الاحتفاءُ بالشهداء ورعايةُ أسرهم فرضٌ واجبُ الأداء كالصلاة
منير الشامي
يقولُ اللهُ تبارك وتعالى في سورة الرحمن بعد أن ذكر بعضاً مما أعده لعباده المقربين من اصناف النعيم في الجنة (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)؛ وذلك ليذكرنا بأنه المحسن العظيم وليحثنا أَنْ نكونَ حريصين على الإحسان وأن نسعى لنبلغ منزلة المحسنين، ومما لا شك فيه أن الشهداءَ رضوان الله عليهم هم أهل الإحسان العظيم، وهم من بلغوا أعلى درجاته، فقدموا أرواحهم رخيصة؛ دفاعاً عنا وعن أرضنا وأعراضنا ودفَعوها ثمنَ عزتنا وكرامتنا في سبيل الله واستجابةً لندائه بلا مِنّة علينا ولا اشتراط ولا سألونا جزاء ولا شكوراً، فصار معروفهم علينا كَبيراً وإحسانهم فينا عظيماً وجميلُ صنعهم لنا لا ثمن له ولا يقاس بالأموال.
ومن الطبيعي أن نحفظ هذا الجميل ونعترف بعظيم إحسانهم إلينا وكبير معروفهم علينا، وأن نستشعر ذلك، وندرك أننا مَدينون لهم بدَين لا قِبَلَ لنا على قضائه وفضلٍ لا طاقة لنا برده لهم؛ لأَنَّ أرواحهم الطاهرة أغلى من كنوز الأرض وثرواتها، ودماءهم الزكية أثمنُ مما تطلع عليه الشمس؛ ولذلك فلسنا مطالبين بقضاء ديونهم ولا ردها، لكننا ملزمين بحفظ جميلهم ورد ما نستطيع أن نرد به على إحسانهم بأية طريقة ممكنة، وبأي شكل.
وأقل ذلك أن نتذكر أن هذا الشهيد ترك أسرته التي ربما كان يعولها وفيها أبٌ عاجزٌ أَو عاطلٌ عن العمل أَو مريضٌ، أَو أُماً لا حول لها ولا قوة، أَو زوجة وصغاراً لا يجدون من الطعام ما يقتاتون به ولا من الملبس ما يستترون به، وربما يكون البعضُ منهم بلا سكن ولا مأوى ويسكن بالإيجار، حينها سندرك أن أمامنا أبواباً شتى لرد قطرة من فيض معروف الشهداء وعظيم إحسانهم ويكون ذلك علينا واجباً مفروضاً ونكون ملزمين بحق لهم علينا وجب تأديتُهُ قبل أن نؤديَ الصلاة كُـلٌّ بقدر استطاعته؛ لأَنَّ صلاة المستطيع منا على رعاية أُسرة شهيد محتاجة ولم يفعل لن تقبل منه؛ لأَنَّه خرج عن دائرة المتقين الذين يتقبل الله منهم بعدم اتقائه لله في أُسرة محتاجة لم يقضِ حاجتها.
ولذلك فمن الواجب علينا جميعاً أن نبادر دائماً إلى تحسُّس أحوال أسر الشهداء ومعرفة أحوالها واحتياجاتها، وَإذَا كنا لا نستطيع قضاءَها فعلينا أن نسعى ونحُضَّ الآخرين على ذلك، بصورة دائمة وفي كُـلّ وقت وأن لا يقتصر ذلك خلال ذكرى الشهيد .
وهذه هي رسالة القائد السيد عبدالملك يحفظه الله ويرعاه الذي وجه بها في خطابه بهذه المناسبة ويوجّه بها في كُـلّ مناسبة؛ لأَنَّ هذا حَـقٌّ لهم حَـقٌّ مفروض وواجب ملزمون بتأديته تجاه كُـلّ أُسرة محتاجة في مجتمعنا حتى ولو لم تكن أُسرة شهيد بدليل قوله تعالى (والذين في أموالهم حَـقٌّ معلوم للسائل والمحروم) فكيف يجب أن ننظر إلى هذا الحَـقّ الذي علينا تجاه أُسرة شهيد له دَينٌ علينا وصاحبُ فضل فينا؟
الملاحَظُ في الواقع أن التقصيرَ تجاه أسر الشهداء متفاوتٌ من منطقة إلى أُخرى، وبعضها لا تقصيرَ فيها، وهذا أمر مؤكّـد وهو ما لمسته في منطقتنا خلال زيارة زوجتي لأسر الشهداء، فالتقصير تجاههم كبير وهو ما يجبُ أن نتداركَه جميعاً، كُـلٌّ بمنطقته ومدينته وحيه وحارته وقريته، فالتقصير تجاه أسر الشهداء أمرٌ يتنافى مع أخلاقنا ومبادئنا وقيَمنا وتعاليم ديننا؛ ولذلك فالمبادرة فيه تأكيدٌ على هُــوِيَّتنا الإيْمَـانية، وعلى تقوانا لله وارتباطنا برسوله وأَعلام بيته الذين ضربوا أروعَ الأمثلة في الجود والعطاء والتضحية، فما أبقوا لهم درهما ولا حفظوا نفساً وباعوا كُـلَّ ذلك لله واشتروا جنةً عرضُها السماواتُ والأرض، وكانوا صفوةَ المتقين .
رحم اللهُ شهداءَنا العظماءَ ونَصَرَ أبطالنا المرابطين وشافى جرحانا وفكَّ قيدَ أسرانا، وما ذلك عليه بعزيز.
التعليقات مغلقة.