دروس من وحي الهجرة النبوية
بقلم / بلقيس علي السلطان
لقد كانت بعثة الرسول الأعظم في عالم يسوده الضلال والظلم ، والجهل والانحلال بمثابة البعث لحياة جديدة يسودها العدل والرشاد ، والعلم والاستقامة والعزة والكرامة إذا ساروا على مصدر تلك العزة والمتمثلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن الكريم ، وإلا فالاستبدال هو السنة الإلهية لمن خالف أوامر الله واستكبر على رسوله وعلى الدين بكله .
ظل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة عشر عام في مكة وهو يدعوهم إلى الهدى وإلى الحق المبين ، تعرض خلالها لأنواع كثيرة من الأذى والصد منها الكلامية فوصفوه بالساحر والمجنون ، ومنها الأذى المباشر فرجموه وأدموا قدمه ، وأساليب قهرية كمحاصرته وتجويعه مع من اتبعوه إلى أن وصل بهم الأمر للتآمر عليه إما بسجنه أو قتله أو إخراجه ، واجتمعوا زعماء الطاغوت والاستكبار على قتله قال تعالى : [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين] وهنا كان لا بد من السنة الإلهية المحتومة بالاستبدال ، والأمر للرسوله صلى الله عليه وآله وسلم
بالهجرة وترك عباد الوثنية المستكبرين ، والانتقال إلى قوم هم أحق باحتواء رسوله الله صلى الله عليه وآله والدعوة الإسلامية الحقة ورفع لوائها والذود عنها ، لأن المجتمع المكي لم يعد مجتمعا نافعاً لانبثاق الدعوة منه وأصبح الشرف والاستخلاف للمجتمع المدني المتمثل بالأوس والخزرج الذين سكنوا يثرب منذ عهد التبع اليماني الذي أمرهم بالمكوث فيها عندما علم أنه سيبعث بالقرب منها نبي أخر الزمان وأوصاهم بنصرته والإيمان به وهكذا فعلوا فكانوا جديرين باحتواء الرسالة المحمدية وحمل راية الحق حتى قال الله عنهم : (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) .
لقد حملت الهجرة النبوية الشريفة في طياتها الكثير من الدروس والعبر والتي يجب الاستفادة منها والأخذ بها على مر التاريخ ، والتي كان منها 🔸رفضه ومحاربته لطواغيت الأرض والمستكبرين ، وتأسيس الإنسان على أساس من التحرر من الاستعباد والإذلال والانقياد وترسيخ المبادى والأخلاق والتي تفصله عن التبعية لقوى الطاغوت .
🔸 أن التجبر والتكبر على الحق بعد تبيانه يسلب التوفيق ويصير الخذلان هو البديل لذلك بسبب التمسك برموز الطاغوت والشر والباطل ، مع علمهم بأنه الحق وبأنه الهدى لكن الخوف على مصالحهم من أن تتعرض للخطر أعمى قلوبهم عن الإهتداء بالدين الحق قال تعالى عنهم : وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا]
🔸الثبات على الموقف والدفاع عن الحق ومحاربة الباطل مهما كان الثمن في ذلك من تعرض للأذى والتجويع ، والبحث عن مكان آمن من أجل نشر الدعوة الحقة .
🔸الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله في الكفر بالطاغوت والتحرر منه والاستقلال الفكري والثقافي والأخلاقي والاستقلال في مسيرة الحياة ، والاستقلال الكلي من التبعية للقوى الظلامية ، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم نأى بنفسه عنهم وعن ظلالهم وجبروتهم وبحث عن مجتمع قابل للتغيير والاهتداء بهدي الله وترك أمة الكفر والظلال .
🔸التمسك بالقرآن الكريم والاهتداء بهديه يظل الوسيلة الأمثل للاستنارة في الحياة ، فبه نعرف الصادق من الكاذب ، والحقيقة من الزيف ، والعدو من الصدق ، نعرف من نتولى ومن نعرض عنه ، من يريد لنا الشر والعودة إلى الكفر بسبب الحسد ومن يريد إغراقنا في متاهات الملذات والإنحلال .
لم تكن هجرة الرسول الأعظم هجرة من مكان إلى مكان فقط ، بل كانت هجرة للحفاظ على الدين ونشره في أوساط أمة تذود عنه وتكون الطليعة الأولى التي تنال شرف الاستقاء من الرسالة المحمدية ونقلها ونشرها للعالم ؛ بل وكانت هجرة من أوساط قوى الطاغوت والشر ونبذهم ونبذ كل أعمالهم وأساليبهم والتحذير من الانسياق ورائهم ، والانتقال إلى قوم كان لهم الأحقية بالاستخلاف بدءً من إيمانهم ومبايعتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مروراً بالوقوف بجانبه وقولهم له : ( فوالله لوخضت بنا البحر لخضناه معك ) فكانوا أحق بحملها من غيرهم حتى اختار رسول الله صلوات الله عليه وآله أن يقضي بقية حياته في أوساطهم بالرغم من الفتح العظيم لمكة والعودة إلى داره ، لكن صحبة من أسماهم الله بالأنصار كانت هي الأسمى من كذلك
التعليقات مغلقة.