الحلم العربي في قمة تونس..نوما هنيئا يا زعماء العرب!
انتهت الجلسة الأولى من القمة العربية الثلاثين المنعقدة في تونس بتأكيد أغلب القادة العرب المشاركين فيها على دعم القضية الفلسطينية ومركزيتها بين القضايا والأزمات العربية، ورفض أي إجراء يمس السيادة السورية على الجولان المحتل لكن مغادره الملك السعودي القمة قبل اختتام جلستها الافتتاحية ومغادرة أمير قطر القمة قبل إلقاء كلمته القت بظلالها على قمة القادة العرب.
وبرغم الدعوات العامة لتقوية العمل العربي المشترك والعمل على إنهاء الأزمات، أشّرت كلمات القادة العرب خلال القمة العربية، اليوم الأحد، على خلافات كبيرة بشأن أهم الملفات المطروحة على الساحة بسورية وليبيا واليمن وفلسطين وغيرها، وبدت قراءات الزعماء العرب لهذه الملفات مختلفة في كثير منها وتعتمد على أجندات متناقضة.
فالأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، شدّد في كلمته في افتتاح القمة على حاجة الدول العربية اليوم لمفهوم جامع لوحدة الأمن القومي العربي والاستقواء به لمقاومة الجماعات الإرهابية، وكل ما يهدد الدول، معتبراً أن “القضية العربية واحدة من مسقط إلى مراكش (عاصمة المغرب الرباط)، وأن التدخلات في الإقليم فاقمت من تعقد الأزمات العربية واستعصاء إيجاد الحل لها وخلقت مشكلات أخرى“.
وأكد على رفض الجامعة لما وصفها بـ”أطماع تركيا وإيران وتدخلاتهما في بعض الدول العربية بما تحمله من مخططات”، قائلاً “بعبارة واحدة نقول إن أزمة الدول العربية ستزول لأنها أزمة مؤقتة لكن التعدي على التكامل الإقليمي للدول العربية ووحدتها الترابية أمر مرفوض عربياً”، وهو موقف التقت معه المملكة العربية السعودية، ومصر وإن لم تذكر بالاسم إيران.
من جهته عبر أمير دولة الكويت، الشيخ أحمد الصباح الجابر الصباح، على حرص بلاده “على علاقات صداقة وتعاون ترتكز على احترام مبادئ القانون الدولي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول وحسن الجوار وندعو الجمهورية الإسلامية الإيرانية لذلك”، فيما لم تتعرض تونس، رئيس القمة، لهذا الموضوع مطلقاً.
وبرغم أن الملف الفلسطيني كان العنوان الأبرز في هذه القمة مثلما كان الشأن في كل القمم السابقة، إلا أن المصالحة الوطنية، التي تظل أحد أبرز ركائزه، لم تلق اهتماماً من الزعماء العرب، وذهب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى التأكيد على “حرصه على توفير نصف ميزانية دولة فلسطين تقريباً لأهلنا في غزة”. وقال: “بذلنا كل جهد ممكن لإنجاح الجهود العربية والدولية رغم موقف حماس التي تعطل المصالحة، مثمناً جهود مصر في هذا المجال“.
ودعا إلى “إدانة الممارسات القمعية التي تقوم بها حركة حماس، وحذرها من التطاول على جماهير شعبنا التي انتفضت في غزة مطالبة بإنهاء الانقلاب والعيش الكريم”، دون الإشارة إلى ما تتعرض له غزة المحاصرة من قصف يومي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومعاناة تتواصل منذ سنوات بسبب الحصار.
وتحصن الزعماء العرب كالعادة بالقرارات الأممية ورفض فرض الأمر الواقع مؤكدين “على أهمية السلام الشامل والدائم في الشرق الأوسط كخيار عربي استراتيجي تجسده مبادرة السلام العربية التي تبنتها جميع الدول العربية في قمة بيروت في العام 2002، ودعمتها منظمة التعاون الإسلامي التي ما تزال تشكل الخطة الأكثر شمولية لمعالجة جميع قضايا الوضع النهائي وفي مقدمتها قضية اللاجئين التي توفر الأمن والقبول والسلام لإسرائيل مع جميع الدول العربية، ونؤكد على التزامنا بالمبادرة وعلى تمسكنا بجميع بنودها“.
ولم يتساءل الزعماء عن الأسباب التي عطلت تنفيذ هذه المبادرة منذ 17 سنة، وإذا ما كانت الأحداث قد تجاوزتها بالخصوص منذ صعود الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى السلطة ومحادثاته وربما اتفاقاته مع بعض العواصم العربية على ما يُعرف بـ”صفقة القرن“.
وباستثناء ملف الجولان المحتل الذي أجمع القادة العرب على أنه أرض عربية محتلة والتأكيد على أن القضية الفلسطينية تبقى القضية المركزية التي لا استقرار في المنطقة وفي العالم دونها، لم يتوافق العرب فيما يبدو على الملفات السياسية الحارقة، لعلم الجميع بتناقض مصالحهم ورؤاهم حولها.
ووجهت عشرات الجمعيات المجتمعة في قمة المجتمع المدني الموازية رسالة إلى القمة العربية تطالب فيها بإصلاح جامعة الدول العربية وتطويرها من منظور حقوق الإنسان، لأن كل الانتهاكات لهذه الحقوق، الفردية والجماعية، هي نتيجة مباشرة لاستبداد الأنظمة.
ورغم الجمود الذي ضرب القمة العربية في المواقف والخطابات والمخرجات، ورغم التجاهل العربي الواسع لها من حيث انعقادها وتأثيرها أصلا؛ فإنها لم تخل من مواقف وطرائف رافقتها في مختلف فقراتها التي لم تطل بما ينسب الليل العربي الطويل.
فبعض القادة أخذتهم سنة النوم أثناء الكلمات الافتتاحية، والتقط بعض المصورين لقطات لبعض القادة وهم يغطون في سبات عميق، فربما شجعتهم المقاعد الوثيرة وبعض الخطابات المكررة على الاستغراق في النوم.
ونشرت المواقع صورا تظهر كل من الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسى، حيث غط في نوم عميق، أيضا أثارت صورة لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، فائز السراج، والتي بدا فيها نائما خلال افتتاح الجلسة الأولى من القمة العربية الثلاثين، والمنعقدة في تونس، جدلا واسعا بين رواد السوشيال ميديا.
أيضا خطف وزير خارجية جزر القمر، محمد الأمين صيف، كاميرات وسائل الإعلام في القمة، بسبب ظهوره نائما إلى جوار أمير قطر، خلال الكلمات الافتتاحية.
والواقع أن عادة “نوم القادة” ليست جديدة أو خاصة بقمة تونس؛ ففي غالبية القمم العربية يلتقط المصورون صورا لافتة لهم وهم يستفيدون من إغفاءة سريعة أو يغطون في نوم عميق.
ورغم حماس بعض القادة العرب لتطبيع الأوضاع مع الحكومة السورية، فإن سوريا الأسد بقيت بمثابة الغائب الحاضر في قمة تونس، حيث حضر العلم السوري وغاب الرئيس، وبقي الكرسي شاغرا.
ويتقدم العرب شيئا فشيئا نحو إعادة العلاقة مع حكومة الرئيس الأسد، وارتفع النقاش بشأن عودة الأسد لحضور قمم العرب مرة أخرى.
ووصل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قبل انعقاد القمة بيومين إلى تونس، ولكنه غادرها قبل اختتام جلستها الافتتاحية. مغردون تساءلوا ماذا لو أجّل قدومه يوما وأخر مغادرته يوما واحدا، ليحضر أعمال القمة كلها؟
كما غادر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل الثاني القمة العربية قبل إلقاء كلمته في قصر المؤتمرات وتوجه إلى المطار.
وبحسب راديو “موزاييك” التونسي، فإن “الأمير تميم غادر القمة فور انتهاء كلمة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي والأمين العام لجامعة الدول العربية”، دون المزيد من التفاصيل.
وافتتحت القمة بآيات من القرآن الكريم تذكر بنعمة الأخوة وتحث عليها؛ ولكن أحد أهم الملفات العربية التي تثير الآن شرخا واسعا بين الإخوة الأشقاء غابت عن مباحثات القادة العرب، وهو ملف الأزمة الخليجية التي تسببت في انقسام شديد وتقطيع للأواصر والأرحام.
لا جديد في القمة حيث تعقد بينما لا تخرج قرارات عملية من جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي. ولم يبق من منظمة أوبك السابقة الا نعشا، ويستمر انعدام الأمن والعنف والاضطرابات في فلسطين واليمن وليبيا وسوريا، وتعاني بعض الدول العربية مثل السودان والجزائر، من أزمات اقتصادية عميقة.
ورغم هذه الحقائق المريرة، لا يمكن ان نتوقع من مثل هذه القمم التي ليست الا جعجعة بلا طحين الا إصدار البيانات فقط في ظل الخلافات العميقة.
التعليقات مغلقة.