saadahnews

الوسوسة

عفاف البعداني

هاهو/ السيد القائد يطل علينا في لقاءات نورانية متسلسلة،و متكوكبة على أفلاك من الهدى، ومعه تتكشف أوجه الحقيقة وتظهرلنا اﻷحداث معه مرتبة بدون تغيب ، في طور جهادي دقيق في محاسبة النفس وتزكيتها من ويلات السنين.

وبينما أنا أتابع المذياع في شرح السيد ،لسورة الناس تعمقت فيني أشياء جديدة، وكأنها سقطت من أفق بعيد ونالت من قاع بحري النفسي ،حصون حسان ،وأدركت أني مجحفة مهما بالغت في الوصف، ولكن كعادته قلمي يشاغبني ويرغمني على البوح، فقررت أن أكتب ما تختلجه نفسي في أشواط حروفية من الحديث .

وتوصلت بصومعة فكري أن الوسوسة/هي عبارة عن أصوات دخيلة ترصدمجريات وأقعك بدقةلتصوب حديثها نحوالعمق الذي يتحكم فيك ويبعثرأمنك وسلامك الداخلي بسهام مسمومة ،تستهدف إدراكك العقلي و تجعلك تنظر إلى الواقع وتباعته من ثقب صغيروكأنها نظرة مغمورة بالتحجر، قدتسلبك الهمة والشعوربالمسوؤليةوأحيانا يصل اﻷمر إلى حد موت الضمير وتسلبك أيضاً الراحة والعيش الهنيء لتدخل بعدها في موسوعة من غرابيل الهم والوهم والتخبط والضياع.

وقد ذكر الله الوسواس في سورة” الناس” وقال: (( من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ))ولطالماتسألت لماذاخص الله الوسوسة في الصدر؟ مع أنها تأتي من حديث العقل الواعي واللاواعي ،ومحلها العقل ؟؟ولكن، اتضحت لي اﻷمور أن الصدر هومحل إصدار الدوافع والكيان الذي يحتوي القلب بعواطفه المختلفة ،فأدركت أنه من تبعات الوسوسة الشعور بضيق خانق ومحله الصدر وأكدت هذه اﻵيةالكريمة((الذي يوسوس في صدور الناس)) أن الوسوسة قد تسبب لك ضيق في الصدرفعلاً .

وتنقسم الوسوسة حسب ماذكر في اﻵية(( من الجنة والناس)) إلى قسمين:

◼️أولاً: “الوسواس الداخلي”

وهو قرين السوء الذي يصاحبك و يتقاوى ويضعف عليك بحسب إيمانك وعلاقتك بالمنهج الرباني
فقد يؤثر عليك هذا النوع بحيث تأتي إليك أفكار شبه جنونية وخيالية بشكل مفرط ،أفكار تبعث فيك اليأس واﻹحباط والفشل والضعف ،من هذه الحياةوتجعلك تعتقد أن هذا الكون بسعته ضيق لايملك لك من الربيع سوى زهرة بائسة ،فقدت عبيرها في أرضك القلبي وسمائك الروحي،

تجعلك تعتنق الوحدة فتصبح علاقتك مع البشر قليلةومحدودة ومحذورة وبهذه الطريقة يخلو لها الجو فتهاجمك بتراكم، في كل أوقات فراغك ويتكون في داخلك سوء الظن بالبشر ومن ثم سوء الظن بالله.

فتجعلك تفكر بأنك شخص سيء والله لن يتولاك برعايته وعنايته ورحمته،وتدخل في مرحلةمتقدمة من القنوط من رحمة الله عز وجل ثناءه ،مع أن الله حاشا أن يكون كذلك ،فهو المسمى الرحمان لعامة مخلوقاته ،والرحيم لخاصة خلقه، فسبحان من إذا إبتعدنا عنه تقرب إلينا بسخاء لطفه وجزيل نعمائه .

◼️ثانيًا:” الوسواس الخارجي ”

وهو الصادر من المحيط الذي تعيش به من بشر وأحداث ومجريات ،فقد يوسوس لك الناس با أفكار ومعتقدات خاطئةلاصحةَ لها، أو قد تكون مغلوطة وأغلبهاقد تكون سلبيةولكن هنا تتقاوى وتضعف عليك الوسوسة حسب الحكمةوالعقلانية التي تسكن في داخلك فأنت قد تسمع الكثيرمن الكلمات الصاخبة ولكنك بوعيك لاتجاري تلك اﻷحاديث والترهات بالتأثر السريع بل ترجع تلك اﻷفكار إلى دائرة الحكمةوالتقعل والواقعية في ذهنك فتأخذ منها المفيد وتترك الضآر،ولاتجتر إلى مستنقع الضياع والتخبط الفكري بفعل تلك الوساوس.

ومن عمق هذا الحديث أقول لكم أيها :القارئين لم أجد عيباًولانقصًا بتاتًا، أن نصاب بالوسوسة فالجميع مهددين بالاجترار نحو تلك الهاويةبصفتنا بشروضعاف ولكني وجدت العيب أن نرضى ونكتفي بها ولا نفتح عقلنا في البحث عن حلول لتلك المشكلة ،من المعيب أيضًاومن النقصان أن نظل في محيط الوسوسة ولانستيقظ من هذا السبات العميق حتى يصبح مقتضى نعيش به بفعل الوساوس.

ومن هنا قررت أن نذهب سوياً للبحث عن حلول لتلك المشكلة بحسب مفهومنا البسيط ونضع لها حد حتى نستطيع أن نعيش ونرى مباهج الحياة بأبعادها المختلفة ومارأيكم أن ندّون بعض الحلول بعبرات قصيرة نتخلص من خلالها من الوسوسة.

1⃣ السبب الرئيسي للوسوسة/ هو قد يكون مرض روحاني أو نفسي لهذا عليك أن تتعرف على ذاتك معرفة عميقة بحيث تدرك أنك نعيش حالة من الوسوسةوتعترف دون تردد أو خوف فتحديد المشكلة هي أول طريق لتخلص منها .

2⃣بعد تحديد المشكلة نبدأنجاريها بالحل وهو أخذ القرار بالتغييرالصادق الذي يغير من نمط تفكيرك تدريجياً.

3⃣اﻻستبدال اﻷمثل لتلك الصفة المراد تغييرها فمثلاً: إذا كانت الوسوسة من مرض روحاني هناك آيات واستعاذات تختص بالوسوسة وعند قرأتها تبدأ تشعر بالراحةوالشفاء التدريجي .

4⃣كذلك إن كانت الوسوسة من الخارج عليك أن لاتستجيب لهابقدر المستطاع والزم حسن الظن باﻵخرين .

5⃣أما إذا كانت الوسوسة من النفس علينا أن لاننقاد إليها تلقائيًا بل علينا أن نواجهها بذكر الله وحسن الظن بالله الغيرمنقطع إلى أن تذهب وتيأس من أفكارنا.

إذًا: اﻷسباب تعددت ولكن الحل هو واحد وهو إرتباطنا بكتاب الله ع

ز وجل، فلو كل إنسان أفنى وقته كله بالذكرفي عمله أو وظيفته ،أوحتى في طريقه، لما استطاعت الوسوسة أن تستغل عقولنا بسهامها المسمومة.

كما أن الفراغ واﻷمراض الجسدية والنفسيه تعد عامل غويص فتولد الوساوس المهولة وكذلك ابتعادنا عن المنهج كمنطلق عملي وحياتي ولولا هذه الممارسات لما وصل بنا الحال إلى ماوصلنا إليه.

أخيرًا :أذكر كم أيها القارئين أن هذه الحلول خاصةبالوسوسةالمرضية الزائدةالتي قد تدهي بنا إلى الجنون ، أما أننا نستطيع أن نتخلص من الوسوسة بشكل نهائي وعام فهذا مستحيل.

ﻷن قرين السوء سيظل يوسوس في عقولنا مادامت في عروقناحياة إلى قيام الساعةوهذه سنة الله في خلقه ولكن نحن نحاول بقدر اﻹمكان
أن نتحدث عن الوسوسة المرضية المروعة.

ونخرج بفائدة هي أن الله خلقنافي هذه اﻷرض ليختبرنا بأنفسنا باأسماعنا وأبصارناوأفكارنا وعقولنا .

وعلينا أن نستوعب هذا اﻹمتحان اﻹلهي الودي وإن صعب علينا أمر ،أو جارت علينا الدنيابمصائبها فيكفينا عزًا وشرفًا وفخرًا أن نقول يالله، بدل من أن نلجأ إلى تلك الوساوس ،فاللهم أعنا على تلك الوساوس،أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

التعليقات مغلقة.