سورة الاعراف الدرس التاسع والعشرون
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
في هذه الآيات التي سمعناها الليلة، والآيات التي سمعناها بالأمس، هي تمثل جزءاً كبيراً من سورة [الأعراف] حول الأمة التي تؤمن من حيث المبدأ بنبوة، ثم يحصل خلل داخلها، كيف تكون الأمور، كيف تكون الرعاية الإلهية، وكيف يكون العقاب الإلهي.
ويتجلى من مجموع ما سمعناه، ومما سبق أيضاً من خلال ما قرأناه في الليالي الماضية: أن الإنسان هو من جهة نفسه، هو الذي يبتعد عن هدى الله سبحانه وتعالى، هو الذي يستجيب للشياطين، ويستجيب لهواه، ويستجيب لكل ما يصرفه عن هدى الله، أما هدى الله فهو يأتي على أكمل صورة، وأوضح بيان، فعندما تأتي عقوبة يقول: بأنهم كانوا هم الظالمين لأنفسهم، الله لا يظلم أحداً، ولا يأتي من جانبه أي تقصير في البيان لعباده.
وتتجلى المسألة بشكل – فعلاً – يثير الدهشة، ففي الوقت الذي هو غني عن عباده تمام الغنى ترى ما يأتي من عنده من هدى بأشكال متعددة، كما قال: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ}(الأنعام: من الآية105)، وبطرق كثيرة، وآيات ما بين آيات قولية، وما بين آيات من واقع الحياة، بشكل يتجلى فيه رحمة الله سبحانه وتعالى، ويتجلى في نفس الوقت قبح موقف الإنسان الذي لا يستجيب لهدى الله، ويتجلى أيضاً شدة البطش الإلهي، وأن الله سبحانه وتعالى لمَّا كان هو الغالب على أمره، والقاهر فوق عباده يأتي بطشه بشكل لا يستطيع الإنسان على الإطلاق أن يحمي نفسه، وكل ما كان يراها تشكل حماية له يراها لا تساوي شيئاً على الإطلاق.
مما تحدثنا حوله بالأمس قضية تعتبر أساسية جداً، يجب أن نفهمها جميعاً، فيما يتعلق بهدى الله سبحانه وتعالى، كيف يكون تعامل الإنسان مع الله، كيف تكون نظرته إلى الله، ونظرته إلى نفسه، برز مثال عجيب جداً من خلال كلام نبي الله موسى، بعد أن أخذته الرجفة هو والسبعين الشخص الذين اختارهم من وجهاء بني إسرائيل لميقات ربه، فقال بعد الحادثة الرهيبة: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ}(الأعراف: من الآية155)، هذه فيها آية عجيبة، ويكتشف الإنسان من خلالها أيضاً بأن في أنبياء الله – عندما تقدم أشياء تحكي مشاعرهم، وتصور لنا مشاعرهم – أن فيها ما يقتبس الإنسان الهدى فعلاً.
نبي الله موسى يأتي في آيات كثيرة، يذكر الله له أشياء كثيرة، إنسان إيمانه بالله بشكل كبير، وبشكل متميز يعني إنسان لا يثق بنفسه هو، ليس متكلاً على نفسه؛ لأنه قد صار نبياً! دائماً يعرف بأنه لو يكله الله إلى نفسه طرفة عين لهلك، كان دائماً حذراً، ويفهم تماماً معنى الإيمان، ومقتضى الإيمان، وتؤكد المسألة هذه بغض النظر عن موضوع التفاضل، عندما يأتي خلاف حول: هل الملائكة أفضل من المؤمنين أم المؤمنون أفضل، هذه قضية ثانية، لا حاجة لبحثها أساساً.
يجب أن نعرف بأن الملائكة جنس من خلق الله، عباد مكرمون، لهم دور مخصوص في عبادتهم لله، يقومون به، ولكنهم هم بحاجة إلى هدى الله، أنبياء الله كذلك، أو البشر بشكل عام، بني آدم جنس آخر من مخلوقات الله لهم دور معين في موضوع عبادة الله؛ ليقوموا به، وكلهم بحاجة إلى هدى الله، وفي مقدمتهم من اصطفاهم الله، أنبياؤه، أنهم بحاجة ماسة إلى هداه.
ملائكة الله كما حكى الله عنهم: {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}(الأنبياء:26 -27) ولكن موضوع الإيمان، موضوع الإيمان حتى تترسخ مفاهيمه قضية عملية تأتي في ظل رعاية إلهية، يأتي من الطرف الآخر أن يكون في حالة حذر، حالة أن لا يطمئن إلى موقعه: [هو نبي، قد صار نبياً وانتهى الموضوع] لا، يكون دائماً يعرف بأنه يجب أن يثق بالله، لا أن يثق بنفسه هو، لو وثق بنفسه سيهلك.
العبارة التي جاءت من قبل ملائكة الله، أو قد تكون من عند بعضهم، لكن قد يكون بعض العبارات التي تكون من قبل البعض، وهي في نفس الوقت تعبر عن مشاعر الآخرين، تنسب وكأنها إلى الكل، مثلما حكى الله عن المؤمنين في غزوة حنين: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}(التوبة: من الآية25) ويروى أن البعض منهم قال: لن نهزم اليوم من قلة، هنا تكلم البعض لكن مشاعر الآخرين، الأغلبية قد تكون على هذا النحو.
بعد أن حكى الله سبحانه وتعالى للملائكة بأنه سيجعل في الأرض خليفة، وذكر لهم كيف سيكون هذا الخليفة، {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}(البقرة: من الآية30)، هذه العبارة تساوي نوعاً ما في لهجتها، في أسلوبها كلمة موسى هنا: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا}، هي تساويها، يعني: هي نوع استفسار، ناسي هذا الطرف ما يفترضه إيمانه من تسليم مطلق وبسرعة.
جاء كلام الملائكة بعد العبارة هذه: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}(البقرة: من الآية30)، ونحن، نحن هذه خطيرة جداً {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} برز من خلالها أنهم فعلاً يعرفون مقام أنفسهم، وفي مقام رفيع، فينا الكفاية ونحن كذا.. إلى آخره، ظهر أيضاً نوع من الازدراء نوعاً ما، ولو كان شيئاً لا يلحظه من يقول العبارة هذه بشكل بارز لكن توحي هذه العبارة فيما يتعلق بآدم.
يأتي الموضوع بشكل يصلون فيه إلى ما كان ينبغي أن يقولوه: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}(البقرة: من الآية32)، إنك أنت العليم الحكيم، لو كان هناك نوع انتباه، نوع انتباه عندما قالوا هذه العبارة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، فيقولون: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، تنتهي الإشكالية.
وهنا يأتي من جانب الله سبحانه وتعالى، ثم تلحظ فعلاً في تعامل الله سبحانه وتعالى مع ملائكته، مع أنبيائه، مع البشر، مع أمة من الأمم، في وضعية معينة، وفي وضعية أخرى يختلف التعامل نفسه، مع أن الملائكة يعلم عنهم أنهم مؤمنون، لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، عباد مكرمون، لكن القضية الإيمانية هي قضية عملية، قضية تربوية، لا تأتي شحنة إيمانية هكذا تلقائياً، شحنة إيمانية؛ لأن الإيمان أساساً هو لا ينفصل عن موضوع حركة التدبير الإلهي، عندما نأتي نحن نقيِّم الإيمان ما هو، تجد إنْ ما هناك إيمان هكذا فارغ، الإيمان كله عملي، كل إيمانك متعلق بحركة هذا الكون، بحركة ملك الله – إن صحت العبارة -، التدبير الإلهي بملك الله، بحركة تدبيره وملكه.
فلم يأت من جانب الله سبحانه وتعالى ما يبدو وكأنه مؤاخذة لهم، مؤاخذة على هذه العبارة، جاء عملية تربوية من جهة، وتأديبية نوعاً ما من جهة؛ ليعرف الإنسان، الإنسان، وأنا أعتقد أنه فعلاً الإنسان له دور يهتدي به الملائكة، والملائكة في داخلهم يحصل أشياء مما عرض عنهم؛ ليهتدي به الإنسان؛ يعني القضية متبادلة، عملية متبادلة، يهتدي الملائكة عن طريق حركة الناس، وموقف الناس من هدى الله، وأشياء من هذه كثيرة، يهتدي الإنسان بما يذكره الله عن ملائكته.
هنا يقول لك في هذه المسألة: بأن التسليم، التسليم الإلهي يجب أن يكون هو الشيء المترسخ في ذهنيتك، ومشاعرك، وأقرب شيء في ذهنيتك أمام أي قضية تطرأ، أمام أي قضية تحصل.
نبي الله موسى هنا كيف قال؟ {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ}(الأعراف: من الآية155)، بسرعة، هذه الروحية – فعلاً – هي ماذا؟ روحية، أو قل: منطق من يرسخ في نفسه التسليم المطلق لله، والإيمان بأن الهدى هو من عند الله، وأنه كإنسان يجب أن يكون واثقاً بالله، لا يثق بنفسه، إذا انفرد مع نفسه، إذا وثق بنفسه، وقال نحن.. أو أشياء من هذه، يأتي وراءها أشياء أخرى. فجاء تسليم من عند موسى بسرعة: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}(الأعراف: من الآية156).
هذه قضية أساسية بالنسبة للإنسان بشكل عام، سواء الأنبياء، العلماء، الأولياء، كل فرد من الناس يجب أن يكون دائماً يعرف أن أساس أن يهتدي، وأساس أن يحظى بعناية الله، ورعايته، أن يكون مرسخاً في نفسه التسليم لله، والتسليم الواعي، أنت مؤمن بأنه حكيم، إذاً يجب في كل فعل من أفعاله، تسمعه، أو تراه، أن تؤمن بأنه حكمة، أن الله لا يفعل شيئاً إلا وهو حكيم، فتقول: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.
تجد كلما يأتي من أشياء تعرض هنا، من قصص الأمم الماضية، سواء الأمم التي كفرت، وفي الأخير ضربت، أو الأمم التي آمنت مبدئياً، وحصل داخلها أشياء كثيرة من هذه مثلما كانت عليه وضعية بني إسرائيل، كلها، كلها تركز حول موضوع التسليم، نهايتها، أو تقول: لبها وخلاصتها التسليم، التسليم بمعنى: أن الإنسان يكون معترفاً بأن الله هو إلهه، وربه، ويعرف الله، يعرف نفسه أنه عبد لله مأمور، يجب عليه أن يهتدي بهدى الله، وأن يلتزم بهدى الله، أنه عبد لله بكل ما تعنيه الكلمة، يسلِّم، لا يأتي من جانبه أي خاطرة تساؤل أمام فعل من أفعال الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإنسان قاصر، قاصر في مداركه، لا يستطيع أن يدرك بعض تصرفات البشر أنفسهم، ناهيك عن تدبير الله، وأفعال الله سبحانه وتعالى.
كما ذكرنا بأنه بالنسبة لنبي الله موسى نفسه في موضوع الخضر، ألم يبد له أفعال استغربها؟ وهو إذاً أمام إنسان، أمام إنسان كمثله، أو قل مخلوق كمثله، سواء كان إنساناً أو شيئاً آخر، مخلوق كمثله، لم يستطع هذا النبي العظيم الذي قال الله فيه: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}(طـه:41) أن يدرك تماماً الغاية من تصرفات هذا الرجل الذي أوحي إليه أن يذهب إليه ليتعلم منه، فكيف يحاول الإنسان أن يعرف، أو يقطع، أو يتصرف وكأنه قد أحيط بالله علماً، يحيط بكل تدبير الله، فيأتي من جانبه استفسارات، يأتي من جانبه استفهام على هذا النحو الذي فيه نوع من التساؤل الذي يبدو وكأنه يعرف كل غايات تدبير الله، وأفعاله سبحانه وتعالى!. هذا هو التسليم، التسليم قضية أساسية.
إذاً التسليم نفسه، التسليم يقتضي منك أن تعطي أهمية لما يأتي من هدى الله، تعطيه أهمية كبيرة، تتفاعل بجدية معه، وإلا فسيكون الإنسان معرضاً لأشياء خطيرة، معرضاً لأن يُضَل، ومعرض لأن تأتي له ابتلاءات أيضاًَ يَضِل بعدها.
هنا في قصة أصحاب القرية هذه: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ}(الأعراف: من الآية163)، قرية مطلة على البحر من قرى بني إسرائيل، أو قرى فيها يسكنها بنوا إسرائيل. {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ}(الأعراف: من الآية163)، يتعدون ما فرض عليهم في يوم السبت أن لا يصطادوا السمك، {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً}(الأعراف: من الآية163) فوق سطح الماء، وقريبة إلى الساحل، الحوت تأتي أمامهم هكذا، {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}(الأعراف: من الآية163).
هذه القضية تتجلى في داخل آيات القرآن أنها قضية خطيرة على الإنسان، وأنه في نفس الوقت يُقدَم داخل القرآن ما قد يجعل الإنسان بعيداً عن ابتلاءات من هذه، منها هذه القضية: التسليم المطلق لله، والإيمان الواعي، واللجوء الدائم، والمطلق إلى الله، وإلا فقد تتعرض لابتلاءات وأنتْ عِنْدك أنكْ فاهم، ومؤمن تماماً، [ولو يأتي ما يأتي لن أتغير]، أليس بعض الناس قد يقول هكذا؟ [لو يجي ما يجي لما تحولت لو لو… لما حصل كذا]!.
هذه قضية لا تطمئن إلى نفسك على الإطلاق، لا تنقطع إلى نفسك، انقطع إلى الله؛ ولهذا حكى عن الراسخين في العلم في قوله حاكياً عنهم: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا}(آل عمران: من الآية8) عندما رأوا آخرين زائغين، قلوبهم فيها زيغ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا}، لم يقولوا: أما نحن فنحن راسخون في العلم، ولا يمكن يزاغ لنا قلب، ولا يمكن تنزلق لنا قدم، وأشياء من هذه، لا، {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}(آل عمران:8) ترحمنا أنت، ترعانا أنت، حتى لا تزيغ قلوبنا، {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}، أنت الذي تهب الرحمة، أنت الذي ترعى أولياءك حتى لا تزيغ قلوبهم.
هؤلاء حصل لهم هذا الابتلاء، وذكر في سورة [المائدة] أيضاً: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(المائدة: من الآية94) هؤلاء أناس لم يحصل من جانبهم تسليم لله، حصل من عندهم تعدي في السبت، ربما كانوا يتعدون في السبت، وعندهم أنه اصطياد طبيعي، أو عندهم نية أن يتعدوا في السبت، وهم ما يزالون يصطادون بالطريقة العادية، فيأتي ابتلاء إلهي، تأتي الحيتان يوم سبتهم شرعاً، أمامهم على سطح الماء، {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ}، يعني: ما بعد السبت لم يعد هناك شيء، قد صار مثل باقي الوقت، يحتاج إلى اصطياد بالطريقة العادية.
{كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}، الله حكى عن المؤمنين في آخر سورة [البقرة]: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا}(البقرة: من الآية286)، أليست مشابهة تماماً لما حكى الله عن موسى: {أَنْتَ وَلِيُّنَا}(الأعراف: من الآية155) يعني أنت أولى بنا من نفوسنا، لا أمر لنا في نفوسنا معك، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية286). هنا يذكر ماذا؟ {وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} نحن بشر، ونحن ضعاف، لا نثق بأنفسنا فيما لو تأتي ابتلاءات معينة.
القضية هذه لم يجعلها الله قضية غامضة بمعنى مثلاً أن الإنسان ربما قد يصفعه الباري، وهو لا يدري، لا، هناك أساسيات، هناك أساسيات فعلاً قد تبعدك عن ابتلاءات قد تضعف أمامها فيما لو وقعت، منها هذه، تكون أنت لا تثق بنفسك على الإطلاق، مهما بلغ إيمانك، مهما بلغت أعمالك الصالحة؛ لأن الشيء الطبيعي بالنسبة للإنسان إذا كان مستشعراً التسليم لله، وانه عبد لله، أنه كلما كثرت عبادته لله، وكلما عظمت عبادته لله سبحانه وتعالى، كلما ازداد تسليمه.
فالعبادة هي أساساً عمل في عمق التسليم لله، وتجليات لتسليم الإنسان لله، لا تأتي العبادة لله على نحو كلما تعبد الإنسان لله كلما كبر عند نفسه، كلما كبرت نفسه عنده إلا عبادة من؟ الجاهلين، عبادة المغرورين؛ لأن الشيء الطبيعي أنه كلما كنت أكثر عبادة لله كلما كنت أكثر تسليماً لله.
لاحظ هنا نبي الله موسى في اللحظة هذه، تلاحظ تسليماً مطلقاً، لم يلتفت لنفسه أنه نبي، أو غير نبي، نفسه كعبد لله: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ}، لم يقل في نفسه: قد أنت نبي كيف لا يغفر لك وأنت نبي! لا يوجد عنده الفكرة هذه، منقطع تماماً في التسليم لله، والذي يسيطر على مشاعره العبودية لله سبحانه وتعالى.
لهذا لا تأتي الابتلاءات بطريقة إلا وللإنسان من جهته هو أسبابها، الإبتلاء الذي هو من هذا النوع، ابتلاء كما ذكر في موضوع الصيد في سورة [المائدة]: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ}(المائدة: من الآية94) والابتلاء الذي ذكره هنا بالنسبة لأهل القرية هذه: {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} يفسقون، الفسق، وهذا مثلما نقول دائماً: نحن نشكو من التغيير في المصطلحات، الكفر غيروا معناه، الضلال غيروا معناه، الهدى غيروا معناه، الفسق غيروا معناه، كل شيء تغير معناه.
الفسق معناه: الخروج عن الطريقة الإلهية التي رسمها، الخروج عن هداه، الفسق قد يأتي وأنت لا تشعر، من هو ضال فهو يعتبر فاسقاً، بمعنى خارج عن الطريقة، متى ما خرج الإنسان عن الطريقة أصبح عرضة لأشياء كثيرة جداً، أما وهو في الطريق، وأن تكون فعلاً في الطريق تعرف أن الخط – إذا هم يعملون على الزفلت مثلاً أخطاط – فالخط الرئيسي في الطريق هو التسليم لله، فتكون مشاعرك على هذا النحو الذي حكاه الله عن نبيه موسى (صلوات الله عليه).
هنا لا تأتي ابتلاءات تخرجك أبداً، ابتلاءات مساعدة، ابتلاءات إلى الأفضل، ليست ابتلاءات تخرجك مخرج أبداً، لكن متى ما أصبحت خارج بأي طريقة قد تكون تفسق وعندك معتقدات صحيحة بأشياء في مشاعرك أنت، مشاعرك أنت، عندك قصور في التسليم لله مثلاً، هذا يعتبر خروجاً عن الطريقة التي رسمها الله لعباده كيف يكونون عليها في نظرتهم لأنفسهم، كيف يكونون هم في وجدانهم، في مشاعرهم، في وجدانهم الداخلي، كيف تكون نظرتهم إلى أنفسهم، فِسْق عنها، تكون معرضاً لابتلاءات قد تخرجك فعلاً، ليتبين لك بأنك لا تستطيع أن تشكل ضمانة لنفسك، كيفما كنت، لا تستطيع أن تشكل ضمانة لنفسك على الإطلاق.
عندما تتعبد تتعبد، وكلما تعبدت لله بفرائض ونوافل، وأشياء من هذه، كلما رأيت نفسك تكبر وتكبر أنت عند نفسك هنا ستسقط إلى الحضيض، ستسقط إلى الحضيض فعلاً، تعبَّد لله وأنت في الطريق، لا يكن تعبُّد الفاسق؛ لأن كلمة فسق في اللغة العربية بمعنى: خرج عن الشيء، الخروج التلقائي، أو الخروج المتعمد، أو كيفما كان، الفسق معناه: الخروج عن الجادة، أو الخروج عن الشيء الذي كان يجب أن يكون عليه.
كلمة فسق، هي كلمة عربية من قبل تنزل القرآن، وكلمة هدى، وكلمة ضل، وكلمة كفر، كلها من قبل أن يتنزل القرآن، والقرآن نزل بلسان عربي مبين، هؤلاء عندهم فسق من النوع الواضح، يعني عندهم تعدي، والتعدي في السبت يعتبر فسقاً، عندهم تعدي واضح. إذاً هنا سيأتي الابتلاء بشكل يجعلهم أيضاً ربما ينزلقون أكثر، وهذا الذي حصل.
كان الشيء الطبيعي لك عندما يحصل منك فسق في مرة – ولهذا جاء بعد يذكر عن المتقين كيف هم – تفسق مرة، ترجع إلى الله، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا}(لأعراف: من الآية201) ألم يقل الله هكذا؟ ترجع إلى الله، أما أن تجلس على ما أنت عليه، أو عندك تقول: الله غفور رحيم، مثلما حكى عن آخرين: {وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا}(الأعراف: من الآية169)، هذا فسق يأتي بعده ابتلاءات، كلها ذات الشمال، [مَنْزَل] نعوذ بالله.
يتبين هنا طائفة أخرى، طائفة الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر؛ لينطلقوا من شعور بمسؤولية، حتى وإن لم يكن الآخرون لديهم ظن بأنهم يمكن أن يستجيبوا، {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً}(الأعراف: من الآية164)، هؤلاء قد هم ناس منتهين، ما فائدة أن توعظوهم؟ تحاولون أنهم يتركون ما هم عليه من فسق؟! {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ}(الأعراف: من الآية164) هذه مسؤوليتنا، ونعذر إلى الله بأننا أدينا مسؤوليتنا، فنهينا الآخرين عما هم عليه من فسق، وتعدي لما فرضه عليهم، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}(الأعراف: من الآية164)، ولأنك عندما تقدم النصيحة تقدمها في أجواء من هذه: عسى؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يقطع مع آخر بأنه بشكل لم يعد محل لعسى، أو لعل، نهائياً، لا أحد يعلم ذات صدور الآخرين أبداً. فأنت تقدم النهي عن المنكر إعذاراً إلى الله، وفي نفس الوقت عسى أن يهتدوا، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
تقدم بالنسبة للأمم التي كانت يكون لها موقف جماعي في مواجهة أنبيائها، كيف أنها تضرب نهائياً، أليست تضرب؟ داخل الأمم التي هي محسوبة على دين الله، محسوبة على الإيمان برسوله، وكتابه، يحصل تعدي من ناس فإذا لم يحصل نهي من الآخرين، حصل أمر بمعروف ونهي عن منكر من جانب الآخرين، ظلوا على عملهم في ماذا؟ في هذا المجال، فالعقوبة الإلهية قد تأتي بالشكل الذي ماذا؟ تخص، لا تأتي عامة، كما هو الحال في الأمم الأخرى، الأمم التي يكون موقفها عام في مواجهة أنبيائها.
{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}(الأعراف:165) هنا لا يأتي عقوبة شاملة، لكن إذا كان الطرف الآخر هم على هذا النحو: {يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} {فَأَنْجَيْنَا} لم يقل فأنجينا الآخرين الذين لم يفعلوا هذا، وهم ساكتون هناك، لا، {فَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} هؤلاء هم الذين سينجون، أما الآخرون الذين يعملون العمل المنكر، والساكتين، أو المداهنين، فهؤلاء قد يكون مصيرهم واحد.
{وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}، وهذا الشيء مما يكون داخل الأمم، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى، من رحمته، ليست تصرفاته مثل تصرفات الأمريكيين، نراهم مثلاً قد يكون واحد من منطقة ويداهمون المنطقة كلها، يداهمونهم كلهم هكذا. الله سبحانه وتعالى يؤاخذ العاصين فقط، والعاصون هم نوعان، من يعملون المعصية، ومن يسكتون عنها، ينجي الذين ينهون عن السوء.
إذاً فهذه تعطي الناس قاعدة: – لأن الله سبحانه وتعالى، هو الله الذي لا إله إلا هو، الحي القيوم، ما يزال حياً قيوماً، مدبر لشئون السماوات والأرض، ما تزال سننه في عباده قائمة – أن الشيء الذي يجعل الناس يخافون على أنفسهم، عندما يرون أن هناك منكرات، وهم في نفس الوقت ساكتين على أساس أنه ماذا؟ خائف أنه لا يقول شيئاً، أو يتكلم، أو يكون له موقف منها، يلحقه شيء يضربه، لا، يجب أن تخاف من الله سبحانه وتعالى، من هذه السنة: أنك إذا لم تتحرك قد تضرب، أن الشيء الذي هو نجاة لك هو: أن تنهى عن السوء.
في مرحلة كهذه التي نحن فيها، أليس هو يظهر الكثير من أقوال الناس بالشكل الذي يدل على أنه من ظاهر القرآن، خلي عنك أشياء تستوحي منه ليس له أثر في النفوس. هنا يقول: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} أنجينا الذين ينهون عن السوء، أليس هذا يعتبر جواباً كافياً على أي إنسان، قد يأتي يقول لك: اسكت، إنما فقط قد تؤدي إلى أن يلحقك كذا، ومشاكل، وأشياء من هذه، يخوفك، قل: لا، إن القضية التي يجب أن نخافها هو عندما لا نعمل، عندما لا نتحرك، عندما لا ننهى عن السوء.
{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}(الأعراف:166)، نعوذ بالله. إذاً هو هنا يبين بأن الله سبحانه وتعالى يؤاخذ، وكما أنه قادر على أن يؤاخذ بشكل عام أمة من الأمم، هو عالم بعباده جميعاً، يستطيع ويعرف أن يؤاخذ على طريق التخصيص، أخذنا الذين ظلموا، {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ}، أليس هو يبين هنا فئة خاصة من المجتمع؟ أيضاً يوجد فارق هنا، لاحظ كيف الفارق بين منطق من قالوا لهم: ما فائدة وعظكم لهم، وبين ما يحصل اليوم؟ بشكل عجيب الفارق، هنا سيقول لك: [اسكت ستكلف علينا، وتجلب الشر علينا، اسكت ما لك دخل، ماذا يمكن أن تعمل أنت في هذا الموضوع!].
هؤلاء ما يزال منطقهم الذين آخذهم الله على سكوتهم، منطقهم بأنه ما فائدة أن توعظوا قوماً قد هم محكوم عليهم ربما؛ لأنهم قد هم فاسقون، ظاهر فسقهم، قد هو محكوم عليهم بالعذاب الشديد؟ أليس هؤلاء منطقهم أحسن من منطق الناس اليوم؟ فعلاً ما يزال أعلى، أما هذا فيقول لك: اسكت! بل ربما في الأخير يحاول يطلِّع موقفك أنت بأنه المخالف للدين، يحاول يجعل موقفك المخالف لموقف الدين نفسه، بمعنى: أن هذه الحالة التي هي ظاهرة في الناس، يصدون بها من يعمل في عمل كهذا، وهو يذكِّر الناس بالله سبحانه وتعالى، وبخطورة كبيرة محتملة من جهة الله سبحانه وتعالى، فيما إذا قصروا، خطورة كبيرة من جهة العدو، وعدو يعرفه الناس، عدو كبير، وإمكانياته كبيرة، يأتي ليقول: [اسكت، ما لك دخل] لا يقول يا أخي: اسكت، هؤلاء الأمريكيون هم أعداء لله، وربما الله مهلكهم، أو معذبهم عذاباً شديداً، هو لا يقول هذه على الأقل، هذا سيكون منطقاً أسهل من المنطق الذي يقدمونه.
في حالة كهذه يرجع الإنسان إلى قاعدة لديه معروفة: أنه لا يعلم الغيب، أن تعتقد بأنك أنت جالس، أو أنت مثلاً قمت تصد عن عمل هو نهي عن السوء، وعندك كيف يمكن إنَّهْ يأتي لك مصيبة لوحدك، الإنسان لا يعرف تدبير الله، لا يعرف كيف يمكن أن يأتي له الله، ومن أين يأتي له الله، الله يقول: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}(الحشر: من الآية2) في كثير من الحالات التي يؤاخذ فيها نوعية من عباده يقول: {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}، أو يقول لنفس من يتحركون لينهوا عن سوء يقولون: [نحن أمام خطورة كبيرة عامة، إذاً هي بالتأكيد ستلحقنا ولو نحن ناهين عن السوء؛ لأنه شيء عام، قد يعم شعباً بكله، ضروري يلحقنا]، يجب أن يفهموا بأن الله قال هكذا: {فَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ}(الأعراف: من الآية165).
النجاة أيضاً أن لا تضع لها أنت قائمة وتوصفها أنت، ما هي النجاة، النجاة عند الله، دع الله هو الذي يختار لك النجاة، قد تكون نجاتك فعلاً، قد تكون نجاتك بأن تستشهد في سبيله، ما معنى نجاتك هو: أن لا يحصل عليك شيء! قد تكون نجاتك أنت كإنسان، كشخص معين في أن تستشهد في سبيله، ربما أنك لو لم يحصل لك هذا: أن يختارك الله فتستشهد في سبيله، قد يحصل شيء آخر يجعلك تتحول، وفي الأخير تهلك.
فالإنسان يترك الأمور لله، يصدق بوعد الله، يثق بالله، ولا يقدم خطة معينة لله، يقول: [أنا أريد أن تكون النجاة على هذا النحو، أريد أن يكون نصرك على هذا النحو، أريد أن يكون تأييدك على هذا النحو] لا، الإنسان يسلِّم أمره لله، ويثق بالله، ويصدق بوعود الله، والله هو الذي يفعل ما يريد، وبالتأكيد لن يختار لأوليائه إلا أحسن شيء لهم.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}(الأعراف:167). أي قضى سبحانه وتعالى بأنه على طول حياتهم، على طول تاريخهم، أن يبعث عليهم، ولا نستطيع أن نقول بأن معناه يومياً أو سنوياً، يبعث هو متى ما أراد ومتى ما شاء.
عندما يقول في هذه الآية: {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} مع أن أولئك قد قال عنهم: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}(الأعراف:166) ألم ينتهوا، وأولئك الذين اعترضوا على من نهوا عن السوء، ألم ينتهوا أيضاً؟.
هذه هي تعبر عن قضية خطيرة جداً، أنه عندما يعتبر الموجودين من بعد، الأجيال الموجودة من بعد, امتداداً لأولئك في روحيتهم، في نظرتهم، امتداداً يبرر لهم – تقريباً – ما هم عليه، ما هو الشيء الذي يجعل القضية على هذا النحو، يجعل الجيل المتأخر امتداداً للأول ما هي؟ ليست فقط موضوع الولادة، الثقافة، أخطر شيء على الناس هي الثقافة الخاطئة، فيمكن أن يكون مثلاً أبوك الأقرب، أو جدك ضالاً، وأنت لا تسير على نهجه، تعتبر مهتدي، وتعتبر من المفلحين، ومن الناجين، وهو جدك الأقرب، لكن من بينك وبينهم مئات السنين، أو آلاف السنين، وأنت تمشي على ثقافة هي امتداد لثقافتهم هم، امتداد لافتراءاتهم، امتداد لتبريراتهم، امتداد لأهوائهم التي تتحول في الأخير إلى ثقافة، معنى هذا ماذا؟ ستبقى القضية، وكأنك هم، وكأنك في موقعهم.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} أليس معناه الأجيال التي لها صلة بهم، وحالها حالهم؟ ليس المعنى مجرد كونهم أبناؤهم، من ناحية الولادة، حالهم حالهم، ونظرتهم نظرتهم، ما الذي يجعل حال الأجيال المتأخرة، حال الجيل الأول إلا ماذا؟ ثقافتهم، ثقافة الجيل الأول تبقى ممتدة، هذه حالة خطيرة جداً، وهنا تضيع فوارق مئات السنين بينك وبين الجيل الأول، ولو بينك وبينه ثلاثة آلاف سنة، ستكون امتداداً له، وتعتبر منهم، وحكمك حكمهم، ومصيرك مصيرهم.
بين في آية أخرى بأن ما كان لدى ذلك الجيل في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مجموعة أهواء ممن ضلوا من قبل، ألم يقل: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ}(المائدة: من الآية77)؟ لما كانوا متبعين لما قدمه لهم الأولون، وهو في الواقع أهواء، وضلال، اعتبروا امتداداً لهم، بين لك بأن ما لديهم هو ما كان لدى أولئك، والذي على أساسه عوقب أولئك، عوقب الجيل الأول، والخطورة في هذه القضية: أن المسألة تصل أحياناً في داخل الأمة المتدينة يعني: الأمة ذات الدين، أن الأهواء المخالفة لأوامر الله تتحول إلى ماذا؟ تقدم إلى الناس مصبوغة بصبغة دينية، ويرمَّز أصحابها، يعتبرون عظماء في تلك الملة، عظماء في ذلك الدين، يرمزون، يعتبرون رموزاً، لا تدري وإذا الأمة في وضعية متشبثة بشيء هو خطير جداً عليها، وفي نفس الوقت بعيدة عن أن تخرج منه؛ لأنه قدم لها بشكل دين، ومن صنعوا هذه الأهواء، وعملوا هذا الضلال قُدِموا رموزاً في الملة، رموزاً في الأمة، حالة رهيبة هذه جداً.
لهذا يأتي عنها أن يعرف الإنسان الله سبحانه وتعالى، ولم يربط الأمم ببعضهم بعض، لم يربطهم في موضوع الهدى، ذكر بأنه حي قيوم، وأن مسيرة الحياة متواصلة، أنه هو الذي سيأتي بهداة من عنده على طول الحياة، لم يربط الأمم ببعضها بعض، ويقول: يكفي، نحن قد قدمنا لكم قبل ألف سنة، أو قبل ألفين سنة، ولكن السبب في أصحابكم، يكفي، نجحت، لم يعد هناك إلا الذي قد مشى، إن استطعتم أن تعرفوا أنتم من جهة أنفسكم وإلا فيكفي، راحت القضية، لا، ربط عباده به هو؛ ولهذا يؤكد بالنسبة لرسله كيف يجب أن تكون نفسياتهم هم، إنما يأخذون عبرة من الماضي، فبالنسبة للصالحين من أسلافهم خط الأنبياء: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(الأنعام: من الآية90) والآخرون يأخذون عبرة منهم أيضاً، ودروساً منهم، لا تظن بأنك مربوط ارتباطاً هكذا بالجيل الذي قبلك بمائة سنة.
أنت يجب أن تسير على طريق واحدة، وتسأل الله؛ ولهذا علمنا في الفاتحة من جهة الله أن ندعوه: اهدنا، ألسنا ندعوه هو؛ لأنه حي قيوم، من يقولون: اهدنا، قد يكونون في القرن الثاني، في القرن الثالث، في القرن الخامس، في القرن العاشر، في القرن العشرين، وهم دائماً يقولون: اهدنا، اهدنا.. إلى آخره، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، وبالتأكيد صراطه هو الذي رسمه، وهو في نفس الوقت {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ}، لا نستطيع نحن أن نغربل الحياة نحن فننتقي من أنعمت عليهم، ونعرف كيف كان صراطهم بالتحديد، نحن بحاجة إليك أن تهدنا أنت.
فالذي في سورة [الفاتحة] تعني: خطاباً يومياً من جهة كل إنسان مع الله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} {اهْدِنَا} أليس هذا خطاباً يومياً، وأنت تخاطب من هو حي قيوم، ومن يمكن أن يمنح الهدى يومياً، يومياً، ولكل جيل، ولكل الناس، عندما يخاطبونه، ويعرفون فعلاً ما يقتضيه خطابهم، عندما يقولون: اهدنا الصراط المستقيم.
وعندما نقول: اهدنا الصراط المستقيم نعود إلى القرآن، ن
لا نقول: اهدنا الصراط المستقيم، ثم نقول: نحن على سيرة السلف الصالح، مثلما يقول الآخرون، أليسوا يقولون هكذا؛ لأن المسألة قد قدم لك ناس هم ممن خالفوا، رُمِّزوا حتى أصبحوا عظماء في هذه الأمة، وقد أصبحت تراهم أنت سلفاً صالحاً، لو تسأل أي إنسان من طوائف أخرى، ألا يتمنى أن يكون على سنة أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد وهؤلاء، عمرو ابن العاص وأمثالهم؛ لأن هؤلاء قدموا لديه بأنهم سلف صالح.
لكن لا، أنت قل لله: اهدنا أنت صراط الذين أنعمت عليهم، أنعمت عليهم، لا نستطيع أن نميز إلا عن طريقك أنت، أنت الذي تهدي إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، ونعرف من عندك أنت لما يمكن أن نعرفه مثلاً داخلنا كأمة، من عندك أنت نعرف من أنعمت عليهم، وتعود إلى القرآن، يعود الناس إلى القرآن، لا نقول: اهدنا الصراط المستقيم، ونرجع إلى ما عليه السلف الصالح، الذين قد سميناهم، وقُدموا لنا أنهم سلف صالح، وأنت تراهم اختلفوا فيما بينهم، وتقاتلوا فيما بينهم، هل يمكن أن تحكم بأن أولئك كلهم كانوا سلفاً صالحاً؟ أبداً، لا يمكن أن تحكم لمختلفين، متناحرين، متقاتلين بأنهم كلهم سلف صالح، فيهم ناس صالحين، قد لا تكون تدري بالتحديد من هم، إذا أنت تدري فغيرك لا يدري، إذا أنت قدم لك من هو فعلاً سلف صالح، على أنه سلف صالح، وهو في واقعه سلف صالح، هناك آخرون سيقدم لهم آخرون ضالون على أنهم سلف صالح.
ما الذي يشكل ضمانة من هذه للجميع؟ أن يسألوا الله هو، ويرجعوا إلى ما بين أيديهم من هداه، ويسيروا على الطريقة التي رسمها هو؛ ولهذا كانت هامة جداً {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}(الفاتحة: من الآية7) أليسوا السلف الصالح؟ لكن نقول له هو، نطلب منه هو بدعاء أنه أنت الذي تهدنا إلى الصراط المستقيم، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} وأنت الذي تعلم من هو الذي أنعمت عليه، ومن هو الضال، ومن هو المغضوب عليه.
هذه الآية تعتبر مؤشراً خطيراً جداً، أن لا يطمئن الناس إلى ما قبل مائة سنة، مائتين سنة، وهكذا، أنك تنظر إلى ما بين يديك من هدى الله، وإلى الله دائماً أن تعرف بأن ما تركه السابقون، ما قدموه من ضلال، عوقبوا على أساسه، إذا كان لا يزال حياً في أوساط الناس، جيل بعد جيل، سيكون حكمهم حكم أولئك، ألم يقل هنا: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}، وهم قد ماتوا قبل آلاف السنين، أو قل: قبل ألفين سنة، قد ماتوا قبل ألفين سنة، وهنا يأتي بعبارة: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ}؛ لأن الأجيال المتأخرة كأنها أولئك تماماً؛ لما كانوا امتداداً لهم عن طريق ماذا الامتداد؟ عن طريق الثقافة التي تنزل.
معناه أن القضية خطيرة جداً، عندما ننطلق لنقيم ثقافتنا على أساس القرآن؛ لأنه ما أوخذ به من قبلنا بمئات السنين، ما حصل من أخطاء قبل مئات السنين ستضربنا، وسنكون امتداداً لأولئك ممن ضلوا ولو كان بيننا وبينهم آلاف السنين.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}(الأعراف:167) لهذا عندما ننظر إلى بني إسرائيل اليوم ألم يأت لهم.. تقريباً حصل لهم أشياء كثيرة، وهم في أوروبا، وحصل لهم سوء عذاب وهم في فلسطين محتلين، مع أنهم دولة قوية، وعندهم إمكانيات كبيرة، لكن شيء من جهة الله، لا يستطيعون أبداً أن يسدوا منفذه {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}.
{إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ} فهو يعاقب هنا في هذه الحياة إضافة إلى عقابه في الآخرة، {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، لمن رجع إليه، ولمن تاب إليه، ولمن اهتدى بهداه.
{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(الأعراف:168)، وهذه القضية أيضاً من القضايا الهامة التي نأخذ منها عبرة في موضوع وحدة كلمة الناس كما يقول الكثير. بنوا إسرائيل ثقافتهم هي بالشكل الذي تربط بعضهم مع بعض، ثقافة قومية، ثقافة انزوائية داخلية، ومع هذا شتت الله شملهم، وقطََّعهم في الأرض.
عندما يقول الناس: لا نريد أن ندخل في موضوع معين؛ – وهو شيء من هدى الله، شيء لا بد أن يعملوه – من أجل تبقى كلمتنا واحدة سيفرق الله شملهم، يفرق الله شملهم، وهذه عبرة لنا، فعلاً ترى بني إسرائيل، ثقافتهم في كتب [العهد القديم] كلها ثقافة تجعلهم كالإخوة فيما بينهم، لكن لا يستطيعون، النفوس هي بيد الله، وحياة الناس هي بيد الله، قطََّعهم في الأرض، مزقهم في الشعوب.
ألم تكن ثقافتهم بالشكل الذي تجعل منهم أمة واحدة؟ ضرب بينهم عداوة وبغضاء، رغم أن ثقافتهم ثقافة واحدة، يعني: ثقافة تشدهم إلى بعضهم بعض، فاليهودي ينظر فقط في الدنيا إلى اليهودي، يرى ما يقدم إليه وكأنه ليرعى اليهودي، ويحب اليهودي، ويحترم اليهودي، ويعمل كل شيء لليهودي، ومع هذا مزقهم الله.
كذلك الناس عندما يكن يأتي موضوع، نحن قلنا في جلسة سابقة: وحدة الكلمة هي قضية لا بد من تدخل إلهي فيها، ووحدة الكلمة هي يجب أن تكون على أساس دين الله، ووحدة كلمة؛ ليعمل الناس، يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر.
أما وحدة كلمة على أن يجلسوا، ولا يعملوا شيئاً؛ من أجل يبقوا أهل قرية، وتكون كلمتهم واحدة، ويبقوا يدخلون المسجد، وتكون كلمتهم واحدة، وما يكون هناك أحد يعارض، ولو أدى إلى أنهم يسكتون لا يرفعون، ولا كلمة ضد أعداء الله، معنى هذا – على ضوء هذه الآية – أن الله يمزق شملهم، يوجد بينهم عداوة وبغضاء.
ويفهم الإنسان بأنه دائماً لا يعرف كيف يمكن أن يعمل الله بالناس، لا يكون عنده [أن كلمتنا واحدة فلا يأتي من يفرقنا]!. الذي يعزز وحدة كلمة الناس، ووحدة صفهم، عندما ينطلقون على أساس هداه، ويعملون في سبيله، وإن كانوا أعداء من قبل، وإن كانوا أعداء، {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}(آل عمران: من الآية103).
{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، هذا بالنسبة لتاريخهم الماضي، كانوا هم أيضاً مفرقين في الشعوب، وكان يظهر بينهم من هم صالحون، ومن هم كما قال في آية أخرى: {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}(الحديد: من الآية16).
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ}(الأعراف: من الآية169)؛ لأن المسيرة ما زالت مسيرة دين، مثلما هو واقع الأمة الإسلامية، أليس القرآن ماشي معنا من ذلك اليوم؟ قرآن، وتوجيهات من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وتوجيهات ينسبونها إليه وهي غير صحيحة، وعبادات معينة، أليست مسيرة تمشي مع الناس؟ {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ} من بعد الأجيال السابقة من بني إسرائيل خلف ورثوا الكتاب، بهذه الطريقة، طريقة التلقي الذي يحصل بين الناس.
هناك فرق بين {أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ}(فاطر: من الآية32)، من جهة الله هو يختص، ويورث شيئاً، وورثوا ممن قبلهم كتاباً، هنا أيضاً تظهر في الأخير مسؤولية فيها، تظهر مسؤولية، عندما تكون أنت قد علِمت الكتاب، أي واحد يعلَم القرآن، يعلمه، فهنا في القرآن أشياء واضحة، وهنا ذكر في هذه الأشياء الواضحة، أنه لا يحصل تذكير بها.
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ} ما يزال الكتاب بينهم، لكن قد هناك في المسيرة أشياء أخرى، في مسيرتهم الثقافية قد هناك أطروحات أخرى، وتقديرات، وأقوال، ووجوه، وأشياء من هذه، فالكتاب يمشي، والعمل قد هو يقوم على أساس شيء آخر، ألم يصلوا إلى درجة {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}(آل عمران: من الآية75)؟. يأكلون أموال الناس ويقولون: [أميون، ما علينا منهم، لن نؤاخذ] مسألة فقهية طلَّعوها، لا أدري من أين طلعوها؟!.
{يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى}(الأعراف: من الآية169) الحياة القريبة هذه، من مظاهر الدنيا هذه، {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا}(الأعراف: من الآية169) هناك تأويلات إما مثل: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً}(البقرة: من الآية80) أو مثل: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي]، أو أن الإنسان إذا هو مجتنب أشياء فما عليه من أشياء ثانية! وكم يأتي!، [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن سرق وإن زنا] ألم تقدم هكذا؟.
{يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا}(الأعراف: من الآية169) مع أن الكتاب يبِّين، يحدد لهم الأشياء بأنه يظهر لهم من خلال، عندما يستعرضون ظاهر الكتاب يظهر لهم بأن ما لديهم من مسائل معينة، وأقوال معينة استنبطوها، وورثوها من السابقين نتيجة أهواء، أنها ضلال، يستطيعون أن يعرفوا أنها ضلال، لكن عادة تقدس الأشياء الأخرى، تحاط بهالة، وتربط بعظماء، يصبح مَنهم أصحاب أهواء، أو ضلوا نتيجة ضلال مَن قبلهم، وكانوا هم ضحية لمن قبلهم، تحاط بهالة من القدسية [لأنه فلان الذي كتب هذا، وفلان من شرََّاح الكتاب الفلاني] وتكون القضية رهيبة جداً على الأمم.
{وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ}(الأعراف: من الآية169) يقولون: {سَيُغْفَرُ لَنَا} وجاء مرة ثانية وأخذوه وقالوا: {سَيُغْفَرُ لَنَا}!. {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}(الأعراف: من الآية169)، أنت عندما تقول: سيغفر لنا، أنت هنا صاحب عقيدة مبنية على رؤية معينة: أنه سيغفر لك هذا، وإن كان خطأ في واقعه؛ لأن شيئاً معيناً هناك آخر، قد قالوا لك: هو سيكفره تلقائياً، شيء معين قد أصبحت تعتقده، أن تؤمن بهذا، فإذا أنت مؤمن بهذا الشيء، فالشيء الآخر الذي تقترفه وأنت تعرف أنه باطل لن تعود مؤاخذاً عليه، مثل حديث: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] سواء.
أليس معنى هذا أنك سترتكب كبائر، وأنت تعرف بأنها كبائر، لكن قد أصبحت تعتبر بأنها من التي ستغفر، يعني لن تؤاخذ عليها؛ لأنك ماذا؟ قد أنت مؤمن بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، وبالله، وبالقرآن، وباليوم الآخر، هكذا كعناوين.
فأول قضية هوجمت هنا: الرؤية الثقافية في الموضوع: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ} ألم يسبق بهذه العبارة قبل قضية أن يقول: ما يأخذوه؟ هنا يذكرأنهم يأخذون باطلاً، يأكلون شيئاً حراماً، لكن هذا الحرام قد صار مفلسفاً بأنه لم يعودوا معاقبين عليه، سيغفر لنا، مبني على شيء محسوب على الدين، والدين محسوب على الله، يطلع هناك في الأخير افتراء على الله، قولاً بغير علم، {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ} أن لا تنسب إليه بأنه سيغفر، أو أنه سيعذب، أو أنه سيعمل كذا، أو كذا، {إِلَّا الْحَقَّ}، ما كان من عنده هو.
ولهذا نقول: بأنه فعلاً يجب أن تكون معتقدات الناس من خلال القرآن الكريم، من خلال ما يقوله الله سبحانه وتعالى هو، عما سيفعل، وعما سيعمل، عن أشياء كثيرة، يكون العمدة في أخذ العقائد هو كتابه، تطلِّع عقيدة أخرى هناك في الواقع مخالفة لكتابه، يصبح في الأخير بأنك ماذا؟ قلت على الله غير الحق، والله قد أخذ على من يعرفون كتابه أن لا يقولوا على الله إلا الحق؛ لأن هذه هي المشكلة الكبيرة، المشكلة الكبيرة التي تجعل الإنسان في الأخير ينطلق في الباطل، ويأكل أموال الناس بالباطل، عندما يطلع تبرير للمسألة، وربطها بالله، وانتهى الموضوع.
{وَدَرَسُوا مَا فِيهِ}(لأعراف: من الآية169) الكتاب درسوا ما فيه: تلوه، قرؤوه، وفي ظاهر الكتاب ما يؤكد على أن الإنسان يجب أن يكون منتبهاً، أن يكون دقيقاً، لا يحصل من جانبه ما يحسبه على الله، ما ينسبه إلى الله، فيكون قد قال على الله غير الحق.
كذلك فيما تتضمنه كتب الله، ما يجعل الإنسان ينشد إليه، وهو الدار الآخرة، الجنة، الجنة قدمت بالشكل الذي لا يجعلك تحاول تتأول كيف تأخذ شيئاً من عرض هذا الأدنى، تأخذه حراماً، أليس معنى هذا بأن هذه الحياة ما زالت أمامك كبيرة جداً، وجشِِع جداً، وترى أي شيء يمكن تأخذه عظيم جداً عندك، وهو نعيم كبير عندك، عندما تكون جاهلاً بالآخرة، إذا كنت مثلاً تعرف الآخرة، وتعرف ما ذكره الله عن الآخرة، عن الجنة، لن تفكر في أن تعمل تبريرات لأخذ شيء من حقوق الآخرين أبداً، لن تفكر؛ لأنك ستكون منشداً إلى ما هو أعظم، أنت تريد من الله، وترجو من الله ما هو أعظم وهي الدار الآخرة، الجنة.
فهذه أيضاً تبين أهمية ذكر الجنة في القرآن الكريم بشكل كبير، وأنها أيضاً ذكرت الدار الآخرة في الكتب الإلهية السابقة، لكن في كتب [العهد القديم] تجد لم يعد موجوداً موضوع الآخرة، أبعدوه نهائياً بشكل عجيب، يعني واضح فيه التحريف، وهذا مثل ما يقول الله في القرآن: أنه مهيمن على كتبه السابقة، عندما تعرف السنن الإلهية من خلال القرآن، ستعرف بأنه بالتأكيد أن السنن الإلهية في التوراة كذلك؛ لأنه هنا يقدم لنا قضية تربوية، من الناحية الدينية، ومما يبعد الإنسان عن أن يفتري على الله من أجل أن يأخذ حقوق الآخرين، هو ماذا؟ مما يبعده عن هذا عندما يقدم له موضوع الآخرة بشكل عظيم جداً، جانب النعيم، خلي عنك جانب العقاب هناك؛ ليكبر في ذهنك هذا الشيء فتطمع إليه هو، تطمع إلى الجنة، لا تعد تطمع في هذه، قد أصبحت طامعاً فيما عند الله، في الجنة التي هي نعيم على أرقى مستوى، ونعيم دائم لا ينقطع، لن تفكر على الإطلاق في أن تفتري على الله، وتأخذ حقوق الآخرين.
إذاً أليست هذه قضية تربوية؟ قضية تربوية إذا أنت تفترضها في هذه الأمة بنسبة مثلاًً 100%، افترضها في بني إسرائيل بنسبة 200%؛ لأنهم هم عندهم حالة من الجشع أكثر، هم بحاجة إلى أن يقدم لهم موضوع الجنة بشكل أكثر وأكبر؛ ليطمعوا فيها، ويقل طمعهم في مظاهر هذه الحياة، حتى لا يفترون على الله، ويأخذون حقوق الآخرين.
إذاً فبالتأكيد أن التوراة والإنجيل تضمنت كلاماً كثيراً عن الدار الآخرة، ولكن نسفوها، مع أنهم لم يقدموا التوراة هي نفسها، يبدون بعضاً ويخفون كثيراً كما قال عنهم، وقدموا كتابات من عندهم، وأبعدوا اليوم الآخر، ولم يتكلموا بأي كلام عن الدار الآخرة إلا شيئا نادراً.
فلاحظ مع مسيرة الكتاب، إذا كان من ورثوا الكتاب تلقوه، أليس معناه هنا: علماء، علماء، ومثقفين بعد مثقفين، لكن الشيء العملي لديهم، الشيء الذي يترسخ في ذهنيتهم هي الأهواء الأخرى، الشيء الذي قدم بشكل ثقافة هي بعيدة عن الكتاب، فمع أن الكتاب موجود معهم، يعطون الأولوية للشيء الآخر، وبالطبع يضفون على الشيء الآخر قدسية، ويحسبونه على الدين، وينشدُّون إليه أكثر.
وهنا تجلى مظهر من مظاهر التأثير لضلال السابقين: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا}(الأعراف: من الآية169) لا يعد يحصل إلا تطويل لماذا؟ للتبريرات وللمسائل التي هي في الواقع من البداية كانت ضلالاً، تطويل لها، وإضفاء شرعية عليها، وتقديمها بشكل مسلَّمات، وإحاطتها بنوع من الفلسفة التي تجعلها قضية دينية، وكأنها هي دين الله.
هنا تلاحظ فعلاً كيف تعود المسألة بالناس في الأخير، عندما يتصفح الإنسان القرآن على هذا النحو يتجلى له أنه ما يشكل ضمانات أشياء سابقة؛ لأن لها ألف سنة فقد صارت حقاً مركزاً عمرها ألف سنة، قد تكون باطلاً مطولاً، وليس أن تقول: تحولت من باطل إلى حق، باطل مع مرور الزمن تصبح ماذا؟ باطلاً يتفرع عليه باطل، ويصبح باطلاً، يقدم وكأنه حق، ومُسلَّمة من المسلمات.
ارجع إلى سورة [الفاتحة] تعطي الخلاصة، سورة [الفاتحة] هي أشبه شيء بلب القرآن، وخلاصته، تلاحظ تفاصيل داخل مثلاً {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ماذا تعني؟ هنا يقول لك: يمكن أن يأتي بعدهم ناس وما يزال الكتاب يمشي، وورثوا هذا الكتاب، لكن تراهم كيف ثقافتهم بالشكل الذي يسوغون لأنفسهم أن يأخذوا حراماً، ويقولون: سيغفر لنا، قد هناك افتراءات على الله، وأشياء من هذه!.
ماذا يعني في الأخير؟ لم يبق ضمانة إلا العودة إليه هو، {اهْدِنَا} أنت {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}(الفاتحة: من الآية7) مادام أنه يأتي في الأجيال هكذا ناس يرثون الكتاب ويحصل [غاغه] مع الكتاب، ويحصل أشياء بعيدة عن الكتاب، وتصبح هي السائدة، لا تشكل ضمانة، تشكل خوفاً، وقلقاً.
فالخلاصة هي ماذا؟ يتجه الإنسان إلى الله هو ليهديه، عندما يتجه إليه، مثلما قلنا سابقاً: ترجع إلى هذا الشيء وهو عادة يجعل أعلاماً لدينه، ومعالم لدينه: كتاب الله، أليس واضحاً، نرجع إليه، وننظر كيف الهدى فيه؟ وكيف قُدم، وكيف نهتدي به، وفي نفس الوقت تسأله أن يهديك دائماً، دائماً.
عندما يقول البعض: [يعني هل هو يتصور أن العلماء جيل بعد جيل على مدى ألف سنة، أن يكون هناك شيء هو ضلال قد مشى فيهم إلى الآن ما قد عرفناه إلا الآن؟!]، أليس البعض يقول هكذا؟ أليس القرآن يكشف بأنه ممكن هذا الشيء: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ}(الأعراف: من الآية169)، من هم الذين يقال لهم: ورثوا الكتاب، من هم؟ من هم الذين عندهم تساؤلات من هذه، ومسائل فقهية، مَن؟ أليسوا علماء! علماء، {وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا}(لأعراف: من الآية169) وهكذا جيل بعد جيل، وفي الأخير نقول: [غير ممكن أن أولئك كلهم منذ ذلك اليوم إلى الآن، ولم يظهر الحق إلا بعد ألف سنة]!، إلاّ ممكن، وعلى مدى ألفين، أو ثلاثة آلاف سنة.
إن الله يبين لك هنا بأن الخطورة هنا، وأن الأسلوب الصحيح هو الذي ذكره في [الفاتحة]، في كيف يكون توجهك الرئيسي: اهدنا، وأنت الحي القيوم، لا ترجع إلى آخرين {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}(المائدة: من الآية77)، كما قال فيما يتعلق ببني إسرائيل، وبنوا إسرائيل نموذج للأمة هذه، نموذج يتبين من داخل بني إسرائيل أشياء كثيرة؛ ليعرف الناس في هذه الأمة أن الصورة قد تكون هي الصورة، ويحصل ما حصل على نحو ما حدث في داخل بني إسرائيل.
يبين أيضاً – مثلما قلنا في آيات سابقة – كيف أن الضلال في الأخير يصل إلى أموال الناس، حتى يفهم الكثير من العامة الذين يكونون مغفلين أنك قد تكون أنت في الواقع متمسكاً بأناس على أساس أنهم ورثوا الكتاب، علماء، أحبار، رهبان، على حسب العناوين في كل أمة، وقد معهم مسائل تضرُّ بك أنت، تضر بالناس هم، تؤدي إلى أكل أموالهم بالباطل، مع أن الله قدم دينه بالشكل الذي لا يأتي فيه أكل لأموال الناس، يأتي فيه: إن أنفقوا في سبيله يخلف عليهم أضعافاً، وإن اهتدوا بهداه ينعم عليهم، ويفتح لهم بركات السماء والأرض، لكن الضلال بالعكس.
لا يكن عندك أن الضلال يجلس هناك في الهواء، الضلال في الأخير يصل إلى أموالك يأكلها، يأكلها حراماً، ويأكل تعبك وفي الأخير يقول: سيغفر لنا؛ ليفهم الناس أن الضلال يصل إليهم هم، إلى حقوقهم، إلى كدِّ عرقهم هم، إلى أموالهم، إلى ممتلكاتهم، أولئك سيأكلونها، وقد عملوا لأنفسهم مسائل بأنه سيغفر لنا، بمعنى: أن الضلال خطير على الإنسان في هذه الحياة، خطير عليه في نفسيته، خطير عليه في واقع حياته، في ممتلكاته، خطير عليه في الآخرة.
عندما يقول: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى}(الأعراف: من الآية169)، من أين هو عرض هذا الأدنى؟ من حق من؟ أليس من حق الآخرين؟ في الأخير ترى هذه الحالة عندهم تكون بالشكل الذي تجعله يصد عن سبيل الله، لأنه إذا اتبع سبيل الله هو يعرف أنه لن تحصل له هذه الأشياء، {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى}، وهو ذكر هناك في آية أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة: من الآية34)، فهنا باعتبار مقامه، باعتبار الثقافة التي هو عليها، ثقافة تجعل له مقاماً معنوياً، وتسهل له يأكل أموال الناس بالباطل، ويقول: {سَيُغْفَرُ لَنَا}(الأعراف: من الآية169)!.
أن يستجيب لرسالة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) معناه ماذا؟ سيفوت عليه هذا الشيء؛ لهذا في الأخير يتحولون إلى صادين عن سبيل الله؛ ليحافظوا على مقاماتهم، ومصالحهم، ثم ترى في الأخير الضحية من بشكل مخزي؟ الأتباع، هم من يأكلون حقوقهم بالباطل، ويجعلونهم بعيدين عن الحق فيهلكون في الدنيا، ويهلكون في الآخرة؛ ولهذا عرض في الآخرة كيف يكون تحسر الأتباع تحسراً رهيباً جداً: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ}(البقرة: من الآية167)؛ لأنهم لم يرضوا يفهموا وهم ما يزالون في الحياة الدنيا، متشبثين بناس لديهم ضلال، هذا الضلال يضرُّ بهم هم في حياتهم؛ ويكونون هم في الأخير ضحيته في جهنم.
{أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ}(الأعراف: من الآية169)، وفعلاً قد درسوا ما فيه لكن قد هناك قواعد أخرى ينطلقون على أساسها، قد صار يمر على ما فيه وقد معه تأويلات له وانتهى الموضوع، هذه حاصلة في المسلمين 100%، الطريقة هذه حاصلة داخلهم بشكل عجيب.
ثم يقول بعدها: {وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}(الأعراف: من الآية169)، يعقل الناس هم، ويعقل هؤلاء الخلف، {أَفَلا تَعْقِلُونَ} كيف تأتي الأجيال تتعاقب، تعاقب الأجيال من بعد ما يحصل ضلال، كيف يؤدي في الأخير إلى انه يبقى الكتاب، ثم يصبح الكتاب عبارة عن ماذا؟ عن مثل الخليفة العباسي في أيام حكم الأتراك، والفرس، في الدولة العباسية، يكون عبارة عن شيء [مركوز]، لم يعد له أي ثقل، لم يعد له أي دور في الحياة.
{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}(الأعراف:170)، يعني النوعية الأولى تعتبر ماذا؟ مفسدة، لا تمتلك شيئاً تقدمه للأمة إلا فساداً: أكل أموالهم بالباطل، وتبريرات معينة، وفساد يأتي ضحيته العامة من الناس في هذه الحياة.
بعض الطوائف داخل الأمة هذه يَجْبُون من الناس ملايين، ولأن عندهم رؤية معينة، قد أصبحت هذه الملايين التي يجبونها من الناس تعتبر حلالاً باعتبارها قد هي تعتبر غنيمة، {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}(الأنفال: من الآية41)..إلى آخره، في نفس الوقت تراهم تمر فترات كان بإمكانهم أن يقيموا للمجتمع هذا الذي يأخذون أمواله دولة عادلة، صالحة، ترعاهم، تقيم القسط فيهم، تعدل فيما بينهم، يجمعون أموالهم، يجمعون أموالهم يأكلونها وهم يعتبرون أنه لا يجوز لهم أن يعملوا ليقيموا حكومة باعتبار مذهبهم، لا يجوز لهم، ولا حتى أن يضغطوا على حكومة أن تكون عادلة فضلاً عن إقامتها!.
ثم لا تدري وإذا بالذين يجمعون أموال الناس، والناس متمسكون بهم يحكمهم أسوأ الناس، يحكمهم [البعث]، يظلمهم، ويأخذ أموالهم، ويقتلهم، ويبهذلهم بشكل رهيب جداً، ثم في الأخير الأمريكيون يدخلون عليهم! هل كان أولئك يمتلكون صلاحاً للناس؟ أبداً، من يمتلكون صلاحاً للناس، ويمكن أن يكونوا مصلحين للناس هم الذين يمسِّكون بالكتاب؛ ولهذا قال بعد: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ}(الأعراف: من الآية170)، أولئك ورثوا الكتاب، الكتاب معهم في كل بيت، أو في كل كنيسة، لكن فارق أن يكون الكتاب موجوداً، أو أن يكون هناك تمسك بالكتاب. {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ}(الأعراف: من الآية170) هؤلاء يعتبرون مصلحين {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}(الأعراف: من الآية170).
الثقافة الباطلة خطيرة جداً؛ لهذا الشيطان ذكي، يعرف كيف يشتغل، نقول سابقاً بأنه لعداوته الشديدة للناس لن يحاول يكسر سيارتك، ولا يقطِّف [قاتك]، وهو يستطيع يرسل جن يقطِّفون [قاتك] فلا تأتي الصباح ومعك شيء، أو يكسرون سيارتك، ويحرقون [حطبك]، ويأخذون [البِن حقك]، ويحرقون دكانك، أليس هو يستطيع؟ لكن يعرف هذه أشياء هامشية، هو يعرف كيف يضربك ضربة رهيبة، يضربك في هذه الحياة، وفي الحياة الآخرة عن طريق الضلال، الضلال ما هو؟ قضية رؤى، مفاهيم، ثقافة، هذه الضربة الشديدة.
لهذا نقول: إنه بالنسبة للعامة من الناس، أنه ظهر في هذه المرحلة شيء غريب، أن الأفضل لهم من يدعوهم إلى أن يتحركوا على أساس القرآن، أفضل لهم هم، الآخر عندما تأتي أنت تبحث عن العالم الذي لا يتحرك، ولا يقول شيئاً، ولا يعمل شيئاً، ما الذي يمكن أن يقدم لك في يوم من الأيام؟ لا شيء، يأتي الأمريكيون يقتحمون عليك بيتك، وهو كان عمره يحاول يثبطك، و[ما هناك خلة، وعسى الله يعمل كذا، عسى الله يعمل كذا] يدخل الأمريكيون البلاد وهو يأخذ أدوانه ويسافر، يبحث له عن أي بلد، هل سيعمل لك شيئاً؟.
الناس بحاجة إلى من يوجههم أن يبنوا أنفسهم على أساس القرآن، يشكلون في المقدمة حماية لأنفسهم يكونون أمة قادرة على أن تواجه عدوها، لا تُظلم. أين الأفضل؟ الذين يمسكون بالكتاب، أو الذين ورثوا الكتاب، ومعهم أشياء أخرى: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا}(الأعراف: من الآية169) والظلم في الأخير يقع بشكل كبير على من؟ على العامة من الناس، كثير من المسئولين سوف يهرب في الأخير خارج البلاد، أين ذهب العشرات، أو المئات من نظام صدام في العراق؟ أين ذهبوا؟ المسئولون الكبار رحلوا، وفي كل بلاد يكونون مجهزين لأنفسهم خارج، ويترك الناس.
كذلك كثير من العلماء الذين لا يحركون الناس على أساس الكتاب يكون هو مجهز نفسه إذا جاء شيء يهرب، ويحينوا في نفوسهم، هو غير مرتبط بأموال، غير مرتبط بأشياء، كان يعيش على أموال عينية تأتي له مباشرة، والناس هم الذين هم مرتبطون ببلادهم، أموالهم، بيوتهم، مزارعهم، هم أكثر التصاق بالأرض، ثم من بعد سيقولون مثل العراقيين، أليسوا يقولون: نعم للحوزة؟! ما حاوزهم، وأوصلهم إلى الوضعية هذه إلا الحوزة، وثقافة الحوزة التي مروا في مراحل كان باستطاعتهم قبل ما يقوم [البعث]، باستطاعتهم يقيمون دولة في العراق عادلة، لكن معهم مذاهب ثانية.
{أُورِثُوا الْكِتَابَ}(الشورى: من الآية14) إمَّا الكتاب فموجود، لكن معهم مذاهب أخرى، ومستلمين أخماس، ملايين يطلعونها، ملايين من الأخماس، وفي الأخير وإذا أشياعهم، وأتباعهم مساكين يقتحمون عليهم البيوت، ولا استطاعوا أن يعملوا لهم شيئاً! ما الذي أوصلهم إلى الحالة هذه؟ ثقافة تفسد في الأرض، وضحية الفساد هم الأمة، أموالهم من البداية، وأموالهم، وأنفسهم في الأخير، خلي عنك في الآخرة؛ ولهذا سما الله فقط الذين يمسِّكون بالكتاب هم مصلحون، كلمة مصلحين تقابل كلمة مفسدين، أين موقع الإصلاح والفساد مَن؟ أليست الأمة؟ الأرض هذه، أو في الجو، أو الصخرات؟! الناس هم ميدان الفساد، أو الإصلاح، الإفساد ضحيته الناس، الإصلاح إيجابياته كلها للناس.
يبين هنا أنه بالنسبة للمصلحين أنفسهم، هؤلاء الذين ورثوا الكتاب لماذا يعدلون إلى تمحلات، وتأويلات؛ ليأخذوا عرض هذا الأدنى، ثم أيضاً يحسبونه على الدين؟ والله يذكر في كتبه أنه لا يضيع أجر المصلحين؛ لينطلقوا في الإصلاح، ولن يحتاجوا إلى أن يتمحلوا فيأخذوا حقوق الآخرين، الله لا يضيع أجر المصلحين، وهو يعلم بحاجات المصلحين، أليس هو يعلم بحاجات الناس جميعاً؟ بمعنى أنه في كتبه لا يذكر المصلحين بأنهم سيتحركون، وفي الأخير سيموتون جوعاً، لا يرى أين ينام، ولا يملك من الدنيا شيئاً، لا تكون بهذا الشكل، الله لا يضيع أجر المصلحين، ولا الناس المصلحين سواء.
والإصلاح – كما نقول في أكثر مما قد مرينا به من الآيات – أنها قضية أساساً قضية أمة، لكن مفتاح الإصلاح والإفساد مَنهم؟ الكبار، كبار الناس، من يحملون ثقافة هذا الدين الذي يدين به الناس، إما أن يأتي الإصلاح من عندهم، أو الإفساد من عندهم، وهم من يتحكمون في شئون الناس.
يأتي هنا موضوع: {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ}؛ لأن الصلاة هامة في التذكير بالله، متمسكين بالكتاب، ودائمي التذكر لله، قضية ضرورية، تجد الصلاة في كل مكان، تجدها مع المواريث، مع أشياء من هذه؛ لتحافظ على حدود الله، وتجدها في القضايا الهامة، مثلاً قضايا أخرى عملية، غير هذه التي تعتبر حدوداً، يأتي بالصلاة عندما تكون القضية فعلاً متوقفة على أن يكون الإنسان خائفاً من الله، وراجياً لله؛ لأن هذا لا يمكن إلا إذا كان عارفاً لله، ومتذكراً وذاكراً لله، الصلاة، {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}(طـه: من الآية14)، الغاية من الصلاة، ولب الصلاة هو ذكر الله، وترسيخ ذكره في النفوس.
فالصلاة عندما يصلي المصلحون تختلف عن صلاة الآخرين، ولو أنهم جميعاً يصلون، الآخرون هم يصلون، وقد صاروا يعتقدون أن الصلاة هي وسيلة لتكفير الأشياء الأخرى، ((الصلوات الخمس كفارات لما بينهن)) يصلي من أجل يكفر تلك الأشياء، ويصلي على أساس أنه سيأتي له حسنات، يكفر تلك السيئات، الصلاة هنا ذكر لله، يترسخ في أنفسهم ذكر الله، وذكر الله قضية أساسية جداً في نفوس المصلحين، الناسين لله لا يكونون مصلحين لأنفسهم فضلاً عن أن يصلحوا في أرض الله، ويصلحوا في عباد الله. {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ}(الأعراف: من الآية170) يقول: وأقاموا، أقاموا، دائماً تؤديها قيِّمة، وتفهم الصلاة، الغاية منها وأهميتها.
{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}(الأعراف: من الآية171)، هذه آية من الآيات القاهرة، من الآيات العجيبة، الجبل يقتلع من موقعه، ويصعد فوقهم، تهديد، {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ} كلمة خذوا ما آتيناكم تأتي عن طريق نبي من أنبيائه معهم، {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} ما هو الذي آتاهم؟ أليس كتابه؟ كتابه.
عندما يأتي مثلاً العبارة هذه في زمن قد يكون زمناً متأخراً عن نزول الكتاب، معنى هذا بأن تلك الأشياء لا قيمة لها، بل هي إشكالية، يردهم إلى الكتاب، خذوا ما آتيناكم، وليس ما قدمه الآخرون لكم، وليس ما آتاكم الآخرون، أليس هو هنا يقول: ما آتيناكم؟ بقوة، لو أن الشيء الذي هم عليه صحيح لم يحصل هذا الشيء، ينتق الجبل فوقهم، ويقول لهم: خذوا ما آتيناكم بقوة؛ لأنه لو كان ما لديهم من ثقافة، وقدمت ثقافة دينية، وصاغها الكبار منهم صحيحة لما كان هناك موجب لهذا: أن يهددهم هذا التهديد، وأن يقال لهم: خذوا ما آتيناكم بقوة، وأن المسألة تؤدي إلى أن الناس يفلتون ما آتاهم، لا يمكن تأخذ ما آتاك الله بقوة، وأنت ما زلت متشبثاً فيما آتاك الآخرون من ثقافة مليئة بالضلال، والأهواء، أبداً.
{خُذُوا} أليس معناه أنهم قد فلتوا، وما زال الكتاب {وَرِثُوا الْكِتَابَ}(الأعراف: من الآية169) يمكن يكون الكتاب في جيبك وأنت مفلت له، يكون في جيبك وأنت مفلت له، وأنت بعيد عنه. {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة: من الآية63)، أما الأشياء الأخرى تتورطون، وتهلكون، لا تمثل وقاية على الإطلاق.
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}(الأعراف:172 -173)، مما نستفيد من الآية هذه أنه فيما يتعلق بمعرفة الله سبحانه وتعالى أنها قضية أساسية لدرجة أن الله يجعلها فطرة في الناس، أن الله ليس فقط هم يعرفون بأن هناك إله اسمه الله بل يعرفون الله أنه ربهم، فطرة لديهم فطروا عليها، غريزة الله أعلم متى أودعها الله، عندما قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}.
أنت عندما يأتي لك مولود هو أساساً من صلبك، خرج من بين الصلب والترائب، صلب الإنسان، هو أصله، أصل هيكله، ابنك هو من أصلك، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} إشهاد، وليس فقط أنْ يقول لهم: أنا ربكم، بطريقة هم يقرون هم أنه ربهم، {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} هذه الشهادة قد تكون هي ماذا؟ موضوع الغريزة التي فطر الله الناس عليها، قد تكون أودعت في الإنسان في أي مرحلة من مراحل مسيرته إلى الولادة، وهو ما زال في ظهر أبيه، ومتجه إلى الولادة.
لأنها قضية أساسية، وقلنا سابقاً: بأنه لو أن المسألة لم تكن على هذا النحو لكان هناك إشكالية كبيرة جداً في موضوع الدين، لما عرف أحد من هو الذي يدعو الناس إليه، يأتي نبي من الأنبياء، رسول ما هم عارفين مرسل مِن مَن؟ يقولون: رسول مِن مَن؟ يقول: من الله، سيقولون: الله هذا ليس له علاقة بنا، الله لا ندري هو إله من؟!، هنا أن الناس مفطورون، ومودع فيهم، مغروز فيهم الإقرار من جهة أنفسهم، ومسيطر على نفوسهم إقرار بأن الله هو ربهم؛ ولهذا جاء في آية أخرى، يذكر عن جواب الأمم بالنسبة لأنبيائهم: {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً}(فصلت: من الآية14) ربنا! يقولون: ربنا! من رب السماوات والأرض؟ من رب كذا، يقولون الله الله، أليست قضية في القرآن يبين أنها مسألة ثابتة لديهم أن الله هو ربنا، أولئك الذين هم مشركون، أولئك الذين هم في بلدان قد نقول مثلما نسميهم بدائيين.
نحن قلنا: إنه من الغريب عندما يأتي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) محمد، وهو رسول عربي، يدعو إلى الله بهذه العبارة: اسم الله، الفارسي الذي لا يعرف هذه اللغة، وكلمة الله، يقابلها بعبارة أخرى، الرومي الذي كان مثلاً في البلاد التي كانوا يسمونها الروم في ذلك الزمن أيضاً لغتهم أخرى، واسم الله لديهم بعبارة أخرى، يعرف الفارسي، ويعرف الرومي، ويعرف الحبشي، ويعرف صاحب أي لغة كان أن محمداً عندما يدعو إلى الله أنه يدعو إلى من هم في أنفسهم يشهدون بأنه إلههم، ورب السماوات والأرض، هم لا يعتبرون أنه يدعو إلى إله ثاني، إله عربي.
يعني: أنه مغروز في الذهنية بأكثر مما يعنيه اسمه في نفوس الناس، بحيث أن اختلاف اللهجة لم تؤد إلى اختلاف الشيء المودع في نفوس الناس، قد يكون اسم الله عند الفارسيين بعبارة أخرى: [خُدَايْ]، مثلاً، وفي نفس الوقت في ذهنيته سواء هو والعربي، وما لديه مفطور في هذا الموضوع هو والعربي، هو والرومي، هو والحبشي سواء داخلهم.
الله هو رب السماوات والأرض، هو ربنا؛ لهذا أمكن أن تقبل الدعوة إلى الله، ورسالة الله أن تقبل عند الأمم المختلفة اللهجات، واللغات، وهم يعرفون أنه يدعو إلى شيء واحد. لو لم تكن هذه القضية موجودة لما أمكن، تجد محمداً يدعو إلى الله، فيكون الفارسي يعتقد بأن الله إله ثاني عربي هناك، إله عربي، وهناك يعتبرون بأنه يدعو إلى إله عربي. هم يعرفون أنه عندما يدعو هنا إلى الله أنه يدعو إلى الله الذي هم مفطورون على معرفته أنه – ولو اسمه عندهم اسم آخر – أنه ربهم، وهو رب السماوات والأرض.
هذه القضية أساسية في إمكانية انتشار الرسالة، وقضية أساسية في تقبل هدى الله، إن القضية الأساسية يجعلها غريزة، يجعلها غريزة في الإنسان، معرفة الله أنه ربهم؛ ولهذا عمل لنا استبياناً في القرآن، من أيام نوح، وكلهم يقول الأنبياء للآخرين من أممهم: اعبدوا الله، لا يوجد أي جدال حول موضوع الله، إنما الجدال حول موضوع توحيده، وحدانيته، ألوهيته، بأنه وحده الإله، عندهم هو وحده إله، وهو إله من في السماوات والأرض، لكن أيضاً عندهم ذلك الحجر إله، وتلك الحجر الثانية إله، وهكذا.
يأتي تفسير لهذه بشكل آخر على أساس يعني ماذا؟ المعرفة الاستدلالية، أي: أنه أودع هنا من المخلوقات ما يستدل بها عليه، فتجعل الإنسان يشهد بأن الله ربه، لكن كيفما قالوا، سواء كانت المسألة فطرية، أو معرفة ضرورية، أو استدلالية، هو قدم أن المسألة مضمونة، موجودة، النقطة التي شغلونا عليها قرون، وشغلوا الناس قرون في علم الكلام، الاستدلال لإثبات وجود الله، الله، لإثبات وجوده! هنا يقول: هي قضية قد حصلت، أن الله قد أشهد بني آدم سواء أردت أن تسميها ضرورية، أو تسميها معرفة استدلالية، أو تسميها غريزة، لم يبق حاجة لعلم الكلام نهائياً، قضية مودعة في النفوس بأي طريقة تسميها أنت هي موجودة هنا: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}.
وأنها قضية فيما يتعلق بالأجيال المتعاقبة التي قال فيما بعد: {أَنْ تَقُولُوا} أي من أجل أن لا تقولوا يوم القيامة عندما تسألون عن لماذا كنتم مشركين بالله؟ تقولون: ما كنا نعرف شيئاً، وجدنا آباءنا مشركين، ومشينا على ما عندهم، أنهم في الواقع هم يشهدون في أنفسهم بالله أنه ربهم، وقدم استبياناً كاملاً في القضية هذه؛ لأنها قضية معروفة عند المشركين فعلاً.
إذاً فالمشرك يعرف أنه مشرك بالله، والمشرك يعرف بأن ربه هو الله، وإنما الأخرى كما يقول: {أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ}(لأعراف: من الآية71) أشياء اتخذوها، أشياء جعلوها هم، حياتهم ليست مرتبطة بها؛ لأن الربوبية هنا في الأرض بمعنى: أن الإنسان في حاجياته، في مسيرة حياته، في أموره مرتبط بالله؛ ولهذا كان مقراً بأن إنزال المطر من الله، إنبات الشجر من الله، الشمس والقمر تسييرها، والنجوم من الله، خالق السماوات، وخالق الأرض وما فيها هو الله، فالإنسان مقر بأن الله هو ربه.
ثم عندما يدعو الآخرون أرباباً ترى حياته ليست مرتبطة بهم على الإطلاق، على الإطلاق، ينصرون هم الآلهة هذه، يحاول هو يبخر لها، يحاول هو يمسح الغبار من عليها، لا تنصرهم، لا تعطيهم، لا تنفعهم، ولا تضرهم بشيء نهائياً.
إذاً فالمسألة واضحة بأن الإنسان الله أشهده على نفسه، فهو يعرف أن الله ليس فقط إلهاً موجوداً، يعرف الله، وأنه ربهم، زيادة على ما يقول المتكلمون، وهم يشغلون الناس، من أجل تعرف أن هناك الله، نقول لهم: القضية حاصلة بأوسع مما قلتم، أن البشر يعرفون الله إلهاً، ويعرفون أيضاً أنه ربهم، وأنه رب السماوات والأرض وما فيها، وخالق السماوات والأرض، وكل ما فيها، لم يبق حاجة لعلم الكلام نهائياً.
{أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}، لم نكن نعرف شيئاً عنك {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}(الأعراف:173) ما هو ذنبنا نحن؟ نشأنا ووجدنا أصناماً يعبدها آباؤنا، فعبدناهم، لا نعرف شيئاً آخر غير هذا، ما نعرف بوجودك أنت، وأنك ستميتنا، وتبعثنا، وتحصل الأشياء هذه الرهيبة، أليست هذه ستكون حجة للناس؟.
إن الله غرز في الفطرة حتى في مراحل فترة الرسل، تقيس على هذه المسألة بأن الأشياء الأساسية الله يحفظها، الأشياء الأساسية، وإن كانت إلى درجة أن يجعلها فطرة في نفوس عباده، في نفوس الناس.
هنا الكتاب يبقى، ألم يقل بأنه يبقى الكتاب: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ}(الشورى: من الآية14)، يبقى الكتاب إلى درجة أن يكون أولئك على أقل تقدير لديهم معلومات بأن هناك كتاباً من جهة الله، باستطاعتهم إذا كان لديهم أدنى تأمل، واهتمام، وخوف، أن يقولوا: إعطونا كتاب الله، نريد أن نعرف كتاب الله، وأن نعرف ما فيه، اتركونا من أشياء ثانية.
يبقى معروفاً داخل بني إسرائيل: أن هناك كتاب، معروف لديهم، حتى لو قد ضيعه أحبارهم، أن هناك كتاباً، إذاً لماذا لا تعلمونا الكتاب هذا؟ لماذا لا تعرفونا على هذا الكتاب، ونعرف أصله هو؟ وأن الكتاب الإلهي في أصله لا يستطيعوا أن يزيفوا فيه، نفس الكتاب، لا يستطيعون، يخافون من هذه، قضية خطيرة هي، إنما في الأخير يتركونه هناك، ويأخذون منه، ويزيدون، وينقصِّون من عندهم هنا، يقدمون كتابات أخرى، يقولون: هي من عند الله، وما هي من عند الله.
نأخذ من هذا بشكل عام: أنه تأتي أشياء في علم الله، في المراحل التي نعتبرها فترة، عندما يقول واحد: كيف الناس على مدى مائتين سنة، أو على مدى ثلاثمائة سنة، أو ألف سنة؟! قل: لا نستطيع أن نعرف نحن ما الذي قُدم لهم، لكن يبدو أنه فعلاً والله يقول: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ}(النساء: من الآية165)، أن هناك شيئاً بطريقته الخاصة، لا نعرف، يقدمها لهم، شيء ظاهر أمامنا أن الكتاب موجود لديهم، أن القرآن موجود لديهم، أشبه شيء بغريزة داخل الأمة، كما أن معرفة الله إلهاً، رباً للناس مغروز داخل الإنسان.
{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(الأعراف:174) نفصل الآيات لعلهم يرجعون فيعرفون إلى أين يرجعون، هناك أسس تبقى إنما هم يتمادون، وهذا من الشيء الذي يعتبر غريباً: أنه عندما نقول: نعود إلى كتاب الله، وأن الله هو حي قيوم، كتابه هو ليس منفصلاً عن قيوميته، ونسأل منه الهداية، ونرجع إلى طريق الهداية التي رسمها هو، وكلنا متفقون عليها، نترك الأشياء الأخرى، أو على الأقل الذي فيها ما يزال صحيحاً، لا بأس اتركه هناك، لكن الصحيح هنا بنسبة 100% موجود داخل القرآن.
أليس الله يقول: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}؟ لا يحصل رجوع في الواقع، يقولون: [لكن كيف؟ لا يمكن الذي قبلنا لهم ألف سنة، والكتب هذه التي ألفها فلان وفلان وفلان، من أئمتنا، وكذا.. يعني وأولئك خلاص نتركهم!] نقول: في الآيات هذه ما يعطي عبرة كاملة، آيات مفصلات من قوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ}، ثم يقول في قضية أن الله لا يبقي شيئاً لئلا يكون للناس عليه حجة يودع معرفته في النفوس، وفي نفس الوقت بالنسبة للمسلمين يحفظ كتابه موجوداً بين المسلمين جيلاً بعد جيل. أكثر الناس معرفة للمسألة هم مَن عادة؟ العلماء، أليسوا هم من تكون القضية هذه مقبولة لديهم.
نرجع إلى القرآن، وأن هذه هي السنة الإلهية في الهداية، لا ترجع إلى موضوع أجيال أجيال، ارجع إلى القرآن، وسترى عندما ترجع إلى الأجيال بعد ما قد رجعت إلى القرآن، تستطيع وفق الرؤية التي يعطيها القرآن أن تعرف الذي كان يمثل هدى، والذي كان يمثل ضلالاً من داخل السلف الصالح، عندنا، أو عند الآخرين.
في الأخير يتمسكون بهذا، ما يحصل رجوع، وهذا هو الذي يؤدي إلى أن يكون الضلال يبقى جيلاً بعد جيل، أن من يحمل المسؤولية الكبيرة جداً جداً في القضية هذه هم من يحملون العلم، إضافة إلى من يتحكمون في شئون الأمة من سلاطين وزعماء، يتركون الضلال يمشي جيلاً بعد جيل، وكلما جاء أحد ينبه، كلما تمسكوا بالضلال.
هنا يقول لك: إنه كيف يجب أن يكون التنبيه، أن يعرف الإنسان بأن هناك أسساً تبقى قائمة، فبالنسبة للإنسان هناك فطرة فيما يتعلق بمعرفة الله، المعرفة الجملية، كلما يقدم من بعد هو توسع في موضوع معرفة الله، نفهم ماذا يعني أنه الإله؟ ماذا يعني أنه ملكنا؟ ماذا يعني أنه رحيم؟ ماذا يعني…، مظاهر رحمته، قدرته، حكمته، علمه.. إلى آخره..، ميدان واسع هذا، والحياة كلها مفروشة بهذه الدلائل التي تعطي هذه المعرفة، والتي أساسها مغروز في النفوس، ترجع إلى الأشياء الأخرى، الطريقة الأخرى أيضاً هناك أسس قائمة، أبرز أساس لدينا الآن داخل الأمة هذه هو القرآن، أليس كذلك؟.
نعمة كبيرة أنه ما يزال موجوداً، لم يتعرض لما تعرضت له التوراة من إخفاء كثير منه، ولم يتعرض لتحريف، نصه ما يزال موجوداً، ونسخه ما تزال متوفرة، وكثيرة جداً، هذا حجة، إذا كان هناك يقول: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}(الأعراف: من الآية172) يعني لم يبق عذر، أودع في أنفسكم معرفته، أنه ربكم، وستجدون أنتم في مسيرتكم في الحياة بأنه فعلاً لا تلتجئون إلا إليه في كل حالاتكم، بما فيها الحالات الشديدة، ألم يذكر كيف كانوا يدعون في البحر إذا مسهم ضر؟.
{أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ}(الأعراف: من الآية173)، في الجانب الآخر أن تقولوا يوم القيامة: لم يكن معنا أي شيء نرجع إليه، ولا عرفنا أين نذهب، أو آباؤنا مشوا على كذا، ونحن مشينا بعدهم، لأن الأساس قائم الذي يبين لكم المسيرة الصحيحة والخاطئة لآبائكم، ويبين لكم أنتم كيف تسيرون، القرآن. هنا يبين فعلاً بأن القرآن، وجوده يقطع الأعذار كلها، ويهيئ الله أن ينتشر القرآن بشكل كبير في أوساط الناس.
إذاً فعندما يأتي الإنسان يقول لك: لكن.. ولكن.. وكيف.. والذين قد مشوا، وعلى مدى ألف سنة، وأشياء من هذه، أليس بعيداً عن هذا المنطق؟ أنه هنا جعل القرآن أشبه شيء بالغريزة، غريزة معرفته، انظر ماذا قال في موضوع الشرك؛ لتعرف ما يمكن أن يقال لك في موضوع الضلال مع وجود القرآن، مع وجود القرآن بين الناس، هو منطق يؤدي إلى أن يبقى الناس على ما يهلكهم، منطق من يقول لك: [لكن الأولين قد مشوا على كذا، وكيف، وكيف.. ولا يمكن والكتاب الفلاني الذي ألفه من أئمتنا.. وأشياء من هذه] قل: معنا هذا الكتاب للحي القيوم، نقرأه، ليس بمعزل عن قيومية الله سبحانه وتعالى، وهو بالشكل الذي يشكل ضمانة فعلاً، نثق به بأنه من عند الله، ونصوصه مضمونة، لم تتعرض لأي تحريف.
بمعنى أن المشركين لا يكون لديهم أي عذر مع وجود القرآن، أو عندما يتشبثون بعد ما تأتي دعوة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أو من كان قبله من الأنبياء، ما بإمكانهم يوم القيامة أن يقولوا: {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}(الأعراف:173)، لا تعد مقبولة، كذلك غير مقبول داخل الأمة هذه، على ضوء هذه الآية أن يقولوا: [هم ضلوا من قبلنا ونحن كنا مقدرين أنهم سلف صالح أفتهلكنا بما فعل الضالون]؛ لأن معهم القرآن موجود لديهم، منتشر كتابة، ومنتشر صوتاً، أليس هو منتشر في العالم صوتاً أيضاً؟ بواسطة [الكاسيتات] وغيرها من الوسائل.
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}(الأعراف: من الآية175)، هذا نموذج، أو تقول: مثال خاص، مثال شخصي، حتى عندما يقول لنا سابقاً: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ}(لأعراف: من الآية169)، قد يقول: ماذا يعني خلف؟ لا ندري من هو الذي قد يكون..! يقدم لك بأنها قد وقعت فعلاً على مستوى خلف، ووقعت على المستوى الشخصي، شخص آتيناه آياتنا فانسلخ منها، {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}، أليس هو هنا في الأخير يلحظ موضوع الآخرين، الغاوين عادة الغاوين يكونون مغوين لآخرين، أنه أمكن أن يكون من الغاوين، مع أنْ قد عنده من آيات الله: {نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}(الأعراف: من الآية175)، خرج منها بسبب ماذا؟ بسبب إخلاده إلى الأرض.
{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}(الأعراف: من الآية176) [مَنْزَل] العبارة هذه راقية جداً، لا يستطيع أحد أن يأتي لها بتفسير أدق منها {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}، يعني اتجه اتجاهاً بانقطاع، شغوفاً بالأرض، لم يتجه إلى الله؛ لأن هدى الله بالشكل الذي يرفع الإنسان إلى الله؛ لأن الله هو الذي يجعل السماء والأرض تخلد إلى الناس، متى ما اتجهوا إليه يجعل السماء والأرض تخلد إليهم هي، يفتح بركاتها، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(الأعراف: من الآية96).
{وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}(الأعراف: من الآية176) نعوذ بالله، يعني: لم يتمسك بما آتاه الله، {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}(الأعراف: من الآية176)، هنا أيضاً يضرب لك الصورة هذه التي قد تبدو نتيجة دعاية إعلامية، دعاية تقدس أشخاصاً هم في الواقع منسلخين عن آيات الله، وهم في الواقع ممن {وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى}، أن الشيء الظاهر في الموضوع دائماً تحاط بهالة من التقديس لأولئك، النظرة إليهم كعظماء.
هنا يبين لك، لا، إن هناك بالتأكيد خلف يحصلون على هذا النحو، هذه النوعية هم عادة ضرب لهم مثلاً سيئاً، هذا المثل السيئ {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} وفي السورة الأخرى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً}(الجمعة: من الآية5) أليس هنا يضرب أي قيمة في ذهنيتك؟ بمعنى أنه يجب أن يقوم تقديسك، تعظيمك على أساس رؤية من كتب الله، فبالنسبة لنا كمسلمين على أساس رؤية من داخل القرآن من الذي نعظمه؟ لئلا يصبح التعظيم في حد ذاته يشكل عائقاً، لا، افهم بأنْ ما كل من ورث كتاب هو عظيم، قد يكون هناك من يرث كتاباً وفي نفس الوقت يكون له هذا المثل السيئ: كمثل الكلب، أو كمثل الحمار؛ لنعرف من هم الذين نعظمهم، ومن هم الذين لا يبقى لهم في نفوسنا أي تعظيم تبعاً لهذا العنوان، عنوان كتاب، عنوان علم.
{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}(الأعراف: من الآية176)، لاحظ أليس الإنسان بحاجة إلى الإيمان الذي كان عليه موسى، إيمان الانقطاع إلى الله، لا تركن على نفسك أبداً، ولو عندك علوم كم ما عندك، هنا يقول لك: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}، {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} لكن هو حصل عنده خلل، لا تحصل هذه المسألة اعتباطية من جهة الله أبداً، {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} وقد أصبح راكن على الطريقة تلك، الطريقة التي تحصل عادة، تلك التبريرات، وعنده أنه فلان، وربما قد صار يسيِّر الباري هو.
هذا حصل عند اليهود، قد عندهم فكرة أنهم قد صاروا يسيِّرون الباري، ويمشي هو على ما طلع في أنفسهم، وهو معهم، ومن ضمنهم، ونزلت أيضاً في داخل المسلمين: [أن مراد الله تابع لمراد المجتهد، وليس مراد المجتهد تابع لمراد الله] المجتهد ينظر وما غلب في ظنه فهو مراد الله، فمراد الله تابع لمراد المجتهد! عبارة من أسوأ العبارات هذه، من أسوأ العبارات.
لا نعرف هنا الحالة مثلما قلنا سابقاً في موضوع في كلام حول قول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ}(الجمعة: من الآية5)، المثل هنا، يعني عندما تعرف كثيراً عن طبيعة ووضعية هذا الحيوان الذي ضرب به مثل تجد مقارنة واسعة بين المشبه والمشبه به، أنه فعلاً في آية عندما قال: كمثل الحمار، نحن نعرف أشياء كثيرة بالنسبة للحمار أكثر من معرفتنا بالنسبة للكلب في موضوع أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، هل معناه بأنه عندما أصبح مخلداً إلى الأرض أصبحت له وضعية المخلد، يعني: المنقطع إليها، يلهث وراءها، سواء حصل على شيء أو لم يحصل على شيء، إن حصل على شيء فهو متلهث على الكثير، وإن لم يحصل على شيء متلهث أنه لماذا لم يحصل!. هنا ماذا يعني؟: مثلما تقول أيضاً يدسه الباري إلى الأرض أكثر، يدسه أكثر.
في موضوع إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، لا ندري كيف نفسية الكلب في هذه، لو يأتي مثلاً محاولة دراسة، أو أحد يحظى بأي بحث يراه عن الموضوع، في هذا الزمن قد تحصل دراسة للحيوانات، للأشياء التي شبه بها في القرآن في مختلف الأشياء، أن نعرف كثيراً عن وضعيتها، وطبيعتها في الحياة، ترى أن هناك أشياء كثيرة من مقومات التشابه ما بين المشبه والمشبه به؛ لأنه في صورته مثل مخزي، نعوذ بالله، مثل سيئ.
{ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا}(الأعراف: من الآية176)، نعوذ بالله، هذا المثل يقولون: إنه لواحد من بني إسرائيل حصلت هذه، يسمونه: [بلعام بن باعوراء] يقولون عنه.. لكن ولها علاقة بالموضوع، أنك أحياناً لا تقل ودائماً نكرر هذه مع أنها قضية يكون فيها نوع من الإحراجات إلا أنها قضية ضرورية، وهامة: أن الإنسان قد يكون متشبثاً عن طريق تعظيم، فيكون عنده كيف يمكن هؤلاء العظماء!؛ لأن قضية عظماء هي قدمت إليهم على أساس صورة معينة، أنه في الواقع قد يكون بعض من أنت منشد إليهم على هذا النحو، ممن ثقافتهم ضالة، ممن هم منسلخون في الواقع عن آيات الله، ممن لديهم تحريف كثير، يكون في واقعه مثلما مثَّل هناك، كمثل الحمار، أو كمثل الكلب؛ لتعرف بأنك قد تكون متمسكاً بتلك النوعية التي تراها عظيمة، وهي أشبه شيء بهذه الحيوانات السيئة.
أسوأ مثل ضرب لمن هم في الواقع علماء يحملون ثقافة باطلة، فإما أن يكون، مثلاً قد يكون متعمداً، فيه نوع من التعمد مثل هذا، أو نوع من الضلال، يوجد فارق، الكلب هو أذكى من الحمار، وفي النفسية عند الناس أحط من الحمار، أليس هكذا؟ يعني: أن الضالين قد تعتبرهم عظماء، وهو في الواقع لا يخلو إما أن يكون في قائمة الحمير، أو قائمة الكلاب!.
قضية قرآنية هذه؛ لأنه فعلاً الهالة التي تحاط بأشخاص معينين – مثلما قلنا بالأمس – أنه عادة الضلال يأتي من عند أشخاص – كذلك تحدثنا عن هذه – وفي نفس الوقت يحاطون بهالة من التعظيم تشكل في حد ذاتها عائقاً كبيراً، فيصبحون هم أساس المشكلة هم، وتعظيمهم العائق الكبير عن حل المشكلة التي نريد الخروج منها [مصْيَدة] لا يستطيع واحد يخرج منها إلا إذا ما زال هناك توفيق إلهي.
{ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(الأعراف: من الآية176).القضية تحتاج إلى تفكير، وعندما يقدم ما هو خلاف السائد بين الناس، يكون السائد باطل قد أضفي عليه هالة من الشرعية، من العظمة، وأشياء من هذه، يحتاج إلى نوع من التفكر، يتفكرون، الآخرون يتفكرون، أهل العلم، ويتفكر العامة، {يَتَفَكَّرُونَ}.
بعدما قال: {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} قال: {سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}(الأعراف:177)، هم كانوا يظلمون، الله لا يحوِّل أحداً إلى أن يضرب له مثلاً من هذا المثل السيئ، كمثل الكلب، أو كمثل الحمار، إلا وقد الظلم من جهة نفسه هو، هناك قال: {حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا}(الجمعة: من الآية5) هنا يقول: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}(الأعراف: من الآية175) {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}، {اتَّبَعَ هَوَاهُ} ألم يظلموا أنفسهم هم؟ كانوا جديرين بهذا المثل السيئ، ترى القضية في الأخير كلها تدور حول كتب الله؛ ولهذا نقول: إن هذه القضية يجب أن نتمسك بها بجدية، وأن نرفض أي شيء سواها على الإطلاق، أي شيء سواها؛ لأن الأشياء العظيمة مبنية على هذا، على كتبه، المخاطر الكبيرة كلها مبنية على الابتعاد عن كتبه، هو لا يحاسبك على أنك لماذا لم تتبع كتب آخرين، سيقوم الحساب على هذا الكتاب نفسه، والحياة المؤاخذة عليها هنا على أساس هذا الكتاب، وموقف الناس منه متبعين له، أو معرضين عنه.
والناس معرضون عنه لو معك ملان المجلس هذا كتب لا تنفعك على الإطلاق، قد يكون الإنسان في قائمة الحمير، أو الكلاب ومعه مثل ملان هذا المجلس كتب، وكلها باسم أنها لخدمة الدين، وأن هذا إنسان عظيم أثرى المكتبة الإسلامية، وطلعت مؤلفاته مدري كم على كم.. هذه أشياء حاصلة في تاريخ الناس، العبارات هذه، لا نلتفت إلى ما يتكرر داخل القرآن، وهو يعرض لنا الأمم الماضية: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ}(الأعراف: من الآية170)، {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}(الأعراف: من الآية171)، في الآية السابقة مع موسى: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}(الأعراف: من الآية145) أليس هو الآن يرينا كيف أنه سيطلع حمير في دار الفاسقين، ويطلع كلاب بسبب ماذا؟ لأنهم تركوا كتباً أخرى، أو فنوناً أخرى؟ أو لأنهم لم يمسِّكوا بالكتاب، وانسلخوا عن الكتاب؟ أليست كلها مبنية على الكتاب؟ والموضوع يقدم بالشكل الذي يجعل الإنسان فعلاً يعرض تماماً عن أي كتاب آخر على الإطلاق مهما كان.
أحياناً قد يكون شيئاً صحيحاً، لكن هو صحيح في وقته، منطق معين في موضوع معرفة الله كان صحيحاً في وقته، هناك، أمام شبه كانت دائرة، زمن آخر يقتضي منطقاً آخر، لا يهدي إلى أسلوب آخر، إلى طريقة أخرى إلا الله، وعن طريق كتابه، وبطريقته هو، فقد يكون الشيء الذي تقدمه صحيحاً في ذلك الزمن [يأتي زمن آخر عندما تسير عليه] في واقع الحياة، تكون النتيجة ماذا؟ يجعلك أعمى، لا تعد ترى كيف واقع هذه، وكيف السنن فيها، أما رؤية القرآن فهي تجعلك تبصر، فترى آيات الله في القرآن، وآياته في الآفاق، وفي أنفسهم.
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}(الأعراف: من الآية180) قضية الهدى يحتاج إلى التجاء إلى الله، ودعاء بأسمائه، {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الأعراف: من الآية180) وغالباً ما تقدم الثقافة الخاطئة بشكل، تقدم أسماء الله بشكل فيه إلحاد، فيه تحريف، فيه انحراف عن الحق، عن الصواب في الموضوع.
يأتي الإلحاد في أسماء الله بشكل أيضاً يفقد الإنسان ما كان يمكن أن يحصل في نفسه من أثر وجداني لمعنى اسم من أسماء الله، مثلاً داخلنا: [سميع، بصير] كيف يقدمونها؟ دائماً بمعنى عليم، أليست دائماً بمعنى عليم؟ عليم عليم، عليم، إلى آخره. هناك فرق في الأثر الوجداني بالنسبة لك أنت، أن تستشعر أن الله يراك، ويسمعك أكثر من مسألة يعلم، أكثر من فهمك أن المسألة تعني يعلم، لها أثر في النفس كبير: استحضار شهادة الله، رقابته، فيأتي أحياناً إلحاد في أسمائه، أي: ميل عن الصواب فيها، فيترك آثاراً سيئة في النفس.
الله يوجه الناس أن يدعوه بأسمائه فهي أسماء حسنى، هي حسنى من أصلها، لا تحتاج إلى تأويلات أخرى، هو سمَّى بها نفسه، لا تحتاج إلى [تشطيبات] من عندك، هو سميع بصير، لا تقول: لا، هي بمعنى كذا، هي بمعنى كذا!. حصل داخل المعتزلة، وداخل الأشعرية، داخل العدلية، وداخل المجبرة؛ لأن أي إلحاد في اسم من أسماء الله يفقد في الأخير الأثر بالنسبة له، بالنسبة للإنسان في نفسه.
{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(فصلت: من الآية53)، شهيد يعني ماذا؟ قالوا: عليم! شهيد: عليم، سميع: عليم. بصير: عليم! طلعت كلها عليم، والله يقول: أسماؤه حسنى، أسماؤه في القرآن أيضاً ليست الأسماء التي قدموها تسعة وتسعون، تلك ليست أسماء كلها، فيها نسبة كبيرة ليست أسماء، يذكر أشياء في أفعاله.
أسماؤه التي سمى بها نفسه سبحانه وتعالى، واسمه الذي تقوم عليه أسماؤه هو اسم الله، بالنسبة لنا كعرب، اسم الله؛ لهذا يأتي هذا الاسم غالباً متصدراً لأسماء الله؛ لتقوم عليه الأسماء الأخرى، بسم الله الرحمن الرحيم، أليس هنا يبدأ باسم الله؟ اسمه، علََم لذاته، اسم له سبحانه وتعالى، وهو اسم من الأسماء الحسنة في نفسه؛ لأن معناه: الإله، الإله وحده، الله معناه: الإله، لكن نفس العبارة تعني: اسماً أوسع من موضوع اشتقاق، مرسخ اسم، بقية الأسماء تقوم على اسمه سبحانه وتعالى الله. أسماء باعتبار كمالاته سبحانه وتعالى، فباعتبار أنه لا يعجزه شيء: قادر، باعتبار أنه لا يغيب عنه شيء: بصير، سميع، باعتبار أنه لا يخفى عليه شيء: عليم،.. وهكذا.
لا تسمى صفات، من الأخطاء الكبيرة أنها قدمت تحت عنوان صفات، صفات الله، صفات صفات، حتى ترسخت في الذهنية وإذا الصفات أشياء لها استقلالية، والصفات متغايرة فيما بينها، وطلع إشكاليات كبيرة جداً عند المعتزلة، لا يوجد كلمة صفات، تسمى أسماء، هو حكيم، هو عليم، هو سميع بصير. هذه كلها أسماء له، سمى سبحانه وتعالى بها نفسه.
أسماء الله سبحانه وتعالى واسعة، سعتها نفسها لمسيرة الإنسان وشئونه علاقة بسعتها؛ لأن شئون الإنسان متنوعة، وأنت في حالة ضلال، وهدى تقول: اللهم أنت الهادي فاهدنا، ألست تقول هكذا؟ أنت الغفور فاغفر لنا، أنت الرزاق فارزقنا، أنت العليم فزدنا علماً، أليست هكذا؟ أسماء أنت بحاجة إلى أن تدعوه بأسمائه؛ لأنك هنا تحتاج إلى مغفرة، تحتاج إلى رزق، تحتاج إلى رحمة، تحتاج إلى هدى، تحتاج إلى نور، وتحتاج إلى… إلى.. أشياء كثيرة، أمامك أسماؤه واضحة، أنت بحاجة إلى رحمة اسمه: رحيم، من أسمائه رحيم، بحاجة إلى مغفرة من أسمائه: غفور، وهكذا، بحاجة إلى هدى هو الهادي، هو العليم، الهدى لا يخرج عن موضوع علم وقدرة ورعاية وحفظ، فهو حفيظ، عليم، قدير.
{وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الأعراف: من الآية180)، بل بلغت المسألة إلى درجة لم يعد يقدم الكثير من أسمائه في إطار الحديث عن معرفته سبحانه وتعالى، قد صار يبحث مواضيع معينة حول: حكيم، قدير، الله، وجوده.. هكذا، لم يعد يبحث موضوع أسماء كثيرة جداً، أنه الملك، ماذا يعني ملك، جبار، سلام، مؤمن، مهيمن، عزيز، متكبر.. إلى آخر ما ذكر.
الإنسان عندما يدعو الله باسم من أسمائه التي سمى بها نفسه، وعندما يسمع في القرآن الكريم اسماً من هذه الأسماء لا يحصل عنده أي إشكالية أبداً، لا يوجد أي تصورات أخرى، اترك منطق الآخرين ولن يحصل عندك شيء، لكن قد ترجع إلى الآخرين فيدنسون فطرتك، يدنسون فطرتك فعلاً، فإذا قال بأنه سميع، بصير، عليم، قضية معروفة لدينا، لا يصاحبها أي تشبيه، ولا أي تمثيل، ولا أي شيء.
{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(الأعراف:181)، لاحظ مسيرة الآيات هذه، قد يكون يحصل ضلال، وأن الهدى هو من عند الله وحده، أن من يضلون بأسباب معينة لا يفقهون، لا يبصرون، لا يسمعون، هناك يحصل الضلال عن طريق إلحاد في أسمائه فهو سبحانه وتعالى سنته هكذا: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} أنه لا يترك عباده بدون هداة.
وكلمة: {يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} ماذا تعني؟ توجيه، وإقامة قسط، أليس هكذا؟ وفق الطريقة القرآنية التي يقوم الخطاب عليها بالنسبة للناس، قدمت القضيتان هاتان مفصولتان، ألم تقدم في الأخير قضيتان مفصولتان؟ موعظين هناك، وقائمين هناك بشئون الناس! موعظين هناك ناقصين يغلطون كثيراً، [ومدِّيولين] هناك ناقصين يغلطون كثيراً.
القضية ليست على هذا النحو، {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}، ألم يقدم مسألة يهدون به قبل موضوع يعدلون؟ لا يستقيم يعدلون إلا باستقامة يهدون، لا يحصل على الإطلاق، هذه القضية أساسية، هي تعطينا رؤية حول إقامة القسط في هذه الحياة، أو حول ما يسمى: ولاية الأمر في الإسلام، كيف هي، قدمت بشكل منقوص عند الزيدية أنفسهم، وقدمت بشكل منقوص أيضاً عند الآخرين، أما الاثنا عشرية فقد هي ضائع تماماً، قدمت أيضاً عند السنية بشكل منقوص، قدمت عندنا ولاية الأمر تعني ماذا؟ [رئاسة عامة]: تجييش جيوش، جمع زكاة، إقامة حدود، تعيين ولاة، عزل ولاة، وبالله التوفيق! انتهى الموضوع!.
وقضية الثقافة كل واحد على ما هو عليه، وكل مجتهد على ما ترجح لديه، وكل قارئ على ما صادف من كتاب يقرأه، أو معلم يقرأ عنده! فصلوها عن الموضوع تماماً!. كانت غلطة كبيرة جداً. المسألة غير مفصولة على الإطلاق، فهي تمثل النسبة الواسعة جداً من شئون ولاية الأمر في الإسلام، النسبة الواسعة جداً فيها موضوع يهدون؛ لأن كلمة يهدون لا تعني ماذا؟ يوعظون، يهدون قضية أساسية، تربية، تقديم تربية، بناء أمة، بناء حياة، به يعدلون، إقامة القسط، قد تراه في الأخير قد يمثل ربما 25% إذا صحت تقديرات إنسان كتقريب. {يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} ألم يقدم {يَهْدُونَ بِالْحَقِّ}؟ عندما فصلوا هذا الموضوع عن موضوع يعدلون فلا قامت لا يهدون، ولا قامت يعدلون، وضاعت الأمة نهائياً.
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}(الأعراف:182 – 183) لاحظ الكلام كله أليس حول: كذبوا بآياتنا؟ كذب بآياتنا، انسلخ عن آياتنا.. وهكذا كلها. هذه توحي بأن الموقف الآخر الذي يعتبر مغايراً هو في الواقع يصبح أشبه شيء بتكذيب، حتى وإن لم يكن تكذيباً صريحاً، أما إذا قد هو مكذب تكذيباً صريحاً فهذا شيء واضح.
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا} لاحظ عندما يقول: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} أنهم يقدمون آياتنا يقدمون آيات الله، لا يوجد هداة يخرجون عن إطار آيات الله على الإطلاق، لا تحصل هذه، يكون كتاب الله هناك، ويوجد هداة هناك، لا يوجد هذا، سنة إلهية من البداية بالنسبة للأنبياء أنفسهم، أليس النبي نفسه مرتبطاً بالكتاب؟ فعندما يقول الله: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} بالتأكيد كلها تقوم على آيات الله، كتابه.
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}، لن يكونوا عندما يكونون مكذبين واقعاً، وليس صريحاً، لن يكونوا هداة، ولا يكونون هداة. {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}، نعم، هذه قضية خطيرة جداً، الاستدراج، لا أدري إلا بالنتيجة السيئة {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً}(الأنعام: من الآية44).
{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}، يملي لهم، لكن إملاء ليس على ما يرونه وكأنه إنعام لهم، وارتياح، واستقرار لهم، كيد، تكون النتيجة سيئة في الأخير.
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}(الأعراف:184)، عندما يقول: {يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} فهو يجعل هداة معروفين عند عباده، وقابلين لأن يعرفوا، فعندما يقدمون لك: أن هناك هداة لا تراه، ولا تسمعه – كما يعمل الاثنا عشرية – أن هناك المهدي من عام 255هـ إلى الله أعلم متى، وأنه المهدي للأمة، وأنه الحجة على الأمة، وإمام الأمة، وقرين القرآن،.. إلى آخره، غلط واضح. {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} هنا يذكِّر أنه بعث إليهم نبياً هم يعرفونه، ويعلمون بأنه ليس به جنة؛ لأنه صاحبهم، لم يأت من بلاد ثانية هم لا يعرفونه، يعرفونه.
ثم يأتي التهديد: {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} يعني: أن وراءه الله يعاقب، وفوقه الله يعاقب ويثيب. ما هناك {أُمَّةٌ} غائب، لا أحد يعرف عنه شيئاً على الإطلاق، مائة سنة بعد مائة سنة، ألف سنة، ومائة سنة، وأكثر! لا يجوز هذا على الإطلاق، يعني: قضية غير مقبولة في دين الله، غير مقبولة على الإطلاق في دين الله، هنا يذكِّر بأن الهداة يكونون هداة معروفين، ولو على أقل تقدير في البداية معروفين عند أصحابهم، ثم تتوسع معرفتهم تلقائياً، مثل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هل كان معروفاً في القرن الأول عند أهل ماليزيا، وأهل أندونيسيا؟ معروف في مكة، اتسعت المعرفة حتى أصبح معروفاً عند الجميع.
تكون المسؤولية في البداية على أصحابه، على أصحابه، هم الذين يعرفونه، هم يعرفون ما به من جنة، وإذا استجابوا هم أمكن أن تتسع الدائرة، ويمكن يتسع الموضوع، إذا جلسوا هم شكلوا عائقاً قد ينتهي في الأخير إلى أن يحصل استبدال بهم غيرهم، عندما أصرت قريش على تكذيب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) استبدل بهم أهل المدينة، الأوس والخزرج، وآخرين.
{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ}(الأعراف: من الآية185)، نفس النظرة التي يكرر أمثلتها في كثير من المواقع في السور، يأتي في جانب من الآيات موضوع التوجيهات، ثم يأتي بصفحة من ماذا؟ من مظاهر هذا الكون، يتبين ماذا؟ أن هذا الكون هو له ملك، الله هو إله، ملك، ومدبر لشئونه، ففيه ما يعطيك.. يعني: ما يجعلك تتأكد، وتطمئن بأنه لا يمكن أن يغفل الجانب الآخر، جانب الهداية فيما يتعلق بالجانب الآخر، الهداية التي نسميها: معنوية، أو هداية نظام، هداية النفس.
هذه نفسها ترشدنا إلى كيف تكون نظرة الإنسان إلى هذه المظاهر، الشيء الذي ضرب تماماً على أيدي المتكلمين؛ لأن النظرة إلى هذه الحياة ستستقرئ فيها مظاهر الحق، تستقرئ فيها الدلائل على أنه لا يمكن أن يكون هناك إغفال لهذا الجانب الذي البشر يتقافزون فيه، لا يتقافز البشر الآن على موضوع الشمس، ناس يريدون يردونها [شرق]، وناس يريدون يردونها [يمن]، أو على موضوع الليل والنهار، يريدون أن يعكسوا الموضوع، أو يطولوا ساعات النهار، أو الليل، ولا على موضوع المطر، ولا على موضوع الإنبات، ولا الإثمار، ولا شيء، هل هم يتقافزون؟ القضية محسومة من عند الله.
إذاً الجانب الآخر أيضاً ليس جانب أن يتقافزوا فيه، هم يتقافزون مخرج إلى الهاوية، جانب سلطان الله، ملك الله، هدى الله، تشريعه، نظامه لعباده، أنه تماماً مثل الجانب الآخر الذي نراه، شواهده في واقع الحياة، صوره، ثم تجلياته في حياة الناس، تجلياته في حياة الناس إلى درجة أنه هنا بشكل يوحي بأنه قد يستطيع الناس أن يلمسوا {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ}، من مظاهر وصور الحياة نفسها.
{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهذه النظرة الهامة تجعل الإنسان يقرأ كتاب هذا الكون، ثم من وراء القراءة هذه يبدع في هذا الكون نفسه، يخترع أشياء كثيرة، يصنِّع أشياء كثيرة، يطور أشياء كثيرة.
{وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ}، ما معنى ينظرون هنا؟ ليعرفوا أن هناك الله؟ ليعرفوا هذا الحق، يعرفون أنه لا يمكن أن يغفل هذا الجانب على الإطلاق، أن يتقافزوا هم على سلطان الله، ويتقافزوا هم للتشريع، يتقافزوا للسلطة، ويتقافزوا للتشريع، أليس هذا حاصل عند البشر؟ لماذا لا يتقافزون على الليل والنهار فيجعلوا ساعات النهار أطول مثلاً؟ القضية محسومة هنا مثلما القضية محسومة هناك.
لكن عندما مسخ المعتزلة – وهذا من أسوأ ما عملوا حتى أصبحت الأمة جاهلة – مسخوا النظر عند الإنسان فلم يعد بالشكل الذي وُجِّه إليه في القرآن، ينظر في ملكوت السماوات والأرض، النظر الذي في الأخير ينتهي إلى دراسة لمظاهر هذا الكون، في الأخير ينتهي إلى إبداع، إلى اختراع، إلى تصنيع؛ لأنه حاجات الإنسان أيضاً، والإنسان عنده نوع من الفضول، وحاجياته واسعة، متى ما درس شيئاً في الأخير يصبح عنده فكرة: ربما لو عمل هذا، وأضاف معه هذا، ما الذي سيترتب عليه؟ فيكتشف أشياء كثيرة في الطب، أشياء كثيرة في كل المجالات الأخرى، لأنه كان التوجيه القرآني للنظر عند المسلمين بالشكل الذي يتكفل بأن يكونوا أسبق من الغربيين إلى ما وصل إليه الغربيون، وربما بشكل أرقى، وبطريقة يدخلون إليها عبادياً، عبادة، ليس على أساس إفتقار لحاجة، الغربيون كانت المسألة عندهم حاجة [الحاجة أم الاختراع].
هم يأتون يأخذون الآيات التي فيها النظر كلها هنا، وفي أي مكان ثم يقولون: [فدل على وجوب النظر] أي وجوب النظر؛ لتعرف أن هناك صانع! لا يتوصلون إلى الله، إنما هكذا، إنما في الأخير يشغِّلون ما لديهم من معرفة من طريق أخرى، أن هناك صانع.
{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}(الأعراف:185)، أي حديث بعد كتاب الله، بعد آيات الله، ماذا ينتظر الناس؟ يأتي في أكثر من مقام يقول: ماذا تنتظرون بعد؟ أن يأتي الملائكة، أو يأتي الله، أو يأتي أمر ربك، أن تأتيهم الساعة بغتة، أن يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون؟ ماذا ينتظرون بعد؟!.
{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ}(الأعراف: من الآية186)، هناك قال: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(الأعراف:178). {مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}(الأعراف:186)، لم يبق إلا تمادي في طغيانهم، تمادي في عماهم، كله ضلال، وظلمات بعضها فوق بعض.
{يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}(الأعراف: من الآية187) هنا يقدم لهم ما يمكن أن يكونوا ناجين به عندما تأتي الساعة سواء تأتي قريب، أو تتأخر، لكن أن يسألوا متى ستأتي وهم في الواقع سواء جاءت قريباً، أو تأخرت ستكون بالشكل الذي يعتبر كارثة كبيرة عليهم، ماذا يستعجلون بها، فضول الإنسان أحياناً يكون قَلََب، ويكون أيضاً من مظاهر الضلال، {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ}.
ثم تجد كيف من أصبحوا ضالين، لا يهتمون بالقضايا الهامة التي هي أساسية بالنسبة لهم، فيهتدون بها، يذهب يشغل ذهنه، ونفسه، وتفكيره بالقضايا التي ليس بحاجة إلى أن يتساءل عنها، يسألونك عن الساعة، متى ستأتي الساعة هذه؟! هل هو بحاجة إلى هذا السؤال؟ ليس بحاجة إليه، هو بحاجة إلى أن يهتدي؛ لأنه إذا جاءت الساعة ستكون كارثة كبيرة عليه.
{يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الأعراف: من الآية187) قضية كبيرة، وهولها كبير جداً، وقعة كبيرة، ثقيلة في السماوات والأرض، {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}(الأعراف: من الآية187) إذاً فأفضل لكم تجهزون أنفسكم بهذا الهدى الذي يأتي إليكم من غير تساؤل، يقدم إليكم من غير تسألوا أنتم من البداية.
{يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا}(الأعراف: من الآية187) أن عندك معلومات وافية عن متى ستأتي، أو أنك في ذهنيتك مشغول دائماً بأن تعرف متى ستأتي. الرسول نفسه (صلوات الله عليه وعلى آله) ليس مشغولاً بأن يعرف متى ستأتي الساعة بالتحديد، يعرف بأنها ستأتي فقط.
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(الأعراف:188)، عندما تأتوا إلي تسألونني على اعتبار أنني أعلم الغيب، أنا لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله.
{وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، أليس هذا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي يقول الله له أن يقول للناس: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ}؟ يأتي الآخرون ليقولوا: الإمام يعلم الغيب، أو إذا أراد أن يعلم الغيب يعلم الغيب، هذا كلام باطل، باطل؛ لأن الرسول نفسه يقول: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ}.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}(الأعراف: من الآية189) هذه آية هي تبدو أنها لا تعني آدم وحواء، ليست تعني آدم وحواء، فرق بين: {وَجَعَلَ مِنْهَا}، جاءت العبارة هذه بالنسبة للناس أنه جعل منهم أزواجهم، يعني من نفس الجنس، من نفس النوع، هناك خَلَقَ، في سورة [النساء]: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا}(النساء: من الآية1) فرق بين كلمة: جعل – في كثير من المقامات – وبين كلمة: خلق، وفطر.
والخطاب يبدو إما أن يكون لقريش بشكل عام، أو ربما مثلاً لبيوتات منهم ربما، وهم في نفس الوقت قد يكونون متعلقين بشكل كبير بموضوع الشرك، مثل قريش يبدو أنه كان فيهم مثلاً بيوتات منشدة إلى موضوع الأصنام، وأشياء من هذا، والبعض ليسوا بالشكل هذا، منشدين إليها. يبين بأنه الجد الواحد لهم مع زوجته هم في الأساس يعرفون الله مثلما قال سابقاً: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}(الأعراف: من الآية172) يقول لهم بأن جدكم أنتم هو يعرف الله، على أساس لا يقولون بعد: إن كان آباؤنا كذا وكذا، أو ربما ما كانوا يعرفونك، ونحن جئنا، ونحن لا نعرفك، فعبدنا أصناماً كما كانوا يعبدون، أنه حتى جدكم الأقرب، جد – ربما – قريش بشكل عام، هو نفسه كان يعرف الله، لكن حصل على هذا النحو الذي ذكر بعد.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً} مولوداً صالحاً {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(الأعراف: من الآية189) دعوا الله ربهما، دعوا الله ربهما.
{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}(الأعراف: من الآية190) أشركوا في الموضوع، جعلوا لهم شركاء من غير الله فيه؛ لأن المشركين أيضاً هم يعتبرون أنفسهم وكأن شركاءهم شركاء لله فيهم، في عبوديتهم، يجعلونهم شركاء لله في الألوهية، شركاء لله فيهم! {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُون}(الأعراف: من الآية 190-191) فكأنه يوحي بأن قضية الشرك هي عادة تكون قضية ظاهرة، تحصل وهي شاذة في مسيرة الحياة والإنسان؛ لأنه حتى من بدأت على أيديهم لا يكونون جاهلين بالله، هناك قال: {اللَّهَ رَبَّهُمَا} ألم يقل هكذا؟ يعني: هم يعرفون الله وأنه ربهم {دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا}.
يعني: أن الشرك هو الشيء الذي هو شاذ في الحياة، شاذ بالنسبة لمسيرة الإنسان، لا يعتقدون بأنه هكذا مسيرة للبشر جميعاً أباً عن جد، على طول مشركين، مشركين على طول، وكلهم جاهلين بالله، ليست بالشكل هذا، يأتي الشرك حالة طارئة، لها بداية في تاريخ أمة من الأمم. وقالوا هكذا تاريخهم بالنسبة لقريش ما كان معروف عندهم أصنام من زمان، بدأت، دخلت من وقت معين، أما نفس هذا الشخص الأول قد يمكن أنهم ضٌللوا هم عن طريق من روج للشرك حتى اعتقدوا الشرك، وجعلوا لله شريكاً فيهم!. فقد يكون الشرك أتى إليهم من أي منطقة مثلاً أثر على هؤلاء فبدأ الشرك.
إذاً هو قضية طارئة في المجتمع، لا تتصوروا بأن تقولوا: آباءنا جيلاً بعد جيل إلى مدري أي حين، ذكر سابقاً بأن إبراهيم الذي هو جدهم الأول مسلماً، وأن الرسالة التي يُدعَون إليها هي ملة إبراهيم.
{أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ}(الأعراف:193)، هذا حول الأصنام: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(الأعراف:194).
هنا يأتي الكلام هنا ليقرر نقصها، هذه التي جعلوها آلهة شركاء لله فيهم، شركاء لله في الألوهية، أنها ناقصة؛ ولهذا قال هنا بعد: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}(الأعراف: من الآية195)، إلى آخره. يعني: هذه لا تمثل شيئاً، هي ناقصة تماماً، لا تستطيع حتى أن تسمعك، ولا أن تبصرك، ولا أن تنفعك بشيء، ولا أن تضرك بشيء على الإطلاق، هي ناقصة أنقص منك أنت كإنسان.
ثم يبين بأنها ليست بالشكل الذي تشكل خطورة: {قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ}(الأعراف: من الآية196) ما معنى هذا أن الشرك يروج له في البداية، ويحاط بهالة من الأساطير؟ وأنها قد تكون بدايتها هكذا فعلاً بالنسبة للنفس الواحدة هذه، الجد الواحد لهم، ما أشركوا إلا عندما قدم لهم في قالب من الأساطير، يفلسف الشرك، إلى أن أوقعهم في الشرك.
يبين بأنها لا تمثل شيئاً: {قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ}، وبسرعة اضربوا ضربتكم، يعني: أنها ليس لها أي وزن على الإطلاق، ولا تمثل أي خطورة على الإطلاق، كما تفهمونه أنتم، وبما قيل لكم عنها؛ لأنه كان يأتي تخويف للأنبياء من جانب من يعبدون الأصنام: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}(الزمر: من الآية36).
{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}(الأعراف:196) ثم لاحظ كيف جاءت العبارة بشكل صحيح، يقول: أنا متولي إله هو الله سبحانه وتعالى وحده، هذه كلها التي تتخذونها أولياء من دونه، وتدعونها أتحداكم أنكم تجتمعون أنتم وإياها ثم {كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ}، يعني ليست تشكل أي خطورة على الإطلاق، لم يقل: أنا هكذا فقط، أنا لا أبالي بها، {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ}؛ ليردهم إلى الله، هذا من أساليب الأنبياء الراقية. أليس الكثير من الناس عندما يأتي يحاول مثلاً إذا هناك [منشح] يقول: أتركهم، أتحداك يضروني، لا يتذكر أن يقول: أنا متولي لله، هذه لا تعمل شيئاً.
{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}(الأعراف:197)، وهكذا.. إلى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}(الأعراف: من الآية199) في موضوع عندما تكون أنت تواجه مشركين كهؤلاء، أليس هو يقدم هنا احتجاجات معينة؟ أحياناً قد لا تكون القضية مناسب أن يحصل فيها لجاج، وتريد في نفس اللحظة أن تطلع منهم انخلاع كامل عن القضية، {خُذِ الْعَفْوَ} اعترافات معينة، أثر معين حصل في نفوسهم يكفي وأعرض، ومن بعد. أحياناً يأتي اللجاج إلى طريقة يشد الإنسان إلى ما هو عليه، لكن حصل اعتراف معين: فعلاً أن هذه فعلاً هي كذا، هل هي ضرتك في كذا؟ يقول: لا، هل هي نفعتكم في حرب كذا، أنتم وقبيلة كذا؟ قال: لا، قل: إذاً هذه ليست جديرة أن تعبدها من دون الله، وهو سيسكت، سيفكر إلى أن تلقاه مرة ثانية، لكن تحاول تخلعه في نفس الوقت، قد تكون قضية لا تحصل.
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}(الأعراف:199) هذا من ناحية الحوار، والجدال مع آخرين، أسلوب الدعوة على هذا النحو يكون أرقى؛ لأنه هل أعرض عنه نهائياً، أو جلس، وكل مرة وبدَّا شيئاً.
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(الأعراف:200) في مقام وهو يدعوهم، إما أن يحصل تخويف فيحصل عنده ربما حالة توجس، هذه يعرف أنها من جانب الشيطان؛ لأن الإنسان بطبيعته إذا ما خُوِّف من أكثر من جهة، وبأشياء متعددة يكاد أن يتأثر تلقائياً،إنما فقط يماسك نفسه.
هذا أسلوب في القرآن يأتي التخويف متعدد، ومتكرر، ومتنوع: خزي، مثل صاعقة عاد وثمود، رجفة، أشياء من هذه، جهنم، سوء حساب، وفي كل مكان، هذا فعلاً يؤثر في نفسية الإنسان؛ لهذا لعن المرجفين، المرجفون هذا يخوف، وهذا يخوف، وهذا قال: سيأتي كذا، وكل واحد يقدم شيئاً غير ما يقدمه الآخر، أو زيادة. هذه القضية يبرز فيها الشيطان، هذا جانب: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(فصلت: من الآية36).
جانب آخر أحياناً في موضوع الدعوة قد ترى نفسك ذكياً، وعندك قدرة على أنك تبين خطأ ذلك فعلاً نهائياً، أليس هكذا؟ لكن لا، قد يكون مناسباً بأسلوب على هذا النحو: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ولو عندك قدرة، ترى بأن عندك قدرة، الذي يبدو لك وكأن الشيطان قد يحاول يقول: أما عندما اذهب وما قد أقنعته، أو فضحته في موضوعه هذا معناه ماذا؟ أنني سأبدو ضعيفاً عند الآخرين، أو شيء من هذا، ستدخل في لَجاج يجعل الآخر بعيداً عن أن يهتدي، فتكون أنت سلكت طريقة ليست طريق من يهدي، الشيطان يبرز في مقامات كثيرة.
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وبشكل عام، عندما تراه يقدم الصلاة في مواضع متعددة؛ لأثرها، وتصريف آياته بشكل متعدد، يذكر لك الشيطان يبرز هنا، وقد يبرز هنا، ويبرز هنا، في أي مكان قد يحاول يعمل لك نزغة في أي موضوع.
{فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ}(الأعراف: من الآية200 -202) إخوان الشياطين، الشياطين مع إخوانهم. المتقون المؤمنون يستبصرون فرجعوا، أبصروا، إخوان الشياطين يؤدي إلى ماذا؟ إلى تمادي، إخوانهم يمدونهم الشياطين {فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ}.
{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ}(الأعراف: من الآية203) أيضاً هذا من الأشياء الغريبة، تساؤل: لماذا لا تعطينا آية، وربما قد يكونون يمارسونه بطريقة فيها نوع من السخرية: [ما قد معكم لنا آية جديدة اليوم؟!] على أساس أنك أنت تصلح آيات، [ما قد صلحت لنا آية]! {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ} لاحظ هنا كيف يأتي منطقه دائماً، يعني يرسخ بالنسبة للأنبياء أن يرسخوا في أنفسهم، وأمام الآخرين، أنهم عباد لله، ومأمورون من جهة الله، {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ}، إنما أتبع ما يوحى إليَّ، إن جاءت آية سنقدمها لكم، ما جاء شيء فما هناك شيء، ماذا يعني هذا؟ لا تظهر نفسك دائماً وكأنك عالم لا يعجزك شيء مما يلقى عليك، يمكن تقول: والله ما عندي معرفة بهذا، إن شاء الله إذا حصل لنا معرفة ممكن نعلمكم.
هذه أيضاً هي موضع من مواضع نزغات الشيطان، في أي مقام أنت تقدم ما تعرف، إذا لم تعرف [خلاص والله ما عندي شيء].
{هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ}(الأعراف: من الآية203) ما قد قدم فيه بصائر، فكيف تقول: لولا، {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا}(الأعراف: من الآية203) هذا يعني فيما قد قدم لكم بصائر وافية في القرآن نفسه، وفيما ينزل من القرآن {هَذَا بَصَائِرُ} وهذا من عظمة القرآن، كيف أن الله يقول فيه: هذا بصائر، حتى بالنسبة لما قد نزل منه، بالنسبة لما قد نزل منه، ما قد نزل إلا يمكن الثلثين، يعتبر بصائر كاملة ما قد نزل منه. {هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} وهي إشارة إليه إلى ما هو حاصل منه، وإليه ككتاب متكامل، ويتكامل في نزوله.
{هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(الأعراف: من الآية203) فاستمعوا، {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}(الأعراف: من الآية204) هذا بصائر فاستمعوا، لستم بحاجة أن تتساءلوا، وتقولوا: هل قد هناك كذا، و قد هناك كذا؟ لا، القضية هي جاهزة في هذا القرآن {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(الأعراف: من الآية204).
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً}(الأعراف: من الآية205) لاحظ أليس هنا توجيهات للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) كونه هادياً، ومعلماً، ومبلغاً للرسالة هذه، أن يكون دائماً دائم التذكر لله، {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} تضرعاً إليه وخيفة منه، {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}(الأعراف: من الآية205) ما كان جهراً، أو دون الجهر من القول، جاء في مقامات أخرى جهراً وعلناً، وسراً في النفس. {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ}هنا توجيه بالقضية هذه أكثر، تذكر ربك في نفسك، الذكر النفسي شيء آخر غير التذكر باللسان، وقد يكون على هذا النحو وإلى درجة دون الجهر من القول.
{بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}(الأعراف: من الآية205)؛ لأن مهمتك متوقفة على أن تكون دائماً مرتبطاً بالله، ودائم التذكر لله، وبالنسبة له هو أن يبقى متواضعاً لله، يكون دائماً منشغلاً بتقديسه لله؛ لأن القضية خطيرة إذا انفرد مع نفسه، وهو يرى المقام العظيم الذي هو فيه، يوجه بذكر الله باستمرار حتى لو لم يتمكن أن يتكلم، يذكر الله في نفسه، تسبيح لله، وتقديس له.
{وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} الإنسان إذا غفل يؤثر جداً غفلته عن الله على مهمته، وعلى نظرته إلى الله، ونظرته إلى نفسه، إذا كان من الغافلين معناه أنه قد صار منقطعاً إلى نفسه، وحصل خلل فيما قدمه و[تخربطت] الأمور.
والذكر هنا يقدم في كثير من المواقع في حالات له أثر نفسي، أثر نفسي، يعني: أنه يقدم أكثر من أن يقدم في مواقع هي مواقع مضاعفة حسنات مثلاً، أو مضاعفة ثواب، يقدم الذكر مرتبطاً بقضايا يكون مثلاً الأخطاء فيها كبيرة إذا الإنسان ناسي لله، أو يهتدي فيها وهو يذكر الله وهو متذكر لله، فقيمة الذكر هنا ينطلق من نفسه دائماً مستشعراً معه التعظيم لله، التقديس لله، الإجلال لله، استشعار الحاجة إلى الله، استمداد الهدى من الله، وليس فقط يسبح على أساس سبحان الله الذي يدوِّر لعشر حسنات! هذه قضية ثانية، هو يعلم قضية الثواب هو يأتي من عند الله، يوجد فارق كبير بين أن تسبح وقد في ذهنك عشر حسنات، عشر حسنات، عشر حسنات، إلى آخره.. هنا قد تسبح وأنت ناسي أن يكون تسبيحك بالشكل الذي يكون له أثر في نفسك، يكون يتجه إلى ترسيخ في نفسك لعظمة الله، وقدسيته، وجلاله؛ لهذا كان مؤثراً جداً الأسلوب هذا.
تجدها هنا في مقام: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} هل المقام هنا مقام حديث مضاعفة حسنات أو ماذا؟ مقام تأثير نفسي، {فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} الغدو: أوائل النهار، الآصال: آخر النهار، {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}(الأعراف:206).
صدق الله العظيم
إلى هنا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.