المثقف النائحة
بقلم : محمد أحمد الشميري
المثقف النائحة
———————————
المثقف الذي لا يعتمد وعياً علمياً صحيحاً يعبّر عن ذاته بنظرية موضوعية حول الظاهرة التي ينشغل بها، ينطلق تلقائياً آنذاك من مواقف تبشيرية، شطحات أخلاقية، أو في أحسن الأحوال أوهام ذاتية، وبالتالي يصبح فكره عاجزاً عن الإسهام في إدراك طبيعة الظاهرة وجدليتها الخاصة، أو بتطويع الظاهرة لمقاصده، هذا يدفع المثقف في كثير من الأحيان إلى ربط كل شيء لمصالحه الذاتية، وتوظيفه لصالحه الشخصي، فالعبارة التي يستخدمها وإن هي كانت إيقاعية أو محفزة وقادرة على الانتشار، وتحاول تقديمه كمثقف مهم أو كبير لكن في صفوف المرتزقة والخونة إلى أن تزول الموجة العابرة لتلك المواقف-الشطحات- أو الأوهام التي كانت تجد أساسها في واقع افتراضي، مملوء بالضجيج، وسرعان ما تتبخر، وليس لها علاقة بأي صياغة موضوعية أو علمية لموضوعها.
هذا يعني من ناحية ثانية، انزلاق أو احتمال انزلاق المثقف فيما يسمى، في الفكر الاجتماعي السياسي الحديث، بالنظرية “الشيطانية” أو ” التآمرية” التي تفسر الثورة كنتيجة لعمل تآمري تقوم به بعض الجماعات الصغيرة السرية أو تعيد مساوئ وشرور نظام، وضع، أو سياسة معينة إلى مقاصد أو انحرفات ذاتية تميز مجموعة من القادة، أو قائداً معيناً، فتنسلخ بذلك عن الأوضاع الموضوعية التي تفسرها، وتقف عندها وكأنها ظواهر عائمة لا علاقة لها بأوضاع كهذه.
هذا واضح جداً في موقف المثقف اليوم الذي يسرع في كثير من الأحيان أو حتى أساسياً، إلى إرجاع سلبيات ذاته إلى الوضع أو إلى انحرفات جماعة كان هو منها ويصفها بأشنع الأوصاف، فيسرع إلى الاتهام والنقد والتشهير، عبر الانحطاط الأخلاقي، والانتهازية، الأنانية، والعمالة الخيانة، الخ، فلولا ذلك المسؤول أو هذا القائد لكان الوضع على غير ما هو عليه، لو كان هناك قادة من نوع آخر لما كنا نعاني ما نعانيه الآن من وضع فاسد، وظلام دامس يلف البيئة والمجتمع من أقصاه إلى أقصاه، بحد وصفه، وأحياناً يبرر للعدوان بكله الذي تباكى هو قبل أيام نتيجة قصفه لقريته، وقتله لأبناء عمومته وأفراد مجتمعه
ومن ناحية أخرى، يجب التنبيه أيضاً أنه دون وعي، ولا يمتلك أي ثقافة، فأي ثقافة يستقي منها تذبذب مواقفه المرتبكة والمتناقضة من وقت لآخر، وأي ثقافة تعزز لديه الخيانة والعمالة، وأي عمل ثوري يزعم أنه يتبناه في ظل تصاعد مواقفه المشبوه، وكيف يصبح المثقف ضحيةَ آنية أحداث ووقائع تخدم عدوه، والمعتدي عليه وعلى وطنه، إن ما يميز العمل الثوري أن يكون صاحبه مصطفاً مع وطنه، ضد المحتل الأجنبي المعتدي عليه، وإلا فالأحداث قد تودي به، وأعماله التي يظن أنها ثورية قد تخرجه عن إرادته وتتحول إلى حلقات منفصلة متنافرة يضيع في فوضاها وبلبلتها.
من يتأثر بمنافق عربي .. منافق عربي وآيات الله تتلى عليه وفيه رسوله، سيعبد يهودياً وليس فقط سيتأثر بيهودي، سيتحول إلى كافر على يد يهودي، وسيرى نفسه في يوم من الأيام يعبد اليهودي كعبادة الناس للشيطان؛ لأن المنافق العربي هو أقل دهاء من اليهود، أقل خبرة، أقل فهماً، أقل ذكاءً، أقل دهاء من اليهود. فإذا كان منافقون عرب من أهل المدينة وممن حول المدينة هم قد يكونون من تأثروا تأثيراً بسيطاً باليهود فأصبحوا منافقين مزعجين، فأصبحوا مؤثرين فالمجتمع الذي يتأثر بالمنافق العربي البدوي سيتأثر باليهودي فيتحول إلى كافر، اليهودي الذي يمتلك تاريخاً من الخبرة قوامه أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ويعرف هذا الدين أكثر مما يعرفه المنافق العربي.
لو تلاحظوا حتى فعلاً منافقي العرب في زماننا ألم يتحولوا إلى خدام لليهود؟ وعن بُعْد يشغلوهم [بالريموت]، عن بُعد.
إذاً فتأتي الآية هي فعلاً تحكي أن هناك وضعية خطيرة حتى على الرغم من وجود النبي ووجود القرآن {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (آل عمران:100) وهل هناك أبعد من الكفر؟.
{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} لا حظ كأنه يحكي بأنه قد حصل منهم، أحياناً عندما تكون حالة الإنسان أو حالة المجتمع مهيأة لأن تسودها ظاهرة معينة يصح أن يُحكى عنها وكأنها قد وقعت. {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) هنا قد نضل بمنافق عربي متأثر بيهودي بدوي.
{وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) توحي الآية بأنه أيضاً: لا بد من هداية الله على هذا النحو، وأن الأمة تحتاج إلى هدي من الله بشكل كتب وإلى أعلام للهدى قائمة، تحتاج إلى أعلام للهدى قائمة. لم يقل: {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية101)، هل اكتفى بهذا؟. {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) عَلَم منكم، رجل منكم، عَلَم للهدى يحمل هذا القرآن، ويدور حوله، ويهديكم بهديه، يحمل رحمة القرآن، ويحمل هدي القرآن – والقرآن هو يتنزل في تلك الأيام آية، آية, على مرأى ومسمع منهم – وهو رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي يعرفونه بشخصه، ويعرفونه بمواقفه، يتحرك بينهم، ومع هذا يمكن أن يضلوا بمنافق يعتبر عميل أو متأثر بيهودي، يكفر بطاعة فريق من أهل الكتاب!.
وأولئك اليهود كانوا أقل دهاء وأقل خبثاً، بل كانوا فعلاً يعدون [بدواً] بالنسبة ليهود اليوم، والكتاب هو كتاب للعالمين إلى آخر أيام الدنيا، والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو رسول للأمة إلى آخر أيام الدنيا، والقرآن هنا ينص على أن الأمة بحاجة إلى القرآن, وبحاجة إلى عَلَم يتجسد فيه القرآن هو امتداد للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ووارث للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في كل عصر من العصور. أليس يعني هذا: بأن الأمة ستكون أحوج ما تكون إلى أعلام للهدى تلتف حولهم؟ هم يجسدون القرآن ويهدون بالقرآن، ويرشدون الأمة بالقرآن، ويعملون على تطبيق القرآن في أوساط الأمة.
البردوني العظيم يكشف في إحدى نبوءاته عن بعض النماذج
يقولون ، قبل النجوم ابتديت … تضيء ، وتجتاز ، ولولا ، وليت
وكنت ضحى (مارب) فاستحلت … لكلّ بعيد سراجا ، وزيت
يقولون ، كنت ، وكنت ، وكنت ، … وفي ضحوة الفجر ، أصبحت ميت
ولم يبق منك ، على ما حكوا … سوى عبرة ، أو بقايا صويت
و(نونية ) شبها (دعبل) … وأصدأ (بائية) (للكميت)
***
ولكن متى متّ ؟ كنت (بخيتا) … فصرت شعوبا ، تسمى (( بخيت))
لأنّ اسمك امتدّ فيهم ، رأوك … هناك ابتديت ، وفيك انتهيت
فأين ألاقيك هذا الزمان … وفي أيّ حقل ؟ وفي أيّ بيت ؟
ألاقيك ، أرصفة في (الرياض) … وأوراق مزرعة في (الكويت)
ومكنة في رمال الخليج … وشبت عن يديك ، وأنت أختفت
واسفلت أسواق مستعمر … أضأت مسافاتها ، وانطفيت
وروّيتها من عصير الجبين … وأنت كصحرائها ، ما ارتويت
***
فكنت هنالك ، سرّ الحضور … و(شيكا) هنا ، كلّ فصلين (كيت)
بريدا : لنا شجن ، كيف (سعد) … و(أروى) ؟ وهل طال قرنا (سبيت)
***
ولكن متى متّ ، ينبي العبير … على ساعديك ، وعن ما ابتنيت
وما دمت تبني ، وتهدي سواك … سيحكون ، منك إليك اهتديت
ومن تجربات النهايات ، جئت … وليدا ، وقبل البزوغ انتفيت
أمثل الربيع ، لبست المغيب … وأنضر من كلّ آت أتيت
التعليقات مغلقة.