مطار صنعاء .. بين مطرقة الحصار و سندان العدوان
بقلم/خلود الشرفي
مازال هناك في سفرة البعيد ، يحلم من جديد ، يتمنى ، يحملق النظر في الأفق البعيد .. متى نعود ؟؟
هكذا كان يتسأل و يكلم نفسه ناسياً أو متناسياً ماحوله ، و كأنه في عالم آخر ..دكتور “رضا “خريج دكتوراه في القلب و الأوعية الدموية .. سافر الى الخارج عام 2005م بعد اكماله الثانوية العامة ، وحصوله على منحة لدراسة الطب في إحدى بلدان المغرب العربي .. حيث حصل على المرتبة الأولى في مدينته آنذاك ..
مازال الدكتور” رضاء ” هائماً في غيبوبته ، متناسيا كل ماحوله .. يتجرع أحزانه ، و يمضغ غرباته في بلد ليس له فيها قريب غير زوجته الوفية و التي تزوجها هناك .. و ابنته البكر ” ملاك ”
و فجاة تدخل زوجته و هي تحمل مائدة العشاء ..لتراه شارد الفكر .. سارح الذهن .. تساله بحنان : تفضل هذا العشاء يا عزيزي .
أدار عيني المغرورقتان بالدموع إليها و هو يقول : شكرا لكِ عزيزتي ..أحس انني لا استطيع الأكل الان ، ربما قد أكل أي شئ فيما بعد …
و لم تشأ” روان ” أن تزعجه أكثر ، فهي تعلم سر حزنه ، فلقد اتاه نبأ استشهاد اخيه في اليمن قبل أربعة ايام ، على يد هذا العدوان اللئيم ..
رجعت بذاكرتها إلى الوراء قليلا ، تذكرت عندما عاد اليها زوجها الدكتور ” رضا ” و الفرح يملأ وجهه ، فهاهو قد أكمل دراسة الدكتوراة ، هاهو يعيش حلمه الذي طالما انتظره بفارغ الصبر سنوات طويلة ..لقد قال لها : سنعود سويا إلى أرض اليمن ، سوف تنبهرين من جمالها وطيبة أهلها ..
تذكرت ابتسامته الواسعة ، و ملامح وجهه و هو يحكي لها عن مسقط رأسه يمن الإيمان و الحكمة ..تنهدت بعمق و هي تتذكر ذلك اليوم الذي بدأت فيه الحرب على اليمن ، و التي أكلت الأخضر و اليابس على مدى خمس سنوات من القتل و التدمير و بلا هواده ..
نعم إننا نحبكِ يا يمن ، و نحبكِ بقوة ..و لكن !!
لا يمكن أن نجازف
هكذا همست لنفسها بصوت خفي ..كيف السبيل إلى الوصول إليكِ ، و المطار مغلق ، و الممرات بيد أحقر الخلق ، و أنذل البشر المرتزقة ، قطاع الطرق ، و عملاء الإجرام ..
لقد كانت تعلم جيداً أنه من الصعب جداً أن يسافر أحداً من الناس دون أن يعترضه قطاع الطرق الوهابي ، و هناك يتم الاعتقال التعسفي ، و السجن ، و التعذيب .. و لو كان يحمل أعلى شهادة في أجلّ العلوم …و ما أكثر الطلاب و المسافرون لنيل العلم ، الذين خطفهم المرتزقة ، و تحملوا أوزارهم إلى يوم الدين ..
تدافعت كل هذه الافكار على قلب الزوجين المغتربين ، في وقت واحد ، و كان كلا منهما يفكر نفس تفكير الآخر ، و كانهما يتسابقان في شوط واحد ..
فلقد صارا من التآلف لدرجة أن يعلم أحدهما بخبيئة نفس الآخر و مكنون صدره ..و هنا اطلق الدكتور “رضا “زفرة عميقة ، و نظر إلى زوجته التي لم تدري ما تقول ، فلم تعلق بشئ ، إلا أنها أطرقت بوجهها إلى الأرض و هي تضم ابنتها النائمة في حجرها و هي تقول “ليت اليمن كانت بخير ” …
و العاقبة للمتقين
التعليقات مغلقة.