تزايد حالات الانتحار والتمرد داخل جيش العدو الاسرائيلي … الأسباب والتداعيات
شارل أبي نادر
يشهد جيش العدو الاسرائيلي مؤخرا تزايدا لافتا في حوادث الانتحار وفي حالات التمرد، وذلك داخل صفوف جنود الخدمة الفعلية، خاصة عند الذين يكلفون بمهمات امنية وعسكرية روتينية خارج المواجهة المباشرة او المعركة، مثل الانتشار الامني او الحراسة والدوريات ونقاط المراقبة الامنية، او اثناء التدريب والمناورات، وفي الوقت الذي يحتاج فيه العدو لجهوزية مرتفعة، بسبب ارتفاع حدة التشنج والاستنفار على كافة جبهات الاشتباك التي ينخرط بها، وفي ظل ارتفاع امكانيات المواجهة الواسعة، في غزة او في الجنوب السوري المحتل او حتى في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، يجد هذا العدو نفسه امام معضلة بنيوية غير سهلة، لا شك انها تؤثر سلبا على قراراته المصيرية في المواجهة المفتوحة التي يخوضها ضد محورالمقاومة بشكل عام.
لقد تم الكشف مؤخرا عن رفض العشرات من لواء النخبة “غولاني” المنتشر على حدود قطاع غزة، المشاركة في المهام والتدريبات المفروضة عليهم من قبل قيادة قاعدة “تساليم” العسكرية جنوب فلسطين المحتلة، وذلك على خلفية إجراءات تأديبية، فُرضت سابقا بحقهم لاسباب عادية تتعلق بمخالفات انضباط ومخالفة تعليمات عسكرية، طبعا مع وجود عدة حالات تمرد او شبه تمرد مماثلة لم يتم الافصاح عنها.
من جهة اخرى، هناك الكثير من التقارير الموثقة والاكيدة، عن تجاوز حالات الانتحار لدى جنود العدو في الاعوام الثلاثة الماضية الخمسين حالة، وذلك لاسباب “مُستَجِدَّة”، ظهرت اثناء خدمتهم، وهي بأغلبها غير مرتبطة بحالات عقلية موثقة، اي لم تكن تحمل سجلات خدماتهم اي تدوينات لحالات كهذه، ولم تكن معروفة لدى اجهزة الرقابة الصحية العسكرية. فما هي اسباب تزايد هذه الحوادث الخطرة، وما هي تداعياتها على فعالية وجهوزية وحدات العدو بشكل عام؟
لا يمكن الا ان نربط هذه الحالات (الانتحار او التمرد) بالوضع الحساس المتشنج الذي تعيشه وحدات العدو بشكل دائم، والتي ارتفعت حدتها في السنوات الاخيرة بشكل ملموس، كون اغلبها يحصل عند عناصر الخدمة الفعلية وليس عند الاحتياط وفي التقاعد، ولكن عمليا، ما هي الاسباب الفعلية لتزايد هذه الحوادث الخطرة، وما هي تداعياتها على فعالية وجهوزية وحدات العدو بشكل عام؟
ازدياد الضغوط العسكرية وتوسعها
لا شك ان الاستنفار الواسع والمتواصل الذي تعيشه وحدات العدو في السنوات الاخيرة، يُشَكِّل حالة من الاحباط واليأس لدى جنوده، فهم تقريبا في جهوزية دائمة، ولا يستفيدون من الحد الادنى من الفرص والماذونيات، بسبب الحاجة الدائمة لعدد كبير من العناصر لتامين المهمات المطلوبة في جميع نقاط الاشتباك الحارة:
ـ على تخوم غزة وما تحمله تلك التخوم من حراك حساس ودقيق متعدد الاوجه، من اطلاق صواريخ وقذائف الى مسيرات العودة الصادمة الى عمليات اطلاق الطائرات المسيرة الحارقة الى الاحتكاكات العنيفة على الشريط وغيرها.
ـ داخل الضفة الغربية ومسلسل عمليات المقاومة الفعالة والمؤلمة للعدو، من عمليات طعن الى الدهس الى اطلاق النار وغيرها.
ـ على الجبهة الشمالية المترامية الاطراف، بين الجانب اللبناني وهواجس الأنفاق وإمكانية تسلل عناصر حزب الله الى الجليل، والتي دخلت مناورة مواجهتها في صلب الخطط الدفاعية الثابتة، وبين مزارع شبعا المفتوحة دائما على هاجس عمليات اطلاق الصواريخ او التسلل واختطاف جنود.
ـ بين الجولان السوري المحتل والمحرر، حيث استعاد الجيش العربي السوري كامل مواقع المواجهة الاساسية، وحيث التداعيات الخطرة المرتقبة على خلفية القرار الاميركي الاخير بالاعتراف بسيادة العدو على الجولان السوري المحتل.
ازدياد قوة المقاومة وفعاليتها
طبعا هناك تأثير من ازدياد قوة وقدرات المقاومة على معنويات جنود العدو، لناحية الصواريخ والاسلحة النوعية التي اصبح امتلاك المقاومة لها (في غزة او في لبنان او في سوريا) معروفاً واكيداً، او لناحية الفعالية التي اصبحت تتميز بها عناصر العمليات الخاصة لدى عناصر المقاومة، او لناحية الحرفية والجرأة التي يبرهن المقاومون المدنيون (الفلسطينيون خاصة) امتلاكها.
فقدان الثقة بالقيادة السياسية والعسكرية
لم يعد مؤخرا لدى جنود وضباط العدو ثقة بقيادتهم وخاصة السياسية منها، وذلك بسبب كثرة الاتهامات التي تساق ضد هؤلاء المسؤولين، وخاصة المتعلقة بالفساد وبالرشوة وبتغليب المصلحة الشخصية، وهذه الاتهامات تثبتت وتمت إدانة بعضهم (ايهود اولمرت)، والبعض الآخر ينتظر دوره (نتنياهو)، وهذا الامر يدفع الجنود للتهرب من الخدمة او التمرد عليها احيانا، او يدفع بعض ضعفاء النفوس احيانا اخرى للانتحار، من جراء الخوف من قرارات الحرب او القرارات الحساسة المتعلقة بالعمليات العسكرية التي يشكّون بصدقيتها او بصوابيتها.
واخيرا لا آخرا، يبقى احد اهم الاسباب المؤثرة على خلق حالة من الاحباط واليأس لدى جنود العدو، انه بات واضحا لديهم ان معركتهم اصبحت دون افق، وهي تبدو مفتوحة دون نهاية، وهم يوما بعد يوم يغرقون في الحروب والمواجهات العنيفة، ويتساءلون دائما الى اين؟ وهل من نهاية لهذه الحرب؟ وهل ستبقى حياتهم هكذا، استنفار وجهوزية ومواجهة وتماس مع الخطر؟ مع الامكانية المرتفعة لان يقتلوا او يصابوا، وذلك كله في ظل قيادة سياسية وعسكرية تبرهن يوما بعد يوم انها، من جهة ماضية في سياسة العدوان والاعتداءات ومخالفة القوانين الدولية، وبالتالي تعرضهم بشكل دائم للاخطار، ومن جهة اخرى هي عاجزة عن اتخاذ القرارات الصحيحة التي تحافظ على حياتهم وعلى امنهم وسلامتهم.
التعليقات مغلقة.