saadahnews

سورة الاعراف الدرس الثامن والعشرون

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

تدلنا هذه الآيات التي سمعناها، قول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ}(الأعراف: من الآية204) فالإنسان إذا استمع إلى القرآن الكريم يجد أنه كتاب يفهم منه الكثير، أليس كذلك؟ يفهم منه الكثير وهو كما قال الله فيه: كتاب مبارك، أثره في النفوس أثر عظيم، أثره في النفوس مبارك، أثره في الحياة مبارك.

هذه الآية تعني: بأن كتاب الله سبحانه وتعالى فيه الهدى الكامل، هذه الآية هي شبيهة بالآيات الأخرى التي تقول بالنسبة للقرآن الكريم: {فَاتَّبِعُوهُ}(الأنعام: من الآية155) هي تعني: أن هذا الكتاب شامل، وكامل، وآيات واضحات، وبينات واضحات، وبلاغ مبين. مطلوب من الإنسان أن يستمع، أن يتبع، كما نقول أكثر من مرة: أن هذه الآيات تعني: أن موضوع الهدى هو جاهز، هو جاهز، والإنسان عليه أن يستمع، وعليه أن يتبع. لكن هنا قال: {وَإِذَا قُرِئَ} والخلاف حول من يقرأ، مطلوب بالنسبة للإنسان هو عندما يقرأ، عندما يقرأ القرآن أن يتدبر، وأن يتذكر، كما قال الله في آيات أخرى. لكن بالنسبة للقرآن الكريم، موضوعه واسع جداً، أوسع مما يمكن أن تتناوله أنت فردياً، من أشياء تفهمها من ظاهر آياته. هناك كما هي سنة من سنن الله تعالى أنه ينزل كتبه إلى رسله، ثم بعد الرسل يورث كتبه من يصطفيه من عباده؛ ليتلوها على الناس، ليقرؤها على الناس.

الله قال عن رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله): {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ}(النمل: من الآية92) أي أن يتلو القرآن، مع أنه إنسان أمي، وهناك قراء آخرين من أصحابه، هم قراء للقرآن، ويعرفون القرآن، باعتباره بلغتهم العربية، لكن لازم أن يتلوه النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) عليهم، كثيراً من هذه الصيغ التي تأتي بعبارة: المبني لما لم يسم فاعله، مبني للمفعول – كما يقولون – قُرِئ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}(الجمعة: من الآية9)، {وَإِذَا قُرِئَ} لا تعني بأن الفعل مبني للمجهول، نحن نقول: هذا من الصيغ النحوية التي تعتبر غير صحيحة أن يقال دائماً: مبني للمجهول، لا، مبني للمعلوم، إيكال على ما هو معلوم، وأنه سبحانه وتعالى يجعل من يقرأ، من يتلو، وفي موضوع الجمعة هو الذي يحدد كيف تكون الجمعة، وهو الذي يجعل من ينادي للجمعة. فإذا قال: {إِذَا نُودِيَ} ليس معناه أطرف مكبر، أو أطرف واحد يقرأ القرآن.

نحن نقول بالنسبة لتلاوة كثير من هؤلاء [الوهابيين]، تلاوتهم تشوه القرآن، ومثل هذه التلاوة التي نسمعها، تلاوة [المنشاوي] تلاوة جميلة، تلاوة شجية، يعني: كأنها تلامس معاني القرآن، تلاوة ليست بصوت غير مقبول، وليست مطولة. ونعمة كبيرة علينا، نعمة كبيرة في هذا الزمن أن يكون بإمكان الإنسان أن يستمع تلاوة القرآن بشكل جيد؛ لأنه قد يكون الكثير منا ليس لديهم أصوات جيدة، إذا قرأ القرآن سيشوهه. أعتقد أنه على أساس ما أعرف أنا، أنا نفسي عندما أستمع تلاوته يعجبني أحسن من لو تلوت أنا، أسمع تلاوته، وأتأمل على ضوء تلاوته، في موضوع الصوت هو يكفي، يقدمه بشكل جميل، وصوت شجي.

هكذا يتكرر في القرآن الكريم موضوع، نحن نقول في كثير من آيات الله: أن هذه القضية هامة داخل القرآن الكريم، أن الله يقول للناس: إن بيناته كاملة، وواضحة؛ فليتبعوا، وليستمعوا، ليست بحاجة إلى أن يبحثوا، يستنبطوا، يبحثون لهم عن آليات، ثم يستنبطون! ما معنى البحث والاستنباط، والأشياء داخله، ما هو المنطق الذي ساد فيما بعد في ثقافتنا العلمية؟ تقرأ من أجل تستطيع أن تستنبط! تقرأ أشياء أخرى – مثلاً – أصول فقه، من أجل أنك تستنبط! هنا يقول: الموضوع قدم بالشكل الذي لا يحتاج منك أي عناء سوى أن تتبع، تستمع وتتبع.

فهذه تعتبر قاعدة هامة، وكما هو واضح أيضاً داخل القرآن الكريم، وقد تحدثنا بالأمس حول بعض الآيات: أن هذه سنة من سنن الله سبحانه وتعالى، أنه يقدم هداه كاملاً، وبيِّن، يقول في القرآن الكريم: بأنه كتاب مبين، يسمي فقراته هذه آيات بينات، يأتي الخطأ فقط من جانب أن لا يفهم الإنسان كيف موضوع الهدى من أساسه، هذا الهدى الذي قدم للبشر على أي أساس هو؛ ولهذا يأتي الخطأ أن كل واحد عنده أنه هو، هو، يفهم كل ما داخل هذا القرآن، والقضية من أساسها هي ليست بهذا الشكل، الله سبحانه وتعالى كما قال في آيات أخرى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}(السجدة: من الآية13)،و{لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً}(الرعد: من الآية31) وعبارات من هذه، لكن موضوع الهدى هذا هو قدم على أساس بناء أمة؛ ليكونوا جميعاً قوامين بالقسط.

عندما تتصور بناء أمة معناه: أن الإنسان، كل واحد يعتبر لبنة في بناء، لبنة في بناء، سيفهم من ظاهر القرآن الكريم أشياء كثيرة جداً تساعده على أن يلتزم، في نفس الوقت عليه أن يعرف أن مهمة البناء، بناء هذا الكيان، مهمة إقامة هذا الدين، عندما يكون الإنسان هو عبارة عن لبنة في بناء، لإقامة الدين معنى هذا أنها مهمة كبيرة جداً، فيجب أن تعرف بأن هناك مواضيع كثيرة أخرى هي مبنية على هذا الأساس، على أساس ماذا؟ أنها تقدم بالشكل الذي لا بد أن يكونوا أمة واحدة، أن يكونوا كياناً واحداً، أن يكونوا كتلة واحدة.

لأن الكثير من الهدى الذي في القرآن الكريم، عندما ينظر الإنسان فردياً هو، ألست قد ترى أشياء كثيرة جداً منه خارج دائرتك أنت؟ فعلاً، أي بالنظر إليك أنت كشخص، وأنت تفترض بتكليفك الخاص أنت، تقول صلاة ممكن صلاة أصلي مقبولة، صيام ممكن أؤدي الصيام هنا أستطيع من الصباح إلى الليل، ذكر الله ممكن أذكر الله، زكاة ممكن أؤدي، أشياء هذه محدودة، أليست تعتبر محدودة؟ لكن تجد المساحة الواسعة في الدين، تجدها قضية جماعية، خطاب جماعي، مهام جماعية، هذه المهام الجماعية عندما تأتي أنت بنظرتك الفردية إليها سترى بأن هذا مبني على أنه إذا كان هناك استطاعة، وفي الأخير تقول: أنا لست مستطيعاً، وهذا الذي حصل، الذي حصل عند الناس، عندما ترسخت النظرة الفردية، لم يبق لديهم ما يتناولوه إلا الأشياء الفردية، تراهم مصلين، وصائمين، وحاجين، ومزكين، ومتصدقين، الأشياء الأخرى وهي المساحة الواسعة يبدي عليها ورآها وقال: هذا يمكن كذا… مثل: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14) {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}(آل عمران: من الآية104) {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}(النساء: من الآية135) {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}(الحج: من الآية78) {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية167) أليس هو يراها خطاباً لأمة، وبدا عليها.. و قال: [هذا فيما إذا كان واحد مستطيع، وليس باستطاعتي أنا، ورجع.. ورجع.. ورجع..].

لهذا ترى في الأخير أن الذي قعد عنه الناس يمثل نسبة كبيرة جداً من الدين، بسبب هذه النظرة الفردية، إلى درجة أن الأشياء الأخرى لم يعد لها قيمة في واقعنا، وكما نقول أكثر من مرة: بأن الله يذكِّرنا بأن الأعمال هنا في الدنيا، تستطيع أن تعرف أن الأعمال مقبولة، ولها قيمة، أو أنها محبطة، يربط بين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، يقول هناك: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}(العنكبوت: من الآية27) فنظرنا إلينا وإذا نحن ملايين مصلين، وملايين يحجون، وملايين يصومون، وكم يشترون من مسابح يسبحون، أسواق تكون في المدينة، وفي مكة يشترونها في [الشوالات] مسابح، ولكن هذه الأمة رأينا واقعها بالشكل الذي يبدو أن كل هذه الأعمال قد فرغت من محتواها، ولم تعد ذات قيمة بالنسبة لواقعها، إذا لم تعد ذات قيمة بالنسبة لواقع الحياة فاعلم بأنها ليست ذات قيمة عند الله؛ لأنه هو الذي وعد أنه إذا كانت الأعمال متكاملة، ومقبولة، سيجعل لها أثرها هنا، وأثرها في الآخرة، فإذا لم نلمس لها أثرها هنا يعني ماذا؟ أنها ليست مقبولة، ليست أداء للدين كما أمر.

إذاً فتجد أنه فعلاً بسبب النظرة الفردية التي رسخها أصول الفقه، جعلت كل إنسان يبدي على الدين واختار الأشياء التي يمكن يأخذها، واعتزل له هناك، وبقية الأشياء يقول: [لا نستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ما يلزمنا] وأشياء من هذه.

إذاً فنفهم جميعاً أن النسبة الكبيرة من الدين هي خطابات جماعية لأمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}(البقرة: من الآية104) وتجدها فعلاً بالشكل الذي لا يمكن لشخص أن يقوم بها، بمعنى أنه يجب أن تكون أنت ضمن أمة يتحركون في أداء هذه الأشياء التي لا يستطيع أن يقوم بها شخص واحد، حينها ستقبل الأعمال الفردية منك، ستقبل الأعمال الفردية من الناس، بل بدت القضية بشكل آخر، بشكل أنه حتى لو هناك خطايا، أو أشياء، أن الله سيغفرها لمن هم مجاهدون في سبيله، لمن هم متحركون لإقامة القسط، لمن هم يعملون على إعلاء كلمته.

بل رأينا تلك العبادات من أبرزها وأهمها الصلاة، ألم يجعلها بالشكل الذي كيفما أمكن وأنت في ميدان العمل لإعلاء كلمة الله؟ لم يقل: توقفوا، اتركوهم هناك يعملون ما يريدون وابدءوا صلوا ركعات كاملة، بأذكارها كاملة، ولو يحصل ما يحصل! هو قال هناك: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}(البقرة: من الآية239)، هذه الصلاة التي هي كما نراها في القرآن في كثير من المواقع، وهي من أهم العبادات فعلاً لكن هذا مما يعتبر مثلاً واضحاً لنا، عندما تجد العبادة الهامة، وهي الصلاة في حالة العمل لإقامة الدين أديها على الحالة، إذا لم يمكنك أن تصلي وأنت على ظهر الفرس، كما كان في الماضي، أنت في ميدان الجهاد، حضر وقت الصلاة وأنت لا تتمكن فعلاً من أن تصلي أربع ركعات، أو ثلاث ركعات في الأرض فصل على الحالة، وأنت تقاتل، وكبر، واقرأ ما تيسر، وسبح، وهي صحيحة.

ماذا يعني هذا في الأخير؟ يعني بأنه لو قلنا: [لا، نترك هذا المجال، الجهاد في سبيل الله، العمل لإعلاء كلمة الله، ونصلي، نترك ما دام أنه قد يؤدي الموضوع إلى أنه لا يعد يلحق له إلا قراءة هكذا خطف، لا يتمكن حتى من أن يسجد، لم يعد هذا عمل صالح قد هذا قلة خير، اتركونا نتركع، وما لنا دخل!!] تركعنا سنين، أليس الناس متركعين سنين، ومبنين مساجد، ومليئة بالمصلين؟ وجدنا ليس لها قيمة.

كانت تلك الصلاة التي هي خطف فوق ظهور الخيل، وفي ميدان الجهاد رجالاً، أو ركباناً، تعتبر ذات قيمة كبيرة، وليس فيها لا سجود ولا ركوع، وإنما فقط الحاصل، ذات قيمة كبيرة أفضل من الركعات التي نصليها طويلة، وسجود، ويمتد واحد، ويسبح حتى يشبع، ويقوم ويقعد، ويضيف نوافل؛ لأن هذه ليس لها قيمة، والموضوع الآخر معطل، العمل لإعلاء كلمة الله.

فعندما نفهم فعلاً بأن الهدى هكذا من جهة الله سبحانه وتعالى، في خطاب، في مساحة واسعة من الخطاب جماعي، ومعلوم عند البشر بفطرتهم عندما يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}(آل عمران: من الآية104)، {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}(النساء: من الآية135) أليس معناه: أن يبنوا أنفسهم على أفضل طريقة، ككيان لأمة، ومعلوم عند البدو من البشر، عند البدائيين من البشر، كيف يجب أن يكونوا أمة، ومع هذا تناول القرآن الكريم تعليمات وافية، وخطة وافية، وكاملة في بناء أمة، من الناحية الهيكلية، ومن الناحية التربوية، قدمها بشكل كامل.

إذاً فلتفهم بأن موضوع الهدى هو مبني على هذا، غير طبيعي أن يقال بأن بالإمكان أن تتناول أنت كل شيء في القرآن؛ لأنك ترى معلوماً أمامك تراه أن كثيراً منها، وإن كنت مؤمناً بها لا تستطيع أن تقوم بها أنت؛ لأنها منوطة بالأمة، إذاً أنت من ضمن أمة يعنيً يجب أن يكون الموضوع مرتبطاً بمن؟ بمن هو على رأس تلك الأمة التي تبني نفسها على ما أمر الله في كتابه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} و{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}.

وجدنا في أيام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) مع أن القرآن نزل بلغة العرب، وهم عرب، ونزل بلغتهم، ألم يكن موضوع الهداية، موضوع هدايتهم، تعليمهم، تزكيتهم، تربيتهم متوقفة على النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ هل أمكن أن يقول كل شخص منهم: هذا كتاب عربي، وبلغتي، وسوف آخذ منه، وأفهمه من غير هذا، ومن غير هذا؟ لا يمكن. إذاً فإذا لم يفهم هذا، أو هذا، أو هذا، لم يفهم من القرآن إلا أشياء معينة، وأشياء أخرى لم يفهمها فيرجع إلى نفسه، ويقول: يكفي، هذا القرآن هو هذا الذي قد فهمناه، فمنه ما فهمناه يمكن نؤديه، وأشياء فهمناها نتركها مكانها.

عندما انطلقوا فعلاً داخل، في مسيرتنا الثقافية قدموا فكرة: أن الله كيف يمكن يخاطب الإنسان بالقرآن ثم لا يفهمه، أليس هكذا؟ معنى هذا أن كل إنسان يستطيع أن يفهم القرآن كاملاً، هذه جاءت من عند المعتزلة. لكن لو تسأل أي واحد منهم، اتفقنا، هذا القرآن أمامك وأمامي، فهمنا منه، أو افترض أننا فهمناه. فهمنا منه أشياء يمكن أن أؤديها فردياً، كيف سيكون العمل بالنسبة للأشياء الكثيرة جداً التي داخله ونراها خطاباً جماعياً، ولا يمكن أن يؤديها إلا أمة؟.

إذاً فكيف الموضوع هنا؟ لمن هذا الموضوع موكول؟ أليس معناه أنه لا بد من أمة، الأمة أليس معناها أن تبنى بناء، وأن تربى تربية؟ إذاً نقول: لا بد أن تكون هذه القضية، إما أن تؤدي إلى أنه فعلاً فهمنا القرآن، لكن فهمنا أن 70% منه يجلس على جنب، أليس هكذا؟ هذا يعتبر غلط، ألا يعتبر غلط؟ بالتأكيد، فهمنا أنه لا بد من أمة، وأن هذا القرآن في منطقه، في أسلوبه، كتاب عملي، وليس كتاباً يمكن تقرأه هكذا كما تقرأ كتاب مجموع فتاوى، أو مجموع قصص، أو أشياء من هذه، كتاب عملي.

نقول: إذاً هنا القرآن الكريم يخاطبنا، وأنا وأنت الأفراد الذين نقول أننا فهمنا القرآن يخاطبنا ضمن أمة، إذاً لا بد أن هناك طريقة لبناء الأمة، ولا بد أن يكون النسبة الكبيرة موكولة إلى من هو موكول إليه توجيه أمة، وتربية أمة؛ لبنائها بهذا الشكل على أساس القرآن.

القضية برزت بالنسبة لمن قالوا هذا الكلام بشكل واقعي، أصبح ملموساً، ورأيناهم فعلاً فشلوا، مثلاً كل واحد عنده أن بإمكانه أن يعرف القرآن، يفهم القرآن، إذاً أنت فهمت القرآن، وهذا فهم القرآن، وذلك فهم القرآن، لكن ماذا قدمتم بعد؟! الذين ادعوا أنهم فهموا القرآن، والإنسان يستطيع أن يفهم القرآن هو كاملاً! سلمنا أنت فهمته، لكن ماذا قدمتم بعد، تراهم صفوفاً مجتهدين، ممن يدعون أنهم يفهمون القرآن كاملاً، ماذا قدموا؟ هل قدموا القرآن؟ هل استطاعوا أن يقدموه؟ وهل استطاعوا أن يبنوا الأمة على أساس القرآن؟ هل استطاعوا أن يهدوا الناس على أساس القرآن؟ هل استطاعوا أن يبنوا أمة قائمة بالقسط؟ بل العكس الذي رأيناه فعلاً، قدموا مفاهيم مغلوطة، جعلت الناس يقعدون عن أن يكونوا قوامين بالقسط، ويتفرقون عن أن يكونوا أمة واحدة تدعوا إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أليس هذا الذي حصل؟.

إذاً فمسألة الهدى هي مبنية على أساس الغاية التي يريدها الله سبحانه وتعالى من وراء هذا القرآن بالنسبة للناس، وكما نقول أكثر من مرة: أنه يجب أن تفهم عندما نسمع الله يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} أن تنظر إلى القرآن أنه كل توجيهاته، وكل أحكامه، وكل تعاليمه مبنية على بناء أمة، وخطاب لأمة، حتى في منطقه، في أسلوبه، أليس هو يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}(الصف: من الآية14) أليس يخاطب أمة؟ عندما يخاطب أمة على هذا النحو ليس معناه أن كل واحد سيأخذ نصيبه من الأمر مثلما حصل بعد، الذي حصل بعد يأتي واحد يقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14)، هو يعرف أنها خطاب جماعي، ويعتبر أن الجماعة تكون مكونة من أفراد هو واحد منهم، نظر لقسمه من كونوا ووجد بأنه ماذا؟ لا يستطيع أن يكون إذاً فما يلزم! هذا الذي حصل فعلاً؛ ولهذا تجد أنه كثير ممن قرءوا على أساس الثقافة هذه التي نشكو منها دائماً يعرفون أن هذه خطابات جماعية، لكن قد ترسخت لديه النظرة الفردية، وأصبح التكليف لديه يعني ماذا؟ تكليف فردي، الخطاب أن يأخذ ما يخصه من الموضوع، فإذا رأى نفسه بأنه لا يستطيع أن يقوم بنصيبه قال: [إذاً ما يلزم]! أليس هذا في الأخير أدى إلى تجميد القرآن الكريم؟.

أدى قراءة اللغة العربية نفسها، وهم قرءوا اللغة العربية، وفي اللغة العربية يعرف الإنسان الخطاب الجماعي، والخطاب الفردي، أليسوا يعتبرون أن واو الجماعة يعني خطاباً جماعياً {كُونُوا} {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} أما هذه فقد كلمة أمة تعني الجماعة بنفس الصيغة، ومع هذا كان للنظرة الفردية أثرها الكبير في أنه ينظر إلى الخطاب الجماعي، ويرى واحد نفسه واحداً من الجماعة، أخذ نصيبه، ورأى بأنه لا يستطيع، وتركها مكانها، والثاني مثله، وتركوا كل شيء مكانه.

الشيء الذي يجب أن يفهمه الإنسان أنه هكذا القضية: نحن كأفراد نفهم من القرآن أشياء كثيرة، ونفهم من القرآن أنه خطاب لنا جميعاً، وسنظل في إشكالية كيف نعمل حتى نكون بالشكل الذي نؤدي ما أوجب الله علينا في هذه الخطابات، وما وجهنا إليه، أليس هذا يعتبر سؤالاً؟ إذاً، فنعمة من الله؛ ولهذا قال: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى}(الليل:12)، {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}(القيامة:17) نعمة من الله أن يجعل وهي سنته من يبين لنا القرآن الباقي، إذاً فهل فات علينا شيء؟ هل يعتبر الإنسان أنه فات عليه شيء؟ إذاً نقول: بإمكاننا أن نفهم القرآن لكن بالطريقة هذه، ما نفهم على سبيل التذكر والتدبر، وما نفهم عن طريق قرناء القرآن، هنا سنعرف من القرآن الكثير، وسنعرف كيف نبتني على أساس القرآن، وسنعرف كيف نكون قوامين بالقسط على أساس القرآن، وسنعرف كيف نكون أمة تدعو إلى الخير – إلى آخر الآية – على أساس القرآن.

أليست هذه هي الفكرة الصحيحة؟ هذه هي الفكرة الصحيحة. فالذين يقولون بالنظرة الفردية لا فهموا هم كل القرآن على ما يقولون، ووجدوا أمامهم أشياء كثيرة، في الأخير يتخلص منها، ويعزلها على جنب، وفاتهم ما كان يمكن أن يفهموه، وأن يكونوا عليه؛ لأن من قيمة القرآن بالنسبة لك أن يصلح واقع لديك، تبتني نفسك على أساسه، يبتني مجتمعك على أساسه، وهذا هو الهدف، هدف رئيسي للقرآن، ليس مجرد فقط أشياء، معلومات داخل أوراق، أن يكون له أثر هناك في واقع الحياة، فاتهم هذا الشيء تماماً، فاعتبر أنه فاتهم أكثر الدين، وأن هذه طريقة تؤدي بالإنسان إلى أن يفوته معرفة أكثر الدين، وإلى أن يفوته معرفة كيف يقدم للأمة ما يبنيها، كيف يقدم للأمة ما يعتبر فعلاً مبرراً لها أمام الله سبحانه وتعالى، وينجيها من غضبه في الدنيا وفي الآخرة.

هنا قال: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(الأعراف:204)، ولأنها قضية هي تمشي في اتجاه واحد، وقلنا بهذا الكلام سابقاً، أن الله يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}(القمر: من الآية17)، ما هذه واحدة؟ إذاً عندما نسمع آيات من القرآن الكريم، وبإنصات، وتدبّر، وتأمل ستعرف من ظاهرها الكثير، الشيء الذي يقدم لك من غيرك سيكون أيضاً كثير لكن ماذا؟ وفي نفس المجال، لن ترى شيئاً يقدم لك خلاف ظاهر الآيات الذي يحصل لديك بتذكرك الطبيعي، وتدبرك من ظاهر الآيات، معنى هذا يزداد الإنسان معرفة؛ ولهذا كان القرآن الكريم ينزل بلغة العرب، ويفهمون ما يفهمون، وأيضاً يأتي الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول عنه: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ}(البقرة: من الآية129).

التعليم من جهة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مهما كان واسعاً دائماً يكون في نفس الاتجاه، لن تقدم أشياء متناقضة، لن يكون ظاهر القرآن متناقضاً مع ما يقدم من قرناء القرآن، مهما كانت القضية ذات عمق، فيعتبر ما يفهم الإنسان من ظاهر سماعه للتلاوة يعتبر ماذا؟ يعتبر أساساً يجعله يقبل ما يقدم له، ولن تكون القضية متباينة إلا إذا كان من يقدمون القرآن ليسوا من قرناء القرآن. عندما نقول: قرناء القرآن لا يعني فقط أن يكون أي واحد من أهل البيت؛ لأنه وإن كانوا من أهل البيت قد يكون الكثير منهم ليسوا قرناء قرآن، أن يكون هو بخصوصه، كل واحد يدعي أنه بخصوصه قرين قرآن، قرين قرآن،.. إلى آخره.

إن الله كما قال في القرآن نفسه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}(فاطر: من الآية32) أنه هو يورث، يورث من داخل بني إسرائيل، يورث من داخل آل محمد، ويعتبر مهمة آل محمد كدائرة – مثلما قلنا لكم سابقاً – مهمة أخرى في موضوع وراثة الكتاب. بنوا إسرائيل مهمتهم كدائرة مهمة أخرى أيضاً بالنسبة لكتب الله، ونحن نقول: إنها عبارة عن دوائر، وتبين من خلال الآية السابقة التي قال الله فيها: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ}(آل عمران: من الآية33) أليست هذه دائرة واسعة؟ {وَآلَ عِمْرَانَ}(آل عمران: من الآية33) أليس آل عمران داخل؟ آل عمران: مريم وأمها وأبوها، تصطفى تلك الدائرة؛ ليأتي من داخلها علََم للأمة، وفي المقدمة بنوا إسرائيل، أليس هذا واضحاً في الموضوع؟.

لهذا يأتي الإنسان يسمع أحياناً أشياء ستراها متنافية مع ظاهر القرآن، متى ما جاء آخرون يقدمون، بعضهم يقدمونه بتحريف متعمد من أجل مثلاً تأقلم مع أهداف سلطة معينة، وبعضهم بسبب ماذا؟ بسبب انحراف ثقافي قائم لديه، يجعله ينظر نظرة معكوسة فيقدم الأشياء بشكل تبدو في الأخير متباينة مع ظاهر القرآن.

فلِتَكون القضية مضمونة بالنسبة للناس أنه بالنسبة للناس لا بد أن يقرؤوا القرآن، وأن يتلوا القرآن، وأن يتعودوا على تلاوة القرآن باستمرار، هذه قضية تعتبر أساسية في ماذا؟ في أنهم يفهمون أشياء كثيرة، وأساسية؛ ليعرفوا من هو الذي يمكن يقدم القرآن بشكل صحيح؛ لأنك عندما تكون هكذا ليس عندك فهم أنت، هذا الفهم الأول، تسمع واحد هناك يتكلم حول آية قد فعلاً يكون يقدمها بطريقة غلط، وتقبل، لو أنك إنسان كنت مثلاً متعود على تلاوة القرآن، وتفهُّمه، وتدبُّره، لعرفت أن هذا ربما معاكس لظاهر آيات سمعتها أنت، وتلوتها أنت.

هذه تشكل ضمانة بالنسبة للناس، وفي نفس الوقت فعلاً نقول سابقاً: بأنه بالنسبة للناس لا غنى لهم عن أن يستمعوا القرآن، لا غنى لهم عن أن يقرؤوا القرآن، أو يستمعوه على الأقل، إذا الإنسان ما هو قارئ، لا يستطيع أن يتلوه، أن يستمعه؛ لأن هذه القضية أساسية، وقضية أساسية في البركة، فالإنسان الذي يرشد الناس بالقرآن، سيكون لإرشاده بركة، الناس الذين يتعودون على تلاوة القرآن يحصل لهم بركة، إذا كانوا بعيدين عن القرآن، ومن يقدمه يقدم لهم أشياء بعيدة عن القرآن أصبحوا جميعاً في ضلال بعيد، ضلال مبين.

هنا في هذه الآيات، فيها كلام كثير حول بني إسرائيل، وفي الآيات السابقة عُرض فيها كيف يكون هدى الله سبحانه وتعالى على يد أنبيائه بالنسبة للأمم، تلك الأمم التي تنتهي المسالة فيها إلى ماذا؟ أن تكذب فتضرب، إذاً هذه قضية.

القضية الثانية: أمة تستجيب لكن يحصل داخلها أشياء كثيرة، تجد أيضاً كيف هدى الله داخل أمة تستجيب كعنوان، مثلما كان بنو إسرائيل بالنسبة لموسى، ومثلما العرب والمسلمون الآن بالنسبة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، كيف أيضاً يأتي الهدى داخل أمة من الأمم التي استجابت استجابة مبدئية – كما يقولون -؛ ليعرف الإنسان هنا قدرة الله سبحانه وتعالى، ورحمته الواسعة، قدرته العظيمة في أنه يقدم هدى لمختلف الفئات من البشر، مَنهم هناك مشركين ضالين، بشركهم، بعقائد باطلة، وتركيبتهم الاجتماعية على هذا النحو العشائري، أو تركيبتهم الاجتماعية تركيبة دولة مثل فرعون والمصريين في أيامه، كيف يكون هدى الله، يصل إلى الدرجة التي يتبين لهم فعلاً أن هذا هو الحق، وكيف تكون نهايتهم عندما يكذبون.

ثم تجد أيضاً كيف يكون هداه، ووعده ووعيده داخل أمة استجابت مبدئياً، بالنسبة للبشر – حتى يعرف الإنسان أن هذه قضية يختص بها الله سبحانه وتعالى – بالنسبة للبشر قد تجد إنساناً مثلاً عنده قدرة قانونية – كما يقولون – قدرة في مجال التقنين، وصياغة التشريعات، لكن قدرته تكون في اتجاه واحد، لا يستطيع أن يصيغ لأمم متعددة، لفئات متباينة في تركيبتها الاجتماعية، قد تكون أيضاً متباينة باعتبار بيئتها، تركيبتها الاجتماعية، وبيئتها تخلق تبايناً أيضاً بالنسبة للنفوس. فتراه وهو يشرع، لكن يشرع وفق النظرية الديمقراطية مثلاً، لو يأتي إلى مجتمع آخر ليس حول الديمقراطية لا يستطيع أن يشرع له، لا يستطيع أن يقدم له توجيهات.

تجد الله سبحانه وتعالى هكذا؛ لأنه على كل شيء قدير، يقدم هداه بالشكل المتكامل لكل فئات البشر، وتجد في الأخير كيف ستكون عقوبة من يكذبون كأمة، مثلما حصل لقوم نوح، وعاد وثمود، والأمم السابقة، وكيف من يحصل من داخلهم التكذيب من داخل الأمة الفلانية، وتجد في نفس الوقت مظاهر رحمة الله هنا وهنا، مظاهر رحمته، جاء في الأسلوب السابق عن الأنبياء، وهو يحكي أسلوب الأنبياء أليس أسلوباً لطيفاً، وناس صدور فسيحة لديهم، صدورهم فسيحة، يقول لهم الآخرون: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالةٌ}(الأعراف: من الآية61) آخر يقول: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}(الأعراف:67- 68)، أليس هذا يعني أنه إنسان ناصح أمين، وصدره فسيح، يواجه حتى الكلام القاسي منهم، لا يجعله بالشكل الذي يجعله ينفر منهم، يواجهه بمنطق لين، هنا مظهر من مظاهر رحمة الله إلى آخر درجة.

تجد نفس الشيء بالنسبة للأمم داخلها، الأمم التي تستجيب مبدئياً، وكيف يأتي كثير من مظاهر رحمته داخلها، ومن أبرز الأشياء التي قدمت في الموضوع ما حصل مع بني إسرائيل؛ لتعرف هنا كيف هداه متكامل، ثم كيف رحمته واسعة كما قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}(الأعراف: من الآية156) ثم في نفس الوقت كيف بطشه شديد، وانتقامه شديد.

ثم تعرف أيضاً بالنسبة لهداه أنه ليس فقط مجرد إيمان، بنوا إسرائيل آمنوا بموسى، وآمنوا بالتوراة، ولم يقل: يكفي؛ لأنها قضية عملية تقوم عليها الحياة، تبنى عليها النفوس، وتبنى عليها الأمة. ما كان عقابهم لمجرد أنهم ليسوا مؤمنين، أو لأنهم ليسوا مؤمنين بموسى أنه نبي، هم مؤمنون بأنه نبي، أو لأن التوراة، أنهم ليسوا مؤمنين بأنها من عند الله، هم مؤمنون بأنها من عند الله. كانت العقوبة لأنهم لم يلتزموا؛ لنعرف في الأخير أن هدى الله سبحانه وتعالى يأتي من جانب ملك هو الله، يأتي من عنده باعتباره ملك، والملك معناه ماذا؟ يدبر ويوجه بالشكل الذي تقوم عليه حياة الناس، وتبنى عليه نفوسهم، ومجتمعاتهم، لم يأت عبارة عن خطبة مكتوبة من عند واحد في مسجد يوعظ فقط، فقط إنما يلقي موعظة، هذا خطاب من عند ملك السماوات والأرض؛ ولهذا تأتي هذه العبارة داخل كلام كثير حول الهدى، حول تشريع في سور القرآن الكريم.

فهنا يذكر بني إسرائيل: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ}(الأعراف: من الآية138) ألم تكن هذه نعمة كبيرة جداً عليهم أن أنقذهم من آل فرعون؟ وبطريقة عجيبة، بطريقة باهرة من أبهر الأشياء، ومن أعجب الأشياء أن ينفلق لهم البحر فيصبح طريقاً يابساً ليس فيها حتى [خمج]، طريق يابس، ناشف، يمشون إلى الشاطئ الآخر. لكن لاحظ كيف كانوا: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}(الأعراف: من الآية138) أليست هذه قضية غريبة، لكن تجد في نفس الوقت الشيء الذي يعتبر مهماً في الموضوع أنك تجد أنه فعلاً أن الذي يأتي من جانبه الهدى هو الذي خلق هذا الإنسان، هو الذي يعلم نفسيات هؤلاء الناس، ويرسل رسوله بشكل لديه معرفة أيضاً بنفسياتهم، هذه عبارة كبيرة، أليست عبارة كبيرة، لكن الله يعلم بواقعهم، يعلم ما ترك فيهم من أثر سيئ، بقاؤهم في ظل هيمنة وقهر وجبروت فرعون وجنوده، وأن المسألة هي تأتي تدريجياً، هداية قليلاً قليلاً، وإلا فهذه القضية غريبة، واحد مثلاً ما عنده سعة صدر، ما عنده فهم بالناس، عندما يقولون: {يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}، بعدما خرجوا من البحر، أليست هذه آية تعتبر.. مثلما نقول: [يزغروا أو يندلوا الكبد]، لم يقل اذهبوا عني، قال: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}(الأعراف: من الآية138) ما رأيتم ما حصل؟! ومشى معهم، ألم يمش معهم؟ هل حصل له مؤاخذة على هذه؟ إنك إفهم بأنه بعدما عرف موسى منهم هذه القضية، وقالوا هذا، وقال: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} سيظل يتحدث معهم، ويبين لهم في الطريق، ولم تنزل عقوبة عليهم في هذه الحالة؛ لأنهم قالوا هكذا، ما زالت نفسياتهم هكذا، هم ما يزالون جاهلين، وما يزالوا أيضاً لديهم الآثار التي تركتها بيئة مصر في ظل حكم فرعون، وجبروته وطغيانه.

{قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} كان في مصر فرعون يعتبر نفسه الرب الأعلى، وما زال هناك آلهة، مع آل فلان إله، ومع كل منطقة إله، أو مع كل قرية، أو مدينة… لكن ويعتبرون أن الإله الكبير فرعون، قد يكون بنوا إسرائيل معتقدين بأن المسألة هي على هذا النحو: يعني الله هو الله، هم مؤمنون بالله، لكن ربما أيضاً يوجد آلهة هنا، والله هو الإله الكبير، أليس هذا ما يزال أثراً لديهم في نفوسهم؟ يعني عندهم صورة عن موضوع الألوهية أنها – مثلما تقول – حجة الإسلام، ثم آية الله، ثم آية الله العظمى.

{قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الأعراف:139)، هذا من أول توجيه لهم، هؤلاء الذين ترونهم يعكفون على أصنام مدمر سينتهي يعني قضية يخسرون فيها، وهم خاسرون وهم على هذا النحو، وما يعملونه هو باطل، لا قيمة له، ولا أثر صالح له، ثم يقول لهم: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ}(الأعراف: من الآية140) لاحظ عباراته هنا أليست عبارات من يفهم بني إسرائيل ونفسياتهم؟.

تفهم أيضاً النبوة كيف هي، بعكس ما يقدم، أو بأوسع بكثير مما يقدم داخل كتب علم الكلام، تقدم المسألة وكأن الدور الهام بالنسبة للنبي هو: أن يكون صادقاً، إذا جاء وحي من عند الله لا يقدم بينه كذباً فقط، القضية أوسع من هذا بكثير، أما موضوع الصدق الله أمر عباده جميعاً أن يكونوا صادقين، وأثنى على الصادقين، وهناك صادقين، وذكر بأن من عباده صادقين من غير الأنبياء، لكن النبوة مهمة كبيرة جداً، وأشخاص على مستوى عالي جداً، لاحظ موسى هنا بعد العبارة القاسية، لكن هو يعرف قومه، يعرف المجتمع الذي كان فيه، وما قد يترك من آثار في نفوس هؤلاء أنهم أيضاً وهم كانوا في مصر كانوا في وضعية قاهرة، الوضعية القاهرة، الظلم هذا المتكرر يومياً، يكون طاغي على ذهنيتك، لا يفسح لك مجال أن تتأمل أشياء كثيرة، موسى كذلك لم يفسح له المجال أن يجلس مع بني إسرائيل يعطيهم توجيهات كثيرة، كثيرة؛ لهذا لم تنزل التوراة إلا بعد ما خرجوا من مصر، التوراة نفسها لم تنزل إلا بعدما خرجوا من مصر؛ لأن الوضعية هناك وضعية تقريباً الذهنية غير متفرغة فيها، في ظل القهر الشديد للتأملات، وآيات وأشياء من هذه، وينسف أشياء كثيرة في ذهنياتهم، كانت الإيجابية الكبيرة لديهم ارتباطهم بموسى، كانت إيجابية كبيرة جداً.

تجد هنا صفة هامة جداً لدى موسى أليست زيادة على كونه صادقاً؟ هذه القضية أساسية جداً يأتي ليقول لهم: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}(الأعراف:140) أليس هذا توجيه؟ توجيه وفي نفس الوقت طبيعي، ليس توجيه غضب، جاء الغضب في مقام آخر، بعد مرحلة مشوا فيها، قد هناك توجيهات كثيرة فيما سيأتي بعد، لكن هنا: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً} ويذكرهم هم بالنعمة الكبيرة عليهم، {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} ليشدهم إلى الله بأن يحسسهم بما هم يحسون به فعلاً من نعمة من جهة الله، أنه أنقذهم من آل فرعون، أنه تفضل عليهم بهذه النعمة الكبيرة، أنه اصطفاهم بشكل عام على بقية البشر أن يكون منهم الأنبياء، أن يكون فيهم الكتاب، والحكم، والنبوة، كما قال في آية أخرى وهو يتحدث معهم. يعني أسلوبه بأن يذكرهم بهذه قضية هامة، وهو فضلكم على العالمين.

إذاً الأصنام تلك التي هناك ما هي علاقتها بهم؟ أو أصنام من هذه النوعية تريدون أصناماً مثل هذه الأصنام التي رأيتم أناساً يعكفون عليها، ماذا قدمت لكم؟ وماذا يمكن أن تقدم لكم؟ الله وحده هو الذي فضلكم على العالمين؛ فاتجهوا إليه وحده، ما هناك آلهة غيره.

هنا يبين في القرآن الكريم، وبالذات في تاريخ بني إسرائيل؛ لأنه تاريخ طويل، وتاريخ مليء بالأحداث المتغايرة، والمتعددة. يذكر من نعمه عليهم هذا النبي الذي أرسله، الذي هو على هذا النحو في تعامله معهم، يذكرهم بنعمة كبيرة هي إرسال موسى إليهم، وأن يكون موسى على هذا النحو: إنسان يعرف تماماً كيف يتعامل معهم، إنسان حريص عليهم، رحيم بهم، قدير في التعامل معهم، يراعي وضعيتهم، هذه واحدة منها؛ لأنه هنا يأتي في سياق يذكِّر بنعم، ويذكر بأحداث حصلت منهم….

في زمن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وخطاب يذكر ما حصل لبني إسرائيل في الماضي، ليس الكلام هنا يحكيه عن موسى، لكن الله أليس هو يذكر نعمة هنا؟ يذكِّر بني إسرائيل بنعمة، يذكر أيضاً بنعمة، موسى في حد ذاته الذي هو على هذا النحو في أسلوبه الحكيم معكم، الذي يدل على أنه إنسان رحيم بكم، وناصح لكم، ويعرف نفسياتكم تماماً، أنه يعتبر نعمة في حد ذاته كبيرة؛ ولهذا أنتم قلتم بعدما خرجتم من البحر: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ثم كيف كان منطقه معكم لما كنتم في وضعية تحتاجون إلى شخص يفهمكم تماماً، ويتحدث معكم بأسلوب من هو عارف بنفسياتكم وواقعكم، وما تركه فيكم بقاؤكم في مصر أجيال.

{وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}(الأعراف:141)، فضل عظيم من جهته سبحانه وتعالى، ونعمة كبيرة، هنا يبين في هذه: أن يفهم الناس بأنه سبحانه وتعالى يجعل دينه لإنقاذ عباده من الظلم، من الطغيان، من الجبروت، من القهر والاستضعاف، من شقاء الحياة. أليس هذا كان يعتبر جانباً مهماً من رسالة موسى؟ {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ}(طـه: من الآية47) جانب كبير من رسالته هو أن يعمل على تحرير بني إسرائيل من الظلم، والعذاب الذي هم فيه.

وهذه قضية هامة بالنسبة للناس، وفعلاً حصل التوجيه لم يعد يحصل بهذا الشكل الذي يترسخ في ذهنية الناس، علاقة الدين بحياتهم، وأن دين الله جاء ومن مهامه الكبيرة لإنقاذهم، لئن لا يظلموا، ولا يستعبدوا، ولا يقهروا، ولا يذلوا، ولا يشقوا في حياتهم المادية، وأنها مهمة لا تتم إلا بهداه المتكامل، بما فيها الأعلام الذين يصطفيهم هو، لا تتم تلقائياً بالشكل الكامل، إنقاذ الأمة. لاحظ هنا أليس هو يذكر موسى؟ موسى كيف كان عمله في مصر، موسى رجل كما قال الله عنه: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}(طـه:41) اصطفاه لمهمة كبيرة، مهمة تحرير بني إسرائيل من استعباد فرعون وآل فرعون، ألم يكن إنساناً جديراً بهذه المهمة؟ وفعلاً أدى المهمة بجدارة وكفاءة عالية.

ثم تربيتهم ليصبحوا أمة شاهدة على الأمم في حملها للدين، وفي إيصال الدين إلى بقية الأمم، لكن لشقاء بني إسرائيل أربكوا الدين داخل قبل أن يخرج، هم أربكوه فعلاً بشكل كبير لما فهم عنهم في الأخير وكأنهم يعتبرون هذا الدين كأنه مما يخصهم هم وحدهم، وأن النبوات لم تكن إلا لهم وحدهم، وأن الرسالات لم تكن إلا لهم وحدهم، وهذا غير صحيح، هو قال عن التوراة بأنها هدى ونور للناس، قال: للناس، إنما بنوا إسرائيل كان دورهم أن يكونوا الدائرة التي تجسد هذا الدين وقيمه؛ لتنتقل بين الآخرين، ولتجذب الآخرين إليها، أربكوا الدين داخلهم، ثم ترى في الأخير كيف كانت عاقبتهم.

القضية هذه تعتبر حساسة جداً عند موسى، ليست قضية سهلة، لمعرفته لله سبحانه وتعالى، وحرصه جداً على هداية الناس إلى الله، وتوحيد الله، وعبودية الله، أي: أنه يفرح بأي آية أنها ستشد الناس إلى الله، ثم من بعد عندما تأتي الآية الكبيرة، أكبر آية في مسيرتهم: انفلاق البحر، ويخرجون، بعد ذلك يقولون: {يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}! أليس هذا الموقف جدير بأن ينفجر قلبه منهم؟ قضية عنده رهيبة جداً، لاحظ كيف كان موقفه عندما رجع من الجبل، وقد أصبحوا يعكفون على عجل، غضب لكن رجع على أخيه، ليس معه إلا أخوه يرجع عليه، {رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي}(المائدة: من الآية25).

الحالة هذه حتى يفهم الإنسان أن المسألة فعلاً أن الله هو الذي اصطفى للناس دينه، وهو الذي يصطفي للناس من يحملون دينه، من يهدون بدينه عباده، ليست قضية تأهيلية على الإطلاق، موسى لاحظ كيف كان موقفه هنا، موقف يراعي واقعهم، وعارف لهم مع أنها قضية عنده تعتبر مؤلمة جداً، مؤلمة وكبيرة ومزعجة، لكن يمسك نفسه، ويعرف أنهم فعلاً ما يزال فيهم آثار ما كان هناك في مصر، والتركيبة الاجتماعية هناك، وبيئة الشرك والطغيان هناك في مصر، يخاطبهم بمنطق لين.

أليست هذه تعتبر نفسية عالية؟ يعني الله خلقه لهذه المهمة، مهمة كبيرة جداً، لا يستطيع أي إنسان أن يرتقي بنفسه إلى مستواها، لو ربي في أي مكان لا يستطيع أن يقوم بهذا الدور الهام فينقذ بني إسرائيل، ثم يتعامل مع هذا الشعب المسكين، المظلوم، المقهور، ويتعامل معه طول حياته إلى أن مات على أرقى تعامل، لا يستطيع أحد إلا الله.

كما أنك تجد نفس الهدى لا يستطيع أحد أن يقدمه على هذا النحو إلا الله، كذلك من يقدمونه لعباده يجب أن يكونوا فقط ممن يصطفيهم الله، هو قال في القرآن: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ}(الحج: من الآية75) أنه هو الذي يصطفي من داخل الملائكة لإيصال دينه، ويصطفي من داخل البشر رسلاً لإيصال دينه، ثم يذكر بعد ما ينتهي الرسل، وبعد ما تنتهي النبوات أنه يصطفي ورثة لدينه.

فالإنسان الذي يفهم دين الله سيعتبر هذه القضية أكيدة، قضية يقطع بها، تعرف نفس الدين، وسعته، ودقته، أنه بالشكل الذي مثلما قلنا سابقاً: من يتأمل دين الله يقطع بأنه لا يستطيع أحد من الناس أن يؤهل نفسه، لو تخرج من أعلى جامعة في هذه الدنيا، أو من أعلى مركز تعليمي في هذه الدنيا، لو تكاتف كل أهل الدنيا على تربيته تربية خاصة، ما استطاعوا على الإطلاق أن يصلوا به إلى درجة أن يقوم بمهمة الدين هذا أبداً؛ لأنها قضية مرتبطة بالله، وهذا من مظاهرها، نفسية موسى هنا، وفي هذا المقام بالذات يظهر أن هذا إنسان الله اصطفاه، ويعرف تماماً كيف يتعامل مع كل الوضعيات.

{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}(الأعراف:142) وهي فترة قصيرة، فترة ثلاثين ليلة زايد عشر، أربعين ليلة، لاحظ كيف نظرة الأنبياء إلى أممهم، هو يعرف بأنه لن يغيب عنهم إلا ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة على الأكثر، يلاحظ من هو أرقى شخص، وأكمل شخص فيهم ليعينه بعده، {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} مع أنه قد انتقى أعلى شخص فيهم، وأيضاً يوجهه بالتوجيهات الهامة، أن تصلح، وأن لا تصغي للمفسدين.

فهل يمكن لمثل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يترك هذه الأمة عندما يموت ثم لا يرشدها إلى من تتبع، وموسى هنا لغياب ثلاثين ليلة، يعين بعده من يخلفه، لا يمكن من يعرف أنبياء الله أن يقبل هذه القضية، يقول: إنه ترك الأمة، ولم يعد له دخل منها؛ لأن الأنبياء – عادة – ناس مهتمين جداً بالبشر، مهتمين جداً بأممهم، رحيمين جداً، يفهمون الأمور، يعني: ألا يفهم أي ملك من الملوك، ما بالك نبي من أنبياء الله بأنه إذا لم يعين أحداً من بعده بأنهم سيختلفون، هذه قضية معروفة، فكيف يصمون أنبياء الله بأنهم هكذا: يغادر واحد منهم الدنيا ولا يعين أحداً، وهو يذكر هنا أنه لم يغادر موسى للميعاد هذا إلا ويعين أخاه.

رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في أطول رحلة بعيدة عن مركز دولته، ومجتمعه، لم يسر إلى تبوك إلا وقد عين الإمام علياً بعده، لفترة قصيرة، وفي الأخير يقولون بعد: أنه مات ولم يوص أحداً، ولم يعين أحداً، ولا شيء، لكن أبو بكر أما هو فلم يمت إلا وقد أوصى إلى عمر، أليس هذا يعتبر استهانة بالأنبياء، جهل كامل بالأنبياء أنهم ناس يهتمون جداً بالأمة، ورحيمين بالأمة، ويعرفون الأمور، يعرفون المواضيع، يعرفون القضايا التي يمكن أن تؤدي إلى اختلاف فيما بين الناس، وليس كأنه ما صدق أن يموت ولو هم في ستين داهية، أبداً مهتمين بهم من بعد، خاصة مثل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو يعرف أنه رسول للعالمين، وآخر رسول للعالمين إلى آخر أيام الدنيا، أنه رسول للكل، فعلاً تجد أنه عمل في ذلك الزمن ما يبين للناس في هذا الزمن، ما له علاقة بالناس في هذا الزمن من بعد ألف وأربعمائة سنة.

ثم في الأخير نجد كثيراً من الأمة يؤمنون بهذا من أجل أبو بكر وعمر، [رسول الله لم يستخلف]! حتى لا يلزمهم.. لأنهم يعرفون أنه لم يستخلف أبا بكر، يفهمون بأنه لم يستخلف أبا بكر، لا أحد يدعي بأنه استخلف أبا بكر أبداً في ولاية أمر الأمة، فقط يقولون: إنهم في الأخير أجمعوا عليه، بايعوه، وأجمعوا عليه.

قلنا: لكن قولوا لنا الآن في موضوع النبي نفسه، النبي نفسه أنتم قدمتموه بشكل.. يعني: إنسان لا يهتم بالأمة نهائياً، والله يقول له بعد أن يذكر له قصص الأنبياء السابقين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(الأنعام: من الآية90)، والرسول هو الذي نزلت عليه الآية هذه، وهذه الآية تبين بأنهم اختلفوا لغياب ثلاثين ليلة، على الرغم من أنه قد اختار شخصاً على أعلى مستوى فيهم، رسول الله ألا يمكن أن يفهم هذه؟ والله يقول له: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} يطلعون الأنبياء أغبياء، أغبياء، أبو بكر يعتبر أذكى من أعظم نبي منهم.

هذه تعتبر قضية سخيفة جداً، سواء تقولون: بايعوه من بعد، أجمعوا عليه، أو لم يجمعوا، المهم أن أكبر جريمة ارتكبتموها أن تقولوا: إن النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) غادر هذه الحياة ولم يستخلف أحداً.

كان أجمل لكم أن تقولوا: إنه استخلف أبا بكر، كان أجمل لهم أن يقولوا: أنه استخلفه، وأنه أعلن ولايته، كان ما يزال في هذا حفاظاً على مقام النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، لكن لا يوجد، حريصين جداً على موضوع خلافة أبي بكر، أنها تستقيم، ويضفون عليها شرعية، ولو أدوا برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى أن يكون مخالفاً لسنة الله في عباده، ومخالف لسنن أنبياء الله الذين أمره بأن يهتدي بهم، وكأنه لم يقرأ القرآن! قدموا النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو الذي أنزل عليه القرآن وكأنه لا يعرف القرآن!.

أي واحد منا وهو يرى هنا أن الله يحكي عن موسى أنه غادر قومه ثلاثين ليلة وعشر، أربعين ليلة، وهنا يقول وهو يوجه أخاه، ألم يستخلف أخاه، ثم بعد أيضاً اختلفوا وقد استخلف أخاه، أليس أي إنسان منا سيعرف أن هذه الحالة محتملة أن تحصل عند البشر، أن يختلفوا إذا لم تعين لهم أحداً؟ بل قد يختلفون ولو قد عينت لهم، لكن عندما تكون قد عينت لهم يعتبر ماذا؟ يعتبر تقصير من جانبهم.

وهي نفس القضية، أن الله يرسل رسولاً إلى الناس، وينزل عليه كتاباً يبين لهم، ثم في نفس الوقت يعارضونه، أليس هذا يحصل؟ هل كان بالإمكان أن نقول: إذاً لم يكن هناك حاجة إلى نبي ما دام وهو يدري أنهم سيعارضون، لا، يرسل رسولاً، وينزل كتاباً، وعندما يعارضون تكون المعارضة من جهتهم هم، المخالفة من عندهم هم.

{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}(الأعراف: من الآية143)، هنا القصة تعرض وهناك تفاصيل لها في سور أخرى، ما الذي حمل موسى على أن يقول هكذا؟ أنه فعلاً مجموعة من قومه قالوا: {لنْ نُؤْمِنَ لَكَ} هؤلاء النقباء الذين اختارهم {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(البقرة: من الآية55)، مبطلين نهائياً، قالوا ضروري يدعو الله يرونه، هنا قال: حاضر، قام بالعملية هذه.

{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}(الأعراف: من الآية143)، هم قالوا: إن موسى لما سأل هو أنهم قالوا هم: أنهم لو سألوا هم يمكن ما يجيب إنما يسأل هو باعتباره أقرب شخص إلى الله فليسأل هو، {قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً}(الأعراف: من الآية143)، أغمي عليه، ويبدو أن الذين معه أنهم أيضاً ماتوا في نفس الوقت، ماتوا ولكن أحياهم الله من جديد، مجموعة النقباء الذين كانوا معه.

فالقضية هي تقدم مثلما مر في سورة [الأنعام] بأن الله سبحانه وتعالى يأتي بالآيات البينات للناس لدرجة أن ما هناك حاجة إلى أن يروه، هذه قضية، أنه في جانب نعمه يعطيهم نعم كثيرة جداً بما فيها الجنة الموعودة للمؤمنين وبدون حاجة إلى أن يروه؛ لهذا جاء بآية: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}(الأنعام: من الآية103) في سياق تنزيه ذاته، وفي سياق بأن البشر ليسوا بحاجة إلى هذا، هو يعطيهم بصائر، وهو قال بعد في نفس الآية: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ}(الأنعام: من الآية104)، يقولون: نريد أن نراه بالأبصار، يأتي لكم ببصائر وافية كافية، وما يكون هناك حاجة إلى أن يطلبوا أن يروا الله.

الآية هنا هي فوق ما يقولون: هل جاز، أو يجوز له أن يسأل؟ أو كيف جاز له أن يسأل، أو أشياء من هذه. موضوع الهداية أوسع من هذه الأشياء كلها، موسى يعرف قومه عاشوا في بيئة يعبدون أصناماً يرونها ويلمسونها ويبخرون لها، هكذا، هم يعرفون في نفس الوقت بأن الله إله ما قد رأوه، لكن يعتقدون ربما قد هم متجهون على طريقته وموحدين له فيمكن يرونه، القضية لا تقوم على أساس الجدل، حتى أننا نقول بالنسبة للمعتقدات هي تؤخذ من كلام الله، هي لا تقوم على أسس جدلية فلسفية، المعتقدات.

موسى نفسه ما قد حصل من جانبه هو فيما حكا الله عنه أنه في مرة من المرات فكر أنه يريد أن يرى الله، هذا وإن لم يذكر قومه معه، ذكر في مقام آخر القصة هي كانت على هذا النحو مع الناس الذين اضطروه إلى أنه يسأل الله أن يريهم، أن يروه جهرة، قال: تمام {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} لسنا بحاجة أن نقول: إذاً موسى ارتكب خطيئة، إذاً موسى ارتكب كذا، أو نتأول له أنه كيف عمل، وأشياء من هذه. هو يعرف قومه، ويعرف الله بأنه رحيم، ويعرف سنة الله أيضاً في الهداية.

قدم لنا في السور السابقة في سياق الكلام عن بني إسرائيل أنه يأتي أشياء الله عالم لوضعيتهم لا يؤاخذهم في حالة معينة، مثل الجبل ألم يرفعه فوقهم ورده مكانه، وفي مقامات أخرى يضربهم؛ لهذا يأتي في كثير منها: ثم عفونا عنكم من بعد ذلك، ثم عفونا عنكم، تتكرر.

الآخرون قالوا: لولا أنها جائزة لما سأل موسى الله ألرؤية، لولا أنها جائزة أي ممكنة، ويجوز سؤالها وهي ممكنة لما سألها!. لا، نحن نقول: أن الذي جعل الأشياء على هذا النحو، مقاييس عملناها نحن [يجوز وما يجوز] أنظر إلى القضية قضية هداية، قضية تعامل نبي مع أمة وهو يفهم، قد يكون مثلاً يقول لهم: ما هناك حاجة إلى هذه، أو القضية واضحة، ولم يقل الله بأنه يمكن أن نراه، أو أشياء من هذه، لكن يصروا عليه فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً}، يعني: إذاً لن تراني، أليس معناها لن تراني؟ لا أنت ولا هؤلاء القوم الذين قالوا لازم، {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}.

جعل لهم آية واضحة أمامهم يقنعون، جبل كبير ينهد، يصبح مستوي بالأرض، ونفس هذه الالتفاتة إلى الجبل من آيات الله، آيات الله، أمام الإنسان بالشكل الذي يرى الله ظاهراً أظهر من مخلوقاته كلها، لا يحتاج إلى أن يراه.

{فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}(الأعراف: من الآية143) اعتبر نفسه بأنه حصل من جانبه شيء يجب أن يعود إلى الله، يرجع إلى الله، ويتوب إليه منه، {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}، أنا أول المؤمنين بك وبقولك: {لَنْ تَرَانِي}.

{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(الأعراف:144) اصطفيتك على الناس، مع أنه ذكر بالنسبة للناس من بني إسرائيل أنه اصطفاهم، ألم يذكر أنه اصطفاهم؟ فهو اصطفاه على بني إسرائيل، ومصطفى على الناس جميعاً، اصطفاه لهذه المهمة، وليختصه بهذه المهمة: {بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} اختصيتك بأن أكلمك أنت، وقلنا في درس سابق: هذه القضية مهمة بالنسبة لموسى، موسى كانت مهمته صعبة جداً، أن يتحرك وهو إنسان لا قومه أقوياء، وفي نفس الوقت قد قتل واحداً من الفراعنة، قد خرج هارباً من مصر، ويعود رسولاً إلى فرعون وهامان وجنودهم، ويقول لهم: يؤمنون بالله، ويحاول ينقذ بني إسرائيل يخرجهم! هذه مهمة صعبة جداً، كبيرة.

بقدر ما تكون المهمة كبيرة يكون ماذا؟ التأييد الإلهي، والأنس الإلهي كبيراً جداً، هناك حصل التكليم لله في جانب الطور، كلمه الله أي: أنه كلمه، لم يكن عن طريق وحي بواسطة ملك من ملائكته. {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ} ويسمى كله كلام من جهة الله، {إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}(الشورى: من الآية51) ألم يبين هنا الموضوع كيف يكون، هنا كلم الله موسى بما تعنيه الكلمة، لكن ليس معناه أنه رآه، هو يقول: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}، ذكر في آية أخرى أن الكلام انطلق إلى موسى من الشجرة، من شجرة كانت قريبة منه.

{فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ}، لاحظ هنا الرسالة هذه موجهة إليه هو أن يأخذها {وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} وكن من الشاكرين لأنها فضل عظيم من الله، أن اصطفاه، أنه يعتبر نعمة كبيرة عليه من جهة الله أنه اصطفاه، وجعل القيام بهذه المهمة على يده، وهذه المهمة عظيمة، وفضل عظيم، كبير على الناس جميعاً، يأتي على يديه. إذاً هو في وضعية يجب عليه أن يتذكر بأن يشكر الله على ما آتاه، هذه القضية – مثلما قلنا سابقاً في درس – أن الإنسان فيما يتعلق بدين الله كلما وُجِه إليك، يجب أن تشكر الله عليه، تعتبر أنه فضل، وإن بدت القضية وكأنها صعبة، أو شديدة، أشكر الله أنه وجه إليك أن تقوم بهذا العمل، مثلما قال بالنسبة للصيام، وهي نفس المسألة من أصلها، ألم يوجه موسى هنا بأن يشكره على أن أوكل إليه حمل هذه الرسالة؟ حمل هذا الدين، {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} يعني تذكر بأن هذا فضل عظيم.

وهذه القضية أساسية في أن الإنسان ينطلق، عندما قدم الدين بأنه حمل، لم يعد يتذكر الناس بأنه نعمة عظيمة جداً عليهم، حصل ماذا؟ حصل تراجع عن إقامة الدين، حصل قصور، بل انعدمت جاذبية الدين في أوساطهم.

عندما تتذكر بأنه نعمة كبيرة جداً عليك، تشكر الله عليها، أي أنه فضل، أن يأمرك بالجهاد، إذاً معناه فضل عظيم، أن تعيش في مرحلة قد يكون جهادك من أفضل الجهاد في الدنيا معناه فضل عظيم، أن يوجه إليك بأن يأمرك بأن تصوم، ألم يذكر في الصيام أيضاً، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة: من الآية185) هذا فضل عظيم، وهكذا قاعدة عامة، وثابتة: أن الرسالة بكلها، أنها بالنسبة للشخص الذي أوكل إليه أن يقوم بها تعتبر فضيلة عظيمة عليه، وهكذا قال لنبيه محمد (صلوات الله عليه وعلى آله): {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء: من الآية113).

موسى سيتحرك ويعتبر بأنه في فضل عظيم من الله أن اختصه، يتفانى في الموضوع، لكن لو يأتي يحملها ويعتبرها حملاً شاقاً، وتكليفاً شاقاً لكانت قضية صعبة عليه، لن يكون لها جاذبية عندك إلا إذا أنت تعتبرها فضلاً عظيماً عليك.

{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ}(الأعراف: من الآية145)، هذه سنة الله سبحانه وتعالى بالنسبة لعباده في كل الأمم، يأتي بهدى متكامل، وبيان متكامل، عندما نقول مثلاً: إن القرآن هو أشمل، باعتبار مهمة القرآن، ليس معناه بأن الرسالات السابقة كانت ناقصة بالنسبة لزمانها أبداً، بل كل رسالة بالنسبة لزمانها كاملة، وقد تكون هذه الرسالة أوسع من الرسالات التي قبلها باعتبار ماذا؟ باعتبار محيطها، وباعتبار مدى فترتها، وإلا فكل رسالة تكون متكاملة.

{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ}(الأعراف: من الآية145) فهنا الخطاب يأتي من جهة الله بالنسبة لكتبه؟ التركيز من عند الله سبحانه وتعالى دائماً يكون بالنسبة لكتبه، وفي المقدمة أنبيائه أن يقول لهم: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّة}(البقرة: من الآية63) وهنا يقول لموسى: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} مثل ما قال لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله): {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ}(الزخرف: من الآية43) ما معنى فخذها بقوة؟ لا يلتفت إلى شيء آخر، يعرف دائماً بأنه يتحرك على هذا الأساس، ويقوم به، تأخذها بقوة يعني: لا تلتفت إلى أي شيء آخر غيره، وبجدية تتحرك فيه؛ لتقوم به بالشكل المتكامل. ما بقي هذا للقرآن فيما بعد، يقضي واحد أكثر وقته في كتب أخرى، والقرآن هناك.

{فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}(الأعراف: من الآية145)، عندما يقول: بأحسنها ليس المعنى أن هناك أشياء غير جيدة فيها؛ لأنه عادة ما يقدم من جهة الأنبياء يكون في نفس الوقت يقدم بشكل له جاذبية، وهذا لمسناه في آيات سابقة، يقدمه في قالب يرونه حسناً أيضاً، فعندما يقدمه سيصبح أحسن، وكلما يقدمه لك في الموضوع يعتبر أحسن شيء فيه، وهذا أحسن شيء في هذا، وهذا أحسن شيء في هذا، ما هناك أشياء يمكن أن تقول: أنها ليست حسنة.

وليس معنى بأحسنها، عندما يقول: بأحسنها، يعني: بمحكمها، والمتشابه مشكلة ثانية، يعني: أن كل شيء في موضوعه يعتبر أحسن شيء فيه، أحسن شيء في هذا، أحسن شيء في هذا، تابع المواضيع التي تناولها الدين وترى أن كلما يوجه في هذا المجال هو أحسن شيء، وأحسن توجيه.

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(الإسراء: من الآية9)، فيعتبر هداه في هذه القضية أحسن هدى، يوجد فارق من الناحية الإيمانية، يوجد فارق كبير جداً، لاحظ هنا بالنسبة لموسى يقول له: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} موسى يرى أن القضية من أساسها: أن الله سبحانه وتعالى كل ما يقدمه هو شيء عظيم جداً، الآخرون يحتاجون أن يقدم لهم هذا الشيء بجاذبية، وتبيين ليكون شيئاً يعرفون بأنه أحسن شيء قدم إليهم، وهذه القضية تراها في القرآن، نفس الشيء بالنسبة لأمة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، قال هناك في المقدمة: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(الأعراف:144)، سيعرف بأنه اصطفي لشيء عظيم جداً، أليس هو سيعرف، نوعية ينطلق إيمانياً، وإن لم يكن يعلم أثر الشيء في الواقع، أثره هناك.

وهذه هي قضية أساسية، وأساس الهدى من الله هو على هذا النحو، الهدى المفترض بالنسبة للإنسان، وهذا موجود في القرآن هو: أن الإنسان ينطلق من واقع إيماني، وإن لم تكن هناك أمثلة أمامه، شاهد بأن هذا الشيء عظيم الذي قدم له، وإن لم يكن هناك شيء يجعله جذاباً، وإن لم يكن عارف الغايات منه؛ لأنه فعلاً في هدى الله تكون الأشياء لا يستطيع الإنسان أن يعرف ما يمكن أن يترتب عليها من إيجابيات، وأشياء عظيمة من آثارها، الإنسان لا يعلم الغيب.

فالقضية الصحيحة ابتداءً الانطلاقة على أساس إيماني، أن توجيه الله عظيم، وأنها تترتب عليه الآثار العظيمة، وأن خروج الإنسان عنه سيخرج إلى ضلال، هذه هي الدرجة الأولى، لكن لاحظ كيف أنه أيضاً في مسيرة البشر هو يقدم لهم هدى من خلال حركتهم، أمثلة؛ ليفهموا من خلالها، وإلا فالشيء الطبيعي، والشيء الصحيح هو هذا، وهذا هو قيمة هدى الله، بمعنى أن هدى الله هو أساساً ليس بالشكل الذي يحتاج إلى شواهد عملية حتى نقول: إذاً هذه النظرية صحيحة، لأنه من أصله هو صحيح، وأنه بإمكان الإنسان أن يكتفي به إيمانياً وينطلق على أساسه، إذا كان الإنسان يعرف الله، ويعرف نفسه، يعرف الله بأنه ملك، ومدبر شئون السماوات والأرض، ويعلم الغيب والشهادة، فهو يعلم بأن هذا أفضل شيء، أن آثاره ولو على المدى البعيد عظيمة، الإنسان قاصر لا يعلم الغيب، قد يكون أمامك توجيه معين لا تدري بأن هذا التوجيه قد يكون له علاقة بقضايا مهمة جداً بعد، أنت لا تعرف.

فهنا يتبين إذا كان إيمانك بالله قوياً يحصل تسليم، وتنطلق على أساسه، هذا إيمان الأنبياء، الأنبياء إيمانهم على هذا النحو بشكل متكامل، مؤمن بأنه عظيم، وأن آثاره ستكون عظيمة هذا الشيء وإن لم يعرف بالتحديد كيف ستكون الآثار؛ ولأن الإنسان قاصر قدم الله له أيضاً أمثلة كثيرة من واقع حياته، ومن واقع حياة الأمم السابقة، الأمم السابقة لاحظ كيف عندما لم تسر على هدى الله كيف كانت عاقبتها، كيف كانت في واقعها في الحياة نفسها؟ ثم كيف كانت نهايتها أن ضربت نهائياً، فهنا قال: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} وبني إسرائيل قال: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}، موسى سيعرف أنه يقدم الشيء على أحسن ما يمكن.

فنعرف من هذا أنها قضية ملحوظة بالنسبة لغالبية البشر، أصبحت سنة ثابتة بأنه يجب أن يُقدَم لهم الدين بجاذبية، يعرفون عظمته، يعرفون أهميته، يعرفون يسره، يعرفون علاقته بحياتهم، يعرفون أنه حل لكل مشاكلهم. أليس سيحصل للدين جاذبية لديهم؟ في المقدمة يترسخ لديهم إيمان بالله، متى ما عظم إيمان الإنسان بالله في الأخير يعرف عظمة دينه، وحتى لو لم يعرف بالتفصيل الآثار التي تترتب على توجيه معين من دينه، عندما يكون هو عارفاً لله، وعارفاً لنفسه. هذه قضية أساسية أن يكون الإنسان عارفاً لنفسه بأنه لا يعلم الغيب، يكون الناس عادة إذا جاء توجيه معين، يحاول بذهنه أن يتجه به إلى المستقبل، ولم ير أنه يمكن أن يكون له آثار وترك العمل، ينسى بأنه لا يعلم الغيب.

مثلما قلنا سابقاً: أنه يظهر في هذا العصر آثار مهمة لتوجيهات يوم نزل القرآن في سورة [النساء] في موضوع المواريث، في مواضيع من هذه، كيف يأتي بتهديد عظيم فيها، يؤكد عليها بشكل كبير؛ لأنه يعلم ما سيترتب على التفريط فيها، متى جاء؟ قد يكون هذا التفريط آثاره حصلت في القرن هذا، عندما يحصل تفريط في المواريث، تفريط في التعامل الصحيح مع المرأة وفق توجيهات هذا الدين، أن القضية ستكون جريمة من جهة الإنسان أنه سيعطي الأعداء مادة دعائية ضد هذا الدين، جاءت التأكيدات هناك، هكذا تكون الأشياء، لا يستطيع الإنسان أن يعرف ما الذي يمكن أن يترتب على التوجيهات – مثلاً – من إيجابيات، وما الذي يمكن أن يترتب على التفريط فيه من سلبيات، وعقوبات بالتفصيل، كذا، كذا؛ لهذا تؤمن بالله وتثق بهداه، وتوجيهاته، وتعرف بأنه هو الذي يعلم الغيب والشهادة وحده.

ولاحظ هنا يقول للناس: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(البقرة: من الآية29) يقول للناس بأنه {أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفرقان: من الآية6)، وأنه عالم الغيب والشهادة، {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ}(الأعراف: من الآية52)، لكن النسيان هذا يجعل الإنسان يتصرف وكأنه يعلم الغيب، فإذا ما رأى في الغيب ذلك شيئاً اعتبر هذا الموضوع ليس هاماً، يجب أن تعلم، وتترسخ في ذهنيتك، ليست قضية إيمانية فقط، كل واحد منا يؤمن بأنه لا يعلم الغيب، أليس كل واحد يؤمن بهذا؟ لكن يجب أن تكون فعلاً فاهماً معنى أنك لا تعلم الغيب، فعندما تنظر هكذا أمامك، ثم لا تجد شيئاً أمامك تفصيليات تعتبر آثار هامة لتوجيه معين من هدى الله، في الأخير تقول: لا يوجد شيء.

هذا تصرف من يتصور نفسه بأنه يعلم الغيب، فلأنه يعلم بأنك لا تعلم الغيب وجهك من يعلم الغيب، إذاً فإذا كان هناك آثار إيجابية هو يعلمها هو، آثار سلبية على التفريط فيها فالله يعلمها هو، إذاً فالتوجيه مضمون، قد هو قائم عليه كل الإيجابيات، ويبعد عنك كل الآثار السيئة.

{وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} قد تكون هذه الآية: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} قد تقدم كيف أرانا دار الكافرين، قوم نوح، قوم عاد، قوم ثمود، قوم شعيب، وقوم لوط، وهذه النوعية. كلمة فاسقين، مثلاً فاسقين عن الطريقة التي رسمها لهم، عن التوجيه الذي جاء إليهم وهم من حيث المبدأ مؤمنين به، كيف في الأخير تصبح دارهم، كيف ستصبح في الأخير دارهم هم! ألسنا في الأخير فهمنا كيف أصبحت دار بني إسرائيل من خلال ما قدم عنهم من أشياء بسبب مخالفتهم لهداه؟ أصبحوا فاسقين، تبين من خلال هذا كيف أصبحت دار الفاسقين، كيف أصبحوا هم في واقعهم في الحياة، عاشوا كم سنين في التيه، وعاشوا عمرهم إلى الآن مضروب عليهم ذلة ومسكنة.

{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}(الأعراف: من الآية146) لاحظ هنا كيف أن المسألة أن الله يقدم الأشياء برحمة، بلطف، بعناية، برعاية، ولكن في نفس الوقت يذكِّر الإنسان بأنه غني عنه، فإن قبلوا هداه فهو الشيء الذي يعتبر عظيماً بالنسبة لهم، أما الله فلن يستفيد شيئاً من أن يهتدوا، يذكرهم بأنه غني عنهم، هذا هداه، هو على هذا النحو، هو حسن، هو عظيم، هؤلاء المتكبرون لا يفهمون أننا سنلاحقهم ملاحقة [وندَّاراهم مداراة] لا، لسنا بحاجة إليهم، هو غني عنهم، ففي البداية عندما يقول: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}، ثم يقول: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ} أي أنه [لا يدَّارى] الناس المعرضين، الذين يتخذون الشياطين أولياء من دون الله، ويتكبرون.

يبين أنه غني، ومن أسمائه تعالى: غني، تجد تدبيره قائم على أساس أنه غني. ولهذا أثر أيضاً بالنسبة لنفسية الإنسان، الإنسان إذا عرف بأن الطرف الآخر بحاجة إليه يحاول يتمرد، ويقول: هو سيرجع، هو سيلاحقني هو، يقول الناس هكذا فيما بينهم: هو محتاج إليَّ هو، هو الذي سيلاحقني، ويدفعه إلى أنه يتباطأ، ويتثاقل؛ لأنه عارف أنه بحاجة إليه. هذه القضية تمثل دافعاً بالنسبة للإنسان، عندما يفهم بأن الله غني عنه، قدم لك شيئاً عظيماً جداً، جداً، عظيم لك في حياتك هذه، وفي الآخرة.

إذاً انتبه بأنك تتفاعل بجدية مع هذا الشيء الذي قدم لك، وتأخذه بقوة، وتسير عليه في حياتك كلها، وإلا فهو غني عنك، سيضلك، ويبعدك، سيصرف عنك آياته، {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، أليس هذا مظهراً من مظاهر غناه، ولها إيجابية أيضاً في قبول الهدى، لها إيجابية في قبول الهدى، ودائماً نقول: كل قضية الله يعطي شواهد عليها في واقع حياة الناس. أنت لاحظ عندما يتأمل الإنسان الشخص الذي يرى بأن فلاناً بحاجة إليه، أليس هو يحاول أنه يبدي تباطئاً، وتثاقلاً أحياناً، وأشياء من هذه؟.يقول: هو بحاجتي، هو سيرجع إلي، وأحياناً لو تكلم كلاماً قاسياً، وقالوا: يا خبير ذا عندك قد تختلف أنت وإياه.. سيقول: لا، لا، هو سيحتاجني.. ستراه هو سيرجع.

هنا قدمت المسألة على أساس أن يفهم الإنسان: أن الله ليس بحاجة إليه، وهذا أقرب إلى أن يندفع، لو عند الإنسان فهم أن الله بحاجة إليه كيف سيكون تمرده؟ هو هذا يتمرد مع غنى الله عنه! سيكون عنده: [أبداً، الباري سيلاحقني هو، خلّيه ولاحظ عندما يطلَّع لي نبي لوحدي، يرسل لي نبي إلى رأسي، هو بحاجتي..] ألن يحصل تمرد بهذا الشكل؟ هنا يذِّكر الإنسان أنه ينطلق، وإلا سيبعده، سيضله ويضيعه، في هذه الدنيا، وفي الآخرة، ولن يأتي على الله إثم بالتأكيد، ما يلحقه الباري إثم أبداً! هو حكيم، وهو رحيم؛ لأنهم قالوا: كيف أنه يمكن أن يضل أحداً؟ قلنا: أنظر أول شيء مَنهم الذين قال الباري أنه سيضلهم؟ وما معنى الضلال أولاً، وستعرف أن لها إيجابية كبيرة أن يعرف الإنسان أنه في حالة خطرة، إذا لم يقبل هدى الله سيضله الله، وسيصرف عنه آياته، المتكبر يعني: ليس جديراً بشيء، ولا يستحق شيئاً [يرح له]، أن هذه أقرب بالنسبة للإنسان إلى أن يحرص على هدى الله، أنه أقرب إلى أن يحرص على أن يهتدي بهدى الله إذا هو عارف أنه بعد هذا سيضيعه.

لا يحتاجون إلى أن يطلعوا المسألة كيف تصبح بالشكل الذي قد يلحق الباري إثم، أو يلحقه أشياء من هذه، معلوم بأن أفعاله حكمة، أنه حكيم، وعدل، وأنه لا يظلم، ولا يفعل قبيحاً، ولا يأمر بقبيح، لكن لا نستطيع أن نحيط به علماً، ما أوتينا من العلم إلا قليلاً، ألم يقل هكذا: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً}(الإسراء: من الآية85)؟.

{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً}(الأعراف: من الآية146)، هذه النوعية سيصرفهم عن آياته، هذا أيضاً أبلغ في غناه عن هذه النوعية من الناس، عن العالمين جميعاً، أنه يصرفهم هم عن آياته، حتى لو هو يسمعها لا يعد يفقهها، ما يصرف آياته عنهم، بمعنى: أن الأنبياء يكونون هناك [متخبين]، إنما فقط يوجهون أناساً ويريد أن لا يبدي فلان ويسمع؛ لأن الله قد صرفه. اتركه يحضر، ولن يعد يفهم شيئاً، يطبع على قلوبهم، وسمعهم، وأبصارهم.

وصفهم بصفات سيئة النوعية هذه: يتكبرون في الأرض بغير الحق، وهم عبيد لله، وتكبر الإنسان في الأرض بغير الحق عادة سيكون بالشكل الذي ماذا؟ يستضعف عباد الله، ويفسد في أرض الله؛ ولأن المتكبرين هكذا يرون سبيل الرشد لا يتخذونه سبيلاً، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً.

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}(الأعراف: من الآية146)، هكذا قد يصل الإنسان عندما يكون يكذِّب بآيات الله، يفهم الإنسان بأن القضية أول الأشياء، ألم يقل هناك: {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}(الأنعام: من الآية110)، في آية سابقة؟…

اطلع على الخط، الصراط المستقيم، ما لم سترجع هناك تتخلف، المسيرة ماشي هم لن ينتظروك، هم لن [يتقصدوك] والله لن [يتقصدك] أو يقول: يتوقف القطار، ويعمل هناك مطب، أو يعمل [ما صوره] في الصراط المستقيم حتى يلحق فلان.. أبداً. فالإنسان إذا حصل من جانبه تكذيب في أول مرة، تثاقل، قد تصل به الحال إلى أن يضله الله، في الأخير يصبح هكذا: سبيل الحق ما يعجبه، يبحث بجدية عن سبيل الغي: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}، يعني: بسبب أنهم كانوا كذا وصلوا إلى هذه الحالة السيئة.

المسألة كلها مبني على التسليم لله، التسليم لله معناه: أن تكون عارفاً بأنك عبد لله، لا تتكبر على الإطلاق، وتقبل هدى الله، تقبل كل ما جاء من جهة الله سبحانه وتعالى، لا تتكبر.

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الأعراف:147). تلاحظ كم يأت في القرآن الكريم كلام كثير حول: كذبوا بآياتنا، ومن يكذب بآياتنا، وكذبوا بآياتنا، كثيراً جداً، آياته معناها: كتبه، كتبه، دائماً آياته التي تأتي من عنده هو سبحانه وتعالى، آياته، آياته، آياتنا.. إلى آخره. فيجب علينا أن نفهم حتى نعرف أهمية القرآن نفسه، نفهم أن هذه سنة إلهية، أن الأشياء كلها تعتمد على كتب الله، فيما بينه وبين خلقه كتبه، والكتب تكون قضية هامة، يعني: كتبه تعطيك رؤية بالنسبة للحياة هذه كلها، القرآن هو يهدي بما تضمنه هو؛ ولأنه إرشادات هكذا إلى داخل النفوس، إلى واقع الحياة مما يهدي إليه أنه يعطيك صورة عن الحياة حتى تصبح الحياة هذه كلها عبارة عن كتاب واحد.

إذا أنا أريد أن أقرأ فالطريقة هذه هي أوسع طريقة للقراءة: أن يصبح هذا الكتاب العظيم أمامنا، والحياة هذه تصبح عبارة عن كتاب واحد كلها، أليس كتاباً أكبر من المجلدات المعروفة، صفحات كبيرة، كتاب كبير جداً السماوات والأرض، الذين لم يحاولوا فعلاً أن يسيروا على هدي القرآن فيقرؤون هذا الكتاب، أصبحوا عمين عن آيات هذا الكتاب حقيقة، لم نعد ندري بقيمة ما فيه من آيات، ولا ندري بحقائق ما فيه من متغيرات، ولم نعد ندري بشيء أبداً، من يخبط في هذه الدنيا يخبط؛ لأننا قلنا الدنيا هي هكذا من أصلها ممحوقة!!.

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} فلا يصبح لها قيمة أبداً، {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، تجد هذه القضية ظاهرة حتى بالنسبة للأمم الأخرى هذه التي نعتبرها الآن في العصر هذا أمماً راقية، أليس عندهم أعمال كبيرة هم؟ لكن تكون الإشكالية الكبيرة في الغاية من العمل، في النهاية منه، يتحركون في الحياة هذه، ويبدعون، ويصنِّعون، ولا تدري إلا وقد ضربوا أنفسهم، حصلت الحرب العالمية الأولى، الحرب العالمية الثانية، ضربوا أنفسهم حقيقة كبشر، أصبحوا أشبه شيء بالحيوانات، ضربوا الحياة نفسها، أفسدوا حتى البيئة هذه بكلها، اتجهوا إلى الفساد في الأرض.

في الفترة هذه ترى كيف بعدما حصل ازدهار من جديد، عودة من جديد، أعمال، بعد الحرب العالمية الثانية، الآن الدنيا أليست في اتجاه خطير جداً، في حالة انفجار، أن تكون كل أعمالهم، وكل رؤوس الأموال التي جمعوها، وكل صناعاتهم، وكل وسائل الحرب التي أبدعوا فيها، وطوروها، في الأخير تصبح ماذا؟ تحبط كلها، تعتبر ضربة لهم جميعاً، كم قتل في الحرب العالمية الأولى! وكم قتل في الحرب العالمية الثانية! كم دمرت من مدن، ومصانع، وكم قتل من ملايين الناس!!.

فهنا تأكيد بالنسبة للأعمال، لن يكون لها قيمة، ولن يكون لها غاية صحيحة إلا إذا كانت على أساس هدى الله، وإلا فلا تغتر بشكلية العمل، شكليته الآنية، الآن نقول فعلاً من يتأمل بالنسبة لأمريكا، أمريكا معرضة للانهيار، أمريكا في واقعها التي تعتبر الآن أرقى دولة، حركتها الآن حركة تعرضها للانهيار، وتضرب نفسها، وكذلك الآخرون. لا يغتر الإنسان بشكلية العمل الآني، قد قدم لنا في القرآن بأنه بالنسبة لمظاهر الحياة العادية عند الناس، أموال وبنايات، وأشياء من هذه.. لأنه أحيانا الله يفتح على الناس شيئاً من هذا {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}(الأنعام: من الآية44)، هذه حالة الإحباط الرهيب، تتعب تتعب، وتشتغل، وتجمع، وفي الأخير قد أنت فارح بما أوتيت، تنتهي أنت وكل ما معك، وتكون الأمم أيضاً،الأمم هذه متفاوتة في هذا الشيء، بالنسبة للعقوبة الإلهية درجات، المؤاخذة الإلهية هي درجات.

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ}(الأعراف: من الآية148)، لاحظ هذه الأشياء الغريبة، يحتاجون يقومون بتجميع فضتهم من أجل يصنعون لهم إله! وهناك إله هو الذي صلحهم، وخلق السماوات والأرض!.. أليست هذه تعتبر جهالة؟ لاحظ عندما يقول: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ}، احتاجوا يساهموا كلهم يصلحون لهم رباً، الحلي التي كانت معهم جمعوها.

{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}(الأعراف: من الآية148) هنا يبين للإنسان كيف أنه فعلاً في موضوع هدى الله يحتاج إلى إصغاء، واهتمام، ويكون مبنياً على إيمان، والتزام، والذين لا يكونون بهذا الشكل يكونون عرضة لأي تضليل، قوم موسى، يعني ليسوا أناساً من مجاهيل أفريقيا، أو نحوها.. قوم موسى الذين حررهم وهم في مصر، حررهم مما كانوا فيه، وفلق الله لهم البحر، وآيات عجيبة يشاهدونها، ومع هذا ماذا؟ كانت عندهم قابلية أن يضلَلَوا، هو قال: {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}(طـه: من الآية85) ألم يقل وأضلهم السامري؟. لاحظ هنا في القضية هذه ألم يحصل مؤاخذة لهم شديدة؟. يوم قالوا: {يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً..} عندما خرجوا من البحر كانت نفسياتهم ما زالت ثانية، وجههم موسى، وما حصل لهم شيء. هنا قاموا هم بتضليل السامري، وهم يعرفون بأن موسى ما زال حياً وإنما ذهب إلى الجبل، ذهب في ميعاد حدده الله له.

لهذا عندما يكون الإنسان غير مهتم، ولو كان في عصر مليء بالأنبياء، ولو كانت آيات الله تتنزل، ولو يشاهد عصا موسى تتحول إلى ثعبان، إذا لم تبن عليها قاعدة أساسية عندك: التزام، وفهم، ووعي، ستكون عرضة للتضليل، هؤلاء ناس ضُللوا وموسى ما زال حياً، وضللوا بعد أن قضى موسى معهم فترة طويلة في التبيين، وبعدما قد رأوا الآيات الكثيرة.

عندما يقول البعض: إنه كيف يمكن أن يكونوا ضلوا ناس من الصحابة بعد رسول الله! أليس هؤلاء صحابة ضلوا وما زال موسى حياً، إنما ذهب لفترة أربعين يوماً منهم، صحابة من داخل بني إسرائيل، من الذين اصطفاهم الله على العالمين، أمكن أن يضلوا مع وجود النبي، ثم تقول لي: كيف أنه يمكن أن يضل ناس من بعد النبي؟! أليس احتمال أن يضلوا بعد نبي أكثر من احتمال أن يضلوا في وقته؟ هذه الآيات نفسها كانت هي هامة جداً بالنسبة للصحابة أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أن يكون كل واحد منهم منتبهاً عندما يعرف أنه أمكن أن يضل ناس وما زال نبيهم موجوداً، وآيات قاهرة معه، عصا تتحول إلى ثعبان، يده تتحول إلى عمود من النور، وأمكن أن يضلوا، وقال لهم: إنه أضلهم السامري. هذه الآية ألم يقرأها الصحابة؟ لكن أي ناس كائنا من كان إذا لم يتفهموا، ويعوا، سيكونون عرضة للضلال.

فهي تعتبر حالة خطيرة في حد ذاتها، إذا ما هناك تفاعل بإيجابية مع هدى الله، قد يكون الناس في حالة، قد فعلاً يضلهم فعلاً، من يتأمل موقف الإمام علي في تلك الحالة يعرف المسألة – مثلما قلنا سابقاً – يعرف الإمام علياً، أشياء كثيرة من سنن الله، عندما لا يكون هناك اهتمام أثناء تقديمه، وهو يقدم على أرقى صورة، ويبين على أحسن تبيين، ويقدم على أجمل صورة، وأيضاً يعطى في نفس الوقت، يعطى الناس حتى وإن كانوا بسطاء أشياء واضحة للالتزام، واضحة مثل: اتبعوا، أطيعوا.. أليست عبارات واضحة؟.

لكن في الأخير، عندما لا يكون هناك اهتمام بالشكل المطلوب، هذه النوعية تكون عرضة لأن تضل، وأن تكون ضحية المضلين. قوم موسى أضلهم واحد، السامري، وجعلهم يعبدون عجلاً! ألا يمكن أن يأتي من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من يضلهم، ويجعلهم يعملون خليفة آخر، قد أمكن شخص يجعلهم يعبدون إلهاً آخر.. أين أكبر؟ ألم يستطع أن يضلهم حتى يجعلوا لهم صنماً؟ إذاً بالتأكيد يستطيع أي شخص أن يضلهم فيتخذون لهم شخصاً آخر خليفة بدل ذلك الشخص الذي أعلنه على مرأى، ومسمع منهم. لكن إذا ما هناك اهتمام فهي في حد ذاتها حالة خطيرة.

كذلك في أي زمان لا يتصور واحد، مثلاً تتصور بأنه كأنك لا تسمع شيئاً، الناس إذا لم يكن عندهم اهتمام أن يصغوا بجدية، ويتفهموا، قد تأتي في مسيرة الناس أشياء كثيرة يكون من لا يهتمون عرضة لأن يضلوا فعلاً، ليست قضية سهلة. هنا يبين لنا أشياء، بين للناس في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) بهذه الأشياء، ولم يأخذوها على محمل الجد فضلوا فعلاً! هنا قال: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ}(طـه: من الآية85) فتنهم.

كل المسألة تقدم على أساس أن الإنسان يتعامل بجدية مع ما يقدم من عند الله، وأن يتعامل بجدية مع ما قدم من عند الله هو بالشكل الذي يكون له إيجابية كبيرة في حياته؛ لأن حالة اللامبالاة هذه معناها في حد ذاتها: أن ما لله قيمة عندك، وليس لهداه قيمة عندك، إنما فقط اتغصََّاب! إذا لم يكن [إلا اتغصاب يغصبه] فلن يغصبه، سيجعله يضل.

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا}(الأعراف: من الآية149) بعدما رجع موسى، القصة مستكملة في موضع آخر، هنا يبين، يعني الصورة هذه واسعة، وفيها سرد كبير لحالات أمم، كيف يأتي الهدى إليها، والتبيين الإلهي لها، وكيف تكون عندما تعرض، ثم في مقامات أخرى تعرض فيها القصة بشكل آخر، بحسب الموضوع، تقدم عبرة في الموضوع الذي تتناوله السورة.

{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(الأعراف:149) لاحظ هنا أليس معناه أنه يمكن ضلال مع بقاء الإيمان؟ يمكن ضلال مع بقاء الإيمان، وهم هناك جحدوا على هارون! قالوا: أبداً {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}(طـه: من الآية91).

{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}(الأعراف: من الآية150)، وإنما فقط أربعين ليلة! {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}(الأعراف: من الآية150) غضب جداً، وطرح الألواح، لا أنه ألقاها وكسرها، ما هناك أي آية توحي بأنها تكسرت، ألقاها: طرحها، وحصل عنده غضب شديد، رجع على أخيه، أنه ربما حصل تقصير من عنده، أنهم كيف وصلوا إلى الحالة هذه!. {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(الأعراف: من الآية150)، هذا أخوه هارون، في آية أخرى قال: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}(طـه:90 – 91)، يعني: أنه قد ذكرهم هو، ذكرهم لكنهم لم يرضوا يستجيبوا.

هنا لاحظ كيف كان موقف موسى؟ ألم يحصل عنده غضب شديد؟ ألقى الألواح، وجر رأس أخيه، وفي آية أخرى أنه أيضاً أخذ بلحيته: {لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي}(طـه: من الآية94)، أخذ بلحيته وبرأسه، لماذا حصل هذا؟ غضب جداً؛ لأن القضية مؤلمة جداً، هنا موقفه يختلف عن موقفه السابق بعد ما خرجوا من البحر؛ لأنه قد مرت مرحلة، قد سمعوا أشياء كثيرة، وقد وجه بأشياء كثيرة، وهذه كانت فترة قصيرة، وقد ترك أخاه هارون يخلفه فيهم؛ ولهذا كانت توبة قاسية بعد هذه، توبة قاسية: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}(البقرة: من الآية54) وأمرهم أن يقتل بعضهم بعضاً، الذين عبدوا العجل، توجهوا إلى أن يقتل بعضهم بعضاً حتى تاب الله عليهم قبل أن يستكملوا قتل بعضهم بعض.

{قَالَ ابْنَ أُمَّ} كأنه ذكره بأمه يؤثر عليه، يعني كلام عاطفي، وبعدها يقول: {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} يعني: أنا قد عملت معهم، استضعفوني، لم يكن لكلامي وزن عندهم، ولا قبلوا مني بل كادوا يقتلونني، {فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ} من أين يوجد أعداء هنا! من أين؟ مصريين، أو من أين؟ أليس من داخل بني إسرائيل؟ قد هذا هارون معه أعداء، قد ظهر الأعداء، ولم يغب موسى إلا ثلاثين ليلة!. إذاً ألم يكن مع الإمام علي أعداء من داخل؟.

{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(الأعراف:151) هنا لاحظ كيف تكون نظرة الرسل والأنبياء، يستغفر الله من هذه، مع أن الآخرين هم الذين أخطئوا، أليسوا هم الذين أخطئوا؟ لكن يعرف ربما، ربما يكون هناك تقصير، أو ربما.. دائماً نظرتهم أنهم مقصرون، دائماً نظرتهم هكذا، ويدعون الله دائماً، يعني: لم ينس موضوع نفسه، وعنده أن أولئك هم الذين قصروا وهم الذين هم كذا… أما أنا فما عندي أي تقصير، استغفر الله، رب اغفر لي ولأخي؛ لأنه حصلت قضية رهيبة جداً يستغفر الله لأنه ربما يحصل شيء قد يكون بالشكل الذي يعمهم جميعاً {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(الأعراف: من الآية152) هنا موضوع الغضب والذلة، وكل الأشياء التي تأتي من جهة الله، لا يتصور واحد أنه هنا فقط يصدر حكماً، يقوم تدبيره بالنسبة لك على أساس أنه غاضب عليك، كيف يكون الإنسان عندما يكون غاضباً على شخص؟ كيف يكون تدبيره بالنسبة له؟ أليس سيكون بالشيء الذي يضره، نعوذ بالله، ستكون قضية خطيرة جداً، ليس معناها إصدار حكم.

ولهذا كان خطأ كبيراً عندما يقولون: الغضب من الله معناه: الحكم بالعقوبة وإيصالها في وقتها، أن يغضب على الإنسان والقضية متحركة، الحياة متحركة، وفي حياتك يعاملك معاملة من هو غاضب عليك، قضية خطيرة، ليس فقط يحكم عليك، ثم يردون الأشياء كلها ليوم القيامة!! ذلك اليوم قد هو محل الغضب الإلهي الكبير، الآخرة. لكن لاحظ حتى من مظاهر الغضب على من غضب عليهم في يوم القيامة هم يحاسبون حساباً عسيراً، وتعذيب نفسي رهيب جداً في ساحة الحساب.

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(الأعراف: من الآية152) فلاحظ العقوبات تأتي أيضاً في الدنيا هنا قبل الآخرة: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}(الأعراف: من الآية152) نعوذ بالله؛ لأن هذا من الافتراء الكبير على الله: أن يتخذوا عجلاً، ويجعلونه إلهاً، ويقول لهم السامري: {فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى}(طـه: من الآية88) {وَكَذَلِكَ} أي وهكذا سنة الله مع المفترين: أن ينالهم غضب منه وذلة في الحياة الدنيا.

إذاً هذه القضية هي من أخطر القضايا، الافتراء على الله، لاحظ كيف جاء بعدها: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}(الأعراف:153)، فهذه قضية كبيرة جداً: الإفتراء على الله، والافتراء على الله تقدم أيضاً بأنه يمكن أن يكون في قضايا صغيرة، مثلما ذكر في البحيرة، والسائبة، وتلك الأشياء التي عملها الكافرون، {وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}(المائدة: من الآية103)، إذاً مثلما نقول: إن هناك طرقاً قد تجعل الإنسان يفتري على الله، تفتري على الله وأنت تقدم أشياء غلط، ثم تفتري عليه بعد أن تقدم الإختلاف، وتضفي عليه شرعية، وتقول: إن الله أجازه! ألم يحصل هذا؟.

{سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، لاحظ الناس أليسوا في حالة ذلة؟ الأمة الإسلامية هذه على الرغم من كثرة علمائها؛ لأن هناك طريقة قدمت بحيث أفسحت المجال بأن يسير عليها كثير، وهي طريقة فعلاً توقع الإنسان في افتراءات على الله بطبيعتها عندما تسير على تلك الطريقة، تسير عليها فلا تدري إلا وقد أنت مفتري على الله، لو لم يكن إلا عندما تقول – وهناك من يناقشك حول موضوع الاختلاف – فتقول: الاختلاف جائز، الاختلاف سائغ، أليس البعض يقولون هكذا؟ جائز في الفرعيات، جائز في كذا.. فقط في الأصول، وأشياء من هذه. هذا من الإفتراء على الله، وهذه في حد ذاتها وحدها كبيرة، غير ما يحصل من افتراء على الله في مجال تقديم آيات بشكل آخر، بخلاف ما أراد الله منها، استنباط أحكام خلاف ما شرع الله، توجيهات خلاف هدى الله، كلها تصنف في قائمة الافتراء على الله؛ ولهذا ذلت الأمة هذه، وتبين أننا في وضعية فعلاً وضعية ذلة. عندما نجد من تحركوا، هؤلاء بنوا إسرائيل مضروب عليهم ذلة ومسكنة، وإذا هم يبدو علينا وهم أكبر، وما يزالون أعلى؛ لأنه حصل افتراءات رهيبة جداً داخل الأمة هذه، وباسم دين.

أي: أن هذه القضية أخطر من السيئات، أخطر من عمل السيئات الأخرى، التي هي معصية كبيرة وليس فيها افتراء على الله، الافتراء على الله أخطر؛ لأنه فعلاً في الأخير يقدم القضية أنها من جهة الله، ثم ترى وكأن الله لم يستطع يشرع، وكأنه لا يصلح أن يكون ملكاً ولا لشعب ما بالك أن يكون ملك السماوات والأرض!.

هنا قدم الإسلام في الأخير وإذا هو بهذا الشكل: لا يصلح أن يكون نظاماً لشعب واحد على ما قدموه أخيراً، ويقدم مليء بأشياء كلها لو تعتبرها من عند الله؛ لأصبح الله غير حكيم، ولا يعلم الغيب والشهادة، ولا عظيم، ولا ملك، ولا شيء؛ لأنهم يقولون: كيف لو يحصل مستجدة، أو أي شيء ولا يستطيع أحد يستنبط، يا أخي أن ترتكب الخطيئة، أو اعتبر هذا يرتكب أي غلطة، هي أسهل من غلطة قد ترتكبها أنت، وتقدمها افتراء على الله.

الافتراء على الله أشد، وأسوأ عاقبة، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، ألا يوجد فارق هنا في الموضوع؟ أليست تبدو أشد، يحكم بذلة وغضب ينالهم، مع أن غضبه وذلته التي يحكم بها على أي أمة من الأمم في ظل تدبيره، ليس فقط إصدار حكم بأن قد وقع غضب على مدري من!، في تدبيره معهم يقوم على أساس غضبه.

ما هناك ما يعصم الناس عن أن يكونوا في طريق أن يرتكبوا سيئات، أو يفتروا على الله، يكون المتعلم منهم يرتكب سيئات، ويفتري على الله، أو إذا هو متدين تماماً يكون مفترياً على الله فقط، وهي الطامة؛ هنا أنت تراه ما هو سارق، ولا مأخذ عليك شيء حرام، حتى أنه لا يستمع لغناء، أو أشياء من هذه التي هي المعاصي أمام الناس، هو طيب، ولكن في نفس الوقت يفتري على الله، وأولئك قد هم هناك عاملين سيئات.

ليس هناك ما يعصم الناس من هذه إلا ماذا؟ أن نعرف كيف هدى الله، ونتمسك بكتابه، وهو يقدم لنا في القرآن بأنه يأمر أنبياءه في المقدمة أن يتمسكوا بكتبه.

{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ}(الأعراف: من الآية154)، موسى يقدم في القرآن الكريم إنسان عنده نفس كبيرة، واهتمام عالي، وعنده معرفة بالله قوية، وارتباط بالله قوي، غضب هنا غضباً شديداً مع أن أخاه عارف بأنه نبي، وعزيز عنده، لكن حالة من الغضب رهيبة. {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} هدأ من حدة غضبه {أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}(الأعراف: من الآية154)، معناه ماذا؟ الألواح ذات قيمة عنده، ذات قيمة، يعني: لاحظ هنا كيف هو هذا الإنسان عظيم بشكل يعرف واحد كيف نفسيات أنبياء الله، لاحظ لم يقل هنا: ما دام لي بينهم فترة طويلة، لا يوجد داعي للألواح، ولا لشيء، يحصل هذا منهم وإنما غبت عنهم فقط ثلاثين ليلة، ماذا يمكن تعمل الألواح هذه ونحن موعظون لهم من يوم ونحن ما زلنا في مصر، لا، أخذ الألواح ما تزال ذات قيمة عنده، ومتذكر مسؤوليته هو: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ}(الأعراف: من الآية145).

هناك قال في البداية: {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(الأعراف: من الآية144)، وبعدها يقول: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}(الأعراف: من الآية145)، يأخذ الألواح ويواصل عمله معهم، هم هؤلاء قد وصلوا إلى أحط مستوى، أنهم فارقوا حليهم، لا نقول: إنهم أخذوا حجراً، بل خسروا من أموالهم كثيراً حتى يصلحوا لهم صنم، ويعبدوه، أليس هذا الموقف يجعل أي واحد يقول: هؤلاء لن ينفع معهم لا قرآن ولا شيء، فضلاً عن الألواح، لا، أخذها ويستمر في عمله.

موضوع الألواح عندما تذكر هنا، هو دائماً في تقديم القصص يكون هناك مفردة يذكرها معينة يذكرها، وترى هناك فراغ في مسيرة القصة ما ذكرها، بالتأكيد لو يأتي سرد تأريخي للعملية من تأخذ لها مجلد ربما، لكن هنا يأخذ ما يعطيك صورة عن مناطق الفراغ في القصة، ومتى ما جاء بشيء يركز عليه يكون ذو قيمة في نفس الوقت، ذو قيمة.

هنا يذكر من البداية الألواح، وفي نفس الوقت يذكر كيف موقف موسى عندما غضب طرحها، وبعد عندما سكت عنه الغضب أخذها، يعني هذه تحتها مداليل كثيرة جداً، ليس إنساناً عنده يأس، ولا عنده شعور بإحباط، هو مستعد أن يواصل مسيرته وإن كان قد بلغوا إلى أحط مستوى، أصبحوا يعبدون صنماً، أليس الكثير يغضب عندما يرى أنهم ما قبلوا منه توجيهاً واحداً، يقول: [يا أخي اترك أبوهم هؤلاء ما يصلحوا لشيء].

معنى هذا أن الإنسان يتذكر مسؤوليته هو بغض النظر عن الآخرين؛ لأنه بالنسبة له هل سيأثم موسى عندما يصبح قومه، يوم من الأيام أصبحوا يعبدون العجل، سيأثم؟ إذاً هو سيواصل مهمته، مهمته هنا: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}، الله هو العالم الذي يمكن أن يعملوا، واصل مسؤوليته، واصل عمله على أساس مسؤوليته التي أوكلت إليه.

{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}، أيضاً يوجد هنا في موضوع الألواح ما يدل على أن كتب الله تكون محط اهتمام، ورعاية عالية جداً، ليست على ما قدموه من بعد أن فلان من كتّاب الوحي، فلان كاتب الوحي، كأن المجموعة التي جاءت مع موسى نفس المجموعة تلك لم يكن أحد منهم جدير بأن يكتب {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}، أعطيت جاهزة، ألواح جاهزة لموسى، عندما كان ينزل الوحي على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هل كان يدعو معاوية، أو يدعو عبد الله بن أبي سرح، على ما قالوا أنه دعاه، ثم قال: له اكتب هكذا، قال قد كتبتها هكذا، قال: [سابر]!! هذا غير صحيح. يقول الطبري: كان فقط الإمام علي يكتب، إذا هناك آخرين يكتبون هناك لأنفسهم مثلاً عندما يسمع آية يكتب هو آية، لكن أما لتدوين الكتاب فهي قضية هامة، ولا يمكن أن يكتب من جاء.

الإمام علي هو الذي كان يكتب هو، قال الطبري صاحب الإمام الهادي، قال: أمناء الله على وحيه ثلاثة: جبريل ومحمد، وعلي، جبريل ينزل بالوحي إلى محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) ومحمد يقرأه على علي ليكتبه. هذا في جمع القرآن، وتدوين الكتاب، وهنا الألواح هذه نفسها أليست ألواح التوراة؟ يقول في القرآن بأنه مهيمن على كل كتبه السابقة ألم يقل عنه هذا؟ هل يمكن هذا الذي يوحيه ثم يأتي له بمعاوية، أو أمثاله يكتبونه؟ ألم يقرأ رسول الله القرآن على الأقل؟ على الأقل يعرفون أنه قرأ القرآن، على أقل تقدير، وأنه قرأه وهو إنسان ذكي وفاهم أن كتب الله محط عناية عالية، هنا قال: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}، في البداية: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} هنا يكشف لك بأنها محط اهتمام إلهي، الكتب الإلهية.

وعندما ترى الكتاب الذي هو مهيمن على كتبه السابقة كلها، معناه أنه محط اهتمام ورعاية أكثر، وأكبر، وكان رسول الله يفهم، يفهم ما القضية هكذا من جاء يكتب؛ لهذا هذه غير صحيحة، ولا يمكن أن تصح أن يكون عبد الله بن أبي سرح هو الذي كان يكتب، وأنه قال للرسول: أكتب الآية: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}؟(المؤمنون: من الآية14) قال اكتبها [سابر]! ثم جاءت هكذا، هذا غير صحيح، كذلك من بعد أنه قالوا: كان يكلف معاوية يكتب، أو أمثاله يكتبون، هذا موسى قد اختار صفوة قومه، وجهاء بني إسرائيل، وهناك ما كأن واحداً منهم جدير بأن يكتب، تُكتب له، وتنزل إليه من السماء مكتوبة.

ثم في الأخير قدموا هذا القرآن أنه فقط أبو بكر هيأه الله، وعمر، يجمعون القرآن، وإلا فرسول الله تركه مبعثر، وترك الأمة مبعثر كذلك لم يوجههم إلى شخص يتمسكون به من بعده، ولا على الأقل جمع لهم القرآن! إنما فقط أبو بكر هيأه الله أن يجِّمع القرآن هو وعمر! وكان قد قتل الكثير من الذين كانوا حفظة القرآن، وأشياء من هذه، مع أن الله يسميه كتاباً، كتاباً ويقول: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}(القيامة:17)، ويذكر بأن أصله مجموع في السماء {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}(الواقعة:77 – 79)، مطبوع في السماء، هل سيترك أبا بكر هو وعمر يجمعوه بعد ما مات رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ فهم هنا ينقصون من قدر رسول الله ومكانته في أهم قضايا لديه، القرآن، ومن تتمسك به الأمة من بعده، ومن يخلفه من بعده.

{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ}(الأعراف: من الآية155)، لاحظ هنا القرآن الكريم لا يأتي بأسلوب التدوين القصصي المعروف، لا يراعى التسلسل التاريخي في تقديم القصة، يراعى قيمة ما تعطيه، فقد يأتي بفقرة قبل فقرة، وهي في تسلسلها التاريخي متقدمة، ألم يذكر قضية الجبل، وميقاتنا؟ والميقات هو ذلك الميقات ثلاثين ليلة، وعشر ليالي، لكن في مواقع تذكير بنعمة، تذكير بدروس هامة جداً، يقدم الفقرات، ولا يراعي التسلسل التاريخي، يلاحظ كيف يعطي رؤية تاريخية أهم، أليس أهم شيء عند المؤرخ هو التسلسل التاريخي للحدث؟ ويحرص على أنه كيف يحاول أن يعرف تسلسل الحدث، تسلسله بالنسبة لأحداثه، ووقائعه فقط، والشيء الأساسي والأهم هو: أن يقدم التاريخ بشكل يعطي عبرة، أنها تعتبر قضية أهم بكثير من مراعات التسلسل التاريخي.

{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}(الأعراف: من الآية156)، السبعين هم نفس الأشخاص الذين هم كانوا حاضرين وقالوا: {لنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(البقرة: من الآية55) {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}(الأعراف: من الآية143) ودك الجبل، ويسقطون هم، يموتون وأحياهم الله بعد ذلك.

هناك القضية فيما يتعلق بموسى كيف أنه فعلاً، وهي قضية واضحة عند الأنبياء جميعاً، يأسفون، ويتأثرون على قومهم؛ لأنهم حريصون جداً على الناس، حريصون على الناس، وفي نفس الوقت تأتي الحادثة هذه في مقام، اعتبره مقام عظيم جداً بالنسبة له، هذا الموعد مع الله، ويتلقى منه تلك الألواح، {لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} عندما قال: أتهلكنا، أتهلكنا بما فعله السفهاء، {بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا}، وبسرعة يقول: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} تداركها تداركاً سريعاً.

{إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} يؤمن بولايته عندما قال: {أَنْتَ وَلِيُّنَا} ويستغفر الله، يطلب من الله المغفرة، والرحمة، وفي نفس الوقت يقدم عبارات فيها تسليم لله، ولمشيئته، ولإرادته، {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا}مسلِّمين لك، تدارك بسرعة بعد هذه الكلمة السابقة: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} فيها نوع.. لكن بسرعة تدارك.

في هذا درس الاعتماد على القواعد الإيمانية في الحالات الخطرة جداً؛ كأنه قال هذه بعد أن صحا؛ لأنه قال هناك في الآية السابقة: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً}(الأعراف: من الآية143) وقال فيما حكى عنه سابقاً: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}(الأعراف: من الآية143)، وحكى عنه هذه.

أليست حادثة رهيبة جداً، بدرت منه أثناءها كإنسان، كإنسان بدرت منه: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} لكن وبسرعة.. بسبب الإيمان المترسخ عنده يأتي بعبارات تسليم مطلق. الملائكة عندما قالوا – ويلاحظ واحد أن الناس والمخلوقات كلها أنها بحاجة إلى هدى الله -: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}(البقرة: من الآية30) لو أنهم تداركوا قولهم بأن قالوا: لكن أنت تعلم ما لا نعلم، وأنت العليم الحكيم، الم يكن أفضل؟. العبارة هذه: {أتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} استفسار معين، العبارات التي بعدها عبارات تسليم مطلق.

{إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} كيف رؤيته هو في موضوع آثار الأعمال الصالحة، وأن الحياة استقامتها هنا متوقفة على هدى الله {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ} يعني: هو ينظر بعيونه إلى الحياة هذه، والحياة الآخرة. وهذه هي نفس مهمة الدين أساساً هكذا، وإن كان في مقامات معينة، ولها أثر أيضاً من الناحية العملية هنا: أن يكون وراءك هناك في الآخرة نعيم أرقى بكثير، وعذاب أخطر من أي شيء في هذه الحياة، لها أثر كبير، لكن يجب أيضاً أن يكون هناك التفاتة للحياة هنا.

القضية من الناحية التربوية بالنسبة للناس قضية أساسية، تذكر الناس بأن دين الله إذا ساروا على هدى الله فالله يعطيهم هنا في الدنيا وفي الآخرة، الله قال عن الإنسان أنه ماذا؟ {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ}(القيامة:20)، {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}(العاديات:8) وهو يعلم بالإنسان هذا انه يعجبه الحاصل، عجَّال بطبيعته، {تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ}(القيامة:21) يقدم لهم هنا في العاجلة أشياء كثيرة جداً، ويوعد في الآخرة ما هو أعظم بكثير.

{قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ}(الأعراف:156)، عندما يقول الله: إن رحمته وسعت كل شيء ترى مظاهر رحمته واسعة جداً، مظاهر رحمته واسعة جداً، وفي نفس الوقت هناك عذاب يصيب به من يشاء من عباده، وهو يذكر بالنسبة لمن يخالفون هداه ما سيحصل لهم. هنا جاء الخطاب لبني إسرائيل: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ}(الأعراف: من الآية157)، الخطاب للموجودين من بني إسرائيل، بالنسبة لنزول القرآن، ليس معناه أنه قال في ذلك الوقت فيما يبدو من الآيات هذه.

{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف:157)، الآية هذه تؤكد بأن بني إسرائيل ملزمون بأن يؤمنوا برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ويتبعوه.. مع آيات كثيرة في هذا السياق أن بني إسرائيل ليسوا حالة استثنائية عن البشر.

مع أنه قدم ما هم عليه مجموعة من الضلال، والافتراءات، والأهواء، والله أعلم ما هي الأشياء التي ما زالت تعتبر صحيحة مخفية، هي نادرة عندهم، هنا يعطي توثيقاً: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} فعلاً مكتوباً عندهم، بالنسبة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أنه سيبعث الله رسولاً كذا كذا.. يعطي علامات له، مثلما ذكر أن عيسى بشَّر به على النحو الفلاني، ذكره في سورة أخرى: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}(الصف: من الآية6).

هذه القضية هم مؤمنون بها بأنها سنة، بأنها سنة إلهية؛ لأنه في كتبهم هم، وفي تاريخهم هم يعرفون بأن النبي المتأخر يبشر به النبي السابق، أنه في سلسلة النبوءات أن النبي الفلاني يبشر بأنه سيأتي بعده نبي، وهذا يبشر بمن يأتي بعده، وهؤلاء يبشرون بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله).

ما يقدمونه الآن على أساس أنه توراة أو إنجيل ترى ما تزال فيها عبارات – فعلاً – توحي بأنها لا يمكن تنطبق إلا على محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، هناك كاتب مسيحي كتب كتاباً جميلاً في هذا الموضوع، أصله كان لاهوتي، صاحب فلسفة لاهوتية وأسلم بعد، جمَّع كثيراً من الأشياء وجد بأنها لا تنطبق إلا على محمد بشهادة تاريخهم هم، وما زالت موجودة في كتبهم، قد يكونون حذفوا الأشياء الظاهرة مثل عبارات صريحة، وما يزال بعضها يقولون في كتب الأناجيل إنجيل يسمى إنجيل [برنابا] ما زال فيه ذكر رسول (صلوات الله عليه وعلى آله) والبشارة به بشكل كامل، يخفونه المسيحيون، ولا يعترفون به، إنجيل برنابا.

وتلك الكتب التي ما زالت وهي نفسها قد هي محرفة، وبقايا، وليست نفس التوراة، ولا نفس الإنجيل، لكن ما يزال هناك فقرات توحي بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله). هذه قضية نقول: من مظاهر أن الله غالب على أمره فعلاً، لا يستطيعون أن يخفوه نهائياً، لكن هم يركنون على التأويلات، مثلما حصل داخل الأمة هذه، أليس هناك أحاديث في علي، وعندهم نص الحديث يوحي أنه أفضل من أبي بكر، لكنهم أخيراً يركنون على تأويل معين، وبقي النص، وقد هم راكنين على التأويل كلما وصلوا إليه وهم يقرؤونه ركنوا على ذلك التأويل المعين، أن معناه كذا، وبقي النص، احتفظ.

{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}(الأعراف: من الآية157)، وهم يعرفون أن هذه هي سنة الرسل، أن رسالة الرسل تكون هكذا: أمر بمعروف، ينهاهم عن المنكر، {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} إذاً ما الذي يحول بينهم وبين أن يؤمنوا به، {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} يحل لهم طيبات كانت محرمة عليهم {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} كان هناك تشريعات ملزمين بأن يؤدوها وإلا سيؤاخذون، وهي نفسها شرعت نوع من العقوبة عليهم، إصر وأغلال.

{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ}(الأعراف: من الآية157)، مع أن الواجب عليهم أن يكونوا بالمستوى هذا، مع أن الواجب على بني إسرائيل أن يؤمنوا برسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، وأن يكونوا من أكثر الناس تعظيماً له ونصرة له، وإتباعاً له، وليس فقط مجرد اعتراف، بل هم ملزمون هم {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف: من الآية157)، إذاً نفهم قضية أساسية، نحن بحاجة إلى هذا الفهم في المرحلة هذه؛ لأنهم الآن يقدمون لك هذا دين لوحده، وذلك دين لوحده، والإسلام أقرهم، هذا غير صحيح، لا يوجد إقرار، كيف إقرار وهو هنا يقول في أكثر من آية: أن عليهم أن يؤمنوا، ويوجب عليهم أن يؤمنوا، ويتبعوا هذا القرآن، والرسول محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)!.

يبين ما هم عليه: أنه مجموعة من الضلال، مجموعة من الأهواء، والتحريفات، هل يمكن يقرهم عليها، كيف يمكن يقرهم عليها، ولم يقرهم على ما يعتبر شريعة؟! لو كانت الأشياء ما تزال صحيحة لديهم لكانوا ملزمين أن يؤمنوا بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، يؤمنوا برسالته، ويتبعوه، لو كانت الأشياء كلها صحيحة عندهم، ما بالك ومجموع ما لديهم أهواء، وتحريفات، وضلال.

لهذا لا يوجد إقرار، هي ليست مسألة إقرار أبداً، هي حالة تدخل ضمن مظاهر رحمة الله بالنسبة لعباده، مثلاً إذا افترضنا بالنسبة لبني إسرائيل هم ناس يعرفون الرسالة، ويعرفون عادة كيف تكون الكتب الإلهية، لكن داخلهم حصل تثقيف رهيب جداً، سيئ جداً جعلهم ينزوون على أنفسهم بشكل كبير، هم يحتاجون إلى أن تتجلى الأشياء هذه هنا في واقع الحياة بشكل أكبر، تتجلى بشكل أكبر، وأمة تبرز تمثل في سلوكياتها، في مواقفها جاذبية؛ ولهذا جاء في آخر سورة [الحديد] هناك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}(الحديد: من الآية29).

حالة رهيبة داخلهم، تثقيف مغلوط بشكل رهيب، يحتاج إلى مرحلة، مع استمرار الدعوة لهم، مع بقائهم في ضمن مواثيق إذا لم يحصل التزام بها يضربون وراءها، كانوا يسمونهم معاهدين، في صدر الإسلام كانوا يسمون معاهدين، لا يسمون ذميين، هذه كلمة من عند الفقهاء من بعد، وهذه من الغلطات التي تحصل دائماً أينما ذهبت يكون هناك غلطات، هم يسمون معاهدين، على أساس أن الأمة هذه تتحرك في الموضوع، وهؤلاء دعوة مستمرة لهم، وهكذا مع الزمن قليلاً قليلاً، وإذا حصل من جانبهم شيء يضربون، فيكونون في واقعهم في حالة لا تخلو من أمرين: إما أن يذوبوا في هذا المجتمع المسلم ويسلموا، أو سيأتي من عندهم على طبيعتهم تلك فيضربون.

لا يوجد إقرار على الإطلاق إنما فقط عندما ابتعدت هذه الأمة نفسها، ابتعدت عن الدين، أصبحت أسوأ منهم في كثير من أبنائها، أصبحوا أكثر سوءاً من بني إسرائيل، بقيت المسألة، وفي الأخير قدموها في الفقه وكأنها قضية ثابتة على طول التاريخ، ليست ثابتة، ولا قدمت قابلة للبقاء حتى، ما قدمت قابلة للبقاء، تجدها بطبيعتها لا تخلو من حالتين، وكانت قابلة لئن تنتهي هذه ولو في القرن الأول: إما أن يذوبوا، وإما أن ينتهوا يضربوا، هل في هذا إقرار؟ لا يوجد فيه إقرار، إقرارهم على ما هم عليه، ويبقون يهوداً بشكل دائم، أبداً، لكن حصل تفريط من جانب الأمة هذه، ضيعت الدين، وترسخت الأشياء هذه إلى اليوم، وكأن اليهود مقرين على ما هم عليه.

هنا في اليمن أسلم كثير من اليهود في مراحل التاريخ، مثلاً يأتي في مراحل حكم جيِّد، حكم جيد كان يسلم كثير منهم، كانوا ينجذبون إلى الإسلام ويسلمون. أما الآن المسلمون وصلوا إلى حالة أسوأ منهم، قد هم طامعين هم أن يجذبوا الناس إليهم هم، يتبعونهم، ويثقفونهم كيفما يريدون.

فقه أهل الكتاب هو هنا في القرآن، كتب الفقه قدمت المسألة وكأنها عبارة عن قضية قد هي مستمرة وثابتة على طول التاريخ، قد هم هناك أهل كتاب، وهناك نصارى، ونبقى نتعامل معهم هكذا دائماً دائماً، ونسيوا كلمة معاهدين، معاهد، هم لا يبقون هكذا إلا ماذا؟ يدخلون في عهد، العهد هذا يكون عليه شروط: لا يدعون إلى ما هم عليه، ما يبنون كنائس غير ما لديهم من قبل، لا يدعوا إلى ممارساتهم هذه، لا يعملون أي شيء يخل بالقيم الإسلامية في المجتمع، وفي نفس الوقت يبقون باعتبار أعمالهم، مثلاً لا يظلمون، ولا أحد يأخذ حقوقهم، وأشياء من هذه.

هذه القضية إذا أحد منهم يريد مثلاً يتحرك ما هو سيحاول يلعب؟ يعمم خمراً مثلاً، أو يحاول يبني كنائس، أو يحاول يحارب الدين، هنا خالف العهد، فيضرب، بهذه الطريقة كان سينتهي اليهود في زمن قصير، إما ينتهون بأن يذوبوا في المجتمع المسلم ويسلموا، أو أن يضربوا.

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}(الأعراف: من الآية158)، أليست هذه تؤكد؛ ليفهم بنوا إسرائيل بأنه ليس محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) نبي للعرب، وهم هناك لوحدهم، هو رسول إلى الناس جميعاً، بل قالوا: هم من زمان، واستمروا عليها إلى الآن، وعمموها في أوساط المسلمين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}(البقرة: من الآية91)، يقولون: محمد نبيكم، نبي العرب، ونحن نبينا فلان، أليس هذا من التفريق بين الله والرسل، والتفريق بين رسله؟ قال عنهم: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً}(النساء: من الآية151) في سورة [النساء]، يفرقون بين الله ورسله، مثلما قال: {وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}(النساء: من الآية150) يفرقون بين رسله، ويفرقون بين الله ورسله، قال عنهم في الأخير: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً}.

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} إعلان صريح ليس فقط يستوحى من رسالته أنها رسالة عالمية، هذا إشعار للناس بتبليغ من الله، أن الله هو الذي يقول له أن يقول للناس بأنه رسول إليهم جميعاً، فإن كان بنو إسرائيل يعتبرون أنفسهم من الناس فهو رسول إليهم كما هو رسول إلينا.

ثم يبين أن الملك لله، والأمر لله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(الأعراف: من الآية158)، أليس هذا خطاباً مخصصاً لبني إسرائيل؟. كلمة: [أمي] أليست تعني: بأنه كونه لا يكتب، ولا يقرأ، أو أمي بمعنى انه ليس من الفئة التي هم أهل الكتاب؛ لأن بني إسرائيل يسمون الآخرين أميين: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}(آل عمران: من الآية75) يسمون الآخرين أميين، النبي الأمي، فهو أمي فعلاً لا يكتب، ولا يقرأ، وليس صحيحاً ما يقوله آخرون من أنه كان يكتب، قالوا: كيف يمكن أن يكون نبي لا يكتب، والكتابة تعتبر فضيلة، تعتبر صفة كمالية، وأشياء من هذه، لكونه أمي هي صفة كمالية بالنسبة لدوره هو، تعتبر آية، لا تعتبر سلبية بالنسبة له، وفي القرآن ما يؤكد هذا، ومعروف في المجتمع بأنه لا يقرأ، ولا يكتب، الأعداء أنفسهم عندما كانوا يقولون عنه: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}(الفرقان:5)، ماذا يعني هذا؟ يعني: هو لا يقرأ ولا يكتب، لكن كلف ناس يكتبونها، ويقرؤونها عليه بكرة وأصيلا إلى أن حفظها عن ظهر قلب، أليس هذا يعني بأنهم عارفون بأنه لا يكتب ولا يقرأ.

بل تجد بأن لها قيمة كبيرة كآية من آيات الله، تبعد رسالته عن أي شبهة، كان يوجد مجتمع بني إسرائيل، كان هناك مجتمع يهود ونصارى، لو أنه يكتب، ويقرأ؛ لقالوا ربما أنه درس هنا أو هناك، ربما.. وأشياء من هذه، لا، أمي لا يقرأ ولا يكتب. تجد القرآن نفسه يبين أنه بعيد عن أن يكون أساطير، تجده توجيهات مباشرة مع حركة الرسالة، سورة [النساء] التي قرأناها أليست توجيهات مباشرة؟ وسورة [الأنعام] كذلك توجيهات مباشرة، قضايا لا يمكن أن تكون من الماضي، قضايا حادثة في حركة الرسالة، وحي جديد.

من الأخطاء الكبيرة، مما عند بني إسرائيل الآن أنهم يقولون: أن هارون هو الذي صنع العجل، هارون نفسه، وينزهون السامري، أشياء عجيبة؛ ولهذا قال الله في آية أخرى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}(النمل:76)، أشياء كثيرة هم مختلفون فيها، وحقائق أضاعوها، قصص حق.

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} أليس هذا إعلاناً واضحاً؟ نحن عندما نسمع مثل هذه العبارة: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} بمعنى أنه رسول للبشر جميعاً، يجب أن تعرف موقع الأرض بالنسبة لله سبحانه وتعالى أنها ليست إلا جزء من ملكه، الآن مثلاً يقولون في هذا الزمن بأنه كواكب أخرى قريبة أكبر من الأرض، المريخ مثلها عدة مرات، هذا النجم الذي نراه، هي ليست إلا كوكباً صغيراً، تعتبر الأرض هذه من الكواكب الصغيرة، عندما يقول: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} الناس أليس موقعهم هنا على الأرض، على الكوكب هذا الصغير؟ إذاً عند الكثير من الناس يكون عنده أن يكون هذا الدين للناس جميعاً، يعني: العالم هذا! يراها وحدة كبيرة! الأرض في ملك الله قد تكون مثل قرية، أو أقل، قد تكون تساوي قرية.

فيجب أن تفهم بأنه عندما تكون هذه الرسالة مبنية على أنها رسالة للعالمين، أنها في أساسها قابلة لئن تكون رسالة للعالمين، وتمهيدات يجعل بالإمكان أن تكون رسالة للعالمين، ليست مهمة جوفاء هكذا، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}،أليس هو رسول للناس جميعاً أينما كانوا في الأرض هذه؟ معناه: أنه مبني هذا الدين على إمكانية أن يظهر في الأرض جميعاً، لا تبقى القضية عند أي إنسان كبيرة، الأرض واسعة، ارجع إلى كتب الجغرافيا، الخرائط التي يصلحونها تجد كيف نسبة الأرض، ليست إلا نسبة بسيطة.

نقول أكثر من مرة: بأن الأمريكيين الآن يرونها صغيرة الأرض، هم هؤلاء البشر، عندما يخرجون إلى خارج يرونها صغيرة، كرة صغيرة أمامهم، بنوا إسرائيل كذلك عندهم أنه بالإمكان أن يدِّيولوا عليها كلها، لم تعد إلا نقطة، أصغر من المريخ بكثير، قد عندهم طمع بحيث أن رؤيتهم أكبر من الأرض، نحن عندما لم تعد رؤيتنا قرآنية، عندما تقول: أن هناك طريقة لا يختلف الناس عليها، أن الله جاء بشيء لا يختلفون، ونظام واحد، يكون عنده كيف يمكن يكون هناك نظام واحد لمحافظة، تكون طريقة واحدة لا يختلفون، ونظام واحد، ولو لمحافظة! وهو قابل أن يكون نظاماً واحداً للعالم كله، هو قابل لئن يعمم على العالم بكله.

نقول دائماً: المفردات في القرآن، لا يوجد مفردة إلا وتجدها مأخوذة بعين الاعتبار، عندما يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}(آل عمران: من الآية104) هو بالشكل الذي يبني أمة، هو رسالة عالمية، وهو بالشكل الذي قابل أن يكون رسالة عالمية، وأن كلمة: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}(الحج: من الآية40)، والوعود هذه كلها مبنية على ماذا؟ على هذه الرؤية الواسعة، لا تقل: بأنه ربما دين قد يكون فقط لإقليم معين من الأرض، وقد تكون الوعود الإلهية كلها محصورة فقط فيما إذا تحرك هذا الدين في هذا الإقليم فقط، أما من خارج ربما لا.

كلمة: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}(التوبة: من الآية33) واضحة، يظهره على الدين كله في الأرض هذه، ثم {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}، ليس معها حدود، حدودها العالم؛ لأن هذه رسالة عالمية، لا يمكن من ينصره، تكون فقط في إقليم معين، من ينصره بهذا الشكل الواسع؛ لتكون رسالته عالمية، ما هو قابل للتحديد، لا يمكن أن يصح هنا أن أقول: رسالته عالمية، لكن وعده محصور، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} في البلاد العربية فقط مثلاً، أو {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} في اليمن. يجب أن تنظر إليها مثلما يقول هو في موضوع الرسالة أنها للعالمين.

أن تكون رسالة للعالمين، وأنت تجد العالمين ثقافات كثيرة، وأشياء كثيرة، يجب أن تثق بأن هذه الرسالة هي بالشكل الذي يظهر على الكل، يظهر على الكل. لكن لن تراه بالشكل الذي يظهر داخل بلادك، إذا أنت تعود إلى الأشياء الأخرى، إلى الكتب الأخرى، ما معنى ليظهره، ليظهر كتب المذاهب هذه، في الفقه، والأصول، والأشياء هذه، وكتب الترغيب، والترهيب، أنها هي التي ستظهر على الدين كله، لن تستطيع أن تظهر، ولا في إقليم واحد! بكتابه، دينه أساسه كتابه، كتابه تجده في الأخير بشكل يعطي فعلاً صورة عن البشر، يشخص البشر، تشريعه، حركته قابلة لئن تستوعب البشر، وتهذبهم، وتجعلهم يسيرون على نمط واحد.

الأشياء الأخرى التي قدمت في الفقه، في كتب الحديث، والتفسير، وأشياء من هذه، غير قابلة أن تكون مقبولة هنا، أن تكون مقبولة فضلاً عن أن تظهر، ستصطدم بواقع، بسنن، مثلما اصطدمت داخل البلاد الإسلامية هنا، في تاريخ أهل البيت، هنا في اليمن في إقليم واحد، كان يقوم بعض الأئمة واصطدم بمسائل فقهية، وأصولية، هنا داخل، ثم يحاول من جديد يبين بطلانها، وأنها هي لا تشكل عوائق أمامه، رؤى فقهية، أو مفاهيم عقائدية معينة، أو قواعد أصولية، كان يصطدم بها في إقليم واحد في العالم.

القرآن غير قابل لئن يصطدم بشيء أبداً، وقابل لئن يظهر على الأديان كلها، وهو نفسه لا يحمل عنوان مذهب معين، لا يحمل عنوان أمة معينة حتى في كونه عربي، مثلما نقول: إن الله جعله عربياً، ليس على أساس قومية، اختار للعالمين لغة هي أرقى لغة؛ لتكون لغة عالمية، أليس يقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(الإسراء: من الآية9) يهدي للتي هي أقوم، عندما يقول هنا: للناس جميعاً، رسالته للناس جميعاً، الله يعلم بأن العالم بحاجة إلى لغة واحدة تكون لغة عالمية على الأقل، وإن كان هناك لهجات أخرى، وأن أرقى لغة، وأفضل لغة، وأسرع لغة للانتشار هي اللغة العربية، وأجمل لغة، وأقوم لغة، لم تختار على أساس قومي؛ باعتبارها أقوم لغة من اللغات السائدة في البشر.

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الأعراف: من الآية158)، هنا يلفت نظر الإنسان بعبارة السماوات والأرض؛ لتصغر عندك الأرض، تصغر عندك في نظرك الأرض هذه، عندما يقول: للعالمين، تكون أنت تتصور بأن الأرض هذه أكبر شيء في العالم، الذي له ملك السماوات والأرض، والكل عباده، هو الذي له الأمر، والحكم فيهم، وفي نفس الوقت أيضاً السماوات في ملكه، حتى لا تقول: أما هذه [أكبرها جور أما هذا قد هو طمع قد الباري يريد يأخذ أراضي مدري من] ليست هذه فقط، بل والسماوات، السماوات واسعة جداً، والكواكب فيها كثيرة جداً، وبعض الكواكب أكبر من الأرض بعشرات المرات.

{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(الأعراف:159)، أليست استثنائية جميلة هذه، هكذا قال في قوم موسى. {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ}(الأعراف: من الآية148) إلى آخره، لكن وفي الأخير يقدم لك صورة أنه كان ما يزال هناك ناس، كان يأتي في تاريخهم أناس جيدين، ويتجلى لك بأنه هكذا في مراحل التاريخ داخل الأمم هذه التي يذكرهم من حيث المبدأ أن هناك ممن يهتدون بهدى الله نماذج عالية جداً، أولئك الآخرين السيئين إنما كانوا من جهة أنفسهم هم؛ لإعراضهم، لجهالتهم، لعدم اهتمامهم.

{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ}(الأعراف: من الآية160). هم اثنا عشر سبطاً، ويبدو أنهم من بعد كانوا على أساس تركيبة تلك البيوتات، حتى في الحجر التي جعلها الله، فجر منها الماء لهم في مرحلة التيه، اثنا عشر عيناً، قد علم كل أناس مشربهم.

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً}(الأعراف: من الآية160) أليس هذا مظهر من مظاهر رعاية الله لهم؟ في الوقت الذي هم أصبحوا يعني: ما كأنهم قبلوا أن يكونوا أمة واحدة مندمجة، إذاً فليكونوا بطوناً على هذا النحو، أوهم تحولوا هم إلى بطون على هذا النحو، اثنا عشر سبطاً، يعني: أبناء فلان، وأبناء فلان، وأبناء فلان، ثم تأتي النعم عليهم بشكل يراعي الوضعية التي هم عليها، قد تكون وضعية غير مؤثرة، قد تكون وضعية أشبه شيء بالأسر، اعتبرها كأسر، الأشياء الملزمة هي ملزمة لهم جميعاً، فهنا يأتي أيضاً في النعمة عليهم بالنسبة للماء أن تكون الحجر هذه ينفجر منها اثنا عشر عيناً، {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}. {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}(الأعراف: من الآية160) هذا في حالة التيه، وهو في سيناء كانت هذه.

هذه أليس فيها مظهر من مظاهر رحمة الله، مع أنهم رفضوا أن يدخلوا المدينة، {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ}(المائدة: من الآية26)، ولكن أيضاً في مرحلة التيه يعطيهم أشياء، الماء على هذا النحو: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ} عندما يكونون في الصحراء حتى لا تلهبهم الشمس وسخونة الصحراء، {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}(البقرة: من الآية57)، هذه تتكرر كثيراً فيما يذكر الله عن الأمم، وما يحصل لها، أنه يأتي من جهة أنفسهم هم، أما هو فهو يرعاهم، ويعمل كل شيء من أجل هدايتهم، لكن هم يعرضون عن الهدى، وهو غني عنهم.

{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ}(الأعراف: من الآية161) لاحظ بالنسبة لتسلسل القصة، أليس ذلك الحدث هو من بعد، قيل ادخلوا القرية. {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ}(الأعراف: من الآية161) مكان يتوفر فيه الخضار والفواكه والحبوب بأنواعها، {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزَيِدُ الْمُحْسِنِينَ}(الأعراف: من الآية161) هذا عرض هام جداً، وبالنسبة لهم القضية بسيطة، يقتحمون المدينة هذه، وكان يجب أن يفهموا عندما يقول: بأنه قد كتبها لهم، بمعنى أنهم فعلاً سيدخلونها، ولو احتاج الدخول إلى جهاد، يعني: يقاتلون الذين فيها، الذين فيها كانوا ناس آخرين، ليسوا مؤمنين، ويبدو أنها فقط قرية كانت، أو مدينة بضواحيها، بمزارعها، بمفاسحها.

{وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} أليسوا بعد طلبوا قثاء وبصل وثوم وعدس؟ كان قد عُرض عليهم سابقاً أن يدخلوا القرية فيسكنوها، وفي نفس الوقت سيأكلون مما فيها: عدس وبصل، وأشياء كثيرة، {وَقُولُوا حِطَّةٌ} كلمة يقولونها، وقد تكون ربما هي نفس العبارة هذه، تكون هي بالذات؛ لأنه بالنسبة للغة العبرية يوجد تقارب نوعا ما؛ لأنها كلها أساساً هي لغات سامية، اللغة العربية، واللغة العبرية، [شلام] مثلاً [شلام عليكم] هي بمعنى [سلام] إنما شين بدل السين.

{وَقُولُوا حِطَّةٌ} كلمة يقولونها معناها: حط عنا ذنوبنا، أليس معناها عودة إلى الله بكلمة يقولونها؟ قولوا، {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزَيِدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ}(الأعراف:162)، أهم شيء في القصة هذه أنه في آية أخرى قال: {الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}(المائدة: من الآية21) ألم يقل هكذا؟ {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، هذه العبارة ماذا تعني؟ أليست توحي بأنه بالتأكيد سيحتلونها ما دام قد كتبها وأمرنا أن نتحرك، معناه بالتأكيد سيحصل نصر إذا تحركنا على أساس توجيهاته. قال: {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، وهنا يقول: {وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ}، أليس هذا مؤشراً.

بالنسبة للمسلمين يوجد آيات صريحة أكثر من هذه، قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه}(التوبة: من الآية33) ليظهره، يؤكد بأنها قضية ستحصل، هي أبلغ من كلمة: كتب الله لكم، هي أقطع، وأكثر تحديداً في الموضوع، {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}(الصف: من الآية9) {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(الصف: من الآية8) في آية أخرى: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(الصف: من الآية9).

أليست الآية هذه نفسها مما تبعث الأمل في نفوس المسلمين، لكن قد هي نفسية بني إسرائيل يبدو، {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} معناها هنا: كتب أن يظهر دينه، هذا كان مما يجب أن يكون محط أمل عند المسلمين، وليعلموا بأنهم سيظهرون فعلاً في هذا العالم على الأديان كلها؛ لأن ليظهره على الدين كله، وترجع إلى السنة الإلهية في مسألة ظهور الأشياء، أنها هنا في الأرض مربوطة بالبشر، ليس معنى ظهوره بأنه سيجعل مثلاً مطر من المصاحف ينزل على أمريكا وأوروبا، وتلك الدنيا كلها، ظهوره، وترجع إلى منطقه هو، منطق هذا الدين، أليس منطقه هنا منطق قيومية، منطق سيادة، منطق واقع يسود، وليس فقط مجرد كلام، أو مجرد حجة، ليظهره يسود، يكون هو الأعلى بسيادته على الأرض.

القضية هي مرتبطة بالبشر، بالتأكيد هي مرتبطة بالبشر، على حسب ما هو معروف من سنن الله سبحانه وتعالى، يعني هنا لاحظ في هذه ألم تكن مرتبطة بهم هم؟ {الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} لكن إذا دخلتموها على الطريقة هذه سيحصل، {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ}(المائدة: من الآية23) يعني: ما زالت القضية نفسها من الناحية الاستراتيجية – التي يسمونها – من الناحية التكتيكية العسكرية، أنه أيضاً القضية بالشكل الذي فيها مؤشرات أنهم سيغلبون، أليست هذه رؤية لديهم، مثلما نقول: بأنه عندما تسمع كلمة فاعرف بأن التدبير الإلهي يكون مترافقاً معها، يعني: وضعيتهم كانت قابلة من الناحية العسكرية لئن يغلبوا الآخرين، هذان الشخصان عرفا من الناحية العسكرية: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ}.

أليس المعنى أن الأرض التي كتب الله لهم هي أرض يمكنهم من الناحية العسكرية أن يغلبوا؟ أن يغلبوا أهلها من الناحية العسكرية، ليس المعنى أنه أرض كتب الله لكم، ثم يجعلها في قمة الشواهق، لا يمكن أن يصلوا إليها، أو مثلاً أهلها في منعة لا يمكن أن يقهروا، هناك ترتيبات قابلة لئن يظهروا عليهم؛ لكنهم تراجعوا، عندما تراجعوا يتيهون في الصحراء، ولا يأتي لهم حاجة من الذي قال فيها: {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ}(البقرة: من الآية58) في آية أخرى: {رَغَداً}، يحصلون فيها على أشياء كثيرة، يتيهون فلا يحصلون إلا على نوع من الطعام هو غريب عنهم أساساً.

ثم إنه جاء فيهم [فاقة] للخضروات: بصل وعدس، وأشياء من هذه، كان قد عرض عليهم من قبل، ألم يكن قد عرض عليهم من قبل أن يدخلوا المدينة فيعتزون فيها، ويسكنون، ويأكلون حيث شاءوا رغداً من الفواكه والخضروات.

فعندما يقول: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}(التوبة: من الآية33) فلتفهم بأنه تأتي الترتيبات الإلهية بالشكل الذي يرى واقعاً أنه ممكن يظهر، لا يقول: ليظهره ثم يعمل أمامك صخرة مثل الجبل ملساء، وليس معك ما يمكنك تطلع فوق هذه، ولا يعطي لك أي وسيلة، هو لا يقدم مستحيل، عندما قال: {لِيُظْهِرَهُ} أي ستكون ترتيباته أيضاً بالشكل الذي يكون قابلاً لئن يظهر على الدين كله.

لاحظ يترافق معها، مع هذه العملية، ويبدو أنها عمليتين، يعني: دخول المدينة شيء، وشيء معين يعملونه، يقولون: حطة، تغفر لهم الخطيئات، ويجتمع لهم بين مغفرة الخطيئات، وبين دخول القرية هذه التي كتب الله لهم، فيحصلوا على أن يظهروا، ويكونوا بعيدين عن ما قد يكونون مستوجبين له من غضب إلهي عليهم، تغفر لهم كل الخطيئات، إذا غفرت الخطيئات فما بقي غضب إلهي، وهذه عملية سهلة جداً، أن يقولوا: حطة، أليست عملية سهلة؟ لكن لم يكن هناك قابلية، قد انتشر بشكل كبير الفساد فيهم.

{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}(الأعراف: من الآية162) وبالنسبة لدخول المدينة تراجعوا، وقالوا: {لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا}(المائدة: من الآية24) فحصل ذلة، ومسكنة، وحصل تيه، وحصل كما قال هنا: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ}(الأعراف: من الآية162)، بمعنى أنه ربما قد تكون القضية، لا يحصل ظهور لناس، والمطلوب أن يظهروا بدينه، إلا وقد عرض لهم شيء يظهر من خلاله اهتمامهم بدينه، تغفر به الخطيئات، وفي نفس الوقت يكونون قابلين للظهور، هو لن يأتي يقول مثلاً: يظهر العرب بما هم عليه الآن، يبدو مستحيلاً، لأن الوضعية التي هم عليها الآن ليست وضعية من يظهروا على آخرين، وضعية من يضربوا بآخرين.

تجد هنا حِطة، تغفر الخطايا، وعملية سهلة جداً، وأنه كان يمكن أن يدخلوا المدينة ويظهروا، فلا دخلوا المدينة، ولا قالوا: حطة، مع أن تلك مكتوبة لهم، وهذه قضية سهلة أن يقولوها، فحصل عقوبة كبيرة: ذلة، ومسكنة، ورجز من السماء، وتيه أربعين سنة، بدل: تغفر لكم خطاياكم.

عندما يقرأ واحد الآية: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(التوبة:33)، لا تتصور بأن معنى يظهر بالنوعية هذه من العرب؛ لأنك تجد النوعية هذه من العرب هي نوعية من يضربوا، هم مبدِّلين.

إذاً عندما نتحرك نحن في هذا الموضوع، وعلى أساس القرآن، لا يمكن للناس أن يقولوا: إنهم يقرؤون وليس لهم دخل، وربما في الأخير يظهر الباري الدين وسيظهره لهم، لازم عمل يتبين أنهم مهتمون بدين الله، أنهم مهتمون بعباد الله، ولازم انطلاقة على أساس القرآن، عندما تنطلق على أساس أي مذهب آخر لن تظهر، لا يتوقع على الإطلاق أن يظهر الناس منطلقين على أساس أي مذهب آخر، إلا على القرآن؛ ولهذا قال هناك: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ – دين الحق – لِيُظْهِرَهُ} يظهر دين الحق، الأشياء الأخرى لم تعد حقاً، لن تظهر أبداً، دينه الحق هو كتابه وما فيه من سنن إلهية بالنسبة لحركة عباده كيف يبتني عباده على أساسه،في الأخير يأتي للناس – ربما – عمل بسيط، ألا يعتبر عملنا هذا عملاً بسيطاً؟ شعار نعمله ويكون له أثر كبير، ويظهر في نفس الوقت اهتمام الناس بدين الله، يظهر غضبهم على أعدائه، يظهر أنهم قابلين أن يعملوا ما بوسعهم من أجله. إذا لم يعمل الناس سيكونون مثل بني إسرائيل عندما يقول لهم أن يقولوا: حطة، فبدلوا قولاً آخر.

هنا دمجها مع بعض، يبين لك أنه ليس مكتوباً لهم – ربما – أن يدخلوا المدينة على ما هم عليه، يظهروا على ما هم عليه من خطايا، وأشياء كثيرة، يقدم لهم حاجة بسيطة جداً تغفر كل الخطايا، قضية رهيبة هذه جداً، ويصبحون جديرين بأن يظهروا، لكن بدلوا فرأيتهم كيف تخاذلوا بعد، وكيف ظهروا متخاذلين، [وأبطلوا بطلة]، بعدما ظهر عسكرياً بأن بإمكانهم أن يدخلوها.ن الخشب\ب

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين،،،

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

التعليقات مغلقة.