة نهائياً، أليس معنى هذا افتراء على الله؟ مع أنه معلوم أن هذا الكتاب للناس إلى آخر أيام الدنيا، ورسول الله رسول للناس إلى آخر أيام الدنيا، أليس هذا معلوماً؟ عندما ينطلقون الانطلاقة هذه: كل واحد يشتغل من عنده وعلى أساس افتراء على الله بمعنى ماذا؟ أنه قصر في التبليغ، بل قالوا: بأنه ما جاءت أدلة تفيد العلم، وإنما فقط قد عرفنا أننا مكلفين، ولم ندر ماذا كلفنا به، فما بقي إلا كل واحد يقوم هو! حتى في الأخير وبعبارة تبدو فعلاً تدل على مشاعر سيئة نحو الله، في الأخير قالوا: إذاً فيجب على الله أن يقبل ما أدى إليه نظر أي واحد منا، قالوا بهذه العبارة: [مراد الله تابع لمراد المجتهد]؛ لأنه إذا كان لم يبق إلا ما غلب في ظننا الذي هو مبني على أمارات، وقرائن وأشياء من هذه، إذاً فما يصح أن الباري يعذبنا ولم يبين لنا هداه، فما بقي إلا أن يقبل ما وصل إليه ظن كل واحد منا!!.

ثم طلعت عبارة بأنه ما توصلت إليه أنت هو الواجب بالنسبة لك، هو الحق بالنسبة لك، لماذا؟ ما مع الباري إلا هكذا؛ لأنه لم يبين! هنا قدمها بأنها تعتبر افتراء على الله، الله يقدم من أول عملية مع آدم، ومع إبليس أنه يبين على أرقى مستوى، وهنا العبارة يقدمها على أرقى مستوى: {إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي}، أليس هذا يعني بأنه سيقدم هداه بشكل واضح؟.

ثم يأتي بعدها: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ}(الأعراف: من الآية38)، أيضاً أهل النار هم في أسوأ حالة، يكونون فيما بينهم دائماً متلاعنين، متشاتمين، وكل واحد يحمل الثاني المسؤولية {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ} إعطهم عذاباً أكثر منا {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ}(الأعراف: من الآية38) هم لهم ضعف، وأنتم لكم ضعف لإتباعهم.

{وَقَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}(الأعراف:39)، فتلاحظ كأنه بالنسبة لأهل المحشر جميعاً، أن الله قد ذكر في آياته أنه سيبين للناس ما كانوا فيه يختلفون، فيعرفون بأنه إذاً أولئك الذين أضلونا ولو كانت أمة متقدمة. {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا} قد صاروا عارفين من خلال التبيين الذي حصل في المحشر، قد عندهم عداوة شديدة، وحقد عليهم، قد هم يريدوا أنه ماذا؟ يزيد لهم عذاباً؛ لأنهم أضلوهم، {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ}، أنتم من الذي قال لكم تمشون بعدهم، وهي تأتي آياتي بينات، كما قال هناك: {رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي}. {وَقَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُم فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} بأن حصل لكم تخفيف، أو حصل.. {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} الذين أضلوهم في الدنيا هذه أيضاً يوم القيامة يغيظونهم في داخل جهنم.

هذه الآية جاءت بعد الآية السابقة التي فيها: {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}(الأعراف: من الآية37) وهنا بين بأنه يبدو بشكل بشر، أو إنس وجن {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا}(الأعراف: من الآية38) يعني ليست القضية فقط قضية أصنام، ليست المسألة فقط مسألة أصنام، فيها مضلين من البشر، ومضلين من الجن، فهنا يبين بأن من يتخذونهم أولياء من دون الله هكذا سيوصلونهم إلى أسوأ موقع، بل في جهنم أيضاً يقولون لهم من هذه العبارات القاسية: {وَقَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}(الأعراف:39).

{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}(الأعراف:40)، هذا للتيئيس – الذي يسموه – أو للتأييس، لا يدخلون الجنة حتى يدخل الجمل في سم الخياط، بمعنى كيف؟ مثلما نقول: في [خذلة المريب] هل الجمل يمكن أن يدخل في [خذلة المريب]؟ لا يدخل الخيط إلا غصباً. {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}(الأعراف:41) نعوذ بالله، من فوقهم ومن تحتهم، النار تكون من فوقهم ومن تحتهم.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}(الأعراف: من الآية42) ما الذي يجعل الإنسان ينصرف إلى أن يتخذ أولياء من دون الله، ويسير في طريق الشياطين؟ هل لأن الله يكلفه بما لا طاقة له به فانصرف، هنا يقول: الله لا يكلف الإنسان إلا وسعه، يعني: أن كل ما قدمه لنا من دينه هو في وسعنا أن نعمله.

سابقاً قد تحدثنا حول آية مثل هذه، عندما يقول البعض: إن الله يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}(البقرة: من الآية286) هذا صحيح لكن لا يفهموها بالمقلوب، افهم بأن أمامك تكليفات على نفس العبارة هذه، أي أشياء مطلوب منك أن تسير عليها، وتلتزم بها، فكل ما رأيته هو مما في وسع الناس أن يعملوه، ما معناه عندما يأتون ينظرون إلى آيات هنا، إلى أوامر وتوجيهات، ثم يقيدونها بأن الله لا يكلف الإنسان إلا وسعه، ثم ينطلق هو فيرى أن ليس بوسعه هو، باعتبار آليات معينة، وأشياء معينة!.

لا، إن الحقيقة – وهذه الآية واضح فيها – عندما يقول: {لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}(الأنعام: من الآية152)، يعني: ما قدمناه للناس، ما ألزمنا به الناس، ما أمرناهم به، ما نهيناهم عنه، هو في وسعهم، هو في وسعهم، والسورة من أولها تذكر بأن هذه المهمة الكبيرة التي كلف بها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مع أن ما هناك أحد منا قد نقول أن مهمته مثل مهمة النبي، أليست مهمة كبيرة؟ هي نفسها هذه المهمة الكبيرة، لم تكن بالشكل الذي توجد حرجاً في صدره، وهي ما تزال في وسعه. فنفهم الآية على أصلها، نقول: صحيح، إذاً فلننطلق منها فكل ما وجدنا الله أمرنا به، وجهنا إليه، نهانا عنه، أنه في وسعنا أن نلتزم به؛ لأنه لا يكلف إلا بما فيه وسعنا، الذي ليس فيه وسع نهائياً لا يكلف به من البداية، الذي ليس في وسع الناس لا يكلف به من البداية.

{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}(الأعراف: من الآية43) ما كأن الآية تعني: أن فيهم غل على بعضهم بعض، المؤمنون لا يقدمون بأنهم فئات في نفوسهم غل على بعضهم بعض، إلا إذا هي حالات نادرة جداً، غل من آثار الحياة هذه، غل من شقاء الحياة هذه التي كانوا يعيشون فيها، أليس المؤمنون قلوبهم مليئة غِل، غَلّهم الآخرون؟ ولهذا يذكر في القرآن: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}(التوبة: من الآية15) لأن هناك في الجنة ينزع الآثار من النفوس بعد الحياة هذه، والجنة ليس فيها أي غل، لا يوجد فيها أحد يقدم أشياء تغيظك نهائياً.

{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}(الأعراف: من الآية43) كيف العبارات هنا بالنسبة للمؤمنين؟ هنا يقدم المؤمنين نوعية واعية فاهمة، فهموا موضوع الهدى، موضوع طريق الجنة، أن طريق الجنة يبدأ من أين؟ من طريق التوجه إلى الله، وأنه هو الذي يمنح، يعني: أنك تركز أنت أن تكون متوجهاً إلى الله وتسأله هو رضاه وجنته، تسأله هو أن ينجيك من سخطه وعذابه، أنه هو الذي يهديك إلى طريق جنته، ليست القضية مثلما تقدم بشكل آخر، منهجية أخرى أنت الذي تجمع لك للجنة على ما قد قالوا لك، وناسي الله هناك، لا يوجد التفات بالشكل الصحيح، ولهذا قدم حتى في الأعمال أن الإنسان يتوجه بها إلى الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية207)، وهكذا في كثير من العبادات.

{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} هدانا إلى هذه الغاية، {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} ماذا تعني العبارات هذه؟ إذاً فليكن توجه الإنسان إلى الله، أنه هو الذي يهديك، هو الذي يوفقك هو الذي يرشدك، ويرعاك، ويتوب عليك، ويغفر لك، وأشياء كثيرة.

{لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}(الأعراف: من الآية43) ولاحظ كم الفارق بين عبارة: {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} عندما يقولها أهل الجنة وعندما يقول الآخرون: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى}(غافر: من الآية50) كما سيأتي بعد، أهل الجنة يقولون لأهل النار: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ}(الأعراف: من الآية44) {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا}(الأنعام: من الآية30). إذاً فأين أفضل أن تقول العبارة هذه وأنت في الجنة، أو أن يكون الإنسان في النار، أو يسحبون به إلى النار، نعوذ بالله؟.

هنا: {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ}(الأعراف: من الآية43) كأن هذا أيضاً من التكريم لأهل الجنة، يبين لهم قيمة عملهم: {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(الأعراف: من الآية43) لأن الله هكذا يجعل الإنسان يرتاح نفسياً فيرضى عن نفسه أنه عمل أعمالاً عظيمة، لكن هو في توجهه على النحو السابق: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}.

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً}(الأعراف: من الآية45) هذا استكمال للعبارة، لا يبدو أنها مما يقوله من حكى الله بأنه سيؤذن فيقول: لعنة الله على الظالمين، لم يعد هناك سبيل يصدون عنها، وعوج إلى آخره، قد العُوج هناك، قد تجمعوا في جهنم.

يأتي هذا الأسلوب في القرآن الكريم استفساراً لعبارة معينة: من هم الظالمون؟ {الَّذِينَ يَصُدُّونَ} هنا في هذه الحياة {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ}، {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ}(الأعراف: من الآية46)، الله أعلم كيف قد تكون وسيلة النداء، ليس المعنى أن الجنة والنار متقاربة، يكون هناك وسائل اتصال.

{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ}(الأعراف: من الآية46) كأن هذا في ساحة الحشر. {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}(الأعراف: من الآية46) هؤلاء الرجال كأنهم متميزون، الله أعلم ما هو الذي ميزهم يكونون هم على الأعراف، كأنها أماكن مشرفة يرون أهل النار ربما كأنهم يُمَيزون يحشرون هناك يتجمعون مثلما جاء في سورة [مريم]، ويرون الذين قد هم إلى النار والذين قدهم إلى الجنة. {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} رجال الأعراف، الذين على الأعراف يعرفون كلاً بسيماهم، بعلامات معهم مميزة. {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}، أن سلام عليكم، أي السلام عليكم أنتم أهل الجنة.

هذا يبين بأنها حالة شديدة، نعوذ بالله من هذه الحالة، أن أهل الجنة يكون يطمع أنه قد دخل، لم يدخلوها بعد، وهم يطمعون أن يدخلوها، لو أن العبارة مثلاً: أن سلام عليكم أنتم أهل الجنة، أهل النار لن يدخلوها، أي لن يدخلوا الجنة، لا تخافوا أنهم سيدخلون الجنة معكم، لجاء بعبارة: لن يدخلوها، وليس لم يدخلوها.

{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا}(الأعراف: من الآية47) هؤلاء كأن الأشياء التي يعملونها طمأنة، أن سلام عليكم، يطمأنون المؤمنين؛ لأنه موقف مخيف جداً، فأولياء الله يأتي لهم طمأنة من جهة هؤلاء الناس الذين هم مشرفون على الأعراف. {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ} قد خافوا هم من شدة الهول، {قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(الأعراف: من الآية47) نفس أصحاب الأعراف الذين يطمأنون أهل الجنة عندما يرون أهل الجنة يقولون سلام عليكم، ويتجهون هناك فيرون حالة رهيبة {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.

الإنسان يتصور الحالة هذه، كل إنسان يتصور الحالة هذه؛ لأن من سيحشرون بشر، وكل واحد سيحشر، وربما قد يكون هنا، أو هنا فينتبه وهو ما زال في الحياة هذه. الله يوفقنا جميعاً. هذا يدل على أنها قضية مخيفة جداً، أصحاب الأعراف قد هم ناس مطمئنين، قد هم يطمأنون الآخرين لكن هنا خافوا حقيقة.

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ}(الأعراف:48)، هنا – أيضاً – يبكتونهم في ساحة الحشر: {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ}(الأعراف: من الآية49) يذكرِّون الآخرين بمن قد هم مكتوبين إلى الجنة، قد هم من أهل الجنة، كأن هؤلاء الذين قد هم من أهل النار وأصحاب وجاهات كبيرة وعندهم أنه قد حصل حشر، وعندهم أنهم ربما سيدخلون الجنة؛ لأن الله في ذهنيتهم مثل أي زعيم في الدنيا هذه، أليس الزعماء هنا يجاملون أصحاب رؤوس الأموال، ووجهاء كبار وشخصيات؟ يجاملونهم لو تريد تشتكي به أو شيء، لا تقبل شكواك، لكن في الآخرة لا يوجد من هذه نهائياً، وكانوا هؤلاء المجرمون يستخفون بالمؤمنين، عندهم كيف هؤلاء! {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا}(الأنعام: من الآية53) كما قال في آية سابقة، كيف أن الجنة هذا النعيم العظيم الذي تقولون عنه أنها قد تكون للنوعيات هذه، بل ربما يأخذون فلان وفلان ويختارون الكبار من أصحاب رؤوس الأموال وأصحاب الوجاهات، مقاييس مادية!.

فيقال لهؤلاء الكبار كما قال هنا: {مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} لاحظوا هؤلاء سيدخلون الجنة {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ}(الأعراف: من الآية49) أن يقال لهم أمام أعين الآخرين، حسرات شديدة عليهم.

{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً}(الأعراف: من الآية51) مقاطعة في الآخرة، أليست هذه مقاطعة؟ لو لم يكن إلا فائض أي شيء، أفيضوا علينا من باقي أي شيء من عندكم، كأن هذا قد يكون في ساحة المحشر نفسه؛ لأن هناك آيات أخرى تبين أن المؤمنين يقدم لهم مأكولات ومشروبات، ويبدو معلبات في نفس ساحة المحشر، أشياء من الجنة معلبات يفجرونها تفجيراً، في آيات كثيرة، على الأرائك، في ساحة الحشر قبل أن يدخلوا الجنة.

{قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} لأنه قال هناك: {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}(الأعراف: من الآية32) بالنسبة للطيبات. {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً}، عندما قدم لهم هذا الدين العظيم استبدلوه وجعلوه محط لهو ولعب، يسخرون به، ويخوضون ويستهزؤون بالمؤمنين، {وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا}(الأعراف: من الآية51) يتركون من أي خير {كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ}(الأعراف: من الآية51) ولجحودهم بآياتنا في الحياة هذه، في الدنيا.

{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ}(الأعراف: من الآية52) إذاً فهم عندما وقعوا في هذه الحالة السيئة، فهناك يطلبون – نفس كبار الشخصيات الذين كانوا هنا مترفين، ولا يلتفتون إلى المؤمنين – بأن يعطوهم فائض مما عندهم في الحياة هذه، يوم القيامة يسألوهم: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ}، أليست هذه حالة تعتبر سيئة جداً؟ إضافة إلى الأشياء المخيفة الأخرى، هل الذي أوقعهم في هذه الحالة هو تقصير من جهة الله سبحانه وتعالى؟ لم ترسم الطريقة التي تنجيهم من هذا؟! لا، بل المسألة تأتي على هذا النحو: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(الأعراف:52) هم الذين أوقعوا أنفسهم في هذا المصير السيئ؛ لأنه قال هناك في الآية السابقة: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} تلك الآيات التي تأتي بشكل كتاب مفصل على علم، {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ} أي يتناول كل قضية بالتفصيل، {عَلَى عِلْمٍ} على علم بالإنسان، علم بالحياة، علم بما سيصل إليه الإنسان في المستقبل، علم بأنه إذا لم يسر على هذا النهج، وعلى هذه الآيات، سيكون مصيره سيئاً، علم بكل ما تناوله.

وهذه الآية هامة جداً في موضوع المعرفة بالنسبة لنا، ومثلما نقول: القرآن لا يحتاج إلى تشطيبات على الإطلاق بعده، يجب أن يكون هو الحكم، ويُعطى الأولوية على كل شيء؛ لأن الله فصله على علم، فلست بحاجة إلى أن تقول: أما هذه فكأنها تحتاج إلى كذا كذا، فنحاول نزيل ما فيها من أشياء، في بعض آيات!، مفصل عن علم، ممن يحيط بكل شيء علما، ممن يعلم الغيب والشهادة، ممن يعلم السر في السماوات والأرض.

إذاً أليست هذه كافية بأن يكون الإنسان واثقاً بهذا القرآن، يكون واثقاً بالقرآن بأنه مفصل على علم، لا تقل ما فيه كذا، أو ما فصل كذا، أو ما تناول كذا، أو ما زلنا بحاجة نطلع على كذا من أجل نحاول نعرفه، أو أشياء من هذه، لا يصح؛ ولهذا نقول أكثر من مرة بأنه بلغت المسألة إلى درجة أنه يبدو وكأن الناس ينسون أن الله أعلم منهم، فيأتي إلى كثير من آيات القرآن بما فيها مثلاً آيات آدم، أليس الله ذكر عن آدم بأنه عصى، بأنه أكل من الشجرة هذه، أنه، أنه.. إلى آخره؟.

آيات مفصلة، وهامة جداً فيما تعطيه من عبرة لأولاده، فيكونون حذرين من أن يخدعهم الشيطان، وحذرين من أن يخالفوا هدي الله فيشقوا، فيأتي الآخرون فيكون مهتم بأنه يحاول ينزه آدم، لا يلزم أن يكون ارتكب المعصية عمداً، معصوم، فيحاول بأي طريقة يتأول لآدم، لا يقدم لك دروساً من هذه القصة، وهي تكررت في أكثر من سورة؛ لأنها قصة هامة جداً، تعطي درساً هاماً جداً، فيما يتعلق ببيان الله كيف أنه يأتي على أعلى مستوى، فيما يتعلق بالهدى، أن الله هو الذي يهدي، هو الذي يرسم الطريقة، ولا يأتي الشقاء والضلال إلا بمخالفة هداه، فهو أمر إبليس فخالف، تحول إلى شيطان مضل، نهى آدم فخالف، فشقي في حياته، أليس هذا واضحاً؟.

هناك أيضاً قضية أخرى، قضية الملائكة؛ لأنها قضية يكتشف من خلالها أشياء متعددة، كيف أن الناس بحاجة إلى هدى أن يسيروا عليه، ثم أن ينطلقوا على أساس ما يؤمنون به منه، الملائكة ألم يحصل عندهم تلك الحالة في أعماق نفوسهم؟ عندما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}(البقرة: من الآية30)، مشت المسألة حتى أراهم ما جعلهم في الأخير يعترفون فيقولون: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}(البقرة: من الآية32) هي قصة هامة جداً هذه، تتناول أشياء عظيمة جداً، وبالنسبة للناس يفهمون أثر هدى الله بالنسبة لحياتهم، أثر مخالفته فيما يتعلق بحياتهم، أن يعرفوا من أين يبدأ شقاؤهم في الحياة، وضلالهم، أن كل الشقاء والضلال سببه الإبتعاد عن هدي الله، هذه تعطيها قصة آدم وحواء، وإبليس، والملائكة.

يأتي المفسرون بعضهم مشغول منطلق على قاعدة هناك، موضوع عصمة، عصمة.. إلى آخره. فيكون مستعجل عندما يطَّلِع على قصة آدم يحاول بسرعة يمشِّي حالها، ويتأول لآدم، [ربما أنه ما كان داري]، وأشياء من هذه، من أجل يخرج، يحافظ على آدم! آدم قد مات، وقد اجتباه الله، وتاب عليه وهداه وانتهى الموضوع، لماذا لا نحاول نأخذ منها العبرة لنا؟ نقدمها للأحياء؟ لا أن تحاول أن تحافظ على آدم وقد قال الله عنه: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}(طـه:122) انتهت المسألة، سواء عصى عمداً أو خطئاً، المهم أن الله قد تاب عليه وانتهت القضية.

هذه آية هامة جداً: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ}، هو الذي فصَّله، لم يوكل المسألة إلى واحد آخر من ملائكته، أو من خلقه أنه صلح دستور لأهل الأرض، هو الذي فصله على علم. {هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، أما الذين ليسوا مؤمنين فهم لا يهتدون به، ولا يحصلون على الرحمة التي تأتي لمن اهتدى به.

كيف يبين بأنه هدى متكامل يأتي بعده بعبارة: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ}(الأعراف: من الآية53) آيات كاملة، آيات مفصلة، أشياء واضحة، بينات شافية، فلم يبق إلا أنك تنتظر ما يؤول إليه، أو نقول: مآله، يعني: الحقيقة من ورائه، ومعظم هذه تأتي في الأخير الحقيقة من وراء من التزم به، الغاية الفلانية في الحياة هذه، وفي الآخرة، غاية إيجابية هامة، ومن أعرض عنه، مثلما قال في الآية الأخرى، ألم يرتب الغاية في الأخير؟ {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طـه:124) هذا مآله.

بالنسبة للآخرة: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ}(الأعراف: من الآية53) أي حقيقة ما أنبأ عنه بالنسبة لليوم الآخر: {يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}(الأعراف: من الآية53) أي أنها بينات إلى درجة أنهم كانوا عارفين ما يقدمه الرسل إليهم، وكانوا يعارضون عن عمد، فيوم القيامة لا يوجد أحد سيقول: لو أن الرسل نبأونا بهذا، أبداً. يعني قد جاء النبأ الكامل، وجاء التفصيل الكامل، فهم يعترفون بأنه قد جاءت رسل ربنا بالحق، ويبحثون كيف إذا هناك مخرج، {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}(الأعراف: من الآية53) لم يعد موجوداً لماذا لم يبين لنا الله؟ لماذا لم يرسل رسلاً يبينون لنا؟ إنما فقط يقولون: فعلاً قد بينوا بياناً كافياً، وهذا هو الحق الذي كانوا يحدثوننا به في الدنيا، ويبحثون عن مخارج أخرى إذا ممكن: شفعاء، أو إذا ممكن يطلبون أن يرجعوا إلى الدنيا، فنعمل غير الذي كنا نعمل، {قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}(الأعراف: من الآية53) هذا مما يبين أهمية الكتاب، أنه لا يوجد بعده إلا مآله وتأويله، ماذا يمكن أن تنتظر من بعد هذه البينات؟ لهذا قال في آية أخرى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}(الجاثـية: من الآية6) وقال في آية سابقة قرأناها في سورة [الأنعام]: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}(الأنعام: من الآية158) فلم يبق أن تنتظر شيئاً بعد هذا الكتاب على الإطلاق؛ لأنها آيات وافية في كل ما تناولته، وهي تناولت الحياة هذه، والحياة الآخرة، كتاب للدنيا والآخرة. فهل يمكن أن يصح في مقابل هذه أن يقول الإنسان: إنه لا يكفي، وسنحتاج، وسنحتاج!.

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً}(الأعراف: من الآية54) ما تقدم من كلام معناه ماذا؟ جانب من تدبير الله في شئون مخلوقاته باعتباره هو الإله، الملك، هو ذكر هنا فيما يتعلق بجانب الهدى، هنا يقدم أيضاً صورة أخرى؛ لأنه هو ملك الناس، هو ربهم، هو الذي خلق السماوات والأرض، وما خلقها هكذا وتركها، كذلك أنتم لم يخلقكم ويترككم، هو لا يخلق شيئاً ويتركه، لا يوجد أن الباري يخلق حاجة ويتركها، {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}(طـه: من الآية50) خلق السماوات والأرض وهو يمسك السماوات والأرض أن تزولا، وخلق كل ما فيهما وهو الذي يحرك كلما فيهما.

إذاً فيجب أن تفهم أنه هو المعني بموضوع ماذا؟ الهداية والتدبير، هذا التدبير التشريعي، الهداية والتدبير، وأنه الملك، كما تجد هذه الأشياء هي في قبضته، أنت في قبضته، هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو الذي سيأتي باليوم الآخر، و[يخربط] هذه كلها، المخلوقات، السماوات والأرض، ويأتي بعالم جديد، ويحشر الناس فيه، ويجازيهم على أعمالهم.

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الذي خلق ثم اتجه لتدبير ما خلق، وشئون ما خلق، أي هو الخالق والملك في نفس الوقت، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} هو الذي يحرك الليل، وجعله على هذا النحو: الليل يتبع النهار، ويتحرك في اتجاه يطلب النهار {يَطْلُبُهُ حَثِيثاً}.

{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ}(الأعراف: من الآية54) هي كلها أليست تتحرك كلها؟ {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}(الأعراف: من الآية54) هذا معنى خلق السماوات والأرض ثم استوى على العرش، {لَهُ الْخَلْقُ} هو الذي خلق، وله ما خلق، وله الأمر فيما خلق. هل يوجد هنا في الأرض مخلوقات لآخرين؟ لا يوجد. كل ما في السماوات والأرض كلها من خلق الله.

{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} هذه القضية يجب أن تترسخ عند الإنسان؛ لأنها قدمت بعبارة أشبه شيء بإعلان، لإعطائها اهتمام {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} هو الذي خلقكم، وهذا الخلق هو له، وهو الذي له الأمر فيه {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(الأعراف:55) اتجهوا لعبادته، اتجهوا لدعائه هو، دعاءه على سبيل التضرع، على جهة التضرع أمامه سبحانه وتعالى، ودعاء خفية، دعاءه على جهة السر، أو إذا كان على سبيل الذكر لله؛ لأنه أحياناً عبارة ادع تأتي بمعنى العبادة، وتشمل أحياناً الدعاء، تأتي عبادة بعبارة دعاء، في مقامات، ولأن الدعاء عادة هو من الأشياء التي يستخدمها الناس لمن يعبدونه، حتى من يعبد صنماً إنه يدعوه.

{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} هل معنى معتدين متجاوزين إلى دعاء غيره؟ فبالنسبة للمشركين هم يتجاوزون إلى دعاء غيره، وبالنسبة للناس بشكل عام، إذا نظرنا إلى خطورة اتخاذ أولياء من دونه، في الأخير الإنسان يتعاون مع من اتخذهم أولياء من دون الله، أشبه شيء بأنداد لله، كل ما خطر في باله شيء يكون متجهاً إلى أنه يحاول مع ذلك الذي قد صار أمامه، قد اتخذه ولياً من دون الله. فيقر الناس، أليست الآية ليقر الناس؟ أن الله هو الخالق، هو الذي له الخلق، هو الذي له الأمر، فهو ربهم فليتجهوا لعبادته، وليقروا، وليرسخوا في أنفسهم أنهم عبيد له، ولا يعتدوا، هو لا يحب المعتدين.

{وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}(الأعراف:56)، كل من يتعدون حدود الله، توجيهات الله، عبادة الله يتحولون إلى مفسدين في الأرض بعد إصلاحها من البداية؛ لأنها خلقت على أحسن شيء، ما خلقت مليئة بالفساد، {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(الأعراف:57) هنا يأتي بمظاهر من مظاهر تدبيره، من هذه الأشياء المخلوقات التي نحن نعرف حركتها، سحاب يطلع ويمطر ثم يتلاشى، أليست هذه قضية الناس يلمسونها؟ الرياح أيضاً يلمسونها عندما تتحرك، بعد أن كان الجو ساكنا، يعني حركة تعني ماذا؟ أنه هو الملك، هو الخالق، هو الحي القيوم.

ولاحظ كيف تأتي الآيات هذه كلها مرفقة مع اسمه، هذه قاعدة هامة، نعرف من خلالها منهجية القرآن في تقديم معرفة الله {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إلى آخرها {وَهُوَ الَّذِي..} أليس الضمير يعود إلى الله؟. هذه الأشياء الإنسان يدرك بأنها مسخرة له، وأنها ضمن رعاية الله له، الإنسان في حياته يحتاج إلى هذه الأشياء: الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والمطر، أليس الإنسان يحتاج إلى هذه؟ ليعرف بأن الذي يرعاه في هذا الجانب لا يمكن أن يهمل في الجانب الآخر، جانب الهدى والتشريع، وأن تشريعه وهداه كله يمثل رعاية للإنسان، رعاية هذه تترسخ في ذهنية الإنسان، ليست قضية تكليفات يتوخى فيها المشقة؛ ليعرف من هو الذي سيعملها فيأتي له ثواب هناك! إنها هنا، هنا في الدنيا تعتبر رعاية، كما الأشياء الأخرى هذه رعاية، كما الشمس والقمر هي تعتبر نور من هذا الظلام المادي الذي نراه، فهداه نور، ألم يسمه نوراً؟ نور يخرج الإنسان من الظلمات، الظلمات الأخرى، ظلمات الجهل والضلال والظلم والقهر والشقاء في الحياة هذه.

وهذه القضية هامة ومتكررة في القرآن؛ ليفهم الإنسان من خلالها الدين هذا أنه لرعايته، أنه رعاية ربما قد تكون أكثر من هذه، أكثر من رعاية الأشياء الماديات، فالإنسان بحاجة إليه ماسة كحاجته الماسة إلى هذه الأشياء، إلى الليل والنهار، والشمس والقمر والنجوم، وإنزال المطر والرياح، والأشياء هذه كلها، هذه المظاهر التي يذكرها الله في كثير من الآيات.

فإذا عرفنا بأن دين الله رعاية، رعاية للإنسان هنا في الحياة هذه؛ ولهذا يقارنها بهذه الأشياء التي تعني أكثر من شيء، أن تستشعر بأنها نعم من جهة الله سبحانه وتعالى، فتعرف إحسان الله إليك، أن تعرف بأنها من مظاهر حكمته وقدرته وملكه وتدبيره، أن تعرف ما فيها من رعاية لك. هنا في الجانب الآخر وهو يقدمه لك هو يقدمه رعاية، أليس هو يذكر دينه بأنه رحمة؟ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107)، ويذكر القرآن بأنه رحمة، {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}(فصلت:2)، فإذا ارتبط في ذهنية الناس، ارتبط دين الله في ذهنيتنا بأنه رحمة لنا، ورعاية لنا، فنحن في أمس الحاجة إليه كحاجتنا الماسة إلى الشمس والقمر والنجوم والأمطار، وكل هذه التي يعددها علينا في كثير من الآيات، هنا سيعرف الإنسان بأنه لا بد أن يتحرك لهذا الدين وإلا سيشقى في حياته.

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} هنا يذكر وسيذكر بعد أنه هو الذي أرسل نوح، ويرسل الرسل مبشرين، ويعطيهم رحمة من عنده، البينات التي تنزل. والعادة أن الناس عندما تأتي الرياح في مقدمة المطر يحاول الذي مثلاً يريد يحصل له شراب يصلِّح [المشرب] حقه، ويحاول كل واحد حتى لا يأتي المطر ويذهب وما قد شربت أرضه، أليسوا يعتبرونه رحمة؟ فالمفروض أنه هكذا يكون الناس بالنسبة لدينه، أن نكون حريصين أننا نصلح المشارب، مشارب نفوسنا، نصلِّحها حتى تستوعب أكثر نسبة من هداه.

{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً}(الأعراف: من الآية58) نجد هذه الصورة أيضاً بالنسبة للإنسان، هنا يقدم صورة متكاملة في الواقع، الأشياء هذه، مظاهر الحياة، وتجد فعلاً يكون هناك أرض لو يصب عليها كل يوم لا ينبت فيها شيء ما تخرج إلا نكدا، إذا خرج منها شيء يخرج لك [مطوي] فيه عشرين حبة أو نحوه، بحيث لا تعطي خسارة عمل الأرض، وهناك بلد طيب يخرج نباته بإذن ربه، كذلك الناس فيما يتعلق بهدى الله، يكون هناك من يستقبله فيصبح طيباً بما تعنيه الكلمة، ويفيد، يقدم شيئاً طيباً، ومنهم من لا يتأثر به، ويبقى خبيثاً هناك.

{كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ}(الأعراف: من الآية58) هذه آية من آيات الله {نُصَرِّفُ الْآياتِ} نقدم أمثلة من الأشياء الملموسة المحسوسة أمامنا {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}(الأعراف: من الآية58) فنشكر الله على ما قدم لنا من هذه الآيات التي هي آيات ونعم في نفس الوقت، ونشكره على هداه.

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ}(الأعراف: من الآية59) هنا يبين بأنه هو الملك، هو الذي خلق السماوات والأرض، ثم استوى على العرش: يدبر شئونها، وهو الذي خلق الإنسان، فهل يتصور بأنه خلقه وانتهى الموضوع، خلقه ولا بد أن يقدم له منهج يهتدي به في هذه الحياة، لا يترك شيء يخلقه ويتركه هناك أبداً، أصغر حيوان تراه هو أيضاً له هدى من جهة الله فيما يتعلق بحياته، كما حكى الله عن نبيه موسى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}(طـه: من الآية50).

ثم كما تجد بأنه يرسل الرياح بين يدي رحمته، والليل والنهار، يغشي الليل النهار، والشمس والقمر، وأشياء من هذه، يحرك في مجال آخر في مجال ماذا؟ مجال الهدى، مجال الدين، مجال التشريع الذي يمثل رعاية هامة للإنسان، يرسل رسلاً، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(لأعراف:59)، ثم تجد أيضاً كيف أسلوب أنبيائه، أليس هو يكون أسلوباً لطيفاً ورقيقاً، أسلوب يقدم من ناس حريصين جداً على إنقاذ الناس، ومحبين جداً للخير لهم، عبارات من خلال التي قدمها، عبارات لطيفة. لا يرسل رسلاً بحيث يوصل بصورة فضيعة يقول: [هيا جاوبوا] وأشياء من هذه، لا يوجد.

رسل يوعظونهم، يذكرونهم، ويوجهونهم، وبـأخلاق عالية، ومنطق رقيق، وتلطف يوحي عن ماذا؟ عن أنهم رحمة فعلاً، هم أيضاً يعتبرون مظهراً من مظاهر رحمة الله سبحانه وتعالى، وهو يستطيع سبحانه وتعالى، هو قدير أن ينزل ملائكة يأتون ويمسكون الشخص الذي عند الصنم ويضربون به الأرض، أليس هو يستطيع من أول يوم؟ ويقولون له: ابتعد عن هذه الأشياء، ويرمونه بعيداً عنه، ما هناك ملائكة يستطيعون يعملون هذه؟!. لكن بأسلوب عالي جداً، مما يعتبر مظهراً من مظاهر رحمته وتكريمه للإنسان. ثم لاحظ الإنسان هذا كيف يعمل، في الأخير يبحث عن أولئك الذين هم شياطين، الذين لا يقدمون شيئاً، ولا هم حريصون عليه، ولا رحيمين به، ولا يهمهم مصلحته فيتخذهم أولياء إلى أن يهلك هو وإياهم.

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} إلى قومه، إلى الكل، لا يأتي مثلاً أنه لا يعطي اعتبار إلا لكبار الشخصيات فقط، والآخرين لا يلتفت إليهم، إلى الكل، إلى قومه من زعمائهم ومواطنيهم، كانت تركيبتهم قبلية، زعماء عشائر. {فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(الأعراف: من الآية59)، أليس هذا منطق من هو يخاف عليهم، هو رحيم بهم؟.

{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ} الكبار {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(الأعراف: من الآية60)، أول السورة أليست {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}(الأعراف: من الآية3)؟ وهنا يبين لك كيف يعمل الأولياء الآخرون ليتخذهم الناس أولياء لهم من دون الله، أولاً أن الله رحيم لا يتجه برسله فقط إلى الكبار، ثم مثلاً يرفضون فيذهب من عندهم، بحيث أن الآخرين قد يقولون: لو كان جاء إلى عندنا لكان ممكن نؤمن به، إنما فقط يرسل إلى عند الكبار، قد هو عارف أن الكبار لن يؤمنوا به، كان يرسلهم إلينا ويمكن نستجيب له! هو يرسل إلى القوم كلهم، يرسل إلى قومه.

{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}(الأعراف:62)، أعلم من جهة الله ما لا تعلمونه أنتم، وأقدم ما أعرفه من جهة الله نصحاً لكم، {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ}(الأعراف:63) هل تعتبر قضية غريبة، أو المفروض تنظرون إليها كنعمة {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ} أليس المفروض تعدون هذه نعمة؟ لا أن تعتبروها أنها قضية غريبة، إذاً فهذا ضلال مبين، وأنتم في ضلال مبين. {لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لاحظ أسلوب أنبياء الله، أليس نفس الأسلوب الإلهي في التبيين للناس؟ ولبيان العواقب فيما إذا استجابوا، {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

{فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً عَمِينَ}(الأعراف:64) هنا يقدم المسألة باختصار، تعطي صورة واضحة، من كانوا وراء صد أولئك القوم عن الاستجابة، وعندما تعلقوا بهم كيف أدى في الأخير إلى أن يضربوا معهم. هم اتخذوا أولياء عمين وعموا بعماهم. وهذا كان من الأشياء الرهيبة فيما يتعلق بقوم نوح، لاحظ كيف بقي معهم تسعمائة وخمسين سنة، وكان هؤلاء، زعماء العشائر، شكلوا عائقاً على طول المسيرة، ولأن القوم هؤلاء أنفسهم متمسكون بهم، متمسكون بهم، منتظرون لهم حتى يستجيبوا، وهم لن يستجيبوا.

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً}(الأعراف: من الآية65) أي: وهكذا أرسلنا إلى عاد، وأرسل إليهم أخاهم هوداً، معناه شخص يعرفونه منهم، وبلغتهم يحدثهم، وناصح لهم، وحريص عليهم، {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الأعراف:67). ثم لاحظ كيف يكون منطقهم أيضاً لطيفاً على الرغم من أنهم يواجهون بكلام قاسي، حرصاً منه على أنه يجلس معهم، ويبين لهم، ويذكرهم، وينذرهم.

{وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا}(الأعراف: من الآية70) أليس هذا منطق السفاهة؟ بعد ما يأتيهم بآيات بينات، ويخوفهم بعذاب الله، ثم يقولون: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا}(الأعراف: من الآية71) في موضوع الأصنام {فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}(الأعراف: من الآية71) تجعلونها شركاء لله، فاعرفوا بأنه لا يوجد أي سلطان أن الله جعلها شركاء له.

{فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ}(الأعراف:72) وهنا قدم صورة مختصرة عنهم، يبين كيف رحمته بالناس، كيف يرسل رسلاً منهم، وناصحين لهم، ويبينون لهم على أعلى مستوى، ثم يأتي الآخرون ويتعللون بأشياء لا تعتبر شيئاً مثل: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(الأعراف: من الآية60) {لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ}(الأعراف: من الآية66) {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ}(الأعراف: من الآية70) ويتمسكون بهم، وفي الأخير يهلكون معهم.

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}(الأعراف: من الآية73)، لاحظ الأنبياء، أليسوا كل واحد منهم يقول: اعبدوا الله؟ أليس هذا يعني بأن البشر يعرفون الله؟ لا أحد يجادلك في موضوع الله، يجادلونهم حول وحدانيته، أنه لماذا فقط إله واحد، وهؤلاء أيضاً آلهة، أو يجادلون بأنه ما صحت عندهم رسالته، هات لنا آيات.

أخيراً يتعنتون بعد كل شيء {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} معناه أن تلك مؤشرات {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ}(الأعراف: من الآية71) عندما يكونون قد أصبحوا إلى الدرجة هذه: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} يستعجلون العذاب. وهكذا بالنسبة لثمود مع صالح يذكر نفس الشيء، يذكِّرهم بما حصل للأمة السابقة مثلما ذكَّر هود قومه بما حصل لقوم نوح، يذكر صالح قومه بما حصل لقوم عاد. وهذه قضية هامة من الناحية المنهجية: تذكير الناس بما حصل للمكذبين السابقين، تذكير الناس بما حصل للمؤمنين السابقين، أشياء هنا في واقع الحياة هذه.

هنا يذكرهم بآلاء الله، بنعمه، ولاحظ كيف هم قد عرفوا ما حصل للأمم السابقة، قد عرفوا ما حصل لقوم عاد، كانوا يتخذون بيوتاً ينحتونها في الجبال، على أساس لو تأتي رياح كيفما تأتي لا تستطيع أن تقلع الجبل، ناسين أن الله عنده طرق كثيرة جداً!. كيف يقدم الأنبياء ناصحين بكل ما تعنيه الكلمة، يقدمون رسالتهم للكل، ويخاطبون الكل، وحريصين على هداية الكل، لا يجلس يتميز هو وأصحابه ولا يتحدث مع الباقين، ولا يقدم لهم أي نصيحة، لاحظ كيف قال عن صالح: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ} بعدما أخذتهم الرجفة، {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}(الأعراف:79).

أو كأن هذه مثلما ذكر سابقاً عن هود عندما قال: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ}(الأعراف: من الآية71) كأنه تولى عنهم عندما اتضحت مؤشرات نزول العذاب، تولى عنهم، أحياناً تأتي الآيات استرسالاً فيما حصل عليهم، عندما يقول: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ} ليس معناه أنه خاطبهم بعدما أصبحوا جاثمين، إلا إذا هو على طريق أن يحكي حالة معينة، أو يسمعه الله أرواحهم إذا أمكن، إذا حصل لكن ما هناك ما يدل على هذا، فقد يكون تولى عنهم من البداية، ثم عندما بدت مؤشرات العذاب؛ لأنه إذا قلنا بأنه بعد نزول العذاب عليهم معناه أنه نزل العذاب وهو بينهم، ويبدو أن الشيء الطبيعي أن الأنبياء كانوا يخرجون متى ما حُكِم على أمته بعذاب، بعد ذلك يخرج، يخرج قبل ينزل عذاب، مثلما حصل لنوح: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ}(الشعراء: من الآية119). {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي} إذاً فكأنه خاطبهم وهم ما زالوا أحياء، وقد هو منصرف عنهم، {وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}.

كذلك يذكر عن لوط بالنسبة لقومه، وحرصه على قومه، ويذكر كذلك عن شعيب، وهنا يقدم القضية بالنسبة للرسالات أنها تتناول إصلاح الناس في مقابل أي فساد هم عليه، فساد أخلاقي، أو فساد تجاري، أو فساد ثقافي، أو أي شيء. شعيب يذكر مع قومه: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ}(الأنعام: من الآية152). عندما تقدم الرسالات بأنها على هذا النحو، فهو يقدم صورة بأن هدى الله يشمل كل شيء، ويقَدم للإنسان هدى في كل مجالات حياته. كذلك بالنسبة لشعيب: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ}(الأعراف: من الآية88). ثم يذكر {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ}(الأعراف:93).

إذاً فنحن أمام سنة إلهية: أنه يرسل رسلاً، كما أنه يسخر الشمس والقمر، وأنه في موضوع الهداية هو الذي أرسل رسلاً، وأنزل كتباً؛ ليتناولوا هدى الناس، ويرفعوهم عن أي ضلال هم عليه كيفما كان، وفي أي مجال كان، وأنه يكون هناك عوائق موجودة في المجتمعات، من أبرزها في المجتمعات العشائرية: زعماء العشائر، الوجهاء، يشكلون إشكالية كبيرة؛ لأنه هكذا يكون حريصاً على مقامه، على منصبه، وعلى مصالح معينة قد هي مرتبطة بأن يبقى هو وقومه على تلك الحالة، فيشدهم إلى الضلال حتى يكون في الأخير نهايتهم بسبب تعلقهم به. وهذا كله يؤكد أن الإنسان إذا اتخذ من دون الله أولياء سيهلكونه، ولا مجال للإنسان إذا أراد أن ينجو، وأراد أن يفلح، وأراد أن يفوز، لا مجال له إلا أن يتولى الله، {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}(الأعراف: من الآية3).

ثم يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}(الأعراف: من الآية94)، إضافة إلى البينات يأتي أيضاً أشياء، شدائد معينة في البداية، في بداية تكذيبهم؛ لعلهم يضرعون، عسى أن يرجعوا، وذكر بصورة بارزة فيما حصل لآل فرعون، فرعون وقومه، وإذا لم يضرعوا فمثلما قال في آية سابقة: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً}(الأنعام: من الآية44).

{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا}(الأعراف: من الآية95) فلم يبق إلا الحديث عنهم فقط [إن كان آباؤنا كذا، وحصل لهم سنة مجاعة ذلك اليوم، وحصل كذا وكذا] قد أصبحت قصص ماضية.

الآية هذه تشبه الآية السابقة، أنها سنة إلهية أنه يؤاخذهم بأشياء من البأساء والضراء لعلهم يضرعون، يرجعون إلى الله ويؤمنون بالآيات التي تقدم لهم، متى لم يحصل منهم استجابة {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً}. {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا}، لم يعد هناك آثار للبأساء والضراء السابقة، أو أصبحت شبه منسية، {وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}(الأعراف: من الآية95).

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} الأمم هذه التي ذكر قصصها وغيرها. {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ أَو َأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}(الأعراف:97 – 99). هذا يبين بأنه لو اتجه الناس إلى الإيمان بالله وتقواه واهتدوا بهداه أنهم سيحصلون على الخير الذي لا يعتبر استدراجاً، أما الخير الذي يأتي أحياناً في مرحلة بعدما كذبوا، ثم رأوا أنها صلحت لهم الدنيا، وعندهم أنه إذاً ليسوا بحاجة أن يتبعوا هذا، ولا يحاولون أن يتجهوا إلى هذا الذي يدعوهم إليه من الإيمان بآيات الله، مثل هذه الأشياء تكون استدراجاً، يؤخذوا بغتة في حالة فرحهم، وفي وقت بياتهم أو قائلون، فالنعم التي هي نعم ثابتة، ومباركة هي النعم التي تأتي بسبب إيمان الناس بآيات الله وتقواهم لله.

{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا}(الأعراف: من الآية100)، الأجيال المتأخرة التي قد عرفت ما حصل للماضين، أليس في هذا كفاية أن يجعلهم يهتدون إلى الطريق الصحيح، ويتجهون لهدى الله، ويخافون من الله، قد هي آيات واضحة، يبين لهم أنما حصل للأمم السابقة يمكن أن يحصل عليهم {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ}(الأعراف: من الآية100- 101)، الله قد أهلكهم وهو يعلم بأنه لم يعد واقعهم إيمان، كذبوا بآيات واضحة، أتى لهم بأشياء فيما يتعلق بحياتهم… وصلوا إلى مرحلة: {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}.

وبعض الأنبياء ذكروا، أحد الأنبياء في سياق آخر: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}(هود: من الآية34) أحياناً بعد البينات الكافية، بعد الوضوح الكافي، بعد البلاغ المبين، ولا يستجيب الناس يطبع على قلوبهم، وعندما يطبع على قلوبهم فلا يأتي بعدها إلا نهاية سيئة، لهذا قال: {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ} لن يؤمنوا بسبب تكذيبهم السابق بما أمروا أن يؤمنوا به، {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ}(الأعراف: من الآية101).

{وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}(الأعراف:102)، هذا حصل فيما يتعلق بقوم فرعون، لما أعطوا عهداً {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ}(لأعراف: من الآية134) يبين أن هذه عدالة الله سبحانه وتعالى، عدالته أن هؤلاء الناس هكذا تأتي لهم آيات واضحة، ورسل ناصحين، وبينات كافية، وفي الأخير لا يقبلون.

الله سبحانه وتعالى هو حي قيوم، يعرض هذه القصص للأمم المتعاقبة، بما فيها المسلمين في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، الناس أيامه ومن بعدهم، وأنه لو قلنا بأنه قد لا تأتي المؤاخذة والعقاب بهذا الشكل الذي كان يحصل للأمم السابقة، هو قدم فيما قدم أن لديه أشياء متنوعة؛ لهذا قال في الآية هذه بعبارة مجملة: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا} بأسنا، قد يكون بشكل رجفة، أو يأتي بشكل نار، أو يأتي بشكل يمطر حجارة، أو بشكل غرق، وكم… أشياء كثيرة. {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ} وهم يعلمون أنهم على طريقة سيئة {إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} إلا من نهايتهم سيخسرون فعلاً.

يتكرر في القرآن بشكل واضح في سور أخرى، نفس قصص هذه الأمم السابقة مع أنبيائها، هنا هي جاءت في السورة هذه بشكل موجز، ويبين فيها العائق الرئيسي الذي كان يكون موجوداً، هذا معناه ماذا؟ بالنسبة للناس يكونون فاهمين في من يتحركون في سبيل الله، في من يدعون إلى دين الله، أنه لا يركز دعوته على كبار الشخصيات؛ لأنه هنا يقول لك بأنه يرسل إلى القوم كلهم، إلى الناس جميعاً، وأنه على الرغم من تكذيب الآخرين هو يظل يواصل بينات، يظل يواصل دعوته لهم.

أيضاً أن يحذر الناس أنفسهم في تركيبتهم الاجتماعية أن لا تصل إلى الدرجة هذه؛ لأن العرب في تركيبتهم العشائرية هي قائمة على هذا النحو السابق في أيام نوح، فيجب أن يحذروا أن لا تصل الحالة بهم إلى هذه الدرجة، أن يتخذوا زعماءهم، سواء زعماء طوائف، أو زعماء عشائر، أو زعماء بلدان، يتخذونهم أولياء من دون الله؛ لأن هؤلاء لا يملكون لهم إلا ضلال، هذه النوعية من الأولياء، أولياء مجرمين، يقولون: [البادي منه يقبل]، لن يدخل في الموضوع إلا إذا قد [شيخه] سيدخل فيه، لن يدخل إلا إذا قد الزعيم الفلاني في مذهبه سيدخل فيه.

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآياتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ}(الأعراف: من الآية103) أليس هذا جانباً آخر؟ جانب إرسال رسل إلى شعوب تحكمها دولة، ويحكمها سلطان، تلك مجتمعات عشائرية، السابقة. {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآياتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ فَظَلَمُوا بِهَا}(لأعراف: من الآية103) ومع هذا ما كانت تقتصر دعوة موسى على فرعون وملئه، لكن في التركيبة التي كان عليها المجتمع مرتبطين بالملك، توجه الأشياء إلى الملك رأساً، إضافة إلى أنها أشياء تتضح للباقين، كانت بينات موسى وآياته ودعوته بالشكل الذي يكون للآخرين، بل يظهر أنه يأتي تمهيد، أن يطلع الآخرون على دعوته، على ما يقدم من آيات، يبين هنا بأن هدى الله سبحانه وتعالى، البلاغ للناس الذي يأتي على الرغم من وجود العوائق، كيفما كانت العوائق، سواء كانت العوائق في إطار مجتمع عشائري، أو في مجتمع يحكمه دولة، أنه لا يكون بالشكل الذي يحول دون أن يعرف الناس، جماهير الناس.

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآياتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ}، الملأ كبار الشخصيات في دولته، القادة والوزراء والوجهاء {فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ}(الأعراف:103- 105)، أليست هذه تعتبر عبارة جريئة أمام فرعون؟ أمام فرعون الذي كان يلزم الآخرين إلى أن يجعلوه إلهاً، ويدينوا بأنه رب لهم، موسى يأتي ليواجهه بالعبارة هذه: {يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} لا يمكن أن أفتري عليه، لا يمكن أن أكذب عليه، ملزم بأن لا أقول عليه إلا الحق {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}(الأعراف:106).

لاحظ هنا أليس موسى محاطاً بعناية إلهية؟ فرعون يتجه إلى أن يقول له: {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا} فرعون لم تكن طريقته بهذا الشكل، طريقته قمعية، كان المفروض أن يقول: امسكوه، كيف تقول لي هكذا: يا فرعون إني رسول من رب العالمين، يأخذونه ويقتلونه، وليس فقط يسجنونه، فهذا مظهر من مظاهر أن الله غالب على أمره، وأن بإمكان الناس أن يعملوا بدينه إذا ساروا على طريقته في أي وضعية كانوا، في أي وضعية كانوا.

{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}(الأعراف:107) وعندما يقول له فرعون هكذا، أليس الشيء الطبيعي أن يلقيه في حضور آخرين من الملأ والحاشية وغيرهم {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}(الأعراف:109)، وهناك يبين كيف يقول الملأ من قوم نوح، وهود، وصالح، وشعيب، وغيرهم: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} و{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وهؤلاء يقولون: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}(الأعراف:110) دعاية جاهزة يستثيرون بها الآخرين، قد أصبحت القضية واضحة محسومة، لم يبق إلا {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} بعد البينات هذه تتحول العصا إلى ثعبان مبين، ويده تتحول إلى أشبه شيء بالعمود الذي يضيء.

{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}(الأعراف:111) لاحظ كيف القرارات هنا، قراراتهم، أليسوا بالشكل الذي عادة يبطشون بالآخرين، هنا كيف أن الله يتدخل ضد الآخرين فيحمي أولياءه حتى يتمكنوا من تبليغ آياته، من تبليغ رسالاته، سواء في أيام نوح، هود، ثمود. هذا القرار حقهم: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} بالنسبة له هناك ألم يقل سابقاً له: {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا} مع أن هذه ليست طريقته، هو جبار يفتك بالأطفال، فما بالك بهذا الشخص الذي أمامه، يقول له إنه رسول إليه من الله، كذلك ملأه قالوا: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} نخليهم، ونرسل في المدائن حاشرين، ونعمل اجتماعاً كبيراً ونرى….، قصة السحرة وذلك الحشد الكبير.

إذاً لاحظ أليس هذا القرار بالشكل الذي يجعل موسى يتمكن من أن يطلع أكبر نسبة من الناس على الآيات الإلهية هذه؟ وهو لا يملك وسيلة موسى؛ لأنه في ظل وضعية ضاغطة بالنسبة للمجتمع، فيأتي من داخلهم هم يتخذون قراراً يحشدون له الناس مثلما حصل مع إبراهيم سواء. {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}(الأعراف:113)؛ لأنهم هناك سيتحركون بأعلى ما لديهم من خبرة في مجال السحر، قد وعدهم بأجر، ووعدهم بأن يكونوا من المقربين {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قَالَ أَلْقُوا}(الأعراف: من الآية114- 116).

ذكر في موضع آخر بالنسبة للقصة هذه، بأنهم حشدوا الناس حشداً كبيراً، {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}(الأعراف:116) ليخيل إلى الناس، وموسى منهم، أن عصيهم وحبالهم قد هي عبارة عن ثعابين تتحرك، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ}(الأعراف:117- 119)، وكانت هذه آية واضحة لفرعون وملئه وللناس، قد يكونون ربما آلاف؛ لأنه هنا يبدو أنه استنفار عام من جانب الملك نفسه، قرار حكومي بأن يحضروا إلى هذا المهرجان، يعرض فيه سحر السحرة، ويعرض فيه سحر موسى، وعلى أساس أنهم سيفشلون موسى تماماً، ويفضحونه أمام الكل.

{وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}(الأعراف:122) وهذه من الأشياء العجيبة: أن السحرة أنفسهم يتوفقون للإيمان، فيها أيضاً آية بالنسبة للناس، لو ربما بقي السحرة ما آمنوا، لقالوا: إذاً فعلاً هو كان عنده قدرة سحرية، أو نحن كنا قصرنا في جانب معين، وممكن نلتقي في مهرجان آخر، لكن هم قد حشدوا كلما لديهم، فعرفوا بأن ما عند موسى ليست قضية سحر، قضية إلهية.

{قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ}(الأعراف: من الآية123) متى يمكن أن يأذن لهم؟! كيف يؤمنون له قبل أن يأذن {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا}(الأعراف: من الآية123)، ولاحظ كيف عندهم تركيز على أنهم بسرعة يقدمون دعاية معينة هي استفزاز للمجتمع، إذاً أنتم كنتم أنتم وموسى قد تواطئتم على القصة هذه، ومكر {مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}(الأعراف: من الآية123) قالوا: كان فرعون يركز في مواجهة رسالة موسى، يعني يقول للمصريين: بأن موسى وبني إسرائيل يريدون أن يخرجونا كلنا من أرضنا، ويجلسون هم في الأرض، فيركزون على هذه، وهي قضية تبدو مثيرة بالنسبة للمجتمع، مع أن موسى نفسه لا يقول هذا، يقول: {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ} أنا أريد أخرج أنا وبني إسرائيل، ألم يقل هناك في البداية أن أرسل معنا بني إسرائيل؟ {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ} من البداية، يعني فالدعاية هذه التي كان يقدمها فرعون، أن هذا يريد أن يخرجكم من أرضكم، ليست صحيحة، موسى يقول من أول يوم بأنه هو الذي يريد أن يخرج هو وبني إسرائيل. هنا توعد السحرة، كان جوابهم بشكل عجيب، جواب من هم ثابتون، من هم مصرون على إيمانهم.

ولاحظ بعد الآيات البينات كيف يأتي قرار الملأ، حاشيته من الوزراء، والقادة، وكبار الدولة: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}(الأعراف:127) اتخذوا قراراً قد عملوه سابقاً. {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(الأعراف:128) هنا يبين كيف أنهم النوعية هذه ناس يقدمون أنفسهم وكأن الطرف الآخر الذين هم المصلحون في الواقع إنما يريدون إخراج الآخرين، يريدون الإفساد في الأرض بطريقة ليس هناك ما يدل عليها نهائياً. إذاً فعندما يصغي لهم الناس سيهلكونهم؛ لأن رسالة موسى ما كانت فقط إلى فرعون، إلى فرعون وإلى المجتمع بكله.

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}(الأعراف:129)، أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا، هنا يذكرهم موسى بأن نفس الأذية القائمة الآن عندما تصبروا ستنتهي إلى شيء عظيم جداً، {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}، هذا يبين بالنسبة لموسى أنه يعرف وضعية قومه، يعرف حالتهم، فبعد ما قالوا: {أوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}، هي عبارة قاسية هذه، نحن ملان مشاكل من قبل ومن بعد، عارف بحالتهم قال لهم {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} ويعطيهم أملاً {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ..}.

{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}(الأعراف:130) كما قال سابقاً أنها سنة لديه أن يصيب الأمم ببأساء وضراء لعلهم يضرعون، كذلك بالنسبة لآل فرعون أرسل عليهم أشياء كثيرة، وبدوا على هذا النحو: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ}(الأعراف: من الآية131) نحن جديرون بها {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ}(الأعراف: من الآية131) ما أصابهم هو من عند الله، وأساسه وسببه من عندهم. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين}(الأعراف: من الآية131) نعوذ بالله من الضلال كيف يصل، العبارة هذه سيئة جداً، اقنع لسنا مؤمنين بأي شيء تأتي به نهائياً، تعتبر خسارة كبيرة على أنفسهم.

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ}(الأعراف:134) وهذا عهد، هو قال سابقاً: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ}(الأعراف: من الآية102).

{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}(الأعراف:136)، عندما تلحظ بالنسبة لجماهير الناس الذي جعلهم على هذا النحو، كونهم منشدين إلى ماذا؟ إلى كبار الدولة فرعون وملئه، أما بالنسبة للمجتمع إذا فهم المسألة وما يتعلق بهؤلاء الكبار الذين هم مضلون فممكن يؤمنون، ممكن يستجيبون، لكن خنقوا نفوسهم بماذا؟ عندما ربطوا أنفسهم بكبار العشائر، مثلما ذكر بالنسبة لقوم نوح، ومن يخنقون أنفسهم بالملك، وملئه: كبار رجال الدولة.

قد يكون من مظاهر هذه التي تحصل عند الناس، وقد تناولناها في آيات سابقة، المقارنة، فهم يرون مثلاً الملأ كبار الشخصيات في المجتمع ناس لهم ثقلهم، وناس عندهم إمكانياتهم، فيكون عندهم أن هذا ربما إذا اتبعوه فيمكن يقعون في إشكاليات كبيرة، أو ربما ما عنده ما ينجذبون إليه من الناحية المادية، باعتبار ما يتعلق بالمقام الاجتماعي، وما يتعلق بالإمكانيات، كذلك المصريين يقارنون ما بين موسى بما هو عليه، ليس لديه جنود، ما عنده ملك، ما عنده إمكانيات مادية، وما عليه فرعون! هنا يبين في هذه القصة الأولى مما ذكر من الأمم هذه كلها، من كان مجتمعا عشائرياً، أو مجتمع دولة، أن هؤلاء ينتهون بأتباعهم إلى الخسارة، يخسرون، ينزل عليهم العذاب، ويكونون هم في مقدمة من يهلك.

هذه الحالة ما زالت قائمة عندما تتمعن الناس، قائمة في الناس إلى الآن، المقارنة بين من يدعونهم إلى الهدى، يكون عندهم ماذا يمكن أن يقدم، مع أنه في القرآن يقدم بأن أولئك الذين كانوا يدعونهم إلى الهدى، إتضح بأنهم كانوا ينجون هم ومن آمن معهم، والآخرين الذين كانوا يعتبرون أنهم يشكلون حماية، يشكلون وقاية لمكانتهم وممتلكاتهم أنهم الذين يؤدون بهم إلى الخسارة، ألم يتضح من خلال ما سرده من القصص هذه؟.

{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}(الأعراف:137)، هذه ترد في إطار الصور التي تقدمها هذه السورة نفسها، قضية أولياء من دون الله، كيف يكونون في الأخير خاسرين، هم الجماهير الذي يتبعونهم، {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ} من بني إسرائيل الذين عانوا فترة طويلة من هذا العذاب الأليم، تقتيل الأبناء، واستحياء النساء.

لاحظ موسى ذكَّر بني إسرائيل لم يعطهم عبارة – يبدو – واضحة تماماً؛ لأنه مطلوب أن يبقى عند الإنسان ثقة بالله {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}، أليس هذا وقع في الأخير؟ فعلاً أورثهم الله مشارق الأرض ومغاربها، وآل فرعون انتهوا، فرعون، وملئه، وكل هؤلاء، كبار الدولة، الذين كانت تقع منهم قرارت سيئة، الذين جعلوه يتخذ هذا القرار فيما بعد: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}، الله جعلهم في الأخير هم يهلكون ويورثهم أرضهم.

{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا}. ولاحظ هنا مع أن الله أنقذهم من طغيان شديد، من طغيان قد يكون عند الكثير منهم، ما كأن هناك أي بصيص أمل بأنه ينفك على الإطلاق، فيأتي بطريقة ما دخلوا حتى في مواجهة معهم، هم كانوا مساكين مستضعفين إلى آخر درجة، لم يدخلوا في مواجهة مع آل فرعون، لكن يقول لهم: اصبروا، يجلسون معه كقاعدة جماهيرية له، مؤمنون به، يصبرون، ولكل أمة أجل، كما قال الله سابقاً، وأعطاهم أملاً كبيراً {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.

الصبر أساسي، الصبر في طريق الله هو الأساس في ماذا؟ في أن يحصل للناس فرج، وهذه هي تعتبر مثالاً واضحاً، فرعون وواقع بني إسرائيل، طغيان في القمة، استضعاف إلى أحط مستوى، حركة لا يوجد معها أي آلية سوى عصا، أليست عصا من البداية؟ عصا من البداية، وتنتهي إلى أنه فعلاً هذا الإنسان الذي كان يراه الفراعنة والمصريون إنسانا فقيراً ولا بيده شيء، أنقذ قومه أمامهم وهم يرونهم، ورأوا أنفسهم في أعماق البحر.

يخلص الإنسان من هذه القصة كلها بأن الناس يتولون الله، كما قرأنا في سورة [المائدة]: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}(المائدة:56)، عندما يقول: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، قد بين في هذه، ألم يبين كيف من تولوه نجوا، ومن اتخذوا من دونه أولياء كانوا يرونهم كأنهم يشكلون حماية، يشكلون وقاية، يقدمون هدى، وأشياء من هذه، كما كان يقول فرعون لقومه، انتهوا، ضربوا وخسروا في الدنيا وفي الآخرة.

إذاً من الناحية المنهجية السورة هذه تقدم لنا منهجاً لمن يعملون، تقدم منهجاً على أن القضية الأساسية معرفة الله سبحانه وتعالى، معرفته وشد الناس لتوليه، وتقديم المسألة بالنسبة للناس بأن ما هناك أي خيار أمامهم، أمام الناس جميعاً إلا إما أن تكون متولياً لله، أو متخذاً من دونه أولياء، هذه صورة لمن يتولون الله، وهذه الصورة البشعة لمن يتخذون من دونه أولياء كيفما كانوا بشكل أولياء؛ لأن هذه قضية بالنسبة للناس، هم بحاجة إليها، يُقَدم – مثلاً – هذا قصص قرآني، ما لدى الناس من تاريخ الأمة هذه من أشياء تقدم على هذا النحو، تقدم للناس على هذا النحو، تقدم عبرة، ولاحظوا هنا العبرة أليست بالشكل الذي تدفع، تجعلهم يتجهون عملياً، يتجهون عملياً إلى ماذا؟ من يقرأ هذا القصص القرآني عن الأمم السابقة يتقرر في نفسيته بأن الطريق الصحيح الذي يشكل نجاة في الدنيا والآخرة هو تولي الله، أليس هو سيتجه إلى تولي الله؟.

التولي تجده في الأخير قضية عملية، أليس هو يمثل هناك الأثر النفسي للتاريخ إذا قدم على هذا النحو أنه يوجد دفعة عملية، يوجد عند الإنسان رؤية واضحة، ورؤية ثابتة، أن يكون مستقيماً، وما هناك إلا هذا المجال، لا ينحرف، إذا انحرف وقع في طريق الشيطان وأولياء الشيطان، وهم خاسرون على ما قدمهم هنا، وفي داخل الأمة أمثلة في تاريخنا، في تاريخ المسلمين، والآن يوجد أمثلة، أمثلة في الواقع، بل في العصر هذا نفسه أمامنا، فيما يعمل الأمريكيون، وفي مواقف الشعوب الأخرى، ومواقف الناس، تتجلى الخسارة فعلاً، عندما كانوا يتخذون آخرين أولياء، كيف أنهم لم يشكلوا لهم أي حماية، ورأوا أنفسهم أمام أعداء، سواء كانوا نفس العدو السابق مثلاً صدام بالنسبة للعراق وحزب البعث، ثم الأمريكيين من بعدهم يدوسونهم.

نفهم – أيضاً – بأنه غير صحيح أن هناك أي عائق على الإطلاق يحول بين الناس وبين أن يقدموا دين الله، هذا من أبلغ ما يمكن أن الإنسان يستفيده من رسالة موسى وهارون إلى فرعون وهامان وجنودهم، أنه يأتي رعاية إلهية، ولا يمكن لأي طرف حتى وإن لم تكن أنت تمتلك وسائل جمع الناس، ووسائل إعلامية، يأتي قرار من عند الطرف الآخر يكون بالشكل الذي يجعل موضوعك على أوسع دائرة من الناس يقدم، ربما مثل هذا الموضوع الذي نحن فيه، موضوع الشعار، أليسوا هنا يمسكونهم في الجامع الكبير، ويبدو أن ما هناك تناول صحفي له، ثم لا تدري ويحصل قد هناك بداية ناس يتحدثون عن أمريكا، قد هناك ميل لأمريكا، قد هناك تأثير كبير، وضغط كبير، قد هناك ناس يقولون: أمريكا يمكن تحرر! آخرين في الأخير يقولون: كيف يمكن أن تكون محرراً، وهم كانوا يمسكون من يرفعون شعاراً في المسجد، وهم كذا كذا، ثم لا تدري وقد هم يتحدثون، قد هي مادة إعلامية يحتاجون إليها، حتى ربما نفس الذين يقومون بالإمساك بهم من نفس الحزب الحاكم.

نحن لا نمتلك لا مجلة، ولا صحيفة، ولا قناة فضائية، ولا إذاعة، ولا شيء، لكن هنا يتهيأ أنه ينشر بطريقة، وربما يفتح الموضوع فيما بعد، ويقدم كبرهان على أن أمريكا لا يمكن أن تعطي الناس حرية، يقولون: لاحظوا هم كانوا يمسكوا المكبرين في المسجد، أليسوا هنا سيشيعون الموضوع؟ هذه حصلت في قصة إبراهيم، عندما اتخذوا قراراً بأن يجمعوا الناس لعلهم يشهدون، وهنا اتخذوا قراراً، نعرف أيضاً بأن الله غالب على أمره، ومهيمن على عباده، وينفذ إلى داخل نفوسهم؛ ليتخذوا قرارات بالشكل الذي يخدم قضية أوليائه.

لاحظ القرار السابق عندما قالوا: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} وهم في الواقع بشعين، لاحظ القرار الأخير: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}أليسوا هنا يحرضون؟ {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}، ما الذي جعلهم يتخذون سابقاً قرار {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} مع أنهم قد رأوا آيات، ربما عندهم معرفة بالنسبة للسحر، آيات واضحة أنها تعتبر حالة خطيرة، أنها مظنة أن يفضحوا فيها، لكن الباري هو ينفذ في قرارات الناس، سواء أوليائه، أو أعدائه.

والمشكلة أن الناس يعتبرون وكأن أعداءه يستطيعون أن يخططوا، ويدبروا ما يريدون، ويمكروا كما يريدون وأن كل شيء سينفذ لهم؛ لهذا في الأخير يكون عند كثير من الناس قرار بأنه لا نعمل شيئاً؛ لأنهم لديهم كذا وهم وهم، إلى آخره، نحن ننسى بأنه يقدم أمثلة بأنه ينفذ إلى داخل قاعاتهم التي يتآمرون فيها، ثم في الأخير يتخذون قرارات ثانية، ويقدمونها وكأنها قضية ينطلقون عليها سريعاً، ورؤية سياسية صحيحة، وهي في الواقع لصالح من يتحركون في سبيله.

أيضاً يأتي في موضوع المعجزات والآيات هذه، تكون بالطريقة التي تمهد السبيل لأن تصل رسالته إلى أكثر ناس، مثل معجزة موسى في موضوع العصا وتحولها إلى ثعبان، وأشياء من هذه، وفي المجتمع سحرة، حصلت الفكرة هذه: هذا الذي عندك سحر سنجمع السحرة كلهم ونعطيهم إغراءات كبيرة ونجمع الناس ونفضحك أمامهم، ألم يقولوا هكذا؟ إذاً بالنسبة لواقع الناس اليوم، بالنسبة لواقع الناس لا أعتقد يوجد طريقة الآن أجمل من تقديم القرآن؛ لأن واقع الأمة الآن هناك من يحاول يقول بأنه سيقدم حلولاً، من جهة الأعداء أنفسهم، أليسوا يحاولون أن يقدموا حلولاً، والساحة هنا ضائع فيها ما هو الحل، ما هو المخرج، أليس هذا هو الضائع؟ إذاً عندما يقدم القرآن أول شيء سيراه الناس فعلاً بأنه الشيء الذي لم تسر عليه الحياة لحد الآن في تاريخ الأمة هذه، ويجدون أنفسهم بأمس الحاجة إليه، كمخرج أمام العدو.

إذاً فالقضية التي هي مطلوب بالنسبة لنا جميعاً بأنه كيف نثق فعلاً بالمسألة على هذا النحو! نقول: كل ما بين أيدينا قد جرب، كل ما بين أيدينا من طرق أخرى قد جربت، وأخفقت، ولم تترك إلا آثاراً سيئة، كتب تفسير، وحديث، وأصول فقه، وعلم كلام، وكتب ترغيب وترهيب، والأشياء هذه كلها، مذاهب متعددة جربت، نظريات أخرى جربت، اشتراكية، علمانية، ليبرالية، رأسمالية، الأشياء هذه كلها جربت وأخفقت، أليست كلها جربت وأخفقت؟ إذاً قد نكون نحن ربما من أكثر الناس إمكانية أن نقدم القرآن للآخرين، أول شيء بالنسبة لنا ليس لدينا عوائق كبيرة، ليس لدينا عوائق كبيرة بحيث أنه مثلاً تجعلنا نؤقلم القرآن على أساس رؤى سابقة لدينا، أعتقد هذه قد تكون موجودة عند الآخرين تقريباً، عند الطوائف الأخرى إشكالية، لكن في حركة الحياة في المرحلة هذه، هناك ما يجعلهم يكتشف لهم ما هم عليه بأنه لم يعد يقدم حلاً، أما عندما يحصل مثلاً هجمة ثقافية، مليئة بالشبه، ربما قد تخليهم فعلاً يتنكرون لأشياء كثيرة، فيكون الشيء الوحيد المقبول هو القرآن، هو القرآن.

نحن قد تكون جريمة كبيرة بالنسبة لنا إذا لم نقتنع بالقرآن مِن صِدْق، والله أعلم كم بقي من عمر الدنيا، لا أحد يدري كم في أعمارنا، وكم في عمر الدنيا هذه بكلها، لماذا لا نحاول نتمسك بالقرآن من صدق، ولا نعتمد على أي تثقيف آخر سواه، مهما كان، وهنا ألم يقدم لنا بشكل لم يعد بعده إلا هل ينتظرون إلا أن يأتي الله أو الملائكة، أو يأتي بعض آيات ربك، هل ينتظرون إلا تأويله، يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل.. يعني آيات كافية، ومعنى كافية، في كل ما تناولته.

هذه القضية يجب أن ننطلق منها بصدق، عندما يقول واحد: لكن بقي، وبقي…! لا يوجد، فقط أنت ما زلت مرجوجاً، أو يكون واحد فقط قد دخل برأس رجله، ورجل ما زالت متشبث بطريقة سابقة، فعندما نتحرك على هذا النحو فعلاً قد لا يكون ربما فيما أعرف في المنطقة العربية هذه نفسها لا يوجد ربما طائفة، ولا شعب عنده فرصة يتحرك على أساس القرآن مثلما عند الناس هنا في اليمن، فعلاً مقومات كثيرة ليست متوفرة في أي شعب آخر، فقد تكون خسارة كبيرة جداً علينا في المقدمة إذا ما تحركنا على أساس القرآن، إذا لم نقدم القرآن للناس، نقدمه على أعلى مستوى، أول شيء نلتزم نحن، عندما نقول: نقدم؛ لنعرف كيف هداه، ثم كيف نتحرك على أساسه ونحن نقدمه للآخرين، وتجد الآخرين فعلاً الآن لم تعد الديمقراطية جذابة لديهم، هل أحد ممكن يقاتل من أجل الديمقراطية الآن؟ من يمكن أن يقاتل من أجلها؟ ولا أحد، أعتقد لا جيش، ولا شعب في أي بلد عربي الآن، اتضح لنا أنهم قد ملُّوا منها، بقي القرآن، والقرآن عندما يقدم قُبِل الإسلام نفسه، يُقْبل الإسلام؛ لأن الإسلام قد شوه حقيقة؛ ولهذا نقول: إنه شيء مؤسف أننا لا نسمع في وسائل الإعلام، لا تسمع أنهم يحاولون يقدمون حلولاً أخرى، وتحليلات كثيرة، لا يوجد تقديم بأن الإسلام يمثل حلاً! لا يوجد كلام حول القرآن نفسه!.

لو قال بعض: القرآن.. فسيقدمه بطريقته التي هو عليها، يقدمه وعنده رؤى أخرى يحكِّمها على القرآن، وقدم القرآن لا شيء، لا يقدم للناس شيئاً.

خلال السور هذه التي قرأناها ألم نجد القرآن ممكن يعطي أشياء كثيرة جداً؟ الإنسان يفهم بأنه يمكن أن يكون هناك صراط مستقيم، تكون أشياء واضحة، تكون أشياء واضحة فعلاً، يوضح لك الأعداء، يوضح لك الطريقة الصحيحة، يوضح لك كيف يمكن يكون تأييد إلهي لمن يسيرون على هداه، يوضح لك بأنه غالب على أمره، بأن الله غالب على أمره، لا يمكن لأي جهة أن تعيق من يتحركون في سبيله مهما كان إلا أن يعيقوه هم، أن يعيقوا سبيله هم، فتأتي السنة الأخرى، يستبدل بهم غيرهم.

كما نقول: نفهم بأن الله هو حي قيوم، وهذه قضية أساسية، وأن القرآن الكريم هو كتاب حي قيوم لا ينفصل عن قيومية الله سبحانه وتعالى، الله يقول في القرآن: أنه على كل شيء شهيد، نعرف كيف نهتدي به، وكيف نسير عليه، وكيف نقدمه للآخرين، وكيف يجعل الناس من أنفسهم نموذجاً صحيحاً، مهما أمكن، وبعون الله، يستعين الناس بالله، دعاء ورجوع إلى الله كيف نكون مثلما قال في آية أخرى: {شُهَدَاءَ لِلَّهِ}(النساء: من الآية135) قضية شهداء أن هذا الشيء عظيم، يبدأ من عملنا مع الناس الذين هم مننا زيود، وأمام الأعداء أنفسهم نحن نقول عن الأمريكيين: أن معهم عناصر تتحرك، وتعمل استبيان للناس، يجب من يسيرون على القرآن أن يقدموا أنفسهم نموذجاً لأمة منضبطة تماماً، أمة عندها رؤية واضحة، أمة ليست تحركاتها عشوائية، ولا كل واحد يمشي على هواه، ولا كل واحد [شوره من قرنه] مثلما نقول.

نحن نقول: هذه من الناحية العملية مهمة جداً، يعملون استبيان، نحن أمام فئة كلما وجدوا الناس أقوياء كلما ضعفوا هم أمامهم، كلما ضعفوا هم، لا تتصور أن الأمريكيين معناه عندما يرون الناس أقوياء، ومنضبطين، ومصرين على ما هم عليه، وعندهم صمود أنهم لن يضعفوا، لاحظ مظهر السجن هذا، كل أسبوع يعتبر إيجابي كبير بالنسبة للناس، في تأثيره على نفوس الأعداء، على الأمريكيين، والإسرائيليين أنفسهم، أمام أمة صامدة، ومثلما قلنا سابقاً: نحن في مرحلة يجب أن نقدم، وليس على أساس أنه عنوان حزب، أو عندنا قيادة محنكة، أو عندنا شخصيات محنكة، قرآن، هذا دين الله؛ لأنه هي القضية الغائبة، البلاد العربية ملان محنكين، وملان مفكرين، وقادة، لكن الشيء الغائب هو ماذا؟ أن يلمسوا أثر دين الله، أثر القرآن، وكيف يكون الناس الذين يهتدون بهداه، هذه القضية أساسية ننطلق فيها.

ولا تأتي الشهادة لله إلا عندما يكون الناس يتحركون في سبيله، وبطريقة معلنة، في سبيله، أننا نهتدي بهداه، نسير على كتابه، لاحظ كيف تكون النتائج؟ عندما يكون الناس بهذا الشكل يكونون محط تأييد إلهي، محط عون إلهي، وفعلاً الناس، الأمة هذه بأمس الحاجة إلى القرآن، لكن من يقدم لها القرآن؟ هذه المشكلة هنا، أنا لا أتصور أن هناك طائفة أخرى، افهموا هذه – على معرفتنا بالطوائف – ما أتصور أن هناك طائفة أخرى يمكن أن يأتي من داخلها ممن هو متمسك فعلاً بما هو سائد في طائفته، يقدم القرآن بشكل إيجابي، أحياناً بعض الطوائف لا يمكن شخص منها يجرؤ على أن ينقد نفسه، وينقد مجتمعه، وينقد طائفته، هذا نادر، بعضهم قد ينقد في مجال وما زال هو [مخربط] في مجال آخر، نحن لدينا إمكانية ننقد الآخرين جميعاً، ننقد ما كنا متشبثين به من أشياء اتضح بأنها مخالفة لكتاب الله داخلنا كزيدية، داخلنا كشيعة، مع الاثنى عشرية، مع طوائف السنة. مجتمعات أخرى، محمد حسين فضل الله نفسه عندما نقد أشياء معينة عملوا عليه ثورة ثقافية، وحملة دعائية رهيبة.

بعض الناس قد يكون فعلاً يتأثر، نحن قلنا من البداية يجب أننا نوطن أنفسنا على هذه، وأنها قضية أساسية فيمن قال الله عنهم: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}(المائدة: من الآية54) لأنه قال بعد: {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}(المائدة: من الآية54) أنه لو يقولون ما يقولون، خليهم يعملون فتاوى، يعملون بيانات، يعملون ما يعملون، طريقة لن يتزحزح الناس منها نهائياً، وهذه هي طريقة القرآن نفسه، كيف قدم في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ كانوا يقولون: ساحر، كذاب، مجنون، مفتري على الله، أساطير الأولين، أشياء كثيرة جداً، ولم يبال بها، واتجه في طريقه ونجح.

الاهتداء بالقرآن – كما نقول – يجب أن نقدمه للناس بالشكل الذي يعطيهم أملاً، يعني كيف رؤية الإسلام في بناء الأمة، هذه قضية، كيف رؤية القرآن في بناء الأمة، تبدأ مننا نحن، عندما نقدمه في أوساطنا، لا تبقى عبارة: [كتاب وسنة] مثلما هو سائد، أليس هو السائد في المجتمع [كتاب وسنة]؟ لكن قد هم عارفين أن كل واحد يرجع إلى الكتاب يأخذ منه الذي على كيفه وخرج ولم يقدم شيئاً، والآخرين مثله، قد ملوا الكلمة هذه، كيف تقدم رؤية يفهم الناس فعلاً بأنها رؤية بنَّاءة للأمة، تمثل حلاً أمام الخطورة الكبيرة التي تواجههم.

القضية هي تحتاج إلى تسليم، مثلما ذكر الله في كثير من الآيات السابقة، ونحن ما قد قرأنا إلا إلى سورة [الأعراف] فقط، كم يوجد داخل كتاب الله بشكل كبير موضوع التسليم لله، والتسليم لله بمعنى أنه يخليك تنضبط، وتعرف كيف تسير على هداه، وإذا ما تزال عند نفس واحد هو يريد يقدم نفسه هو شخصياً، يريد.. يريد.. يريد يكون هو الذي يعرف هو، هو الذي لازم هو بطريقته، وأنه عبقري، وأنه.. وأنه، هذا الذي عانت منه الأمة إلى الآن، هذه الفكرة هي التي عانت منها الأمة إلى الآن، والدنيا ملان مجتهدين [ومفنقلين] وعباقرة، وما عملوا شيئاً، ولم يقدموا للأمة أي حل نهائياً.

قدم الموضوع أنه بالشكل الذي يعطي الناس معارف واسعة، ليس معناه أنه بشكل يجعل الأمة ناس جهلة، تعطيهم معارف واسعة، وحكمة، وتزكية للنفوس في إطار بناء صحيح، أليست هذه رؤية القرآن نفسه؟ فعلاً. فعندما يأتي واحد هو يرى أنه ما استطاع أن يقدم القرآن تماماً، ويفهم منه تماماً مثلاً، مثل فلان، أو فلان، يفهم بأن القضية ليست على أساس أنه هو لا قيمة له عند الله، أنه من أجلك، ومن أجل هذا، ومن أجل الآخرين الله يعمل الطريقة هذه، يصطفي نبي، اصطفى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ ليكون على أعلى مستوى؛ ليقدم ما عنده من مؤهلات، وما عنده من علم ومعرفة كلها للناس، أليس هكذا؟.

نحن نقول: إن القضية أن نسلم أنفسنا لله، نحصل على المعرفة، على العلم، على نفوس زاكية، إذا برز الإنسان بنفسه سيخسر علماً كثيراً، ومعارف واسعة، ستفوتك معارف كثيرة جداً عندما تنفرد بنفسك؛ لأن الله هو أعلم بك من نفسك، وهو الذي يؤتي العلم هو، أنت تريد أنت من جهة نفسك تحصل على علم من جهة نفسك فيما يتعلق بموضوع الهداية والثقافة، بدل أن تخسر من هو محيط بكل شيء علماً ومن قال لنبيه: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}(طـه: من الآية114) أليس رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) إنسان اصطفاه الله، وأكمله، ويعلمه بأن عليه أن يتوجه إلى الله؛ ليحصل على العلم من عنده هو {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}.

وأعتقد في هذا الكفاية لحد الآن – لأن الكثير ربما قد يسافرون الصباح – أنه قد اتضح لنا من خلال الذي قد قرأناه من القرآن، وهي سور محدودة من [البقرة] إلى أول سورة [الأعراف] وما يزال نسبة بسيطة من القرآن، ألم يتضح لنا عظمة القرآن؟ اتضح لنا فيها سعة ما يتناوله، اتضح لنا فيها أنه ملامس لواقع نفوس الناس، وحياة الناس، أنه كتاب حياة، اتضح لنا فيها بأنه لم يقدم كدستور مفصول عمن قدمه كما هو شأن الدساتير التي تصاغ في الدنيا، قد تقرأ أي دستور من الدساتير ولا تدري من هو الذي كتبه، من الذي صاغه! اعرف ما هناك ارتباط بشخصه، هو يقدم قوانين، مواد، مادة كذا، مادة كذا، إلى آخره.

القرآن ألم نلمس بأن فيه الله بشكل واسع؟ يعني: اسمه في داخله بشكل واسع، توجيهاته، وليس مشابهاً للدساتير والقوانين، ماذا يعني هذا؟ أن الذي أسماؤه داخل القرآن هو الحي القيوم، يعني: أن القرآن غير مفصول عنه على الإطلاق، غير مفصول عنه نهائياً، إذا فهمنا القضية هذه، وحاول الإنسان أن يدعو الله في بقية هذا الشهر، ندعو الله أن يهدينا، أن يبصرنا، أن يرشدنا بكتابه، أن يعيننا على أن نهتدي بكتابه، أن يعيننا على أن نقدم كتابه للآخرين يهتدون به، هذا هام جداً في بقية الشهر هذا؛ لأنه من أحسن الأوقات للدعاء، وليهتدي الإنسان هو نفسه. ونحن نقول: هي قضية أساسية فيما بينه وبين الله، يعني: إفهم بأن باستطاعتك أن تعمل هذه، ليس على أساس أنك منتظر ماذا يمكن أن يأتي من كلام، ثم بعد تنظر، هل تقطع مع الله فيما بينك وبينه، التزام بأن تسير على هداه، وتسلم نفسك له، هذه القضية بإمكان واحد يبدأها حتى من بعدما يسمع [الفاتحة].

إذا كان على هذا النحو يمكن فعلاً أن يحصل على هدى، ويهتدي، إذا جلس هكذا ما زال مرجح، ما زال منتظر يعين كيف… لما ينجح الموضوع، في الأخير ربما ينجح الموضوع ولا يهتدي، ثم عندما ينجح القرآن، وقد قدم لك بطريقة هامة، ما هو الذي أنت ما زلت منتظراً أنك تهتدي به ولم يعد بإمكانك أن تهتدي به. ربما فعلاً قد لا يعد يهتدي الإنسان، تكون القضية من البداية يستطيع الإنسان بأنه يقطع مع الله، والتزام ويطلب منه أن يعينه، أنه سيهتدي بهداه، ويسير على كتابه، على ما هداه إليه كتابه. الله يوفقنا جميعا لما فيه رضاه ويعيننا على طاعته ويهدينا إلى الصراط المستقيم. ن الخشب\ب

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله،،،

 [الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

التعليقات مغلقة.