حرب المضائق.. والحصار الاقتصادي في الخليج
حملت التغييرات التي طالت المنطقة العربية منذ العام 2011 الكثير من التبدلات في العلاقات السياسية، والتي جاءت تتابعاً من أجل فرض واقع اقتصادي وسياسي جديد يعتمد في حقيقة الأمر على إضعاف القوى التي تمثل تهديداً للمصالح الأميركية في المنطقة وبالذات للكيان الصهيوني الغاصب.
وبناء عليه فقد اشتعلت السجالات والحروب في الدول التي تقع حول المضائق والممرات المائية والتي تمثل العصب الاقتصادي في منطقة الخليج . وفي الحقيقة أن أهمية المضائق في المنطقة العربية وفي الخليج لا يمكن فهمها إلا من خلال النظر إلى خريطة الملاحة، وخاصة حركة نقل النفط في المنطقة. كانت المضائق الهدف الأساس للقوى العالمية على مر التاريخ لأنها تعتبر عصب التجارة البحرية وبالتالي فهي عصب الاقتصاد.
التدخلات الأميركية والإسرائيلية عبر الأذرع القطرية والسعودية والإماراتية ليست بريئة بالتأكيد. فأمريكا تحاول المضي قدماً نحو إنشاء تحالف أمني وسياسي سيطلق عليه تسمية “ناتو عربي”، والخبر ليس بالجديد، ويتم العمل اليوم من أجل ضم مصر والأردن لتوسيع التحالف العربي ـ الأميركي ضد إيران. وهو مرتبط عضوياً بالأزمة الجديدة التي نشأت بعد عملية تخريب الناقلتين، فهي محاولة من أجل تفجير المنطقة وجر الخليج نحو حرب جديدة.
وإيران لا تمثل موقفاً منفرداً بذاته في المنطقة، ولكن ينظر إليها على أنها السبب وراء نهوض واستمرار المقاومات في كل من فلسطين ولبنان عبر دعمها مادياً ومعنوياً. ولذا كانت محاولة الفصل الأولى ما بين المقاومات وما بين إيران من خلال احتلال العراق، ولكن دون طائل! ثم جاءت المحاولة الفاشلة الثانية من خلال إسقاط الدولة المعادية للكيان الصهيوني في سوريا، ولكن ثبت أن التلاحم الإيراني ـ السوري والمقاومات في كل من فلسطين ولبنان قد رسم خارطة طريق لا تتزعزع. ولم يبق أمام الأميركيين سوى قطع الإمدادات عن المقاومات من خلال الحصار الاقتصادي الذي فرض على سوريا لمنعها من الوصول إلى مصادر النفط في شرق الفرات، ومن ثم على إيران بعد إلغاء الاتفاق النووي ومحاصرتها اقتصادياً. والتنافس الذي شهده سوق الغاز الخليجي من أجل الوصول إلى الأسواق الأوروبية من خلال تمرير خط أنابيب الغاز والبترول عبر سوريا إلى البحر المتوسط تسبب بشكل مباشر في إشعال وتأزيم الوضع في سوريا.
ولمن ما يزال يشك في الأهداف التي أدت إلى إشعال الدول العربية بما فيها المحاولات الأخيرة من أجل تأزيم الوضع في السودان والجزائر، وحتى في إثيوبيا، فلينظر جيداً إلى المواقع الجغرافية الهامة التي تحتلها هذه الدول على طرق تصدير النفط والغاز عبر المضائق، وخاصة تلك التي تطل على الخليج والذي يعتبر المنفذ البحري الوحيد لها إلى جميع أصقاع الأرض.
بالعودة إلى مواقع المضائق والممرات العربية الهامة الممتدة ما بين البحر المتوسط والخليج، فأول هذه الممرات المائية هو قناة السويس. اختصر هذا الممر الملاحة البحرية للسفن من أوروبا إلى بحر الصين عبر البحر الأحمر. الممر الثاني هو مضيق باب المندب الذي يطل على اليمن من جهة وعلى السودان وأريتيرية والصومال من جهة أخرى. وأما الممر الثالث فهو مضيق هرمز، والذي يُفتح من خلاله الخليج على خليج عمان مما يسمح للبواخر وناقلات النفط بالتوجه نحو بحر العرب باتجاه باقي الدول والمناطق في العالم.
حرب المضائق اليوم، وبالذات في مضيق هرمز، ذات علاقة وثيقة بالحرب الاقتصادية على إيران والتي تأتي ضمن محاولات فرض الحصار الاقتصادي من خلال محاصرة صادراتها النفطية. حتى اليوم لم تنفع محاولات إغلاق مضيق هرمز من خلال استعراض القوة العسكرية الأميركية. وإذا ما فرضت إيران إغلاق المضيق فإن المتضرر الأكبر من هذه الإجراءات هو كل من قطر والمملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة. اذ يقع على الخليج أهم آبار النفط السعودية في رأس التنورة، ويوجد فيه محطة لتكرير البترول، وبني في المكان ميناء يغادره تومياً حوالي ست ناقلات نفط، وحمولة كل منها 25 طناً تقريباً من الزيت الخام والتي تتجه نحو قارتي أمريكا الشمالية وأوقيانوسية، بينما يتجه النفط الإيراني نحو أوروبا والصين والهند عبر قناة السويس بعد المرور بمضيق باب المندب.
من ناحية أخرى، تدير الآبار في شرق السعودية وأهمها في التنورة ” شركة بترول سماندر كاليفورنيا” الأميركية، وينتج معمل التكرير حوالي 50 ألف برميل يومياً. وبالتالي فإن أي طريق آخر لنقل البترول من رأس التنورة على الخليج العربي إلى أي مكان خارج خطه الأساسي عبر مضيق هرمز يعتبر مكلفاً مادياً. ومع تصاعد الحرب مع اليمن، فإن الطريق البرية باتت غير آمنه في حال تطلب نقل البترول عبر البر إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، لذا فقد تم نقله عبر خطوط “بترول لاين”، والتي قد لا تسلم من عمليات التخريب والسرقة. ولكن ستتم عملية توسيعها بحلول العام 2030، وبذا قد يتم الاستغناء نهائياً عن التصدير عبر ميناء الفجيرة.
وهذا الأمر لن يؤثر بطبيعة الحال على الإمارات التي لديها موانئ خارج الخليج في سلطنة عمان، ولكنه سيؤثر بالتأكيد على كل من إيران والعراق والكويت وقطر، وجميعها على خلافات حادة مع السعودية. وفي الحقيقة، فإن المحاولات السعودية للتخلص من اعتمادها على الخليج من أجل نقل بترولها الخام أو المكرر يقع ضمن خطة اقتصادية تحاول قلب الطاولة على جميع الدول المطلة عليه، وحتى على الدولة الحليفة والمكملة لها وهي الإمارات، والتي يعتبرها البعض الحديقة الخلفية للمملكة السعودية. ولكن إذا ما تم للسعودية إغلاق المضائق وتأمين سلامة نقل بترولها، فإن السعودية لن تعود بحاجة لسوق الإمارات المالي عبر تفعيل عمل البنوك والآليات المصرفية فيها، وبالتالي تقويض أهمية ميناء الفجيرة عبر الانتقال إلى ميناء ينبع وهو ما تسعى إليه السعودية من خلال سياسة ضعضعة السلطة الوهابية وبدء سياسة الانفتاح في المملكة.
التوافق السعودي ـ الأميركي الجديد حول ضرورة حماية أمن الكيان الصهيوني والالتفاف على مضيق هرمز وتضييق الحصار على إيران والدول التي تقف إلى جانبها يؤمل من خلاله إشعال فتيل حرب جديدة في الخليج، عبر الالتفاف على مضيق هرمز وإغلاقه، خاصة وأن دول الخليج العربية تشهد فيما بينها خلافات سياسية وعقائدية حادة، وخصوصاً ما يتعلق منها بالعلاقة مع الكيان الصهيوني وبالتالي مع الولايات المتحدة. فهل الحرب على الممرات المائية للسيطرة على تجارة البترول قد بدأت فعلياً؟
جواب هذا السؤال متروك للوقائع القادمة.. وهي ليست ببعيدة.
عبير بسام
التعليقات مغلقة.